المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ذبح الإنسان شاة أو نحوها لغيره - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ كلام بعض علماء التفسير وشراح الحديث على نصوص من الكتاب والسنة

- ‌ نقول عن بعض علماء التفسير:

- ‌ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:

- ‌ أبو بكر الجصاص

- ‌ أبو بكر بن العربي

- ‌أقوال فقهاء الإسلام في تحديد المراد بجريمة الحرابة والإفساد في الأرض

- ‌ مذهب الحنفية

- ‌ مذهب المالكية

- ‌مذهب الشافعية

- ‌مذهب الحنابلة

- ‌ تعريف الخمرة وبيان الفرق بين المسكر والمخدر والمفتر

- ‌ عمل المسلم المستخدم في مصانع لا يصنع فيها إلا عصير الخمر والمسكرات

- ‌ إكرام الرفقاء غير المسلمين

- ‌ حكم النفس التي كادت أن تهلك ولا يمكن استشفاؤها بشيء سوى الخمر

- ‌ أكل لحم الدجاج المثلج المستورد من الخارج

- ‌ أكل الضفدع:

- ‌ شرب الدخان وأكل الضبع

- ‌ الذبائح التي تباع في الأسواق من البلاد التي لا يسلم أهلها من الشرك

- ‌ المسلم الذي يشرب الخمر ولا يقبل النصح

- ‌ ذبح الإنسان شاة أو نحوها لغيره

- ‌تعريف الربا لغة وشرعا

- ‌ الربا في الكتاب العزيز

- ‌ الربا في السنة النبوية)

- ‌ حكم الربا في الإسلام

- ‌مضار الربا وحكمة تحريمه

- ‌أنوع الربا وحكم كل نوع

- ‌نوعية الربا كما أوضحها ابن القيم

- ‌التعامل مع البنوك

- ‌تحريم الربا الاستهلاكي والإنتاجي

- ‌وسائل القضاء على الربا

- ‌ القرض الحسن:

- ‌ إنظار المعسر ريثما يزول إعساره والترغيب في إبراء ذمته من الدين

- ‌ التعاون في مختلف دروبه وبكل وسائله

- ‌خاتمة البحث

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌كلمة لا بد منها

- ‌المعجم

- ‌تعليل تسمية حروف العربية بحروف المعجم:

- ‌تاريخ استخدام اللفظ وشيوعه:

- ‌جمع اللفظ والخلاف فيه:

- ‌مرادفه (القاموس):

- ‌الحروف العربية من الأبجدية إلى الهجائية إلى المخارج

- ‌نشوء المعاجم اللغوية

- ‌البحث عن الألفاظ في المعاجم العربية

- ‌مدارس المعاجم العربية

- ‌ مدرسة العين:

- ‌ مدرسة الجمهرة:

- ‌ مدرسة المقاييس:

- ‌ مدرسة الصحاح:

- ‌ مدرسة الأساس:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌حمزة بن عبد المطلبأسد اللهوأسد رسوله

- ‌نسبة وأيامه قبل الإسلام

- ‌إسلام حمزة

- ‌في شعب أبي طالب

- ‌الهجرة العامة

- ‌أول لواء في الإسلام

- ‌في غزوة بدر الكبرى

- ‌في غزوة بني قينقاع

- ‌في غزوة أحد

- ‌ في المعركة

- ‌ الشهيد

- ‌رثاؤه

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌حمزة في التاريخ

- ‌منقبةللملك فيصل

- ‌نداء وتذكير

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ذبح الإنسان شاة أو نحوها لغيره

الله، إنما الطاعة في المعروف (1)»، رواه النسائي وابن ماجه، عن علي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2)» ، رواه الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، عن عمران والحكم بن عمرو الغفاري، وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) صحيح البخاري أخبار الآحاد (7257)، سنن النسائي البيعة (4205)، سنن أبو داود الجهاد (2625)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 82).

(2)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 131).

ص: 165

فتوى رقم 1984 في 20/ 6 / 1398 هـ

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفسار المرسل من أحد السائلين، وهو:

السؤال: جرت عادة بعض العرب على استرضاء بعضهم بعضا عند الحاجة، فأحيانا يأتي المسترضي بشاة ولا يدخل من الباب إلا بعد ذبحها باسم الله، وأحيانا إذا أقبل المسترضي بالشاة (العقيرة) أخذها المقبل عليه، وقال: العقيرة حرام، ورفعها لنفسه، وذبح للمسترضي غيرها إكراما له، فهل يجوز أكل لحم الشاتين أو إحداها أو لا يجوز؟

الجواب:‌

‌ ذبح الإنسان شاة أو نحوها لغيره

، قد يكون القصد منه إكرامه، بتقديم الذبيحة إليه طعاما يأكل منه هو ورفقاؤه، ومن دعي إلى الأكل معهم، فهذا جائز، بل حثت عليه الأحاديث الصحيحة ورغبت فيه، فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه (1)» ، وثبت من حديث أبي شريح الكعبي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، جائزته يوم وليلة، والضيافة: ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له

(1) صحيح البخاري الأدب (6019)، صحيح مسلم الإيمان (48)، سنن الترمذي البر والصلة (1967)، سنن أبو داود الأطعمة (3748)، سنن ابن ماجه الأدب (3672)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 31)، موطأ مالك الجامع (1728)، سنن الدارمي الأطعمة (2036).

ص: 165

أن يثوي عنده حتى يحرجه (1)».

وقد يكون القصد من الذبح مجرد إعظامه وتكريمه، سواء قدمت الذبيحة بعد ذلك طعاما لأكله أم لا، فذلك غير جائز، بل هو شرك يوجب اللعنة؛ لدخوله في عموم الذبح لغير الله، وقد ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات: «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض (2)» ، وعلى هذا لا يجوز الأكل من هذه الذبيحة، ولو ذكر الذابح عليها اسم الله؛ لأن الأعمال بالنيات، وهذه قصد بها تقديم عقيرة تحية لغير الله إعظاما، ومجرد تكريم له، لا أكله منها.

أما إن قدمها حية فأخذها المسترضى وذبحها للضيوف، أو ذبح غيرها للضيوف فيجوز الأكل من كل منهما لكونها لم تذبح لإعظامه.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) صحيح البخاري الأدب (6135)، صحيح مسلم اللقطة (48)، سنن الترمذي البر والصلة (1967)، سنن أبو داود الأطعمة (3748)، سنن ابن ماجه الأدب (3672)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 385)، موطأ مالك الجامع (1728)، سنن الدارمي الأطعمة (2036).

(2)

صحيح مسلم الأضاحي (1978)، سنن النسائي الضحايا (4422)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 118).

ص: 166

فتوى رقم 1989 وتاريخ 20/ 6 / 1398 هـ-

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفسار المرسل من أحد السائلين، وهو:

السؤال: بعير هائج أراد أن يأكل صاحبه فقتله بسهم أو غيره، في غير مذبحه فهل يحل أكله؟

ص: 166

الجواب: التسمية على الذبيحة مشروعة، قال تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (1)، وقال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (2)، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:«ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا (3)» ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " التسمية عليه واجبة بالكتاب والسنة، وهو قول جمهور العلماء. انتهى.

