الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا القول لا يصلح؛ لأن اليمين إنما شرعت في حق المدعى عليه إذا نكل عنها المدعي، فلا ترد عليه، كما لا ترد على المدعى عليه إذا نكل المدعي عنها بعد ردها عليه في سائر الدعاوى، ولأنها يمين مردودة على أحد المتداعيين، فلا ترد على من ردها، كدعوى المال (1).
2 -
قال ابن مفلح: وإن نكل أي المدعى عليه فعنه كذلك أي فداه الإمام من بيت المال - وعنه: يحبس حتى يقر أو يحلف، وعنه تلزمه الدية، وهي أظهر ولو رد اليمين على المدعي فليس للمدعي أن يحلف، وفي الترقيب على رد اليمين وجهان، وهما في كل نكول عن يمين مع القود إليها في مقام آخر، هل له ذلك لتعدد المقام أم لا؟ لنكوله مرة؟ (2).
قال علي بن سليمان المقدسي: مسألة 6، 7 قوله: وإن لم يرض الأولياء يمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال، وإن نكل فعنه كذلك، وعنه يحبسه حتى يقر أو يحلف، وعنه: تلزمه الدية، وهو أظهر، انتهى. اشتمل كلامه على مسألتين: المسألة الأولى: إذا طلبوا أيمانهم ونكلوا فهل يحبس حتى يقر، أو يحلف، أم لا؟ أطلق الخلاف، وأطلقه الزركشي. " أحدهما ": لا يحبس، وهو الصحيح، جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمقنع والهادي والوجيز وغيرهم، وقدمه في المغني والشرح والنظم والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم. " الرواية الثانية ": يحبس حتى يقر أو يحلف.
تنبيه: ظهر مما تقدم أن في إطلاق المصنف شيئا، وأن الأولى أنه كان يقدم أنه لا يحبس.
المسألة الثانية: إذا قلنا لا يحبس فهل تلزمه الدية أو تكون في بيت المال؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والزركشي وغيرهم. " إحداهما ": تلزمه الدية، وهو الصحيح، قال المصنف هنا: وهو أظهر، واختاره أبو بكر والشريف وأبو الخطاب والشيخ الموفق وغيرهم، وصححه الشارح والناظم، وقدمه في الرعايتين. " والرواية الثانية " يكون في بيت المال، قدمه في المحرر والحاوي الصغير " (3).
(1) المغني ج8 ص498.
(2)
الفروع ج3 ص456.
(3)
تصحيح الفروع / 3/ 456.
الثامن:
ذكر خلاف العلماء فيما يثبت بالقسامة من قود أو دية
وذكر مستند كل مع المناقشة
اختلف القائلون بمشروعية القسامة فمنهم من ذهب إلى أن القسامة توجب القود، ومنهم من ذهب إلى أنه لا يجب بها إلا الدية.
أما القائلون بوجوب القود فقالوا: إن دعوى القتل إما أن تكون موجهة على أنه عمد أو خطأ، فإذا كان القتل خطأ فليس فيه إلا الدية اتفاقا، وإذا كان القتل عمدا: أ - فقال الأبي " ع ": وعلى إثباتها فالمستحق في الخطأ الدية واختلف في العمد فقال مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه يجب فيها القصاص (1).
واختلف القائلون بها فيما إذا كان القتل عمدا هل يجب القصاص بها؟ فقال معظم الحجازيين: يجب وهو قول الزهري وربيعة وأبي الزناد ومالك وأصحابه والليث والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود، وهو قول الشافعي في القديم. وروي عن ابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، قال أبو الزناد: قلنا بها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون أني لأرى أنهم ألف رجل فما اختلف منهم اثنان (2).
ح - وقال ابن مفلح: ويجب القود في قسامة العمد بشرطه، نص عليه، كسائر قتل العمد. قال أحمد: الذي يدفع القتل في هذا قد يبيحه بأيسر منه، فيبيحه بالظن، فلو حمل عليه بسلاح ليأخذ متاعه أليس دمه هدرا؟ وإنما هو شيء وقع في نفسه لم ينله بشيء، فكذا بما وقع في أنفسهم وعرفوه ويقسمون عليه (3).
د - وأجاب شيخ الإسلام رحمه الله عن سؤال وجه إليه فقال: إذا شهد لأولياء المقتول شاهدان، ولم يثبت عدالتهما: فهذا لوث إذا حلف معه المدعون خمسين يمينا - أيمان القسامة - على واحد بعينه حكم لهم بالدم؛ وإن أقسموا على أكثر من واحد ففي القود نزاع. وأما إن ادعوا أن القتل كان خطأ أو شبه عمد مثل أن يضربوه بعصا ضربا لا يقتل مثله غالبا: فهنا إذا ادعوا على الجماعة أنهم اشتركوا في ذلك فدعواهم مقبولة ويستحقون الدية (4). واحتجوا على ذلك بالسنة والأثر.
أما السنة
فقوله صلى الله عليه وسلم: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (5)» .
