الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوع الأول
بيان حرمة المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا
وعصمة دمه ووجوب حقنه حيا
ثبتت عصمة دم المسلم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا يحل لأحد أن يسفك دم مسلم أو يجني على بشرته أو عضو من أعضائه إلا إذا ارتكب من الجرائم ما يبيح ذلك منه، أو يوجبه شرعا، كأن يقتل مؤمنا عمدا عدوانا، أو يزني وهو محصن، أو يترك دينه ويفارق الجماعة، أو يحارب الله ورسوله ويسعى في الأرض فسادا أو نحو ذلك مما أوجبت الشريعة فيه قصاصا أو حدا أو تعزيرا، قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} (1) إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2) وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (3).
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
(1) سورة النساء الآية 92
(2)
سورة النساء الآية 93
(3)
سورة الإسراء الآية 33
قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى. قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس ذا الحجة؟ قلنا: بلى. قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليست البلدة الحرام. قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (1)».
وعن ابن مسعود قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين، التارك الجماعة (2)» .
كما وردت نصوص كثيرة في تكريمه ورعاية حرمته بعد موته ففي سنن أبي داود وغيره أن النبي صلى الله
(1) ص453 ج3 من صحيح البخاري بشرح فتح الباري طبع عبد الرحمن محمد.
(2)
صحيح البخاري الديات (6878)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1676)، سنن الترمذي الديات (1402)، سنن النسائي تحريم الدم (4016)، سنن أبو داود الحدود (4352)، سنن ابن ماجه الحدود (2534)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 382)، سنن الدارمي الحدود (2298).
عليه وسلم قال: «كسر عظم الميت ككسره حيا (1)» وثبت «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس على القبور (2)» ، إلى غير ذلك مما يدل على عصمة دم المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا حتى صار ذلك معلوما من الدين بالضرورة، فأغنى عن الاستدلال عليه.
ويلتحق بالمسلم في عصمة دمه وحرمته في الجملة من كان معاهدا، سواء كان عهده عن صلح أو أمان أو اتفاق على جزية، فلا يحل دمه ولا إيذاؤه ما دام في عهده، ولا تحل إهانته بعد وفاته؛ لعموم قوله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (3){وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (4).
وقوله {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (5) ولما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة (6)»
وقال: «من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما (7)» وما ثبت في حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (8)» .
وما رواه أبو داود في سننه عن سليم بن عامر - رجل من حمير - أنه كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء (9)» فرجع معاوية. بل جاء الإسلام بحقن دماء أولاد الكفار المحاربين ونسائهم، وتحريم التمثيل بقتلاهم في الجملة عدلا منه ورحمة، كما هو معروف في حديث بريدة بن الحصيب وغيره في ذلك، وفي سند أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كسر عظم الميت ككسره حيا (10)» .
(1) سنن أبو داود الجنائز (3207)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1616)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 105).
(2)
صحيح مسلم الجنائز (970)، سنن النسائي الجنائز (2028)، سنن أبو داود الجنائز (3225).
(3)
سورة النحل الآية 91
(4)
سورة النحل الآية 92
(5)
سورة الإسراء الآية 34
(6)
كتاب الجهاد من سنن أبي داود.
(7)
باب إثم من قتل ذميا ج12 من صحيح البخاري بشرح فتح الباري.
(8)
سنن النسائي القسامة (4734)، سنن أبو داود كتاب الديات (4530)، سنن ابن ماجه الديات (2658)، سنن الدارمي الديات (2356).
(9)
سنن الترمذي السير (1580)، سنن أبو داود الجهاد (2759)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 113).
(10)
سنن أبو داود الجنائز (3207)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1616)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 105).