الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصة التفسير
تلخص من مجموع ما أوردناه في تفسير الآيات ما يأتي:
1 -
المراد بأكل الربا جميع التصرفات وعبر عن ذلك بالأكل لأنه الغرض الرئيسي وغيره من الأغراض تبع له.
2 -
تشبيه المرابي بالمصروع لأن المصروع يتخبط في سيره فينهض ويسقط وكذلك آكل الربا يوم القيامة.
3 -
تشبيه البيع بالربا مبالغة في جعل الربا أصلا في الحل والبيع فرعا والعكس هو الصحيح.
4 -
المحقق يشمل ما يأتي:
أ - المحق بالكلية بحيث يذهب المال من يد المرابي دون أن ينتفع به.
ب - محق بركة المال مهما كثر فإن عاقبته إلى قل.
5 -
إسدال الستر على ما سبق من تعاطي الربا قبل تحريمه فلا يلحق المرء تبعته.
6 -
الترغيب في بذل الصدقات للوعد الكريم بتنمية الله لها.
7 -
الوعيد الشديد لمن يزاول تعاطي الربا بعد التحريم.
8 -
للمرابي أن يأخذ رأس ماله ويدع الزيادة عليه.
9 -
الترغيب في إنظار المعسر أو إبراء ذمته من الدين.
10 -
توجيه الأنظار ليوم القيامة والتذكير بالوقفة فيه أمام رب العزة للحساب والجزاء على الأعمال.
(مبحث
الربا في السنة النبوية)
قوام الدين وعماده والمصدر الذي يؤخذ منه التشريع كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقد عرضنا فيما تقدم من هذا المبحث للآيات التي ورد فيها ذكر الربا وتحريمه
والوعيد عليه ونردف ذلك بما ورد في السنة النبوية في موضوع الربا ولن نستعرض كل الأحاديث الواردة في ذلك وإنما نكتفي منها بما يلي:
1 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (1)» رواه البخاري ومسلم.
الشرح
قوله (اجتنبوا) أي: أبعدوا وهو أبلغ من قوله دعوا واتركوا لأن النهي عن القربان أبلغ كقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (2) قوله: الموبقات أي: المهلكات وسميت هذه موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب، وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد والطبري في التفسير وعبد الرزاق مرفوعا وموقوفا قال:«الكبائر تسع وذكر السبعة المذكورة وزاد والإلحاد في الحرم وعقوق الوالدين (3)» إلى آخر ما أفاض فيه شارح الحديث في تعداد الكبائر، قوله:(الشرك بالله) هو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه ويخافه كما يخاف الله. بدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به في الأرض كما في الصحيحين عن ابن مسعود «سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك (4)» الحديث، وأخرجه الترمذي بسنده عن صفوان بن عسال ثم أورد الحديث بتمامه وقال: صحيح.
قوله: (السحر) السحر في اللغة عبارة عما خفي ولطف سببه، وقال في الكافي: السحر عزائم ورقى يؤثر في القلوب والأبدان إلى آخر ما أفاض فيه الشارح يرحمه الله، قوله:(وقتل النفس التي حرم الله) أي حرم الله قتلها وهي نفس المسلم المعصوم. (إلا بالحق) أي: بأن تفعل ما يوجب قتلها، قوله:(وأكل الربا) تناوله بأي وجه كان كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (5) الآيات من سورة البقرة، قال ابن دقيق العيد: وهو مجرب لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك وأكل مال اليتيم يعني التعدي فيه وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع، قوله: (والتولي يوم
(1) صحيح البخاري الوصايا (2767)، صحيح مسلم الإيمان (89)، سنن النسائي الوصايا (3671)، سنن أبو داود الوصايا (2874).
(2)
سورة الأنعام الآية 151
(3)
سنن أبو داود الوصايا (2874).
(4)
صحيح البخاري تفسير القرآن (4477)، صحيح مسلم الإيمان (86)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3183)، سنن النسائي تحريم الدم (4014)، سنن أبو داود الطلاق (2310)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 434).
(5)
سورة البقرة الآية 275
الزحف) أي الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال، وإنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كما قيد به في الآية (15) في سورة الأنفال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (1) وقوله:(وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أي: المحفوظات من الزنا والمراد الحرائر العفيفات (2).
