الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما خلق السماوات والأرض والإنسان والملائكة إلا مظهر لصفة الجبروت والسلطان لله والقدرة والرحمة من الله، ولكي يعبده العابدون، ويثاب المحسنون ويعاقب المسيئون، وكيف تتوهم يا صاحبي أن الملائكة يعاونون الله، وقد خلق الله هذا الملكوت قبل أن يخلقهم، إنهم خلقوا لعبادة الله وطاعته، فهم كما قال الله:{لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (1)، وشأنهم في ذلك شأن الجن والإنس في قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2){مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} (3){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (4)، وإن من عبادة الملائكة لله تنفيذهم لما كلفهم به في ملكه، وإن ما يسند إلى الملائكة من أعمال كونية، ليس لحاجة الله إلى مساعدتهم ومعونتهم، بل لأن ذلك من جمال التنظيم الذي أجرى ملكه على نسقه ويجري على هذا النسق إقامة الملوك والرؤساء ليحكموا رعاياهم ويعمروا ممالكهم، وإلهام جماعات الحيوانات المختلفة أن تختار من بينها رئيسا لتنظيم شئونها، كما هو واضح في جماعات الطيور الراحلة من قطر إلى قطر، وفي جماعات النحل والنمل وغير ذلك، وصدق الله إذ يقول:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (5).
فالكون يا صاحبي مسلسل الطبقات، ولكل حي فيه وظيفة، سواء كانت وظيفة عليا أم دنيا، وبذلك تم النظام في الكون على أسلوب الجمال والجلال والتنسيق، وحتى بدا في أبدع نظام وأحكم إتقان.
* * *
(1) سورة التحريم الآية 6
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة الذاريات الآية 57
(4)
سورة الذاريات الآية 58
(5)
سورة الأنعام الآية 38
الأدلة العقلية على استحالة الشريك
قال المفكر لضميره الذي يلهمه: إنك تكلمت على عدم احتياج الخالق إلى عمال يساعدونه، وذكرت أن الملائكة لا يعملون في ملك الله معاونة له، بل امتثالا لأمره واكتسابا لمرضاته ومظهرا من مظاهر الجمال والنظام في ملكوته، بدليل أنه خلق الكون قبل أن يخلقهم، ولكنك لم تذكر الدليل العقلي على أنه ليس له شركاء يشتركون معه في الخلق والتدبير والألوهية. قال ضميره: أيها
السائل المستفيد: إن الخالق سبحانه كما لم يحتج إلى عمال يساعدونه، فهو بغير حاجة إلى شريك أو شركاء يخلقون معه الكون ويدبرونه، لأن قدرته ومشيئته، وعلمه وحكمته، لا يخرج عن دائرتها أي ممكن من الممكنات، ومن كان كذلك فهو بغير حاجة إلى شريك في هذا الملكوت، فلا يصح فرض وجوده حتى لا يكون إلها وخالقا عاطلا ليس له عمل، لعدم الحاجة إليه، فضلا عن أنه لو كان له شريك لفسد الكون، كما قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1). ولتوضيح ذلك نقول: لا يخلو أمر هؤلاء الآلهة من أن يكونوا مؤتلفين أو مختلفين، فإن فرض أنهم مؤتلفون، وأن لكل واحد منهم قدرة وعلما وتدبيرا ومشيئة تماثل الآخرين - كما يقول بعض أهل الكتاب - وأن كل واحد منهم قادر على خلق الكون وتدبيره وحده، فأي حاجة إلى تعددهم مع كفاية واحد منهم لذلك، إن العقل يجزم بأن تعددهم حينئذ عبث، والعبث على الإله الخالق محال، فوجب أن يكون الإله واحدا.
