المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

‌حقوق الإنسان في الإسلام

إعداد

الأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

عضو جزر القمر

بسم الله الرحمن الرحيم

استفتاح

خلق الله الإنسان وكرمه بالعقل واللسان، وجعله خليفة في الأرض، وأسجد له ملائكته الكرام، ولعن الله إبليس الذي عصى أمر ربه ورفض السجود لهذا المخلوق الجديد (الإنسان) .

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] .

مما يدل على تكريم المولى سبحانه لهذا الآدمي وعنايته به. ولما كان هذا هو حال الإنسان بالنسبة لربنا، فقد أوجب عليه واجبات وتكاليف:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72] .

وفي نفس الوقت أوجب له الخالق الرحيم حقوقاً محفوظة تضمن للتكاليف أن تنفذ. وتضمن للخير أن يستقر في المجتمعات والنفوس ولا يتحول البشر إلى وحوش متصارعة في غابة الدنيا.

وحقوق الإنسان نزلت بها الشرائع السماوية، وآخرها ومنتهاها كان مع الإسلام (الدين الخاتم) ، ومنها ما كان من نتاج قرائح البشر الذين اجتهدوا بفضل من الله في هذا المجال، وأكثرها ذيوعاً ميثاق حقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، والذي تبنته الجمعية العامة لها في قرارها المرقم (217) في العاشر من ديسمبر سنة 1948م، وتلاه العديد من المواثيق والبيانات من منظمات وهيئات أخرى.

* * *

ص: 314

تمهيد ومقدمة

1-

الحق ضد الباطل، والحق أيضاً واحد الحقوق - هكذا ورد في مختار الصحاح للشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي - وجاء أيضاً (حاقه) خاصمه، وادعى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل:(حقه) . والتحاق الاختصام (1)

مما يدل على ما للكلمة من دلالات أو معان لغوية.

2-

أما في مجال الاختصاص فاستعمالاتها شتى:

استعملها رجال الفلسفة دالة على إحدى القيم العليا الثلاث:

الحق، والخير، والجمال.

واستعملها علماء الأخلاق فيما للإنسان على غيره، وهو ما يقابل الواجب، ولهذا قالوا: كل حق يقابله واجب.

واستعملها علماء القانون في معنى آخر، يشمل الحق العيني، والحق الشخصي، حتى إن دراسة القانون بكل فروعه لتسمى دراسية (الحقوق)(2) .

واستعمل القرآن الكريم كلمة الحق فيما يقابل الباطل والضلال قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32] .

وكأننا مع كل معنى من معان الكلمة المعجمية أمام دلالة للفظة يعصب تجاهلها. فمثلاً فيها الثبوت والصدق، لأنها واجبة ومنطقية.

وفي التنزيل الكريم: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس:70] .

وفي المعجم العربي الأساس الذي أصدرته المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم عن دار (لاروس) : حق الأمر: صح، وحق عليه الأمر: وجبه (يحق على المظلوم أن يجاهد في وجه الظلم)(3) .

وأحق الله الحق: أظهره وأثبته: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال:8] .

فهل يوجد حقيقة بعد ذلك الحق؟

4-

أما عند الفقهاء، فالحق هو الحكم الثابت شرعاً - عن بعض المتأخرين. والأستاذ الشيخ علي الخفيف يعرفه بأنه المصلحة المستحقة شرعاً. ويعرفه الأستاذ مصطفى الزرقاء بأنه اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفاً (4) .

(1) ص 147.

(2)

فمثلاً يقول الدكتور سامي مدكور: الحق بمعناه العام هو الرخصة أو المكنة التي يقررها القانون لشخص معين بالنسبة لفعل معين، ويقابله الواجب (كتابه: نظرية الحق) ، ص 3، ويقسم الحقوق إلى حقوق دولية وحقوق سياسية أو دستورية وحقوق عامة (وقد سميت في القرن الثامن عشر بالحقوق الطبيعية أو حقوق الإنسان) وحقوق مدنية.

(3)

المعجم العربي الأساسي.

(4)

من كتاب (الفقه الإسلامي وأدلته) ، للدكتور وهبة بالزحيلي.

ص: 315

5-

ما مصدر الحق في الشرع الإسلامي؟

منشأ الحق في الشريعة الإسلامية: هو إرادة الشرع، فالحقوق في الإسلام منحة من الخالق، الذي يعرف بقدرته وحكمته مصلحة العباد، ومن ثم كانت قواعد ال حقوق الإنسان ية ومبادؤها في الإسلام تقوم على مراعاة مصلحة الغير وعدم الإضرار بمصلحة الجماعة، للإضافة إلى كونها في حيز الفرد نفسه، فليس الحق مطلقاً وإنما هو مقيد بما يفيد المجتمع ويمنع الضرر عن الآخرين (1) .

6-

وتنقسم الحقوق إلى ثلاثة أقسام: فالقسم الأول هو حقوق الله، وهي الحقوق التي تتعلق بواجبات العبادة أو الصالح العام للأمة، ولاسيما الحدود التي شرعها الله، أما القسم الثاني وهو ما يسمونه: حقوق العباد، والثالث، وهو الحقوق المشتركة بين الله والعباد (2) .

7-

أما صاحب (كفاية الأخيار) فيقسم الحقوق إلى ضربين: (حق الله، وحق الآدمي)(3) .

* * *

(1) وفي مثل هذا المعنى، يكون كلام الدكتور محمد ضياء الدين الريس في (النظريات السياسية في الإسلام) ، ص 306، مكتبة دار التراث، سنة 1979م.

(2)

الدكتور محمد ضياء الدين الريس في (النظريات السياسية في الإسلام) ، ص 306، مكتبة دار التراث، سنة 1979م.

(3)

كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الدمشقي الشافعي، الجزء الثاني، فصل: الحقوق ضربان. ويقول الشارح: المقصود من هذه الجملة بيان عدد الشهود وصفتهم في الذكورة والأنوثة، ص 258 طبعة (دار إحياء التراث الإسلامي بدولة قطر) .

ص: 316

تطور فكرة حقوق الإنسان

1-

الحق الإنساني في حياة أفضل هدف بشري، وظل هذا المسعى الإنساني نحو إحقاق الحقوق أملًا يراود بني البشر، خصوصاً كلما عصفت بهم المحن، وازدادت الرغبة في ذلك أيضاً مع توسع المجتمع وارتقاء الاجتماع البشري، وصيرورته أكثر تعقيدًا، فكانت الحقوق الشخصية تطمسها مطالب الجماعة، وتحد منها مصلحة القبيلة.

ثم جاءت المدن بنظامها البديع، وتشابك المعيشة بها، فحطمت بأسلوب الحياة فيها كثيراً من فردية الإنسان وتفرده.

وكلما اتسعت المدينة وامتدت ذراعها صرخ الإنسان ينادي بحضوره باحثاً عن نفسه، خصوصاً بعد أن ترافق هذا وتعقد الاقتصاد، وشيوع استغلال الإنسان للإنسان.

2-

في الفكر الاجتماعي القديم لا يتعدى مفهوم الإنسان عند الفلاسفة اليونانيين دائرة معينة من البشر هم الأحرار والمقاتلين. ويخرج عن هذا المفهوم قطاعات واسعة من البشر تشمل العبيد والنساء والصناع.

نرى هذا عند أرسطو - مثلاً - والذي كان يرى أن المرأة بالنسبة للرجل كالعبد لسيده، أو كنسبة العامل باليد للمفكر، أو البربري للإغريقي (1) .

أما أفلاطون فهو عندما يتحدث عن أفعال الإنسان يؤكد أن مراجعها ثلاثة، الشهوة والعاطفة والعقل، وهذه القوى الثلاث موجودة عند كل إنسان، فمن الناس من يكون شهوة متجسدة، ومنها تتكون العمال.

ومن الناس من يضفي عليه جانب الشعور كالمحارب، ومنهم فريق ثالث قليل العدد يستمتع بالتفكير فقط وهم رجال الحكمة (2) .

(1) قصة الفلسفة اليونانية، تصنيف أحمد أمين وزكي نجيب محمود، ص 271.

(2)

قصة الفلسفة اليونانية، تصنيف أحمد أمين وزكي نجيب محمود، ص 271.

ص: 317

3-

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم: توج حياته - بعد بضعة قرون من حضارة اليونان - بخطبة ضمنها مبادئ راقية، ما زالت تعد هدفاً للبشرية ترنو للوصول إليه.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا (1) في بلدكم (2) هذا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد)) .

((أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى)) (3) .

4-

ويتواصل التفكير الإسلامي في حقوق الإنسان، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمرجعية القرآنية، وسنته الشريفة ظلتا ملهمتين للأجيال المسلمة التالية في هذا المجال. فوجدت صياغة للحقوق مع مطلع القرن الهجري الجديد (الجاري) من المجلس الإسلامي الدولي بياناً عالميًّا بإقرار حقوق للإنسان مستمد من القرآن والسنة (4) .

ولقد تضمن البيان ثلاثة وعشرين حقًّا من الحقوق التي كفل الإسلام وهي: حق الحياة، والحرية، والمساواة، والعدالة، والمحاكمة العادلة والحماية من تعسف السلطة، والحماية من التعذيب، وحماية العرض والسمعة، واللجوء والأقليات، والمشاركة في الحياة العامة، وحرية التفكير والاعتقاد والتعبير، والحرية الدينية والدعوة والبلاغ، والحقوق الاقتصادية وحماية الملكية، وحق العامل، وواجبه وكفاية الفرد من مقومات الحياة، وبناء الأسرة، وحقوق الزوجة والتربية، وخصوصيات الفرد وحمايتها، وحرية الارتحال والإقامة (5) .

(1) كان صلى الله عليه وسلم في موسم الحج.

(2)

يقصد مكة.

(3)

صحيح البخاري، ج5 ويلاحظ اختفاء لغة التمييز بين البشر، والتي كانت ترتب الحقوق على أساسها.

(4)

صدر البيان عن منظمة اليونسكو بباريس بمساهمة نخبة من مفكري المسلمين.

(5)

ويقول الأستاذ سالم عزام، أمين عام المجلس في مقدمة الوثيقة: "حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، وليست قراراً صادراً من سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل.

ص: 318

5-

وهكذا نجد الخطوط العريضة للبيان عن الحقوق الإنسانية كما يلي:

- دار الإسلام واحدة وهي وطن كل مسلم.

- الناس جميعاً سواسية أمام الشريعة.

- ليس لأحد أن يلزم مسلماً بأن ينفذ أمراً مخالفاً للشريعة.

- الأوضاع الدينية للأقليات يحكمها المبدأ القرآني: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} .

- لا يجوز انتزاع ملكية نشأت عن كسب حلال إلا للمصلحة العامة.

- لا يجبر الفتى أو الفتاة على الزواج ممن لا يرغب فيه.

- للزوجة أن تطلب الطلاق في حدود الشرع.

- سرائر البشر إلى خالقهم وحده وخصوصياتهم حمى.

6-

وفي قرن متأخر - أي منذ القرن السادس عشر - انتبهت أوروبا إلى البحث في القانون الدولي، الذي أصبح فيما بعد هو الإطار الذي ظهرت وتمت بداخله فكرة حقوق الإنسان، إلى أن أصبحت اتفاقية أوروبية تعرف باسم اتفاقية روما (صدرت سنة 1950م ثم انتهت إلى إصدار ما يعرف باسم مواثيق حقوق الإنسان سنة 1968م) .

7-

فـ (الماجنا - كارتا) الذي رفعه الملك جان في بريطانيا عام 1215م لم يكن إلا نتيجة ما قام به الإقطاعيون من تذمر.

فكانت (الماجنا - كارتا) كعهد أو ميثاق بين الملك والأمراء ينظم العلاقات بينهم، ولكن جاءت مواده متقدمة في صالح الأمراء بقدر أكبر، بينما لم تشتمل على ما يشير إلى حقوق عامة الشعب، رغم ما لوحظ في وقت لاحق فيها من حقوق في التحقيق في القضاء كحق التظلم من الحبس، والتحكم في فرض الضرائب.

ص: 319

8-

ثم يأتي بعد ذلك (ميثاق توم بين)(1737 - 1809م) الخاص ب حقوق الإنسان، فيثير في عقول الناس الإحساس بهذه الفكرة العظيمة خصوصاً حول عام 1891م.

