الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيما يلي نقول عن فقهاء الإسلام من المفسرين وغيرهم لها وثيق الصلة بذلك يستخلص منها الحكم، والجزاء - إن شاء الله.
ثانيا:
كلام بعض علماء التفسير وشراح الحديث على نصوص من الكتاب والسنة
تتعلق بعقوبة الحرابة والإفساد في الأرض مع المناقشة.
لما كان موضوع سطو المجرمين على الناس في بيوتهم أو طرقاتهم وأسفارهم وخطفهم أو مخادعتهم للاعتداء عليهم في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، وكذا المخدرات وما يتعلق بها وثيق الصلة بالحرابة والإفساد في الأرض؛ كان لا بد من الكلام عليهما، وبيان الحكم فيهما لينتقل من ذلك إلى بيان الحكم في موضوع البحث وتفصيله في جزئياته التي اقترحها المجلس في الدورة السابعة عشرة، فلنبدأ بجمع النقول في ذلك من بعض كتب التفسير، وكتب شراح الحديث.
1 -
نقول عن بعض علماء التفسير:
قال
أبو جعفر محمد بن جرير الطبري:
القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) الآيتين.
هذا بيان من الله - عز ذكره - عن حكم الفساد في الأرض الذي ذكره في قوله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} (2)، أعلم عباده ما الذي يستحق المفسد في الأرض من العقوبة والنكال فقال تبارك وتعالى لا جزاء له في الدنيا إلا القتل والصلب وقطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي من الأرض خزيا له، وأما في الآخرة إن لم يتب في الدنيا فعذاب أليم.
ثم اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فقال بعضهم نزلت في قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقضوا العهد، وأفسدوا في الأرض؛ فعرف الله نبيه صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 32
ذكر من قال ذلك
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي (1) عن ابن عباس، قوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (2)، قال: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فخير رسوله، إن شاء أن يقتل، وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر (3)، عن الضحاك قال: كان قوم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض؛ فخير الله - جل وعز - نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم، فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف.
تم قال آخرون: نزلت في قوم من المشركين.
حدثنا ابن حميد (4)، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين (5) بن وافد عن يزيد عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (6) إلى {أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (7) نزلت هذه الآية في المشركين. فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل، أو أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصاب.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد عن أشعب عن الحسن {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (8) قال: نزلت في أهل الشرك.
(1) هو ابن أبي لحة: أرسل عن ابن عباس والمغيرة، وهو صدوق قد يخطئ
(2)
سورة المائدة الآية 33
(3)
هو ابن سعيد الأزدي، أبو القاسم البلخي، قال ابن حجر في التقريب: ضعيف جدا
(4)
هو محمد بن حميد الرازي، قال ابن حجر في التقريب: حافظ ضعيف
(5)
هو أبو عبد الله القاضي المروزي، قال ابن حجر: نقوله أوهام
(6)
سورة المائدة الآية 33
(7)
سورة المائدة الآية 34
(8)
سورة المائدة الآية 33
وقال آخرون: بل نزلت في قوم من عرينة وعكل ارتدوا عن الإسلام، وحاربوا الله ورسوله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس «أن رهطا من عكل وعرينة أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله؛ إنا أهل ضرع. ولم نكن أهل ريف، وإنا استوخمنا المدينة، فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الذود وكفروا بعد إسلامهم فأتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا؛ فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم: (2)»
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا روح، قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه القصة.
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي يقول: أخبرنا أبو حمزة، عن عبد الكريم، وسئل عن أبوال الإبل، فقال: حدثني سعيد بن جبير، عن المحاربين، فقال:«كان ناس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: نبايعك على الإسلام فبايعوه وهم كذبة، وليس الإسلام يريدون، ثم قالوا: إنا نجتوي المدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح فاشربوا من أبوالها وألبانها قال: فبينا هم كذلك إذ جاء الصريخ فصرخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قتلوا الراعي وساقوا النعم فأمر نبي الله فنودي في الناس، أن يا خيل الله اركبي، قال: فركبوا لا ينتظر فارس فارسا، قال فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم فلم يزالوا يطلبونهم حتى أدخلوهم مأمنهم فرجع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسروا منهم فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (3) الآية. قال فكان نفيهم أن نفوهم حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم ونفوهم من أرض المسلمين، وقتل نبي الله منهم وصلب وقطع وسمل الأعين، قال: فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد، قال: ونهى عن المثلة، وقال لا تمثلوا بشيء» قال: فكان أنس بن مالك يقول ذلك، غير أنه قال: أحرقهم بالنار بعدما قتلهم إلى أن قال.
وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال: أنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم معرفة
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3018)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 233).
(2)
سورة المائدة الآية 33 (1){إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
(3)
سورة المائدة الآية 33
حكمه على من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادا. بعد الذي كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ما فعل.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك؛ لأن القصص التي قصها الله - جل وعز - قبل هذه الآية وبعدها من قصص بني إسرائيل وأنبائهم، فإن يكن ذلك متوسطا منه يعرف الحكم فيهم وفي نظرائهم، أولى وأحق (1)، وقلنا: كان نزول ذلك بعد الذي كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ما فعل لتظاهر الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك،
وإذا كان ذلك أولى بالآية لما وصفنا فتأويلها: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو سعى بفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون يقول: لساعون في الأرض بالفساد وقاتلو النفوس بغير نفس، وغير سعي في الأرض بالفساد، حربا لله ولرسوله فمن فعل ذلك منهم يا محمد، فإنما جزاؤه أن يقتلوا أو يصلبوا أو أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. أو ينفوا من الأرض.
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرت من حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده، ومن قولك: إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام دون أهل الحرب من المشركين؟ قيل: جاز أن يكون ذلك كذلك؛ لأن حكم من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا من أهل ذمتنا وملتنا واحد والذين عنوا بالآية كانوا أهل عهد وذمة، وإن كان داخلا في حكمها كل ذمي وملي، وليس يبطل بدخول في حكم الآية من الناس أن يكون صحيحا نزولها فيمن نزلت فيه.
ثم قال: واختلف أهل العلم في المستحق اسم المحارب لله ورسوله الذي يلزمه حكم هذه: فقال بعضهم: هو اللص الذي يقطع الطريق (2).
(1) سيأتي رده في ص .. من الأعداد
(2)
إن أريد بذلك بيان المحارب بنوع من أنواعه فمسلم، وإلا فالصحيح أن المراد بالمحارب أعم من ذلك.
ذكر من قال ذلك
حدثنا الحسن بن يحيى: قال: أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة وعطاء الخرساني في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (1) الآية، قالا: هذا هو اللص الذي يقطع الطريق فهو محارب.
