المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل ترد الأيمان إذا نقص العدد أم لا - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة

- ‌ حكم الدعوة إلى الله عز وجل وبيان فضلها

- ‌فضل الدعوة

- ‌كيفية الدعوة

- ‌ المقصود من الدعوة والهدف منها

- ‌وعد بطائفة ناجية

- ‌حكمتشريح جثة المسلم

- ‌بيان حرمة المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتاوعصمة دمه ووجوب حقنه حيا

- ‌بيان أقسام التشريح والضرورة الداعية إلى كل منهاوما يترتب على ذلك من مصالح

- ‌ذكر نقول عن علماء الإسلام فيها استثناء حالاتدعت الضرورة فيها إلى إباحة دم المسلم

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: ضرب أو رمي من تترس به الكفار من أسارى المسلمين

- ‌المسألة الثانية: شق بطن امرأة ماتت وفي بطنها ولد علم أنه حي

- ‌المسألة الثالثة: أكل المضطر لحم آدمي إذا لم يجد شيئا غيره

- ‌المسألة الرابعة: إلقاء أحد ركاب سفينة خشي عليها العطبفيلقى أحدهم في البحر بقرعة لينجو الباقون

- ‌المسألة الخامسة: تبييت المشركين أو رميهم بالمنجنيق ونحوه مما يعم الهلاك به وفيهم النساء والأطفال

- ‌ فتوى في جواز نقل عيون الموتى لترقيع قرنية الأحياء

- ‌ أخذ جزء من جسد الإنسان وتركيبه في إنسان آخر مضطر إليه

- ‌القسامة عند الفقهاء

- ‌ بيان مستند من عمل بالقسامة ومستند من لم يعمل ومناقشة كل منهما

- ‌مستند القائلين بعدم العمل بالقسامة مع المناقشة

- ‌القائلون بعدم العمل بالقسامة

- ‌مستند القائلين بالعمل بالقسامة مع المناقشة

- ‌ ضابط اللوث وبيان صوره واختلاف العلماء فيهاومنشأ ذلك مع المناقشة

- ‌ ضابط اللوث في اللغة وعند الفقهاء

- ‌بيان صوره مفصلة واختلاف العلماء فيها مع المناقشة

- ‌الصورة الأولى: التدمية

- ‌الصورة الثانية: شهادة بينة غير قاطعة على معاينة القتل

- ‌الصورة الثالثة: شهادة عدلين بجرح وعدل بالقتل

- ‌الصورة الرابعة: وجود المتهم بقرب القتيل أو آتيا من جهته ومعه آلة القتل أو عليه أثره

