الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية
(حسابات الاستثمار المشتركة)
إعداد
د. حسين كامل فهمي
المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب - جدة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على النبي الأمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين، وبعد. . .
فهذا البحث أقدمه للمؤتمر الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي الموقر عن موضوع حسابات الاستثمار المشترك. وهو موضوع سبق لي مناقشته في عدة أبحاث سابقة، كما أنه نوقش في المؤتمر التاسع للجمع الذي عقد في مدينة أبو ظبي ـ دولة الإمارات العربية المتحدة، في عام 1415 هـ = 1995 م، وكان لي شرف الإسهام فيه ببحث تحت عنوان (الحسابات المصرفية) . وهذا العنوان يشمل بالإضافة إلى الحسابات الاستثمارية، نوعًا ثانيًا، هو الحسابات الجارية.
وكان اهتمامي في ذلك الوقت منصبًّا بصفة أساسية على هذا النوع الأخير، لما له من ارتباط قوي بالسياسات النقدية والمصرفية للدولة ككل. لذلك لم أتمكن من بحث كافة المحاور الخاصة بالنوع الأول (الحسابات الاستثمارية) ، حيث بقي منها عدد غير قليل، كنت أرى أنه هو الآخر جدير بالبحث، والحمد لله فقد وجدت الآن في دعوة المجمع الموقر لي فرصة طيبة لإعادة بحث هذا الموضوع بشيء من التفصيل ووضعه أمام السادة العلماء للمناقشة، ولأبين ما قد يحمل في ثناياه من أبعاد لها انعكاسات هامة على العلاقة بين البنك وعملائه من المودعين، وقد شجعني على ذلك أن المحاور التي اقترحتها أمانة المجمع تغطي معظم النقاط التي كنت أتطلع للكتابة فيها.
أما عناوين المحاور المطلوب مناقشتها في هذا البحث فقد بيَّنتها في الفهرس حسب الترتيب الوارد من أمانة المجمع، ولأن عددًا من تلك المحاور يرتبط بعضه ببعض في الأحكام الخاصة بكل منها، فقد قسمت البحث بعد هذه المقدمة القصيرة ـ والتي ألحق بها بعض التعريفات المختصرة لأنواع الحسابات التي تفتحها البنوك الإسلامية لعملائها، إلى ثلاثة مباحث رئيسة، تناول المبحث الأول منها موضوع خلط الأموال في وعاء المضاربة، أما الثاني فيشمل كافة القضايا المتعلقة بالتخارج ونض المال والسحب من الحسابات الاستثمارية، وأما المبحث الثالث والأخير فهو يستعرض الآراء التي أثيرت حول موضوع ضمان البنوك لأرصدة هذه الحسابات، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
التعريف بأنواع الحسابات
التي تفتحها البنوك الإسلامية لعملائها
الحسابات الجارية:
ويطلق عليها أيضًا الحسابات لدى الاطلاع، وذلك لما تخوِّله لعميل البنك من حق السحب من هذا الحساب في أي وقت دون أي إخطار سابق للبنك، وعادة لا تمنح البنوك أي عائد على هذا النوع من الحسابات، وتضفي البنوك الإسلامية على الحساب الجاري صفة عقد القرض، بحيث تنتقل ملكية الأموال المودعة في هذا الحساب من العميل المودع إلى البنك فور عملية الإيداع، بما يمكِّن البنك من استثمار هذه الأموال لصالحه.
الحسابات الاستثمارية:
هي حسابات ذات أجل (ما بين ثلاثة أشهر إلى سنتين إلى ثلاث سنوات) ، تفتحها البنوك الإسلامية لعملائها، لإيداع مدخراتهم النقدية واستثمارها مع البنك على أسس تتفق مع الشريعة الإسلامية الغراء، وتضفي جميع البنوك الإسلامية على هذا الحساب صفة عقد المضاربة، بحيث يكون العميل المودع هو صاحب رأس مال المضاربة، والبنك هو العامل أو الشريك بعمله، ويتم تقسيم الأرباح الناتجة عن نشاط المضاربة بين البنك وبين عملائه على أساس نسبة معلنة في العقد المبرم بين الطرفين، أما الخسائر فيتحملها عملاء البنك بالكامل، بينما يخسر البنك مجهوده الذي بذله، إلا إذا ثبت تعدٍّ على شروط العقد أو تقصير أو إهمال من جانب البنك بصفته عامل المضاربة، ففي هذه الحالة فقط يتحمل كامل الخسائر بمفرده.
والأصل المجمع عليه بين جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة، (الحنفية ـ المالكية ـ الشافعية ـ الحنابلة) هو اعتبار يد عامل المضاربة من الأيدي الأمينة.
وبناء عليه لا يجوز تضمين البنك، بصفته عامل المضاربة، للخسائر أو التلف الناتج عن غير تعدٍّ أو إهمال من جانبه، وإنما يتحمل ذلك كله ـ في حالة وقوعه بهذا الشكل ـ العميل المودع (صاحب رأس المال) كما سبقت الإشارة إليه.
حسابات (ودائع) التوفير:
هذا النوع من الحسابات تفتحه البنوك الإسلامية لعملائها على أساس إتاحة الفرصة للعميل للجمع بين مزايا الحسابات الجارية والحسابات الاستثمارية معًا. فيحق للعميل، بموجب العقد المبرم بينه وبين البنك في هذا الشأن السحب عن الحساب في أي وقت يشاء، كما يحق له مشاركة البنك وكذا سائر المودعين من أصحاب الحسابات الاستثمارية، في العائد المحقق من الأنشطة المختلفة، وذلك وفقًا لآخر رصيد قائم من الأموال التي أودعها. ويحصل العميل صاحب هذا الحساب على دفتر يتم التقييد فيه بكافة الإبداعات والمسحوبات (إلى) و (من) هذا الحساب.
ويتضح من ذلك أن التكييف الفقهي الذي تضفيه البنوك على هذا الحساب هو كونه عقدًا للمضاربة مثله في ذلك مثل عقد فتح الحسابات الاستثمارية، إلا أن البنوك في هذه الحالة، تمنح عملاءها حق التخارج من وعاء المضاربة في أي وقت شاؤوا، كما هو متبع بالنسبة للحسابات الجارية.
وحيث إن الموضوع المقترح للمناقشة من قبل أمانة المؤتمر يختص فقط بحسابات الاستثمار المشتركة، فسنكتفي بالكلام عن النوع الثاني والثالث من الحسابات الثلاث المذكورة آنفًا.
المبحث الأول
ظاهرة خلط الأموال المودعة
في وعاء الحسابات الاستثمارية المشتركة
هذه الظاهرة موجودة لدى جميع المصارف الإسلامية بدون استثناء، وتنتج عن السماح لجمهور المودعين في الحسابات الاستثمارية بالقيام بعمليات إيداع أو سحب بصفة دائمة إلى ومن تلك الحسابات، وتتضح جليًّا في حالة حسابات التوفير، حيث يسمح لعميل البنك صاحب دفتر التوفير من السحب من حسابه في أي وقت، تمشيًا مع التسهيلات والميزات التي تمنحها البنوك التقليدية لعملائها، وقد سبق للباحث عرض الأبعاد الخاصة بتلك المشكلة في موقعين مختلفين (1) .
وتتلخص الأبعاد الخاصة بهذه الظاهرة في أنه لما كانت علاقة البنك الإسلامي مع عملائه من أصحاب الأموال الاستثمارية تقوم بصفة أساسية على عقد المضاربة، فإنه من المفروض الالتزام بقواعد وشروط هذا العقد، والتي من أهمها ضرورة عدم خلط المضارب (البنك) للأموال الواردة إليه تباعًا بعضها ببعض بعد البدء في عملية المضاربة، وهذا الحكم نص عليه جمهور الفقهاء (المالكية ـ الشافعية ـ الحنابلة) .
