المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مذهب الشافعية أ - قال الشافعي في الأم (حد قاطع الطريق): قال - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ كلام بعض علماء التفسير وشراح الحديث على نصوص من الكتاب والسنة

- ‌ نقول عن بعض علماء التفسير:

- ‌ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:

- ‌ أبو بكر الجصاص

- ‌ أبو بكر بن العربي

- ‌أقوال فقهاء الإسلام في تحديد المراد بجريمة الحرابة والإفساد في الأرض

- ‌ مذهب الحنفية

- ‌ مذهب المالكية

- ‌مذهب الشافعية

- ‌مذهب الحنابلة

- ‌ تعريف الخمرة وبيان الفرق بين المسكر والمخدر والمفتر

- ‌ عمل المسلم المستخدم في مصانع لا يصنع فيها إلا عصير الخمر والمسكرات

- ‌ إكرام الرفقاء غير المسلمين

- ‌ حكم النفس التي كادت أن تهلك ولا يمكن استشفاؤها بشيء سوى الخمر

- ‌ أكل لحم الدجاج المثلج المستورد من الخارج

- ‌ أكل الضفدع:

- ‌ شرب الدخان وأكل الضبع

- ‌ الذبائح التي تباع في الأسواق من البلاد التي لا يسلم أهلها من الشرك

- ‌ المسلم الذي يشرب الخمر ولا يقبل النصح

- ‌ ذبح الإنسان شاة أو نحوها لغيره

- ‌تعريف الربا لغة وشرعا

- ‌ الربا في الكتاب العزيز

- ‌ الربا في السنة النبوية)

- ‌ حكم الربا في الإسلام

- ‌مضار الربا وحكمة تحريمه

- ‌أنوع الربا وحكم كل نوع

- ‌نوعية الربا كما أوضحها ابن القيم

- ‌التعامل مع البنوك

- ‌تحريم الربا الاستهلاكي والإنتاجي

- ‌وسائل القضاء على الربا

- ‌ القرض الحسن:

- ‌ إنظار المعسر ريثما يزول إعساره والترغيب في إبراء ذمته من الدين

- ‌ التعاون في مختلف دروبه وبكل وسائله

- ‌خاتمة البحث

- ‌ثبت المراجع والمصادر

- ‌كلمة لا بد منها

- ‌المعجم

- ‌تعليل تسمية حروف العربية بحروف المعجم:

- ‌تاريخ استخدام اللفظ وشيوعه:

- ‌جمع اللفظ والخلاف فيه:

- ‌مرادفه (القاموس):

- ‌الحروف العربية من الأبجدية إلى الهجائية إلى المخارج

- ‌نشوء المعاجم اللغوية

- ‌البحث عن الألفاظ في المعاجم العربية

- ‌مدارس المعاجم العربية

- ‌ مدرسة العين:

- ‌ مدرسة الجمهرة:

- ‌ مدرسة المقاييس:

- ‌ مدرسة الصحاح:

- ‌ مدرسة الأساس:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌حمزة بن عبد المطلبأسد اللهوأسد رسوله

- ‌نسبة وأيامه قبل الإسلام

- ‌إسلام حمزة

- ‌في شعب أبي طالب

- ‌الهجرة العامة

- ‌أول لواء في الإسلام

- ‌في غزوة بدر الكبرى

- ‌في غزوة بني قينقاع

- ‌في غزوة أحد

- ‌ في المعركة

- ‌ الشهيد

- ‌رثاؤه

- ‌الإنسان

- ‌القائد

- ‌حمزة في التاريخ

- ‌منقبةللملك فيصل

- ‌نداء وتذكير

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ‌مذهب الشافعية أ - قال الشافعي في الأم (حد قاطع الطريق): قال

‌مذهب الشافعية

أ - قال الشافعي في الأم (حد قاطع الطريق):

قال الشافعي رحمه الله قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} (1) الآية. قال الشافعي أخبرنا إبراهيم (2) عن صالح مولى التوأمة (3) عن ابن عباس في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال: قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يصلبوا المال: قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا: قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا: طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا: نفوا من الأرض.