- ‌الصورة الخامسة: قتيل الصفين

- ‌الصورة السادسة: قتيل الزحام

- ‌الصورة السابعة: وجود قتيل في محلة

- ‌تحرير محل النزاع في اللوث مع بيان منشأ الخلاف

- ‌ هل يتعين أن يكون المدعى عليه في القسامة واحدا أو يجوز أن يكون أكثر لو منبهما

- ‌ ذكر خلاف العلماء فيمن توجه إليه أيمان القسامة أولا من مدع ومدعى عليه

- ‌إذا كان في المدعين والمدعى عليهم نساء وصبيان فهل عليهم قسامة

- ‌هل ترد الأيمان إذا نقص العدد أم لا

- ‌ خلاف العلماء في الحكم على الناكل بمجرد النكول

- ‌ نكول المدعيين عن الأيمان أو نكول بعضهم

- ‌نكول المدعى عليهم

- ‌ ذكر خلاف العلماء فيما يثبت بالقسامة من قود أو دية

- ‌ خلاف العلماء فيمن يقتل بالقسامة إذا كان المدعى عليه أكثر من واحد

- ‌هدي التمتع والقران

- ‌أولا: ابتداء وقت الذبح

- ‌ثانيا انتهاء وقت ذبح الهدي

- ‌ثالثا: ذبح الهدي ليلا

- ‌رابعا: مكان ذبح الهدي

- ‌خامسا: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق

- ‌مصادر ومراجع هذا البحث

- ‌القراررقم 43 وتاريخ 13/ 4 / 1396ه

- ‌وجهة نظرلصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع

- ‌الفصل الأولمعنى التسعير وحكمه

- ‌المبحث الأولتعريف التسعير

- ‌المبحث الثانيحكم التسعير

- ‌المبحث الثالثرأي شيخ الإسلام ابن تيميةفي حكم التسعير

- ‌الفصل الثانيتسعير أجور الأشخاص والعقارات

- ‌المبحث الأولتسعير أجور الأشخاص

- ‌تحديد أجور العمال

- ‌ نظرية حد الكفاف أو الأجر الحدي

- ‌ نظرية إنتاجية العمل

- ‌ نظرية المساومة

- ‌بيان حكم ذلك في الشريعة الإسلامية

- ‌طريقة تحديد الأجور في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الثانيتسعير أجور العقارات

- ‌طريقة تحديد الإيجارات

- ‌الفصل الثالثإلزام ولي الأمر بسعر السوق وعدم النقص عنه

- ‌الفصل الرابعتنظيم التسعير

- ‌المبحث الأولالحالات التي يجب فيها التسعير

- ‌ حاجة الناس إلى السلعة

- ‌ حالة الاحتكار

- ‌ حالة الحصر

- ‌ حالة التواطؤ

- ‌المبحث الثانيالاستعانة بأهل الخبرة في التسعير

- ‌المبحث الثالثمراقبة الأسعار

- ‌الفصل الخامسعقوبة مخالفة التسعير

- ‌عقوبة مخالفة التسعير في المملكة العربية السعودية

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع هذا البحث

- ‌الفهرس

- ‌الإسراء وفلسطينودولة اليهود

- ‌المرسل عند الإمام الشافعي

- ‌ المرسل قبل الشافعي

- ‌ مرسل الصحابي

- ‌ مرسل كبار التابعين

- ‌ حجية المرسل بعد الاعتضاد

- ‌ مرسل صغار التابعين

- ‌ مرسل سعيد بن المسيب

- ‌إيجاد جذر المعادلة بطريقة التوسطلابن الهيثم

- ‌طريقة التوسط

- ‌الواحد الصمد

- ‌البيان

- ‌وحدانية الخالق جل وعلا

- ‌الأدلة العقلية على استحالة الشريك

- ‌نكاح الشغار

- ‌في المواريث

- ‌من آثار عملية نقل الدم

- ‌في زكاة أموال جمعت للتجارة

- ‌في الزكاة

- ‌في الرضاعة

- ‌في إفطار رمضان والقضاء والكفارة

- ‌في الرضاعة

- ‌حكم الإحدادعلى الملوك والزعماءفي نظر الشريعة الإسلامية

- ‌من أخبار الرئاسةللأمانة العامة لهيئة كبار العلماء

- ‌تنبيه وتصحيح

الفصل: ‌هل ترد الأيمان إذا نقص العدد أم لا

‌هل ترد الأيمان إذا نقص العدد أم لا

؟

الأيمان قد تكون من المدعين، وقد تكون من المدعى عليهم، وفي كلتا الحالتين قد يكون العدد الذي اتجهت إليه الأيمان كافيا فيكون خمسين رجلا، وقد ينقص العدد، وعلى هذا الأساس فالرد يكون في جانب المدعين كما يكون في جانب المدعى عليهم، وفيما يلي بعض من أقوال أهل العلم في ذلك.

أ - الرد في جانب المدعين

1 -

قال الباجي: "مسألة": ولا يحمل بعض الورثة عن بعض شيئا من الأيمان في الخطأ كما يتحملها بعض العصبة عن بعض في العمد، إلا في جبر بعض اليمين، فإنها تجبر على أكثرهم حظا منها على ما تقدم، قاله ابن القاسم، قال ابن المواز: لأنه مال ولا يتحمل أحد فيه اليمين عن غيره كالديون (1).

