الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال البعلي: نقل الميموني عن الإمام أحمد أنه قال: أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ وإذا كان ثم سبب بين، وإذا كان ثم عداوة، وإذا كان مثل المدعى عليه يفعل هذا (1).
* * *
(1) الاختيارات الفقهية ص295.
مستند القائلين بعدم العمل بالقسامة مع المناقشة
استدلوا بالسنة والإجماع والأثر.
أما السنة فدليلان:
أحدهما: ما رواه مسلم في الصحيح بالسند المتصل إلى سليمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر بالقسامة على ما كانت عليه في الجاهلية (1)» .
وفي رواية له أيضا عن ابن شهاب وزاد -أي عن رواية سليمان بن يسار - «وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود، والقسامة التي وقعت في الجاهلية (2)» أخرج البخاري صفتها في الصحيح بالسند المتصل إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم استأجر رجلا من قريش من فخذ آخر فانطلق معه في إبله فمر رجل من بني هاشم انقطعت عروة جوالقه فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيرا واحدا فقال الذي استأجره ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ فقال: ليس له عقال قال فأين عقاله؟ قال فحذفه بعصا كان فيها أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم قال ما أشهد ربما شهدته قال هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال: نعم قال: فكتب إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم فإن أجابوك فاسأل عن أبي طالب فأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه فوليت دفنه. قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حينا ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال: يا آل قريش، قالوا: هذه قريش، قال: يا آل بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم، قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن
(1) صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1670)، سنن النسائي القسامة (4708)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 432).
(2)
صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1670)، سنن النسائي القسامة (4708)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 432).
أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال. فأتاه أبو طالب فقال له اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فقالوا نحلف، فأتت امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له فقالت يا أبا طالب أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل نصيب كل رجل بعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف.
وقد أجاب الصنعاني عن الاستدلال بذلك فقال: هو إخبار عن القصة التي في حديث سهل بن أبي حثمة وقد عرفت أنه صلى الله عليه وسلم لم يقض بها فيه كما قررناه -سيأتي ما قرره جوابا عن الاستدلال بالدليل الثاني. ثم قال:
وقد عرفت من حديث أبي طالب أنها كانت في الجاهلية على أن يؤدي الدية القاتل لا العاقلة كما قال أبو طالب: إما أن تؤدي مائة من الإبل. فإنه ظاهر أنها من ماله لا من عاقلته، أو يحلف خمسون من قومك أو تقتل، وها هنا في قصة خيبر لم يقع شيء من ذلك فإن المدعى عليهم لم يحلفوا ولم يسلموا الدية ولم يطلب منهم الحلف، وليس هذا قدحا في رواية الراوي من الصحابة بل في استنباطه لأنه قد أفاد حديثه أنه استنبط قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة من قصة أهل خيبر وليس في تلك القصة قضاء، وعدم صحة الاستنباط جائز على الصحابي وغيره اتفاقا وإنما روايته للحديث بلفظه أو بمعناه هي التي يتعين قبولها. اهـ.
وقد استشعر الصنعاني إيرادا على قوله. . وعدم صحة الاستنباط جائز على الصحابي وغيره اتفاقا فأجاب عنه بقوله:
وأما قول أبي الزناد: " قتلنا بالقسامة والصحابة متوفرون إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان.
فإنه قال في فتح الباري: " إنما نقله أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي في رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، وإلا فأبو الزناد لا يثبت أنه عن عشرة من الصحابة فضلا عن ألف ".
قلت: لا يخفى أن تقريره لما رواه أبو الزناد لثبوت ما رواه عن خارجة بن زيد الفقيه الثقة وإنما دلس بقوله "قتلنا" وكأنه يريد قتل معشر المسلمين وإن لم يحضرهم.
ثم لا يخفى أن غايته بعد ثبوته عن خارجة فعل جماعة من الصحابة وليس بإجماع حتى يكون حجة، ولا شك في ثبوت فعل عمر بالقسامة وإن اختلف عنه في القتل وإنما نزاعنا في ثبوت حكمه صلى الله عليه وسلم بها فإنه لم يثبت (1).
(1) سبل السلام ج3 ص257.
ويمكن أن يجاب عن قول الصنعاني: أنه صلى الله عليه وسلم لم يقض بالقسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في القسامة، ووجه كونه صلى الله عليه وسلم قضى بها: أنه طلب من الأنصار أن يحلفوا خمسين يمينا فامتنعوا فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن لهم على اليهود خمسين يمينا وتبرأ اليهود من دم الأنصاري فلم يقبل الأنصار أيمان اليهود، فلم يكن امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكم لأولياء الدم لكون القسامة غير مشروعة، بل لإبائهم أن يحلفوا لأنهم لم يشاهدوا الحدث ولم يقبلوا أيمان اليهود لأنهم قوم كفار.
الثاني: قصة عبد الله بن سهل، فأخرج البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال «انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر، وهي يومئذ صلح؛ فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال " كبر كبر " وهو أحدث القوم فسكت، فتكلما، فقال " أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم؟ قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال فتبرئكم يهود بخمسين "، قالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده (1)» .
وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «" يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته ".
قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم " قالوا: يا رسول الله. . . وذكر الحديث (2)» ونحوه.
وقد اعترض على الاستدلال بهذا الحديث بأمرين:
الأمر الأول: ما ذكره الصنعاني بقوله أنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم بها وإنما كانت حكما جاهليا فتلطف بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف لا يجري الحكم بها على أصول الإسلام وبيان أنه لم يحكم بها أنهم لما قالوا وكيف نحلف ولم نحضر ولم نشاهد؟ لم يبين لهم أن هذا الحلف في القسامة من شأنه ذلك بأنه حكم الله فيها وشرعه بل عدل إلى قوله: «" يحلف لكم يهود " فقالوا ليسوا بمسلمين (3)» . فلم يوجب صلى الله عليه وسلم عليهم وبين لهم أن ليس لكم إلا اليمين من المدعى عليهم مطلقا مسلمين كانوا أو غيرهم، بل عدل إلى إعطاء الدية من عنده صلى الله عليه وسلم ولو كان الحكم ثابتا لبين لهم وجهه، بل تقريره صلى الله عليه وسلم على أنه لا حلف إلا على شيء مشاهد مرئي _ دليل على أنه لا حلف في القسامة ولأنه لم يطلب صلى الله عليه وسلم اليهود للإجابة عن خصومهم في دعواهم.
فالقصة منادية بأنها لم تخرج مخرج الحكم الشرعي إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فهذا أقوى دليل بأنها ليست حكما شرعيا، وإنما تلطف صلى الله عليه وسلم في بيان
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4711)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 3)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(2)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4711)، سنن أبو داود الديات (4520)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 3)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(3)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
أنها ليست بحكم شرعي بهذا التدريج المنادي بعدم ثبوتها شرعا، وأقرهم صلى الله عليه وسلم أنهم لا يحلفون على ما لا يعلمونه ولا شاهدوه ولا حضروه ولم يبين لهم بحرف واحد أن أيمان القسامة من شأنها أن تكون على ما لا يعلم. انتهى المقصود (1).
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن يقال: الرسول صلى الله عليه وسلم عرض على الأنصار أن يحلفوا خمسين يمينا فامتنعوا ثم بين لهم أن لهم على اليهود خمسين يمينا يحلفها خمسون منهم فبينوا للرسول صلى الله عليه وسلم أنهم لا يقبلون أيمانهم وهذا يدل على مشروعيتها إذ لا يصلح أن يحمل هذا التصرف منه صلى الله عليه وسلم على العبث والألغاز التي لا يرشد إليها الكلام، وإنما يحمل عليها الكلام بمجرد الظنون والأوهام.
الأمر الثاني: أن هذا الدليل مضطرب، والاضطراب علة مانعة عن العمل به فيكون مردودا، ويمكن أن نبين وجوه الاضطراب والجواب عن كل وجه بعده:
الوجه الأول: الاضطراب بالزيادة والنقص وفي البدء بتوجيه الأيمان فإن هذا الحديث ليس فيه طلب البينة أولا من المدعين كما أنه يدل على البدء بتوجيه الأيمان إلى المدعين وقد جاء ما يخالف ذلك فروى البخاري في الصحيح بسنده المتصل إلى «بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة " وذكر الحديث وفيه " فقال لهم " تأتون بالبينة على من قتله " قالوا ما لنا بينة، قال " فيحلفون "، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود - الحديث (2)» .
" وقد أجاب ابن حجر عن ذلك بقوله: وطريق الجمع أن يقال: حفظ أحدهم ما لم يحفظ الآخر فيحمل على أنه طلب البينة أولا فلم تكن لهم بينة، فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا، فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا.
وأما قول بعضهم: إن ذكر البينة وهم لأنه صلى الله عليه وسلم قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين فدعوى نفي العلم مردودة فإنه وإن سلم أنه لم يسكن مع اليهود فيها أحد من المسلمين لكن في نفس القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا فيجوز أن تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك وإن لم يكن في نفس الأمر كذلك، وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة من وجه آخر، أخرجه النسائي من طريق عبد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن ابن محيصة الأصفر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليك برمته قال: يا رسول الله أنى أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم. . . الحديث (3)». وهذا السند صحيح حسن وهو نص في الحمل الذي ذكرته فتعين المصير إليه. وقد أخرج أبو داود أيضا من طريق عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال: «" أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم" (4)» قال: لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم اليهود وقد يجترئون على أعظم من هذا (5).
(1) سبل السلام ج3 ص257.
(2)
صحيح البخاري الديات (6898)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4523)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(3)
سنن النسائي القسامة (4720)، سنن ابن ماجه الديات (2678).
(4)
سنن أبو داود الديات (4524).
(5)
فتح الباري ج12 ص234.
الوجه الثاني: أن الحديث مضطرب لاختلاف العبارات وقد وقع هذا في كثير من روايات الحديث لمن تأملها.