وقال آخرون: هو اللص المجاهر بلصوصيته المكابر في المصر وغيره، وممن قال ذلك الأوزاعي.
حدثنا بذلك العباس عن أبيه عنه، وعن مالك والليث بن سعد وابن لهيعة.
حدثنا علي بن سهل قال: ثنا الوليد بن سلم، قال: قلت لمالك بن أنس تكون محاربة في المصر؟ قال: نعم والمحارب عندنا من حمل السلاح على المسلحين في مصر أو خلاء، فكان ذلك منه على غير ثائرة كانت بينهم ولا دحل ولا عداوة قاطعا للسبيل والطريق والديار، مخيفا بسلاحه فقتل أحدا منهم قتله الإمام كقتلة المحارب ليس لولي المقتول فيه عفو ولا قود.
حدثني علي، قال: ثنا الوليد، قال: وسألت عن ذلك الليث بن سعد وابن لهيعة، قلت: تكون المحاربة في دور المصر والمدائن والقرى؟ فقالا: نعم إذا هم دخلوا عليهم بالسيوف علانية أو ليلا بالنيران، قلت: فقتلوا أو أخذوا المال ولم يقتلوا، فقال: نعم هم المحاربون، فإن قتلوا قتلوا وإن لم يقتلوا وأخذوا المال قطعوا من خلاف، إذا هم خرجوا به من الدار، ليس من حارب المسلمين في الخلاء والسبيل بأعظم من محاربة من حاربهم في حريمهم ودورهم.
حدثني علي قال: ثنا الوليد قال: قال أبو عمرو وتكون المحاربة في المصر شهيرا على أهله بسلاحه ليلا أو نهارا قال علي: قال الوليد: وأخبرني مالك أن قتل الغيلة عنده بمنزلة المحاربة. قلت: وما قتل الغيلة؟ قال: هو الرجل يخدع الرجل والصبي، فيدخله بيتا أو يخلو به فيقلته، ويأخذ ماله، فالإمام ولي قتل هذا، وليس لولي الدم والجرح قود ولا
(1) سورة المائدة الآية 33
قصاص، وهو قول الشافعي.
حدثنا بذلك عنه الربيع.
وقال آخرون: المحارب هو قاطع الطريق، فأما المكابر في الأمصار فليس بالمحارب الذي له حكم المحاربين، وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه.
حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال ثنا بشر بن المفضل عن داود بن أبي هند، قال: تذاكرنا المحارب ونحن عند ابن هبيرة في ناس من أهل البصرة، فاجتمع رأيهم أن المحارب ما كان خارجا من المصر.
وقال مجاهد بما حدثني القاسم قال: ثنا المحسين قال: ثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (1) قال: الزنا والسرقة وقتل الناس وإهلاك الحرث والنسل (2).
حدثنا ابن حميد قال: ثنا حكام (3) عن عنبسة عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد:{وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (4) قال: الفساد: القتل والزنا والسرقة.
* وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: المحارب لله ورسوله من حارب في ساملة المسلمين وذمتهم، والمغير عليهم في أمصارهم وقراهم حرابة.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب؛ لأنه لا خلاف بين الحجة أن من نصب حربا للمسلمين على الظلم منه لهم أنه لهم محارب، ولا خلاف فيه، فالذي وصفنا صفته، لا شك فيه أنه لهم مناصب حربا ظلما. وإذا كان ذلك كذلك فسواء كان نصبه الحرب لهم في مصرهم وقراهم، أو في سبلهم وطرقهم في أنه لله ولرسوله محارب بحربه من نهاه الله ورسوله عن حربه.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
إذا أريد ذلك مع المغالبة فصحيح، وإلا فلا
(3)
هو ابن سنم الرازي قال ابن حجر في التقريب ثقة له غرائب
(4)
سورة المائدة الآية 33
وأما قوله: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (1) فإنه يعني: يعملون في أرض الله بالمعاصي من إخافة سبل عباده المؤمنين به، أو سبل ذمتهم، وقطع طرقهم، وأخذ أموالهم ظلما وعدوانا، والتوثب على حرمهم فجورا وفسوقا.
القول في تأويل قوله: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2).
يقول تعالى ذكره: ما للذي حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا من أهل ملة الإسلام أو ذمتهم إلا بعض هذه الخلال التي ذكرها جل ثناؤه.
ثم اختلف أهل التأويل في هذه الخلال أتلزم المحارب باستحقاقه اسم المحاربة أم يلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جرمه. مختلفا باختلاف إجرامه.
فقال بعضهم: تجب على المحارب العقوبة على قدر استحقاقه، ويلزمه ما لزمه من ذلك على قدر جرمه، مختلفا باختلاف إجرامه.
ذكر من قال ذلك
حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (3) إلى قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (4) قال: إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته، وإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب إن ظهر عليه قبل توبته، وإذا حارب وأخذ ولم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف إن ظهر عليه قبل توبته، وإذا حارب وأخاف السبيل؛ فإنما عليه النفي.
حدثنا ابن وكيع وأبو السائب قالا: ثنا ابن إدريس عن أبيه عن حماد عن إبراهيم: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (5) قال: إذا خرج فأخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا أخاف السبيل ولم يأخذ المال وقتل - صلب.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 33
(3)
سورة المائدة الآية 33
(4)
سورة المائدة الآية 33
(5)
سورة المائدة الآية 33
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير عن مغيرة، عن حماد عن إبراهيم فيما أرى في الرجل يخرج محاربا، قال: إن قطع الطريق وأخذ المال قطعت يده ورجله، وإن أخذ المال وقتل: قتل، وإن أخذ المال وقتل ومثل: صلب.
حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي عن عمران بن حدير عن أبي مجلز {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) الآية، قال: إذا قتل وأخذ المال وأخاف السبيل صلب. وإذا قتل لم يعد ذلك قطع، وإذا كان يفسد نفي.
حدثني المثنى قال: ثنا الحماني قال: ثنا شريك (2) عن سماك عن الحسن {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (3) إلى قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (4) قال: إذا أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي.
حدثنا المثنى قال: ثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشام، عن حصين قال: كان يقال: من حارب فأخاف السبيل وأخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا أخذ المال وقتل صلب.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة أنه كان يقول في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (5) إلى قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (6) حدود أربعة أنزلها الله فأما من أصاب الدم والمال جميعا صلب، وأما من أصاب الدم وكف عن المال قتل، ومن أصاب المال وكف عن الدم قطع، ومن لم يصب شيئا من هذا نفي.