ثم جاء إعلان حقوق الإنسان الذي ظهر إبان الثورة الفرنسية 1789م ليكون من أهم منجزاتها، إذ كان ثمرة من ثمار الفلسفات الاجتماعية التي سادت القرن الثامن عشر، خصوصاً من أفكار جان جاك روسو صاحب (العقد الاجتماعي) ومونتسكيو وديدرو، وقد تضمن هذا العهد الجديد النابع من باريس الحقوق الفطرية فيما يختص بحكم الشعب والحرية والإخاء والمساواة والملكية، كما شمل حقوق التصويت والانتخاب والتشريع، وتحكم الرأي العام ورقابته على فرض الضرائب والتحقيق القضائي في الجرائم، وإعمال آلية العدالة.

وقد سعى لتضمين هذه الحقوق في الدستور لتصبح أكثر إلزاماً وعملية.

9-

ثم ينتقل التفكير في حقوق الإنسان إلى العالم الجديد فتظهر الإصلاحات العشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد احتوت على معظم المبادئ التي تضمنتها الفلسفة الديمقراطية البريطانية.

وتوسع التفكير الإنساني في الحقوق تلك لتتبناه المنظمة الدولية؛ فتوافق سنة 1948م في ديسمبر على قرار بمنع قتل الإنسان أو فعل ما من شأنه التأثير على حياته ووجوده البشري.

ص: 320

ويبقى من هذا الميثاق التاريخي (الإعلان العالمي) أهدافه التي تؤكد تساوي البشر رجالاً ونساء في العزة والكرامة والأهمية والحقوق الإنسانية الأساسية.

وتؤكد المادة (55) من هذا الإعلان على أن الأمم المتحدة سوف تزيد من حمايتها واحترامها العالمي ل حقوق الإنسان وحرياته.

ويتضح من هذا العرض السريع أن حقوق الإنسان في الغرب لا تاريخ لها ولو وجود قبل قرنين أو ثلاثة. كما أنها بالرغم من كثرة ترديدها ليس لها قوة تنفيذية (1) .

وعلى سبيل المثال ظلت الحقوق الاقتصادية للإنسان مجهولة لدى العالم الأوروبي، ولم يعرفها إلا حديثًا، إذ أن المطالبة بها والاعتراف لم يبدأ إلا مع الحركات الاشتراكية الحديثة في أوروبا، منذ القرن التاسع عشر، حيث ارتبطت دائماً حقوق الإنسان في أوروبا وغيرها بالحقوق السياسية والحريات العامة، ولم تظهر هذه منذ أربعة عقود عند صدور الإعلان العالمي الذي تضمن بعض المواد الخاصة بها.

أما الاعتراف بهذه الحقوق فلم يتم إلا سنة 1966م عند صدور الميثاق الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأما قبل هذا فلم تكن هذه الحقوق معترفاً بها إطلاقاً، حتى في البيان الذي أصدرته الثورة الفرنسية سنة 1789 م إذ لم يتضمن - مع تقدمه - مادة واحدة تتعلق بالحقوق الاقتصادية (2) .

* * *

(1) الحكومة الإسلامية، أبو الأعلى المودودي، الدار السعودية.

(2)

الثورة الفرنسية، حسن جلال. لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة، سنة 1927م.

ص: 321

المبادئ التي انبنت عليها حقوق الإنسان

أرسل الله رسله، وحملهم - سبحانه - رسالته من أجل مصلحة الإنسان؛ ذلك لأن رحمة الخالق جل وعلا شاءت ألا تترك هذا المخلوق سادراً في غيه، فأبت عليه رأفة المولى إلا أن يكون إنساناً حقيقيًّا راقيًّا ليس كسائر المخلوقات الدنيا، بل ليرتقي في الخلق والقيم.

1-

الكرامة الإنسانية: وهذه هي أولى المبادئ التي ينبني عليها حق الإنسان في الإسلام، حقه في الحياة الراقية البعيدة عن الحيوانية والتدني في الطبع والسلوك. فتغليظ العقوبة في الزنا - خاصة للمحصن - ليس قسوة من الرحمن الرحيم، بل زجراً للمرء من اقتراف تلك الأفعال المشينة التي تهبط بآدميته. ومن هنا كان السعي إلى تقنين هذه الممارسة (الجنس) بالصور المشروعة المنظمة فقط. فيقول تعالى:{وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] .

ويقول عن المؤمنات: {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} [الممتحنة: 12] .

ويحذر: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .

2-

حق الإنسان في التوبة، والتطهر من الدنس: هذا الحق الذي يسلبه الإنسان في الأنظمة التشريعية الأخرى. إذ جاء مجرم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب إنزال عقوبة الرجم فيه، فصرف وجهه صلى الله عليه وسلم عنه لا يريد السماع منه، لأنه عمل جرى في السر ولم يخرق به النظام العام، ولا اعتدى فيه على الآداب العامة، وإن مثل ذلك متروك إلى المجرم نفسه ليستغفر الله فيما بينه وبين ربه. ولكن المجرم عاد مرة ثانية يجدد الاعتراف بالجريمة ويطلب إنزال العقوبة به لتكون التوبة أدل على الإخلاص فيها إلى الله وعلى عدم التمكن من العودة إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه عنه مرة ثانية، ثم عاد مرة ثالثة فصرف وجهه مرة ثالثة: ثم عاد مرة رابعة فسأله: ((أبك جنون؟ أو لعلك قبلت؟ أو غمزت، أو لمست؟)) قال: لا. وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقنه التراجع عن الاعتراف بالانصراف عن سماعه أولاً، وبالتشكيك في الفعل ثانياً، ولكنه أصر على طلب العقوبة فلم يجد عندئذ بدًّا من الأمر بإيقاعها فيه بناء على إصراره على الاعتراف، ولقد ندم بعد بدء تلقي العقوبة فهرب، فتبعه المأمورون بإنفاذ العقوبة حتى قتلوه، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته المشهورة:((هلا تركتموه فيتوب أو يتوب الله عليه)) (1) .

(1) رواه البخاري (باب الحدود) ، ص 28؛ والإمام أحمد.

ص: 322

3-

فالإنسان في نظر القرآن: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] و {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] . من أجل ذلك حرم الإسلام الانتحار واعتبره جريمة عظمى في حق الإنسان، بدليل خطورة العقاب الأخروي وباعتبار أن روحه ليست ملكاً له، لأنها ليست من صنعه، وإنما هي ملك لبارئها وخالقها، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي:"ونفس المكلف داخله تحت هذا الحق - أي حق الله تعالى - إذ لا يجوز له أن يعتدي على نفسه بالإتلاف"(1) .

4-

وهذا يفضي إلى مبدأ آخر من المبادئ التي يرتكز عليها حق الإنسان في الإسلام وهو مبدأ اتحاد عنصري الحق والواجب وتلازمهما، فالاعتقاد بثبوت هذه الحقوق الأساسية يكون أولاً بالشرع والتكليف.

5-

فالحق في الحياة: وهو حفظ النفس - من الحقوق الأساسية المقررة في الشرع الإسلامي، وتعني عصمة الشخصية الإنسانية في عناصرها المادية، وهي سلامة الجسم بجميع أعضائه من الإتلاف، والمعنوية أي الكرامة والأفكار الذهنية والمعتقدات وغيرها، وقد اعتبر الإسلام حياة الإنساني المقصد الأول الذي ترجع إليه سائر المقاصد الأساسية بعد المحافظة على الدين لتوقفها جميعاً على الإنسان وحفظ نفسه في أعلى مراتب التكليف. واعتبر بالتالي إزهاق النفس عمداً وعدواناً أعظم جريمة في الكون، لا بالنسبة للمعتدى عليه أو ذويه فحسب، بل بالنسبة للإنسانية كلها، وقرر القرآن أن جريمة القتل دون حق هي بمثابة قتل الناس جميعاً، وإحياؤها في حكم إحياء الناس جميعاً.

يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] .

ومن هنا كان حق الحياة حقًّا وواجباً في آن واحد، لارتباطه بالتكليف والأمانة التي حملها الإنسان لعمارة الدنيا واستخلاف الله في الأرض، وتطبيقاً لسننه في الكون.

حرم الإسلام على الإنسان الاعتداء على نفسه أو إزهاقها أو السماح لغيره بشيء من ذلك، اللهم إلا إذا كان ذلك لتحقيق قصد شرعي، كجهاد العدو، أو المحافظة على حياة، كبتر عضو مريض يتوقع منه السريان لبقية البدن، والتعرض لخطر محقق.

7-

يقول تعالى في ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] .

{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] .

{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] .

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ - أي يطعن بها نفسه - بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدًا)) .

(1) كتاب الموافقات.

ص: 323

8-

ومن المبادئ التي يرتكز عليها التشريع الإسلامي عموماً: صلاح المجتمع؛ فمعظم التهم التي يشدد الإسلام في العقوبة عليها هي التهم التي تؤثر في المجتمع تأثيراً سلبيًّا بل هداماً، كالزنا الذي يؤدي إلى انهيار الأسرة واختلاط الأنساب، وكالسرقة والاعتداء على الغير مما أشار إليه الشارع الإسلامي.

ف حقوق الإنسان كما وصلت إليه وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الجمعية العامة للأمم تحفظ الحقوق الفردية وتنص عليها، بينما الإسلام يوازن بين الحقوق الفردية وحق المجتمع الذي هو أيضاً مجموع الأفراد وجب التنويه إلى حقوقه أيضاً صيانة للصالح العام.

9-

وقد ثبت بالاستقراء والنصوص أن الشريعة الإسلامية قد اشتملت أحكامها على مصالح الناس، فقد قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وقال تعالى:{وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل:77] .

والمصالح المعتبرة هي المصالح الحقيقية، وهي ترجع إلى أمور خمسة: حفظ الدين، والنفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، لأن هذه الأمور الخمسة بها قوام الدنيا التي يعيش فيها الإنسان (1) .

10-

والحرية عنصر مهم من عناصر الحياة الإنسانية المحترمة في الإسلام. وهل التوحيد إلا تحرير للإنسان؟

ولذلك كانت حرية الاعتقاد حق من حقوق الإنسان في الإسلام، بادر المسلمون بتطبيقه إعمالاً لتعاليم دينهم كمبدأ حيوي.

يقول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] .

ويقول تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] .

ويقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] .

والعدل اسم من أسماء الله الحسنى، وكما يقولون:"العدل أساس الملك" لذا كان مبدأ أساسياً ترتكز عليه الشريعة السمحة في إقرار حقوق الإنسان الأساسية.

يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] .

ويقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] .

* * *

(1) أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، ص 265.

ص: 324

حقوق الإنسان الثقافية

1-

لا بد لنا إذا أردنا فهم أبعاد الحقوق الثقافية للإنسان في الإسلام من أن نلفت النظر إلى أن نظرة الإسلام إلى (الحقوق الثقافية للإنسان) إنما هي نظرة جزئية من أصل (نظرة كلية) هي نظرة الإسلام إلى (الله والكون والإنسان) .

2-

ونحن لسنا في مقام شرح النظرة الكلية للإسلام، ولكن ارتباط (النظرة الجزئية) بتلك (النظرة الكلية) حول الله والكون والإنسان يوجب علينا الإشارة إليها بالقدر الذي لا بد منه، وذلك من أجل تحديد (خصائص الحقوق الثقافية في الإسلام) ، والكشف عن أبعادها في حياة الإنسان.

3-

فالإنسان في إطار هذه النظرة الكلية واجب عليه باسم الدين النظر في السماوات والأرض وفي نفسه، وذلك من أجل هدف سام مفروض عليه، ألا وهو الإيمان بالله إيماناً علميًّا مؤسساً على اليقين المنطقي.

ويلي الإيمان بهذه الحقيقة الأولية الإيمان بعظمة هذا الخلق وبديع صنعه، فالاعتراف بهذا إقرار بحكمة إيجاد هذا الكون ونظامه، ودلالته على خالق قادر عليم حكيم، مستحق للعبادة وحده.