(قال الشافعي): وبهذا نقول: وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى، وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم، فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السباء والجزية، واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (4) فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه وأخذ بحقوق بني آدم، ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا قياسا على السنة في السارق.

(قال الشافعي) رحمه الله: والمحاربون الذين هذه حدودهم: القوم يعرضون بالسلاح للقوم حتى يغصبوهم مجاهرة في الصحاري والطرق، (قال): رأى ذلك في ديار أهل البادية وفي القرى سواء، إن لم يكن من كان في المصر أعظم ذنبا فحدودهم واحدة، فإذا عرض اللصوص لجماعة أو واحد مكابرة بسلاح فاختلف أفعال المعارضين فكان منهم من قتل وأخذ المال، ومنهم من قتل ولم يأخذ مالا، ومنهم من أخذ مالا ولم يقتل، ومنهم من كثر الجماعة وهيب، ومنهم من كان ردا للصوص يتقوون بمكانه، أقيمت عليهم الحدود باختلاف أفعالهم على ما وصفت وينظر إلى من قتل منهم وأخذ مالا، فيقتله ويصلبه وأحب إلي أن يبدأ بقتله قبل صلبه؛ لأن في صلبه وقتله على الخشبة تعذيبا له يشبه المثلة، وقد قال غيري: يصلب ثم يطعن فيقتل، وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل ودفع إلي أوليائه فيدفنوه أو يدفنه غيرهم، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ثم رجله

(1) سورة المائدة الآية 33

(2)

هو ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، قال ابن حجر في التقريب: متروك.

(3)

هو ابن نبهان المدني، قال ابن حجر في التقريب: صدوق اختلط بأخرة.

(4)

سورة المائدة الآية 34

ص: 94

اليسرى، ثم حسمت في مكان واحد وخلي، ومن حضر وكثر وهيب، أو كان ردا يدفع عنهم، عزر وحبس وسواء افترقت أفعالهم كما وصفت في مقام واحد، أو كانت جماعة كابرت ففعلت فعلا واحدا مثل قتل وحده، أو قتل وأخذ مال أو أخذ مال بلا قتل، حد كل واحد منهم حد مثله بقدر فعله، ولو هيبوا ولم يبلغوا قتلا ولا أخذ مال عزروا، ولو هيبوا وجرحوا أقص منهم بما فيه القصاص وعزروا وحبسوا، ولو كان القاتل قتل منهم رجلا وجرح آخر أقص صاحب الجرح منه ثم قتل، وكذلك لو كان أخذ المال وجرح أقص صاحب الجرح ثم قطع لا تمنع حقوق الله حقوق الآدميين في الجراح وغيرها، ولو كانت الجراح مما لا قصاص فيه، وهي عمد فأرشها كلها في مال الجارح يؤخذ دينا من ماله، وإن قتل أو قطع فأراد أهل الجارح عفو الجراح فذلك لهم، وإن أراد أولياء المقتولين عفو دماء من قتلوا لم يكن ذلك بحقن دماء من عفوا عنه، وكان على الإمام أن يقتلهم إذا بلغت جنايتهم القتل، (قال الشافعي) رحمه الله: وأحفظ عن بعض أهل العلم قبلنا أنه قال: يقتلون، وإن قتلوا عبدا أو ذميا على مال يأخذونه، وهذا مخالف للقتل على غير الغيلة، (قال): ولقوله هذا وجه؛ لأن الله عز وجل ذكر القتل والصلب فيمن حارب وسعى في الأرض فسادا؛ فيحتمل أن يكون إذا نيل هذا من عبد أو ذمي من المحاربة أو الفساد، ويحتمل أن يكونوا إذا فعلوا ما في مثله القصاص، وإن كنت أراه قد خالف سبيل القصاص في غيره؛ لأن دم القاتل فيه لا يحقن بعفو الولي عنه، ولا يصلحه لو صالح فيه كان الصلح مردودا، وفعل المصالح؛ لأنه حد من حدود الله عز وجل ليس فيه خبر يلزم فيتبع، ولا إجماع أتبعه، ولا قياس بتفرق فيصح، وإنما أستخير الله فيه.