2 -

وقال مالك: لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا، فترد الأيمان عليهما حتى يحلفا خمسين يمينا، ثم قد استحقا الدم وذلك الأمر عندنا (2).

قال الباجي: قوله لا يقسم في قتل العمد من المدعين إلا اثنان فصاعدا يريد أنه إن لم يوجد من يستحق أن يحلف من الأولياء إلا واحد فإن الأيمان لا تثبت في جنبتي القتيل، ولكن ترد على القاتل فيحلف وحده بأن لم يوجد من يحلف معه، والفرق بينه وبينه أن جنبة القتيل لا يحلف لإثبات الدم إلا اثنان، وفي جنبة القاتل يحلف لنفي الدم واحد، لأن جنبة القتيل إذا تعذرت القسامة فيها لم يبطل الحق؛ لأن رد الأيمان على جنبة القاتل فيه استيفاء حقهم، وجنبة القاتل لو لم تقبل أيمانه وحده مع كثرة وجود ذلك لم يكن لما فاته من الحق بدل يرجع إليه؛ لأن الأيمان ترد إلى جنبة القتيل بانتقالها إلى جنبة القاتل، والله أعلم (3).

3 -

وأما رد الأيمان في المدعين إذا كانوا أقل من خمسين عند الشافعي فقد مضى في الكلام على من يحلف من الورثة.

(1) المنتقى على الموطأ ج7 ص63.

(2)

الموطأ وعليه المنتقى ج7 ص62.

(3)

المنتقى ج7 ص62.

ص: 149

4 -

قال ابن مفلح: فانفرد واحد منهم -أي من المدعين الذين توجهت إليهم اليمين- حلفها، نص عليه. ونقل عنه الميموني أنه قال: لا أجترئ عليه، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«يحلف خمسون منكم على رجل منهم (1)» قلت: فبم يأخذ من قال بذلك؟، قال: بحديث معاوية، فإنه قصرها على ثلاثة، وكذا ابن الزبير، وفي مختصر ابن رزين: يحلف الولي يمينا وعنه خمسين، انتهى المقصود (2).

وقد مضى أيضا الكلام على رد الأيمان في أثناء الكلام على من يحلف من الورثة.

ترديد الأيمان على المدعى عليهم

1 -

قال شمس الدين السرخسي: (فإن لم يكمل العدد خمسون رجلا كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا خمسين يمينا لما روي أن الذين جاءوا إلى عمر رضي الله عنه من أهل وادعة كانوا تسعة وأربعين رجلا منهم فحلفهم، ثم اختار منهم واحدا فكرر عليه اليمين؛ وهذا لأن عدد اليمين في القسامة منصوص عليه، ولا يجوز الإخلال بالعدد المنصوص عليه)(3).

وقال: (وإن لم يكمل أهل المحلة كررت الأيمان عليهم حتى تتم خمسين).

لما روي: أن عمر عليه السلام لما قضى في القسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين، ثم قضى بالدية. وعن شريح، والنخعي رضي الله عنهما مثل ذلك، ولأن الخمسين واجب بالسنة فيجب إتمامها ما أمكن، ولا يطلب فيه الوقوف على الفائدة لثبوتها بالسنة، ثم فيه استعظام أمر الدم، فإن كان العدد كاملا فأراد الولي أن يكرر على أحدهم فليس له ذلك؛ لأن المصير إلى التكرار ضرورة الإكمال) (4) اهـ.

قال الزيلعي (قوله: روي عن عمر لما قضى بالقسامة وافى إليه تسعة وأربعون رجلا، فكرر اليمين على رجل منهم، حتى يتم خمسين، ثم قضى بالدية. وعن شريح، والنخعي مثل ذلك)؛ قلت: أما حديث عمر: فرواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بنقص، فقال: حدثنا وكيع، ثنا سفيان، عن عبد الله بن يزيد الهذلي، عن أبي مليح أن عمر بن الخطاب رد عليهم الأيمان، حتى وفوا انتهى.

ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " بتغيير، فقال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله عن أبي الزناد، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب استحلف امرأة خمسين يمينا على مولى لها أصيب، ثم جعل عليها الدية (5) ثم قال الزيلعي: حديث مرفوع في الباب، رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر أن في كتاب عمر

(1) صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن النسائي القسامة (4713)، سنن أبو داود الديات (4520)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 3).

(2)

الفروع ج3 ص455.

(3)

الفروع ج3 ص455.

(4)

نصب الراية ج4 ص395 - 396 والحديث عند عبد الرزاق في باب قسامة النساء ج10 من المصنف ص49.

(5)

نصب الراية ج4 ص395 - 396 والحديث عند عبد الرزاق في باب قسامة النساء ج10 من المصنف ص49.

ص: 150

ابن عبد العزيز أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى في القسامة أن يحلف الأولياء، فإن لم يكن عدد يبلغ الخمسين، ردت الأيمان عليهم، بالغا ما بلغوا» . اهـ.

أثر عن أبي بكر رواه الواقدي في " كتاب الردة " حدثني الضحاك بن عثمان الأسدي عن المقبري، عن نوفل بن مساحق العامري، عن المهاجر بن أبي أمية، قال: كتب إلي أبو بكر: أن افحص لي عن داودي، وكيف كان أمر قتله، إلى أن قال: فكتب أبو بكر إلى المهاجر: أن ابعث إلي بقيس بن مكشوح في وثاق، فبعث به إليه في وثاق، فلما دخل عليه جعل قيس يتبرأ من قتل داودي، ويحلف بالله ما قتله، فأحلفه أبو بكر خمسين يمينا عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم مردودة عليه، بالله ما قتله، ولا يعلم له قاتلا، ثم عفا عنه أبو بكر، مختصر. . . وهو بتمامه في قصة الأسود العنسي (1).

ثم قال الزيلعي (قوله: وعن شريح، والنخعي مثل ذلك)؛ قلت: حديث شريح رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث، عن ابن سيرين، بلغ عن شريح، قال: جاءت قسامة، فلم يوفوا خمسين، فردد عليهم القسامة حتى أوفوا. انتهى.

حدثنا وكيع، ثنا سفيان عن هشام، عن ابن سيرين، عن شريح، قال: إذا كانوا أقل من خمسين رددت عليهم الأيمان. انتهى.

وحديث النخعي رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا لم تبلغ القسامة، كرروا حتى يحلفوا خمسين يمينا. انتهى.

ورواه ابن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الشيباني، عن حماد، عن إبراهيم، نحوه سواء. انتهى.

2 -

قال الباجي: "فصل": وقوله: "فإن لم يبلغوا -أي المدعى عليهم- خمسين رجلا ردت عليهم الأيمان، يحتمل أن يريد به إن لم يكن من يجوز أن يحلف من أولياء القاتل من يبلغ خمسين رجلا، يريد وكان من وجد منهم اثنان فزائد ردت الأيمان على من وجد منهم حتى يستوفوا خمسين يمينا، قال ابن الماجشون في الواضحة: لهم أن يستعينوا بولاتهم وعصبتهم وعشيرتهم كما كان ذلك لولاة المقتول، وقاله المغيرة، وأصبغ، وقال مطرف عن مالك: لا يجوز للمدعى عليهم واحدا كانوا أو جماعة أن يستعينوا بمن يحلف معهم كما يفعل ولاة المقتول؛ لأنهم إنما يبرئون أنفسهم. وقد تقدم ذكره، ويحتمل أن يريد به: فإن لم يبلغ الذين تطوعوا بالأيمان معه خمسين رجلا؛ لأن غيره ممن كان يصح أن يحلف معه أبوا من ذلك فإن الخمسين يمينا ترد على من تطوع بذلك.