وعلى هذا، فالصورة المسئول عنها إذا لم يمكن الوصول إلى المذبح فيجرح حيث أمكن، مثل الطعن في الفخذ أو غيره، كما يفعل بالصيد الممتنع، ويباح بذلك عند جمهور العلماء، والأصل في هذا ما ثبت في الصحيحين عن رافع بن خديج رضي الله عنه «أنه ند على الناس بعير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرماه رجل بسهم فقتله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا (4)» .

لكن لو أدركه حيا فإنه ينحره مع المذبح حيث أمكن ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصيد: «فإن أدركته حيا فاذبحه (5)» الحديث.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) سورة الأنعام الآية 118

(2)

سورة الأنعام الآية 121

(3)

صحيح البخاري الشركة (2507)، صحيح مسلم الأضاحي (1968)، سنن الترمذي الأحكام والفوائد (1491)، سنن النسائي الضحايا (4410)، سنن أبو داود الضحايا (2821)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 463).

(4)

صحيح البخاري الذبائح والصيد (5498)، صحيح مسلم الأضاحي (1968)، سنن الترمذي الأحكام والفوائد (1492)، سنن النسائي الصيد والذبائح (4297)، سنن أبو داود الضحايا (2821)، سنن ابن ماجه الذبائح (3183)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 463)، سنن الدارمي الأضاحي (1977).

(5)

صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929)، سنن النسائي الصيد والذبائح (4263)، سنن الدارمي الصيد (2002).

ص: 167

فتوى رقم 1997 في 2/ 7 / 1398 هـ

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفسار المرسل من أحد السائلين، وهو:

السؤال الأول: هل يجوز لمن لا يدين بدين الإسلام أن يأكل من لحم عيد الأضحى؟

ص: 167

الجواب: نعم يجوز لنا أن نطعم الكافر المعاهد والأسير من لحم الأضحية، ويجوز إعطاؤه منها لفقره أو قرابته، أو جواره أو تأليف قلبه؛ لأن النسك إنما هو في ذبحها أو نحرها قربانا لله وعبادة له، وأما لحمها فالأفضل أن يأكل ثلثه، ويهدي إلى أقاربه وجيرانه وأصدقائه ثلثه، ويتصدق بثلثه على الفقراء، وإن زاد أو نقص في هذه الأقسام أو اكتفى ببعضها فلا حرج، والأمر في ذلك واسع، ولا يعطى من لحم الأضحية حربيا؛ لأن الواجب كبته وإضعافه، لا مواساته وتقويته بالصدقة، وكذلك الحكم في صدقات التطوع؛ لعموم قوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (1) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن تصل أمها بالمال وهي مشركة.

السؤال الثاني: هل يجوز للمسلم أن يأكل اللحم غير المذبوح الذي يبيعه الأوربيون وهو ميتة، مع أن في استطاعتنا أن نشتري الدجاج والأرانب والغنم، ولدينا القدرة على ذبحها؟

الجواب: إذا كان الواقع كما ذكرت من أن لحوم الدجاج والأرانب والشياه ونحوها لديكم لحوم حيوانات غير مذبوحة، وأنها ميتة، فلا يجوز لكم معشر المسلمين أن تأكلوا منها، إلا في حالة الضرورة، التي تبيح أكل الميتة، وقد ذكرت في سؤالك أن في استطاعتكم أن تذبحوا ما تحتاجونه ذبحا شرعيا، فاذبحوا لأنفسكم على الصفة الشرعية، واجتنبوا ما كان من اللحوم على الصفة التي ذكرت في السؤال فإنها رجس.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) سورة الممتحنة الآية 8

ص: 168

فتوى رقم 2065 في 26/ 8 / 1398 هـ

الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفسار المرسل من أحد السائلين، وهو:

السؤال: دهست سيارة شاة، فكسرت ظهرها ورجلها، فأسرعت إليها وهي حية وذبحتها، وهي تمشي وتتعثر، وبعدما ذبحتها وفسخت جلدها، قيل لي: إن هذه الشاة حرام، فتركتها، أرجو الإجابة فما حكم هذه الذبيحة؟

الجواب: إذا كان الأمر كما ذكرت فهذه الذبيحة حلال؛ لأنك ذبحتها وهي لا تزال حية؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} (1) إلى أن قال: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (2) وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

(1) سورة المائدة الآية 3

(2)

سورة المائدة الآية 3

ص: 169

صفحة فارغة

ص: 170

منهج السلف في العقيدة

وأثره في وحدة المسلمين

إعداد: الدكتور صالح بن سعد السحيمي

الدكتور صالح بن سعد السحيمي.

تاريخ الميلاد: 1366 هـ.

حصل على الشهادة العالية " الليسانس " من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1392 هـ، ثم الماجستير من جامعة الأزهر، كلية الشريعة عام 1400 هـ وكان موضوع الرسالة " المساقاة وأحكامها في الشريعة الإسلامية، ثم حصل على الدكتوراة من الجامعة الإسلامية من شعبة الفقه عام 1403 هـ، وكان موضوع الرسالة " أحكام عقد الإجارة في الشريعة الإسلامية ".

يعمل أستاذا مساعدا في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، ورئيسا لقسم الفقه بكليات الجامعة.

قدم عدة بحوث نشرت في بعض المجلات الإسلامية.

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كبيرا.

وبعد:

فهذا جهد متواضع، أساهم به لبيان المنهج الذي كان عليه السلف الصالح في العقيدة، ومدى مخالفة الناس لذلك المنهج، مما فرق كلمة المسلمين وأضعف وحدتهم.

وجعلت عنوان البحث: منهج السلف في العقيدة وأثره في وحدة المسلمين؛ وقد حملني على ذلك إهمال كثير من الباحثين لهذا الجانب، أعني جانب العقيدة، والذي هو

ص: 171

العامل الأول، والركيزة الأساسية التي ينبني عليها كيان المجتمع الإسلامي، وتنضوي تحت لوائها صفوف المسلمين، منها يستلهمون طريق وحدتهم، وعلى ضوئها يشقون طريقهم إلى أعلى قمم المجد والعلى، وبهداها ومبادئها القيمة يفتحون القلوب قبل أن يفتحوا الأمصار والأقطار، ولقد كثرت المؤلفات والخطب والمحاضرات والمواعظ والندوات التي تنادي بوحدة المسلمين، وجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم بالأساليب المتعددة، وطرح الحلول الكثيرة، لكن هذه الأساليب والحلول ناقصة وغير تامة؛ نظرا لاهتمامها بالجوانب الفرعية فقط، فنجد أن جماعة ممن يهتمون بعوامل التضامن الإسلامي يركزون جل اهتمامهم على الجانب السياسي، ونجد جماعة أخرى تركز على الجانب الأخلاقي، ونجد جماعة ثالثة تركز على جوانب الترغيب والترهيب والزهد والورع، وقل أن تجد من بين هؤلاء من يهتم بالجانب الأساسي والركن العظيم، والذي هو الحصن الحصين، والمنطلق المتين لجمع كلمة المسلمين، ألا وهو عقيدة التوحيد الذي جمعنا الله به بعد الفرقة، وألف بين قلوبنا بعد التمزق، حتى أصبحنا به أمة واحدة ذات هدف واحد ومنطلق واحد، وعقيدة واحدة، هي مصدر عزتنا، وعنوان سعادتنا، ومناط وجودنا في هذه الحياة، إنها عبادة الله الذي لا إله غيره، ولا رب سواه، إنه الهدف الأسمى، والمقصد الأعلى الذي خلقنا الله له، وأوجدنا من أجله، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، وقال تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2).

وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (3)، إذا تأملنا هذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها - وما أكثره في كتاب الله - وجدنا أن أساس كل عمل في الإسلام إنما ينطلق من العقيدة، ويرتكز عليها، كما يرتكز البناء على أركانه.

والبيت لا يبتنى إلا له عمد

ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

وإذا عرفنا ذلك فإن أية دعوة إلى التضامن الإسلامي، إذا لم ينطلق أصحابها من

(1) سورة الذاريات الآية 56

(2)

سورة الزمر الآية 2

(3)

سورة البينة الآية 5

ص: 172

هذا المبدأ الأساسي، ولم تؤسس على هذا البناء الراسخ، ولم تقم على تحقيق التوحيد، وتخليصه من شوائب الشرك والبدع والمعاصي؛ فإنها دعوة سيكتب لها الفشل لا محالة، عاجلا أم آجلا؛ لأن البناء لا يقوم في الهواء، ولا يمكن تشييده إلا على أرض صلبة حتى لا يتعرض للانهيار يوما من الأيام.

قال الله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1).

وحينما نقول: إن مبنى التضامن الإسلامي على عقيدة التوحيد وعندما ندعو إلى وجوب الانطلاق من هذا المبدأ، فإن ذلك لا يعني إهمال الجوانب الأخرى التي أشرنا إليها أو إلى بعضها في ما مضى، وإنما نعني وجوب التأسيس، وذلك بأن نبدأ أعمالنا كلها من هذا المنطلق.

فعلى ضوئه تكون السياسة، وعلى منهجه نبني الآداب والأخلاق، وفي حدوده ندعو إلى الترغيب والترهيب، وعلى مبادئه يوجد بإذن الله تعالى المجتمع الإسلامي الصالح المنشود، وتوجد السعادة البشرية في الدنيا والآخرة، ويعود الناس إلى دين الله أفواجا فينعمون بالخير والأمن والطمأنينة، وفق هدى العقيدة الخالصة الوارفة الظلال، فيتخلصون بذلك من أدران الوثنية وأوضار الجهل، وحينئذ تصفو قلوبهم، وتخلص لله، وتخلع ربقة الشرك الذي ران عليها سنين طويلة، والذي هو أعظم ذنب عصي به الله عز وجل، منذ أن انحرف الناس عن الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها حتى وقعوا فيما وقعوا فيه من الإفراط والتفريط والغلو والتقصير، فلقد كان الإنسان في أول خلقه على المنهج الرباني الصحيح، عقيدة وسلوكا، وأخلاقا وعبادة ومعاملة، حقبة من الزمن.

يذكر علماء التاريخ والسير بأنها تقدر بعشرة قرون، إلى أن بدأ الانحراف في العقيدة، في أولئك القوم الذين بعث الله فيهم نوحا عليه الصلاة والسلام، بعد أن زين لهم الشيطان عبادة الأصنام والأوثان، بسبب الغلو في الصالحين؛ فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (2)

(1) سورة التوبة الآية 109

(2)

سورة نوح الآية 23

ص: 173

قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت، فانظر كيف بدأ الانحراف عن الصراط السوي نتيجة للغلو بطريق التدريج، وذلك أنهم كانوا يتبركون بدعائهم، وكلما مات منهم أحد مثلوا صورته وتمسحوا بها زمنا طويلا إلى أن عبدوها باستدراج الشيطان لهم، ثم صارت سنة في الناس يهرم عليها الكبير، ويشب عليها الصغير إلى أن بعث الله فيهم نوحا عليه الصلاة والسلام فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى توحيد الله ونبذ عبادة ما سواه، فأصروا واستكبروا استكبارا، ولم يؤمن منهم إلا النزر اليسير.

وما كان عليه حال قوم نوح هي نفس الحال التي ارتكس فيها الناس بعد ذلك من الغلو ومجاوزة الحد، واتباع الهوى الذي أودى بالناس إلى عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وأخطر هذه الأسباب هو الغلو الذي حذر الله منه في غير ما آية من كتابه.

والغلو هو مجاوزة الحد، وضابطه: تعدي ما أمر الله به بالزيادة فيه، وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله تعالى:{وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (1). وكذا قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (2)، أي لا تتعدوا ما حد الله لكم.

وأهل الكتاب هنا: هم اليهود والنصارى، فنهاهم عن الغلو في الدين، ونحن كذلك كما قال تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (3)، والغلو كثير في النصارى، فإنهم غلوا في عيسى عليه الصلاة والسلام فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله، يعبدونه كما يعبدون الله، بل غلوا فيمن زعم أنه على دينه من أتباعه، فادعوا لهم العصمة، واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقا أو باطلا، وناقضتهم اليهود في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام، فحطوا من منزلته

(1) سورة طه الآية 81

(2)

سورة النساء الآية 171

(3)

سورة هود الآية 112

ص: 174

حتى جعلوه ولد بغي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - يرحمه الله -: " ومن تشبه من هذه الأمة باليهود والنصارى، وغلا في الحين بإفراط أو تفريط، وضاهاهم في ذلك، فقد شابههم، كالخوارج المارقين من الإسلام الذين خرجوا في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتلهم حين خرجوا على المسلمين، وكان قاتلهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك من عشرة أوجه في الصحاح، والمسانيد وغير ذلك، وكذلك من غلا في دينه من الرافضة والقدرية والجهمية والمعتزلة "، وقال أيضا: " فإذا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى الإسلام وقد مرق منه مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان، قد يمرق أيضا من الإسلام، وذلك بأسباب منها الغلو الذي ذمه الله في كتابه، حيث قال:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (1) اهـ.

وهذا الكلام يدل دلالة واضحة على أن أعظم فتنة ابتليت بها البشرية إنما هي فتنة الغلو الذي جاء التحذير منه في غير ما آية وحديث، وقد تقدم من الآيات ما يوضح ذلك، أما الأحاديث فمنها ما ثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله (2)» ، وثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو (3)» .