ص: 95

الشهادات والإقرار في السرقة وقطع الطريق وغير ذلك

(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يقام على سارق ولا محارب حدا إلا بواحد من وجهين:

إما شاهدان عدلان يشهدان عليه بما في مثله الحد، وإما باعتراف يثبت عليه حتى يقام عليه الحد، وعلى الإمام أن يقف الشاهدين في السرقة حتى يقولا: سرق فلان، ويثبتاه بعينه وإن لم يثبتاه باسمه ونسبه متاعا لهذا يساوي ربع دينار، وحضر المسروق منه يدعي ما قال الشاهدان، فإن كذب الشاهدين لم يقطع السارق، وإن لم يحضر حبس السارق حتى يحضر

ص: 95

فيدعي أو يكذب الشاهدين، وإذا ادعى مرة كفى ما لم يرجع بعدها، فإذا لم يعرفا القيمة شهدا على المتاع بعينه أو صفة يثبتانها أنها أكثر ثمنا من ربع دينار، ويقولان: سرق من حرز، ويصفان الحرز، لا يقبل منهما غير صفته؛ لأنه قد يكون عندهما حرزا وليس عند العلماء بحرز، فإذا اجتمع هذا أقيم عليه الحد، وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطريق بأعيانهم وإن لم يسموا أسماءهم وأنسابهم أنهم عرضوا بالسلاح لهؤلاء أو لهذا بعينه وأخافوه بالسلاح ونالوا منه ثم فعلوا ما فيه حد، فإن شهدوا على أخذ المتاع شهدوا كما يشهد شهود السارق على متاع بعينه أو بقيمته أو بصفته كما وصفت في شهادة السارق ويحضر أهل المتاع وأولياء المقتول، وإن شهد شاهدان من أهل رفقته أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا منا أو من بعضنا لم تجز شهادتهما؛ لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا وفعلوا، ونحن ننظر.

وليس على الإمام عندي أن يقفهم فيسألهم هل كنتم فيهم؟ لأن أكثر الشهادة عليهم هكذا، فإن شهدوا أن هؤلاء عرضوا ففعل بعضهم لا يثبت أيهم فعل من أيهم لم يفعل، لم يؤخذوا بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه، وكذلك السرقة.

(قال الشافعي) رحمه الله: ولا يجوز في الحدود شهادة النساء، ولا يقبل في السرقة ولا قطع الطريق أقل من شاهدين، ولا يقبل فيه شاهد ويمين، وكذلك حتى يبينوا الجارح والقاتل وأخذ المتاع بأعيانهم، فإن لم يوجد شاهدان فجاء رب السرقة بشاهد حلف مع شاهده وأخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقت إن فاتت؛ لأن هذا مال يستحقه، ولم يقطع السارق وإن جاء بشاهد وامرأتين أخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقها، فإن هذا مال، وتجوز شهادة النساء فيه، ولا يختلف، وهكذا يفعل من طلب قطاع الطريق بكل مال أخذوه، وإن طلب جرحا يقتص منه وجاء بشاهد لم يقسم في الجراح، وأحلف المدعى عليه وبرئ، وإن طلب جرحا لا قصاص فيه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ الأرش، وإن جاء بشاهد على سرقته من حرز أو غير حرز أحلف مع شاهده وأخذ السرقة أو قيمتها إن لم توجد، ولا يقطع أحد بشاهد ويمين، ولا يقتص منه من جرح ولا بشاهد وامرأتين، وإن أقر السارق بالسرقة، ووصفها وقيمتها، وكانت مما يقطع به قطع. (قال الربيع): يقطع إلا أن يرجع فلا يقطع، وتؤخذ منه قيمة السلعة التي أتلف على ما أقر به أولا، (قال الشافعي) رحمه الله: وقاطع الطريق كذلك، ولو أقر بقتل فلان وجرح فلان وأخذ مال فلان أو بعض ذلك فيكفي كل واحد منهما الإقرار مرة، ويلزم