ومن ثم تأتي معرفة ثالثة، هي أن الإنسان جزء من هذا الكون الواسع، ولكنه يشغل مكاناً متقدماً بفضل ما أنعم الله به عليه من عقل، وتكريم، وتسخير ما في السماوات والأرض له، ولم يعد مسخراً لها. ومن هنا يأتي الأمر الإلهي للإنسان بالتعمير، والنهي عن الإفساد، والذي يترافق مع السماح بالتمتع بالطيبات، ولكن بنظام يحافظ على هيبة الإنسان وتعلقه بالله، ويحفظ الكرامة والعدل والمساواة والسلام.

ص: 325

4-

وبذلك نرى أن النظرة الكلية للإسلام بصدد الكون (1) تفرض على الإنسان العلم.. وتجعله حتماً موجبًا مثاباً عليه المرء، لأنه إذن مرتبط بحقيقة عليا وحكمة سماوية.

5-

هذا المفهوم الإسلامي للعلم اعتبره فريضة، وعده أساساً لكرامة الإنسان، وذلك أن القرآن الكريم رفع شأن العلم بقوله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] . وقوله أيضاً: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] .

6-

وعلى أساس من هذه النظرية الكلية لله والكون والإنسان تكون الحقوق الثقافية؛ فالإسلام يوسع من آفاق العيش ويجعله متصلاً بحكمة علوية، ويجرده من المادية البحتة تنزيهاً للإنسان. ولذلك نجد رسولنا صلوات الله وسلامه عليه يقول:((العالم والمتعلم شريكان في الخير)) وأنه لا خير في سائر الناس، أي لا خير فيمن عداهما.

7-

ولما كان العرب في معظمهم عند ظهور الإسلام أميين لا يقرؤون ولا يكتبون؛ بدأ الإسلام بمعالجة مشكلة الأمية وفرض العلم على كل مسلم ومسلمة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) (2)، {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] ، من أجل تفتح إنساني واع على الكون وحقائقه، والوجود وأبعاده.

8-

ولذلك لما وقع في أيدي المسلمين بعض الأسرى القرشيين الوثنيين إبان موقعة بدر، جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدية الكثير منهم تعليم الأميين من المسلمين. وجعل شرط إطلاق أحدهم من الأسر تعليم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، مع ملاحظة حاجة المسلمين للمال في هذا الوقت.

(1) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته (فكرة الإسلام عن الله والإنسان والكون والحياة) ، سيد قطب، 1387هـ - 1967م.

(2)

الوارد في الحديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم "وقد أضيفت كلمة (مسلمة) في بعض المراجع عملاً بالمعنى.

ص: 326

9-

ويمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوعد تارة، ويعد تارة أخرى، ويقول:((العالم والمتعلم شريكان في الخير، ولا خير في سائر الناس)) (1) . ويقول مفضلاً الزيادة في العلم على الزيادة في العبادة، ويؤكد أن ((ما اكتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ردى، وما استقام دينه حتى يستقيم عقله)) .

أو في رواية أخرى: ((حتى يستقيم عمله)) . وتشجيعاً للاجتهاد والبحث العلمي يقول: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر)) (2) .

وفي هذا إقرار بالحرية العلمية في أوسع نطاق. ثم أحاط هذه الحرية بسياج يصونها بالقول النبوي الشريف: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) (3) .

10-

هذا من جانب الإسلام. أما من ناحية المواثيق الدولية الصادرة لحماية ال حقوق الإنسان ية، فنجد:

أ- (الميثاق الدولي لحقوق الإنسان) الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948م.

ب- (الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) الصادرة عن حكومات المجموعة الأوروبية بروما بتاريخ 4 نوفمبر 1990م، ثم البروتوكول رقم (1) المضاف إلى هذه الاتفاقية والموقع في باريس بتاريخ 3 مارس 1953م.

ج- (تصريح عن حقوق الطفل) الصادر في هيئة الأمم المتحدة - الجمعية العامة في 10 نوفمبر 1959.

د- (اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية) الصادر في 16 ديسمبر 1996م.

(1) البخاري (30) .

(2)

رواه البخاري - فتح الباري: 13/318، دار المعرفة - لبنان.

(3)

رواه البخاري - فتح البخاري.

ص: 327

11-

وتنص هذه الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق الثقافية للإنسان على ما يلي:

أولاً - ما جاء في الفقرة الأولى من المادة (26) من الميثاق الدولي ل حقوق الإنسان ونصها: "كل شخص له حق في التربية".

ثانياً - ما جاء في الفقرة الثالثة من هذه المادة ونصها: "إن الآباء لهم الحق في المقام الأول في اختيار نوع التربية لأولادهم".

ثالثاً - ما جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة أيضاً ونصها: "إن التربية يجب أن تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان، وإلى دعم الاحترام ل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ".

رابعاً - ما جاء في الفقرة الأولى من المادة (13) من الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ونصها:"إن الدول المشتركة في هذه الاتفاقية تعترف بحق كل إنسان في التربية، وتتفق على أن التربية يجب أن تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان والشعور بكرامته، وإلى دعم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما تتفق أيضاً على أن التربية يجب أن تجعل كل إنسان أهلاً للقيام بدور نافع في مجتمع حر".

خامساً: ما جاء في الفقرة (3) من المادة السابقة، ونصها:"أن الحكومات المشتركة في هذه الاتفاقية تتعهد بأن تحترم حرية الآباء والأوصياء الشرعيين في الاختيار لأولادهم المدارس الحكومية، وفي ضمان التربية الدينية والأدبية لأولادهم وفقاً لعقائدهم الخاصة".

سادساً - ما جاء في الفقرة (2) من البروتوكول رقم (1) المضاف إلى اتفاقية حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الصادرة عن الجماعة الأوروبية: ونصها: "لا يجوز أن يرفض حق أحد في التعليم، وأن الدولة ستحترم في ميدان التربية والتعليم حق الآباء في ضمان التربية والتعليم وفقاً لعقائدهم الدينية والثقافية".

سابعاً وأخيراً - ما جاء في الفقرة الثانية من المبدأ السابع من (تصريح حقوق الطفل) ونصها: "أن المصلحة العليا للطفل هي المرشد لأولئك الذين يحملون مسؤولية تربيته وتوجيهه، وخصوصاً أهله".

ص: 328

ومن الملاحظ أن هذه البنود تحوي (حقوقاً خاصة) ليست (فروضاً عامة) كما أن هذه الحقوق الخاصة معبر عنها بصيغة سلبية؛ كمثل قوله: (لا يجوز..) .

وبالتالي يحق لأي إنسان في ظل هذه المواثيق أن يتنازل عن حقه (الخاص) - لأنه خاص - وتنازله هذا لا يشكل جرماً، لأنه لا يمس إلا شخصه.

وفي هذا إضعاف لهذا الحق، الذي هو ضرورة حياتية مهمة.

وهذه النزعة الشخصية لا تلتفت إلى ما تتميز به علوم الحياة من شمول. وما يتميز به العلم - خصوصاً في الحاضر - من اجتماعية، كما أن هذه النظرة (الفردية) لا توصل العلم بمتعلقاته العلوية، وتجرده من حكمته، وتحرمه من امتداده التعبدي.

وهذا الامتداد الروحي بعد مهم في النزوع العلمي، إذ هو الكفيل بإنقاذه من أمراض (المجتمعات العلمية) كالأنانية والمادية والسيطرة، هذه العلل التي قد تحول العلم من أداة لخدمة الإنسان وعمارة الكون إلى وسيلة من وسائل الدمار، وسبباً لشقاء الإنسان وتعاسته وضياعه.

وقد رأينا الأمثلة على ذلك كثيرة عبر التاريخ، إذ شاهدنا كيف حول حاكم مستبد التكنولوجيا العسكرية التي كدسها في ترساناته إلى وسيلة إرهاب للآخرين، فجر الوبال على الآخرين وعلى العالم وعلى شعبه.

وهذا كان أثراً ومثالاً على النهوض العلمي المجرد من روحه الإلهية، والتي ينبغي أن تكون منطلقاً لكل تحديث وتقدم، ولكل تفكير في حقوق الإنسان، فما بالك بمن افتقد الاثنين: الحكمة السماوية، والحقوق الإنسانية:

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} [الكهف:42 - 43] .

ص: 329

والفرق واضح بين الإسلام والمواثيق الدولية؛ ففي حين تجعلها المواثيق حقوقاً خاصة، يجعل الإسلام حقوق المرء الثقافية فروضاً، وبالتالي لا يجب التنازل عنها (1) .

وكذلك يجعل الإسلام هذه الفريضة على عاتق الفرد والجماعة فكلاهما مسؤول عن تنفيذها.

كما تتمتع هذه الحقوق في الإسلام بضمانات جزائية، فهي ليست مجرد توصيات لا ضامن لها، ومن ثم يصبح من حق ولي الأمر المسلم إنفاذ هذه الحقوق.

ولذلك انتبهت المجموعة الأوروبية لهذا النقص في حماية الحقوق الإنسانية، فأحدثت محكمة لحماية حقوق الإنسان كما اعتمدت الاتفاقية الأمريكية ل حقوق الإنسان في وقت لاحق محكمة على نفس المنوال.

أما من ناحية (اختبار النظام المعرفي التربوي) للأبناء فقد جعل في أيدي أولياء أمور الطفل، ليختاروا له المناسب من القيم والمناهج بخلاف الأنظمة الأخرى الاجتماعية، حتى الديمقراطية الغربية التي تفرض على الدارسين نظاماً مناسبة للسياسة القائمة، وتتفق - أو على الأقل لا تختلف - مع أمزجة القائمين على الأمر، ففي هذا مصادرة للعقول، لأنها تخضع الجميع لقيمها الخاصة.

* * *

(1) حقوق الإنسان الشرعية الإسلامية - وقائع ندوات - السعودية، رابطة العالم الإسلامي سنة 1977م.

ص: 330

حقوق الإنسان الاجتماعية

1-

يمكن تلخيصها بما أجملته نصوص الشريعة الإسلامية فيما يلي:

أ- كرامة الإنسان عملاً بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] .

ب- عدم التمييز في الكرامة وفي الحقوق الأساسية ما بين إنسان وآخر، بسبب العرق، أو الجنس أو النسب، أو المال عملاً بما جاء في القرآن الكريم:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وعملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى)) ، وقوله أيضاً:((النساء شقائق الرجال)) (1) .

ج- النداء بوحدة الأسرة الإنسانية، والإعلان بأن خير بني الإنسان عند الله هو أكثرهم نفعاً لهذه الأسرة، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله)) .

د- حرية الإنسان في عقيدته، وعم جواز ممارسة الإكراه فيها، عملاً بما جاء في القرآن الكريم:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256]، وعملاً بقوله أيضاً:{أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] مستنكراً استعمال الضغط على الحريات.

هـ - حرمة وحصانة البيت المسلم، وحماية حرية الإنسان في منزله، عملاً بقوله تعالى:{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] .

و فرض الحجر الصحي في حالات الأمراض المعدية منذ أربعة عشر قرناً، وذلك مبالغة في حماية الصحة العامة عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:((إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها)) . (2)

(1) أبو داود، الطهارة، ص 94.

(2)

مسند الإمام أحمد.

ص: 331

2-

ولكن عند الحديث عن الحقوق الاجتماعية سنجد أن الكلام عن المرأة يشكل حيزاً مهماً، لما تحتله مكانة المرأة من أهمية ذات دلالة في المجتمع، ولما أثاره وضعها في الإسلام من تقولات وسوء فهم.

ولذلك نقول: أعلن الإسلام أن النساء شقائق الرجال، وأن لهن من الحقوق مثل ما عليهن، إلا ما جعل للرجال من حقوق رئاسة الأسرة وتحمل مسؤولياتها ولما بني عليه تكون الرجال، وما هذا في الحقيقة إلا عبء ثقيل وضع على الرجل.

3-

وتدعم هذه الحقوق الإنسانية للمرأة النصوص القرآنية الكثيرة بصراحتها معلنة:

أولاً: وحدة خلق الإنسان بنوعيه من نفس واحدة، كما جاء في مطلع سورة النساء:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:1] .