قال الباجي: " فصل ": وقوله: فإن لم يجد المدعى عليه القتل من يحلف معه حلف وحده خمسين يمينا، وبرئ، والفرق بين الأيمان والحالفين أن الأيمان لا ضرورة تدعو إلى التبعيض فيها عن العدد المشروع، وقد يعدم في الأغلب عدد الحالفين (2).

(1) نصب الراية ج4 ص396.

(2)

المنتقى ج7 ص 60 - 61.

ص: 151

3 -

قال المزني وقال الشافعي: إن وجد قتيل في محلة قوم لا يخالطهم غيرهم، أو في صحراء، أو مسجد، أو سوق فلا قسامة، وإن ادعى وليه على أهل المحلة لم يحلف إلا من أثبتوه بعينه، وإن كانوا ألفا فيحلفون يمينا يمينا؛ لأنهم يزيدون على خمسين، فإن لم يبق منهم إلا واحد حلف خمسين يمينا وبرئ، فإن نكلوا حلف ولاة الدم خمسين يمينا واستحقوا الدية في أموالهم إن كان عمدا، وعلى عواقلهم في ثلاث سنين إن كان خطأ (1).

قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى -: "فصل" إذا ردت الأيمان على المدعى عليهم وكان عمدا لم تجز على أكثر من واحد فيحلف خمسين يمينا.

وإن كان عن غير عمد كالخطأ وشبه العمد فظاهر كلام الخرقي أنه لا قسامة في هذا؛ لأن القسامة من شرطها اللوث والعداوة إنما أثرها في تعمد القتل لا في خطئه، فإن احتمال الخطأ في العمد وغيره سواء.

وقال غيره من أصحابنا: فيه قسامة وهو قول الشافعي؛ لأن اللوث لا يختص العداوة عندهم، فعلى هذا تجوز الدعوى على الجماعة، فإذا ادعى على جماعة لزم كل واحد منهم خمسون يمينا.

وقال بعض أصحابنا تقسم الأيمان بينهم بالحصص كقسمها بين المدعين، إلا أنها ها هنا تقسم بالسوية؛ لأن المدعى عليهم متساوون فيها فهم كبني الميت.

وللشافعي قولان كالوجهين.

والحجة لهذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم «تبرئكم يهود بخمسين يمينا (2)» وفي لفظ قال: «فيحلفون لكم خمسين يمينا ويبرءون من دمه (3)» .

ولأنهم أحد المتداعين في القسامة فتسقط الأيمان على عددهم كالمدعين، وقال مالك: يحلف من المدعى عليهم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن لم يبلغوا خمسين رجلا رددت على من حلف منهم حتى تكمل خمسين يمينا، فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي ادعى عليه حلف وحده خمسين يمينا.

لقوله صلى الله عليه وسلم «فتبرئكم يهود بخمسين يمينا (4)»

ولنا أن هذه أيمان يبرئ بها كل واحد نفسه من القتل، فكان على كل واحد خمسون، كما لو ادعى على كل واحد وحده قتيل.

ولأنه يبرئ المدعى عليه حال الاشتراك إلا ما يبرئه حال الانفراد.

ولأن كل واحد منهم يحلف على غيره ما حلف عليه صاحبه بخلاف المدعين فإن أيمانهم على شيء واحد،

(1) مختصر المزني بهامش الأم ج5 ص152.

(2)

صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4714).

(3)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 3)، سنن الدارمي الديات (2353).

(4)

صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4712)، موطأ مالك القسامة (1631).

ص: 152

فلا

يلزم من تلفيقها تلفيق ما يختلف مدلوله أو مقصوده (1).

ولابن حزم رحمه الله كلام فيمن يحلف وكم يحلف مع ذكر المذاهب والأدلة ومناقشتها، رأت اللجنة أن تختم هذه الفقرة بذكره.

