الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذه الغزوة بدأ فرض الحصار الاقتصادي على قريش، بتهديد طريق مكة - الشام الحيوي لتجارة قريش تهديدا إيجابيا خطيرا.
وهناك من يذكر أن أول راية عقدها النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لعبيدة بن الحارث بن المطلب، وذلك أن بعث حمزة وبعث عبيدة كانا في وقتين متقاربين: الأول في رمضان، والثاني في شوال، فشبه ذلك على الناس (1).
ولا مجال للاشتباه؛ لأن راية حمزة عقدت في رمضان، بينما عقدت راية عبيدة في شوال، أي بعد شهر تقريبا. كما شهد حمزة مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة (ودان)(2)، وكان لواؤه أبيض يحمله حمزة في هذه الغزوة (3).
(1) انظر سيرة ابن هشام (2/ 230).
(2)
ودان: قرية قريبة من الجحفة على مرحلة منها.
(3)
ابن الأثير (2/ 113).
في غزوة بدر الكبرى
خرج النبي صلى الله عليه وسلم باتجاه موضع (بدر) من المدينة المنورة لثمان ليال خلون من شهر رمضان، من السنة الثانية الهجرية (623 م) على رأس أصحابه، وكان معه سبعون بعيرا يعتقبها أصحابه، وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا (1) واحدا.
وفي بدر، قبل نشوب القتال، خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلا شرسا سيئ الخلق، فقال:" أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن "، فخرج إليه حمزة، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن (2) قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب (3) رجله دما، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه ليبر يمينه، واتبعه حمزة، فضربه حتى قتله في الحوض.
(1) سيرة ابن هشام (1/ 251).
(2)
أطن: أطارها.
(3)
تشخب: تسيل بصوت.
ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بن أخيه شيبة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل (1) من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار، فقالوا:"من أنتم؟ "، فقالوا:"رهط من الأنصار ". قالوا: "ما لنا بكم من حاجة"، ثم نادى مناديهم:"يا محمد أخرج إلينا أكفأنا من قومنا "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قم يا عبيدة بن الحارث، قم يا حمزة، قم يا علي ". ولما قاموا ودنوا منهم قالوا: "من أنتم؟ "، فذكروا أسماءهم، فقالوا:"نعم، أكفاء كرام".
وبارز عبيدة -وكان أسن القوم- عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة.
فأما حمزة، فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما جرح صاحبه، فكر علي وحمزة بأسيافهما على عتبة، فدففا عليه (2)، واحتملا صاحبهما إلى معسكر المسلمين (3).
لقد أبلى في بدر بلاء عظيما، وقاتل بسيفين (4)، وقد سأل أمية بن خلف الذي أسر يوم (بدر) عبد الرحمن بن عوف:"من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره؟ "، فقال عبد الرحمن بن عوف:" حمزة بن عبد المطلب "، فقال أمية:"هو الذي فعل بنا الأفاعيل"(5).
إن دور حمزة في غزوة بدر الكبرى الحاسمة لم يكن دورا اعتياديا، بل كان دورا بارزا للغاية، فقد قتل أشجع شجعان قريش وأكثرهم إقداما، الذي تحدى المسلمين في محاولة الشرب من حوضهم أو هدمه، وقتل شيبة وشارك في قتل عتبة ابني ربيعة، وهما من أبرز أشراف قريش ومن أشجع شجعانها، وبذلك أثر أعمق الأثر في معنويات قريش، فانهارت تلك المعنويات من جراء هذه البداية غير الموفقة، والجيش الذي يخسر معنوياته لا ينتصر أبدا.
(1) فصل: مزج.
(2)
دففا عليه: أسرعا في قتله، وأجهزا عليه.
(3)
سيرة ابن هشام (2/ 265) وابن الأثير (2/ 124 - 125).
(4)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 168).
(5)
أسد الغابة (2/ 47) وابن الأثير (2/ 127).