الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواجب لحق المجتمع كله إثم على هذا التقصير فيكون الوجوب قائما ما دام المجتمع محتاجا وينتهي بقيام من يكفي المجتمع مئونة ذلك العمل. وهذا المفهوم الإسلامي مبني على فكرة وحدة المجتمع وتضامنه وتكافله.
وعلى هذا.
فلا يجوز للعامل أن يفرض أجرا مرتفعا مستغلا في ذلك حاجة الناس إلى عمله.
كما ينبغي على الناس أن يعطوا العامل حقه دون نقص.
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبا يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم. . . والمقصود هنا أن ولي الأمر إن أجبر أهل الصناعات على ما يحتاج إليه الناس من صناعاتهم كالفلاحة والحياكة والبناية فإنه يقدر أجرة المثل، فلا يمكن المستعمل من نقص أجرة الصانع عن ذلك ولا يمكن الصانع من المطالبة بأكثر من ذلك حيث تعين عليه العمل، وهذا من التسعير الواجب. . . ".
وخلاصة القول أن تحديد أجور العمال يكون واجبا في حالة الضرورة، وهي:
إما تكتل أصحاب الأعمال ضد العمال ليفرضوا عليهم شروطهم.
وإما تكتل الأعمال وتواطؤهم على فرض أجور مرتفعة مستغلين في ذلك حاجة الناس إليهم وإلى صناعاتهم، فهنا يجب تحديد الأجور منعا للجشع والاستغلال، وحفظا لمصالح العمال وأصحاب الأعمال.
طريقة تحديد الأجور في الشريعة الإسلامية
عندما يضطر ولي الأمر إلى وضع مستوى معين للأجور فإنه ينبغي أن يتم ذلك عن طريق هيئة تمثل العمال وأرباب العمل، تقوم بتقدير الأجر المناسب لكل مهنة أو حرفة، وتراعي في تحديد الأجور مهارة العامل وإمكانياته وقدراته، مع مراعاة مستوى المعيشة في كل عصر ومصر.
فعند القيام بوضع جدول للأجور لكل مهنة يجب الإشارة إلى الفوارق الطبيعية في الذكاء والاستعداد الفطري والقدرة على التحمل، فلا يكون أجر العامل الكسول الذي يقوم بعمل تافه مساويا لأجر العامل المجد النشيط الذي يؤدي عملا على جانب كبير من الأهمية.
وبهذا يأخذ كل ذي حق حقه، مما يؤدي إلى تحسين العمل كيفا وزيادته كما، وتزول الضغائن والأحقاد
التي كثيرا ما تقوم بين العمال وأرباب العمل، وتحل محلها المحبة والوئام. وبهذا تتحقق مصلحة المجتمع ويعم الرخاء.
والإسلام في هذا قد سبق المنظمات العمالية والهيئات الدولية التي تزعم أنها تحمي حقوق الإنسان والتي أشارت في المادة الثالثة والعشرين من وثيقة إعلان حقوق الإنسان الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة على " ضرورة جعل الأجور عادلة تكفي معيشة العامل وعائلته بصورة كريمة لائقة بالإنسان ".
فالإسلام قد سبقها إلى ذلك في صورة لم يعرف لها العصر الحديث مثيلا حيث قدر أن للعامل جميع متطلبات الحياة الإنسانية الأساسية، فقد قال المستورد بن شداد بن عمرو: سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كان لنا عامل فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا (1)» .
وعلى ضوء هذا الحديث يمكن أن نقدر أجور العمال في إطار مطالب الحياة الرئيسية.
فأين هذا من تلك النظريات الاقتصادية التي تنادي بجعل الأجور على حد الكفاف، أو تربطها بالإنتاج الذي يؤدي إلى الجهالة والغرر، ويفضي إلى الشقاق بين العامل ورب العمل.
فصلى الله على محمد ما أرحمه بأمته وأرأفه بهم! وصدق الله تعالى حيث يقول: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2).
* * *
(1) سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2945)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 229).
(2)
سورة التوبة الآية 128