قال ابن حزم: فيمن يحلف بالقسامة، قال أبو محمد رحمه الله: اتفق القائلون بالقسامة على أنه يحلف فيها الرجال الأحرار البالغون العقلاء من عشيرة المقتول الوارثين له، واختلفوا فيما وراء ذلك في وجوه منها: هل يحلف من لا يرث من العصبة أم لا، وهل يحلف العبد في جملتهم أم لا، وهل تحلف المرأة فيهم أم لا وهل يحلف المولى من فوق أم لا، وهل يحلف المولى الأسفل فيهم أم لا، وهل يحلف الحليف أم لا؟ فوجب لما تنازعوا على ما أوجبه الله تعالى علينا عند التنازع إذ يقول تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (2)، الآية ففعلنا فوجدنا رسول الله عليه السلام قال في حديث القسامة الذي لا يصح عنه غيره كما قد تقصيناه قبل:«تحلفون وتستحقون ويحلف خمسون منكم (3)» فخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بني حارثة عصبة المقتول، وبيقين يدري كل ذي معرفة أن ورثة عبد الله بن سهل رضي الله عنه لم يكونوا خمسين وما كان له وارث إلا أخوه عبد الرحمن وحده، وكان المخاطب بالتحليف ابني عمه محيصة وحويصة وهما غير وارثين له، فصح أن العصبة يحلفون وإن لم يكونوا وارثين، وصح أن من نشط لليمين منهم كان ذلك له، سواء كان بذلك أقرب إلى المقتول أو أبعد منه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطب ابني العم كما خاطب الأخ خطابا مستويا لم يقدم فيه أحدا منهم، وكذلك لم يدخل في التحليف إلا البطن الذي يعرف المقتول بالانتساب إليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخاطب بذلك إلا بني حارثة الذي كان المقتول معروفا بالنسب فيهم، ولم يخاطب بذلك سائر بطون الأنصار كبني عبد الأشهل، وبني ظفر وبني زعورا، وهم إخوة بني حارثة، فلا يجوز أن يدخل فيهم من لم يدخله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو محمد رحمه الله: فإن كان في العصبة عبد صريح النسب فيهم، إلا أن أباه تزوج أمة لقوم فلحقه الرق لذلك، فإنه يحلف معهم إن شاء؛ لأنه منهم، ولم يخص عليه السلام إذ قال:" خمسون منكم " حرا من عبد إذا كان منهم كما كان عمار بن ياسر رضي الله عنه من طينة عنس، ولحقه الرق لبني مخزوم كما كان عامر بن فهيرة أزديا صريحا فلحقه الرق؛ لأن أباه تزوج فهيرة أمة أبي بكر رضي الله عنه وكما كان المقداد بن عمرو بهرانيا قحا، ولحقه الرق من قبل أمه. وبالله.

تعالى التوفيق.

وأما المرأة فقد ذكرنا قبل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أحلف امرأة في القسامة وهي طالبة فحلفت، وقضى لها بالدية على مولى لها. وقال المتأخرون: لا تحلف المرأة أصلا، واحتجوا بأنه إنما يحلف من تلزمه له النصرة، وهذا باطل مؤيد بباطل؛ لأن النصرة واجبة على كل مسلم بما روينا من طريق البخاري

(1) المغني جزء 8 ص 503 - 504.

(2)

سورة النساء الآية 59

(3)

صحيح البخاري الجزية (3173)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن النسائي القسامة (4715)، سنن أبو داود الديات (4521)، سنن ابن ماجه الديات (2677).

