الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفطرة، وإنَّما حُكم بكفره تبعًا لأبويه لثبوت ولايتهما عليه. فإذا انقطعت ولايتُهما بالسِّباء عمل مقتضي الفطرة عمَلَها إذ لم يبقَ له معارِض، فكيف يُحكَم بكفره وقد زال حكم الأبويَّة عنه، وهو لم يصف الكفرَ ولم يعرفه؟ وإنَّما كان كافرًا تبعًا لهما، والمتبوع قد زال حكم استتباعه إذ لم يبق له تصرُّفٌ في نفسه، ولا ولايةٌ على ولده.
ومِن هاهنا قال الإمام أحمد ومَن تبعه: إنَّه يُحكم بإسلامه بموت الأبوين، إذ عدمهما أقوى في زوال التبعية من سِبائه
(1)
منفردًا عنهما أو معهما أو مع أحدهما.
فصل
في ذكر نصوص أحمد في هذا الباب
(2)
قال علي بن سعيد: سمعت أحمد وسئل عن السريَّة في أرض العدو يأخذون صبيانًا، قال: قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان؛ [إن]
(3)
كان معهم غَنَمٌ يسوقونه
(4)
، وإن لم يكن معهم غنمٌ فلا أعلم له وجهًا، إلَّا أن يُدفَع إلى بعض الحصون من الروم.
(1)
في المطبوع: «سابيه» ، خطأ مخالف للأصل.
(2)
من «جامع الخلال» ، باب الصغير يؤسر مع أحد أبويه (1/ 82 - 90) ولاءً.
(3)
مستدرك من «الجامع» .
(4)
أي: إن كان مع السرية غنم أخذوه من العدوِّ فساقوه، جاز لهم أخذ الصبي الصغير، لأنه سيُسقى من لبن الغنم فلا يهلك.
وقال المروذي: سئل أبو عبد الله عن الرضيع يؤسر، وليس معهم من يُرضعه، قال: لا يُترَك، يُحمَل ويُطعَم ويُسقَى، وإن مات مات.
وقال يعقوب بن بُختان: سألت أحمد بن حنبل عن الصبي الصغير يؤخذ من بلاد الروم، فلا يكون معهم من يرضعه قال: يحملونه معهم حتى يموت.
وقال إسحاق بن إبراهيم
(1)
: سألت أبا عبد الله عن الصبي الصغير الرضيع يُخرَج من بلاد الروم، وليس معهم أحدٌ يُرضعه، أيُخرَج به أو لا يُخرَج به
(2)
؟ قال أبو عبد الله: يُخرَج، فإن مات مات وهو مع المسلمين، وإن عاش عاش ــ فإنَّ الله يرزقه ــ وهو من المسلمين.
قال الخلال
(3)
: روى هذه المسألة عن أبي عبد الله أربعةُ أنفسٍ بخلاف ما قال علي بن سعيد. وما روى علي بن سعيد فأظنُّ أنَّه قولٌ لأبي عبد الله أوَّل، ثم رجع إلى أن يُحمَل ولا يُترَك، وهو مسلم إن مات أو بقي. وهو أشبه بقول أبي عبد الله ومذهبه، لأن الطفل عنده إذا لم يكن معه أبواه فهو مسلم، فكيف يترك مسلم في أيديهم ينصِّرونه؟ والذي أختار من قول أبي عبد الله ما روى عنه الجماعة: أن لا يترك، وبالله التوفيق.
وكذلك الصغار ومن لم يبلغ الإدراك ممن يُسبى، أو يكون هاهنا، فإنَّ الحكم فيهم أن يكونوا مسلمين إذا لم يكن معهم آباؤهم، فإذا كان معهم
(1)
ابن هانئ، وهو في «مسائله» (2/ 99 - 100).
(2)
«أو لا يُخرج به» ليس في مطبوعة «الجامع» .
(3)
«الجامع» (1/ 83).
آباؤهم أو أحدهم كان حكمٌ آخر، أنا أبيِّنه بعد هذا إن شاء الله تعالى
(1)
.
وقال المَرُّوذي: قلت لأبي عبد الله: فإن ماتوا ــ يعني الصغار ــ في أيدينا، أيُّ شيء يكون حكمهم؟ قال: حكم الإسلام. قيل له: غلامٌ ابن سبع سنين أُسِر
(2)
، فرأى أنَّه لا يُقتَل، وأن يُجبَر على الإسلام. قال: وهكذا الجارية. قيل له: يُباع على أنَّه مسلم؟ قال: نعم.
وقال أبو الحارث: قال أبو عبد الله: إذا سبي الصغير وليس معه أبواه صُلِّيَ عليه.
وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله، فقال: إذا كان الصغير ليس معه أبواه يُصلَّى عليه.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأبي عبد الله: فإن سبي مولودٌ وحده ما يكون؟ قال: مسلمًا.
وقال الفضل بن عبد الصمد: سألت أبا عبد الله عن الصبي من صبيان العدو يُسبَى فيموت أيُصلَّى عليه؟ فقال: إن كان مع أبويه لم يُصَلَّ عليه، وإن كان وحدَه وقد أُحرِز صُلِّيَ عليه. قلت: فإن لم يكن مع أبويه وكان مع جماعة السبي؟ قال: يُصَلَّى عليه.
وقال إسحاق بن منصور
(3)
: قلت لأبي عبد الله: قال الثوري: إذا كان
(1)
لا يزال الكلام للخلال.
(2)
في الأصل: «أسري» خطأ، وفوقه «كذا» بالحمرة.
(3)
وهو في «مسائله» (2/ 83).
العجم صغارًا عند المسلم صُلِّي عليهم
(1)
، وإن لم يكن خرج بهم من بلادهم فإنَّه يُصلَّى عليهم، وقال حمَّاد: إذا ملك الصغيرَ فهو مسلم. قال أحمد: إذا لم يكن معه أبواه فهو مسلم.
وظاهر هذا النص أنَّه يحكم بإسلامه تبعًا لمالكه. وهذا محض الفقه، إذ لا فرقَ بين ملكه بالسِّباء وملكه بالشراء، لأنَّ المعنى الذي حُكِم لأجله بإسلامه إذا ملك بالسباء هو بعينه موجودٌ في صورة الملك بالشراء، فيجب التسوية بينهما لاستوائهما في علة الحكم. وقد صرَّح به في رواية الفضل بن زياد، فقال: سمعت أبا عبد الله وسئل عن المملوك الصغير يُشترى، فإذا كبر عند سيده أبى الإسلام؟ قال: يُجبَر على الإسلام، لأنَّه قد ربَّاه المسلمون وليس معه أبواه. قيل له: فكيف يُجبَر؟ قال: يُعذَّب. قيل له: يُضرَب؟ قال: نعم. فقال رجل عنده: سمعت بقية
(2)
يقول: يُغوَّص في الماء حتى يرجع إلى الإسلام! فضحك من ذلك وعجب منه.
= فقد صرَّح بأنَّه تابعٌ لمالكه
(3)
.
وقال أبو زكريا النَّيسابوري: سمعت أبا عبد الله يقول في غلام سُبي وهو صغيرٌ، فلما أدرك عُرض عليه الإسلام فأبى، فقال أبو عبد الله: يُقهَر عليه.
(1)
في الأصل: «عليه» ، والمثبت من «الجامع» .
(2)
تصحَّف في المطبوع إلى: «فيه» ، فزاد صبحي الصالح بعده «مَن» بين الحاصرتين لإقامة السياق. وبقيَّة هو ابن الوليد الحمصي، وسيأتي مثله عن شيخه الأوزاعي.
(3)
مع أنه ملكه بالشراء لا بالسباء. وهذا خلافًا للشافعية الذين يرون ــ كما سبق ــ «أنَّ التبعية إنَّما تثبت في ابتداء السبي» لا بالشراء.
قال: كيف يُقهَر عليه؟ قال: يُضرَب. فحكى مُهنَّا عن الأوزاعي قال: يُغوَّص في الماء حتى يرجع إلى الإسلام. قال: فرأيت أبا عبد الله يستعيد مهنَّا: كيف قال الأوزاعي؟ وجعل يبتسم.
وقال أبو داود
(1)
: قلت لأبي عبد الله: السبي يموتون في بلاد الروم، قال: معهم آباؤهم؟ قلت: لا، قال: يُصلَّى عليهم. قلت: لم يُقْسَموا ونحن في السرية؟ قال: إذا صاروا إلى المسلمين وليس معهم آباؤهم فإن ماتوا يُصلَّى عليهم وهم مسلمون. قلت: فإن كان معهم آباؤهم؟ قال: لا. قلت: لأبي عبد الله: إنَّ أهل الثغر
(2)
يُجبِرونهم على الإسلام وإن كان معهم آباؤهم، قال: لا أدري. وسمعت أبا عبد الله مرةً أخرى يُسأل عن هذه المسألة ــ أو ذكرها ــ فقال: أهل الثغر يَصنَعون أشياء ما أدري ما هي!