حدثنا هناد قال: ثنا أبو معاوية عن حجاج (7). عن عطية العوفي (8) عن ابن عباس قال: إذا خرج المحارب وأخاف الطريق وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، فإن هو خرج فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب، وإن خرج فقتل ولم يأخذ المال قتل، وإن أخاف السبيل، ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
هو ابن عبد الله القاضي قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيرا، تغير منذ ولي القضاء بالكوفة
(3)
سورة المائدة الآية 33
(4)
سورة المائدة الآية 33
(5)
سورة المائدة الآية 33
(6)
سورة المائدة الآية 33
(7)
هو ابن أرطأة النخفي، قال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق كثير الخطأ والتدليس
(8)
هو ابن سعد بن جنادة، قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا.
حدثنا ابن البرقي قال: ثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن يزيد قال ثني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي، وعن أبي معاوية عن سعيد بن جبير في هذه الآية:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (1) قالا: إن أخاف المسلمين فاقتطع المال ولم يسفك قطع، وإذا سفك دما قتل وصلب، وإن جمعهما فاقتطع مالا وسفك دما قطع ثم قتل، ثم صلب، كان الصلب مثله. وكان القطع {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (2) وكان القتل النفس بالنفس، وإن امتنع فإن من الحق على الإمام وعلى المسلمين أن يطلبوه حتى يأخذوه فيقيموا عليه حكم كتاب الله أو ينفوا من الأرض. من أرض الإسلام إلى أرض الكفر.
قال أبو جعفر: واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم هذا، بأن قالوا: إن الله أوجب على القاتل القود، وعلى السارق القطع، وقالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خلال: رجل قتل فقتل، ورجل زنى بعد إحصان فرجم، ورجل كفر بعد إسلامه (3)» . قالوا فحظر النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل مسلم إلا بإحدى هذه الخلال الثلاث، فإما أن يقتل من أجل إخافته السبيل من غير أن يقتل أو يأخذ مالا؛ فذلك تقدم على الله ورسوله بالخلاف عليهما في الحكم، قالوا: ومعنى قول من قال: الإمام فيه بالخيار إذا قتل، وأخاف السبيل، وأخذ المال، فهناك خيار الإمام في قولهم بين القتل أو القتل والصلب، أو قطع اليد والرجل من خلاف، وأما صلبه باسم المحاربة من غير أن يفعل شيئا من قتل أو أخذ مال فذلك ما لم يقله عالم.
وقال آخرون: الإمام فيه بالخيار أن يفعل أي هذه الأشياء التي ذكرها الله في كتابه.
ذكر من قال ذلك
حدثني يعقوب قال: ثنا هشيم قال: أخبرنا جرير عن عطاء وعن القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في المحارب: أن الإمام مخير فيه، أي ذلك شاء فعل.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ثنا هشيم عن عبيدة عن إبراهيم: الإمام مخير في المحارب أي ذلك شاء فعل، إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء نفي، وإن شاء صلب.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 38
(3)
سنن الترمذي كتاب الفتن (2158)، سنن النسائي تحريم الدم (4019)، سنن أبو داود الديات (4502)، سنن ابن ماجه الحدود (2533)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 62)، سنن الدارمي الحدود (2297).
حدثنا ابن حميد قال: ثنا جرير عن عاصم عن المحسن في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) إلى قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2) قال: يأخذ الإمام بأيهما أحب.
حدثنا سفيان قال: ثنا أبي عن سفيان عن عاصم عن الحسن: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (3) وقال: الإمام مخير فيها.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء، مثله.
حدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة قال ثنا شبل عن قيس بن سعد قال: قال عطاء يصنع الإمام في ذلك ما شاء، إن شاء قتل أو قطع أو نفى لقول الله:{أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (4)؛ فذلك إلى الإمام الحاكم يصنع فيه ما شاء.
حدثني المثنى قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (5) الآية، قال: من شهر السلاح في فئة الإسلام وأخاف السبيل، ثم ظفر به وقدر عليه؛ فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله.
حدثنا هناد قال: ثنا أبو أسامة قال: أخبرنا أبو هلال قال: أخبرنا قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال في المحارب: ذلك إلى الإمام إذا أخذه يصنع به ما شاء.
حدثنا هناد قال: ثنا أبو أسامة عن أبي هلال قال: ثنا هارون عن الحسن في المحارب، قال: ذاك إلى الإمام يصنع به ما شاء.
حدثنا هناد قال: ثنا حفص بن غياث عن عاصم عن الحسن: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (6) قال: ذلك إلى الإمام.
قال أبو جعفر: واعتل قائلو هذه المقالة بأن قالوا: وجدنا العطوف التي بأو في القرآن بمعنى التخيير، في كل ما أوجب الله به فرضا منها، وذلك كقوله في كفارة اليمين
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 33
(3)
سورة المائدة الآية 33
(4)
سورة المائدة الآية 33
(5)
سورة المائدة الآية 33
(6)
سورة المائدة الآية 33
{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (1)، وكقوله:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2)، وكقوله:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (3)، قالوا: فإذا كانت العطوف التي بأو في القرآن في كل ما أوجب الله به فرضا منها في سائر القرآن بمعنى التخيير، فكذلك ذلك في آية المحاربين، الإمام مخير فيما رأى الحكم به على المحارب إذا قدر عليه قبل التوبة.
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب في ذلك عندنا تأويل من أوجب على المحارب من العقوبة على قدر استحقاقه، وجعل الحكم على المحاربين مختلفا باختلاف أفعالهم. فأوجب على مخيف السبيل منهم إذا قدر عليه قبل التوبة وقبل أخذ مال أو قتل: النفي من الأرض، وإذا قدر عليه بعد أخذ المال وقتل النفس المحرم قتلها: الصلب؛ لما ذكرت من العلة قبل لقائلي هذه المقالة.