ص: 153

نا مسدد، نا معتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه (1)» ". وروينا من طريق مسلم نا أحمد بن عبد الله بن يونس، نا زهير - هو ابن معاوية - نا أشعث - هو ابن أبي الشعثاء - ني معاوية بن سويد بن مقرن، قال: دخلنا على البراء بن عازب فسمعته يقول: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام (2)» . فقد افترض الله تعالى نصر إخواننا. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (3). نعم، ونصر أهل الذمة فرض، قال الله تعالى:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (4). فقد صح أنه ليس أحد أولى بالنصرة من غيره من أهل الإسلام فوجب أن تحلف المرأة إن شاءت، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحلف خمسون منكم (5)» وهذا لفظ يعم النساء والرجال. وإنما ذكرنا حكم عمر لئلا يدعوا لنا الإجماع. فأما الصبيان والمجانين، فغير مخاطبين أصلا بشيء من الدين، قال صلى الله عليه وسلم:«رفع القلم عن ثلاث (6)» . فذكر: الصبي والمجنون، مع أنه إجماع ألا يحلفا في القسامة؛ متيقن لا شك فيه. وأما المولى من فوق، والمولى من أسفل، والحليف، فإن قوما قالوا: قد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «مولى القوم منهم (7)» «ومولى القوم من أنفسهم (8)» . وأثبت الحلف في الجاهلية، قالوا: ونحن نعلم يقينا أنه قد كان لبني حارثة موال من أسفل، وحلفاء، لا شك في ذلك، ولا مرية، فوجب أن يحلفوا معهم.

قال أبو محمد رحمه الله: أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " مولى القوم منهم - ومن أنفسهم " فصحيح، وكذلك كون بني حارثة لهم الحلفاء والموالي من أسفل بلا شك؟ إلا أننا لسنا على يقين من أن بني حارثة إذ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم -:" «تحلفون وتستحقون ويحلف خمسون منكم (9)» حضر ذلك القول في ذلك المجلس حليف لهم، أو مولى لهم، ولو أيقنا أنه حضر هذا الخطاب مولى لهم، أو حليف لهم، لقلنا بأن الحليف والمولى يحلفون معهم، وإذ لا يقين عندنا أنه حضر هذا الخطاب حليف ومولى؟ فلا يجوز أن يحلف في حكم منفرد برسمه إلا من نحن على يقين من لزوم ذلك الحكم له. فإن قيل: قد قال صلى الله عليه وسلم «مولى القوم منهم (10)» يغني عن حضور الموالي هنالك، والحليف أيضا يسمى في لغة العرب " مولى " كما قال عليه السلام للأنصار أول ما لقيهم «أمن موالي يهود» يريد من حلفائهم؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق:

قد قال عليه الصلاة والسلام ما ذكرتم. وقال أيضا «ابن أخت القوم منهم (11)» ، وقد أوردناه قبل بإسناده في " كتاب العاقلة " ولا خلاف في أنه لا يحلف مع أخواله؟ فنحن نقول: إن ابن أخت القوم منهم حق؛ لأنه متولد من امرأة هي منهم بحق الولادة، والحليف والمولى أيضا منهم؛ لأنهما من جملتهم، وليس في هذا القول منه عليه السلام ما يوجب أن يحكم للمولى والحليف بكل حكم وجب للقوم. وقد صح إجماع أهل

(1) صحيح البخاري المظالم والغصب (2444)، سنن الترمذي الفتن (2255)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 99).

(2)

صحيح البخاري النكاح (5175)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2066)، سنن الترمذي الأدب (2809)، سنن النسائي الجنائز (1939)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 284).

(3)

سورة الحجرات الآية 10

(4)

سورة الأنفال الآية 72

(5)

صحيح البخاري المناقب (3845)، سنن النسائي كتاب القسامة (4706).

(6)

سنن النسائي الطلاق (3432)، سنن أبو داود الحدود (4398)، سنن ابن ماجه الطلاق (2041)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 101)، سنن الدارمي الحدود (2296).

(7)

سنن النسائي الزكاة (2612).

(8)

صحيح البخاري الفرائض (6761).