ثانياً: وحدة على النساء من حقوق نحو الرجال وما على الرجال من حقوق نحو النساء، إلا ما جعل مناسباً للطبيعة البيولوجية لكلا الجنسين، وما يترتب على هذا اجتماعياً عملاً بقوله تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]، وعملاً بقوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] . فالقوامة مشروطة بالإنفاق الذي هو سبب التفضيل.

4-

ولا يمكن إدراك أبعاد هذه الإنجازات في مجال حقوق المرأة إلا بالإشارة الوجيزة إلى ما كان عليه وضع المرأة قبل الإسلام، وفي عالم حضارات الإنسان في تلك الأزمان.

5-

ففي شريعة الرومان، كان العرف الشائع في تلك (الحضارة) عدم الاعتراف بأية حقوق للمرأة.

كما أن وضعها (بسبب جنسها) جعلها تحت الوصاية الدائمة، لا فرق في المرأة بين صغرها أو بلوغها سن الرشد، فهي تحت وصاية الأب أولاً، والزوج ثانياً: ولا تملك أية حرية في تصرفاتها، وهي في ذلك في الجملة موروثة لا وارثة (1) .

والنتيجة فالمرأة الرومانية كانت شيئاً من الأشياء التابعة للرجل وهي لذلك فاقدة لكل شخصيتها، ومحرومة من كل اعتبار لحرية تصرفاتها.

(1) الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة، البهي الخولي، ص 13.

ص: 332

6-

وحتى في أدبيات الإغريق، وهم أصل الحضارة الرومانية - والأوروبية عامة - لا نجد ذكراً حسناً للنساء، سواء في جمهورية أفلاطون أو محاوراته أو في كتابات وآثار تلاميذه الفلسفية وعلى رأسهم أرسطو.

بل هن رمز للخراب والدمار، كما صورتها الأقاصيص التي دارت حول حرب طروادة، فهيلين هي السبب في إضرام نيران تلك الحرب التي أحرقت الناس والبلاد. أو هي عنوان على القسوة والانتقام والاضطراب فنفوسهن تمتلئ بالنزوع الغرائزي، فهن لسن كالرجال بحكمتهم وإخلاصهم للواجب.

هكذا نقرأ عن كلتمنسترا وألكترا وأنتيجون في سائر أساطيرهم الممسرحة ليوربيس وأسخليوس وسوفكليس بشكل عام (1) .

وكان ديموستين خطيب اليونان الشهير يقسم النساء إلى قسمين:

قسم هن الخليلات للعناية براحة الرجال، وقسم هن الزوجات ليلدن الأولاد الشرعيين.

7-

وفي العصور الوسطي ثارت الشكوك حول إنسانية المرأة وطبيعة روحها، وقد عقدت مؤتمرات في روما للبحث حول المرأة وروحها، وهل تتمتع بروح كروح الرجال، أو أن روحها كروح الحيوانات مثل الثعابين والكلاب. بل إن أحد هذه الاجتماعات في روما قرر أنه لا روح لها، ولن تبعث بالتالي.

8-

أما في قبائل جزيرة العرب الجاهلية فقد وصلت المرأة إلى وضعية مزرية، فقد كانت عاراً يحرص أولياؤها الذكور على التخلص منها ووأدها حية ساعة ولادتها، وذلك بسبب الفقر، والخوف من السمعة الاجتماعية السيئة والمترتبة على انحرافها.

ولقد وقفت دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهورها ضد هذا الوضع الأليم، وجاهر القرآن الكريم به في آياته المتعددة وفي سياقات مختلفة فقال:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58 - 59] . وقال أيضاً جل من قائل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9]، وقال مرة أخرى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء:31] .

(1) الأدب الإغريقي، أحمد عثمان، عالم المعرفة - الكويت.

ص: 333

9-

أما الإسلام فقد جاء محرماً ، وأد البنات، ومعطياً للمرأة كرامتها وإنسانيتها وكامل أهليتها في جميع حقوقها وتصرفاتها تملكاً وبيعاً وشراء وزواجاً من غير وصاية عليها، أو تحديد، خلافاً لكثير من أوضاعها التي لا تزال قائمة في بعض قوانين العلم الحديث.

10-

فلا فرق في الإسلام بين الذكر والأنثى في الأهلية - حتى في أهلية الولاية لكل منها على الآخر - فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] .

بل ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع شأن المرأة فقال: ((الجنة تحت أقدام الأمهات)) (1) .

وسأل سائل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا رسول الله! من أحق بحسن صحبتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك)) (2) .

ولكن هناك بعض الملاحظات التي يثيرها المتشككون على مساواة المرأة في الحقوق للرجال في شريعة الإسلام. وهذه الشبه تنحصر في الأمور الآتية:

أولاً - عدم مساواة المرأة للرجل في نصاب الشهادة.

ثانياً - عدم مساواة المرأة للرجل في الميراث.

ثالثاً: استئثار الرجل بإيقاع الطلاق.

رابعاً - تعدد الزوجات.

خامساً - الحجاب.

(1) رواه ابن ماجه والنسائي والحاكم وصححه.

(2)

رواه البخاري ومسلم.

ص: 334

12-

أما فيما يتعلق بعدم مساواة المرأة الرجل في نصاب الشهادة عملاً بما جاء في القرآن الكريم: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة:282] . فليس ذلك من موضوع حقوق الإنسان، وإنما هو من موضوع الأعباء التي يدعى لتحملها الإنسان ويتوجب عليها أداؤها، وعملاً بقوله تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:283] .

وفي كل الأحوال فقد قبلت أحكام الإسلام شهادة المرأة في كل الأمور، والتي قد يعظم أحدها ويصبح ذا أثر كبير.

13-

أما فيما يتعلق بعدم مساواة المرأة للرجل في الميراث فهو زعم يناقض المبدأ الأصلي في المساواة الثابت في القرآن فيما بين حقوق النساء والرجال؛ في مثل قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] أي من الحقوق.

14-

فالقول بعدم مساواة المرأة للرجل اعتماداً على ما جاء في القرآن الكريم من الجهر بأن للذكر مثل حظ الأنثيين فهذا ليس مطلقاً في كل الأحوال، وإنما يصح في بعض الحالات لأسباب تتعلق بالعدل بين الجنسين. وقد نص القرآن العزيز على:

أولاً - المساواة في الإرث بين الأم من ولدها المتوفي إذا كان للمتوفي فروع ذكور.

ثانياً - نص التشريع الإسلامي أيضاً على المساواة في الإرث بين الأخت والأخ لأم إذا لم يكن لأخيهما المتوفي أصل مذكر ولا فرع وارث.

ثالثاً - يعدل عن هذا المبدأ (المساواة في الإرث بين الجنسين) أحياناً، تحقيقاً للعدالة، وفي حالات نظمها الشرع وحددها كما يلي:

أ- في حال وجود أولاد للمتوفي، فتبرز قاعدة:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] . وتشبهها حالات مماثلة قعدها الفقهاء.

ب- في حالة الزوجين، فالزوج يرث عن زوجته ضعف ما ترثه هي منه (1) .

أما العلة في ذلك - والله أعلم - فهي مسؤولية الإنفاق عند الاقتضاء، وهذه المسؤولية غالباً تقع على عاتق الرجل ووفقاً للقاعدة الشرعية (الغنم بالغرم) ، وهذا ينطبق على كل حالات التمييز الاقتصادي الذي قد يلاحظ في حالتي الميراث السابقتين وأمثالها من حالات التعصيب.

ومن قبل ومن بعد أية تعليلات نورد قوله تعالى الحكيم العليم: {آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:11] .

(1) من كتاب (أحكام التركات والمواريث) ، للإمام محمد أبو زهرة.

ص: 335

15-

وأما استئثار الرجل بإيقاع الطلاق، وقصر هذا الحق عليه دون المرأة. فهذا يعود إلى طبيعة الزواج في الإسلام لكونه عقداً مبنياً على التراضي العلني، ويقوم على العطاء المتبادل وفقاً للأحكام الشرعية (1) .

ولكن المرأة امتازت على الرجل باستحقاق المهر لها، وبالتالي فإن فسخ العقد (إيقاع الطلاق) من قبلها سيعد إضراراً بالطرف الآخر. ومن هنا كان تضييق هذا الفعل (الطلاق)(2) .

16-

وأما تعدد الزوجات فقد كان باباً مفتوحاً على مصراعيه قبل الإسلام، ومنذ الديانة اليهودية.. فقد كان حقاً مباحاً ولا زال في العصر الحاضر، ولكن بصور غير شرعية ولا إنسانية، لأنها تضر بحقوق المرأة الاجتماعية هي وأولادها.

أما إصلاح الإسلام الاجتماعي لهذا الوضع.. فقد جعله محدداً بأربع زوجات، لتكون العلاقات مبنية على الوضوح والحلال لضمان مصلحة الزوجة والأبناء، وكما قيد هذا الحق للرجال أيضاً بضرورة العدالة بين الزوجات في الحقوق، وجعل للزوجة في ذلك حق مراجعة القضاء عند عدم العدل:

يقول تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3] .

(1) انظر أيضاً: محمد محي الدين عبد الحميد، (الأحوال الشخصية في الشريعة) .

(2)

انظر أيضاً: قواعد الطلاق وحدوده في المدونة الكبرى.

ص: 336

17-

أما موضوع الحجاب فهو قد يبدو انتقاصاً من حق المرأة عند البعض الذي يرى أن من الحق للمرأة ارتداء ما تبغي، ونقول: إن هذا الأمر متعلق بأمرين:

أولاً: (تحريم العري) على كل من الرجال والنساء.

ثانياً: (فرض الحشمة والحياء) في الظهور بين الناس على كلا الجنسين حماية للأخلاق العامة. وهذا ما ميز الإنسان عن الحيوان باصطناع اللباس حماية لهيبته.. ولذا كان ستر العورة أول خطوات الإنسان المتحضر تمييزاً لنفسه عن الحيوانية المتوحشة.

وقد أقر الإسلام هذه المفاهيم الحضارية، حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] .

ومن ثم حدد محل العورة للرجل والمرأة، والحدود الدنيا في لباسهما في الصلاة والمعيشة اليومية. (1)

فليس من الإنسانية في شيء أن تعرض المرأة جسدها - ولو بإرادتها - وتختزل نفسها من إنسان خلقه الله وكرمه، إلى جسد يقضي فيه الشهوانيون وطرهم. وليت شعري لهذا قمة الاستعباد والاسترقاق.

18 -

والقرآن الكريم يجعل للمرأة حق المشاركة وإبداء الرأي في رضاع ابنها وفطامه وتربيته: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة: 233] .

والسنة تجعل للأم رأياً في زواج بناتها: ((آمروا النساء في بناتكم)) تجعل الرأي الأخير للبنت نفسها: ((البكر تستأذن وإذنها صمتها، والثيب أحق بنفسها)) (2) .

هذا بالإضافة إلى مظاهر الاستقلالية الاقتصادية التي تتمتع بها المرأة في التشريع الإسلامي.

20-

ولو انتقلنا إلى القانون المدني الفرنسي (قانون نابليون) في الفصل (271) وجدناه يقرر: أن المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تهب ولا تنقل ملكيتها، ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض أو بغيره بدون اشتراك زوجها في العقد، وموافقته عليه موافقة كتابية.

وهذا مما يدل على أن المرأة افتقدت أهليتها وشخصيتها واستقلاليتها حتى في أكثر التشريعات تقدماً، بل وفقدت في العرف الجاري اسمها ونسبها العائلي الخاص، وصارت من متعلقات زوجها! فيما ظل التاريخ يذكر لنا عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر وغيرهما من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، مع اقترانهن بخير الناس.

20-

بل يرى البلاذري في (فتوح البلدان) أن الشفاء العدوية كانت كاتبة في الجاهلية، وكانت تعلم الفتيات، وأن حفصة بنت عمر تعلمت منها القراءة والكتابة، قبل زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلما تزوجها طلب إلى الشفاء أن تتابع تعليمها وتثقيفها وأن تعلمها تحسين الخط وتزيينه كما علمتها الكتابة.

* * *

(1) وراجع أيضاً: (روح الدين الإسلامي) ، لعفيف عبد الفتاح طبارة.

(2)

أبو داود والنسائي.