وقال صالح: قلت لأبي: الصبي إذا أسره المسلمون؟ قال: يجبر على الإسلام. قلت: وإن كان مع أبويه؟ قال: بلغني أنَّ أهل الثغر يُجبِرونه على الإسلام، وما أُحبُّ أن أُجيبَ فيها. قلت: إنَّ بعض مَن يقول: لا يُجبَر يقول: إنَّ عمر بن عبد العزيز فادى بصبيٍّ صغيرٍ. قال أبي: هذا فادى به وهو مسلم
(3)
. واستشنع قول من قال: لا يُجبَر.
(1)
في «مسائله» (ص 330)، والنقل من «جامع الخلال» .
(2)
في الأصل: «النفير» ، تصحيف.
(3)
أي: الصغير الذي فادى به عمر بن عبد العزيز كان مسلمًا بالتبعية للمسلمين الذين سبوه.
وقال بكر بن محمد، عن أبيه أنَّه سأل أبا عبد الله عن أهل الشرك يُسبَون وهم صغارٌ ومعهم الأب والأم؟ قال: هم مع آبائهم نصارى، وإن كانوا مع أحد الأبوين فهكذا هم نصارى، فإذا لم يكن مع أبويه ولا مع أحدهما فهو مسلم. قال: وعمر بن عبد العزيز فادى بصبي، ولا يعجبني أن يفادي بصبي، ولا إن كان معه أبواه ــ ولا يُجبَر أبواه ــ، لأنه إذا كان مع أبويه أو مع أحد أبويه يُطمع أن يموت أبواه وهو صغيرٌ فيكون مسلمًا، وأهل الثغر والأوزاعي يقولون: إذا كانوا صغارًا مع آبائهم فهم مسلمون.
وقال الحسن بن ثواب
(1)
: قلت لأبي عبد الله: سألت بعض أصحاب مالك عن قومٍ مشركين سُبُوا ومعهم أبناؤهم صغار ما يَصنع بهم الإمام إذا ماتوا؟ يأمر بالصلاة عليهم، أو يجبرهم على الإسلام؟ قال لي: إذا كان مع أبيه لم أُجبِره على الإسلام حتى يعرف الإسلام ويصفه، فإن أسلم وإلا أُجبِر عليه. قلت: لا يعقل
(2)
؟ قال: اضرِبْه
(3)
ما دون نفسه. وإذا أُخِذ أطفالٌ صغارٌ وليس معهم آباؤهم حتى يصيروا في حيِّز المسلمين إلى بلدهم، ثم ماتوا صُلِّي عليهم ودُفِنوا.
قلت: وسألتُ بعض أصحاب مالك عن رجل سُبِي وامرأته ومعهما
(4)
(1)
في الأصل: «أيوب» ، والتصحيح من هامشه. وفي مطبوعة «الجامع» (1/ 87):«الحسين بن ثواب» ، تصحيف.
(2)
في هامش الأصل: «لا يفعل» ، والمثبت من متنه موافق لمطبوعة «الجامع» .
(3)
يحتمل: «أضربُه»
(4)
في الأصل: «معهم» ، والمثبت من «الجامع» .
صبيٌّ صغيرٌ ما يصنع به؟ قال: أدَعُه حتى يعقل الإسلام، فإذا عقله فإمَّا أن يسلم وإلا السيف.
قال أبو عبد الله: إنَّ قومًا يقولون: إذا سُبي وهو بين أبويه أُجبِر على الإسلام، وإذا سُبِي وليس معه أبواه فمات كُفِن وصُلِّي عليه، وإذا كان معه أبواه لم يُصَلَّ عليه
(1)
، وتبسَّم ثم ضَحِك.
وقال حنبل: قال عمِّي
(2)
في السبي يُسبَى مع
(3)
العدو فيموت، قال: إذا صلَّى وعرف الإسلام صُلِّي عليه ودُفِن مع المسلمين، وإذا لم يُسلِم ويُصلِّ لم يُصَلَّ عليه. وفي الصغير يُسلِم ثم يموت قال: يُصلَّى عليه.
قال حنبل: وحدثنا إبراهيم بن نصرٍ، حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن الربيع، عن الحسن البصري في السبي يسبى مع أبويه فيموت:
(4)
يُصلَّى عليه.
وقال المرُّوذي: قلت لأبي عبد الله: إني كنت بوَاسِط فسألوني عن [الذي]
(5)
يموت هو وامرأته ويدَعا
(6)
طفلَين، ولهما عمٌّ، ما تقول فيها؟
(1)
«وإذا كان معه أبواه لم يُصَلَّ عليه» ليس في مطبوعة «الجامع» ، ولعله سقط لانتقال النظر.
