الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ليس يروي عن رجال الأول
…
نقبله قلت: الشيخ لم يفصل (1)
وقال في الحسن:
ألا ترى المرسل حيث أسندا
…
أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا (2)
قال السخاوي: " وصار حجة "(3)، وهذا هو قول العراقي والسيوطي، إلا أنه قال: وكان دون الحسن لذاته (4)، وزكريا الأنصاري وغيرهم إلا أن الملاحظ أن ابن الصلاح لم يفرق بين كبار التابعين وصغارهم كما نص عليه الشافعي ونبه عليه العراقي.
والذي ذهبت إليه من تقسيم المرسل بالعاضد إلى صحيح وحسن: هو ما أشار إليه الشافعي في الرسالة فقال في الأول: إذا كان العاضد مسندا صحيحا اعتبر عليه بأمور، منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه. وقال في العاضد: إذا لم يكن مسندا. . . وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت، أحببنا أن نقبل مرسله، ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل، اهـ. كما مر ومعنى قول أحببنا: اخترنا، كما قال البيهقي (5)، ومعنى هذا إذا عارضه حديث متصل صحيح قدم عليه، لأنا لا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل، فهو دونه، أما الأول فكما ذكرنا وأما إذا لم يوجد إلا المرسل فقد نقل الماوردي عن الشافعي أنه يأخذ به (6) وقال السبكي:" إذا دل على محظور ولم يوجد سواه فالأظهر وجوب الانكفاف - يعني احتياطا "(7)، والله أعلم.
* * *
(1) التبصرة 1: 149.
(2)
التبصرة 1: 90.
(3)
فتح المغيث 1: 71.
(4)
تدريب الراوي 1: 177.
(5)
التبصرة 1: 151.
(6)
فتح المغيث 1: 80 و142 و268. .
(7)
فتح المغيث 1: 143.
5 -
مرسل صغار التابعين
إن الشافعي - رحمه الله تعالى - رد مرسل صغار التابعين المرة، ولم يقبله مع أنه أطلق عليه اسم المرسل، فقال في الرسالة: فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أعلم واحدا يقبل مرسله لأمور، أحدها: أنهم أشد تجوزا
ممن يروون عنه، والآخر: أنهم توجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه، والآخر: كثرة الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه. وقد خبرت بعض من خبرت من أهل العلم فرأيتهم أتوا من خصلة وضدها، رأيت الرجل يقنع بيسير العلم ويريد ألا أن يكون مستفيدا إلا من جهة، قد يتركه من مثلها أو أرجح، فيكون من أهل التقصير في العلم، ورأيت من عاب هذه السبيل ورغب في التوسع في العلم من دعاه ذلك إلى القبول عمن لو أمسك عن القبول عنه كان خيرا له، ورأيت الغفلة قد تدخل على أكثرهم فيقبل عمن يرد مثله وخيرا منه، ويدخل عليه فيقبل عمن يعرف ضعفه إذا وافق قولا يقوله، ويرد حديث الثقة إذا خالف قولا يقوله، ويدخل على بعضهم من جهات، ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة فيها. قال: فلم فرقت بين التابعين المتقدمين الذين شاهدوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين من شاهد بعضهم دون بعض؟ فقلت: لبعد إحالة من لم يشاهد أكثرهم، قال: فلم لا تقبل المرسل منهم ومن كل فقيه دونهم؟ قلت: لما وصفت، قال: وهل تجد حديثا تبلغ به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد من أهل الفقه به؟ قلت: نعم، أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر «أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي مالا وعيالا، وإن لأبي مالا وعيالا، وإنه يريد أن يأخذ مالي فيطعمه عياله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك (1)».
قال محمد بن المنكدر: عندكم غاية في الثقة، قلت: أجل والفضل في الدين والورع، ولكنا لا ندري عمن قبل هذا الحديث، وقد وصفت لك الشاهدين يشهدان على الرجل فلا تقبل شهادتهما حتى يعدلاهما أو يعدلهما غيرهما، قال: فتذكر من حديثكم مثل هذا؟ قلت: نعم، أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة (2)» ، فلم نقبل هذا لأنه مرسل. ثم أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وابن شهاب عندنا إمام في الحديث والتخيير وثقة الرجال، إنما يسمي بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم خيار التابعين، ولا نعلم محدثا يسمي أفضل ولا أشهد ممن يحدث عنه ابن شهاب، قال: فأنى تراه أتى في قبوله عن سليمان بن أرقم، رآه رجلا من أهل المروءة والعقل فقبل عنه وأحسن الظن به فسكت عن اسمه إما لأنه أصغر منه، وإما لغير ذلك، وسأله معمر عن حديثه فأسنده له، فلما أمكن في ابن شهاب أن يكون يروي عن سليمان مع - ما وصفت به ابن شهاب - لم يؤمن مثل هذا على غيره. . . (3) اهـ. فقد ذكر الشافعي رحمه الله سبب رده لمرسل صغار التابعين، كونهم أشد تجوزا ممن يروون عنهم، وضعف مخرج ما أرسلوه، وكثرة الإحالة، وهذه الخصال الثلاثة أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه، كما أنه قرر أن بعض من توسع في العلم يروي عن أناس لو أمسك عن الأخذ عنهم كان خيرا له. ثم يقرر شناعة مرسل
(1) أخرجه ابن ماجه عن جابر وهو ضعيف والطبراني في الكبير عن سمرة وابن مسعود، وأخرج أحمد شاهديه له بسندين صحيحين وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو والشافعي في الرسالة مرسلا.
(2)
أخرجه الدارقطني. وانظر نصب الراية 1: 47 - 53 فقد ذكر روايات هذا الحديث المرسل ومن خرجها.
(3)
الرسالة ص465 - 470.