الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعمل به ما رأيت إلى يوم القيامة، وأما الذي رأيت في نهر الدم فذاك آكل الربا وهذه الفقرة هي المقصودة من إيراد هذا الحديث (1).
وعلق الإمام الذهبي في كتابه الكبائر على هذا الحديث أو على الفقرة التي جاء فيها الوعيد لآكل الربا بقوله. . . " إن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقم بالحجارة وهو المال الحرام الذي كان جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار كما ابتلع الحرام في الدنيا، هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له كما في حديث أبي أمامة بسند ضعيف جدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أربع حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه إلا أن يتوبوا (2)» أخرجه الحاكم وأبو الشيخ والمقدسي في المختارة، وقد ورد أن أكلة الربا يحشرون في صور الكلاب والخنازير من أجل حيلهم على أكل الربا كما مسخ أصحاب السبت حين تحيلوا على إخراج الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفروا لها حياضا تقع فيها يوم السبت، فيأخذونها يوم الأحد. فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة وخنازير، وهكذا الذين يتحيلون على الربا بأنواع الحيل فإن الله لا تخفى عليه حيل المحتالين (3). اهـ.
وحسبنا الأحاديث التي أوردناها عن الربا وبشاعته وعقوبة المرابين، ننتقل بعد ذلك إلى:
(1) شرح السنة، ص 51 - 52 - 53.
(2)
سنن النسائي الزكاة (2562)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 69).
(3)
الكبائر، ص68 - 69.
مبحث
حكم الربا في الإسلام
وقد تقدم من آي الكتاب العزيز، والسنة النبوية ما يشعر ويوجب تحريم الربا مما لا يدع مجالا للتردد في ذلك أو التأويل ولم يحرم الإسلام شيئا إلا لحكمة واضحة أو منفعة تعود على العباد وتبعا لتحريمه حرم الوسائل المفضية إليه سدا للذريعة، فمثلا: حرم بيع العينة بكسر العين وفتح النون وهي: أن تباع سلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها البائع من المشتري بأقل ليبقى الكثير في ذمته، وسميت عينة لحصول العين أي النقد فيها؛ ولأنه يعود إلى
البائع عين ماله، واستدل لتحريم بيع العينة بالحديث الذي رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم (1)» .
ففي هذا الحديث دليل على تحريم هذا البيع، وذهب إليه مالك وأحمد وبعض الشافعية قالوا: لما فيه من تفويت مقصد الشارع من المنع عن الربا وسد الذرائع، قال القرطبي: لأن بعض صور هذا البيع تؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلا ويكون الثمن لغوا (2). اهـ. نعود إلى الحديث آنف الذكر «إذا تبايعتم بالعينة (3)» الحديث. لنكشف عن صحته وهل عليه مأخذ من حيث سنده يهبط به عن درجة الصحة.
يقول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة): " هو حديث صحيح لمجموع طرقه وقد وقفت على ثلاث منها كلها عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا، الأولى: عن إسحاق أبي عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال: فذكره- أي الحديث - إلى أن قال- أي الشيخ الألباني -: روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر يشير بذلك إلى تقوية الحديث، وقد وقفت على أحد الوجهين المشار إليهما وهو الطريق الثانية: عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر أخرجه أحمد، الثالثة: عن شهر بن حوشب عن ابن عمر رواه أحمد.
ثم وجدنا له شاهدا من رواية بشير بن زياد الخراساني حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره- أي الحديث، أخرجه ابن عدي في ترجمة بشير هذا من (الكامل) وهو غير معروف، في حديثه بعض النكارة، وقال الذهبي ولم يترك (4). وجاء في (معالم السنن) توجيه الخطابي لوجهة نظر المحرمين للعينة، قال المحرمون للعينة: الدليل على تحريمها من وجوه، أحدها: أن الله تعالى حرم الربا والعينة وسيلة إليه بل هي من أقرب وسائله، والوسيلة إلى الحرام حرام، فهنا مقامان أحدهما: بيان كونها وسيلة، والثاني: بيان الوسيلة إلى الحرام حرام، فأما الأول فيشهد له النقل والعرف والنية
(1) سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 84).
(2)
سبل السلام، ج3، ص 55.
(3)
سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 84).
(4)
سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص15ـ 16.
والقصد وحال المتعاقدين ثم أورد جملة أحاديث تصور البيع بالعينة إلى أن قال: وأما شهادة العرف بذلك فأظهر من أن تحتاج إلى تقرير بل قد علم الله وعباده من المتبايعين قصدهما أنهما لم يعقدا على السلعة عقدا يقصدان به تملكها، ولا غرض لهما فيها بحال وإنما الغرض والمقصود بالقصد الأول، مائة بمائة وعشرين وإدخال تلك السلعة في الوسط تلبيس وعبث، وهي بمنزلة الحرف الذي لا معنى له في نفسه بل جيء به لمعنى في غيره، حتى لو كانت تلك السلعة تساوي أضعاف ذلك الثمن أو تساوي أقل جزء من أجزائه لم يبالوا بجعلها موردا للعقد لأنهم لا غرض لهم فيها، وأهل العرف لا يكابرون أنفسهم في هذا. وأما النية والقصد فالأجنبي المشاهد لهما يقطع بأنه لا غرض لهما في السلعة وإنما القصد الأول مائة بمائة وعشرين فضلا عن علم المتعاقدين ونيتهما، ولهذا يتواطأ كثير منهم على ذلك قبل العقد ثم يحضران تلك السلعة محلالا لما حرم الله ورسوله.