قال الباجي: نص على أن المستحق هو الدم ولا خلاف أنه أظهر في القصاص (6). وقال ابن قدامة: أراد القاتل لأن دم القتيل ثابت لهم قبل اليمين (7).
(1) الأبي ج4 ص395.
(2)
النووي على مسلم ج11 ص 133/ 144 ويرجع أيضا إلى المغني ج8 ص416.
(3)
الفروع ج3 ص454.
(4)
مجموع الفتاوى ج34 ص150 - 151
(5)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(6)
المنتقى شرح الموطأ ج7 ص55
(7)
المغني.
وأجيب عن الاستدلال بهذا الحديث بما يأتي:
1 -
أجاب محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة عنه بقوله: إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (1)» يعني بالدية ليس بالقود، وإنما يدل على ذلك: أنه إنما أراد الدية دون القود قوله في أول الحديث «إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب (2)» . فهذا يدل على آخر الحديث، وهو قوله:«تحلفون وتستحقون دم صاحبكم (3)» ، لأن الدم قد يستحق بالدية كما يستحق بالقود، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له تحلفون وتستحقون دم من ادعيتم فيكون هذا على القود، وإنما قال لهم:«تحلفون وتستحقون دم صاحبكم (4)» فإنما عنى به تستحقون دم صاحبكم بالدية، لأن أول الحديث يدل على ذلك وهو قوله:«إما أن تدوا صاحبكم، وإما أن تؤذنوا بحرب (5)» ، وقد قال عمر بن الخطاب: القسامة توجب العقل، ولا تشيط الدم في أحاديث كثيرة، فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
2 -
وأجاب السرخسي بقوله: أما قوله «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (6)» فلا تكاد تصح هذه الزيادة، وقد قال جماعة من أهل الحديث: أوهم سهل بن أبي حثمة ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (7)» ، (8).
3 -
وأجاب أيضا بقوله: " ولو ثبت فإنما قال ذلك على طريق الإنكار عليهم لا على طريق الأمر لهم بذلك فإنه لو كان على سبيل الأمر لكان يقول: أتحلفون فتستحقون دم صاحبكم فأما قوله: «أتحلفون وتستحقون (9)» فعلى سبيل الإنكار كقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} (10) {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} (11) الآية، وكذلك قوله: تحلفون معناه أتحلفون كقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} (12) معناه أتريدون وكان عليه الصلاة والسلام رأى منهم الرغبة في حكم الجاهلية حين أبوا أيمان اليهود وبقولهم: " نرضى بأيمان قوم كفار " فقال ذلك على سبيل الزجر فلما رأوا كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك رغبوا عنه بقولهم كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد وقد أيد ذلك الطحاوي (13).
4 -
وأجاب أيضا بقوله " ثم يحتمل أن يكون اليهود ادعوا عليهم بنقل القتيل من محلة أخرى إلى محلتهم فصاروا مدعى عليهم؛ فلهذا عرض عليهم اليمين (14). وبقوله صلى الله عليه وسلم «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته (15)» .
(1) صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(2)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، سنن النسائي كتاب القسامة (4710)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(3)
صحيح البخاري الجزية (3173)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(4)
صحيح البخاري الجزية (3173)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(5)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، سنن النسائي كتاب القسامة (4710)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(6)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(7)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).
(8)
المبسوط ج26 ص109.
(9)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521).
(10)
سورة الشعراء الآية 165
(11)
سورة الشعراء الآية 166
(12)
سورة الأنفال الآية 67
(13)
شرح معاني الآثار ج3 ص302 وما بعدها.
(14)
المبسوط ج26 ص109.
(15)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4711)، سنن أبو داود الديات (4520)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 3)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
قال القاضي عياض: أي بالحبل الذي ربط به هذا أصله ثم استعمل فيمن دفع للقود (1). وقال ابن دقيق العيد: يستعمل في دفع القاتل للأولياء للقتل، ولو أن الواجب الدية لبعد استعمال هذا اللفظ فيها وهو في استعماله في تسليم القاتل أظهر (2).
وقال ابن قدامة بعد أن ذكره دليلا لوجوب الدم قال: والرمة الحبل الذي يربط به من عليه القود (3). وأجيب عن الاستدلال بهذا الدليل بقول النووي: وتأوله القائلون لا قصاص بأن المراد أن يسلم ليستوفي منه الدية لكونه ثبتت عليه (4). ومن ذلك ما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك. ومن هذا الطريق رواه البيهقي (5) وأورده المنذري وبناء على هذا الطريق: فقد أعله البيهقي بالانقطاع والمنذري بقوله: " هذا معضل وعمرو بن شعيب اختلف في الاحتجاج بحديثه " ويجاب عن هذا الاعتراض بوجوه.
أحدها: أن هذا الحديث ورد في سنن أبي داود هكذا: حدثنا محمود بن خالد وكثير بن عبيد، قالا: نا، ح ونا محمد بن صالح بن سفيان نا الوليد عن أبي عمرو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث. . الثاني: أن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة قال بذلك ابن العربي (6) والدارقطني (7) وابن عبد البر (8) قال البخاري: رأيت علي بن المديني وأحمد بن حنبل والحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون به (9). ومنها ما أخرجه مسلم والنسائي وسليمان بن يسار، عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن القسامة كانت في الجاهلية، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية، وقضى بها بين أناس من الأنصار في قتيل ادعوه على يهود خيبر.
