الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا ضحى حمزة بنفسه من أجل الدفاع عن عقيدته، ولم يضح بعقيدته من أجل الدفاع عن نفسه، فاستحق لقب: أسد رسوله (1)، وسيد الشهداء (2)، وحزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم حزنا لم يحزن مثله على أحد غيره، وقال عنه:«حمزة سيد الشهداء (3)» لأنه كان يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد بسيفين، فيذهل الناس بشجاعته وإقدامه، حتى يقول قائلهم فيه: أي أسد (4).
لقد كان استشهاد حمزة خسارة للمسلمين كافة، لا لآل البيت وحدهم، لأنه كان رجلا في أمة، وأمة في رجل، لا يعيش لنفسه بل للمسلمين جميعا.
(1) الإصابة (2/ 37).
(2)
الاستيعاب (1/ 372).
(3)
الاستيعاب (1/ 372).
(4)
الاستيعاب (1/ 373).
رثاؤه
حظي حمزة بعد استشهاده بكثير من المراثي لكثير من الشعراء المسلمين، مما يدل على حب الناس له وإعجابهم به وتقديرهم لسجاياه.
قال كعب بن مالك يرثي حمزة وقتلى أحد من المسلمين رضي الله عنهم:
نشجت وهل لك من منشج
…
وكنت متى تذكر تلجج (1)
فقلبك من ذكرهم خافق
…
من الشوق والحزن المنضج
وقتلاهم في جنان النعيم
…
كرام المداخل والمخرج
بما صبروا تحت ظل اللواء
…
لواء الرسول بذي الأضوج (2)
غداة أجابت بأسيافها
…
جميعا بنو الأوس والخزرج
وأشياع أحمد إذ شايعوا
…
على الحق ذي النور والمنهج
(1) نشجت: بكيت، والنشيج: البكاء مع صوت متردد. وتلجج: هو التمادي في الشيء والإقامة عليه.
(2)
الأضوج: جمع ضوج، وهو جانب الوادي.
فما برحوا يضربون الكماة
…
ويمضون في القسطل المرهج (1)
كذلك حتى دعاهم مليك
…
إلى جنة دوحة المولج (2)
فكلهم مات حر البلاء
…
على ملة الله لم يحرج (3)
كحمزة لما وفى صادقا
…
بذي هبة صارم سلجج (4)
فلاقاه عبد بني نوفل
…
يبربر كالجمل الأدعج (5)
فأوجره حربة كالشهاب
…
تلهب في اللهب الموهج (6)
ونعمان أوفى بميثاقه
…
وحنظلة الخير لم يحنج (7)
عن الحق حتى غدت روحه
…
إلى منزل فايز الزبرج (8)
أولئك لا من ثوى منكم
…
من النار في الدرك المرتج (9)
وقال حسان بن ثابت يرثي حمزة وشهداء أحد:
أشاقك من أم الوليد ربوع
…
بلاقع ما من أهلهن جميع (10)
عفاهن صيفي الرياح وواكف
…
من الدلو رجاف السحاب هموع
فلم يبق إلا موقد النار حوله
…
رواكد أمثال الحمام كنوع
(1) الكماة: الشجعان، واحدهم كمي، والقسطل: الغبار. والمرهج: الذي علا وارتفع في الجو.
(2)
الدوحة: الكثيرة الأغصان، والمولج: المدخل، وأراد هنا أن الجنة كثيرة الأبواب.
(3)
لم يحرج: لم يأثم.
(4)
بذي هبة: أراد به سيفا. وهبة السيف: وقوعه بالعظم. والصارم: القاطع. سلجج: مرهف حاد قاطع.
(5)
أراد بعبد بني نوفل: وحشيا: ويبربر: يتكلم بما لا يفهم. والجمل الأدعج: الأسود.
(6)
أوجره: طعنه في صدره. والشهاب: القطعة من النار. والموهج: المتقد.
(7)
لم يحنج: لم يصرف عن وجهه الذي أراد من الحق.
(8)
الزبرج: الموشى، وهو أيضا الذهب.
(9)
المرتج: المغلق، تقول: أرتجت الباب: إذا أغلقته.
(10)
ربوع: جمع ربع، وهو المنزل. وبلاقع: جمع بلقع، وهو القفر الخالي، وجميع: مجتمع مؤتلف.