وأما المقام الثاني وهو أن الوسيلة إلى الحرام حرام، فبانت بالكتاب والسنة والفطرة والمعقول، فإن الله سبحانه مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا إلى الصيد الحرام بالوسيلة التي ظنوها مباحة، وسمى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون مثل ذلك مخادعة كما تقدم، وقال أيوب السختياني: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أسهل. والرجوع إلى الصحابة في معاني الألفاظ متعين سواء كانت لغوية أو شرعية والخداع حرام، وأيضا فإن هذا العقد يتضمن إظهار صورة مباحة وإضمار ما هو أكبر من الكبائر فلا تنقلب الكبيرة مباحة بإخراجها في صورة البيع الذي لم يقصد نقل الملك فيه أصلا. وإنما قصده حقيقة الربا.
وأيضا فإن الطريق متى أفضت إلى الحرام فإن الشريعة لا تأتي بأختها أصلا؛ لأن إباحتها وتحريم الغاية جمع بين النقيضين، فلا يتصور أن يباح شيء ويحرم ما يفضي إليه، بل لا بد من تحريمهما أو إباحتهما. والثاني باطل قطعا فتعين الأول، وأيضا فإن الشارع إنما حرم الربا لأن فيه أعظم الفساد والضرر فلا يتصور مع هذا أن يبيح هذا الفساد العظيم بأيسر شيء يكون من الحيل (1) اهـ.
(1) مختصر سنن أبي دواد، ج 5 ص (100، 101، 102).
ولشيخ الإسلام ابن تيمية - يرحمه الله - جملة فتاوى في مسألة بيع العينة منها: أنه سئل عن رجل طلب من إنسان ألف درهم إلى سنة بألف ومائتي درهم فباعه فرسا أو قماشا بألف درهم واشتراه منه بألف ومائتي درهم إلى أجل معلوم.
فأجاب: لا يحل له بذلك بل هو ربا باتفاق الصحابة والعلماء، كما دلت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. سئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل باع حريرة تم ابتاعها لأجل زيادة درهم فقال: دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة، وسئل عن ذلك أنس بن مالك فقال: هذا مما حرم الله ورسوله. وقالت عائشة لأم ولد زيد بن أرقم في نحو ذلك: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. فمتى كان المقصود المتعامل دراهم بدراهم إلى أجل، فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
فسواء باع المعطى الأجل أو باع الأجل المعطى ثم استعاد السلعة، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا (1)» ، وفيه أيضا:«إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله أرسل الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم (2)» وهذا كله بيع العينة وهو بيعتان في بيعة، وقال صلى الله عليه وسلم:«لا يحل سلف وبيع ولا سلف ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك (3)» قال الترمذي: حديث صحيح، فحرم صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل شيئا ويقرضه مع ذلك فإنه يحابيه في البيع لأجل القرض حتى ينفعه فهو ربا. وهذه الأحاديث وغيرها تبين أن ما تواطأ عليه الرجلان بما يقصدان به دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل فإنه ربا، سواء كان يبيع ثم يبتاع أو يبيع ويقرض وما أشبه ذلك، والله أعلم (4).
(1) سنن الترمذي البيوع (1231)، سنن النسائي البيوع (4632)، سنن أبو داود البيوع (3461)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 432).
(2)
سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 84).
(3)
سنن الترمذي البيوع (1234)، سنن النسائي البيوع (4611)، سنن أبو داود البيوع (3504)، سنن ابن ماجه التجارات (2188)، سنن الدارمي البيوع (2560).
(4)
مجموع الفتاوى، ج29 ـ ص431، 432، 433
الخلاصة
اتضح مما أوردناه من آي الكتاب العزيز وتفسيرها والسنة النبوية وشروحها وأقوال الصحابة والتابعين: اتضح تحريم الربا في الإسلام والوسائل المفضية إليه فتلخص من ذلك ما يأتي:
1 -
النهي عن تعاطي الربا بكل الألوان والوسائل.
2 -
إنه من الموبقات أي المهلكات.
3 -
إنه من كبائر الذنوب.
4 -
لعن آكل الربا ومؤكله وكل من تعاون عليه بكتابة أو شهادة.
5 -
معصية أكل الربا تجاوزت الحد في القبح لأنها تعدل معصية الزنا.
6 -
آكل الربا كما جاء في حديث سمرة وتعليق صاحب شرح السنة: يعذب في البرزخ بالسباحة في النهر الأحمر، ويلقم بحجارة من نار، وعليه اللعنة ثم الحيلولة بينه وبين دخول الجنة.
7 -
حرمة عرض المسلم وتحريم الاستطالة فيه.
8 -
أكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب والخنازير من أجل تحيلهم على أكله.
9 -
من وسائل التحيل لآكل الربا بيع العينة.
10 -
الوعيد الوارد على التبايع بالعينة.
11 -
الوسيلة للحرام محرمة.
12 -
تحريم الربا وإباحة الوسيلة الموصلة إليه هو جمع بين النقيضين وذلك لا يقره الإسلام.
13 -
لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع.