الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن حدثنا أصحابنا ونحن قوم لا يكذب بعضهم بعضا (1).، اهـ.
ولم يكن هذا شأن صغار الصحابة رضي الله عنهم كأنس وابن عباس وعائشة وابن الزبير وأمثالهم رضي الله عنهم فحسب، بل وجد هذا حتى من كبار الصحابة كعمر بن الخطاب وغيره، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" كان لي أخ يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، وأشهده يوما، فإذا غبت جاءني بما يكون من الوحي وما يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . "(2).، اهـ. فقد كان يتناوب هو وأخ له أنصاري يوما بعد يوم.
ومن هذا نجد الشافعي رحمه الله ملأ كتبه بحديث ابن عباس وعائشة وابن عمر وأبي هريرة الذي قصرت مدة إقامته عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تزد على أربع سنوات بالذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يسمعوه، ولم يتعرض الشافعي رحمه الله إلى رواية واحدة من هذه الأحاديث الكثيرة التي رواها عن هؤلاء بطعن أو رد مما يدل على اعتبارها حجة وهي كالمتصلة إذ لم يفرق بينهما، حتى يقال: كيف فعل أو يحتاج إلى تخريج. والله أعلم.
* * *
(1) الكفاية ص 548
(2)
انظر الكفاية 71 - 72
3 -
مرسل كبار التابعين
لقد مرت بنا عبارة ابن عبد البر - كأنه يعني أن الشافعي أول من رده - فهي تدل على أن العلماء اختلفوا في رأي الشافعي في المرسل، إذا ما قيست فيمن يقول: بأن الشافعي لم يقبل إلا مرسل سعيد (1). وفيمن يقول: بأن الشافعي يقبل المرسل إذا لم يجد سواه من غير تقييد (2). . وفيمن يقول يستحب العمل بمرسل سعيد فقط.
لقد ذكر الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الرسالة رأيه واضحا جليا لا يحتاج إلى الاعتماد على غيره، كما أن كل من نقل هذا من علماء المصطلح ذكروا قيده، كالنووي والعراقي والسخاوي والسيوطي وغيرهم. قال العراقي:
والشافعي بالكبار قيدا
…
ومن روى عن الثقات أبدا
ومن إذا شارك أهل الحفظ
…
وافقهم إلا بنقص لفظ (3)
(1) تدريب الراوي 1: 199.
(2)
التبصرة 1: 149
(3)
راجع فتح المغيث 1: 42.
قال الشافعي: فقال، أي المناظر: فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على من علمه. وهل يختلف المنقطع؟ أو هو وغيره سواء؟ قال الشافعي: فقلت له: المنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثا منقطعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أعتبر عليه بأمور، منها:
أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه، وإن انفرد بإرسال حديث لم يشاركه فيه من يسنده قبل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوى له مرسله وهو أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا له، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله تعالى، وكذلك إذا وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الشافعي: ثم يعتبر عليه، بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسمي (1)، مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه، فيستدل بذلك على صحته فيما روي عنه، ويكون إذا شرك أحدا من الحفاظ في الحديث لم يخالفه، فإن خالفه وجد حديثه أنقص _ كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه، حتى لا يسع أحدا منهم قبول مرسله، قال: وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله، ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت ثبوتها بالمتصل، وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمى، وأن بعض المنقطعات - وإن وافقه مرسل مثله - فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدا من حيث لو سمى لم يقبل، وأن قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوافقه، ويحتمل مثل هذا في فيمن وافقه من بعض الفقهاء (2)، اهـ. ومن هذا النص نستطيع أن نحدد شروط قبول الشافعي للمرسل. فقد اشترط أن يكون المرسل من كبار التابعين ثم بشرط الاعتبار في المرسل والمرسل.
فاعتباره بالمرسل (بالفتح)
1 -
أن يأتي مسندا من طريق آخر، لقوله: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روي.
2 -
أن يوافقه مرسل آخر بشرط أن يكون من غير رجال المرسل الأول، لقوله: ويعتبر عليه: بأن ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم.
(1) كذا بالأصل بإثبات حرف العلة مع الجازم وهذا كثير في لغة الشافعي.
(2)
الرسالة. ص461 - 465.