وهذه نصوص صريحة وواضحة في أن سبب الانحراف عن العقيدة الصحيحة والفطرة السليمة إنما هو ذلك الغلو ومجاوزة الحد الذي أدى بالتالي إلى صرف العبادة إلى غير الله سبحانه وتعالى، الأمر الذي من أجله بعث الله الرسل لإعادة الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ذلكم هو الهدف الأسمى الذي أوجد الله من أجله الثقلين: الجن والإنس، فكل عاقل في هذا الوجود يعرف أنه مخلوق لخالق، ومربوب لرب، أوجده بعد أن لم يكن.

لو طرح سؤال مفاده: لماذا خلقت في هذه الحياة؟ ولماذا فضلت على سائر الكائنات الأخرى؟ وما هي مهمتك في هذه الحياة؟ فإن الجواب عند المؤمن حاضر بكل

(1) سورة النساء الآية 171

(2)

صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3445)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 56).

(3)

سنن النسائي مناسك الحج (3057).

ص: 175

بساطة: إن كان صانع يعرف سر صنعته، لماذا صنعها؟ ولماذا صنعها على نحو معين دون غيره؟

والله تعالى هو صانع الإنسان وخالقه، ومدبر أمره.

فلنسأله: يا رب لماذا خلقت هذا الإنسان؟

هل خلقته لمجرد الطعام والشراب؟ هل خلقته للهو واللعب؟ هل خلقته لمجرد أن يمشي على التراب ويأكل مما خرج من التراب، ثم يعود كما كان إلى التراب، فإذا لم يكن الأمر كذلك فما سر هذه القوى والملكات التي أودعها الله الإنسان من عقل وإرادة ونفس وروح.

لقد جاء جواب ذلك بما يشفي ويكفي في الكتاب العزيز الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (1) حيث نص تبارك وتعالى على أنه خلق هذا الإنسان ليكون خليفة في الأرض:

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2)، وهذه الخلافة معناها أن يعرف الإنسان ربه حق معرفته، ويعبده حق عبادته.

قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (3).

ويقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4){مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (5){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (6) وإذن فالجواب البدهي الذي تنطلق به الفطرة في هذا الكون أن الإنسان عبد الله، خلق لذلك، وسخر الله له ما في السماوات وما في الأرض من أجل تحقيق هذا

(1) سورة فصلت الآية 42

(2)

سورة البقرة الآية 30

(3)

سورة الطلاق الآية 12

(4)

سورة الذاريات الآية 56

(5)

سورة الذاريات الآية 57

(6)

سورة الذاريات الآية 58

ص: 176

الغرض.

ومن هنا يعلم كل ذي فطرة سليمة، وعقل متجرد، أن عبادة الإنسان، لقوى الطبيعة ومظاهرها من فوقه، ومن تحته كالشمس والقمر والنجوم والأنهار والأبقار والأشجار ونحوها قلب للوضع الطبيعي، وانتكاس بالإنسان أي انتكاس!!

والإنسان إذن، بحكم فطرته ومنطق الكون، إنما هو مربوب لله سبحانه لا لغيره، لعبادته وحده لا لعبادة بشر ولا حجر ولا بقر ولا شجر، ولا شمس ولا قمر، وكل عبادة لغير الله إنما هي من تزيين الشيطان عدو الإنسان؛ ولذا نرى أول نداء يوجهه الله لرسله هو الأمر بعبادته، وبيان أنه لا إله غيره، ولا رب سواه، اقرأ مثلا: قوله تعالى: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (1).

هذه العبادة لله وحده هي العهد القديم الذي أخذه الله على بني الإنسان، ورسخه في فطرهم البشرية، وغرسه في طبائعهم الأصيلة، منذ خلقهم وصورهم، وجعلهم في أحسن تقويم، وأوجد فيهم العقل الواعي، الذي يتميزون به على سائر الكائنات، وجعل كل ما حولهم من الآيات البينات دليلا قاطعا على وحدانيته سبحانه، وإفراده بكامل العبودية، وأخذ العهد عليهم حيث قال تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (2){وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (3).

ومن هنا نعلم أن كل عبادة لغير الله، وإن ظهرت في صورة عبادة حجر، أو شجر، أو مدر، أو هوى، إنما هو من إيحاء الشيطان وتزيينه ووسوسته بشكل مباشر أو غير مباشر، بغض النظر عن القالب الذي ظهرت فيه تلك العبادة؛ ولذا نرى أن الله تبارك وتعالى قد أخذ العهد على بني آدم منذ أن كانوا في صلب أبيهم آدم.

هذا العهد بين الله وعباده، هو الذي صوره القرآن في أروع صورة وبلاغة، حين قال:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (4){أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (5).

(1) سورة هود الآية 50

(2)

سورة يس الآية 60

(3)

سورة يس الآية 61

(4)

سورة الأعراف الآية 172

(5)

سورة الأعراف الآية 173

ص: 177

فلا عجب أن يكون المقصود الأعظم من بعثة النبيين وإرسال المرسلين، وإنزال الكتب المقدسة، هو تذكير الناس بهذا العهد القديم، وإزالة ما تراكم على معدن الفطرة من غبار الغفلة أو الوثنية، أو التقليد الأعمى.

ولا عجب أن يكون النداء الأول لكل رسول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (1).

بهذا دعا قومه، نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، كل رسول بعث إلى قوم مكذبين، قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2).

وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (3)، وقال تعالى بعد أن ذكر قصص طائفة كبيرة من الأنبياء:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (4)، وكما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (5){وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (6).

وقد أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (7)، أي الموت، كما قال تعالى على لسان قوم:{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} (8){حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} (9) وهو الموت، فالتكليف بالعبادة لازم له حتى يلقى ربه.

ولم تسقط عنه بسمو الروح، ولا بالاتصال القوي بالله كما يدعي غلاة الصوفية.

(1) سورة هود الآية 50

(2)

سورة النحل الآية 36

(3)

سورة الأنبياء الآية 25

(4)

سورة الأنبياء الآية 92

(5)

سورة المؤمنون الآية 51

(6)

سورة المؤمنون الآية 52

(7)

سورة الحجر الآية 99

(8)

سورة المدثر الآية 46

(9)

سورة المدثر الآية 47

ص: 178

وقال تعالى في شأن عيسى ابن مريم الذي رفعه قومه إلى مرتبة الألوهية: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} (1).

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (2).

ويعرض لنا القرآن مشهدا من مشاهد يوم الحشر، يسأل الله فيه المسيح عليه الصلاة والسلام عما نسبوه إليه وافتروه عليه، فيجيب في أدب العبودية متبرئا مما صنعوا:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (3){مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (4).