(2)
رسمه في الأصل يشبه: «عمر» ، وكذا في المطبوع، وهو تصحيف. والمراد: الإمام أحمد. انظر ما سبق (1/ 249).
(3)
كذا في الأصل. وفي «الجامع» : «مِن» ، وهو أشبه.
(4)
في الأصل زيادة: «ثمَّ» ، ولا وجه لها.
(5)
مستدرك من «الجامع» (1/ 89). في المطبوع: «عمن يموت» .
(6)
كذا في الأصل و «الجامع» .
فإنَّهم كتبوا إلى البصرة
(1)
فيها، وقالوا: إنَّهم قد كتبوا إليك، فقال: أكره أن أقول فيها برأيي، دعْ حتى أنظر لعلَّ فيها عمَّن تقدَّم. فلما كان بعد شهر عاوَدته، فقال: قد نظرتُ فيها فإذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه» ، وهذا ليس له أبوان، قلت: يُجبَر على الإسلام؟ قال: نعم، هؤلاء مسلمون لقول النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو الحارث: قال أبو عبد الله: ولو أن صبيًّا له أبوان نصرانيان فماتا وهو صغيرٌ، فكفله المسلمون فهو مسلم.
وقال يعقوب بن بختان: قال أبو عبد الله: الذمي إذا مات أبوه
(2)
وهو صغيرٌ أُجبِر على الإسلام، وذكر الحديث:«فأبواه يهودانه وينصرانه» .
وقال إسحاق بن منصور
(3)
: سألت أبا عبد الله عن نصرانيَّين يكون بينهما ولد فيموت الأب
(4)
، الابن
(5)
يُجبَر على الإسلام؟ قال: نعم، يُجبَر على الإسلام.
(1)
في مطبوعة «الجامع» : «إليَّ بالبصرة» ، ولعله تصحيف.
(2)
في المطبوع: «أبواه» ، خلاف الأصل و «الجامع» .
(3)
كذا في الأصل، وهو وهم، فإن الخلال رواه عن «محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدَّثهم» . وإسحاق الذي يروي عنه محمد بن أبي هارون (في كتاب الخلال) هو ابن إبراهيم بن هانئ. وأما مسائل إسحاق بن منصور، فالخلال يرويها عن أحمد بن محمد بن حازم عنه. والمسألة في «مسائل ابن هانئ» (2/ 100).
(4)
في «الجامع» : «فيموتان» ، وفي «المسائل»:«فيموت الأبوان» .
(5)
في الأصل كلمة غير محررة تشبه «من» ، وعليه علامة بالحمرة استشكالًا.
وقال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن ولد يهودي أو نصراني مات أبواه
(1)
وهو صغيرٌ؟ قال: هو مسلم إذا مات أبواه، قلت: يرث أبويه؟ قال: نعم يرثهما، ويُجبَر على الإسلام. قلت: فله عمٌَّ أو أخٌ، أرادوا أن يأخذوه؟ قال: لا يأخذوه، هو مسلم. قلت: فمات عمُّه أو أخوه يرثه؟ قال: لا.
وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: اشترى رجل عبدًا يهوديًّا أو نصرانيًّا وليس معه أبواه، يُجبَر على الإسلام؟ قال: يُعجِبني ذلك إذا لم يكن معه أبواه.
فصل
قال الخلَّال في «الجامع»
(2)
: باب الصبي يخرج من دار الشرك إلى أبويه في دار الإسلام وهما نصرانيان في دار الإسلام. أخبرني محمد بن يحيى الكحَّال أنَّه قال لأبي عبد الله: الصبي يخرج إلى أبويه وهما نصرانيان؟ قال: هو مسلم، قلت: فإن مات يصلِّي عليه المسلمون؟ قال: نعم.
فقد حكم بإسلامه مع وجود أبويه الكافرين من غير سباءٍ ولا رقٍّ حادثٍ عليه. ووجه هذا ــ والله أعلم ــ أنَّه لمَّا كان منفردًا عن أبويه، ولم يكن لهما عليه حكمٌ في الدار التي حُكمُ المسلمين فيها عليه دون أبوَيه= كان محكومًا بإسلامه بانقطاع تبعيَّته لهما، فإذا خرج إليهما وهما في دار الإسلام خرج إليهما
(3)
وهو
(1)
في الأصل: «أبوه» ، والمثبت من «الجامع» ، وجواب الإمام الآتي يدل عليه.
(2)
(1/ 90).
(3)
المطبوع: «إليها» ، خلاف الأصل.