فأما ما اعتل به القائلون: إن الإمام فيه بالخيار من أن " أو " في العطف تأتي بمعنى التخيير في الفرض فقول: لا معنى له لأن أصل " أو " في كلام العرب قد تأتي بضروب من المعاني لولا كراهة إطالة الكتاب بذكرها لذكرتها، وقد بينت كثيرا من معانيها فيما مضى، وسنأتي على باقيها فيما يستقبل في أماكنها إن شاء الله، (4)، فأما في هذا الموضع فإن معناها التعقيب، وذلك نظير قول القائل: إن جزاء المؤمنين عند الله يوم القيامة أن يدخلهم الجنة أو يرفع منازلهم في عليين أو يسكنهم مع الأنبياء والصديقين. فمعلوم أن قائل ذلك غير قاصد بقوله إلى أن جزاء كل مؤمن آمن بالله ورسوله فهو في مرتبة واحدة من هذه المراتب ومنزلة واحدة من هذه المنازل بإيمانه بل المعقول عنه. أن معناه: أن جزاء المؤمن لم يخل عند الله من بعض هذه المنازل: فالمقتصد منزلته دون منزلة السابق بالخيرات، والسابق بالخيرات أعلى منه منزلة، والظالم لنفسه دونهما، وكل في الجنة، كما قال جل ثناؤه:{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} (5)؛ فكذلك معنى المعطوف
(1) سورة المائدة الآية 89
(2)
سورة البقرة الآية 196
(3)
سورة المائدة الآية 95
(4)
لكنها ظاهرة في التخيير فلا تصرف عنه إلا بدليل
(5)
سورة الرعد الآية 23
بأو في قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) الآية، إنما هو التعقيب (2) فتأويله: إن الذي يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا لن يخلو من أن يستحق الجزاء بإحدى هذه الخلال الأربع التي ذكرها الله - عز ذكره - لا أن الإمام محكم فيه ومخير في أمره كائنة ما كانت حالته، عظمت جريرته أو خفت؛ لأن ذلك لو كان كذلك لكان للإمام قتل من شهر السلاح مخيفا السبيل وصلبه وإن لم يأخذ مالا ولا قتل أحدا، وكان له نفي من قتل وأخذ المال وأخاف السبيل، وذلك قول إن قاله قائل خلاف ما صحت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:«لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خلال: رجل قتل رجلا فقتل، أو زنى بعد إحصان فرجم، أو ارتد عن دينه (3)» ، وخلاف قوله:«القطع في ربع دينار فصاعدا (4)» ، وغير المعروف من أحكامه.
فإن قال قائل: فإن هذه الأحكام التي ذكرت كانت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير المحارب، وللمحارب حكم غير ذلك منفرد به، قيل له: الحكم الذي انفرد به المحارب في سننه فإن ادعى عنه صلى الله عليه وسلم حكما خلاف الذي ذكرنا أكذبه جميع أهل العلم لأن ذلك غير موجود بنقل واحد ولا جماعة (5)، وإن زعم أن ذلك الحكم هو ما في ظاهر الكتاب قيل له: فإن أحسن حالاتك أن يسلم لك أن ظاهر الآية قد يحتمل ما قلت، وما قاله من خالفك فما رهانك على أن تأويلك أولى بتأويل الآية من تأويله؟ وبعد: فإذا كان الإمام مخيرا في الحكم على المحارب من أجل أن " أو " بمعنى التخيير في هذا الموضع عندك، أفله أن يصلبه حيا ويتركه على الخشبة مصلوبا حتى يموت من غير قتله؟
فإن قال ذلك له خالف في ذلك الأمة، وإن زعم أن ذلك ليس له، وإنما له قتله ثم صلبه، أو صلبه ثم قتله، ترك علته من أن الإمام إنما كان له الخيار في الحكم. على المحارب من أجل أن " أو " تأتي بمعنى التخيير، وقيل له: فكيف كان له الخيار في القتل أو النفي أو القطع، ولم يكن له الخيار في الصلب وحده حتى تجمع إليه عقوبة أخرى، وقيل له هل بينك وبين من جعل الخيار حيث أبيت وأبى ذلك حيث جعلته له فرق من أصل أو قياس، فلن يقول في
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سيأتي الجواب عنه في كلام أبى بكر بن العربي ص .. إن شاء الله تعالى
(3)
سنن الترمذي كتاب الفتن (2158)، سنن النسائي تحريم الدم (4019)، سنن أبو داود الديات (4502)، سنن ابن ماجه الحدود (2533)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 62)، سنن الدارمي الحدود (2297).
(4)
صحيح البخاري الحدود (6789)، صحيح مسلم الحدود (1684)، سنن الترمذي الحدود (1445)، سنن النسائي قطع السارق (4925)، سنن أبو داود الحدود (4384)، سنن ابن ماجه الحدود (2585)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 104)، موطأ مالك الحدود (1576)، سنن الدارمي الحدود (2300).
(5)
غير مسلم لما تقدم ممن ذكر الخلاف
أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيح ما قلنا في ذلك بما في إسناده نظر.
وذلك ما حدثنا به علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن سيد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية؟ فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين، وهم من بجيلة، قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي وساقوا الإبل وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام، قال أنس: فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن القضاء فيمن حارب؟ فقال: من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته، ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه.
وأما قوله: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (1) فإنه يعني جل ثناؤه أن تقطع أيديهم مخالفا في قطعها قطع أرجلهم، وذلك أن تقطع أيمن أيديهم وأشمل أرجلهم، فذلك الخلاف بينهما في القطع، ولو كان مكان " من " في هذا الموضع أو الباء، فقيل أو تقطع أيديهم وأرجلهم على خلاف، أو بخلاف لأديا عما أدت عنه " من " من المعنى.
واختلف أهل التأويل في معنى النفي الذي ذكر الله في هذا الموضع: فقال بعضهم: هو أن يطلب حتى يقدر عليه أو يهرب من دار الإسلام.
ذكر من قال ذلك
حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل قال: ثتا أسباط عن السدي قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2) قال: يطلبهم الإمام بالخيل والرجال حتى يأخذهم فيقيم فيهم الحكم، أو ينفوا من أرض المسلمين.
وحدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، قال: نفيه أن يطلب.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 33
حدثني المثنى قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (1) يقول: أو يهربوا حتى يخرجوا من دار الإسلام، إذا دار الحرب.
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال أخبرني عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن كتاب أنس بن مالك إلى عبد الملك بن مروان أنه كتب إليه ونفيه أن يطلبه الإمام حتى يأخذه. فإذا أخذه أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله - جل وعز - بما استحل.
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد، قال: فذكرت ذلك لليث بن سعد، فقال: نفيه طلبه من بلد إلى بلد حتى يؤخذ أو يخرجه طلبه من دار الإسلام إلى دار الشرك والحرب، إذا كان محاربا مرتدا عن الإسلام، قال الوليد: وسألت مالك بن أنس فقال مثله.
حدثني علي قال: ثنا الوليد قال: قلت: لمالك بن أنس والليث بن سعد، وكذلك يطلب المحارب القيم على إسلامه يضطره بطلبه من بلد إلى بلد حتى يصير إلى ثغر من ثغور المسلمين أو أقصى جوار المسلمين؛ فإن هم طلبوه دخل دار الشرك قالا: لا يضطر مسلم إلى ذلك.
حدثنا هناد بن السري قال: ثنا هشيم. عن جويبر عن الضحاك: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2) قال: أن يطلبوه حتى يعجزوا.
حدثت عن الحسين بن الفرج. قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثني عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فذكر نحوه.
