الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المنذري في مختصره: قال ابن معين: محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه وقال: أبو زرعة لم يلق أبا هريرة انتهى ورواه البزار في مسنده وقال: محمد بن المنكدر لا نعلمه سمع من أبي هريرة انتهى، وروى الواقدي في كتاب المغازي حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عمرة القضية وهديه عند المروة:«هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر (1)» فنحر عند المروة انتهى كلام الزيلعي.
وقال ابن حجر في إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني: ضعف من السابقة روى له أبو داود والترمذي والنسائي.
* * *
(1) سنن أبو داود الصوم (2324).
خامسا: حكم الاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق
دل الكتاب والسنة والإجماع وسد الذرائع على أنه لا يجوز أن يستعاض عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته. أما الكتاب فقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1). وجه الدلالة: أن الله جل وعلا أوجب على المتمتع الهدي في حال القدرة عليه فإذا لم يجد هديا أو ثمنه فإنه ينتقل إلى الصيام ولم يجعل الله واسطة بين الهدي والصيام ولا بدلا عن الصيام عند العجز عنه وما كان ربك نسيا وقد بين الله ما يجب على المريض إذا عجز مطلقا عن الصيام من الإطعام بقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (2)، وإذا كان قادرا على القضاء فقد بين حكمه بقوله تعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3)، وبين في كفارة اليمين أنه يجب العتق أو الإطعام أو الكسوة وعند العجز يصوم ثلاثة أيام متتاليات وبين في كفارة من أصيب بمرض أو أذى في رأسه واحتاج إلى ارتكاب محظور ليتخلص مما أصيب به بقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (4)، وقال في كفارة القتل خطأ:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (5) إلى أن قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (6)، وقال في كفارة الظهار:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (7){فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (8) الآية.
(1) سورة البقرة الآية 196
(2)
سورة البقرة الآية 184
(3)
سورة البقرة الآية 185
(4)
سورة البقرة الآية 196
(5)
سورة النساء الآية 92
(6)
سورة النساء الآية 92
(7)
سورة المجادلة الآية 3
(8)
سورة المجادلة الآية 4
وأما السنة فإن أدلتها في هذا الموضوع متفقة مع القرآن. وأما الإجماع فإن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المجتهدين أخذوا بما دل عليه القرآن ودلت عليه السنة من وجوب الهدي على المتمتع والقارن فإذا لم يجد هديا أو لم يجد ثمنه فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ومن قال بالتصدق فإنه يطالب بدليل يخالف ذلك.
وأما سد الذرائع فإنه لو أجيز القول بالاستعاضة عن ذبح الهدي بالتصدق بقيمته لأدى ذلك إلى التوسع في أبواب الشريعة فمثلا يقال: تخرج نفقة الحج بدلا من الحج نظرا لصعوبته في هذا العصر. وهناك شبه قد يتعلق بها من تسول له نفسه القول بالجواز نذكرها فيما يلي ثم نتبع كل شبهة بجوابها.
الشبهة الأولى: قد يقال بالجواز نظرا لصعوبة تنظيم الذبح في الوقت الحاضر مع بقاء المفسدة على حالها بل ربما زادت مع تزايد عدد الحجاج. ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بأمور أحدها: أن سوء تطبيق الناس لأمر كلفوا به لا يجوز نقلهم عنه إلى أمر لم يشرع لهم بدعوى أنه يسهل عليهم تطبيقه بل يجب السعي في تسهيل الذبح عليهم وحسن تطبيقه.
الثاني: أن هذا حكم مبني على مصلحة ملغاة وقد قرر العلماء على أن المصالح ثلاثة أقسام مصلحة معتبرة فيعمل بها بالإجماع ومصلحة ملغاة فلا يعمل بها بالإجماع ومصلحة مرسلة وفي العمل بها خلاف والمصلحة المذكورة هنا مصلحة ملغاة فإن الشرع لم يعتبرها بعد ذكره للهدي وفي حالة عدم القدرة عليه أو على ثمنه ينتقل إلى الصيام.
الثالث: أن المقصود من هذه العبادة إراقة الدم وأما اللحوم فهي مقصودة بالقصد الثاني قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (1)، وفي الاكتفاء بالتصدق بالثمن دون إراقة الدم إضاعة للقصد الأول.