ويمكن أن يجاب عنها بأن الرواية بالمعنى جائزة وما دام أن اختلاف الألفاظ لا يترتب عليه اختلاف تضاد في الحكم فلا أثر له.
الوجه الثالث: أن الحديث مضطرب لوجود الاختلاف في دفع الدية ففي رواية البخاري «فوداه مائة من إبل الصدقة (1)» ، وفي رواية مسلم:«فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده (2)» ، وفي رواية النسائي:«فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم وأعانهم بنصفها (3)» .
ويجاب عن هذا أولا بما قاله ابن حجر: قوله من إبل الصدقة، زعم بعضهم أنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله (من عنده) وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو المراد بقوله: من عنده أي بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين، وقد حمله بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره.
قلت: وتقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة في الكلام على حديث أبي لاس قال: «حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة في الحج (4)» . وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه وللاحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم. قال القرطبي في المفهم: فعل النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصلحة ودرءا للمفسدة على سبيل التأليف، ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق.
ورواية من قال: " من عنده " أصح من رواية من قال: " من إبل الصدقة " وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوي ما أمكن فيحتمل أوجها منها. فذكر ما تقدم وزاد أن يكون تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء، أو أن أولياء القتيل كانوا مستحقين للصدقة فأعطاهم، أو أعطاهم ذلك من سهم المؤلفة استئلافا لهم واستجلابا لليهود. انتهى (5).
ويجاب ثانيا عن رواية النسائي بأمرين: أحدهما من جهة السند، والثاني من جهة الدلالة.
أما من جهة السند: فإن النسائي -رحمه الله تعالى- ذكر هذه الترجمة " ذكر اختلاف الناقلين لخبر سهل فيه " وساق عدة روايات وقال بعد ذلك: " خالفهم عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - وذكر الحديث وقال في آخره: «فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم وأعانهم بنصفها (6)» .
وقال ابن القيم: قال النسائي: لا نعلم أحدا تابع عمرو بن شعيب على هذه الرواية.
(1) صحيح البخاري الديات (6898)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4523)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(2)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(3)
سنن النسائي القسامة (4720)، سنن ابن ماجه الديات (2678).
(4)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 221).
(5)
فتح الباري ج12 ص235.
(6)
سنن النسائي ج8 ص12
ويمكن أن يقال: إن عمرو بن شعيب انفرد بهذه الزيادة وهو مختلف في الاحتجاج به فتكون هذه الزيادة مردودة.
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنه سبق ما ذكر عن بعض العلماء كالإمام أحمد وابن المديني وغيرهما أنهم يحتجون به.
وبناء على أنه حجة فيقال من جهة دلالته: يمكن الجمع بينه وبين ما جاء دالا على أنه صلى الله عليه وسلم وداه من عنده. ووجه الجمع أن يقال: إن قول الراوي: " فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم " أي على اليهود؛ أي على تقدير أن يقروا بذلك؛ كأنه أرسل إلى يهود أن يقسم الدية عليهم ويعينهم بالنصف إن أقروا، فلما لم يقروا وداه من عنده (1).
الوجه الرابع: أن الحديث مضطرب لوجود ذكر الحلف دون عدد الأيمان وعدد الحالفين في بعض الروايات ففي رواية البخاري " أتحلفون "؟ فذكر الحلف ولم يذكر عدد الأيمان ولا عدد الحالفين. وفي رواية البخاري «أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم (2)» ؟ " ففيها بيان عدد الأيمان.
ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأن الروايات التي لم يذكر فيها عدد الأيمان وعدد الحالفين مجملة، والروايات التي جاء فيها عدد الحالفين وعدد الأيمان مفسرة لهذا الإجمال، وذلك أن القصة واحدة فيكون المفسر مبينا للمجمل فيحدد معناه. وبهذا تجتمع الروايات، وإذا أمكن الجمع وجب المصير إليه.
وأما بالإجماع: فقد سبق ما نقل عن السمرقندي وهو قوله: وإجماع الصحابة في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقول خارجة بن زيد، فأجمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم ليقتلوه (3).
قال ابن حجر وقد تمسك مالك بقول خارجة المذكور فأجمع أن القود إجماع (4).
وقد تقدم ما نقله أبو الزناد عن خارجة من قوله: " قتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون إني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان " وسبقت مناقشته.
ويرد دعوى الإجماع في عهد عمر بن عبد العزيز ما نقل عن أنه كان لا يرى القسامة، ولهذا نصب أبا قلابة للناس ليعلن أبو قلابة رأيه في عدم مشروعية القسامة. ويرد على دعوى إجماع أهل المدينة: ما ذكره ابن حجر بقوله: " وسبق عمر بن عبد العزيز إلى إنكار القسامة سالم بن عبد الله بن عمر، فأخرج ابن المنذر عنه
(1) شرح السيوطي لسنن النسائي ج8 ص13.
(2)
صحيح البخاري الديات (6899)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 163).
(3)
الفتح جزء 12 ص 231.
(4)
الفتح جزء 12 ص 232.