فقد ورد في المدونة: (فإن دفع إليه مالًا قراضًا على النصف فاشترى به سلعة من السلع، ثم أتاه بعد ذلك بمال آخر، فدفعه إليه قراضًا بالنصف على أن يخلطه بالمال الأول ـ أيجوز ذلك؟ (قال) : لم أسمع من مالك فيه شيئًا، ولا يعجبني هذا لأنه خطر بيِّن؛ ألا ترى أنه إن نقص في المال الآخر، وربح في المال الأول وجبره بربح المال الأول وقد كان ربحهما للعامل، وإن نقص في المال الأول وربح في الآخر كان ذلك أيضًا) (2) .
(1) انظر المباحث: (نحو إعادة هيكلة النظام المصرفي الإسلامي) مجلة جامعة الملك عبد العزيز، 1412 هـ ـ 1992 م؛ وانظر أيضًا مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع، الجزء الأول، 1417 هـ ـ 1996 م.
(2)
الإمام مالك بن أنس، المدونة الكبرى: 4/ 60؛ وانظر أيضًا: الشيخ محمد عليش، شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل: 3/ 680.
وجاء في الروضة للإمام النووي: (فلو دفع إليه ألفًا قراضًا، ثم ألفًا، وقال: ضمه إلى الأول، فإن لم يكن تصرف بعد في الأول جاز، وكأنه دفعهما إليه معًا، وإن كان تصرف في الأول، لم يجز القراض في الثاني ولا الخلط، لأن الأول استقر حكمه بالتصرف ربحًا وخسرانًا، وربح كل مال وخسرانه يختص به)(1) .
وورد في المغني لابن قدامة الحنبلي: (إذا دفع إليه ألفًا مضاربة، ثم دفع إليه ألفًا آخر مضاربة، وأذن له في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز، وصار مضاربة واحدة، كما لو دفعهما إليه مرة واحدة، وإن كان بعد التصرف في الأول في شراء المتاع، لم يجز؛ لأن حكم الأول استقر، فكان ربحه وخسرانه مختصًا به، فضم الثاني إليه يوجب جبران خسران أحدهما بربح الآخر، فإذا شرط ذلك في الثاني فسد، فإن نض الأول جاز ضم الثاني إليه)(2) .
وللحنفية رأي آخر أكثر تفصيلًا، يعتمد على قول صاحب رأس المال للمضارب: اعمل برأيك قبل خلطه للمال. أما إذا لم يقل ذلك للمضارب، وخلط الأخير المال بمال الغير بعد بداية النشاط، وتحقيق الربح فإنه يضمن ذلك المال. يقول الفقيه الحنفي ابن عابدين في شرح ما يمتنع على المضارب فعله: (ومنه الخلط بمال نفسه، وكذا بمال غيره كما في البحر؛ وهذا إذا لم يغلب التعارف بين التجار في مثله، كما في التاترخانية، وفيها من الثامن عشر: دفع إلى رجل ألفًا بالنصف ثم ألفًا أخرى كذلك، فخلط المضارب المالين، فهو على ثلاثة أوجه:
إما أن يقول المالك في كل من المضاربتين: اعمل برأيك، أو لم يقل فيهما أو قال في إحداهما فقط، وعلى كل فإما أن يكون قبل الربح في المالين أو بعده فيهما، أو في أحدهما. ففي الوجه الأول: لا يضمن مطلقًا، وفي الثاني: إن خلط قبل الربح فيهما فلا ضمان أيضًا، وإن بعده فيهما ضمن المالين وحصة رب المال من الربح قبل الخلط، وإن بعد الربح في أحدهما فقط ضمن الذي لا ربح فيه (3) .
هذا؛ ويجب في جميع الأحوال التفرقة بين هذا الحكم وبين حكم خلط المضارب لأموال المضاربة قبل البدء في عملية المضاربة، فهو مختلف عليه بين الفقهاء؛ منهم من يرى عدم جوازه، ومنهم من يجوزه بشروط معينة (4) .
(1) الإمام النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين: 5/ 148.
(2)
ابن قدامة المقدسي، المغني، مكتبة القاهرة: 5/ 44.
(3)
ابن عابدين: حاشية رد المحتار على الدر المختار: 5/ 649.
(4)
انظر على سبيل المثال: الإمام النووي، المرجع السابق نفسه، وابن قدامة المقدسي: 5/ 36.
ويتضح من ذلك أن رأي الجمهور بالنسبة لعقد المضاربة يقضي بضرورة الفصل بين الأموال التي تلقاها المضارب، وقام بتشغيلها بالفعل، عن أي أموال أخرى جديدة قد ترد إليه بعد ذلك على سبيل المضاربة أيضًا وعدم خلط بعضها ببعض، والعلة في الحكم هي الضرر الناتج عن الغبن الذي يمكن أن يلحق بواحد من أصحاب تلك الأموال (1) .
وأما عن كيفية وقوع الغبن على بعض العملاء من خلال عقد المضاربة، فإنه ما من شك أن تشغيل الأموال سوف يترتب عليه حدوث تغييرات على الأصول التي يمتكلها البنك خلال فترة التشغيل سواء بالزيادة أو النقص. وتصفية تلك الأصول في نهاية المدة المتفق عليها هو الذي يظهر المركز المالي الحقيقي لتلك المضاربة من ربح أو خسارة عند استخراج الفرق بين رأس المال النقدي وبين قيمة التصفية، فلو كانت النتيجة هي زيادة عن رأس المال النقدي كانت ربحًا ولو كانت أقل كانت خسارة.
وبالتالي فإن السماح بالتدفق المستمر للودائع وخلط بعضها ببعض بعد بدء المضاربة قد يؤدي إلى اشتراك الأموال الجديدة في نتائج تشغيل أموال سابقة سواء كانت ربحًا أو خسارة، وهذا الاشتراك فيه غبن لبعض أرباب الأموال سواء كانوا من المودعين القدامى أو من المودعين الجدد. وعلى سبيل المثال: إذا دخل عميلان (زيد وعمرو) إلى بنك في يوم واحد، ففتح أحدهما (زيد) حسابًا أودع به مائة ألف، بينما سحب الآخر (عمرو) في نفس اللحظة من حسابه المفتوح أصلًا لدى البنك مائة ألف أخرى مضافًا إليها أرباح استحقت على هذا المبلغ مقابل بقائه لدى البنك لفترة معينة، ثم أعلنت السلطات النقدية فجأة في اليوم التالي إفلاس البنك ووقف التعامل معه نتيجة تحقيقه لخسائر ضخمة لم يسبق الإعلان عنها من قبل. فإن النتيجة المترتبة على ذلك هي:
أ - حصول العميل الساحب لأرصدته على أموال لا يستحقها، وكان من المفروض اشتراكه مع سائر المودعين الآخرين (القدامى) في تحمل الخسائر المحققة.
ب - ضياع المبلغ الذي أودعه العميل الأول نتيجة دخوله ضمن قسمة الغرماء.
(1) الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد 1/ 378.
وبديهي أن ما ينطبق على العميلين المذكورين في المثال المذكور، ينطبق أيضًا على سائر عملاء البنك طوال الفترة ما بين حدوث الخسائر الفعلية، وتاريخ الإعلان عنها. فكل أموال مسحوبة قبل الإعلان عن الخسائر تعتبر غبنًا لمجموع العملاء السابقين الذين أودعوا أموالًا قبل حدوث الخسائر، وبالمثل فإن كل إيداع جديد يدخل إلى البنك خلال نفس الفترة وحتى تاريخ إعلان وقف التعامل مع البنك يعتبر غبنًا لعدم مسؤوليته عن الخسائر التي وقعت قبل إيداع أمواله.
وأخذًا في الاعتبار بأن النشاط المصرفي في أي دولة من الدول قد يواجه بين حين وآخر صدمات فجائية نتيجة لتقلبات غير متوقعة في الأوضاع الاقتصادية العالمية، فإن كثيرًا من البنوك تكون عرضة دائمًا لخسائر قد تصل في بعض الأحيان إلى مئات الملايين من الدولارات.