(9)

صحيح البخاري الأحكام (7192)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669)، سنن الترمذي الديات (1422)، سنن أبو داود الديات (4520)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 3)، موطأ مالك القسامة (1630)، سنن الدارمي الديات (2353).

(10)

سنن الدارمي السير (2528).

(11)

صحيح البخاري المناقب (3528)، صحيح مسلم الزكاة (1059)، سنن النسائي الزكاة (2611)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 246)، سنن الدارمي السير (2527).

ص: 154

الحق على أن الخلافة لا يستحقها مولى قريش، ولا حليفهم، ولا ابن أخت القوم، وإن كان منهم. والقسامة في العمد والخطأ سواء -فيما ذكرنا- فيمن يحلف فيها، ولا فرق. انتهى المقصود (1).

وقال أيضا: كم يحلف في القسامة؟ اختلف الناس في هذا.

فقالت طائفة: لا يحلف إلا خمسون، فإن نقص من هذا العدد واحد فأكثر: بطل حكم القسامة، وعاد الأمر إلى التداعي.

وقال آخرون: إن نقص واحد فصاعدا ردت الأيمان عليهم حتى يبلغوا اثنين، فإن كان الأولياء اثنين فقط بطلت القسامة في العمد، وأما في الخطأ فيحلف فيه واحد خمسين، وهو قول روي عن علماء أهل المدينة المتقدمين منهم.

وقال آخرون: يحلف خمسون، فإن نقص من عددهم واحد فصاعدا ردت الأيمان عليهم، حتى يرجعوا إلى واحد، فإن لم يكن للمقتول إلا ولي واحد بطلت القسامة، وعاد الحكم إلى التداعي، وهذا قول مالك.

وقال آخرون: تردد الأيمان، وإن لم يكن إلا واحد فإنه يحلف خمسين يمينا وحده، وهو قول الشافعي. وهكذا قالوا في أيمان المدعى عليهم: أنها تردد عليهم وإن لم يبق إلا واحد، ويجبر الكسر عليهم، فلما اختلفوا وجب أن ننظر: فوجدنا من قال بترديد الأيمان من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: أن في كتاب لعمر بن عبد العزيز أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى في الأيمان أن يحلف الأولياء، فإن لم يكن عدد عصبته تبلغ خمسين رددت الأيمان عليهم بالغا ما بلغوا» .

ومن طريق ابن وهب أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب، قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسين يمينا، ثم يحق دم المقتول إذا حلف عليه، ثم يقتل قاتله، أو تؤخذ ديته، ويحلف عليه أولياؤه -من كانوا قليلا أو كثيرا- فمن ترك منهم اليمين ثبتت على من بقي ممن يحلف، فإن نكلوا كلهم حلف المدعى عليهم خمسين يمينا: ما قتلناه، ثم بطل دمه، وإن نكلوا كلهم عقله المدعى عليهم ولا يطل دم مسلم إذا ادعي إلا بخمسين يمينا» .

قال أبو محمد رحمه الله: هذا لا شيء؛ لأنهما مرسلان، والمرسل لا تقوم به حجة: أما حديث عمر بن عبد العزيز ففيه: أن يحلف الأولياء، وهذا لا يقول به الحنفيون؛ فإن تعلق به المالكيون، والشافعيون قيل للمالكيين: هو أيضا حجة عليكم؛ لأنه ليس فيه أن لا يحلف إلا اثنان. وأيضا فليس هو بأولى من المرسل الذي بعده من طريق ابن وهب، وهو مخالف لقول جميعهم؛ لأن فيه: إن نكل الفريقان عقله المدعى عليهم ولا يقول به مالكي، ولا شافعي، وفيه القود بالقسامة، ولا يقول به حنفي، ولا شافعي، وفيه ترديد الأيمان جملة دون تخصيص أن يكونا اثنين كما يقول مالك. . . (2)

(1) المحلى ج11 ص89 - 91.

(2)

المحلى ج11 ص91 - 92.

ص: 155