حدثنا ابن وكيع، قال ثنا حفص بن غياث عن عاصم عن الحسن {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (3) قال: ينفى حتى لا يقدر عليه.
حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله عن أبيه عن الربيع بن أنس، في قوله:{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (4) قال: أخرجوا من الأرض أينما أدركوا أخرجوا حتى يلحقوا بأرض العدو.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 33
(3)
سورة المائدة الآية 33
(4)
سورة المائدة الآية 33
حدثنا الحسن قال: ثنا عبد الرزاق قال: ثنا معمر عن الزهري في قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (1) قال: نفيه أن يطلب فلا يقدر عليه كلما سمع به في أرض طلب.
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: أخبرني سعيد عن قتادة {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (2) قال: إذا لم يقتل ولم يأخذ مالا طلب حتى يعجز.
حدثني ابن البرقي قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني نافع بن يزيد، قال: ثنى أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي، وعن أبي معاوية عن سعيد بن جبير {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (3) من أرض الإسلام إلى أرض الكفر.
وقال آخرون: معنى النفي في هذا الموضع أن الإمام إذا قدر عليه نفاه من بلدته إلى بلدة أخرى غيرها.
ذكر من قال ذلك
حدثني المثنى قال: ثنا أبو حذيفة قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن قيس بن سعد عن سعيد بن جبير {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (4) قال: من أخاف سبيل المسلمين نفي من بلده إلى غيره لقول الله عز وجل {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (5)
حدثني المثنى قال: ثنا أبو صالح قال: ثني الليث قال: ثني يزيد (6) بن أبي حبيب وغيره عن أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز في اللصوص، ووصف له لصوصيتهم وحبسهم في السجون، قال الله في كتابه:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (7) وترك {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (8) فكتب إليه عمر بن عبد العزيز، أما بعد، فإنك كتبت إلي تذكر قول الله - جل وعز - {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (9) وتركت قول الله {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (10) فنبي أنت يا حبان ابن أم حبان، لا تحرك الأشياء عن مواضعها، أتجردت للقتل والصلب، كأنك عبد بني عقيل من غير ما أشبهك به، إذا أتاك كتابي هذا فانفهم إلى شغب.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 33
(3)
سورة المائدة الآية 33
(4)
سورة المائدة الآية 33
(5)
سورة المائدة الآية 33
(6)
قال ابن حجر في التقريب كان ثقة فقيها وكان يرسل.
(7)
سورة المائدة الآية 33
(8)
سورة المائدة الآية 33
(9)
سورة المائدة الآية 33
(10)
سورة المائدة الآية 33
حدثنا يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن الصلت كاتب حبان بن سريح، أخبرهم أن حبان كتب إلى عمر بن عبد العزيز: أن ناسا من القبط قامت عليهم البينة بأنهم حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا، وأن الله يقول:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (1) فقرأ حتى بلغ: {وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (2) وسكت عن النفي، وكتب إليه: فإن رأى أمير المؤمنين أن يمضي قضاء الله فيهم؛ فليكتب بذلك، فلما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه قال: لقد اجتزأ حبان ثم كتب إليه: أنه قد بلغني كتابك وفهمته، ولقد اجتزأت كأنما كتبت بكتاب يزيد بن أبي مسلم، أو علج صاحب العراق من غير أن أشبهك بهما. فكتبت بأول الآية ثم سكت عن آخرها، وأن الله يقول:{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (3)؛ فإن كانت قامت عليهم البينة بما كتبت به فاعقد في أعناقهم حديدا ثم غيبهم إلى شغب وبدا.
قال أبو جعفر: شغب وبدا موضعان.
وقال آخرون: معنى النفي من الأرض في هذا الموضع: الحبس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى النفي من الأرض في هذا الموضع هو نفيه من بلد إلى بلد غيره. وحبسه في السجن في البلد الذي نفي إليه. حتى تظهر توبته من فسوقه، ونزوعه عن معصيته ربه.
وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصحة؛ لأن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت. وإذا كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن الله - جل ثناؤه - إنما جعل جزاء المحارب القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف بعد القدرة عليه، لا في حال امتناعه، كان معلوما أن النفي أيضا إنما هو جزاؤه بعد القدرة عليه لا قبلها، ولو كان هروبه من الطلب نفيا له من الأرض كان قطع يده ورجله من خلاف في حال امتناعه وحربه على وجه القتال، بمعنى إقامة الحد عليه بعد القدرة عليه، وفي إجماع الجميع أن ذلك لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله عز وجل حدا له بعد القدرة عليه، وإذا كان كذلك فمعلوم أنه لم يبق إلا الوجهان الآخران، وهو النفي من بلدة إلى أخرى غيرها أو السجن، فإذا كان ذلك كذلك فلا شك أنه إذا نفي من بلدة إلى أخرى غيرها فلم ينف من
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 33
(3)
سورة المائدة الآية 33
الأرض بل إنما نفي من أرض دون أرض. وإذا كان ذلك كذلك. وكان الله - جل ثناؤه - إنما أمر بنفيه من الأرض كان معلوما أنه لا سبيل إلى نفيه من الأرض إلا بحبسه في بقعة منها عن سائرها فيكون منفيا حينئذ عن جميعها إلا مما لا سبيل إلى نفيه منه.
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1) يعني - جل ثناؤه - بقوله " ذلك " هذا الجزاء الذي جازيت به الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا في الدنيا من قتل أو صلب أو قطع يد ورجل من خلاف لهم، يعني لهؤلاء المحاربين خزي في الدنيا يقول هو لهم شر وعار وذلة ونكال وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة، يقال منه: أخزيت فلانا فخزي هو خزيا، وقوله:{وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2) يقول - عز ذكره - لهؤلاء الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا فلم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا في الآخرة مع الخزي الذي جازيتهم به في الدنيا والعقوبة التي عاقبهم بها فيها - عذاب عظيم يعني عذاب جهنم.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 33
القول في تأويل الرد
{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1). اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك إلا الذين تابوا من شركهم ومناصبتهم الحرب لله ولرسوله، والسعي في الأرض بالفساد بالإسلام والدخول في الإيمان من قبل قدرة المؤمنين عليهم؛ فإنه لا سبيل للمؤمنين عليهم بشيء من العقوبات التي جعلها الله جزاء لمن حاربه ورسوله. وسعى في الأرض فسادا، من قتل، أو صلب، أو قطع يد ورجل من خلاف، أو نفي من الأرض، فلا تباعة قبله لأحد فيما كان أصحاب في حال كفره وحربه المؤمنين في مال ولا دم ولا حرمة، قالوا: فأما المسلم إذا حارب المسلمين أو المعاهدين وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة؛ فلن تضع توبته عنه عقوبة ذنبه بل توبته فيما بينه وبين الله، وعلى الإمام إقامة الحد الذي أوجبه الله عليه، وأخذه بحقوق الناس.