لذلك كان من المنتظر من البنوك الإسلامية بصفة خاصة منذ بداية حياتها العملية الأخذ في الاعتبار لهذه الحقائق عند اختيار هيكل الحسابات الذي تتعامل به مع عملائها، وذلك بمراعاتها لما اتفق عليه جمهور الفقهاء من حرمة خلط الأموال المودعة في وعاء المضاربة بعد بدء النشاط فيها. ويتم ذلك بوضع سياج قوية من الحماية حول الحسابات الاستثمارية المفتوحة لديها، منعًا للتدفق الجديد المستمر ـ الذي لا نهاية له ـ من أموال الودائع فيها، والحيلولة دون وقوع حالات من الغبن الفاحش بين العملاء المودعين.
الدفوع الخاصة بالفريق الذي يجوِّز الخلط بين أموال الودائع:
يرى بعض العلماء جواز مبدأ خلط أموال الودائع لدى البنوك الإسلامية، واستندوا في ذلك إلى ما يلي (1) .
• أنه يغتفر في الشركات ما لا يغتفر في سائر العقود الأخرى.
• أن ما ورد في الفقه المقارن إنما يخص حالة المضاربة الثنائية وهي تختلف في طبيعتها عن حالة المضاربة المشتركة.
• أن تطبيق فكرة الشخصية الاعتبارية على الشركات المعاصرة، قد أخذ بها وأقرها عدد كبير من الفقهاء المعاصرين، وهي في حد ذاتها تكفي لمعالجة هذه المشكلة، نظرًا لاستقلال الذمة المالية الخاصة بالشركة في هذه الحالة من الذمم المالية الخاصة بالشركاء.
وبالتالي فإن أي خلط لأموال جديدة في وعاء المضاربة في شكل تدفقات نقدية، لن يضر بحقوق الشركاء القدامى.
(1) د. سامي حسن حمود، مناقشات المؤتمر التاسع لمجمع الفقه الإسلامي، انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع: 1/ 863، 1417 هـ ـ 1996 م.
ويرى الباحث بأن هذه الدفوع في مجموعها لا تكفي إطلاقًا للتغاضي عما اتفق عليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من حرمة خلط عامل المضاربة (البنك) لأموال المضاربة بعد بداية النشاط، ويورد فيما يلي بعض الحقائق التي قد توضح بطريقة جلية وجهة نظره في هذا الشأن وتشير إلى ضرورة إعادة البنوك الإسلامية النظر في الهيكل العام للحسابات الاستثمارية التي تفتحها لعملائها وذلك تحقيقًا للعدل والأمان في تعاملها معهم:
أولًا: إن اتخاذ القول: (إنه يغفر في عقود المشاركة ما لا يغفر في سائر العقود الأخرى) كمسوغ للتدفق المستمر للأموال الجديدة في وعاء المضاربة، فيه نظر إلى حد كبير، فالأصل في الأمور هو تتبع مقاصد الشريعة في تعامل الناس بعضهم مع بعض، فنرى أنه سبحانه قد حرم عليهم أكل أموالهم بينهم بالباطل لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] وهذا يشمل كل ما يؤخذ بغير رضا من أحد المتعاقدين في أي عقد من العقود سواء كان من العقود المأخوذة من الفقه الموروث أو مما استحدثه الفقهاء المعاصرون.
ويلاحظ في هذا الصدد أن الفقهاء قد ذهبوا إلى بحث أدق الأمور فيما يتعلق بأنواع التعامل المحتملة بين الشركاء، وذلك درءًا لوقوع أي ظلم على أحد منهم، فعلى سبيل المثال لم يجوزوا جميعًا للشريك في شركة العنان أو للمضارب في شركة المضاربة خلط مال الشركة بماله أو بمال الغير قبل البدء في نشاط الشركة، ولا أن يقرض الغير ولا يبيع نسيئة إلا بإذن صريح من صاحب المال أو من الشريك الآخر (1) . ثم إن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة كما ذكرنا من قبل في هذا البحث على القول الواحد بحرمة خلط المضارب لأموال المضاربة بماله أو بمال الغير بعد البدء في نشاط المضاربة، حتى لو كان ذلك بإذن صاحب المال، لأن ذلك يتضمن إيجاب حقوق في المال أو قد يترتب عليه ضرر لأي منهما. وعند الشافعية إذا باع المضارب أو الشريك شيئًا من أموال الشركة مما لا يتغابن الناس بمثله كان البيع في حصة الشريك الآخر باطلًا لا تصح حتى بإجازته (2) . ويقول صاحب الحاوي الكبير تعليقًا على ذلك:(وهذا صحيح، قد ذكرنا أن الشريك في حق شريكه جار مجرى الوكيل، والغبن اليسير الذي جرت عادة الناس أن يتغابنوا بمثله معفو عنه في عقده، لأن الاحتراز منه متعذر، فأما ما لا يتغابنون بمثله، فغير معفو عنه في بيع الوكيل والشريك، وكل نائب عن غيره من وصي وأمين)(3) . بل ذهب الإمام مالك وبعض الشافعية إلى أبعد من ذلك، فأفتوا بعدم جواز خلط المضارب (بعد بدء النشاط) لدفعة معينة من المال مملوكة للشريك بماله (صاحب رأس المال) ، بدفعة أخرى تالية مملوكة لنفس هذا الشريك (4) . ومن الواضح أن كل ذلك قد أخرجه الفقهاء من حيز الغبن اليسير الذي جرت عادة الناس أن يتغابنوا بمثله.
(1) انظر على سبيل المثال: ابن قدامة المقدسي: المغني: 5/ 16.
(2)
انظر: الإمام الماوردي، الحاوي الكبير: 8/ 175.
(3)
الإمام الماوردي، الحاوي الكبير، ص 175
(4)
انظر: الإمام مالك بن أنس، المدونة الكبرى: 4/ 57؛ وانظر أيضًا: الإمام الماوردي، الحاوي الكبير: 9/ 136.
ثانيًا: القول بأن الشكل المعاصر الذي تأخذه شركات الأموال بصفة عامة والشركات المساهمة بصفة خاصة، وهو ما يعرف بالشخصية الاعتبارية، يعفيها من شرط ضرورة عدم خلط رؤوس أموال جديدة برؤوس أموال خاصة بشركاء قدامى، ومحاولة تطبيق نفس هذا المعنى على هيكل الودائع المعمول به حاليًا في البنوك الإسلامية، من منطلق أن هيكل الشركة (سواء مضاربة أو عنان) الذي صوره لنا الفقه الموروث هو هيكل ثنائي يختلف في شكله العام عن هيكل شركات الأموال. فيه نظر إلى حد كبير ويحتاج منا إلى وقفة متأنية للتعرف على مثالبه.
فالباحث يرى أن هذا القول لا يستند إلى أي مبررات تؤيده، بل على العكس من ذلك، فإن المبررات التي يرتكز عليها تعتبر حججًا ضده وتستلزم دحضه وبيان ذلك كالآتي:
أ - إن الفقهاء لم يقصروا كلامهم على حالة الشركة الثنائية فقط، وإنما امتد ذلك في بعض الأحوال ليشمل أعدادا أخرى، من الشركاء سواء كانوا محصورين أو غير محصورين، فعلى سبيل المثال يقول ابن قدامة في تعريفه لشركة الأبدان:(وشركة الأبدان جائزة، ومعنى شركة الأبدان أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم، كالصناع يعملون في صناعتهم فما رزقهم الله تعالى فهو بينهم. . .)(1) . وفي موضع آخر يقول: (فإن اشترك ثلاثة: من أحدهم دابة، ومن آخر راوة ومن الثالث العمل، على أن ما رزق الله تعالى فهو بينهم، صح في قياس قول أحمد)(2) . ورغم هذا التعدد الذي أشار إليه ابن قدامة، فإن فقهاء الحنابلة لم يغيروا من إجماعهم على حرمة خلط أموال جديدة بأموال الشركة، بجميع أنواعها بعد البدء في النشاط (3) . مما يدل على أن ما تختص به الشركات الثنائية من أحكام عندهم ينطبق أيضًا على الشركات في حالة تعدد الشركاء المكونين لكل منها، وبأن الإشارة إلى الشركات الثنائية عند الفقهاء هو على سبيل ضرب المثال، لشرح مفهوم الشركة، وليس على سبيل الحصر.
