الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك المقتول، ثم يستحقها صاحب الدار بالإرث، ولو وجد مكاتب قتيلا في دار نفسه فدمه هدر؛ لأن داره في وقت ظهور القتيل ليست لورثته بل هي على حكم ملك نفسه إلى أن يؤدي بدل الكتابة، فصار كأنه قتل نفسه فهدر دمه. . . . . رجلان كانا في بيت ليس معهما ثالث وجد أحدهما مذبوحا. . .
قال أبو يوسف: يضمن الآخر الدية. وقال محمد: لا ضمان عليه.
وجه قوله: أنه يحتمل أنه قتله صاحبه ويحتمل أنه قتل نفسه فلا يجب الضمان بالشك، ولأبي يوسف أن الظاهر أنه قتله صاحبه؛ لأن الإنسان لا يقتل نفسه ظاهرا وغالبا، واحتمال خلاف الظاهر ملحق بالعدم. ألا ترى أن مثل هذا الاحتمال ثابت في قتيل المحلة ولم يعتبر (1).
* * *
(1) بدائع الصنائع ج7 ص290 - 294.
إذا كان في المدعين والمدعى عليهم نساء وصبيان فهل عليهم قسامة
؟
الأدلة والمناقشة
قال الكاساني: ولا تدخل المرأة في القسامة والدية في قتيل يوجد في غير ملكها؛ لأن وجوبهما بطريق النصرة وهي ليست من أهلها، وإن وجد في دارها أو في قرية لها لا يكون بها غيرها، عليها القسامة فتستحلف ويكرر عليها الأيمان، وهذا قولهما.
وقال أبو يوسف: عليها لا على عاقلتها.
وجه قوله: أن لزوم القسامة لزوم النصرة، وهي ليست من أهل النصرة فلا تدخل في القسامة؛ ولهذا لم تدخل مع أهل المحلة.
وجه قولهما: أن سبب الوجوب على المالك هو الملك مع أهلية القسامة، وقد وجد في حقها، أما الملك فثابت لها. وأما الأهلية فلأن القسامة يمين، وأنها من أهل اليمين. ألا ترى أنها تستحلف في سائر الحقوق.
ومعنى النصرة يراعى وجوده في الجملة لا في كل فرد كالمشقة في السفر. وهل تدخل مع العاقلة في الدية؟ ذكر الطحاوي ما يدل على أنها لا تدخل، فإنه قال: لا يدخل القاتل في التحمل إلا أن يكون ذكرا عاقلا بالغا، فإذا لم تدخل عند وجود القتل منها عينا فها هنا أولى، وأصحابنا رضي الله عنهم قالوا: إن المرأة تدخل
مع العاقلة في الدية في هذه المسألة، وأنكروا على الطحاوي قوله، وقالوا: إن القاتل يدخل في الدية بكل حال، ويدخل في القسامة والدية الأعمى والمحدود في القذف والكافر؛ لأنهم من أهل الاستحلاف والحفظ -والله سبحانه وتعالى أعلم (1).
وقال أيضا: الصبي والمجنون لا يدخلان في القسامة في أي موضع وجد القتيل، سواء وجد في غير ملكهما أو في ملكهما.
لأن القسامة يمين، وهما ليسا من أهل اليمين؛ ولهذا لا يستحلفان في سائر الدعاوى، ولأن القسامة تجب على من هو من أهل النصرة، وهما ليسا من أهل النصرة؛ فلا تجب القسامة عليهما، وتجب على عاقلتهما إذا وجد القتيل في ملكهما لتقصيرهم بترك النصرة اللازمة.
وهل يدخلان في الدية مع العاقلة؟ فإن وجد القتيل في غير ملكهما كالمحلة وملك إنسان لا يدخلان فيها، وإن وجد في ملكهما يدخلان؛ لأن وجود القتيل في ملكهما كمباشرتهما القتل، وهما مؤاخذان بضمان الأفعال، وعلى قياس ما ذكره الطحاوي رحمه الله لا يدخلان في الدية مع العاقلة أصلا، لكنه ليس بسديد؛ لأن هذا ضمان القتل، والقتل فعل، والصبي والمجنون مؤاخذان بأفعالهما (2).