(1) سورة المائدة الآية 34
ذكر من قال ذلك.
حدثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي ?عن عكرمة والحسن البصري قالا: قوله {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ} (1) إلى قوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم من قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل، وليس تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه ذلك يقام عليه الحد الذي أصاب.
حدثنا بشار قال: ثنا روح بن عبادة قال: ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) قال: هذا لأهل الشرك إذا فعلوا شيئا في شركهم؛ فإن الله غفور رحيم إذا تابوا وأسلموا.
وقال آخرون: بل هذه الآية معني بالحكم بها المحاربون الله ورسوله الحراب من أهل الإسلام من قطع منهم الطريق، وهو مقيم على إسلامه ثم استأمن فأومن على جناياته التي جناها، وهو للمسلمين حرب، ومن فعل ذلك منهم مرتدا عن الإسلام، ثم لحق بدار الحرب ثم استأمن فأومن، قالوا: فإذا أمنه الإمام على جناياته التي سلفت لم يكن قبله لأحد تبعة في دم ولا مال أصابه قبل توبته وقبل أمان الإمام إياه.
ذكر من قال ذلك
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد قال: أخبرني أبو أسامة عن أشعث (4) بن سوار عن عامر الشعبي أن حارثة بن بدر خرج محاربا فأخاف السبيل وسفك الدم وأخذ الأموال ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه فقبل علي بن أبي طالب عليه السلام توبته وجعل له أمانا منشورا على ما كان أصاب من دم أو مال.
حدثني المثنى قال: ثنا عمرو بن عون، قال أخبرنا هشيم عن مجالد (5) عن الشعبي أن حارثة بن بدر حارب في عهد علي بن أبي طالب فأتى الحسن بن علي - رضوان الله عليهما -.
(1) سورة المائدة الآية 33
(2)
سورة المائدة الآية 34
(3)
سورة المائدة الآية 34
(4)
أشعث بن سوار الكندي قاضي الأهواز قال ابن حجر في التقريب: هو ضعيف
(5)
مجالد هو ابن سعيد الهمداني قال ابن حجر: ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره
فطالب إليه أن يستأمن له من علي فأبى، ثم أتى ابن جعفر فأبى عليه، فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأمنه وضمه إليه، وقال له: استأمن إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال فلما صلى علي الغداة أتاه سعيد بن قيس، فقال: يا أمير المؤمنين، ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله؟ قال: أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، قال: ثم قال: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم، قال سعيد: وإذا كان حارثة بن بدر؟ قال: وإن كان حارثة بن بدر، قال: فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا؛ فهو آمن؟ قال: نعم، قال: فجاء به فبايعه، وقبل ذلك منه، وكتب له أمانا.
حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن مجالد عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر قد أفسد في الأرض وحارب ثم تاب، وكلم له علي فلم يؤمنه، فأتى سعيد بن قيس فكلمه فانطلق سعيد بن قيس إلى علي، فقال: يا أمير المؤمنين؛ ما تقول فيمن حارب الله ورسوله؟ فقرأ الآية كلها، فقال: أرأيت من تاب من قبل أن تقدر عليه؟ قال: أقول كما قال الله، قال: فإنه حارثة بن بدر، قال: فأمنه علي فقال حارثة:
ألا أبلغن همدان أما لقيتها
…
على النأي لا يسلم عدو يعيبها
لعمر أبيها إن همدان تتقى
…
السلم له ويقضي بالكتاب خطيبها
حدثني محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي (1)، قوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (2) وتوبته من قبل أن يقدر عليه: أن يكتب إلى الإمام يستأمنه على ما قتل وأفسد في الأرض؛ فإن لم يؤمني على ذلك ازددت فسادا وقتلا وأخذا للأموال أكثر مما فعلت ذلك قبل، فعلى الإمام من الحق أن يؤمنه على ذلك، فإذا أمنه الإمام جاء حتى يضع يده في يد الإمام، فليس لأحد من الناس أن يتبعه ولا يأخذه بدم سفكه ولا مال أخذه، وكل ما كان له فهو له؛ لكيلا يقتل المؤمنين أيضا ويفسد، فإذا رجع إلى الله - جل وعز - فهو وليه يأخذه بما صنع، وتوبته فيما بينه وبين الإمام والناس، فإذا أخذه الإمام وقد تاب فيما يزعم إلى الله - جل ثناؤه - قبل أن يؤمنه الإمام فليقم عليه الحد.
(1) إسماعيل السدي ذكر ابن حجر في التقريب أنه صدوق يهم وأنه رمي بالتشيع.
(2)
سورة المائدة الآية 34
حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز، أخبرني مكحول أنه قال: إذا أعطى الإمام أمانا فهو آمن ولا يقام عليه الحد ما كان أصاب.
وقال آخرون: معنى ذلك كل من جاء تائبا من الحراب قبل القدرة عليه استأمن الإمام فأمنه أو استأمنه بعد أن يجيء مستسلما تاركا للحرب.
ذكر من قال ذلك
حدثني المثنى: قال: ثنا إسحاق قال: ثنا محمد بن فضيل عن أشعث (1) عن عامر قال: جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة في إمرة عثمان بعدما صلى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى، هذا مقام العائذ بك، أنا فلان بن فلان المرادي، كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض، وإني تبت من قبل أن يقدر علي، فقام أبو موسى فقال: هذا فلان بن فلان، وإنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا، وإنه تاب قبل أن يقدر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير؛ فأقام الرجل ما شاء الله، ثم إنه خرج فأدركه الله بذنوبه فقتله.
حدثني الحارث بن محمد قال: ثنا عبد العزيز قال: ثنا سفيان عن إسماعيل السدي (2) عن الشعبي قال: جاء رجل إلى أبي موسى فذكر نحوه.
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: قلت لمالك: أرأيت هذا المحارب الذي قد أخاف السبيل وأصاب الدم والمال فلحق بدار الحرب، أو تمنع في بلاد الإسلام، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه، قال: تقبل توبته، قال: قلت: فلا يتبع بشيء من إحداثه، قال: لا، إلا أن يوجد معه مال بعينه فيرد إلى صاحبه، أو يطلبه ولي من قتل بدم في حربه يثبت ببينة أو اعتراف فيقاد به، وأما الدماء التي أصابها ولم يطلبها أولياؤها فلا يتبعه الإمام بشيء، قال علي: قال الوليد: فذكرت ذلك لأبي عمرو فقال: تقبل توبته إذا كان محاربا للعامة والأئمة قد آذاهم بحربه، فشهر سلاحه وأصاب الدماء والأموال؛ فكانت له منعة أو فئة يلجأ إليهم، أو لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام، أو كان مقيما عليه ثم جاء
(1) هو ابن سوار الهمداني ذكر ابن حجر في التقريب أنه ضعيف.