* وإن فرض أن كل واحد منهم قادر على خلق بعض هذا الكون، ولكنه عاجز عن خلق باقي أجزائه، فلهذا تعددوا ليتعاونوا على خلقه كله، ومثل ذلك كمثل مهندسين يقومون بإنشاء مصنع، أحدهم يقوم بالبناء ما يتصل به، وثانيهم يقوم بإنشاء آلاته وتركيبها، وثالثهم يقوم بعمل الكهرباء، وبهذا يتم بناء المصنع، ويؤدي ما أنشئ من أجله.
* والجواب على هذا أن إبداع الكون ليس كإنشاء المصنع، حتى يقاس عليه، فالبناء في المصنع قائم بذاته، وآلاته قائمة بذاتها، وكذلك الكهرباء، ولذا يمكن أن يقام المصنع في أرض دون بناء حوله، وكل من البناء والكهرباء يستعمل في غير المصنع، أما الكون فمرتبط بعضه ببعض، لا يستغني جزء فيه عن غيره، ولذا تجد العناصر فيه واحدة في أرضه وسمائه، ونجد بعضها مرتبطا ببعض بقانون التناسب، فما لم يعلم الخالق ما في كل جزء من الكون من مناسبة للجزء الآخر في الخصائص، ويقدر على خلق جميع أجزائه، وربط بعضها ببعض على وجه يؤدي إلى ما نراه فيه من نظام وإحكام، فإنه لا يستطيع باشتراكه مع غيره التوصل إلى خلقه، لأنه لا يعرف ما يناسبه، ومن أجل ذلك لا يقدر على ربط ما يصنعه بغيره، فلهذا يستحيل أن يخلق هذا الملكوت العظيم آلهة عاجزون على هذا النمط المفروض.
* أما إن فرض اختلاف هؤلاء المتعددين، فإن ذلك يؤدي إلى تعارضهم، فهذا يريد أن يخلق هذا الكوكب - مثلا - وذاك لا يريد، وهذا يريد أن يخلق إنسانا وذاك لا يريد، فهل تعتقد أنه من الممكن تحقيق هذا التعارض؟ بأن يخلق الكوكب ولا يخلق، ويخلق الإنسان ولا يخلق، هل تعتقد أنه يمكن اجتماع النقيضين؟ فإن قلت: كلا، قلت: إذن يستحيل وجود عديد من الآلهة مختلفين، ألا ترى أنه يترتب على اختلافهم تنازعهم في الألوهية، ومحاربة كل منهم للآخر، ومحاولة إفساد ما صنع، وهل هذا
(1) سورة الأنبياء الآية 22
يتفق مع ما نراه من هذا النظام البديع المحكم، كلا، إنه ناطق بأن الذي أوجده إله واحد، متصف بجميع الكمالات، منزه عن شوائب النقص، وصدق الله إذ يقول:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1)
* يا صاحبي، إن الذي منع الناس من الاستضاءة بأنوار المعرفة عبادتهم لشهواتهم، وانصرافهم عن التبصر فيما حولهم من ملك الله، ولو تأملوا في خلق أنفسهم لاهتدوا إلى سواء السبيل، قال تعالى:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (2) وقال: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (3){مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} (4){مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} (5){ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} (6){ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} (7). ويقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (8){ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} (9){ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (10).
* * *
(1) سورة الأنبياء الآية 22
(2)
سورة الذاريات الآية 21
(3)
سورة عبس الآية 17
(4)
سورة عبس الآية 18
(5)
سورة عبس الآية 19
(6)
سورة عبس الآية 20
(7)
سورة عبس الآية 21
(8)
سورة المؤمنون الآية 12
(9)
سورة المؤمنون الآية 13
(10)
سورة المؤمنون الآية 14
التوحيد أمر فطري
لو ترك الإنسان لفطرته ولم يؤثر عليه أهل السوء، لانصرف إلى الإيمان بالله وبصفات الكمال الواجبة له، فهذا أعرابي كان يسوق ناقة في ليل داج، والسماء صافية الأديم والفجاج أمامه فسيحة، فإذا فكره الفطري يتنقل بين عظمة السماء والأرض وآياتهما، ثم يقول بفطرته: البعرة تدل على البعير، وآثار السير على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على إله عليم، قادر حكيم.
