الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو طبقات أخرى مما يخلق الأحقاد والضغائن ويورث نار الصراع بين المجتمع بعضه ببعض، ويؤدي إلى الثورات المتطرفة والمبادئ الهدامة، كما أثبت التاريخ القريب خطر الربا والمرابين على السياسة والحكم والأمن المحلي والدول جميعا (1).
(1) الحلال والحرام ص 263.
أنوع الربا وحكم كل نوع
الشح: خلة وضعة وهوان تزري بصاحبها وتجعله نشازا في مجتمعه، يجمع المال ويشح بإنفاقه حتى على مصالح نفسه. وعلى العكس منه البذل بسخاء خاصة في وجوه البر والخير وإغاثة الملهوف وكل ما فيه مصلحة للمجموع. وعلى هذا الاعتبار جاء تحريم الربا والترغيب في البذل ابتغاء كريم الأجر، ونزل القرآن والعرب تتعامل بالربا لتفكك مجتمعهم وانفصام عرى التآلف بينهم، فعندما تنزل الحاجة بأحدهم أو يوصله الفقر بالرغام لا يجد من يسعفه أو يعينه في محنته أو ينقذه من ذل الحاجة إلا بنكبته بالزيادة على ما يقرضه، والمفاضلة بين ما يقبضه ويعيده من مال، وذلك هو الربا الذي جاء الإسلام بتحريمه، وقد أوردنا من آي الكتاب العزيز والسنة المطهرة ما يكفي عن المزيد، بقي أن نوضح نوعية الربا المحرم والذي كانت العرب تتعامل به، جاء في كتاب "أحكام القرآن " قوله: الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد إذا كان متفاضلا من جنس واحد، هذا كان المتعارف المشهور بينهم، ولذلك قال تعالى:{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} (1) فأخبر أن تلك الزيادة المشروطة إنما كانت ربا في المال العين لأنه لا عوض لها من جهة المقرض وقال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (2) إخبارا عن الحال التي خرج عليها الكلام من شرط الزيادة أضعافا مضاعفة، فأبطل الله الربا الذي كانوا يتعاملون به وأبطل ضروبا من البياعات وسماها ربا، فانتظم قوله تعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} (3) تحريم جميعها لشمول الاسم عليها من طريق الشرع، ولم يكن تعاملهم بالربا إلا على الوجه الذي ذكرناه من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل
(1) سورة الروم الآية 39
(2)
سورة آل عمران الآية 130
(3)
سورة البقرة الآية 275
مع شرط الزيادة (1) اهـ.
وذكر صاحب تفسير آيات الأحكام أن الربا ينقسم إلى قسمين: ربا النسيئة، وربا الفضل. فربا النسيئة: هو الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية لا يعرفون غيره وهو أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا. فإذا حل الأجل طولب المدين برأس المال كاملا فإن تعذر الأداء زادوا في الحق والأجل.
وربا الفضل: أن يباع من الحنطة بمنوين منها أو درهم بدرهمين أو دينار بدينارين أو رطل من العسل برطلين، وقد كان ابن عباس لا يحرم إلا القسم الأول، وكان يجوز ربا الفضل اعتمادا على ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنما الربا في النسيئة (2)» ولكن لما تواتر عنده الخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد (3)» وذكر الأصناف الستة كما رواه عبادة بن الصامت وغيره رجع عن قوله.
وأما قوله عليه السلام: «وإنما الربا في النسيئة (4)» فمحمول على اختلاف الجنس، فإن النسيئة حينئذ تحرم ويباح التفاضل كبيع الحنطة بالشعير تحرم فيه النسيئة ويباح التفاضل ولذلك وقع الاتفاق على تحريم الربا في القسمين. أما (الأول): فقد ثبت تحريمه بالقرآن، (وأما الثاني): فقد ثبت تحريمه بالخبر الصحيح. كما روي عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (5)» . واشتهرت روايته هذه حتى كانت مسلمة عند الجميع.
ثم اختلف العلماء بعد ذلك فقال نفاة القياس: إن الحرمة مقصورة على هذه الأشياء الستة، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وجمهور الفقهاء: إن الحرمة غير مقصورة على هذه الأشياء الستة، بل تتعداها إلى غيرها. وأن الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلة، فتتعدى الحرمة إلى كل ما توجد فيه تلك العلة، ثم اختلفوا في هذه العلة. فقال الحنفية: إن العلة هي اتحاد هذه الأشياء الستة في الجنس والقدر- أي الكيل والوزن- فمتى اتحدت البلدان في الجنس والقدر حرم الربا كبيع الحنطة بالحنطة وإذا عدما معا حل التفاضل والنسيئة كبيع الحنطة بالدراهم إلى أجل. وإذا عدم القدر واتحد الجنس حل الفضل دون النسيئة كبيع عبد بعبدين،
(1) أحكام القرآن للجصاص، ص 552.
(2)
صحيح مسلم المساقاة (1596)، سنن النسائي كتاب البيوع (4581)، سنن ابن ماجه التجارات (2257)، سنن الدارمي البيوع (2580).
(3)
صحيح مسلم المساقاة (1588)، سنن النسائي البيوع (4559)، سنن ابن ماجه التجارات (2255)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 232).
(4)
صحيح مسلم المساقاة (1596)، سنن النسائي كتاب البيوع (4581)، سنن ابن ماجه التجارات (2257)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 200).
(5)
صحيح مسلم المساقاة (1587)، سنن الترمذي البيوع (1240)، سنن النسائي البيوع (4561)، سنن أبو داود البيوع (3349)، سنن ابن ماجه التجارات (2254)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 314)، سنن الدارمي كتاب البيوع (2579).