(2)
إسماعيل السدي ذكر ابن حجر في التقريب أنه صدوق يهم وأنه رمي بالتشيع.
تائبا من قبل أن يقدر عليه قبلت توبته، ولم يتبع بشيء منه.
حدثني علي قال: ثنا الوليد قال: قال أبو عمرو عن ابن شهاب الزهري يقول ذلك.
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد، قال فذكرت قول أبي عمرو ومالك لليث بن سعد في هذه المسألة، فقال: إذا أعلن بالمحاربة للعامة والأئمة وأصاب الدماء والأموال فامتنع بمحاربته من الحكومة عليه. أو لحق بدار الحرب ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه قبلت توبته، ولم يتبع بشيء من إحداثه في حربه من دم خاصة ولا عامة، وإن طلبه وليه.
حدثني علي قال: ثنا الوليد قال: قال الليث وكذلك: ثني موسى بن إسحاق المدني - وهو الأمير عندنا - أن عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال فطلبته الأئمة والعامة فامتنع ولم يقدر عليه حتى جاء تائبا، وذلك أنه جمع رجلا يقرأ هذه الآية:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (1) الآية فوقف عليه فقال: يا عبد الله، أعد قراءتها فأعادها عليه، فغمد سيفه ثم جاء تائبا حتى قدم المدينة من السحر. فاغتسل ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح، ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه؛ فلما أسفر عرفه الناس وقاموا إليه؛ فقال: لا سبيل لكم علي جئت تائبا من قبل أن تقدروا علي؛ فقال أبو هريرة: صدق وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بن الحكم في إمرته على المدينة في زمن معاوية، فقال: هذا علي جاء تائبا، ولا سبيل لكم عليه ولا قتل، قال: فترك من ذلك كله، قال: وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر فلقوا الروم فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم فاقتحم على الروم في سفينتهم فهزموا منه إلى سفينتهم الأخرى، فمالت بهم وبه فغرقوا جميعا.
حدثني أحمد بن حازم قال: ثنا أبو نعيم قال: ثنا مطرف بن معقل، قال: سمعت عطاء قال في رجل سرق سرقة فجاء بها تائبا من غير أن يؤخذ فهل عليه حد؟ قال: لا، ثم قال:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (2) الآية.
حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثني أبو صخرة عن محمد بن كعب القرظي، وعن أبي معاوية، عن سعيد بن جبير قالا: إن جاء
(1) سورة الزمر الآية 53
(2)
سورة المائدة الآية 34
تائبا لم يقتطع مالا ولم يسفك دما ترك، فذلك الذي قال الله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (1) يعني بذلك أنه لم يسفك دما ولم يقتطع مالا.
وقال آخرون: بل عني بالاستثناء في ذلك التائب من حربه الله ورسوله والسعي في الأرض فسادا لحاقه في حربه بدار الكفر، فأما إذا كانت حرابته وحربه وهو مقيم في دار الإسلام وداخل في غمار الأمة؛ فليست توبته واضعة عنه شيئا من حدود الله ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين بل يؤخذ بذلك.
ذكر من قال ذلك
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد بن مسلم قال: أخبرني إسماعيل عن هشام بن عروة أنه أخبره أنهم سألوا عروة عمن تلصص في الإسلام فأصاب حدودا ثم جاء تائبا؟ فقال: لا تقبل توبته؛ لو قبل ذلك منهم اجترءوا عليه، وكان فسادا كبيرا، ولكن لو فر إلى العدو ثم جاء تائبا لم أر عليه عقوبة.
وقد روي عن عروة خلاف هذا القول، وهو ما حدثني به علي قال: ثنا الوليد قال أخبرني من سمع هشام بن عروة عن عروة قال يقام عليه حد ما فر منه، ولا يجوز لأحد فيه أمان، يعني الذي يصيب حدا، ثم يفر فيلحق الكفار ثم يجيء تائبا.
وقال آخرون: إن كانت حرابته أو حربه في دار الإسلام، وهو في غير منعة من فئة يلجأ إليها ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه، فإن توبته لا تضع عنه شيئا من العقوبة ولا من حقوق الناس، وإن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام أو هو لاحق بدار الكفر غير أنه في كل ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين، ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه؛ فإن توبته تضع عنه كل ما كان من إحداثه في أيام حرابته تلك، إلا أن يكون أصاب حدا أو أمر الرفقة بما فيه عقوبة أو غرم لمسلم أو معاهد، وهو غير ملتجئ إلى فئة تمنعه؛ فإنه يأخذ بما أصاب من ذلك، وهو كذلك ولا يضع ذلك عنه توبته.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن سهل قال: ثنا الوليد، قال: قال أبو عمرو: إذا قطع الطريق أو جماعة من اللصوص فأصابوا ما أصابوا من الدماء والأموال ولم يكن لهم فئة يلجئون إليها
(1) سورة المائدة الآية 34
ولا منعة ولا يأمنون إلا بالدخول في غمار أمتهم وسواد عامتهم، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه لم تقبل توبته، وأقيم عليه حده ما كان.
حدثني علي قال: ثنا الوليد، قال: ذكرت لأبي عمرو قول عروة: يقام عليه حد ما فر منه، ولا يجوز لأحد فيه أمان. فقال أبو عمرو: إن فر من حدثه في دار الإسلام فأعطاه إمام أمانا لم يجز أمانه، وإن هو لحق بدار الحرب ثم سأل إماما أمانا على إحداثه لم ينبغ للإمام أن يعطيه أمانا، وإن أعطاه الإمام أمانا وهو غير عالم بإحداثه فهو آمن، وإن جاء أحد يطلبه بدم أو مال رد إلى مأمنه، فإن أبى أن يرجع فهو آمن، ولا يتعرض له.
قال: وإن أعطاه أمانا على أحداثه وهو يعرفها فالإمام ضامن، واجب عليه عقل ما كان أصاب من دم أو مال. وكان فيما عطل من تلك الحدود والدماء آثما، وأمره إلى الله عز وجل قال: وقال أبو عمرو: فإذا أصاب ذلك وكانت له منعة أو فئة يلجأ إليها. أو لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام، أو كان مقيما عليه ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه قبلت توبته، ولم يتبع بشيء من أحداثه التي أصابها في حربه. إلا أن يوجد معه شيء قائم بعينه فيرد إلى صاحبه.