ص: 96

كل واحد منهما ما أقر به على ما أقر به فيحدان معا حدهما، ويقتص ممن عليه القصاص منهما، ويغرم كل واحد منهما ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة، فإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق، ولزمهما حقوق الناس وأغرم السارق قيمة ما سرق، وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه، وإن كان في إقراره أنه قتل فلانا دفع إلى وليه، فإن شاء قتله، وإن شاء أخذ منه الدية، وإن شاء عفا عنه؛ لأنه ليس بالحد يقتل، إنما يقتل باعتراف قد رجع عنه، ولو ثبت على الاعتراف قتل، ولم يحقن دمه عفو الولي عنه، وإن كان أقر بجرح، وكان يقتص منه اقتص منه، وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله، ولو قال: أصبته بذلك الجرح خطأ أخذ من ماله، لا تعقل عاقلته عنه اعترافا، ولو قطعت بعض يد السارق بالإقرار ثم رجع كف عن قطع ما بقي من يده، إلا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك، فإن شاء من أمره قطعه، وإن شاء فلا، هو حينئذ يقطع على العيب، ولو قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام عليه إلا باعترافه، إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر، أو وجد المانع للحد خوفا منه أو لم يجده، وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة.

(قال الشافعي) ذكر الله تبارك وتعالى حد استتابة المحارب فقال عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (1) فمن أخاف في المحاربة الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه، فاختلف أصحابنا فيه فقال بعضهم: كل ما كان لله عز وجل من حد يسقط فلا يقطع، وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح، ويؤخذ منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص، ويؤخذ منه قيمة ما أخذ، وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا ولا يصلب، وإن عفا جاز العفو؛ لأنه إنما يصير قصاصا لا حدا، وبهذا أقول، وقال بعضهم: يسقط عنه ما لله عز وجل وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه.

(قال الشافعي) والله أعلم السارق مثله قياسا عليه، فيسقط عنه القطع، ويؤخذ بغرم ما سرق، وإن فات ما سرق.

(1) سورة المائدة الآية 34

ص: 97

ب - وقال مؤلف نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ما نصه:

(باب قاطع الطريق)

أي أحكامهم، وقطعه هو البروز لأخذ مال أو لقتل أو إرهاب مكابرة اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث كما سيأتي، والأصل فيه قوله تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) الآية، قال جمهور العلماء: إنما نزلت في قطاع الطريق لا في الكفار، واحتجوا له بقوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (2) الآية، إذ المراد التوبة عن قطع الطريق، ولو كان المراد الكفار لكانت توبتهم بإسلامهم، وهو دافع للعقوبة قبل القدرة وبعدها، (هو مسلم) لا حربي لعدم التزامه أحكامنا، ولا معاهد ومؤمن، أما الذمي فيثبت له حكم قطع الطريق كما قاله ابن المنذر في الإشراف، وصرح به الشافعي، قال الزركشي: وهو قضية إطلاق الأصحاب فإنهم لم يشرطوا الإسلام. اهـ.

ويمكن أن يقال: إنه مخصوص بغير الذمي، أو أن جميع أحكام قطاع الطريق لا تتأتى فيهم، أو أنه خرج بقوله مسلم الكافر، وفيه تفصيل، وهو أنه إن كان ذميا ثبت له حكم قطع الطريق، أو حربيا أو معاهدا أو مؤمنا فلا، والمفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد (مكلف) أو سكران يختار، ولو قلنا: وامرأة فلا عقوبة على صبي ومجنون ومكره، وإن ضمنوا النفس والمال (له شوكة) أي قوة وقدرة، ولو واحدا يغلب جمعا، وقد تعرض للنفس أو البضع أو المال مجاهرا، (لا مختلسون يتعرضون لآخر قافلة يعتمدون الهرب)؛ لانتفاء الشوكة فحكمهم قودا أو ضمانا كغيرهم، والفرق عسر دفع ذي الشوكة بغير السلطان فغلظت عقوبته ردعا له، بخلاف نحو المختلس.