2 -
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه (3)» رواه الخمسة وصححه الترمذي غير أن لفظ النسائي: «آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة (4)» .
3 -
عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «درهم من ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية (5)» رواه أحمد.
الشرح
حديث ابن مسعود أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه (6)» وقال: هم سواء. وفي الباب عن علي رضي الله عنه عند النسائي وعن أبي جحفة، وحديث عبد الله بن حنظلة أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد: ورجال أحمد رجال الصحيح، ويشهد له حديث البراء عند ابن جرير بلفظ:«الربا اثنان وستون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه (7)» وهو حديث صحيح، وحديث أبي هريرة عند البيهقي بلفظ:«الربا ثلاثة وسبعون بابا أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه (8)» ، وأخرج ابن جرير نحوه، وكذلك أخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم وصححه بلفظ:«الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وأن أربى الربا عرض الرجل المسلم (9)» وهو حديث صحيح، وقوله (آكل الربا) ومؤكله بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز إبدالها واوا أي: ولعن مطعمه غيره، وسمي آخذ المال آكلا، ودافعه مؤكلا؛ لأن المقصود منه
(1) سورة الأنفال الآية 15
(2)
فتح المجيد (ص 237 إلى 240) فتح الباري 12/ 181 - 184، وصحيح مسلم بشرح النووي 2/ 83 - 88.
(3)
صحيح مسلم المساقاة (1597)، سنن الترمذي البيوع (1206)، سنن أبو داود البيوع (3333)، سنن ابن ماجه التجارات (2277)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 465)، سنن الدارمي البيوع (2535).
(4)
سنن النسائي الزينة (5102)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 465).
(5)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 225).
(6)
صحيح مسلم المساقاة (1597)، سنن الترمذي البيوع (1206)، سنن النسائي الطلاق (3416)، سنن أبو داود البيوع (3333)، سنن ابن ماجه التجارات (2277)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 465)، سنن الدارمي البيوع (2535).
(7)
سنن ابن ماجه التجارات (2274).
(8)
سنن ابن ماجه التجارات (2274).
(9)
سنن ابن ماجه التجارات (2275).
الأكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلاف أكثر الأشياء.
قوله: (وشاهديه) رواية أبي داود بالإفراد والبيهقي وشاهديه أو شاهده، قوله:(وكاتبه) دليل على تحريم كتابة الربا إذا علم ذلك، وكذلك الشاهد لا يحرم عليه الشهادة إلا مع العلم، فأما من كتب أو شهد غير عالم فلا يدخل في الوعيد، قوله:(أشد من ست وثلاثين. . . إلخ) يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها لا شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح، وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعله الشارع أربى الربا. فالرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله ولا جاهه فيكون إثمه عند الله أشد من إثم من زنى ستا وثلاثين زنية هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل (1).
4 -
حديث سمرة بن جندب الطويل نجتزئ منه بما يلي: قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة أقبل علينا بوجهه فقال: هل رأى منكم أحد الليلة رؤيا فإن كان أحد رأى فيها رؤيا قصها عليه فيقول فيها ما شاء الله، فسألنا يوما هل رأى أحد منكم رؤيا فقلنا: لا، قال: ولكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى أرض مستوية أو فضاء، فمررنا برجل جالس ورجل قائم على رأسه وبيده كلوب من حديد يدخله في شدقه فيشقه حتى يبلغ فاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيه فيصنع به مثل ذلك، قال: قلت ما هذا؟ قالا: انطلق، واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم في سرد رؤيته إلى أن قال: فانطلقنا حتى نأتي على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل قائم بين يديه حجارة فأقبل ذلك الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج منه رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فرده حيث كان، فقلت لهما: ما هذا؟ قالا: انطلق (2)» . الحديث أخرجه البخاري نعرض بعد هذا للإيضاح عن الفقرات التي وردت في هذا الحديث عن الملكين:
قالا: أما الرجل الذي رأيت يشق شدقه فإنه رجل كذاب يتحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فهو يصنع به ما ترى إلى يوم القيامة، وأما الرجل الذي رأيته يشدخ رأسه فإن ذلك رجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار فهو
(1) نيل الأوطار، ح 5 (ص 296 - 297).
(2)
صحيح البخاري التعبير (7047)، صحيح مسلم الرؤيا (2275)، سنن الترمذي الرؤيا (2294)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 15).