حدثني علي قال ثنا الوليد قال: أخبرني ابن لهيعة عن ربعية قال: تقبل توبته ولا يتبع بشيء من أحداثه في حربه إلا أن يطلبه أحد بدم كان أصابه في سلمه قبل حربه؛ فإنه يقاد به.
حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا معمر الرقي، قال: ثنا الحجاج عن الحكم بن عيبة، قال: قاتل الله الحجاج إن كان ليفقه أمن رجلا من محاربته، فقال: انظروا هل أصاب شيئا قبل خروجه.
وقال آخرون: تضع توبته عنه حد الله الذي وجب عليه بمحاربته، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم، وممن قال ذلك الشافعي، حدثنا بذلك عنه الربيع.
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القدرة عليه، تضع عنه تبعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حربه وحرابته من حدود الله وغرم لازم وقود وقصاص، إلا ما كان قائما في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه، فيرد على أهله لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة
الممتنعة المحاربة لله ولرسوله، الساعية في الأرض فسادا على وجه الردة عن الإسلام. فكذلك حكم كل ممتنع سعى في الأرض فسادا جماعة كانوا أو واحدا. فأما المستخفي بسرقته والمتلصص على وجه إغفال من سرقة، والشاهر السلاح في خلاء على بعض السابلة، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع؛ فإن حكم الله عليه تاب أو لم يتب ماس، وبحقوق من أخذ ماله أو أصاب وليه بدم أو ختل مأخوذ، وتوبته فيما بينه وبين الله قياسا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئا من ذلك وهو للمسلمين سلم ثم صار لهم حربا إن حربه إياهم لن يضع عنه حقا لله - عز ذكره -. ولا لآدمي، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده، ولا له فئة يلجأ إليها مانعة منه.
وفي قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (1) دليل واضح لمن وفق لفهمه أن الحكم الذي ذكره الله في المحاربين يجري في المسلمين والمعاهدين دون المشركين الذين قد نصبوا للمسلمين حربا؛ وذلك أن ذلك لو كان حكما في أهل الحرب من المشركين دون المسلمين ودون ذمتهم لوجب أن لا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل، وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين، وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة عليه، ما يدل على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال: عني بآية المحاربين في هذا الموضع حراب أهل الإسلام أو الذمة دون من سواهم من مشركي أهل الحرب.
وأما قوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) فإن معناه فاعلموا أيها المؤمنون؛ أن الله غير مؤاخذ من تاب من أهل الحرب لله ولرسوله الساعين في الأرض فسادا وغيرهم بذنوبه، ولكنه يعفو عنه فيسترها عليه ولا يفضحه بها بالعقوبة في الدنيا والآخرة، رحيم به في عفوه عنه، وتركه عقوبته عليها.
(1) سورة المائدة الآية 34
(2)
سورة المائدة الآية 34
وقال ابن كثير في تفسيره:
آية المحاربة
المحاربة: هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر، وعلى قطع الطريق، وإخافة السبيل، وكذلك الإفساد في الأرض.
يطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف - منهم سعيد بن المسيب -: إن قبض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، وقد قال الله تعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (1). ثم قال بعضهم: نزلت هذه الآية الكريمة في المشركين كما قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة، والحسن البصري قالا:{الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (2) نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد، إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه، لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصاب، ورواه أبو داود والنسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس:{الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (3) نزلت في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (4) الآية، قال: كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فخير الله رسوله إن شاء أن يقتل، وإن شاء أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، رواه ابن جرير.
وروى شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: نزلت في الحرورية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (5) رواه ابن مردويه، والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات كما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي قلابة، واسمه عبد الله بن زيد الحرمي البصري، عن أنس بن مالك:«أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة، وسقمت أجسامهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها، فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا (6)» لفظ مسلم. وفي لفظ لهم: من عكل أو عرينة وفي لفظ: «والقوافي
(1) سورة البقرة الآية 205
(2)
سورة المائدة الآية 33
(3)
سورة المائدة الآية 33
(4)
سورة المائدة الآية 33
(5)
سورة المائدة الآية 33
(6)
صحيح البخاري الديات (6899)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي تحريم الدم (4024)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 186).
الحرة فجعلوا يستسقون فلا يسقون (1)»، وفي لفظ لمسلم: ولم يحمهم، وعند البخاري قال أبو قلابة:«فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله (2)» ، رواه مسلم من طريق هشيم عن عبد العزيز بن صهيب، وحميد عن أنس فذكر نحوه وعنده فارتدوا وقد أخرجاه من رواية قتادة عن أنس بنحوه، وقال سعيد عن قتادة: من عكل وعرينة ورواه مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس قال: «إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك؛ لأنهم سملوا أعين الرعاة (3)» . ورواه مسلم من حديث معاوية بن قرة عن أنس قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة فأسلموا وبايعوه وقد وقع بالمدينة الموم (4)» ، وهو البرسام ذكر نحو حديثهم وزاد عنده:«شباب من الأنصار قريب من عشرين فأرسلهم وبعث معهم قائفا يقفو أثرهم (5)» ، وهذه كلها ألفاظ مسلم رحمه الله.
ثم قد احتج بعموم هذه الآية جمهور العلماء في ذهابهم إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وفي السبلان. على السواء لقوله: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} (6) وهذا مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل، حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله ويأخذ ما معه، إن هذه محاربة ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول، ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تكون المحاربة إلا في الطرقات، فأما في الأمصار فلا؛ لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث. بخلاف الطريق لبعده ممن يغيثه ويعينه، وقوله تعالى:{أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (7) قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: من شهر السلاح في فئة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار، إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك، وروى ذلك كله أبو جعفر بن جرير، وحكي مثله عن مالك بن أنس رحمه الله، ويستند هذا القول أن ظاهر " أو " للتخيير كما في نظائر ذلك من القران كقوله في جزاء الصيد:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} (8)، وكقوله في كفارة الفدية:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (9)، وكقوله في كفارة اليمين:{إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (10)
(1) صحيح البخاري الوضوء (233)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 163).
(2)
صحيح البخاري الوضوء (233)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 163).
(3)
صحيح البخاري الديات (6899)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (73)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 163).
(4)
صحيح البخاري الديات (6899)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 163).
(5)
صحيح البخاري الديات (6899)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 163).
(6)
سورة المائدة الآية 33
(7)
سورة المائدة الآية 33
(8)
سورة المائدة الآية 95
(9)
سورة البقرة الآية 196
(10)
سورة المائدة الآية 89