ص: 337

الرق

1-

مبحث الرق في الإسلام لم ينقض عهده بعد لسببين:

أ- سبب واقعي ألا وهو تصفية الرق بكافة صوره.. تلك العملية التي لم تتم بعد في أرجاء المعمورة، فما زالت تجارة الرقيق منتشرة في كثير من البلدان التي تعاني من الفقر الشديد في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ونشأت بالتالي شبكات دولية على اتصال بالعالم الأوروبي تنظم ترحيل المسترقين إلى مسترقيهم، لتنهض بالتالي تجارة مربحة على أشكال مختلفة عن تجارة العبيد التقليدية.

وبالإضافة إلى وجود علاقات عبودية في أماكن بأفريقيا نوهت إليها منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، وخاصة منظمات العفو الدولية سنة 1988م والمنظمة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة. (1)

ب- سبب بحثي تاريخي: وذلك ليعلم الدارسون منهج الإسلام في معالجة الأمور الاجتماعية، وأسلوبه في تغطية هذه القضية الإنسانية الحيوية المهمة التي ظلت عبئاً على ضمير العالم أحقاباً.

2-

فحق حرية الإرادة الإنسانية من أهم الحقوق، لأن المؤمن يعتقد أن إرادته لا تملك إلا من قبل خالقه جل شأنه.

ولكن كيف كان موقف الإسلام من هذا الوضع؟

ما كان الرق مجرد عادة اجتماعية وأخلاقية بغيضة، بل كان نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً راسياً بين الناس، ولذا كان هدمه بقرار مفاجئ ذا عواقب وخيمة، ومن ثم سعى الإسلام إلى معالجة الأمر بفتح باب العتق على مصراعيه في كل حادث من حوادث الشخص. وحبب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في إعتاق الرقيق وحسن معاملتهم، فعن أبي بردة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن أدبها، ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران، ومؤمن من أهل الكتاب الذي كان مؤمناً، ثم يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم فله أجران، والعبد الذي يؤدي حق الله، وينصح لسيده فله أجران)) (2) ويؤدبها: يعلمها الأخلاق الحميدة، ويحسن: أي يرفق.

(1) الكتاب الأسود السنوي الذي تصدره الإمنستي - البيان الختامي سنة 1988م.

(2)

مختصر ابن أبي جمرة، تأليف الشنواني، ويلاحظ أيضاً حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إدماج الرقيق في المجتمع.

ص: 338

الطفولة والأبناء

1-

وتأتي التوصية الإسلامية على الأبناء، وحرص الدين على رعاية النشء دليلاً على عنايته بحقوق الفئات الضعيفة في المجتمع، ومنهم الصغار.

2-

فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب في ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله عز وجل فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه)) ، فبايعناه على ذلك (1) .

ويشرح الشنواني قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تقتلوا أولادكم)) بأنه كانت الجاهلية تفعل ذلك عند المجاعة، خصوصاً الإناث. وقال محمد بن إسماعيل التيمي وغيره: خص القتل بالأولاد، لأنه قتل وقطيعة رحم، فالعناية به آكد، أو لأنه كان شائعاً فيهم، وهو وأد البنات، أو قتل البنين خشية الإملاق، أو خصهم بالذكر لأنهم بصدد ألا يدفعوا عن أنفسهم (2) .

4-

وهكذا بدأ الإسلام بإقرار حق الحياة للأبناء، ثم أتبعها بالحقوق الأخرى كحق النفقة، ومن قبل ذلك اختيار الاسم المناسب والأجمل، والرعاية الصحية، واحتساب نفقة للأم المطلقة الحاضنة. إذ يقول تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((وإذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فصدقة)) (3) . وقوله على أهله: أي عياله من زوجة وولد (4) .

وقوله يحتسبها: أي يريد بها وجه الله تعالى.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني امرأة معها ابنتاها تسألني، فلم أجد شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها، فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته، فقال:((من يلي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهنَّ كن له ستراً من النار)) .

(1) حاشية على مختصر ابن أبي جمرة للبخاري، باب كيف كانت مبايعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

محمد بن علي الشافعي الشنواني المتوفي سنة 1233 هـ (مختصر ابن أبي جمرة) .

(3)

صحيح البخاري، باب ما جاء أن الأعمال بالنيات.

(4)

وقد ذكره البخاري في باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، عن أبي مسعود.

ص: 339

5-

ووقع في حديث أنس عند مسلم: ((من عال جاريتين)) ، ولأحمد في حديث أم سلمة:((من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذاتي قرابة محتسباً عليهما)) ، والذي وقع في أكثر الروايات بلفظ الإحسان. وفي رواية عبد المجيد:((فصبر عليهن)) ، ومثله في حديث عقبة بن عامر في الأدب المفرد، وزاد:((وأطعمهن وسقاهن وكساهن)) ، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني:((فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن تأديبهن)) ، وفي حديث جابر عند أحمد، وفي الأدب المفرد:((يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن)) . زاد الطبراني: ((ويزوجهن)) ، وله نحوه في حديث أبي هريرة في الأوسط والترمذي (1) .

ويقول جل شأنه في تلك المعاني: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] .

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع)) رواه الترمذي من رواية ناصح.

وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم)) رواه ابن ماجه (2) .

* * *

(1) الترغيب والترهيب من الحديث الشريف: 3 / 72.

(2)

انظر كذلك الترغيب والترهيب للإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، المتوفى سنة 656 هـ: 3/ 66.

ص: 340

حقوق الإنسان السياسية

1-

لأن السياسة هي التي تسوس الناس، ولأن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن، كانت حقوق الإنسان السياسية من علامات النهوض والتماسك والترقي في المجتمعات.

والأمة الإسلامية لم تعدم - من خلال الفقه - من ينظم ويقعد القواعد والتنظيرات للسياسة. فالأمة في الإسلام هي صاحبة السلطة؛ فهي التي تختار حاكمها، وهي التي تقدم له المشورة، وتنصح له وتعينه وتقيله إذا انحرف أو جار. والخليفة في الإسلام ليس نائباً عن الله، بل هو وكيل الأمة.

أخرج الإمام أحمد عن أبي مليكة: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله.

قال: أنا خليفة رسول الله.

فللناس في المجتمع الإسلامي - على الحاكم - حق النصح والإرشاد، وله عليهم السمع والطاعة في المعروف. فأبو بكر الصديق رضي الله عنه حين ولي الخلافة خطب خطبته الشهيرة فقال:"إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني، القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".

وعمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة وبايعه الناس قام يخطبهم فقال: "إنما أنا كأحدكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً ".

ويروي لنا الإمام البخاري عن عائشة قالت: لما استخلف أبو بكر قال: "لقد علم قومي أن حرفتي لم تعجز عن مؤونة أهلي، وقد شغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وسأحترف للمسلمين"(أي أعمل كمستخدم عندهم) .

ص: 341

ويدخل العالم الجليل أبو مسلم الخولاني على معاوية أمير المؤمنين فيقول له في صراحة: السلام عليكم أيها الأجير، ويقول جلساؤه: قل السلام عليك أيها الأمير، فيقول أبو مسلم: السلام عليك أيها الأجير، فيعيدون قولهم، ويعيد قوله، وهنا يقول معاوية: دعوا أبا مسلم فهو أدرى بما يقول.

وهذا مما يدل على ما رسا في السياسة الإسلامية من مسؤولية كل مسلم في مقابل الحاكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأينا بالتالي في التاريخ الراشد كيف تخطِّئ امرأة خليفة على المنبر، فلا يجد غضاضة أن يعلن على الناس: أصابت امرأة وأخطأ عمر.

3-

واعتبر الإسلام التزام الصمت والموقف السلبي من الشر والمنكر، وعدم محاولة كفه ومنعه اعتبره ذنباً عظيماً في حق المجتمع. ولذلك ذكر القرآن الكريم أن سبب انحطاط بني إسرائيل هو عدم تناهيهم عن المنكر:{كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:79] .

واعتبر الإسلام ذلك السكوت سبباً من أسباب سخطه، لذا كثيرًا ما نطالع في القرآن الكريم الآيات التي تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحث عليه (1) .

ويرى التنظير الإسلامي في السياسة نصب الإمام ضرورة لحماية حقوق الناس ورعاية مصالحهم، فيجب نصب إمام يقوم بحراسة الدين وسياسة أمور المسلمين، وكف أيدي المعتدين، وإنصاف المظلومين من الظالمين، ويأخذ الحقوق من مواقعها، ويضعها جمعاً وصرفاً في مواضعها، فإن بذلك صلاح البلاد وأمن العباد، وقطع مواد الفساد، لأن الخلق لا تصلح أحوالهم إلا بسلطان يقوم بسياستهم، أو يتجرد لحراستهم (2) .

(1) كمثل قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة: 71] . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً

"مختصر شرح الجامع الصغير للمناوي.

(2)

تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، للإمام بدر الدين بن جماعة، الباب الأول في وجوب الإمامة وشروط الإمام وأحكامه.

ص: 342

5-

وحددت صلاحيات الحاكم، وقيدت، ولم تترك سلطاته مطلقة في رقاب العباد. بل يقول مولانا جل شأنه:{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] .

وقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] ، فضمن سبحانه نصرة الملوك بهذه الشروط الأربعة، كما قال الإمام بدر الدين بن جماعة في تحرير الأحكام (باب الإمامة)، وعن علي رضي الله عنه:"إمام عادل خير من مطر وابل". (1)

6-

وتخضع شروط اختبار الحاكم في الأدبيات الإسلامية لعناية ومظاهر، ذلك ما نجده من تدقيق في أحكام البيعة والحكم والخلافة، حتى لتعد فصلاً ثابتاً في أبواب فقه الأحكام الشرعية والسياسية.

ومثال على ذلك كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وكتاب تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام لابن جماعة، والذي يقول:"لو كانت شروط الخلافة في جماعة صالحة لها، قدم أهل الحل والعقد أصلحهم للناس، فإن عقدت للفضول جاز عند أكثر العلماء، ولو كان أحدهم أعلم مثلاً والآخر أشجع مثلاً: فالأولى أن يقدم منهما من يقتضيه حال الوقت".

7-

وفي الباب الثاني من كتابه (فيما للخليفة والسلطان وما عليه مما هو مفوض إليه) يحصي ابن جماعة عشرة حقوق للسلطان والخليفة على الأمة، ولهم عليه عشرة حقوق.

أما حقوق السلطان العشرة: فالحق الأول: بذل الطاعة له إلا أن يكون معصية، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((السمع والطاعة على المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية)) .

الحق الثاني: بذل النصيحة له سراً وعلانية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) ، قالوا: لمن؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم)) (2) . الحق الثالث: القيام بنصرته. والحق الرابع: أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره. والحق الخامس: إيقاظه عند غفلته. والحق السادس: تحذيره من عدوه. والسابع: إعلامه بسيرة عماله. والثامن: إعانته. والتاسع: رد القلوب النافرة عنه إليه. والحق العاشر: الذب عنه.

(1) أورده القضاعي، دستور معالم الحكم في كلام أمير المؤمنين.

(2)

تحرير الأحكام، الباب الأول: في وجوب الإقامة وشروطهما، فصل (3) .

ص: 343

8-

وأما حقوق الرعية العشرة على السلطان: فالأول: حماية بيضة الإسلام. والحق الثاني: حفظ الدين. والثالث: إقامة شعائر الإسلام. والرابع: فصل القضايا والأحكام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل راع مسؤول عن رعيته)) . والحق الخامس: إقامة فرض الجهاد بنفسه وبجيوشه أو سراياه وبعوثه. والسادس: إقامة الحدود الشرعية. والسابع: جباية الزكوات. والثامن: النظر في أوقاف البر. والحق التاسع: النظر في قسم الغنائم. والعاشر العدل. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل:90] . وقال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:152] .

وفي كلام الحكمة والتي أوردها الإمام بدر الدين ابن جماعة: "عدل الملك حياة الرعية، وروح المملكة، فما بقاء جسد لا روح فيه ".

وهكذا اهتدى الفكر السياسي الإسلامي إلى تنظيم هذه العلاقة الخطيرة الشأن بين الحاكم والمحكوم.. لتقوم العلاقة بينهما على الثقة والانسجام.. وتبتعد عن أي توتر.