وهذا زيد بن عمرو بن نفيل نظر في هذا الكون العظيم، فاهتدى إلى خالقه، ورفض ما عليه قومه من الوثنية، وجعل يقول:
تركت اللات والعزى جميعا
…
كذلك يفعل الرجل الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها
…
ولا صنمي بني غنم أزور
ولا هبلا أزور وكان ربا
…
لنا في الدهر إذ حلمي صغير
ويقصد زيد بن عمرو بابنتي العزى صنمي اللات ومناة، وكان هبل أعظم أصنام مشركي مكة، وكان على صورة إنسان، أدركته قريش ويده مكسورة، فجعلوا له يدا من ذهب، كما جاء في كتاب الأصنام للكلبي.
وبعد. . . فهذه عجالة يسيرة في التعريف بالخالق جل وعلا، كتبتها لأولي الألباب بأسلوب سهل ميسر، خال عما جرى عليه القدامى من العبارات الفنية المعقدة، ومشتمل على حوار خفيف يمنع الملل ويستدعي مواصلة القراءة، رجوت به أن يزداد المؤمن إيمانا، وينقشع الريب عمن أصابته ظلمة، والله الهادي إلى سواء السبيل.
من ملفات الإفتاء
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
إضافة اللقيط لمن تبناه إضافة نسب
فتوى رقم 122 وتاريخ 8/ 5 / 1392 هـ
ورد إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد السؤال التالي:
رجل يسأل فيقول: نعرض لكم أن أحد أقاربنا قد تبنى له طفلا ذكرا لقيطا، ورباه وعلمه وأحسن إليه، وبطريق الاجتهاد والعطف أسماه " يوسف " ثم توفي المتبني في الزبير، وليس له أولاد يرثونه، والولد بلغ الرشد والتحق بمعهد الظهران الفني، وقد تشاور الأقارب في تعديل اسم اللقيط، فمنهم من يرى تعديل اسمه، ومنهم من لم ير ذلك اهتماما، وخشية من وقوع اختلاط في النسب وخطأ في المواريث، أرجو إفتائي بحكم الشرع في ذلك لنسير على ضوء الفتوى.
* * *
وقد أجابت عليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالجواب التالي:
لا يجوز شرعا إضافة اللقيط إلى من تبناه إضافة نسب يسمى فيها الولد اللقيط باسم من تبناه وينسب إليه اللقيط نسبة الولد إلى أبيه وإلى قبيلته كما جاء في الاستفتاء؛ لما في ذلك من الكذب والزور واختلاط الأنساب والخطورة على الأعراض وتغيير مجرى المواريث بحرمان مستحق وإعطاء غير مستحق، وإحلال الحرام وتحريم الحلال في الخلوة والنكاح، وما إلى هذا من انتهاك الحرمات وتجاوز حدود الشريعة، لذلك حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه، ولعن النبي صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه أو غير مواليه، قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (1){ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (2).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: 32 «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام (3)» . رواه أحمد والبخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة (4)» 32، فاجتهاد المستفتي في التسمية المذكورة خطأ لا يجوز الاستمرار عليه، ويجب العمل على التغيير والتعديل؛ للنصوص الواردة في تحريم هذه التسمية وللحكم التي تقدم بيانها، وأما العطف على اللقيط وتربيته والإحسان إليه فمن المعروف الذي رغبت فيه الشريعة الإسلامية. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
* * *
(1) سورة الأحزاب الآية 4
(2)
سورة الأحزاب الآية 5
(3)
صحيح البخاري المغازي (4327)، صحيح مسلم الإيمان (63)، سنن أبو داود الأدب (5113)، سنن ابن ماجه الحدود (2610)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 180)، سنن الدارمي السير (2530).
(4)
صحيح مسلم الحج (1370)، سنن الترمذي الولاء والهبة (2127).