ب - إنه حتى بافتراض أن كلام الفقهاء في جميع أحواله كان قاصرًا على حالة المضاربة (أو الشركة) الثنائية فقط، فإن الأخذ بمفهوم قياس الأولى يحتم علينا تطبيق الحكم الخاص بالشركة الثنائية (فيما يختص بعدم جواز خلط أموال الشريكين) على الشركات التي يزيد عدد الشركاء فيها عن اثنين، لأنه إذا كانت علة النهي عن خلط الأموال في حالة الشركة الثنائية هي الضرر أو الظلم الذي قد يقع على واحد منهما، فإن الزيادة التدريجية لعدد الشركاء بالشركة تؤدي بلا شك إلى تفاقم احتمال الغبن أو الظلم الواقع على أي واحد منهم جميعًا.
(1) انظر: ابن قدامة، المغني: 5/ 4.
(2)
انظر: ابن قدامة، المغني: 5/ 10.
(3)
انظر ابن قدامة، المغني: 5/ 16.
جـ- إن المسوغ الثاني للفريق الذي يرى جواز خلط أموال الودائع في الحسابات الاستثمارية لدى البنوك يستند إلى أن الأحكام المنظمة للمعاملات التي تقوم بها شركات الأموال المعاصرة يجب النظر إليها في إطار جديد، وهذا الإطار هو ما يسمى بالشخصية الاعتبارية التي استحدثتها القوانين الوضعية المعاصرة نتيجة ضخامة عدد الشركاء المؤسسين للشركات في العصر الحالي. ويترتب على هذا الإطار الجديد اختلاف بين الأحكام الخاصة بتلك الشركات والأحكام الخاصة بالشركات الثنائية المستخلصة من الفقه الموروث، فالأحكام الخاصة بالشخصية الاعتبارية للشركات المعاصرة عندهم تخول لهذه الشركات ذمة مالية مستقلة تفصلها تمامًا عن الذمم المالية المتعلقة بالشركاء المتعددين المنشئين لها، مما يعفي هذه الشركات من شرط عدم خلط رؤوس أموال جديدة برأس مال الشركة الأصلي بعد بدء النشاط.
إلا أن هذه المقولة يرد عليها بأنها لم تأخذ في الحسبان حقيقتين مهمتين تدحضان المسوغات التي استند إليها الفريق المجوز لخلط أموال الودائع في الحسابات الاستثمارية، وهاتان الحقيقتان هما:
1-
إن الفقهاء عند كلامهم عن الشركة ثنائية الأطراف في الفقه الموروث لم يغفلوا حقيقة أن هذه الشركة سيترتب عليها كيان جديد يختلف عن الكيان الشخصي لكل من الشريكين المكونين لها. وهو الأمر الذي يطلق عليه رجال القانون المعاصرون اسم (الشخصية الاعتبارية) .
ويتضح ذلك جليًّا بالنظر في طريقة كلام الفقهاء القدامى عن الالتزامات الواقعة على كل شريك من الشريكين في الشركة الثنائية سواء كان ذلك تجاه كل منهما أو تجاه الغير. فعلى سبيل المثال يقول العلامة الشافعي أبو ضياء الشبراملسي في حاشيته على الإمام الرملي في شرح المنهاج في طلب تنضيض المال من أحد الشريكين (مالك المال وعامل المضاربة)(وعليه فلو كان المالك اثنين وطلب أحدهما (من العامل) والآخر عدمه فهل يجاب الأول أو الثاني؟ فيه نظر، وينبغي أن يقسم المال عروضًا، عما يخص من طلب العروض يسلم له وما يخص من طلب التنضيض يباع ويسلم له جنس رأس المال) (1) .
ويقول الإمام ابن قدامة: (ولو استأجر أحد الشريكين من صاحبه دارًا ليحرز فيها مال الشركة جاز)(2) . فتعين بذلك وجود كيان جديد للشركة مستقل بذاته، ومال يخصها. كما يتضح ذلك أيضًا من قول المالكية: إن مقصود الشركة جواز تصرف الشريكين في المالين جميعًا فإذا قضى أحدهما الغريم، برئ، وإن كان غير الذي عامله لأن يدهما كيد رجل واحد (3) . وهو نفس ما يقر عليه فقهاء الحنابلة والشافعية والحنفية بالنسبة للتصرف في جميع المال (بعد حصول كل من الشريكين على الإذن بذلك من الشريك الآخر)(4) .
ومن هذا كله يتضح أنه رغم ما أقره الفقهاء من إمكان تعدد الشركاء ومن قيام كيان جديد أطلقوا عليه اسم الشركة، فإن ذلك لم يسوغ لهم إباحة خلط أموال جديدة (ولا حتى أموال الشركاء أنفسهم) بمال الشركة بعد بدء النشاط كما سبق بيانه من قبل وذلك لوجود احتمالات لأكل بعض الناس أموال البعض الآخر، على النحو السابق شرحه، كما لو يسوغ لهم ذلك إلغاء صفة الملكية الخاصة بكل شريك على الحصة التي أسهم بها في رأس المال.
(1) انظر: حاشية أبي ضياء الشبراملسي على نهاية المحتاج شرح المنهاج للرملي: 5/ 240.
(2)
ابن قدامة: المغني: 5/43.
(3)
انظر: القرافي، الذخيرة: 8/ 72.
(4)
انظر: الماوردي، الحاوي الكبير: 8/ 169.
2-
إنه لا يمكن قبول الأسس القانونية التي استند إليها القانون الوضعي في تقنين أحكام الشركات بصفة عامة، كأساس للتطبيق على الشركات الإسلامية دون تمحيصها من الناحية الشرعية، خاصة وأن هذه الأسس يعتريها كثير من النقاط التي تتعارض مع الأحكام الشرعية المنبثقة من ديننا الإسلامي الحنيف، فعلى سبيل المثال، مع التسليم بأن الأحكام الخاصة بالشخصية الاعتبارية التي استحدثها علماء القانون المعاصرون تؤدي إلى الفصل بين كيان الشركة الجديدة المنشأة، وبين أموال الشركاء المؤسسين لها. إلا أنه بعرض الكيفية التي توصل بها القانونيون إلى هذا الفصل على منظار الشريعة الإسلامية الغراء يتضح أنها تقوم على أسس متناقضة، ولا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، من الناحية الشرعية.
فوفقًا لما يراه فقهاء القانون الوضعي، يترتب على إنشاء أي شركة جديدة شخص اعتباري يتمتع بجميع الحقوق التي يعينها له سند إنشاء هذه الشركة، أو التي يقررها له القانون (1) . فكيون له ذمة مالية مستقلة، وموطن خاص، وجنسية، وأهلية، وحق للتقاضي. . . إلخ. إلا أنهم رتبوا على ذلك أحكامًا أخرى من أهمها أنه لا يعتبر رأس مال الشركة ونماؤه مملوكًا ملكًا شائعًا بين الشركاء، بل هو ملك للشركة ذاتها بصفة أنها شخصية معنوية لها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء أنفسهم كما سبق بيانه. وتعتبر هذه الأموال ضمانًا لدائني الشركة وحدها دون دائني الشركاء المكونين لها. ولا يحق للشركاء طوال فترة حياة الشركة التصرف في رأس المال نتيجة انفصاله عن دائرة ملكهم، ويستمر هذا الفصل حتى يتم تصفية الشركة، فحينئذ فقط يعتبر كل شريك مالكًا لحصة على المشاع في رأس مال الشركة.