فالأديان كلها دعوة إلى عبادة الله وحده، والأنبياء جميعا أول العابدين لله، فعبادة الله وحده هي - إذن مهمة الإنسان الأولى في الوجود كما بينت ذلك كل الرسالات، قال تعالى:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (5)، فقد دلت الآية الكريمة وما في معناها على وحدة الهدف والعقيدة التي هي محور دعوة جميع الرسل من لدن نوح عليه الصلاة والسلام إلى خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعثه الله رحمة للعاملين؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولينقذهم من أوحال الشرك وأدران الوثنية، فكان بذلك نبراسا لأمة ينير لها الطريق، ومشعلا:{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (6).

(1) سورة النساء الآية 172

(2)

سورة النساء الآية 173

(3)

سورة المائدة الآية 116

(4)

سورة المائدة الآية 117

(5)

سورة الشورى الآية 13

(6)

سورة المائدة الآية 16

ص: 179

وقد كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يترسمون تلك الخطى النبوية، ويستلهمون سر وحدتهم من صفاء العقيدة الخالصة التي لم تشبها شائبة؛ فأصبحوا بذلك سادة الدنيا، وفتح الله لهم أبواب الخير من كل مكان ورفعوا راية التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها، وكل عاقل يدرك أن هذا النصر المؤزر الذي حققه الله على أيديهم لم يكن وليد الصدفة، ولم يكن بسبب كثرة العدد والعدة، وإنما تحقق ذلك بسبب اعتمادهم على الله والتوكل عليه مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وبدئهم بالأهم قبل المهم، وانطلاقهم في دعوتهم من تحقيق كلمتي التوحيد " لا إله إلا الله محمد رسول الله "؛ لأن ذلك هو الأساس الذي أمروا أن يبدءوا به، قال تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (1)، وقال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2)، وقال تعالى:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (3)، وقال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (4).

ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس قال: «لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله (5)» . . . الحديث.

ومما يدل على أهمية العقيدة، وكونها أساس كل عمل: تكفيرها للذنوب والكبائر إذا صدرت عن إخلاص وقوة إيمان، يدل لذلك ما رواه الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث صاحب البطاقة «حيث ينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل من البصر، ثم يؤتى ببطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة فتطيش السجلات، وتثقل البطاقة (6)» .

(1) سورة النساء الآية 36

(2)

سورة الإسراء الآية 23

(3)

سورة الأنعام الآية 151

(4)

سورة يوسف الآية 108

(5)

صحيح البخاري المغازي (4347)، صحيح مسلم الإيمان (19)، سنن الترمذي الزكاة (625)، سنن النسائي الزكاة (2435)، سنن أبو داود الزكاة (1584)، سنن ابن ماجه الزكاة (1783)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 233)، سنن الدارمي الزكاة (1614).

(6)

سنن الترمذي الإيمان (2639)، سنن ابن ماجه الزهد (4300)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 213).

ص: 180

وإذا فتوحيد الله تعالى، هو رأس الأمر كله، والجسد لا يستقيم بلا رأس، كما قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم:«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (1)» .

وهذه نصوص صريحة دالة إلى وجوب البدء بالدعوة إلى توحيد الله تعالى، قبل جميع التكاليف؛ لأن قبول جميع التكاليف مرهون بتحقيق ذلك، وهذا ما سار عليه السلف الصالح في دعوتهم، مما حقق لهم النجاح في برهة وجيزة، أذهلت العقول، وتحطمت أمامها عروش الكفر والطغيان.

وقد استمر الأمر على هذا الحال ثم بدأ الانحراف بعد ذلك عن هذه الجادة بسب الانصراف عن الكتاب والسنة - اللذين يجب أن نأخذ العقيدة منهما - والاشتغال بالفلسفة والمنطق، اللذين لم يستفد منهما المسلمون غير تخريب العقيدة، والقيل والقال، والجدل الذي لا طائل تحته، ولا جدوى من ورائه، حتى قال قائلهم:

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

الأمر الذي حدا بكثير من الناس إلى تعطيل صفات الله عز وجل، أو تفويضها، أو تأويلها، أو تمثيلها، وكذلك الحال في عبادة الله عز وجل حيث لم يقتصر الأمر على التقيد بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح في ذلك، حتى أصبح الناس في العبادة نتيجة لجهلهم بما كان عليه السلف الصالح من صحة الاعتقاد، أصبحوا ما بين مفرط ومفرط، فالمفرطون أسرفوا في دعوى المحبة حتى أخرجهم ذلك إلى نوع من الرعونة والدعاوى التي تنافي العبودية، وتثبت الربوبية أو شيئا منها لغير الله، ومعلوم أن الرب والمعبود هو الله وحده، ومع ذلك يدعي هؤلاء دعاوى تتجاوز حدود الأنبياء والمرسلين فضلا عن عامة الناس، أو بطلب من غير الله ما لا يصلح بكل وجه إلا الله، لا يصلح للأنبياء ولا للمرسلين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا باب وقع فيه كثير من الشيوخ (يعني شيوخ المتصوفة) وسببه: ضعف تحقيق العبودية التي بينها الرسل، وحددها الأمر والنهي،

(1) من حديث طويل رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح كتاب الإيمان 8 ما جاء في حرمة الصلاة

ص: 181

الذي جاءوا به، بل ضعف العقل الذي به يعرف العبد حقيقته.

وإذا ضعف العقل، وقل العلم بالدين، وفي النفس محبة طائشة جاهلة، انبسطت النفس بحمقها في ذلك، كما ينبسط الإنسان في محبة الإنسان مع حمقه وجهله، ويكون سببا لبغض المحبوب له، ونفوره منه، بل سببا لعقوبته.

وكثير من السالكين سلكوا في دعوى حب الله أنواعا من أمور الجهل بالدين، إما من تعدي حدود الله، وإما من تضييع حقوق الله، وإما من ادعاء الدعاوى الباطلة التي لا حقيقة لها، كقول بعضهم: أي مريد لي ترك في النار أحدا فأنا بريء منه، وقال الآخر: أي مريد لي ترك أحدا من المؤمنين يدخل النار فأنا منه بريء.

فالأول: جعل مريده يخرج كل من في النار.

والثاني: جعل مريده يمنع أهل الكبائر من دخول النار.

ويقول بعضهم: إذا كان يوم القيامة نصبت خيمتي على جهنم، حتى لا يدخلها أحد، وأمثال ذلك من الأقوال التي تؤثر عن بعض المشايخ المشهورين، وهي إما كذب عليهم، وإما غلط منهم ". اهـ.

وإذا كانت هذه المقالات الإلحادية قد وجدت في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية وقبله، فإن في عصرنا من الدعاوى التي تبلغ حد التأليه، ما هو أدهى وأمر.

من ذلك قول أحد زعماء الطرق الصوفية المعاصرين، قد خصني بالفضل والتشريف أن قلت: كن يكن بلا تسويف، ويدعي هذا الكذاب الأشر أن رجلا نصرانيا دخل الجنة بسبب أنه عاشر امرأة من أتباع ذلك الشيخ معاشرة غير شرعية، مع أن المرأة التي عاشرها كما يقول ليست ملتزمة - كما يقول - بالطريقة، ولكنه دخل الجنة ببركة شيخ الطريقة التي تنتمي إليها هذه المرأة، ويقول أحد الأفاكين من هؤلاء: إن من ضرورات مذهبهم أن لأئمتهم درجة لا يبلغها ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلى غير ذلك من المقالات الكفرية والإلحادية، القديمة والحديثة، والتي لا تكاد تعد ولا تحصى.