9-

وتأتي الشورى كتعبير عن حق المشاركة في تسيير الأمور، والتي يعبر عنها بحقوق الترشيح والانتخاب، بعد أن كثر الناس وتعقدت المؤسسات وتوسعت البنى.

قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159]، وقال الحسن: وكان الله غنياً عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستن للأمة (1)، وعنه: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم (2)، وقيل: من كثرت مشاورته، حمدت إمارته (3) .

ولأن المشورة تطييب لقلوب الرعية وإشعار لهم بحق المواطنة، وتشعرهم بأن البلاد لهم، وليسوا مجرد كائنات تحيا على هذه الأرض.

والحكماء يعدون المشورة من أساس المملكة وقواعد السلطنة (4) ، وما زالت المشاورة من عادات الأنبياء، حتى إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أمر بذبح ولده، ومع ذلك لم يدع مشاورته مع صباه (5) .

وقيل: من طلب الرخصة عند المشورة أخطأ رأيه، أو في المداواة زاد مرضه، أو في الفتيا أثم (6) . وقيل: أصدق الخبر تصدقك المشورة (7) .

(1) تفسير الطبري: 3/ 101.

(2)

بهجة المجالس لابن عبد البر: 1/ 449.

(3)

سراج الملوك، ص 145.

(4)

سراج الملوك، ص 63.

(5)

سراج الملوك، ص 64.

(6)

كلية ودمنة، طبعة الشعب، ص 46.

(7)

سراج الملوك، ص 64.

ص: 344

ويتضح لنا أن عنصر المشاركة الإيجابية الفاعلة من قبل المواطن في شؤون السياسة حق مكفول في الفقه الإسلامي، وإذا سلمنا بأن المشاركة هي أرقى أنواع الحقوق السياسية، وعلى حد تعبير أحد الحقوقيين عنها فهي:"الحقوق السياسية أو الدستورية، وهي السلطات المقررة للأشخاص باعتبارهم أعضاء في هيئة سياسية والتي تمكنهم من الاشتراك في الحكم. وأهم هذه الحقوق هي حق الانتخاب وحق الترشيح وحق تولى الوظائف العامة"(1) .

10-

وكما لاحظ صاحب كتاب (التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي) فـ الشورى لم تقرر نتيجة لحال الجماعة، فقد كان العرب في أدنى درجات الجهل وفي غاية التأخر والانحطاط، وإنما قررت الشريعة نظرية الشورى، لأنها قبل كل شيء من مستلزمات الشريعة الكاملة الدائمة المستعصية على التبديل والتعديل (2) .

11-

ويرى أحد المفكرين العرب أن الشورى لها أهمية عظيمة، لذا قرنت بفرض الصلاة والصدقة واجتناب الفواحش، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 37 - 38](3) .

* * *

(1) كتاب (نظرية الحق) ، الدكتور محمد سامي مدكور، دار الفكر العربي - القاهرة، ص 10.

(2)

عبد القادر عودة، (التشريع الجنائي الإسلامي - مقارناً بالقانون الوضعي) : 1/37، مؤسسة الرسالة - الطبعة الثامنة.

(3)

والمفكر هو الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه (النظام السياسي في الإسلام) دار القرآن الكريم، ص 80.

ص: 345

حقوق الإنسان المدنية

1-

ينبني المجتمع المدني على قاعدة أساسية، ألا وهي القضاء، فالقضاء ضمان للعدل، والعدل ركيز العمل المنتج والإبداع والعمران، ولما كان الإسلام حريصاً على إرساء قيم التحضر، فقد ارتكنت قوانينه التشريعية على قواعد قضائية راقية تضمن حق الإنسان، وتصون حياته وحريته.

2-

رغم بشاعة جرم الزنا، لما يشكله من اعتداء على الأعراض واختلاط في الأنساب، إلا أن الشارع القرآني لم يعاقب عليه إلا بعد ثبوت ارتكابه بأربعة شهود عدول، واعتبر الشاهد الواحد غير كاف وأنزل فيه عقوبة الجلد فيما لو جاء يعلن ذلك وحده، وكذلك فعل مع الشاهدين، وكذلك فعل مع الشهود الثلاثة، واعتبر أقل الشروط للثبوت، أربعة شهود صادقين غير متهمين. وأن يروا ذلك العمل بشكل لا شك فيه، ولا يكتفى فيه برؤية المتهمين عاريين وملتصقين (1) .

كل هذا التدقيق كان صيانة لحق الإنسان (حتى لو كان مجرماً) في محاكمة عادلة لا تنقصه شيئاً من حقوقه.

3-

وتزيد على ذلك ما لم ينته إليه المقننون المحدثون، وقد نص عليه القرآن الكريم بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8] ، ويستدل بهذه الآية الكريمة على تنفيذ العدل بلا تمييز في تطبيقه بسبب الحقد والعداء.

(1) انظر كتاب: (الدستور القرآني والسنة النبوية في شؤون الحياة) ، لمحمد عزة دروزة، ص 383 - 384.

ص: 346

ولا بد من الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية اتجهت في نظامها القانوني المحكم إلى تعزيز الشهادة حتى لا تكون عرضة للاتهام. ولذلك عززت شهادة الرجل الواحد بشهادة رجل آخر، ضماناً لـ حقوق الإنسان (المحاكم) . وكذلك عززت، شهادة المرأة بشهادة امرأة أخرى (1) .

وبعد ضمان إجراءات التقاضي العادلة، يأتي تنفيذ الأحكام (الحدود) ، وقد تحفظت منظمات حقوقية عديدة على ما سمته (العقوبات الجسدية) في حالات السرقة، والزنا، والسكر. وهي أحكام مطبقة في الإسلام بشروط معروفة، ويزول الاستنكار عندما نعلم أثر هذه العقوبات في اجتثاث الجريمة بمجرد الإعلان عنها، وبمقارنة نسبة الجرائم في مجتمع مسلم يطبق الحدود وآخر يتجاهلها.

6-

وإذا ابتعدنا عن القضاء كمظهر من مظاهر المجتمع المدني الراقي، نجد أن الحرية المدنية بمعانيها الأخرى متوفرة في الإسلام والتي تضمن تواجد المرء في مجتمع تواجداً مثمراً. وتعني في أحد تعريفاتها: أهلية الإنسان لتحمل الالتزامات والتمتع بالحقوق، كإجراء العقود والتملك والتصرف وغيرها (2) .

ولم يميز الإسلام في ذلك الحق بين مسلم وذمي، وامرأة ورجل.. فقد ظلت المرأة المسلمة تمارس حقها في التصرف بمالها، بيعاً وشراء وتوريثاً وعقوداً، مستقلة عن زوجها متمتعة بشخصيتها الخاصة.

* * *

(1) كفاية الأخبار، ص 520.

(2)

الدكتور يوسف الكتاني، مجلة دعوة الحق - العدد (236) . وهناك تعريف آخر للحقوق المدنية، ألا وهو الذي أورده الدكتور سامي مدكور في كتابه القانوني (نظرية الحق) ويقول:"الحقوق المدنية أو الحقوق الخاصة هي السلطات المقررة في القانون الخاص للأشخاص والتي تمكنهم من إبداء نشاطهم في المحيط العائلي " ص 12.

ص: 347

المساواة

1-

من الحقوق الأساسية التي شرعها الإسلام المساواة، يقول تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] (1) .

ويقول أيضاً جل شأنه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] .

وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله وفعله، لأن هذا المبدأ اعتبر أصلاً في أصول الإسلام. فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع:((يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب)) .

وقد غضب غضباً لم ير مثله على وجهه الشريف، عندما سمع أبا ذر الغفاري يحتد على بلال ويعيره بلونه قائلاً: يا ابن السوداء! فزجره الرسول صلى الله عليه وسلم ورده بقوله: ((يا أبا ذر أعيرته بأمه، إنك أمرؤ فيك جاهلية. إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)) (2) .

فاستجاب أبو ذر لأمر رسول صلى الله عليه وسلم، ووضع خده على الأرض، وأقسم أن يطأه بلال برجله توبة وتكفيراً عما صدر عنه من أخلاق جاهلية.

(1) إذا الناس متساوون في جميع مناحي الحياة، وفي الحقوق المدنية والمسؤولية والعقاب، وفي جميع الحقوق العامة، فبنوا البشر متساوون في طبيعتهم البشرية ولا تفاضل بينهم، بحسب الخلق أو العنصر أو اللون أو السلالة، وإنما هم يتفاضلون بكفاءتهم وأخلاقهم وأعمالهم.

(2)

صحيح البخاري: 1/ 13، دار الفكر.

ص: 348

3-

ويؤكد الإسلام نبذه لأي شكل من أشكال التمييز بين نبي البشر، يقول القرآن الكريم:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء:1](1) .

فنادى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: ((الناس سواسية كأسنان المشط، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، كلكم لآدم وآدم من تراب)) .

فالإسلام جعل من بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي دعاة وقادة وحكاماً، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلمان إنه من أهله وآل بيته.

وتقوم المساواة في الإسلام في جميع النواحي الحياتية؛ فهناك التسوية بين الناس في الحقوق المدنية والمسؤولية والجزاء، فيقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135] .

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها)) (2) .

5-

ويظل قول عمر رضي الله عنه في رسالته إلى أبي موسى الأشعري مثلاً للإنسانية؛ إذ يقول يوصيه: "ساو بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك".

وضرب صلى الله عليه وسلم بنفسه مثلاً للمساواة في العمل حتى شارك أصحابه في بناء المسجد النبوي، وقال:((ما أكل أحد طعاماً خيراً من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من كد يده)) .

(1) وينفي القرآن أي شكل من أشكال الاستعلاء العرقي أو التمييز العنصري على أساس اللون أو مقولات الجنس الأسمى، أو شعب الله المختار أو الشعوب المنحطة بطبيعتها، أو المنبوذين

وغيرها من صور اللامساواة.

(2)

صحيح البخاري: 5 / 91، دار الفكر.

ص: 349

6-

كذلك سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في القرآن الكريم يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] .

ويقول أيضاً: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] .

7-

كذلك سوى الإسلام بين المسلمين وغيرهم، فأعطى للذميين في المجتمع الإسلامي نفس الحقوق التي للمسلمين، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:((لهم ما لنا وعليهم ما علينا)) (1) .

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((من قذف ذمياً حد له يوم القيامة بسياط من نار)) . ((من آذى ذمياً فإني خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة)) (2) .

8-

وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين بالمثال عن نفسه وذويه فقال بما هو بيان وتأكيد للتشريع وهو يتحدث إلى ذويه: ((لا يأتين الناس إليَّ بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) (3) .

ثم يجئ عمر فيقيم الحد على ولده في ذنب ألم به. ويأمر بالقصاص من ابن عمرو بن العاص، ويأمر كذلك بالقصاص للأعرابي الذي لطمه ابن الأيهم وهو من الأيهم وهو من أمراء الغساسنة أثناء طوافهما بالكعبة، فيقتص الأعرابي ويلطم الأمير.

9-

فالمساواة إذن حق إنساني مقرر في الإسلام قبل أن تقرره المواثيق الدولية الخاصة بـ حقوق الإنسان، فاجتمعا على ضرورة التسوية بين بني البشر، وإنهاء ما ثبت في الأحقاب السابقة من تمييز لا يليق بعصرنا الحاضر. (4)

* * *

(1) قالها صلى الله عليه وسلم ليهود المدينة حتى لا توقع على أهل الذمة الحدود الإسلامية فيما لا يحرمون، ولا يدعون إلى القضاء في أيام أعيادهم.

(2)

مختصر شرح الجامع الصغير.

(3)

انظر أيضاً: علي عبد الواحد وافي، المساواة في الإسلام، دار المعارف، سنة 1962 م.

(4)

محمود شلتوت، الإسلام عقدية وشريعة، ص 24 - 25، دار القلم.

ص: 350

حقوق الإنسان الاقتصادية

1-

ينظم الإسلام وظيفة رأس المال ويحميه بكل ما يمنعه من السيطرة والاستغلال، ويحول دون تضخم الثروات وتجميعها في يد واحدة بما قرره من إرث ووصية وزكاة وصدقات وكفارات.