(1) مشارق الآثار على صحاح الآثار ج1 ص291.
(2)
أحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام وعليه العدة ج4 ص 311 والمغني جزء 8 ص 77
(3)
المغني ج8 ص77.
(4)
النووي على مسلم ج11 ص149.
(5)
السنن الكبرى.
(6)
أحكام القرآن ج1 ص12.
(7)
سنن الدارقطني ج2 ص310.
(8)
الجامع لأحكام القرآن ج1 ص459.
(9)
سنن الدارقطني ج2 ص310
واعترض عليه بقول ابن حجر: وهذا أي الاستدلال بهذا الحديث على القود يتوقف على ثبوت أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون في القسامة (1).
ويجاب عن هذا بقول البيهقي: أخبرنا أبو الحسن بن عبد الله أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا ابن ملحان حدثنا يحيى هو ابن بكير، أنبأنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن أناس من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أناس من الأنصار من بني حارثة ادعوه على اليهود (2)» .
* * *
وأما الأثر فمن ذلك ما ذكره البيهقي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف الرفاء البغدادي بخسروجرد، أنبأ أبو عمرو عثمان بن محمد بن بشر، ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا إسماعيل بن أبي أويس وعيسى بن مينا قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد أن أباه قال: كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم يعني من أهل المدينة يقولون: يبدا باليمين في القسامة الذين يجيئون من الشهادة على اللطخ والشبهة الخفية ما لا يجيء خصماؤهم وحيث كان ذلك كانت القسامة لهم. قال أبو الزناد وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن رجلا من الأنصار قتل وهو سكران رجلا ضربه بشوبق ولم يكن على ذلك بينة قاطعة إلا لطخ أو شبهة ذلك وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فقهاء الناس ما لا يحصى وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا فحلفوا خمسين يمينا وقتلوا، وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة ويرونها للذي يأتي به من اللطخ والشبهة أقوى مما يأتي به خصمه، ورأوا ذلك في الصهيبي حين قتله الحاطبيون وفي غيره. ثم قال البيهقي:(ورواه ابن وهب عن ابن أبي الزناد وزاد فيه أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص إن كان كما ذكرنا له حقا أن يحلفنا على القاتل ثم يسلم إلينا. أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم، ثنا بحر بن نصر، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد أن هشام بن عروة أخبره أن رجلا من آل حاطب بن أبي بلتعة كانت بينهم وبين رجل من آل صهيب منازعة فذكر الحديث في قتله قال: فركب يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب إلى عبد الملك بن مروان في ذلك فقضى بالقسامة على ستة نفر من آل حاطب فثنى عليهم الأيمان فطلب آل حاطب أن يحلفوا على اثنين ويقتلوهما فأبى عبد الملك إلا أن يحلفوا على واحد ليقتلوه فحلفوا على الصهيبي فقتلوه. قال هشام: فلم ينكر ذلك عروة ورأى أن قد أصيب فيه الحق. وروينا فيه عن الزهري وربيعة ويذكر عن ابن أبي مليكة عن عمر بن عبد العزيز وابن الزبير أنهما أقادا بالقسامة)(3) أهـ. كلام البيهقي.
(1) فتح الباري ج12 ص198.
(2)
السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص 122.
(3)
السنن الكبرى ج8 ص127.
ما ذكره عن أبي الزناد من القتل بالقسامة بمحضر عدد كبير من الصحابة رضي الله عنه ذكره القاضي عياض بلفظ (واقتلنا بالقسامة والصحابة متوافرون، إني لأرى أنهم الف رجل فما اختلف منهم اثنان). وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك بقوله: (قلت إنما نقل ذلك أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت كما أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، وإلا فأبو الزناد لا يثبت أنه رأى عشرين من الصحابة فضلا عن الف)(1). .
وأما ما ذكره البيهقي عن معاوية أنه أقاد بالقسامة، فقد نقل الحافظ عن ابن بطال أنه قال: وصح عن معاوية بن أبي سفيان أنه أقاد بالقسامة، ذكر ذلك عن أبي الزناد في احتجاجه على أهل العراق، ثم الحافظ ابن حجر العسقلاني:(قلت: هو في صحيفة عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ومن طريقه أخرجه البيهقي قال: - أي أبو الزناد - حدثني خارجة بن زيد بن ثابت قال: قتل رجل من الأنصار رجلا من بني العجلان ولم يكن على ذلك بينة ولا لطخ، فأجمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه. فركبت إلى معاوية في ذلك فكتب إلى سعيد بن العاص: إن كان ما ذكره حقا فافعل ما ذكروه، فدفعت الكتاب إلى سعيد فأحلفنا خمسين يمينا ثم أسلمه إلينا)(2).