الشبهة الثانية ما يجري عليه بعض الحجاج من تسليم ثمن الهدي الواجب عليهم للمطوفين وعمالهم بأنفسهم بصفة التوكيل حيث لا يباشرون بأنفسهم عمليات الشراء والذبح والتصدق باللحوم لتعذر ذلك عليهم وخوف الهلاك من شدة الازدحام أو المشقة أو الحرج.
ويمكن أن يجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الشبهة الأولى ويضاف إلى ذلك أن الحاج إذا وكل شخصا يشتري عنه هديا ويذبحه ويوزعه على المستحقين على الصفة الشرعية فقد خرج بذلك عن عهدة الهدي وصارت العهدة على من صار وكيلا للقيام بالشراء والذبح والتصدق فإن هذا مما يجوز التوكيل فيه شرعا.
(1) سورة الحج الآية 37
الشبهة الثالثة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح وبالتالي درء للمفاسد عن الأمة وجلب لمصالحها.
ويجاب عن هذه الشبهة بما أجيب به عن الشبهة الأولى ويضاف إلى ذلك: أولا: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح لكن لا يصح أن يقال: إن ذبح الهدايا مفسدة وإن درءها بما ذكروه من إلغاء هذه الشعيرة والتصدق بثمنها؛ لأن من القواعد المقررة في الشريعة أن المفاسد درجات وأن المصالح درجات وأنه يجوز تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما وارتكاب أخف المفسدتين لاجتناب كبراهما ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فيما ليس فيه دليل شرعي وفيما إذا كانت المفسدة أرجح من المصلحة وما نحن فيه ليس كذلك بل قام الدليل على خلافه والمصلحة أرجح مما ظن مفسدة بتحريف النصوص عن مواضعها ومقاصدها.
ثانيا: أن هذا يفتح باب تلاعب في الشريعة فلا يكون للنصوص قيمة وإنما القيمة لما يصدر من سفهاء العقول من تصورات يزعمون أنها مصالح تستحق أن تقدم على الأدلة. ثالثا: أن النسك عبادة مبنية على التوقيت فلا يجوز العدول عن المشروع إلا بدليل شرعي موجب للعدول عنه وكل تشريع مبني على التوقيت فإنه لا يدخله الاجتهاد ومنه القول بالمصلحة المدعاة هنا.
رابعا: أن من وجب عليه الهدي يجب عليه إيصاله إلى مستحقه كما في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (1)، وكذلك سائر ما يجب عليه من الحقوق كالزكاة والنذر والكفارات وغيرها.
خامسا: أن الشارع لم يمنع الذبح في أي محل من الحرم كما قال صلى الله عليه وسلم: «نحرت هاهنا ومنى كلها منحر وفجاج مكة طريق ومنحر (2)» فالحاج ينحره في أي موضع من فجاج مكة ويوزعه على الفقراء.
سادسا: علاج مشكلة اللحوم في منى: مشكلة اللحوم يمكن أن تعالج بالأمور الآتية: الأول: الكشف على ما يباع للتأكد من صلاحيته هديا من حيث السن والسلامة من الأمراض وموانع الإجزاء وتوضع علامة يعرف بها أن هذه الذبيحة تجزئ وما عدا ذلك يمنع.
الثاني: التوسع في توعية الحجاج ببيان المجزئ وما لا يجزئ حتى لا يقدموا إلا على بصيرة. الثالث: الإكثار من عدد المجازر في أماكن مختلفة من منى وفجاج مكة وإرشاد الناس إليها.
(1) سورة الحج الآية 28
(2)
صحيح مسلم الحج (1218).
الرابع: تسهيل طريق الحصول على هذه اللحوم للفقراء وذلك بما يلي:
1 -
إيصاله إليهم إن أمكن.
2 -
معاونتهم على إيصاله إلى منازلهم.
3 -
التوسع في توزيع ما زاد على فقراء الحرم على فقراء خارج الحرم ويكون إعطاء الفقراء الذين هم خارج الحرم بمنزلة دفع الزكاة لفقراء غير فقراء بلد المال إذا أعطي فقراء بلد المال حاجتهم ولم يوجد أحد يستحق فكذلك الهدي ينقل إلى فقراء البلدان المجاورة لمكة.
التوسع في التوكيل على ذبح الهدي بطرق منظمة تضمن مصلحة صاحب الهدي ومصلحة الفقير والمصلحة العامة ويكون فيه أناس يشرفون من قبل الدولة على تطبيق ذلك. هذا ما تيسر ذكره وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس
…
الرئيس
عبد الله بن سليمان بن منيع
…
عبد الله بن عبد الرحمن بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
إبراهيم بن محمد آل الشيخ