(والذين يغلبون شرذمة بقوتهم قطاع في حقهم) لاعتمادهم على الشوكة بالنسبة إليهم، (لا لقافلة عظيمة)، إذ لا قوة لهم بالنسبة إليهم، فالشوكة أمر نسبي فلو فقدت بالنسبة لجمع يقاومونهم لكن استسلموا لهم حتى أخذوهم، لم يكونوا قطاعا وإن كانوا ضامنين لما أخذوه؛ لأن ما فعلوه لا يصدر عن شوكتهم بل عن تفريط القافلة، (وحيث يلحق غوث) لو استغاثوا (ليسوا بقطاع) بل منتهبون (وفقد الغوث يكون للبعد) عن العمران أو السلطان (أو الضعف) بأهل العمران أو بالسلطان أو بغيرهما، كأن دخل جمع دارا وشهروا السلاح ومنعوا أهلها من الاستغاثة، فهم قطاع في حقهم، وإن كان السلطان موجودا قويا (وقد يغلبون والحالة هذه) أي وقد ضعف السلطان أو

(1) سورة المائدة الآية 33

(2)

سورة المائدة الآية 34

ص: 98

بعد هو وأعوانه (في بلد) لعدم من يقاومهم من أهلها (فهم قطاع) كالذين بالصحراء، وأولى لعظم جراءتهم.

ولو علم الإمام قوما يخيفون الطريق أو واحدا ولم يأخذوا مالا أي نصابا (ولا) قتلوا نفسا عزرهم وجوبا ما لم ير في تركه مصلحة، كما يؤاخذ من باب التعزير (بحبس وغيره) ردعا لهم عن هذه الأمور الفظيعة. وقد فسر النفي في الآية بالحبس، ومن ثم كان أولى من غيره، فلا يتعين وله جمع غيره معه كما اقتضاه كلام المصنف، ويرجع في قدره وقدر غيره وجنسه لرأي الإمام، ولا يتعين الحبس كما هو ظاهر ولا يتقدر بمدة، والأولى استدامته إلى ظهور توبته، وأن يكون بغير بلده وأفهم قوله علم أن له الحكم بعلمه هنا نظرا لحق الآدمي.

(وإذا أخذ القاطع نصاب السرقة)، ولو لجمع اشتركوا فيه واتحد حرزه وتعتبر قيمة محل الأخذ بفرض أن لا قطاع، ثم إن كان محل بيع، وإلا فأقرب محل بيع إليه من حرزه كأن يكون معه أو بقربه ملاحظ بشرطه المار من قوته أو قدرته على الاستغاثة، قاله الماوردي.

لا يقال القوة والقدرة تمنع قطع الطريق لما مر أنه حيث لحق غوث لو استغيث لم يكونوا قطاعا؛ لأنا نمنع ذلك؛ إذ القوة والقدرة بالنسبة للحرز غيرهما بالنسبة لقطع الطريق؛ لأنه لا بد فيه من خصوص الشوكة ونحوها كما علم مما مر بخلاف الحرز يكفي فيه مبالاة السارق به عرفا، وإن لم يقاوم السارق من غير شبهة مع بقية شروطها المارة، ويثبت ذلك برجلين لا بغيرهما إلا بالنسبة للمال وطلب المالك نظير ما مر في السرقة (قطعت يده اليمين) للمال كالسرقة (ورجله اليسرى) للمحاربة كما قاله العمراني، وجزم به ابن المقري تبعا للروضة بعد ذلك، ومع ذلك هو حد واحد، وخولف بينهما لئلا تفوت المنفعة كلها من جانب واحد، ولو فقدت إحداهما ولو قبل أخذ المال ولو لشللها وعدم أمن نزف الدم اكتفي بالأخرى، ولو عكس ذلك بأن قطع الإمام يده اليمنى. ورجله اليمنى فقد تعدى ولزمه القود في رجله إن تعمد وإلا فديتها، ولا يسقط قطع رجله اليسرى، ولو قطع يده اليسرى ورجله اليمنى فقد أساء، ولا يضمن وأجزاه والفرق أن قطعهما من خلاف نص يوجب مخالفته الضمان، وتقديم اليمنى على اليسرى اجتهاد يسقط بمخالفة الضمان. ذكره الماوردي والروياني، وتوقف الأذرعي في إيجاب القود وعدم الإجزاء في الحالة الأولى.