إلا أن ذلك استلزم من ناحية أخرى إيجاد تكييف قانوني لنوع العلاقة المترتبة على انتقال ملكية حصص الشركاء في رأس المال إلى الشركة نفسها بصفتها شخصا جديدًا مستقلًا بذاته. فكان الحل المناسب من وجهة نظرهم هو إضفاء صفة المديونية المتبادلة بين الشركاء والشركة، فالشركة مديونة للشركاء بقيمة رؤوس أموالهم، وكذا الأرباح التي قد تغلها، بحيث تلتزم بسداد هذه الأرباح لهم تباعًا في حالة تحققها طوال فترة حياتها، ومن الناحية الأخرى فإن الشركاء يعتبرون مدينين للشركة بقيمة حصة كل منهم في رأس المال، وعليهم سداد هذه القيمة للشركة عند طلبها، وفي حالة تأخرهم عن السداد يضطرون إلى دفع فوائد عن الفترة محل التأخير (2) .
(1) انظر: عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني: 5/ 263.
(2)
انظر: فايز نعيم رضوان، الشركات التجارية، 1994م.
ويتضح مما سبق أن النحو الذي نحاه رجال القانون في تفسير نوع العلاقة بين الشركاء والشركة قد تم بطريقة متناقضة تختلط بها فكرة الربا، وهو ما لا يتسق شكلًا ولا موضوعًا مع روح الشريعة الإسلامية. فإضفاء صفة الدائنية للشركاء على أموالهم المودعة في الشركة مع إقرار حق لهم في الحصول على إيراد، حتى ولو لم يكن منتظما، يعكس صورة القرض الذي جر نفعًا، وهو غير قابل للتصور من الناحية الشرعية لمنافاته لأحكام عقود الصرف بإجماع أهل العلم (1) .
ومن ناحية ثانية فإنهم يعتبرون صك السهم نفسه، في حالة الشركات المساهمة، قد اندمجت فيه قيمته النقدية صوريًّا، فأصبح منقولًا معنويًّا مملوكًا للمساهم يبيحون تداوله بيعًا وشراء بأقل أو بأكثر من قيمته الاسمية، رغم افتراض أن رأس المال ما زال دينًا على الشركة نفسها بشخصيتها المعنوية المستقلة (2) .
ومن الواضح أن في ذلك كله تناقضًا بينًا مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن بيع الشريك لحصته في رأس المال لدى الشركة بمثابة حوالة للدين، وبالتالي يخضع من الناحية الشرعية للأحكام المنظمة لحوالة الدين التي لا تجيز نقل هذا الحق إلا بقيمته الاسمية، وهذا يعني بطريقة تلقائية عدم جواز تداول جميع الأسهم التي تصدرها الشركات المساهمة في أسواق رأس المال إلا بقيمتها الاسمية التي صدرت بها، وإلا ترتب على ذلك وقوع الربا في التعامل المذكور، وهذا يناقض تمامًا ما يجري به التعامل بين الناس في الأسهم في جميع أسواق رأس المال على مستوى العالم.
(1) انظر: ابن المنذر، الإجماع، ص 120.
(2)
انظر: د. فايز نعيم رضوان، الشركات التجارية، ص 409
وبذلك يخلص الباحث بالنسبة لهذه النقطة إلى النتائج الثلاث المهمة التالية:
1-
ضرورة مراعاة المحافظة على حقوق الشركاء في الشركات الإسلامية (سواء كانت مضاربة أو عنان؛ مالية أو تجارية) وذلك بعدم السماح يخلط أموال جديدة من خلال التدفق المستمر للودائع في وعاء المضاربة، بعد بداية النشاط الفعلي للشركة.
2-
ضرورة الاعتراف بواقعية الآراء المنقولة عن جمهور الفقهاء من المذاهب الفقهية في الشريعة الإسلامية، ويتضمن ذلك احتفاظ كل شريك بملكيته للأموال التي أسهم بها في الشركة كحصة شائعة في مجموع أموال الشركة، وأن يسري هذا الحكم حتى بعد استقلال الشركة بشخصيتها الاعتبارية. وجدير بالذكر أن هذا الرأي هو الذي انتهى إليه قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة (1) .
3-
مع التسليم بأن الباحث لا يعترض على فكرة إضفاء الشخصية الاعتبارية على الشركات في عصرنا الحديث، ويقر بأهميتها، إلا أن هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في التصور الذي توصل إليه رجال القانون بشأن الربط بين الشركاء في الشركة المساهمة وبين الشخصية الاعتبارية لهذه الشركة، وذلك لما يتضمنه هذا التصور من تناقضات كبيرة لا تتسق في أبعادها مع الأحكام التي تمليها علينا شريعتنا الإسلامية الغراء (2) .
(1) انظر: البند أولًا: من القرار رقم (5) المؤتمر الرابع لمجمع الفقه الإسلامي ـ جدة، 1408 هـ.
(2)
انظر: الاستنتاج الخاص بفضيلة الشيخ العلامة. د. عبد العزيز الخياط في تعليقه على ما يسمى بنظرية عضوية المدير في الشركة، حيث انتهى منذ سنوات مضت في كتابه (الشركات) إلى رفض آراء رجال القانون التي تحاول الفصل نهائيًا بين شخصية الشركاء والشركة فيما يتعلق بالإدارة، انظر: د. عبد العزيز الخياط، الشركات في الشرعية الإسلامية. 1:253.
ثالثًا: رغم أن علماء القانون الوضعي قد أضفوا صفة الشخصية الاعتبارية على كل من البنوك التقليدية والشركات العادية غير المصرفية (إنتاجية وخدمية) بدون تفرقة، إلا أنه لم يغب عنهم ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ أن يفرقوا بوضوح بين الأساس القانوني الذي ينبني عليه إيداع الأموال في البنوك التقليدية، وهو عقد القرض (1) . وبين الأساس الذي ينبني عليه الإسهام في رأس مال أي شركة من الشركات (حتى لو كانت البنك الربوي نفسه) ، وهو عقد الشركة، فسمحوا في الحالة الأولى بالتدفق المستمر للودائع والخلط فيما بينها لدى البنوك دون أي شروط مسبقة لذلك. بينما منعوا في الحالة الثانية من التدفق المستمر لرؤوس الأموال في الشركات المساهمة، وسنوا عددًا من الشروط الصارمة لأي إصدارات جديدة تأخذ شكل أسهم.
ومن أهم هذه الشروط (2) : أنه لا يجوز إصدار أسهم للاكتتاب زيادة على رأس المال المصرح به في أي شركة حتى في حالة ازدهار أعمالها وتحقيقها لأرباح مجزية، إلا بعد الحصول على موافقة الجمعية العمومية والجهات الرقابية المختصة، واعتبار طلب الزيادة في رأس المال المصرح به في حكم تعديل في العقد الابتدائي للشركة، وجواز طلب علاوة إصدار بخلاف قيمة السهم الاسمية التي يتداول بها، بحيث يتم تعلية هذه القيمة إلى احتياطيات الشركة (3) . ولا شك أن كافة هذه الشروط تضفي سياجًا قويًّا من الحماية على عملية تدفق رؤوس الأموال في الشركات، ولا يقصد منها إلا حماية حقوق الشركاء القدامى من الضياع، ومنع الغبن الذي قد يقع عليهم في هذا الصدد.
وأخذًا في الاعتبار لكل ما سبق بيانه من أن هناك فروقًا واضحة بين التكييف الفقهي والقانوني لطبيعة التعامل في كل من البنوك الإسلامية والبنوك الربوية، وكذا لما توصلت إليه القوانين الوضعية المعاصرة من وجود فروق جلية بين الكيان الخاص بالشركات المساهمة والكيان الخاص بتعاملات المصارف الربوية، فيكون من الأولى مراعاة تلك الفروق في تعاملات المصارف الإسلامية، بما يؤدي إلى منع التدفق المستمر للودائع أو الخلط بينها في وعاء المضاربة لدى هذه البنوك. ومراعاة أنه ليس هناك فارق بين الاكتتاب في أي شركة من الشركات المساهمة غير المصرفية، والإيداع في البنوك الإسلامية بصفتها شركات مضاربة.
(1) انظر: علي جمال الدين عوض، موجز عمليات البنوك من الوجهة القانونية، دار النهضة العربية، 1969.