2-

وقد عرضت الزكوات على الناس في عهد عمر بن عبد العزيز، فلم تجد من يقبلها لكفاية الناس وعدم حاجتهم، فقد أرسى الإسلام دعائم العدالة الاقتصادية الاجتماعية، إذ أدان رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم: إذا بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم بذلك، وإن ((من له فضل من ظهر فليعد به على من لا ظهر له)) ، وعلى أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، و "لا يموت الناس على أنصاف بطونهم"، كما نادى عمر في عام المجاعة و "أيما عرصة أمست وفيها جائع فقد برأت منها ذمة الله ورسوله "، وحتى ذهب عبد الله بن عمر في شرح قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)) بأن من ترك أخاه المسلم يجوع ويعرى، وهو قادر على طعامه وكسوته، فقد ظلمه وأسلمه، وقد أكد هذا المعنى ابن حزم في (المحلى) بقوله:"وفرض على الأغنياء، من أهل كل بلد، أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، وإن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف مثل ذلك، وبمسكن يقيهم من المطر والصيف وعيون المارة".

3-

كما جعل الإسلام على بيت المال الإنفاق على القاصرين عن الكسب كالشيخ الفاني، والمرأة التي لا تجد من ينفق عليها، ولا فرق بين المسلم والذمي في ذلك، وقصة عمر مع الذمي الضرير معروفة مشهورة.

4-

وبعد أن كفل الإسلام حق الجماعة، وضمن حقوق الآخرين في المال شدد في نفس الوقت وبتوازن على حرمة المال الخاص وحذر من إتلافه، ففي البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله)) إلا أن يكون معروفاً بالصبر فيؤثر على نفسه، ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر حين تصدق بماله، وكذلك آثر الأنصار المهاجرين، ونهى النبي عن إضاعة المال، فليس له أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة (1) .

* * *

(1) مختصر ابن أبي جمرة للبخاري، وهو حديث معلق.

ص: 351

حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق

1-

ولم يكتف الإسلام بالأمر المكتوب في قرآنه المجيد، بل حض عمليًّا على تنفيذ ما يأمر به، ووضعه موضع الفعل، ومن ثم وضع الوسائل الكفيلة بجعل حقوق الإنسان واقعاً ملموساً:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2] .

2-

ومن الأمور المهمة التي نبدأ بالتنويه إليها، والتي حرص الإسلام على إحقاقها، حقوق غير المسلمين:((فلهم ما لنا وعليهم ما علينا)) - على حد القول الشريف - فالحقوق الإنسانية إذن لا تقتصر على مواطني الدولة المسلمين فقط، بل تمتد لتشمل كل من يعيش في دار الإسلام.

3-

وفي التاريخ الإسلامي مواقف مشرقة فيها الخلفاء من الصحابة والتابعين، ومن قبلهم إمامهم صلى الله عليه وسلم.

فالإسلام أمر بالبر بسائر الناس مهما اختلف المسلمون معهم في الدين والعرق والأوطان، كما نص على ذلك القرآن الكريم، ما لم يقاتلونا في الدين أو يخرجونا من ديارنا. وقد قال ربنا في ذلك:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] .

وبذلك وضع القرآن أعظم قواعد التعاون الإنساني مقروناً بعرض البر من جانب واحد هو الإسلام، منطلقاً في ذلك من حرية العقيدة وعدم جواز الإكراه فيها، ومنفتحاً بموجب العقيدة الإسلامية على كل إنسان وبخاصة المسيحيين على اختلاف مذاهبهم، حيث يجهر المولى في قرآنه:{وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82] .

ص: 352

4-

ومن مواقف الماضي الإسلامي: هذا الموقف الذي يدل على بر الإسلام بالعالم المسيحي. ويعود الحادث إلى كنيستهم الأم في القدس حين انتصار الإسلام واندحار بيزنطة.

وذلك أن الحرب التي شنها البيزنطيون على المسلمين، وما انتهت إليه من نصر للمسلمين لم ينقص شيئاً من بر الإسلام والمسلمين بالكاثوليك خاصة وبالمسيحيين عامة، وقد ظهرت هذه الحقيقة كأروع ما تكون بالعهد الذي أعطاه الخليفة عمر بن الخطاب بعد دخوله القدس بناء على طلب بطرك الكنيسة الكاثوليكية في القدس صفرونيوس، حيث قال:"أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وألا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من خيرها، وألا يسكن معهم أحد من اليهود". وذلك في ميثاق مكتوب وموقع منه إلى بطرك الكنيسة صفرونيوس، وقضى بذلك على كل ما يمكن أن يكون من مخاوف لدى المسيحيين من الفاتحين المسلمين، وظل المسلمون على الوفاء بهذا العهد حتى يومنا هذا، مما قد انفرد به الإسلام على الدوام في تاريخ حروب الأديان المنتصرة (1) .

(1) هذا إذا التفتنا إلى تعريف الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو للقانون إذ يقول: "القانون هو الذي يجعل المنتصر يترك للمغلوبين أشياءهم الرئيسية، حياتهم، وحريتهم وقوانينهم وأموالهم ودينهم". أما عهد الصلح الذي أمضاه عمر بن الخطاب - عليه رضوان الله - مع أسقف بيت المقدس صفرونيوس فهذا نصه كاملاً: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبناهم، سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها من ولا خيرها، ولا من طيبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم - أي من الروم - وهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء، أن يسير بنفسه وماله ويخلى ببيعهم وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد، وعليه ما على أهالي إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم.. ".

ص: 353

5-

وبينما يحفل التاريخ القديم بمجازر عنصرية وطائفية لا نجد من الإسلام إلا تسامحاً تجاه أبناء الديانات الأخرى، وأما العناصر العرقية، فقد ذوبها الإسلام في بوتقته، وصهرها صهراً، فما عادت النزعات الجنسية تجرؤ على أن تطل برأسها البغيض إلا في أزمنة الفتن (كالشعوبية) أو حرب الخليج الأولى (بين العراق وإيران)(1) .

(1) على نهج الإسلام المتسامح في المقابل تمضي وصايا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للمجاهدين فيقول: "اغزوا في سبيل الله، وفي سبيل الله تقاتلون من صد عن سبيل الله، ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا امرأة ولا طفلاً ". وعلى نفس الطريق يسير أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيقول لأحد قادة الشام (يزيد بن أبي سفيان) : "إنك ستجد قوماً حبسوا أنفسهم لله - يعني الرهبان في الأديرة - فذرهم وما حبسوا أنفسهم له.. إني موصيك بعشر: لا تغدر، ولا تمثل، ولا تقتل هرمًا، ولا امرأة، ولا وليداً، ولا تعقرن شاة ولا بعيراً، ولا تحرقوا نخلاً، ولا تخربوا عامراً، ولا تغلوا، ولا تجبنوا عند اللقاء". ويمضي عمر على نفس السبيل فيوصي قادته: "امضوا باسم الله على عون الله، وبتأييد من الله، وما النصر إلا من عند الله، والزموا الحق والصبر، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند المقدرة، ولا تسرفوا عند الغلبة، ولا تقتلوا شيخاً، ولا امرأة، ولا وليدا ً، واحذروا قتلهم - أي الشيخ والمرأة والوليد - إذا التقى الجمعان، وعند شن الغارات". ومن وصايا عمر رضي الله عنه أيضاً: "إن الله أفضل العدة على العدو، فكونوا أشد احتراساً من المعاصي، فإن ذنوب الجيوش أقوى عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بمعصية العدو لله، ولولا ذلك لن يكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كانت الغلبة لهم والهزيمة لنا ". وانظر كتاب: (مع القرآن الكريم) ، لعبد العزيز سرحان وآخرون، القاهرة.

ص: 354

6-

ولم نسمع في تاريخ الإسلام الممتد في الوجود عبر أربعة عشر قرناً عن تصفية طائفية كما يفعل في المسلمين البورمانيين سكان بورما، أو عن تطهير عرقي كما يحدث في البوسنة والهرسك على أيدي الصرب، أو كما حدث من قبل في أفران الغاز التي نصبها الحكم النازي الهتلري لليهود، أو كما نجد من بطش الصهاينة بالإخوة الفلسطينيين في فلسطين ولبنان، حيث يسومونهم القصف والتهديد والتشريد بأسلوب أقل ما يوصف بأنه منتهك لـ حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن في مجرد سلبهم حقهم في وطنهم والعيش على أرضهم طغيان ما بعده طغيان.

وكل هذا الذي يحدث وحدث في الاتحاد اليوغسلافي (السابق) ، أو في الهولوكست الألماني، أو في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يمت بصلة إلى قيم هذا الدين الذي يدعو إلى حفظ حقوق الإنسان واحترام انتمائه المتمايز.

أين هذا من التطبيق الإسلامي العمري إذ يعلمنا عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - درساً في التسامح والاعتراف بالهوية المغايرة للآخرين، ويأمر برفع الجزية عن يهودي كهل أثقلته الحاجة، وصار يسأل الناس إلحافاً، ولم يسعد هذا الخليفة الفاروق، لأنه لا يجوز كما عبر (أن نستخدمه شاباً ونضيمه كبيراً) .

8-

أما فيما يظهر لأجنبي عن الإسلام من قيد على المرأة المسلمة في حرمة زواجها من غير مسلم واعتبار ذلك مخالفاً للمادة السادسة عشرة من (الإعلان العالمي لـ حقوق الإنسان) فنقول - والله أعلم -: إن الإعلان العالمي يعطي للرجل أو المرأة متى بلغا سن الزواج الحق بالتزويج بدون قيد للحرية في الزواج بسبب الدين، وإنما ينطلق الإسلام من ذلك التحريم من مبدأ وجوب حماية الأسرة من الانحلال بسبب الاختلاف في الدين عند عدم احترام الزوج بموجب عقيدته لمقدسات زوجته، لأن المرأة في الأسرة هي أحد عنصريها الأكثر حساسية بسبب شعورها بالضعف أمام الرجل.

ص: 355

9-

ويتفرع عن تلك الحالات الثلاث التالية المختلفة في أحكامها، ولكنها كلها تنطلق من منطلق واحد هو الذي شرحنا في الفقرة السابقة، وهذه الحالات هي:

أولاً: زواج المسلم من امرأة وثنية لا تؤمن بالله مطلقاً حرمه الإسلام، لأن عقيدة المسلم لا يمكن أن تحترم بحال من الأحوال مقدسات هذه الزوجة أو معتقداتها، مما يعرض الأسرة عندئذ للانحلال والخصام، والإسلام يعتبر الطلاق من أبغض الحلال إلى الله، ولذلك لا يشجع عليه، لذا كان من المنطقي تحريم هذا الزواج.

يقول تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} والسبب كما تقول الآية أيضاً: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221] .

ثانياً: زواج المسلم من امرأة مسيحية أو يهودية، فقد أباحه الإسلام (1) . يقول تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5] .

لأن الإسلام يقدس السيد المسيح بصفته رسولاً من الله ولد بمعجزة خارقة ويقدس أمه السيدة مريم ويبرئها مما اتهمها به اليهود، وكذلك يقدس موسى ويعتبره رسول الله إلى بني إسرائيل، ويقول تعالى:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] .

ثالثاً: زواج غير المسلم من المسلمة حرمه الإسلام، يقول تعالى:{وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة:221] .

(1) ويرى بعض الفقهاء أن هذا الحق مقيد وغير مطلق. انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج، سنة 1377هـ / 1958م، باب النكاح لمن تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه، ص 186؛ وكتاب (نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج) في الفقه على المذهب الشافعي، الجزء السادس.

