الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الاستعانة بأهل الخبرة في التسعير
حتى يتمكن ولي الأمر من تحديد سعر مناسب لا يكون فيه ظلم لأحد الطرفين - البائع والمشتري - لا بد أن يستعين في ذلك بأهل السوق من التجار، وبأهل الخبرة في هذا الشأن كرجال الاقتصاد.
فليس لولي الأمر أن يفرض على التجار سعرا لا يرضونه، كأن يأمرهم بالبيع بأقل مما اشتروا به أو بمثله، وكذلك ليس من حقه أن يعطي التجار أرباحا هائلة على حساب المشترين، بل عليه أن يجمع التجار ويعرف مقدار ما يشترون به، ويستعين بأهل الخبرة في تقدير الربح المناسب للتجار والمشترين.
وفي هذا الشأن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ". . . وأما صفة ذلك عند من جوزه فقال ابن حبيب: ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء - المراد تسعيره - ويحضر غيرهم استظهارا على صدقهم فيسألهم:
كيف يشترون؟
وكيف يبيعون؟
فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا، ولا يجبرون على التسعير ولكن عن رضا. ونقل عن أبي قوله: ووجه ذلك أنه بهذا يتوصل إلى معرفة مصالح الباعة والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم ولا يكون فيه إجحاف بالناس، وإذا سعر عليهم من غير رضا بما لا ربح لهم فيه أدى ذلك إلى فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف أموال الناس ".
وليس المقصود بالرضا من جانب البائعين أن يكون السعر موافقا لهواهم محققا لمصلحتهم الشخصية، ولكن المقصود هو أن يكون السعر عادلا وغير مجحف بالبائعين، أي يتحقق لهم فيه ربح معقول.
واشتراط أن يكون السعر عادلا في التسعير الإسلامي أمر لا بد منه؛ لأن التسعير ما جعل إلا رفعا للظلم فلا يسوغ أن يكون هو في ذاته ظلما.
وانتفاء صفة العدل عن التسعير يدعو إلى التهرب منه ومخالفته، وقد يؤدي إلى توقف التجار عن الاتجار في السلعة التي لا يتحقق لهم في سعرها ربح معقول. وهذا ما توقعه أشهب فيما رواه عن الإمام مالك في صاحب السوق يسعر على الجزارين. . . لحم الضأن بكذا، ولحم الإبل بكذا وإلا خرجوا من السوق، قال:" وإذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم فلا بأس بهم، ولكن أخاف أن يقوموا من السوق ".
فكل سعر يحدد جزافا بدون مناقشة أصحاب السلعة للوقوف على كيفية شرائها وتكاليف نقلها إلى غير ذلك، يؤدي إلى تنفير البائعين من التجارة وإشعارهم بالظلم، والإسلام دين عدل ومساواة لا يهضم حق أحد ولا يرضى بأن يهضم أحد.
* * *