ترى ماذا ترك هؤلاء الملاحدة من العبودية، إذا ادعوا بلوغ مثل هذه المراتب، وإذا سئلوا عن تفسير هذه الترهات، ادعوا أنهم كانوا في حالة سكر بحب الإله، قال

ص: 182

الشاعر في التهكم بهم ووصف أحوالهم التي يزعمون أنها عبادة:

ألا قل لهم قول عبد نصو

ح وحق النصيحة أن تستمع

متى علم الناس في ديننا

بأن الغنا سنة تتبع

وأن يأكل المرأ أكل الحمار

ويرقص في الجمع حتى يقع

وقالوا: سكرنا بحب الإله

وما أسكر القوم إلا القصع

كذاك البهائم إن أشبعت

يرقصها ربها والشبع

ويسكره الناي ثم الغنا

ويس لو تليت ما انصدع

فيا للعقول ويا للنهى

ألا منكر منكمو للبدع

تهان مساجدنا بالسماع

وتكرم عن مثل ذاك البيع

وقال آخر:

تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة

لكنه إطراق ساه لاهي

وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا

والله ما رقصوا لأجل الله

دف ومزمار ونغمة شادن

فمتى رأيت عبادة بملاهي

ثقل الكتاب عليهم لما رأوا

تقييده بأوامر ونواهي

سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى

زجرا وتخويفا بفعل مناهي

ورأوه أعظم قاطع للنفس عن

شهواتها يا ذبحها المتناهي

وأتى السماع موافقا أغراضها

فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه

أين المساعد للهوى من قاطع

أسبابه عند الجهول الساهي

إن لم يكن خمر الجسوم فإنه

خمر العقول مماثل ومضاهي

فانظر إلى النشوان عند شرابه

وانظر إلى النشوان عند ملاهي

وانظر إلى تمزيق ذا أتوا به

من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي

واحكم فأي الخمرتين أحق بال

تحريم والتأثيم عند الله

وما وصفه الشاعر من أحوال هؤلاء الناس يعطي صورة حقيقية عن مدى الانحراف الذي وقعوا فيه حيث بلغ بهم الحال إلى اعتبار الرقص والغناء عبادة تقربهم إلى الله بدعوى أن تلك الرقصات والأنغام الصوفية، إنما هي نابعة من قلب مفعم بالمحبة، فجعلوا

ص: 183

محبتهم للخالق مشابهة لمحبة المخلوق من وجود العتاب والعذل واللوم والغرم، ونحو ذلك مما يجب أن ينزه الله عنه؛ لأنه لا يليق بجلال الله وعظمته.

ولكن الدليل والبرهان على محبة القلب الله وخضوعه له إنما يتجسد في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1)، فلا يكون محبا لله إلا من يتبع رسوله.

وطاعة الرسول، ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية.

وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته صلى الله عليه وسلم، ويدعي من الحالات ما لا يتسع هذا الموضع لذكره، حتى قد يظن أحدهم سقوط الأمر، وتحليل الحرام له، وغير ذلك مما فيه مخالفة لشريعة الرسول وسنته وطاعته.

بل قد جعل الله أساس محبته ومحبة رسوله، الجهاد في سبيله، والجهاد يتضمن كمال محبة ما أمر الله به، وكمال بغض ما نهى الله عنه؛ ولهذا قال في صفة من يحبهم ويحبونه:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (2)، ولهذا كانت محبة هذه الأمة الله أكمل من محبة من قبلها، وعبوديتهم لله أكمل من عبودية من قبلهم وأكمل، هذه الأمة في ذلك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن كان بهم أشبه كان ذلك فيه أكمل.

" هذا صنف ".

والصنف الثاني وهم المفرطون وهم العصاة أو الذين غلطوا في فهم حقيقة العبادة، وهم الذين ظنوا أن المحبة تنافي أدب العبودية، ولا تصاحب خشية الله ومخافته التي يجب أن يتصف بها كل عبد لله، كما ظن أن المحبة لا تتحقق من المخلوق للخالق، وإنما المطلوب منه الطاعة والخضوع فقط.

ولذا نجد بعضهم يقول " اللهم إني أعبدك لا طمعا في ثوابك ولا خوفا من عقابك "، فانظر يا أخي المسلم، كيف فصلوا بين العبادة وبين الخوف والخشية، والمحبة والرجاء.

(1) سورة آل عمران الآية 31

(2)

سورة المائدة الآية 54

ص: 184

والحقيقة أن المحبة لا تنافي الخشية، والمخافة بل الخوف لازم للمحبة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ ليس عند القلب السليم أحلى ولا ألذ، ولا أطيب ولا أسر ولا أنعم من حلاوة الإيمان المتضمن عبوديته لله، ومحبته له، وإخلاص الدين له ".

وذلك يقتضي انجذاب القلب إلى الله، فيصير القلب منيبا إلى الله خائفا منه، راغبا راهبا، كما قال تعالى:{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} (1)، إذ المحب يخاف من زوال مطلوبه أو عدم حصول مرغوبه، فلا يكون عبد الله ومحبه، إلا بين خوف ورجاء، كما قال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (2).

فقد دلت الآية الكريمة على أن كل عبد مخلص لله لا بد أن يكون مع عبادته بين الخوف والرجاء، وقد نص العلماء رحمهم الله على أنه ينبغي للمسلم أن يغلب جانب الخوف في الصحة حتى لا يأمن من مكر الله، وأن يغلب جانب الرجاء في المرض حتى لا ييأس من روح الله، والآية الكريمة نزلت في أناس من الإنس كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجن، وبقي الإنس على عبادتهم إياهم، فأخبر الله تعالى، أن هؤلاء المدعوين يطلبون القربة إلى الله عز وجل بالعمل بما يرضيه، خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه، وهذا ينطبق على كل من يدعو غير الله في الوقت الذي يكون المدعوون أحوج ما يكون إلى عبادة الله، كما يقال:(فاقد الشيء لا يعطيه)، ومع ذلك نجد كثيرا ممن انتكست فطرتهم، يعكف عند ميت في قبره، يطلب منه قضاء الحاجات، وتفرج الكربات، ويزعم أنه يعلم الغيب، ويعطي الولد، وغير ذلك، مما لا يقدر عليه إلا الله.

ولا نكاد نجد بلدا من بلاد الإسلام، إلا وفيه أنماط من هذه الطقوس التي حالت بين الناس، وبين فهم العقيدة الصحيحة، ومن هنا تبدو الحاجة ملحة إلى بيان تلك العقيدة الصافية الخالصة، التي ترتكز على نصوص الوحيين الكتاب والسنة.