فدع ذكر دار بددت بين أهلها
…
نوى لمتينات الحبال قطوع
وقل إن يكن يوم بأحد يعده
…
سفيه فإن الحق سوف يشيع (1)
فقد صابرت فيه بنو الأوس كلهم
…
وكان لهم ذكر هناك رفيع
وحامى بنو النجار فيه وصابروا
…
وما كان منهم في اللقاء جزوع
أمام رسول الله لا يخذلونه
…
لهم ناصر من ربهم وشفيع
وفوا إذ كفرتم يا سخين بربكم
…
ولا يستوي عبد وفى ومضيع (2)
بأيديهم بيض إذا حمش الوغى
…
فلا بد أن يردى لهن صريع (3)
كما غادرت في النقع عتبة ثاويا
…
وسعدا مريعا والوشيج شروع (4)
وقد غادرت تحت العجاجة مسندا
…
أبيا وقد بل القميص نجيع (5)
بكف رسول الله حيث تنصبت
…
على القوم مما يثرن نقوع (6)
أولئك قوم سادة من فروعكم
…
وفي كل قوم سادة وفروع
بهن نعز الله حتى يعزنا
…
وإن كان أمر يا سخين فظيع (7)
فلا تذكروا قتلى وحمزة فيهم
…
قتيل ثوى لله وهو مطيع
فإن جنان الخلد منزلة له
…
وأمر الذي يقضي الأمور سريع
وقتلاكم في النار أفضل رزقهم
…
حميم معا في جوفها وضريع (8)
وقال حسان بن ثابت يرثي حمزة سيد الشهداء بأحد:
أتعرف الدار عفا رسمها
…
بعدك صوب المسبل الهاطل (9)
(1) يشيع: يغشو أمره ينتشر ذكره وينبه شأنه.
(2)
يا سخين: أراد يا سخينة وهي الحساء يتخذ من الدقيق وكانت قريش تنبز بها.
(3)
حمش: اشتد وقوي، والوغى: الحرب، ويردى يهلك.
(4)
غادرت: تركت، والنقع: الغبار، وثاويا: مقيما، والوشيج: الرماح، وشوج: مائلة للطعن.
(5)
العجاجة: الغبرة والتراب الثائر، والنجع: الدم.
(6)
نقوع: جمع نقع وهو الغبار.
(7)
يا سخين: مضى تفسيرها قريبا والفظيع: الثقيل الكريه.
(8)
الحميم: الحار، والضريع: نبات أخضر يرمي به البحر وانظر القصيدة في سيرة ابن هشام (3/ 107 - 110).
(9)
عفا: غير ودرس، ورسمها: أثرها، والصوب: المطر، والهاطل: الكثير السيلان.
بين السراديح فأدمانة
…
فمدفع الروحاء في حائل
سألتها عن ذاك فاستعجمت
…
لم تدر ما مرجوعة السائل (1)
دع عنك دارا قد عفا رسمها
…
وابك على حمزة ذي النائل (2)
المالئ الشيزى إذا أعصفت
…
غبراء في ذي الشبم الماحل
والتارك القرن لذي لبدة
…
يعثر في ذي الخرص الذابل (3)
واللابس الخيل إذا أحجمت
…
كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من هاشم
…
لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم
…
شلت يدا وحشي من قاتل
أي امرئ غادر في آلة
…
مطرورة مارنة العامل
أظلمت الدنيا لفقدانه
…
واسود نور القمر الناصل (4)
صلى عليه الله في جنة
…
عالية مكرمة الداخل
كنا نرى حمزة حرزا لنا
…
في كل أمر نابنا نازل
وكان في الإسلام ذا تدرأ
…
يكفيك فقد القاعد الخاذل (5)
لا تفرحي يا هند واستجلبي
…
دمعا وأذري عبرة الثاكل (6)
وابكي على عتبة إذ قطه
…
بالسيف تحت الرهج الجائل
إذ خر في مشيخة منكم
…
من كل عات قلبه جاهل
(1) استعجمت: لم تر جوابا. ومرجوعة السائل: رجوع جوابه.
(2)
النائل: العطاء.
(3)
القرن: الذي يقاومك في القتال. واللبدة.
(4)
الناصل: الخارج من المسجد.
(5)
ذا تدرأ: كثير الدفاع عنا.
(6)
أذري: اسكبى واسترخص. والعكرة: الدمعة. والثاكل: المرأة التي فقدت ولدها.
أرداهم حمزة في أسرة
…
يمشون تحت الحلق الفاضل
غداة جبريل وزير له
…
نعم وزير الفارس الحامل (1)
وقال كعب بن مالك يبكي حمزة رضي الله عنه:
طرقت همومك فالرقاد مسهد
…
جزعت أن سلخ الشباب الأغبد
ودعت فؤادك للهوى ضمرية
…
فهوال غوري وصيبك منجد (2)
فدع التمادي في الغواية سادرا
…
قد كنت في طلب الغواية تفندا
ولقد أنى لك أن تناهى طائعا
…
أو تستفيق إذا نهاك المرشد (3)
ولقد هددت لفقد حمزة هدة
…
ظلت بنات الجوذ منها ترعد (4)
ولو أنه فجعت حراء بمثله
…
لرأيت راسي صخرها يتبدد (5)
قرم تمكن في ذؤابة هاشم
…
حيث النبوة والندى والسؤدد (6)
والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت
…
ريح يكاد الريح فيها يجمد
والتارك القرن الكمي مجدلا
…
يوم الكريهة والقنا يتقصد (7)
(1) سيرة ابن هشام (3/ 132 - 135).