قال الزركشي: وقضية الفرق أنه لو قطع في السرقة يده اليسرى في المرة الأولى عامدا أجزأ؛ لأن تقديم اليمنى عليها بالاجتهاد

ص: 99

أي وليس كذلك كما مر، وأجيب بعدم تسليم أن تقديم اليمنى تم بالاجتهاد بل بالنص، لما مر أنه قرئ شاذا "فاقطعوا أيمانهما"، وأن القراءة الشاذة كخبر الواحد. وينبغي كما قاله الأذرعي مجيء ما مر في السرقة هنا من توقف القطع على طلب المالك، وعلى عدم دعوى التملك ونحوه من المسقطات، فقد قال البلقيني: إنه القياس، وفي الأم ما يقتضيه ولا بد من انتفاء الشبهة كما في التنبيه، ويحسم موضع القطع كما في السارق، ويجوز أن تحسم اليد ثم تقطع الرجل، وأن يقطعا جميعا ثم يحسما، فإن فقدتا قبل الأخذ أو عاد ثانيا بعد قطعهما إلى أخذ المال فيسراه ويمناه يقطعان للآية، (وإن قتل) قتلا يوجب القود ولو بسراية جرح مات منه بعد أيام قبل الظفر به والتوبة، قتل حتما؛ لأن المحاربة تفيد زيادة ولا زيادة هنا إلا التحتم فلا يسقط بعفو مستحق القود، ويستوفيه الإمام؛ لأنه حقه تعالى.

قال البندنيجي: وإنما يتحتم، إن قتل لأخذ المال واعتمده البلقيني وهو الأوجه، (وإن قتل) قتلا يوجب القود (وأخذ مالا) يقطع به في السرقة، كما دل عليه كلامهما، وإن نازع فيه البلقيني قتل بلا قطع ثم غسل كفن وصلي عليه، ثم صلب مكفنا معترضا على نحو خشبة، ولا يقدم الصلب على القتل لكونه زيادة تعذيب ثلاثا من الأيام بلياليها وجوبا، ولا تجوز الزيادة عليها ليشتهر الحال ويتم النكال، وحذف التاء لحذف المعدود سائغ، ثم ينزل إن لم يخف تغيره قبلها وإلا أنزل حينئذ.

قال الأذرعي: وكان المراد بالتغير هنا الانفجار ونحوه، وإلا فمتى حبست جيفة الميت ثلاثا حصل النتن والتغير غالبا، وقيل: يبقى وجوبا حتى يتهرى ويسيل صديده تغليظا عليه. ومحل قتله وصلبه محل محاربته إلا أن لا يكون محل مرور الناس فأقرب محل إليه.

وظاهر أن هذا مندوب لا واجب، وفي قول يصلب حيا قليلا ثم ينزل فيقتل؛ لأن الصلب عقوبة فيفعل به حيا، واعتراض قوله قليلا بأنه زيادة لم تحك عن هذا القول، فإن أريد به ثلاثة أيام كان أحد أوجه ثلاثة مفرعة على هذا القول لا أنه من جملته. ويجاب: بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، فإذا حفظا أن قليلا من جملة هذا القول قدما، ثم الذي يتجه أن المراد به أدنى زمن ينزجر به عرفا غيره.