وقد جمع الحافظ بين ما رواه حماد بن سلمة في مصنفه ومن طريق ابن المنذر قال حماد عن ابن أبي مليكة: سألني عمر بن عبد العزيز عن القسامة فأخبرته أن عبد الله بن الزبير أقاد بها وأن معاوية يعني ابن أبي سفيان لم يقد بها وهذا سند صحيح، وجاء في باب القسامة من صحيح البخاري بلفظ (وقال ابن أبي مليكة: لم يقد بها معاوية) جمع الحافظ بين هذا وبين ما تقدم عن معاوية أنه أقاد بها بقوله: (قلت: يمكن الجمع بأن معاوية لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك، ولما وقعت لغيره وكل الأمر في ذلك إليه ونسب إليه أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك) قال: ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس) (3).
وأما ما ذكره البيهقي عن ابن الزبير أنه أقاد بالقسامة، فقد قال ابن حزم:(صح عنه من أجل إسناد أنه أقاد بالقسامة، وأنه رأى القود بها في قتيل وجد، وأنه رأى الحكم للمدعين بالأيمان، وأنه رأى أن يقاد بها من الجماعة للواحد: روى ذلك عنه أوثق الناس سعيد بن المسيب وقد شاهد تلك القصة كلها. وعبد الله بن أبي مليكة قاضي ابن الزبير)(4).
وأما ما ذكره البيهقي عن عمر بن عبد العزيز أنه أقاد بالقسامة فقد قال ابن حزم: (صح عنه أي عن عمر بن عبد العزيز أنه أقاد بالقسامة صحة لا مغمز فيها)(5). . وقد مضت مناقشة ما نقل عن معاوية وعمر بن عبد العزيز عند الكلام عن حكم القسامة.
(1) فتح الباري ج12 ص197
(2)
فتح الباري ج12 ص193.
(3)
فتح الباري ج12 ص193.
(4)
المحلى ج11 ص70
(5)
المحلى ج11 ص111
قال النووي نقلا عن القاضي عياض: وقال الكوفيون والشافعي رضي الله عنه في أصح قوليه: لا يجب بها القصاص وإنما تجب الدية، وهو مروي عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وعثمان الليثي (1) والحسن بن صالح وروي أيضا عن أبي بكر وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم (2).
واحتجوا لذلك بالنسبة والأثر:
أما السنة: ما رواه مالك في الموطأ عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل، عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال، من كبراء قومه «أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير بئر أو عين، فأتى يهود وقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم، وهو الذي كان بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كبر كبر " يريد السن، فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب " فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فكتبوا: إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: " أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟ " قالوا: لا، قال: " أفتحلف لكم يهود " قالوا: ليسوا مسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، قال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حمراء (3)» .
قال القرطبي: (قالوا - أي الذين لا يرون سوى الدية في القسامة (هذا يدل على الدية لا على القود)(4). . ومنها ما رواه البخاري في " باب القسامة " قال: (حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، حدثنا الحجاج بن أبي عثمان، حدثني أبو رجاء من آل أبي قلابة: حدثني أبو قلابة «أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس، ثم أذن لهم فدخلوا، فقال: ما تقولون في القسامة؟ قال: نقول: القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء (6)» إلى آخر الحديث (7).
(1) كذا في الأصل.
(2)
النووي على مسلم ج11 ص144 ويرجع أيضا إلى المغني ج8 ص416.
(3)
الموطأ رواية يحيى الليثي بشرح الزرقاني ج4 ص52.
(4)
الجامع لأحكام القرآن ج1 ص159
(5)
صحيح البخاري الديات (6899).
(6)
(5). قال لي: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس، فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رءوس الأجناد وأشراف العرب: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى، ولم يروه، أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق، أكنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا، قلت: فوالله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في إحدى ثلاث فقال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام
(7)
صحيح البخاري بشرح فتح الباري ج12 ص200 - 204.