(2)
ضربة منسوبة إلى بني ضمرة، إحدى القبائل العربية. وغوري: منسوب إلى الغور، وهو المنخفض من الأرض.
(3)
أنى: خان.
(4)
بنات الجوذ: أراد قلبه وما اتصل به من كبده وأمعائه؛ لأن الجوف يضمها ويشتمل عليها.
(5)
حراء: اسم جبل، وأنثه باعتبار بقعة من الأرض. والراسي: الثابت. ويتبدد: يتفتت.
(6)
القرم: الفحل. وذؤابة هاشم: أعاليها، وأراد أسمى أنسابها وأرفعها.
(7)
الكمي: الشجاع. ومجدلا: مطروحا على الجدالة، وهي الأرض. ويتقصد: يتكسر.
وتراه يرفل في الحديد كأنه
…
ذو لبدة شثن البراثن أربد
عم النبي محمد وصفيه
…
ورد الحمام فطاب ذاك المورد
وأتى المنية معلما في أسرة
…
نصروا النبي ومنهم المستشهد (1)
ولقد إخال بذاك هندا بشرت
…
لتميت داخل غصة لا تبرد (2)
مما صبحنا بالعقنقل قومها
…
يوم تغيب فيه عنها الأسعد (3)
وببئر بدر إذا يرد وجوههم
…
جبريل تحت لوائنا ومحمد
حتى رأيت لدى النبي سراتهم
…
قسمين نقتل من نشاء ونطرد (4)
فأقام بالعطن المعطن منهم
…
سبعون عتبة منهم والأسود (5)
وابن المغيرة قد ضربنا ضربة
…
فوق الوريد لها رشاش مزبد (6)
وأمية الجمحي قوم ميله
…
عضب بأيدي المؤمنين مهند (7)
فأتاك فل المشركين كأنهم
…
والخيل تثفنهم نعام شرد
شتان من هو في جهنم ثاويا
…
أبدا ومن هو بالجنان مخلد (8)
وقال كعب بن مالك يرثي حمزة رضي الله عنه:
صفية قومي ولا تعجزي
…
وتبكي النساء على حمزة
ولا تسأمي أن تطيلي البكا
…
على أسد الله في الهزة (9)
(1) معلما: شهر نفسه بعلامة تميزه من سائر المحاربين، وأسرة: رهط.
(2)
إخال: أظن، والغصة ما يقف في الحلق فيخنق.
(3)
العقنقل: الكثيب من الرمل أراد به كثيب بدر وصبحناهم: أتيناهم صباحا للغارة عليهم.
(4)
سراتهم: أشرافهم وخيارهم، ونطرد: نسوقه كما تساق الأنعام، يريد أنا قتلنا قسما وأسرنا قسما آخر.
(5)
العطن: مبرك الإبل حول الماء. والمعطن: الذي عود أن يتخذ عطنا.
(6)
الوريد: عرق في صفحة العنق، ورشاش مزبد: يريد دما تعلوه الرغوة.
(7)
عضب: سيف قاطع.
(8)
ثاويا: مقيما ليس يبرحها، ويروى (ثاويا)، وهو الهالك انظر سيرة ابن هشام (136 - 138).
(9)
الهزة: الاختلاط في الحرب.
فقد كان عزا لأيتامنا
…
وليث الملاحم في البزة (1)
يريد بذاك رضا أحمد
…
ورضوان ذي العرش والعزة (2)
وقال كعب أيضا في رثاء حمزة رضي الله عنه (3).
بكت عيني وحق لها بكاها
…
وما يغني البكاء ولا العويل (4)
على أسد الإله غداة قالوا
…
أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا
…
هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت
…
وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان
…
مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا
…
فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم
…
بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عني لؤبا
…
فبعد اليوم دائلة تدول (5)
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا
…
وقائعنا بها يشفى الغليل (6)
نسيتم ضربنا بقليب بدر
…
غداة أتاكم الموت العجيل (7)
غداة ثوى أبو جهل صريعا
…
عليه الطير حائمة تجول (8)
وعتبة وابنه خرا جميعا
…
وشيبة عضه السيف الصقيل (9)
ومتراكنا أمية مجلعبا
…
وفي حيزمومه لدن نبيل (10)
(1) الملاحم: جمع ملحمة، وهي الحرب التي يكثر فيها القتلى.
(2)
سيرة ابن هشام (3/ 139 - 140).
(3)
وتروى هذه القصيدة لعبد الله بن رواحة أيضا، انظر سيرة ابن هشام (3/ 148).
(4)
العويل: البكاء مع ارتفاع الصوت.
(5)
دائلة تدول: يريد دائرة الحرب.
(6)
الغليل حرارة الجوف من عطش أو حزن.
(7)
العجيل: العاجل السريع.
(8)
حائمة: تدور حوله، وتجول: تجيء وتذهب.
(9)
خرا جميعا: سقطا على الأرض.
(10)
مجلعبا: معناه أنه ممتد مع الأرض. والحيزوم: أسفل الصدر. واللدن: الرمح اللبن.