(2)
انظر: محمد علوان، الشركات المساهمة في التشريع المصري، مرجع سابق، ص 193.
(3)
المرجع السابق: ص 194.
المبحث الثاني
فسخ وتوقيت عقد المضاربة والتخارج
والاسترداد وتحديد حوافز للمضارب
كما سبقت الإشارة في المبحث السابق فإن عقد فتح الحساب الاستثماري في البنوك الإسلامية يختلف في قرينه المفتوح في البنوك التقليدية من منطلق أن النوع الأول يضفي عليه صفة عقد المضاربة أما النوع الثاني فيضفي عليه صفة القرض. وبالتالي يكون من الطبيعي اختلاف الآثار المترتبة على كلا الحسابين في التعامل مع العملاء المودعين حال رغبتهم في التخارج أو الاسترداد، وهذا الأمر يتعين معه التعرف على طبيعة عقد المضاربة من حيث لزومه أو عدم لزومه، وإمكانية توقيته بمدة معينة من عدمه، وطريقة توزيع الربح بين الأطراف المتعاقدة، وسيحاول الباحث ـ بمشيئة الله ـ الرد على هذه الاستفسارات في الآتي:
عدم لزوم عقد المضاربة:
تتفق ثلاثة مذاهب على أن عقد المضاربة هو عقد من العقود غير اللازمة من بدايته حتى نهايته، وبأنه لا يورث.
فالشافعية: يرون أن عقد المضاربة إذا انفسخ ورأس المال عروض، واتفق المتعاقدان على بيعه أو قسمته جاز. يقول الإمام الرملي في بيان أن عقد القراض جائز (غير لازم) من الطرفين: لكل من المالك والعامل فسخه متى شاء ولو في غيبة الآخر (1) .
كذلك يرى الحنفية: أن عقد المضاربة غير لازم، إلا أنهم اشترطوا لصحة الفسخ علم المتعاقد به، وأن يكون رأس المال ناضًّا (أي نقودًا) وقت الفسخ.
فإذا كان رأس المال عروضًا كالعقار والمنقولات لم يصح عندهم الفسخ، يقول الإمام الكاساني:(وأما صفة هذا العقد فهو غير لازم، ولكل واحد منهما - أعني رب المال والمضارب - الفسخ، لكن عند وجود شرطه وهو علم صاحبه، ويشترط أيضًا أن يكون رأس المال عينًا وقت الفسخ دراهم أو دنانير)(2) .
وتتفق الحنابلة مع الشافعية في أن عقد المضاربة من العقود غير اللازمة دون شرط لذلك. يقول الإمام ابن قدامة: (والمضاربة من العقود الجائزة، تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان، وبموته، وجنونه، والحجر عليه لسفه، لأنه متصرف في مال غيره بإذنه، فهو كالوكيل، ولا فرق بين ما قبل التصرف، وبعده)(3) .
أما المالكية: فلم أر خلافا عندهم بأن عقد المضاربة غير لازم في بدايته، ما لم يشرع العامل فيه. أما إذا شرع فيه أصبح العقد لازمًا حتى ينض المال، وقد أشار إلى ذلك ابن رشد بقوله:(أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، وأن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض، واختلفوا فيما إذا شرع العامل، فقال مالك: لازم، وهو يورث)(4) .
(1) شهاب الدين الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: 5/ 238.
(2)
علاء الدين الكاساني، بدائع الصنائع: 8/ 3655.
(3)
ابن قدامة المقدسي، المغني: 5/ 46.
(4)
ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 2/ 240، والإمام مالك المدونة: 5/ 68، التسولي، البهجة في شرح التحفة. 2/ 357.
اشتراط توقيت عقد المضاربة:
اختلف الفقهاء فيما بينهم بشأن صحة توقيت عقد المضاربة، فذهب كل من الشافعية والمالكية إلى عدم جواز التوقيت إلى أجل محدد أو إلى مدة معلومة لا يفسخها قبلها، لأنه بذلك يكون منافيًا لمقصود عقد المضاربة وهو الاستدامة لتحقيق الربح، بالإضافة إلى أن المضاربة من العقود الجائزة كعقد الوكالة وهو متضمن لمعناها، يقول النووي في الروضة، في الشرط الثالث من شروط العمل في المضاربة: ألا يضيق بالتوقيت، ولا يعتبر في القراض بيان المدة، بخلاف المساقاة، لأن مقصودها وهو الثمرة ينضبط بالمدة، فلو وقت فقال: قارضتك سنة، فإن منعه من التصرف بعدها مطلقًا أو من البيع، فسد لأنه يخل بالمقصود. ولو قال: قارضتك سنة على ألا أملك الفسخ قبل انقضائها، فسد. ويقول القاضي عبد الوهاب من المالكية: لا يجوز التوقيت في القراض بأن يقارضه إلى مدة معلومة لا يفسخها قبلها، ولا على أنه إذا انقضت المدة انفسخ العقد، فلم يجز أن يبيع ما اشتراه من المتاع ولا أن يستأنف شراء غيره، ومتى وقع العقد على ذلك كان فاسدًا. . . ودليلنا أن القراض من العقود الجائزة، لأنه كالوكالة وهو متضمن لمعناها (1) .
أما الحنفية والحنابلة فقد ذهبوا إلى جواز توقيت عقد المضاربة، يقول الإمام ابن قدامة:(ولنا أنه تصرف يتوقت بنوع من المتاع، فجاز توقيته في الزمان، كالوكالة)(2) . ويقول الإمام الكاساني: (ولنا أن المضاربة توكيل، والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت)(3) .
ونرى أن الأخذ برأي الحنابلة والحنفية فيما يتعلق بجواز التوقيت أرجح، لأن من أهم العلل التي يستند إليها الشافعية والمالكية في المنع هو الضرر الذي قد ينتج عن حجب فرصة لتحقيق ربح قد يرى العامل إمكان تحققه بعد المنع من التصرف. ولكن توقيت المضاربة بتاريخ معين لا يمنع من تنضيض المال لمصلحة الطرفين باتفاقهما عند هذا التاريخ. كما أنه من مقتضى عقد المضاربة أن لرب المال منع العامل من البيع والشراء في أي وقت، وسواء كانت المضاربة مؤقتة أم غير مؤقتة.
(1) القاضي عبد الوهاب، الإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 646، وانظر الشيخ محمد عليش، شرح منح الجليل، 3/ 670، ويؤول في قوله بأنه عقد جائز بالفترة ما قبل البدء في النشاط، وإلا فإنه عند المالكية لازم بعد البدء فيه (انظر الفقرة السابقة من البحث) .
(2)
ابن قدامة، المغني: 5/ 50
(3)
الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 8/ 3633.
وفضلًا عن ذلك، فإنه يمكن مساندة هذا الرأي بما ذهبت إليه المالكية بلزوم عقد المضاربة بعد بدء النشاط، فإن الأخذ بالرأي القائل بجواز التوقيت مع لزوم العقد يحقق مصلحة كلية معتبرة يجب النظر إليها في إطار المحافظة على استقرار النظام المصرفي والاقتصادي للدول الإسلامية بصفة عامة. وتتمثل هذه المصلحة في الحد من الآثار السلبية والخطيرة التي قد تحدث عادة نتيجة أزمات السحب المفاجئ ومواجهة البنوك لأزمات سيولة قد تطيح بالنظام المصرفي ككل. ففي استطاعة البنوك التمسك بمبدأ ربط عمليات السحب بالنض الفعلي أو الحكمي للمال، فتتمكن بذلك من السيطرة على التدفقات النقدية الخارجة من البنوك في أوقات الأزمات، وتشتيت عدد مرات حدوثها على فترات زمنية متباعدة ـ وذلك بإنشاء العديد من الصناديق ذات الآجال المختلفة ـ مما تنخفض معه القيمة الاحتمالية لوقوع صدمات فجائية في فترة زمنية واحدة (1) . وجدير بالذكر أن إنشاء مثل هذه الصناديق ذات الآجال المختلفة، توفر أيضًا الفرصة لعملاء البنوك للحصول على السيولة الكافية لمقابلة احتياجاتهم النقدية في أي وقت، بما تنتفي معه مشكلة عدم اللزوم لعقد المضاربة.