ووجه الاستدلال من هذا الحديث الطويل ما جاء في رواية أبي قلابة من قول النبي صلى الله عليه وسلم «أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم (1)» . وأما قصة الهذليين فليس فيها تصريح بما صنع عمر هل أقاد بالقسامة أو حكم بالدية كذا في فتح الباري ج12 ص204 ثم وجدنا في مصنف عبد الرزاق ج10 ص48 ما يدل على أن عمر حكم بالدية في هذه القضية فقد روى عبد الرزاق في باب الخلع عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال: (خلع قوم هذليون سارقا منهم كان يسرق الحاج قالوا: قد خلعناه فمن وجده يسرق فدمه هدر فوجدته رفقة من أهل اليمن يسرقهم فقتلوه فجاء قومه عمر بن الخطاب فحلفوا بالله ما خلعناه ولقد كذب الناس علينا فأحلفهم عمر خمسين يمينا ثم أخذ عمر بيد الرفقة فقال: أقرنوه إلى أحدكم حتى تؤتوا بدية صاحبكم ففعلوا فانطلقوا حتى دنوا من أرضهم أصابهم مطر شديد فاستنزوا بجبل طويل وقد أمرسوا، فلما نزلوا كلهم انقض الجبل عليهم فلم ينج منهم أحد ولا من ركابهم إلا التريك وصاحبه فكان يحدث بما لقي قومه اهـ
ومما أجيب به عن قوله صلى الله عليه وسلم للحارثيين «إما أن تدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب (2)» . وما ذكره الباجي قال: يحتمل أن يريد بقوله «أن تدوا صاحبكم (3)» إعطاء الدية؛ لأنه قد جرى في كلام الحارثيين أنهم طلبوا الدية دون القصاص، ويحتمل أنهم لم يكونوا ادعوا حينئذ قتله عمدا، ويحتمل أنهم لما لم يعينوا القاتل وإنما قالوا: إن بعض يهود قتله ولا يعرف من هو لم يلزم في ذلك قصاص وإنما يلزم فيه الدية كالقتيل بين الصفين لا يعرف من قتله ولا يقول: دمي عند فلان ولا يشهد شاهد بمن قتله فإن ديته على الفرقة المنازعة له دون قسامة؛ ولذلك لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بالقسامة في هذا المقام، ولعل هذا كان يكون الحكم إن لم يقطع يهود بأنها لم تقتل ولم تنف ذلك عن أنفسها وتقول لا علم لنا وإنما أظهر في المقام ما يجب من الحق إن لم يقع النفي للقتل الموجب للقسامة أن عليهم أن يؤدوا الدية فإن امتنعوا من الواجب عليهم في ذلك فلا بد من محاربتهم في ذلك حتى يؤدوا الحق ويلتزموا من ذلك حكم الإسلام) (4)، اهـ.
ومنهم من طعن في هذا الحديث لما جاء فيه «وإما أن تؤذنوا بحرب (5)» قال الخطابي: (وقد أنكر بعض الناس قوله «وإما أن تؤذنوا بحرب (6)» وقال " إن الأمة على خلاف هذا القول فدل على أن خبر القسامة غير معمول به، وقد أجاب الخطابي عن هذا بقوله بعد ما ذكرت (قلت ووجه الكلام بين وتأويله صحيح، وذلك أنهم إذا امتنعوا من القسامة ولزمتهم الدية فأبوا أن يؤدوها إلى أولياء الدم أوذنوا بحرب كما يؤذنوا بها إذا منعوا الجزية).
وأما استدلال أبي قلابة بترك القود بالقسامة لقوله (فوالله «ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في ثلاث خصال: رجل قتل بجريرة نفسه فقتل، أو رجل زنى بعد إحصان ورجل حارب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وارتد عن الإسلام (7)» فقد قال فيه الحافظ ابن حجر: (لم يظهر لي وجه استدلال
(1) صحيح البخاري الديات (6899)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1671)، سنن الترمذي الطهارة (72)، سنن النسائي الطهارة (305)، سنن أبو داود الحدود (4364)، سنن ابن ماجه الحدود (2578)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 163).
(2)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، سنن النسائي كتاب القسامة (4710)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(3)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، سنن النسائي كتاب القسامة (4710)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(4)
المنتقى شرح الموطأ. ج 8 ص 53.
(5)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4711)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 2)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(6)
صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4711)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 2)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).
(7)
سنن النسائي القسامة (4743)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 58).
أبي قلابة بأن القتل لا يشرع إلا في الثلاث لرد القود بالقسامة مع أن القود قتل نفس بنفس وهو أحد الثلاثة وإنما النزاع في الطريق إلى ثبوت ذلك (1).
وأما قول أبي قلابة (وقد كان في هذا سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم «دخل عليه نفر من الأنصار فتحدثوا عنده فخرج رجل منهم بين أيديهم فقتل فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشحط في الدم فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله صاحبنا كان تحدث معنا فخرج بين أيدينا فإذا نحن به يتشحط في الدم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من تظنون أو ترون قتله؟، قالوا: نرى أن اليهود قتلته فأرسل إلى اليهود فدعاهم، فقال: أنتم قتلتم هذا؟، قالوا: لا، قال: أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه؟ فقالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون قال: فتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ قالوا: ما كنا لنحلف فوداه من عنده قلت وقد كانت هذيل خلعوا خليعا لهم في الجاهلية فطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بالموسم (2)» إلخ. فقد أجاب البيهقي عن ذلك بقوله (وحديثه أي أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في القتيل مرسل، وكذلك عن عمر رضي الله عنه في قصة الهذلي (3).
* * *
ومما استدلوا به من السنة ما رواه أبو داود في المراسيل عن هارون بن زيد عن أبي الزرقاء عن أبيه عن محمد بن راشد بن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض في القسامة بقود ومن هذا الطريق أخرجه البيهقي في باب ترك القود بالقسامة، وقال: أخبرنا محمد بن محمد أنبأنا الفسوي ثنا اللؤلئي ثنا أبو داود فذكره (4).