فالإنسان في كل زمان ومكان، في حاجة ماسة إلى عقيدة تحدد له غايته، وتوضح

(1) سورة ق الآية 33

(2)

سورة الإسراء الآية 57

ص: 185

له منهجه الذي يسير عليه؛ لتحقيق هذه الغاية، ولكنه عندما تنتكس فطرته، وتطول غفلته، وينقلب فهمه، حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن، عندها تتحول عقيدته إلى حجر يقدسه، أو شجر يعظمه، أو شمس تضيء نهاره، أو قمر ينير ليله، أو بحر تتلاطم أمواجه، أو نار تتلظى، أو حيوان يهابه، أو إنسان يكبر في نفسه، أو أي مخلوق يرى له فضلا عليه من ملك أو جني، أو نبي، أو ولي، ميت أو حي، فيتعلق من ذلك كله بما هو أوهن من خيوط بيت العنكبوت.

قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (1).

وقد يكون ذلك منه لمجرد التقليد من غير وعي أو تفكير: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (2){أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} (3){بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (4){وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (5).

وقد لا يكون الانحراف في العقيدة، باتباع الهوى الذي ذمه الله في غير ما آية، فمن كتابه العزيز.

قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (6){وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (7).

وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (8).

(1) سورة العنكبوت الآية 41

(2)

سورة الزخرف الآية 20

(3)

سورة الزخرف الآية 21

(4)

سورة الزخرف الآية 22

(5)

سورة الزخرف الآية 23

(6)

سورة الجاثية الآية 23

(7)

سورة الجاثية الآية 24

(8)

سورة النجم الآية 23

ص: 186

وفي هذا العصر الذي ادلهمت فيه الظلمات، وانقلبت فيه الحقائق، وتغيرت فيه المفاهيم، يتساءل الفرد المسلم عن طريق الخلاص يتساءل وهو حائر بين هذه الجماعات المتصارعة، والأحزاب المتناحرة، والدعوات المتفرقة ذات المناهج المختلفة التي تدعي لنفسها السير على المنهج الصحيح.

وكل يدعي وصلا لليلى

وليلى لا تقر لهم بذاك

وهذه الدعوات لا يخلو أمرها من حالين:

إحداهما: الخطأ في المنهج والسلوك.

كمناهج الطرق الصوفية التي ذكرنا فيما سبق بعض مقالاتهم الإلحادية التي لا تمت إلى الدين بصلة بل صرفت اتباعها عن الاعتماد على الكتاب والسنة اللذين هما مصدر شريعة الإسلام، والحال الثانية، الخطأ في الفكر. كمثل جماعات الدعوة الإسلامية المعاصرة، والتي تنطلق في دعواتها من منطلق حزبي ضيق.

الأمر الذي بعد بهم عن منهج السلف الصالح، إذ أن هذه الجماعات لم تؤسس بناء دعوتها على توحيد الباري - جل وعلا - والعقيدة السلفية الصافية من الشوائب.

فإن من تأثر بتلك الدعوات إن كان من أهل العقيدة أصلا لا يكون ولاؤه لها، ولا يكون فكره متفقا معها، بسبب سيطرة هذه المناهج على أفكاره، حتى ماتت العقيدة في نفسه؛ فأصبح لا يدعو لها، وإن كان يعتقدها، لكنه بعد عنها تحت تأثير المنهج الحزبي؛ لأنه يوالي ويعادي على ذلك الفكر الضيق، الذي بني على غير أسس سليمة، فلا يكون للعقيدة مكان ولا مجال في التطبيق العملي، ولا تعطي ثمراتها الطيبة اليانعة، فهي لا تفيد معتقدها؛ لأنها قد فقدت روحها، فأصبحت بلا روح، كالجذوة التي استترت وانغمرت تحت الرماد.

وخطورة هذا الأمر لا تقل عن الجهل بالعقيدة، فإن من يعرف العقيدة ولا يدعو إليها، هو كالجاهل بها سواء بسواء، وهؤلاء إنما أصيبوا بالخرس عن الدعوة إلى العقيدة بدعوى أن ذلك يفرق الأمة، ويمزق كيانها؛ لأنهم يريدون أن يجمعوا تحت لوائهم من

ص: 187

هب ودب، لا فرق في ذلك عندهم بين ملتزم بالعقيدة الصحيحة وغيره.

إذ أن الهدف الذي يقصدونه هو مجرد الجمع دون تمييز، وهذا منهج بلا شك سينتهي بأصحابه إلى الفشل الذريع؛ نظرا لكونه قد بني على غير أسس سليمة، وذلك أن أصحاب هذا المسلك أتوا من عدم الفهم والإدراك الصحيح، حيث لم يفرقوا في الدعوة، بين الأصول والفروع.

فتراهم يبدءون بالدعوة إلى بعض الفروع، ويزعمون أنه متى أقيم هذا الفرع، فإنه سوف يوجد الأصل تلقائيا؛ ولذا نرى كثيرا منهم يهتمون بالجانب السياسي، بدعوى أنه متى وجدت الدولة التي ينشدونها عند ذلك تصلح العقيدة وغيرها، مما فسد من أحوال المسلمين، وهذا تصور غير صحيح؛ لأن صاحب هذا التصور ذكر شيئا، وغابت عنه أشياء.

هذا على فرض أن صاحب هذا الفكر حسن النية، بيد أننا نشك في حسن نيته، وإنما يروج بذلك على أولئك الذين لا رسوخ لهم في فهم العقيدة مستغلا عواطفهم نحوها، لكنه ينوي خلاف ذلك؛ لأنه ليس من أهل العقيدة ولا أدل على ذلك من كونه يدعي أن الدعوة إلى العقيدة تفرق الأمة كما أسلفنا.

نعم الإسلام دين ودولة، وعقيدة وشريعة، ولكن يجب أن نأخذه كوحدة متكاملة بحيث ينطلق في سياسته، وجميع أموره من العقيدة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، وهما كفيلان ببيان منهج الدعوة الإسلامية كما فصلنا ذلك فيما تقدم.

لا بمجرد الدعاية والأناشيد الحماسية والهتافات، والشعارات الجوفاء التي لم يستفد منها المسلمون سوى القضاء على الدعوة وأهلها في كثير من البلاد، حيث يهيجون الشباب المسلم، ويلهبون حماسه ويستثيرونه، إلى أن يثور ويتحرك فيقع في أيدي الطغاة الظلمة أعداء الإسلام والمسلمين؛ فيقضون على هؤلاء الشباب، ويهدرون هذه الطاقة نتيجة لذلك المسلك الخاطئ، الذي تسلكه تلك الجماعات في دعوتها، وإذا أردنا أن يتحقق للمسلمين، ما يصبون إليه، وما يتطلعون إليه، من العودة بالمسلمين إلى الإسلام الصحيح، فعلينا أن نسلك بهم طريق التعليم والتربية، وتفقيه الشباب المسلم الشوائب التي علقت بالدين ودعوته، وتلك الرواسب التي أكل عليها الدهر وشرب، والتي

ص: 188

انحرفت بالمسلمين عن الجادة الصحيحة التي رسمها لهم الله عز وجل في كتابه المبين، وبينها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، ولنا أسوة حسنة في أولئك الدعاة المصلحين الذين أسسوا دعوتهم على عقيدة الإسلام، وبدءوا بتطهيرها من شوائب الشرك والخرافات.