ص: 356

10-

أما فيما يتعلق بحرمة تغيير الدين الإسلامي قيد يخالف المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لـ حقوق الإنسان، والتي أعطت لكل شخص الحق في تغيير دينه، فيقول: إن منطق الإسلام هنا أيضاً لا ينطلق من حيث إنه قيد للحرية بقدر ما هو رفع لمكيدة يهودية حدثت في صدر الإسلام حين أعلن جميع عرب المدينة إسلامهم واتحدت كلمتهم بعد خصومة مسلحة بينهم حاكها اليهود اللاجئون، ففكر اليهود عندئذ بخبث على أن يدخل بعضهم في الإسلام ثم يرتد عنه ليشكك العرب في دينهم ويضللهم في معتقدهم، فتولد عن ذلك الحكم في منع تغيير المسلم لدينه من العقوبة عليه، حتى لا يدخل أحد في الإسلام إلا بعد سبق بحث عقلي وعلمي ينتهي بالعقيدة الدائمة، وذلك ليقطع الطريق على المضللين وأمثالهم من الدخول في الإسلام تحت طائلة العقوبة، استئصالاً لعوامل الفساد في الأرض ممن دأبوا على الفساد في الأرض (1) .

11-

وفي سياق الحديث عن التطبيق المعاصر لـ حقوق الإنسان في الإسلام نسوق المملكة السعودية كمثال من أبرز أمثلة التطبيق الإسلامي الحديث، فنشير إلى ما يعتبره البعض انتهاكاً لحق الإنسان في التنقل فيما يعتبرونه تضييقاً على غير المسلمين في الحجاز، لأنهم يمنعون من دخول مدينة مكة، فنقول: إن المدينة ولأنها مقدسة قداسة خاصة عند المسلمين لما يؤدى فيها من شعائر وجبت المحافظة عليها نظراً لكثرة زوارها من جهة وحفاظاً عليها من جهة أخرى حتى لا تحدث مواجهات بين المسلمين ومن يعتبرونهم خارج ملة الإسلام، وذلك إنما كان حرصاً على راحة الناس وطمأنينتهم أثناء تأدية المناسك والزيارة.

ولذا يقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28](2) .

كما أن الحرص على بعض الأماكن ورعايتها ورقابتها رقابة خاصة يجوز حدوثه في أماكن وأبنية أخرى دنيوية، كالبيت الأبيض والكرملين وقصور الرؤساء ومباني الوزارات والهيئات، فما بالك بأماكن وردت فيها أحاديث تدعو لصيانتها وألا يدخلنها كافر أبداً (3) .

(1) السيرة النبوية، لأبي الحسن الندوي، ص 156.

(2)

والمقصود بنجاسة المشركين نجاسة اعتقادهم؛ كتاب الفقه الميسر، لمحمد عيسى عاشور، باب النجاسة.

(3)

كما أن هذه الأماكن خاصة بالتعبد وأداء الشعائر، فما حاجة غير المسلمين إليها؟

ص: 357

12-

وفي المقابل يمتلئ التاريخ بأمثلة التسامح الإسلامي.. وقد أوردنا كما ورد في كتاب السيرة وأدبياتها العديد على ذلك.

كما يشهد الواقع على استمرارية نهج التسامح واعتبار حقوق الأقليات.

وإذا انتقلنا إلى الحقوق الثقافية للإنسان في المجتمع المسلم فلا مناص من الاستشهاد بجوستاف لوبون الذي قال: "إن النشاط الذي أبداه العرب في الدراسة كان مدهشاً جداً، ولئن ساواهم في ذلك كثير من الشعوب، فلم يكن منهم فيما أظن من سبقهم.

وكانوا إذا استولوا على مدينة وجهوا عنايتهم في الدرجة الأولى إلى تأسيس وإقامة مدرسة".

وقال أيضاً: "وعدا مدارس التعليم البسيطة، فإن المدن الكبرى مثل بغداد، والقاهرة وطليطلة وقرطبة.. إلخ كان فيها جامعات علمية مجهزة بالمخابر، والمراصد، والمكتبات الغنية، وباختصار كانت هذه الجامعات مجهزة بكل المواد الضرورية للبحوث العلمية، وكان في أسبانيا (الأندلس) وحدها سبعين مكتبة عامة، وكانت مكتبة الخليفة الحكم الثاني في قرطبة تحتوي كما ذكر المؤلفون العرب على ستمائة ألف مجلد، كان فيها أربعة وأربعون مجلداً للفهرست فقط.

وقد لوحظ بحق أن شارل الحكيم لم يستطع بعد أربعمائة سنة من التاريخ هذا أن يجمع في مكتبة فرنسا الملكية أكثر من تسعمائة.

ويقول جوستاف لوبون أيضاً في كتابه (حضارة العرب) : "لقد بلغ شغف العرب بالتعليم مبلغاً عظيماً جداً، حتى إن خلفاء بغداد كانوا يستعملون كل الوسائل لجذب العلماء والفنيين في العالم إلى قصورهم ".

* * *

ص: 358

خلاصة وخاتمة

1-

وهكذا يتبين لنا - وبعون الله وفضله - كيف أن حقوق الإنسان كانت من الهموم الرئيسة التي أنكب عليها التفكير منذ قرون

وذلك لما يتمتع به الإنسان من كرامة ومكانة في هذا الكون.

ومع أن لكلمة (حق) دلالات متعددة، إلا أن الدلالة التي كنا نسعى إليها لم تعدم من يشير إليها سواء من أصحاب المعاجم العرب أو الحقوقيين أو الفلاسفة.

كذلك كان لمفهوم (الإنسان) معنى شمولياً عند المسلمين، فيما عنيت المواثيق والاتجاهات الأخرى بجانب واحد منه.

2-

ولم تكن الإشكالية الرئيسية في تحديد المعاني للكلمتين (حق إنسان) ، ولكن كانت فيما طرأ على التفكير في مضمون الكلمتين من تغير وتطور عبر العصور، فلكل حضارة نظرة إلى الحقوق الإنسانية تفاوتت بين الأحقاب المتوالية مرورًا بعصور القدامى من يونان ورومان وعرب ثم أوروبيو العصور الوسطى والحديثة

بل كان لكل رؤيته، حسب درجة التطور الفكري والاجتماعي والإنساني والأخلاقي.

ولكل قوم نهجهم، ولكل حضارة رؤية لهذه الحقوق وفق مبادئ تختص بها.

فأما التطوير الأوروبي المعاصر فقد اعترف للإنسان بحقوقه على أساس أنها (طبيعية لشخصه المفرد الذي يستحق هذا) ، وعلى أساس هذا التبويب كانت صياغة حقوق الإنسان.

وأما في الإسلام فالحقوق تأخذ بعدًا آخر، لأنها حق إلهي قرره خالق الإنسان، وضمنه في التكاليف الشرعية التي يؤجر عليها المؤمن ويحاسب.

ص: 359

3-

وترتكز الحقوق الإنسانية في الإسلام على مبادئ العدل والكرامة الإنسانية والمساواة والمصلحة العامة، وهو مبدأ تجاهلته الشرائع الأخرى والتفت إليها الإسلام.

4-

وحقوق الإنسان في الإسلام والمواثيق الدولية وضعت تحت عناوين رئيسية، كالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية والاقتصادية والمساواة، فأمَّا الحقوق الثقافية فهي في الإسلام مرتبطة برؤية أشمل وجب التنويه إليها لمعرفة مكانة الحقوق الثقافية من التشريع الإسلامي.

وتشمل هذه الحقوق الحق في العلم والتربية والاجتهاد.

أما الحقوق الاجتماعية فقد كفلت خصوصاً للفئات الضعيفة في المجتمع كالمرأة والطفل والرقيق (كنموذج تاريخي) ، بالإضافة للحقوق الاجتماعية العامة الأخرى كعدم التمييز والحرية والخير.

والحقوق المدنية كانت مكفولة للمرء في المجتمع المسلم ليتصرف بملء إرادته بلا تهديد أو حيف، متمتع بأهليته القانونية والاجتماعية والمدنية.

وبالنسبة لـ حقوق الإنسان السياسية كانت لنا وقفة مع النظام السياسي الإسلامي، والذي أفاض الفقهاء في شرحه، فأقاموا بناء ضخماً من التحليلات الفقهية السياسية؛ كتنظيم أمور البيعة والإمامة وشروطها والشورى وقواعدها وأهميتها.

وحقوق الإنسان الاقتصادية كفلها الإسلام موازنًا بين حق الملكية للفرد وحق المجتمع في الانتفاع.

وكانت المساواة حقا عامًّا إنسانياً هاماً؛ سواء بين الرجل والمرأة أو بين الأجناس المختلفة الطبقات الاجتماعية، وبين المسلم وغير المسلم.

5-

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمثلة الرائعة بنفسه على المساواة التي يبتغيها، ومن هنا كان التطبيق تصديقاً للتنظير في مجال الحقوق.

6-

وتسير بنا عناصر هذا البحث لتزيدنا فخرًا بديننا العظيم الذي وجدناه يتفوق على المواثيق الدولية لـ حقوق الإنسان

- رغم تقدمها واتساع أفقها.

وجدنا التشريع الإسلامي في مجال تلك الحقوق يتميز بالشمول والاتساع والبقاء والإحكام.. ويتميز من قبل ومن بعد بمصدرتيه الإلهية السماوية.

وكما قال المولى سبحانه: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32] .

صدق الله العظيم

** *

ص: 360

المراجع

1-

القرآن الكريم.

2-

صحيح البخاري، دار نشر مصطفى الحلبي، القاهرة.

3-

مختار الصحاح، للشيخ الإمام1 محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

4-

نظرية الحق، للدكتور سامي مدكور، دار الفكر العربي.

5-

الناس والحق، يوسف القرضاوي، مكتبة المنار، الكويت.

6-

المعجم العربي الأساسي، دار لاروس، باريس.

7-

المعجم الوسيط، دار إحياء التراث العربي.

8-

الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي، دار الفكر.

9-

النظريات السياسية في الإسلام، محمد ضياء الدين الريس، مكتبة التراث 1979م.

10-

كفاية الأخبار في جل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسين الحصني الدمشقي الشافعي، الجزء الثاني، دار إحياء التراث الإسلامي، قطر.

11-

قصة الفلسفة اليوناينة، تصنيف أحمد أمين وزكي نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة.

12-

الثورة الفرنسية، حسن جلال، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1927م.

ص: 361

13-

الحكومة الإسلامية، أبو الأعلى المودودي الدار السعودية.

14-

أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربية.

15-

خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، (فكرة الإسلام عن الله والإنسان والكون والحياة) ، سيد قطب 1387هـ / 1967م.

16-

حال الأطفال في العالم سنة 1990م، تقرير اليونيسيف.

17-

حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية، وقائع ندوات سعودية، رابطة العالم الإسلامي 1977م.

18-

الأدب الأغريقي، أحمد عثمان، عالم المعرفة، الكويت 1988م.

19-

الإسلام وقضايا المرأة المعاصرة، البهي الخولي، دار القرآن الكريم 1400هـ.

20-

الإسلام بين شبهات الضالين وأكاذيب المفترين، يوسف القرضاوي، أحمد العسال.

21-

تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، للإمام بدر الدين بن جماعة.

22-

النظام السياسي في الإسلام، الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، دار القرآن الكريم.

23-

التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثامنة.

24-

أحكام التركات والمواريث، للإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي.

25-

المدونة الكبرى، مالك بن أنس، دار صادر.

26-

الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية، محمد محيي الدين عبد الحميد.

ص: 362

27-

المغني في الفقه الحنبلي، لابن قدامة، دار القلم.

28-

روح الدين الإسلامي، عفيف عبد الفتاح طبارة.

29-

الكتاب الأسود (تقرير منظمة العفو الدولية) السنوي - إمنستي عن حقوق الإنسان في العالم سنة 1988م، لندن.

30-

مختصر ابن أبي جمرة للبخاري، حاشية محمد بن علي الشافعي الشنواني.

31-

الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، للإمام الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري.

32-

الدستور القرآني والسنة النوبية في شؤون الحياة، محمد عزة دروزة.

33-

المساواة في الإسلام، علي عبد الواحد وافي، دار المعارف 1962م.

34-

الإسلام عقيدة وشريعة، محمود شلتوت، دار القلم.

35-

السيرة النبوية، أبو الحسن الندوي.

36-

مع القرآن الكريم، عبد العزيز سرحان وآخرون، المقاولون العرب.

37-

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج المغني، للشربيني.

38-

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على المذهب الشافعي، الجزء السادس.

39-

الفقه الميسر، محمد عيسى عاشور، دار القرآن.

* * *

ص: 363