والجواب عن هذا الحديث أنه منقطع قال ابن القيم: وأما حديث محمد بن راشد المكحولي يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض في القسامة بقود فمنقطع (5). وما رواه أحمد وأبو داود الطيالسي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم والبيهقي في سننه من طريق أبي إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن إسحاق عن عطية عن أبي سعيد الخدري «أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أقربهما فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر قال الخدري: كأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ديته عليهم (6)» ورواه ابن عدي والعقيلي في
(1) فتح الباري ج 12 ص 204.
(2)
صحيح البخاري الديات (6899).
(3)
السنن الكبرى ج 8 ص 129.
(4)
السنن الكبرى للبيهقي ج 8 ص 129.
(5)
تهذيب سنن أبي داود ج 6 ص 352.
(6)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 89).
كتابيهما بلفظ فألقى ديته على أقربهما (1).
والجواب قد أعله ابن عدي والعقيلي في كتابيهما بأبي إسرائيل فضعفه ابن عدي عن قوم ووثقه عن آخرين وقال فيه البزار: أبو إسرائيل قال النسائي فيه: ليس بثقة كان يسب عثمان رضي الله عنه قال: وثقه ابن معين (2). وقال ابن حجر قال العقيلي: لا أصل له (3). وقال ابن حزم: هالك؛ لأنه انفرد به عطية بن سعيد العوفي وهو ضعيف ضعفه هشيم وسفيان الثوري ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وما ندري أحدا وثقه وذكر عن أحمد بن حنبل أنه كان يأتي الكلبي الكذاب فيأخذ عنه الأحاديث ثم يكنيه بأبي سعيد ويحدث بها عن أبي سعيد فيوهم الناس أنه الخدري وهذا من تلك الأحاديث والله أعلم، فهو ساقط ثم هو أيضا من رواية أبي إسرائيل الملائي هو إسماعيل بن إسحاق فهو بلية عن بلية والملائي هذا ضعيف جدا وليس في الذرع بين القريتين خبر عن هذا لا مسندا ولا مرسلا (4).
وقال البيهقي تحت عنوان (باب ما روي في القتيل يوجد بين القريتين ولا يصح): أخبرنا أبو بكر بن فورك أنبأنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا أبو إسرائيل عن عطية عن أبي سعيد أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر قال أبو سعيد: كأني أنظر إلى شبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ديته عليهم وأخبرنا أبو سعد الماليي أنبأنا أبو أحمد ابن عدي أنبأنا الفضل بن الحباب ثنا أبو الوليد الطيالسي عن أبي إسرائيل الملائي بنحوه. تقول به أبو إسرائيل عن عطية العوفي وكلاهما لا يحتج بروايتهما اهـ نص في (السنن الكبرى)(5). وقال في المعرفة أبو إسرائيل الملائي عن عطية العوفي وكلاهما ضعيف اهـ (6).
وقال ابن القيم: (وأما حديث أبي سعيد الخدري «أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أقربهما فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر فألقى ديته (7)» عليهم فرواه أحمد في مسنده وهو من رواية أبي إسرائيل الملائي عن عطية العوفي وكلاهما فيه ضعف. ولو لم يكن في إسناد هذا الحديث سوى البلية أبي إسرائيل لكفى ذلك في تضعيفه فقد قال ابن عدي: حدثنا الآجري حدثنا الحسن بن علي حدثنا عفان قال: قال لي أبو إسرائيل الملائي: عثمان كفر بما أنزل
(1) نصب الراية ج 4 ص 396.
(2)
نصب الراية ج 4 ص 396 - 397.
(3)
التلخيص الجيد ج 4 ص 39.
(4)
المحلى ج 11 ص 86.
(5)
السنن الكبرى ج 8 ص126.
(6)
نصب الراية ج4 ص397.
(7)
مسند أحمد بن حنبل (3/ 39).
على محمد صلى الله عليه وسلم روى ذلك الحافظ الذهبي عن ابن عدي بسنده إليه (1). هذا وعند ابن عدي هذا الحديث أيضا من رواية الصبي بن أشعث بن سالم السلولي، سمعت عطية العوفي عن الخدري به ولكن الصبي هنا لينه ابن عدي وقال: إن في بعض حديثه ما لا يتابع عليه، قال: ولم أر للمتقدمين فيه كلاما ورواه عن عطية أبو إسرائيل اهـ (2).
وقال ابن القيم: لا تجوز معارضة الأحاديث الثابتة بحديث من قد أجمع علماء الحديث على ترك الاحتجاج به وهو ابن صبيح الذي لم يسفر صباح صدقه (3).
* * *
وأما الآثار فمنها ما ذكره ابن حزم قال: قال ابن أبي شيبة: نا عبد السلام بن حرب عن عمرو هو ابن عبيد عن الحسن البصري أن أبا بكر والجماعة الأولى لم يكونوا يقيدون بالقسامة. وما ذكره البيهقي قال: أخبرنا أبو بكر الأردستاني أنبأنا سفيان بن محمد الجوهري ثنا علي بن الحسن ثنا عبد الله بن الوليد ثنا سفيان عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: القسامة توجب العقل ولا تشيط الدم (4).