الأمر الذي تحقق بسببه رفع راية التوحيد خفاقة في ربوع الجزيرة العربية، بعد أن ران عليها الجهل، وخيم عليها الظلام عدة قرون، وعاد كثير من الناس إلى الشرك والخرافات، فانقشع ذلك الجهل، وتحول ذلك الظلام إلى نور، على يد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، الذي بدأ بتعليم الناس العقيدة الصحيحة، وقامت بفضل هذه العقيدة دولة التوحيد، منذ أن قام الإمام محمد بن سعود رحمه الله مؤسس هذه الدولة المباركة بتبني هذه الدعوة الطيبة، فكتب الله لها بذلك النصر والبقاء، وزالت مظاهر الشرك والوثنية في برهة وجيزة، وهي لم تكن لتزول، لو لم تنطلق هذه الدعوة من روح العقيدة.

ولست مبالغا حينما أذكر هذه الحقيقة، فإنها حقيقة يسلم بها الأعداء فضلا عن الأصدقاء، والحق ما شهدت به الأعداء.

وخلاصة القول: إنه لا صلاح لنا ولا فلاح، ولا نجاح لدعوتنا، إلا إذا بدأنا بالأهم قبل المهم، وذلك بأن ننطلق في دعوتنا من عقيدة التوحيد، نبني عليها سياستنا، وأحكامنا، وأخلاقنا، وآدابنا، ننطلق في كل ذلك من هدي الكتاب، والسنة، بلا إفراط، ولا تفريط، ذلكم هو الصراط المستقيم، والمنهج القويم، الذي أمرنا الله تعالى، بسلوكه، فقال:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (1).

وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (2)، وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم:«تركت فيكم أمرين، لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي (3)» .

(1) سورة الأنعام الآية 153

(2)

سورة آل عمران الآية 103

(3)

الموطأ ص 899 كتاب القدر.

ص: 189

ويقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، اللهم إنا نسألك أن ترد المسلمين إلى دينهم ردا جميلا، ونسألك أن ترينا الحق حقا وترزقنا اتباعه، والباطل باطلا وترزقنا اجتنابه، وأن لا تجعله ملتبسا علينا فنضل إنك ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.

صالح بن سعد السحيمي.

ص: 190

الشيخ عبد الله عبد الغني الخياط

من مواليد مكة المكرمة، تلقى علومه الأولية في مدينة الخياط بمكة مكرمة، ودرس المنهج الثانوي في المدرسة الراقية، تخرج في المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة، ودرس على المشايخ في المسجد الحرام وغيره.

عمل مديرا للمدرسة الفيصلية بمكة المكرمة، فمديرا لمدرسة الأمراء أنجال الملك عبد العزيز، فمستشارا لوزارة المعارف بمكة، ثم مشرفا على إدارة التعليم ومديرا لكلية الشريعة بمكة المكرمة.

يعمل عضوا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخطيبا بالمسجد الحرام، وعضوا في هيئة كبار العلماء وعضوا في اللجنة الثقافية برابطة العالم الإسلامي.

من مؤلفاته: اعتقاد السلف - دليل المسلم - ما يجب أن يعرف المسلم عن دينه - الخطب في المسجد الحرام - الرواد الثلاثة - صحائف مطوية - حكم وأحكام من السيرة النبوية - تأملات في دروب الحق والباطل

ص: 191

صفحة فارغة

ص: 192

الربا في ضوء الكتاب والسنة

بقلم الشيخ عبد الله عبد الغني خياط

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (2).

تقديم

الإسلام دين العمل والكد، وبقدر ما يعمل المسلم يأخذ، وبقدر ما يغرس يحظى بالثمار، أما التبطل والقعود عن الكسب المشروع اتكالا على مجهود الغير أو اعتدادا بغنيمة باردة تصل إليه دون عناء وبذل جهد، فليس ذلك من دين الإسلام، بل هو مناقض لما جاء به الإسلام وحض عليه ورغب فيه، ألا ترى كيف توحي الآية الكريمة التالية وأمثالها بمزاولة العمل بعد أداء فريضة الله ابتغاء رزق الله، ودفعا للتبطل، يقول الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3){فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4).

(1) سورة البقرة الآية 278

(2)

سورة البقرة الآية 279

(3)

سورة الجمعة الآية 9

(4)

سورة الجمعة الآية 10

ص: 193

فالأمر بالانتشار في الأرض قرنه سبحانه بالفريضة التي هي عماد الدين، وفتح الأنظار للاتجاه إليه والأخذ كمقوم للحياة ترتكز عليه، وجاء في الحديث:«ما أكل أحد طعاما خيرا له من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده (1)» ، وفي حديث آخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفقير جاء يطلب مددا من المال:«لئن يحتزم أحدكم حزمة من حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل رجلا يعطيه أو يمنعه (2)» .

هذه مقدمة وضعناها بين يدي بحث اليوم لنركز في الأذهان أن الربا تبطل وقعود عن الكسب المشروع، واستمراء لحياة رتيبة لا نصب فيها ولا كد ولا عناء أو جهد، بل يعيش صاحبها على حساب الآخرين يأكل كسبهم ويمتص نشاطهم، ويجعلهم كالأجراء يعملون له، وليتهم يأخذون أجرا على عملهم، وإنما يأكلون من فتات المائدة لو فضل من المائدة فتات، وسوف نسير - إن شاء الله - في كتابة هذا البحث على المخطط الذي رسمناه له على ضوء الكتاب والسنة، فنبدأ أولا بتعريف الربا لغة وشرعا، (2) الربا في آي الكتاب العزيز، (3) الربا في السنة، (4) حكم الربا في الإسلام، ويشتمل هذا المبحث على: -

أ - مضار الربا.

ب - تحريم الربا.

ج - أنواع الربا وحكم كل نوع.

د - وسائل القضاء على الربا ويتفرع عنه ما يأتي:

1 -

القرض الحسن.

2 -

الحض على التعاون لصالح الفرد والمجتمع، وهذا التعاون يترجم عنه التعاون الصناعي والتعاون الزراعي التعاون الاجتماعي.

3 -

خطر الربا الاستهلاكي والإنتاجي.

4 -

خاتمة.

(1) أخرجه أحمد، ج4 ص 131، والبخاري ج 3 ص 121.

(2)

البخاري، ج3 ص 121، ومسلم ج2 ص 721 واللفظ له.

ص: 194