(1) انظر: حسين كامل فهمي، نحو إعادة هيكلة النظام المصرفي الإسلامي، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، جدة، المجلد 4، 1412 هـ ـ 1992 م.
التخارج:
التخارج من وعاء المضاربة (حساب الاستثمار) يؤدي إلى فسخ عقد المضاربة المبرم بين البنك وعميله. يقول الإمام الرملي الشافعي: (ويحصل بقول المالك: فسخته أو أبطلته أو لا تتصرف بعد هذا، ونحو ذلك، وبإعتاقه وإيلاده واسترجاعه المال. فإن استرجع بعضه ففيما استرجعه. ويترتب على طلب التخارج ضرورة المحاسبة بين طرفي العقد. ويتم ذلك بعد تنضيض مال المضابة)(1) .
وتتفق الشافعية والمالكية والحنابلة على أنه إذا كان المال ناضًّا (نقدًا) من جنس رأس المال، ولم يتحقق ربح، أخذه المالك، وإن كان هناك ربح اقتسماه بحسب الشرط، أما إن كان رأس المال نقدًا من غير جنس المال، أو عرضًا، ففيه حالان: الحال الأول: أن يكون فيه ربح فيلزم العامل بيعه إن طالبه المالك بذلك، وللعامل بيعه وإن رفض المالك، ولا يشترط بيع العرض كله، وإنما يكفي تنضيض جزء منه بقدر رأس المال فقط للتمكن من الرد إلى صاحب رأس المال. أما الجزء المتبقي فيمكن بقاؤه على حاله لتوافر صفة المالية فيه.
ولو قال المالك: لا تبع ونقتسم العروض بتقويم عدلين، أو قال: أعطيك قدر نصيبك ناضًا: فيه وجهان عند الشافعية والحنابلة، وأما إذا لم يكن في المال ربح، فهل للمالك تكليف العامل بالبيع؟ فيه وجهان، أصحهما نعم، وإذا رضي المالك بإمساك العرض فهل للعامل أن يبيع؟ فيه أيضًا وجهان أصحهما أنه له ذلك إذا توقع ربحًا، فإذا تقاسماه وهو عرض ثم ظهر ربح بارتفاع الأسعار في السوق فهل للعامل نصيب فيه؟ فيه وجهان أصحهما ليس له ذلك (2) . أما عند الحنفية فإن العقد لا ينفسخ إلا إذا كان المال عينًا وقت الفسخ، فإن كان متاعًا لم يصح، وللعامل أن يبيعه حتى ينض (3) .
أما إذا انفسخ القراض والمال دين، فعند الشافعية والحنابلة والمالكية يلزم العامل تقاضيه، سواء ظهر في المال ربح، أو لم يظهر (4) . أما الحنفية فعندهم إذا ظهر ربح لزمه تقاضيه، وإن لم يظهر ربح لم يلزمه تقاضيه، لأنه لا غرض له في العمل، فهو كالوكيل (5) . ولكن عند الشافعية والمالكية لو رضي المالك بقبول الحوالة في الدين جاز، وذلك بأن يتفقا بينهما على تعين بعض الديون للعامل وبعضهما للمالك (6) .
(1) الإمام الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 239.
(2)
الإمام الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 239، النووي، الروضة: 5/ 141، ابن قدامة، المغني: 5/ 46، البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/ 224.
(3)
الكاساني، بدائع الصنائع: 8/ 3662.
(4)
ابن قدامة، المغني: 5/ 47، شهاب الدين الدين الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 239. القرافي، الفروق: 6/ 92.
(5)
الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ص 3668.
(6)
الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 340، القرافى، الفروق: 6/ 92.
استحقاق الربح:
يحكم استحقاق الربح عند العلماء أصلان متفق عليهما، هما:
أ - إن الربح وقاية لرأس المال: (1) فلو حدثت خسارة فإنها تجبر بالربح المتحقق في فترات لاحقة أو سابقة، ما أمكن ذلك؛ إلا أن يقبض المال صاحبه، ثم يرده إلى العامل ويقول له: اعمل به ثانية، فما ربح بعد ذلك لا تجبر به وضيعة الأول. وكذلك الحال لو لم يسحب صاحب المال رأس ماله بعد خسارة بنسبة معينة، وتحاسبًا على ذلك، ثم عَنَّ له أن يستمر في المضاربة (بعد المحاسبة) ، فإن أي ربح يتحقق بعد ذلك يوزع بالكامل بين الطرفين حسب ما اتفقا، ولا تجبر به الخسارة المتحققة خلال الفترة السابقة.
ب - إن العامل لا يملك حق التصرف في نصيبه من الربح إلا بعد نض المال: (2) .
يملك حصته من الربح بالقسمة لا بالظهور، لأنه لو ملك به لكان شريكًا في المال، ولأن سبب الاستحقاق العمل، فلا يستحق نصيبه إلا بعده (3) .
وقالت الحنفية: إنما يظهر الربح بالقسمة، وشرط جواز القسمة قبض رأس المال، فلا تصح قسمة الربح قبل قبض رأس المال، وإذا اقتسما الربح ورأس المال في يد المضارب لم يقبضه رب المال، ثم هلك رأس المال في يد المضارب، فإن القسمة الأولى لا تصح، وما قبض رب المال فهو محسوب عليه من رأس ماله، وما قبضه المضارب دين عليه برده إلى رب المال حتى يستوفي رب المال رأس ماله.
أما الحنابلة فإنهم يرون أن العامل يملك حصته في الربح بالظهور لا بالقسمة لأن في مقدوره المطالبة بها في أي وقت، إلا أن ملكه على حصته غير مستقر حتى يتم التحاسب ونض المال، فلو وقعت خسارة قبل المحاسبة جبرت بالربح المحقق قبل أو بعد ذلك، حيث يظل ما قبضه العامل من ربح كدين عليه لصاحب رأس المال حتى يستوفي رأسماله ويقبضه (4) .
(1) الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 236 النووي، الروضة: 5/ 136؛ ابن قدامة، المغني: 5/ 41؛ البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/ 222.
(2)
شمس الدين الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 237، النووي الروضة: 5/ 136، ابن رشد الحفيد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 2/ 240، ابن قدامة، المغني: 5/ 41، البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/ 222؛ الكاساني، بدائع الصنائع: 8/ 3652.
(3)
شمس الدين الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 236، القرافي، الذخيرة: 6/ 89.
(4)
ابن قدامة، المغني: 5/ 41، الكاساني، بدائع الصنائع: 8/ 3652.
الاسترداد:
سبقت الإشارة إلى أن الاسترداد لجزء من رأس المال يعني فسخ التعاقد بالنسبة لهذا الجزء فقط وذلك عند جمهور الشافعية والحنابلة والمالكية. فإن كان قبل ظهور الربح والخسران، رجع رأس المال إلى القدر الباقي، ويصير كما لو اقتصر في الابتداء على إعطائه لعامل المضاربة، وإن ظهر ربح، فالمسترد شائع، سواء كان ربحًا أو خسرانًا على النسبة المحصلة من جملة الربح ورأس المال. أما العامل فيستقر ملكه على ما يخصه من الربح المحقق على الجزء المسترد، فإذا وقعت خسارة بعد ذلك فلا تجبر بهذا الجزء (الربح الخاص بالعامل)(1) . أما عند الحنفية فيشترط نض المال، على النحو السابق ذكره.
استخدام طريقة النِّمر في توزيع الأرباح:
تستخدم البنوك الإسلامية في الوقت الحاضر نظام (النمر) لتوزيع الأرباح المحققة بينها وبين عملائها من المودعين في الحسابات الاستثمارية وحسابات التوفير. وتعتمد هذه الطريقة على منح كل عميل عددًا من النمر (أوزان مرجحة) بما يتكافأ مع الفترة الزمنية التي مكثتها أمواله في وعاء المضاربة، فالعميل الذي استمرت وديعته في الوعاء لمدة ستة أشهر على سبيل المثال، يحصل على عدد من النمر أقل من العميل الذي استمرت أمواله لمدة سنة، وهكذا، وبناء على هذه النمر أو الأوزان المرججة يتم توزيع الأرباح التي حققها البنك.