وما ذكره ابن حزم قال أبو بكر بن أبي شيبة: نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: (انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب فوجداه قد صدر عن البيت عامدا إلى منى فطاف بالبيت ثم أدركاه فقصا عليه قصتهما، فقالا: يا أمير المؤمنين إن ابن عم لنا قتل نحن إليه شرع سواء في الدم وهو ساكت لا يرجع إليهما شيئا حتى ناشداه الله، فحمل عليهما، ثم ذكراه الله فكف عنهما، ثم قال عمر بن الخطاب: ويل لنا إذا لم نذكر بالله، وويل لنا إذا لم نذكر الله. فيكم شاهدان ذوا عدل، يجيئان به على من قتله فنقيدكم منه. وإلا حلف من بيدكم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا، فإن نكلوا حلف منكم خمسون، ثم كانت لكم الدية. إن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها (5).
وما ذكره ابن حجر قال: أخرج الثوري في جامعه وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بسند صحيح
(1) ميزان الاعتدال ج4 ص390.
(2)
نصب الراية ج4 ص 397.
(3)
تهذيب السنن ج 6 ص324.
(4)
السنن الكبرى ج8 ص129.
(5)
نقله ابن حزم عن ابن أبي شيبة في المحلى ج11 ص65.
إلى الشعبي قال: وجد قتيل بين حيين من العرب فقال عمر: قيسوا ما بينهما فأيهما وجدتموه إليه أقرب فحلفوهم خمسين يمينا وأغرموهم الدية، وأخرجه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر كتب في قتيل وجد بين خيوان ووادعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منهم خمسون رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم الدية فقال: حقنت أيمانكم دماءكم ولا يطل دم رجل مسلم (1).
وروى عبد الرزاق عن عمرو وغيره عن الحسن قال: يستحقون بالقسامة الدية ولا يستحقون الدم (2). ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر قال: قلت لعبد الله بن عمر العمري: أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت فعمر؟ قال: لا، قلت فلم تجترئون عليها؟ فسكت (3). والجواب عنه أولا: أنه لا معارض بما أخرجه أبو عوانة في صحيحه وأصله عند الشيخين من طريق حماد بن زيد عن أيوب وحجاج الصواف عن أبي رجاء أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس في القسامة فقال قوم: هي حق قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضى بها الخلفاء. وثانيا: أن من قال: إنه قضى بها مثبت، ومن قال: لم يقض بها ناف والمثبت معه زيادة علم فيقدم على النافي. وثالثا: كونه لا يعلم لا يلزم منه عدم الوقوع فعدم علمه ليس بدليل. ورابعا: هو معلول بالإرسال قال ابن حزم: لا يصح؛ لأنه مرسل إنما هو عن عبيد الله بن عمر بن حفص.
وما أخرجه الدارقطني ومن طريقه البيهقي قال الدارقطني: نا محمد بن القاسم بن زكريا نا هشام بن يونس نا محمد بن يعلى عن عمر بن صبيح عن مقاتل بن حيان عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب أنه قال: لما حج عمر حجته الأخيرة التي لم يحج غيرها، غودر رجل من المسلمين قتيلا في بني وادعة، فبعث إليهم عمر، وذلك بعد ما قضى النسك وقال لهم: هل علمتم لهذا القتيل قاتلا منكم؟ قال القوم: لا، فاستخرج منهم خمسين شيخا، فأدخلهم الحطيم، فاستحلفهم بالله رب هذا البيت الحرام، ورب هذا البلد الحرام، والشهر الحرام، أنكم لم تقتلوه، ولا علمتم له قاتلا، فحلفوا بذلك، فلما حلفوا قال: أدوا ديته مغلظة في أسنان الإبل، أو من الدنانير، والدراهم دية وثلثا فقال رجل منهم، يقال له سنان: يا أمير المؤمنين أما تجزيني من مالي؟ قال: لا، إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم، فأخذوا ديته دنانير، وثلث دية (4).
والجواب عن هذا الحديث بأن فيه عمر بن صبيح وهو متروك، قال ذلك الدارقطني والبيهقي وابن القيم فقال الدارقطني في سنده: عمر بن صبيح متروك (5) وقال البيهقي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني قوله إنما قضيت فيكم بقضاء نبيكم منكر
(1) فتح الباري ج12 ص198 - 199.
(2)
المصنف ج10 ص41.
(3)
فتح الباري ج12 ص199.
(4)
سنن الدارقطني ج20 ص359، والسنن الكبرى ج8 ص125.
(5)
سنن الدارقطني ج2 ص355.
وهو مع انقطاعه من رواية من أجمعوا على تركه (1).
ونقل الزيلعي عن البيهقي أنه قال في كتاب المعرفة: أجمع أهل الحديث على ترك الاحتجاج بعمر بن صبيح، وقد خالفت روايته هذه رواية الثقات الأثبات (2).
وذكر ابن حزم أن ذلك صحيح عن الحسن ونصه وأما الحسن: فصح عنه أن لا يقاد بالقسامة لكن يحلف المدعى عليهم: بالله ما فعلنا، ويبرءون فإن نكلوا حلف المدعون وأخذوا الدية - هذا في القتيل يوجد (3). كما ذكر ابن حزم أنه صح عن قتادة أن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها " أهـ (4).