قال الشافعي: ومن وجبت له القسامة وهو غائب أو مخبول أو صبي، فلم يحضر الغائب أو حضر فلم يقسم، ولم يبلغ الصبي ولم يفق المعتوه، أو بلغ هذا وأفاق هذا فلم يقسموا ولم يبطلوا حقوقهم في القسامة حتى ماتوا قام ورثتهم مقامهم في أن يقسموا بقدر مواريثهم منه، (3). فقوله: ولم يبلغ الصبي. نص منه رحمه الله أنه لا يرى دخوله في أيمان القسامة حتى يبلغ.
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أنه لا يحلف في القسامة في العمد أحد من النساء، وإن لم يكن للمقتول ولاة إلا النساء فليس للنساء في قتل العمد قسامة ولا عفو (4).
قال الباجي: قوله: " لا يحلف في قسامة العمد أحد من النساء " يريد أنه لا يقسم إلا الأولياء من الرجال ومن له تعصيب، وأما من لا تعصيب له من الخؤولة وغيرهم فلا قسامة لهم، وإذا كان للقتيل أم فإن كانت معتقة أو أعتق أبوها أو جدها أقسم مواليها في العمد، قاله ابن القاسم في الموازية والمجموعة، وإن كانت أمه من العرب فلا قسامة في عمده، قال محمد: لأن العرب خؤولته، ولا ولاية للخؤولة، ومن شهد شاهد عدل بقتله عمدا، وقال: دمي عند فلان ولم يكن له عصبة وكان له من الأقارب نساء أو خؤولة فإنه لا قسامة فيه، ويحلف المدعى عليهم القتل. انتهى المقصود (5).
(1) بدائع الصنائع ج7 ص294 - 295.
(2)
بدائع الصنائع ج7 ص294.
(3)
الأم ج6 ص80.
(4)
الموطأ ج7 ص62.
(5)
المنتقى على الموطأ ج7 ص62.
3 -
سبق في كلام الشافعي رحمه الله أن النساء يدخلن في القسامة.
4 -
قال الخرقي: والنساء والصبيان لا يقسمون.
قال ابن قدامة: يعني إذا كان المستحق نساء وصبيانا لم يقسموا؛ أما الصبيان فلا خلاف بين أهل العلم أنهم لا يقسمون، سواء كانوا من الأولياء، أو مدعى عليهم؛ لأن الأيمان حجة للحالف، والصبي لا يثبت بقوله حجة. ولو أقر على نفسه، لم يقبل، فلئلا يقبل قوله في حق غيره أولى.
وأما النساء فإذا كن من أهل القتيل، لم يستحلفن. وبهذا قال ربيعة، والثوري، والليث، والأوزاعي. . .
وقال مالك: لهن مدخل في قسامة الخطأ دون العمد. قال ابن القاسم: ولا يقسم في العمد إلا اثنان فصاعدا، كما أنه لا يقتل إلا بشاهدين.
وقال الشافعي: يقسم كل وارث بالغ؛ لأنها يمين في دعوى، فتشرع في حق النساء، كسائر الأيمان. ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«يقسم خمسون رجلا منكم، وتستحقون دم صاحبكم (1)» . ولأنها حجة يثبت بها قتل العمد، فلا تسمع من النساء، كالشهادة.
ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل، ولا مدخل للنساء في إثباته، وإنما يثبت المال ضمنا، فجرى ذلك مجرى رجل ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها، فإن ذلك لا يثبت بشاهد ويمين، ولا بشهادة رجل وامرأتين، وإن كان مقصودها المال. فأما إن كانت المرأة مدعى عليها القتل، فإن قلنا إنه يقسم من العصبة رجال. لم تقسم المرأة أيضا؛ لأن ذلك مختص بالرجال. وإن قلنا: يقسم المدعى عليه. فينبغي أن تستحلف؛ لأنها لا تثبت بقولها حقا ولا قتلا، وإنما هي لتبرئتها منه، فتشرع في حقها اليمين، كما لو لم يكن لوث. فعلى هذا، إذا كان في الأولياء نساء ورجال، أقسم الرجال، وسقط حكم النساء، وإن كان فيهم صبيان ورجال بالغون، أو كان فيهم حاضرون وغائبون، فقد ذكرنا من قبل أن القسامة لا تثبت حتى يحضر الغائب، فكذا لا تثبت حتى يبلغ الصبي؛ لأن الحق لا يثبت إلا ببينته الكاملة، والبينة أيمان الأولياء كلهم، والأيمان لا تدخلها النيابة.