وافهم ترتيبه الصلب على القتل أنه يسقط بموته حتف أنفه، وبقتله بغير هذه الجهة كقود في غير المحاربة؛ إذ التابع يسقط بسقوط متبوعه، وبما تقرر فسر ابن عباس رضي الله عنهما الآية فإنه جعل (أو) فيها للتنويع لا للتخيير، حيث قال: المعنى أن يقتلوا إن قتلوا أو يصلبوا مع ذلك إن قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوه فقط،

ص: 100

أو ينفوا من الأرض إن أرعبوا ولم يأخذوه، وهذا منه إما توقيف وهو الأقرب أو لغة، وكل منهما من مثله حجة؛ لأنه ترجمان القرآن؛ ولأن الله تعالى بدأ فيه بالأغلظ فكان مرتبا ككفارة الظهار، ولو أريد التخيير لبدأ بالأخف ككفارة اليمين، ومن أعانهم وكثر جمعهم مقتصرا على ذلك عزر بحبس وتغريب وغيرهما كبقية المعاصي، وتعبير أصله (بأو) لا ينافي كلام المصنف؛ إذ المرجع إلى رأي الإمام نظير ما مر فيمن أخافوا الطريق، (وقيل: يتعين التغريب إلى حيث يراه) الإمام وما تقتضيه المصلحة، وقيل: القاطع المتحتم يغلب فيه معنى القصاص، إذ الأصل في اجتماع حقه تعالى.

وحق الآدمي تغليب الثاني لكونه مبنيا على التضييق، وفي قول الحد لعدم صحة العفو عنه، ويستقل الإمام باستيفائه، فعلى الأول تلزمه الكفارة ولا يقتل بولده وإن سفل، وذمي وقن للأصالة أو لعدم الكفاءة، بل تلزمه الدية أو القيمة، وعلى الأول أيضا لو مات القاطع بلا قطع فدية للمقتول في ماله إن كان حرا، وإلا فقيمته، وعليه أيضا لو قتل جمعا معا، قتل بواحد وللباقين ديات، فإن قتلهم مرتبا قتل بالأول، وعليه أيضا لو عفا وليه بمال وجب وسقط القصاص، ويقتل حدا كما لو وجب قتل على مرتد فعفا عنه وليه، وعليه أيضا لو قتل بمثقل أو بقطع عضو فعل به مثله) رعاية للمماثلة كما مر في فصل القود، وإن نازع فيه البلقيني بأنه يقتل بالسيف على القولين، وقال: إن النص يقتضيه ويختص التحتم بالقتل والصلب دون غيرهما، فحينئذ لو جرح جرحا فيه قود كقطع يد فاندمل أو قتله عقبه لم يتحتم قصاص فيه في ذلك الجرح في الأظهر، بل يتخير المجروح بين القود والعفو على مال أو غيره؛ لأن التحتم تغليظ لحقه تعالى فاختص بالنفس كالكفارة.

أما إذا سرى إلى النفس فيتحتم القتل كما مر، والثاني يتحتم كالقتل، والثالث في اليدين والرجلين للشروع فيها القطع حدا دون غيرهما كالأذن والأنف والعين، وتسقط عقوبات تخص القاطع من تحتم وصلب وقطع رجل وكذا يد، كما شمل ذلك كلامه؛ لأن المختص به القاطع اجتماع قطعهما فهما عقوبة واحدة إذا سقط بعضها سقط كلها بتوبته عن قطع الطريق قبل القدرة عليه؛ لقوله تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (1) الآية، والمراد بما قبل القدرة أن لا تمتد إليهم يد الإمام بهرب أو استخفاء أو امتناع، بخلاف ما لا تخصه كالقود وضمان المال لا بعدها، وإن صلح عمله على المذهب لمفهوم الآية، وإلا لم يكن لقبل فيها فائدة، والفرق أنه قبلها غير متهم فيها بخلافه بعدها لاتهامه بدفع الحد. ولو ادعى

(1) سورة المائدة الآية 34

ص: 101