والجواب عن هذه الآثار ما يأتي:
أما ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري أن أبا بكر والجماعة الأولى لم يكونوا يقيدون بالقسامة فهو مرسل. قال إنه لا يصح؛ لأنه عن الحسن وفي طريق الحسن عبد السلام بن حرب " (5). وأما ما رواه الثوري عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب قال القسامة توجب العقل ولا تشيط الدم. فقد قال البيهقي فيه: " هذا منقطع " (6) وقال ابن القيم: " أما ما رواه الثوري في جامعه عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: القسامة توجب العقل ولا تشيط الدم فمنقطع موقوف " (7) اهـ كلام ابن القيم.
وقد رواه ابن أبي شيبة ومن طريقه ابن حزم قال ابن أبي شيبة: نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال: انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب فذكر الحديث المتقدم وفيه " أن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها ".
ثم ذكر ابن حزم في رواية القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن عمر بن الخطاب منقطعة. قال: لم يولد والد القاسم إلا بعد موت عمر " (8).
(1) السنن الكبرى ج8 ص125.
(2)
نصب الراية ج4 ص395.
(3)
المحلى ج11 ص70.
(4)
المحلى ج11 ص71.
(5)
المحلى ج11 ص69.
(6)
السنن الكبرى ج8 ص129.
(7)
تهذيب السنن ج6 ص324.
(8)
المحلى ج11 ص69.
وأما الأثر الذي أخرجه الثوري في جامعه وابن أبي شيبة عن منصور بسند صحيح إلى الشعبي أنه وجد قتيل بين حيين من العرب، فقال عمر: قيسوا ما بينهما، الحديث، وأخرجه الشافعي وفي تسمية الحيين خيوان ووادعة. فقد قال ابن حزم:" إنه مرسل؛ لأنه عن عمر من طريق الشعبي ولم يولد إلا بعد موت عمر بأزيد من عشرة أعوام أو نحوها (1). وقال البيهقي: في الجواب عنه من ناحية ما فيه من مخالفة النصوص الدالة على البدء بولاة الدم في الأيمان قال: أما الأثر الذي أخبرنا أبو حازم الحافظ أنبأنا أبو الفضل بن خميرويه، أنبأنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن عامر يعني الشعبي أن قتيلا وجد في خربة وادعة همدان فرفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأحلفهم خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا قاتلا ثم أغرمهم الدية ثم قال: يا معشر همدان حقنتم دماءكم بأيمانكم فما يطل دم هذا الرجل المسلم، وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو ثنا أبو العباس الأصم أنبأنا الربيع بن سليمان أنبأنا الشافعي ثنا سليمان عن منصور عن الشعبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب في قتيل وجد بين خيوان ووادعة أن يقاس ما بين القريتين فإلى أيهما كان أقرب أخرج إليه منهم خمسون رجلا حتى يوافوه مكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم بالدية فقالوا: ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا، قال عمر رضي الله عنه: كذلك الأمر. قال الشافعي: وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حقنتم بأيمانكم دماءكم ولا يطل دم مسلم فقد ذكر الشافعي رحمه الله في الجواب عن ما يخالفون عمر رضي الله عنه في هذه القصة من الأحكام، قيل له أثابت هو عندك؟ قال: إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور والحارث مجهول ونحن نروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسناد الثابت أنه بدا بالمدعين، فلما لم يحلفوا قال: «فتبرئكم يهود يمينا (2)» وإذ قال: تبرئكم فلا يقول عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل على يهود ولا القتيل بين أظهرهم شيئا قال الربيع: أخبرني بعض أهل العلم عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: " حارث الأعور كان كذابا وروى عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر رضي الله عنه ومجالد غير محتج به وروى عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع عن عمر وأبو إسحاق لم يسمع من الحارث بن الأزمع، قال علي بن المديني عن أبي زيد عن شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث حديث الحارس بن الأزمع أن قتيلا وجد بين وادعة وخيوان فقلت: يا أبا إسحاق من حدثك؟ قال: حدثني مجالد عن الشعبي عن الحارث بن الأزمع فعادت رواية أبي إسحاق إلى حديث مجالد واختلف فيه على مجالد في إسناده ومجالد غير محتج به والله أعلم، هذا كلام البيهقي في السنن الكبرى (3). وأخرج في المعرفة عن ابن عبد الحكم أنه قال: سمعت الشافعي يقول: " سافرت خيوان، ووادعة أربع عشرة سفرة، وأنا أسألهم عن حكم عمر بن الخطاب في القتيل، وأنا أحكي لهم ما روي عنه فيه، فقالوا: هذا شيء ما كان ببلدنا قط "(4).
(1) المحلى ج11 ص69.
(2)
موطأ مالك القسامة (1631).
(3)
ج8 ص23 - 24.
(4)
نصب الراية ج4 ص355.