ولأن الحق إن كان قصاصا، فلا يمكن تبعيضه، فلا فائدة في قسامة الحاضر البالغ، وإن كان غيره فلا تثبت، وقد سبق كلام مالك رحمه الله في قسامة النساء في القتل الخطأ.
(1) سنن الترمذي الديات (1422)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 2)، سنن الدارمي الديات (2353).
إلا بواسطة ثبوت القتل، وهو لا يتبعض أيضا.
وقال القاضي: إن كان القتل عمدا، لم يقسم الكبير حتى يبلغ الصغير، ولا الحاضر حتى يقدم الغائب؛ لأن حلف الكبير الحاضر لا يفيد شيئا في الحال، وإن كان موجبا للمال، كالخطأ وعمد الخطأ، فللحاضر المكلف أن يحلف، ويستحق قسطه من الدية. وهذا قول أبي بكر، وابن حامد، ومذهب الشافعي.
واختلفوا في: كم يقسم الحاضر؟
فقال ابن حامد: يقسم بقسطه من الأيمان، فإن كان الأولياء اثنين أقسم الحاضر خمسا وعشرين يمينا، وإن كانوا ثلاثة أقسم سبع عشرة يمينا.
وإن كانوا أربعة أقسم ثلاث عشرة يمينا، وكلما قدم غائب أقسم بقدر ما عليه، واستوفى حقه؛ لأنه لو كان الجميع حاضرين، لم يلزمه أكثر من قسطه، فكذلك إذا غاب بعضهم كما في سائر الحقوق.
ولأنه لا يستحق أكثر من قسطه من الدية، فلا يلزمه أكثر من قسطه من الأيمان. وقال أبو بكر: يحلف الأول خمسين يمينا. وهذا قول الشافعي.
لأن الحكم لا يثبت إلا بالبينة الكاملة، والبينة هي الأيمان كلها، ولذلك لو ادعى أحدهما دينا لأبيهما، لم يستحق نصيبه منه إلا بالبينة المثبتة لجميعه.
ولأن الخمسين في القسامة كاليمين الواحدة في سائر الحقوق. ولو ادعى مالا له فيه شركة له به شاهد لحلف يمينا كاملة، كذلك هذا.
فإذا قدم الثاني: أقسم خمسا وعشرين يمينا، وجها واحدا عند أبي بكر؛ لأنه يبني على أيمان أخيه المتقدمة.
وقال الشافعي: فيه قول آخر، أنه يقسم خمسين يمينا أيضا، لأن أخاه إنما استحق بخمسين، فكذلك هو. فإذا قدم ثالث، أو بلغ، فعلى قول أبي بكر، يقسم سبع عشرة يمينا؛ لأنه يبني على أيمان أخويه، وعلى قول الشافعي، فيه قولان: أحدهما: أنه يقسم سبع عشرة يمينا. والثاني: خمسين يمينا وإن قدم رابع، كان على هذا المثال.
قال ابن قدامة. "فصل": فإن كان فيهم من لا قسامة عليه بحال، وهو النساء، سقط حكمه، فإذا كان ابن وبنت، حلف الابن الخمسين كلها. وإن كان أخ وأخت لأم وأخ وأخت لأب، قسمت الأيمان بين الأخوين، على أحد عشر، على الأخ من الأم ثلاثة، وعلى الآخر ثمانية، ثم يجبر الكسر عليهما، فيحلف الأخ من الأب سبعة وثلاثين يمينا، والأخ من الأم أربع عشرة يمينا.
* * *