ويرجع السبب الأساسي في اتباع هذه الطريقة إلى أن البنوك تسمح لعملائها بالإيداع والسحب من وإلى هذه الحسابات بصفة مستمرة دون الالتفات إلى المشكلات التي قد تترتب على خلط الأموال المتدفقة على وعاء المضاربة.
ويلاحظ في هذا الشأن أن معظم أصول البنوك الإسلامية تتمثل في ديون مستحقة على الغير، قد تمتد فترة استحقاقها إلى آجال طويلة، تصل في بعض الأحيان إلى ثلاث أو خمس سنوات، لذلك فإن البنوك لا تتقيد بشرط النض الحقيقي للمال الذي اشترطه العلماء من المذاهب الفقهية المختلفة، وإنما تعتمد في هذا الشأن على ما يسمى بالتنضيض الحكمي لرأس المال؛ حيث يتم تقويم المركز المالي للبنك في نهاية كل فترة زمنية معينة، للتعرف على ما حققته نتائج الأعمال عن تلك الفترة.
(1) شهاب الدين الرملي، نهاية المحتاج: 5/ 241، ابن قدامة، المغني: 5/ 42.
وإذا رجعنا إلى الشروط التي اشترطها العلماء بالنسبة لعمليات الخلط بين أموال المضاربة، والتخارج، واسترداد جزء من رأس المال، سيلاحظ الآتي:
• أن جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة على الرأي بعدم جواز خلط الأموال في وعاء المضاربة بعد بدء النشاط فيها.
• أن الحنابلة على الرأي بضرورة تقاضي الديون بالكامل (تنضيضها) قبل القسمة سواء تحقق ربح أم لم يتحقق. وأن الرأي عند الحنفية يقتضي الأمر بنض المال جميعه (عروض أو ديون) في حالة وجود ربح، بحيث لا تصح القسمة إلا بذلك.
• أنه لا خلاف بين المذاهب الأربعة في أن عامل المضاربة لا يملك الربح ملكًا مستقرًا (بما يخوله التصرف فيه) إلا بعد نض المال وقسمته بين طرفي العقد.
• أن الرأي عند كل من الشافعية والمالكية يفيد أن تنضيض رأس المال وقسمته لا يشترط فيها تحول رأس المال بالكامل إلى نقد، وإنما يمكن قسمة بعض الديون والعروض المتبقية، في تاريخ الفسخ، بين طرفي التعاقد بالتراضي بينهما، وباستخدام فكرة الحوالة.
وأخذًا في الاعتبار لكل من الحقيقتين التاليتين:
1-
إن استخدام نظام النمر في توزيع الربح يصبح غير ذي جدوى في حالة التقيد بشرط عدم خلط الأموال في وعاء المضاربة بعد بدء النشاط (وفقًا لرأي جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة) ؛ لأن جميع أموال المشاركين في الوعاء يبدأ العمل فيها في تاريخ واحد، فلا يحتاج التخارج أو توزيع الربح ـ في أي لحظة زمنية ـ إلى الاستعانة بهذا النظام.
2-
إن ما يشترطه المذهب الحنفي لرفع عقد المضاربة وفسخه، هو التنضيض الكامل لرأس المال بما فيه العروض والديون، وهذا لا يمكن التوصل إليه من خلال ما يسمى بالتنضيض الحكمي للمال المعمول به حاليًا في البنوك الإسلامية.
لذلك يمكن الاستنتاج بأن استخدام نظام النمر في البنوك الإسلامية تأباه الأحكام الخاصة بمنع الخلط في وعاء المضاربة بعد بدأ النشاط (المالكية ـ الشافعية ـ الحنابلة) كما أن استخدامه وفقًا لما ذهب إليه الفقهاء من الحنفية من جواز الخلط بعد بدء النشاط، يعارضه اشتراط الحنفية أنفسهم بضرورة النض الفعلي (وليس الحكمي) للمال، وهو أمر بعيد عما تطبقه البنوك الإسلامية حاليًا، وبالتالي يصبح استخدامه غير ذي جدوى، وما يترجح لدي في هذا الشأن هو عدم استخدام هذا النظام سدًّا للذرائع، ولضرورة الأخذ بما ذهب إليه جمهور كل من المالكية والشافعية والحنابلة من عدم جواز الخلط بين أموال المودعين.
وتبرير ذلك هو أن استخدام هذا النظام في ظل السماح بخلط أموال المودعين والسماح لهم بالسحب في أي وقت، قد يؤدي في بعض الحالات إلى تجرد الأموال المودعة والمسحوبة من أي صلة تربط بينها وبين النتائج الحقيقة للأنشطة التي يحققها البنك، وكذا إلى تجرد التبادل النقدي الذي يتم بين البنك وعملائه من (السلعة) ، التي هي المحك الأساسي للفارق بين أنشطة البيع، وبين التعامل بالصرف، فلا يتبقى بعد ذلك من روابط تربط التعامل النقدي بين البنك وعملائه، إلا عنصر الزمن. فإذا تعهد البنك باستخدام هذا النظام، وسمح لعملائه باسترداد أموالهم في أي وقت، فإن ذلك يعني بطريقة غير مباشرة، ضمان البنك للأموال المودعة لديه في معظم الوقت، وهو شرط ينافي مقتضى عقد المضاربة، ويؤدي إلى وقوع التعامل بين البنك وعملائه في دائرة بيع العينة أو الربا، ألا ترى أن من المؤسسات المالية من يستخدم هذا النظام حاليًا لتمويل بعض الاحتياجات اليومية للشركات الصناعية تحت مسمى المشاركة المتناقضة، وعقد الشركة بريء من هذا التمويل براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
البنك كأمين الاستثمار (الحل المقترح) :
تأسيسًا على كل ما سبق، فإنه يمكن استنتاج نموذجين لتعامل البنك الإسلامي مع عملائه، وذلك على النحو التالي:
النموذج الأول:
لما كان التكييف الفقهي للودائع الاستثمارية التي يودعها عملاء البنوك الإسلامية ينبني على عقد شركة المضاربة، وأن هذا النوع من الودائع يعتبر المصدر الغالب للأموال التي يتعامل بها البنك، فمن الطبيعي أن ينعكس هذا التكييف على الشكل العام (الشرعي والقانوني) للبنك نفسه، فيأخذ بدوره شكل شركة المضاربة، ويقوم البنك في هذه الحالة بدور المضارب، بينما يعتبر المودعون كأصحاب رأس المال. وأخذًا برأي المذهب الحنبلي الذي يجيز مشاركة عامل المضاربة بحصة في رأس مال الشركة، علاوة على ما يقوم به من أعباء إدارية (1) ، فإن ذلك يصل بالبنك الإسلامي إلى هيكل مشابه للهيكل الحالي الذي يمارس من خلاله أوجه النشاط المختلفة.
إلا أن على البنك في هذه الحالة الالتزام بكل من الآتي:
1-
عدم خلط رؤوس أموال المودعين بعد البدء في النشاط، وذلك أخذًا برأي جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة، على النحو الذي فصلناه في المبحث الأول من هذا البحث.
2-
عدم استخدام نظام النمر في توزيع الربح بين الأطراف المتعاقدة.
3-
إنشاء أوعية استثمارية مختلفة في نوعياتها وفي آجالها. ليتم دعوة المدخرين للاكتتاب فيها، على أن يكون لكل وعاء منها بداية ونهاية محددة الآجل. فلا يسمح بخلط أموال جديدة عن طريق التدفق المستمر للودائع، كما هو متبع حاليًا في جميع البنوك الإسلامية، وبذلك يستقل كل صندوق بنتيجة نشاطه، سواء كانت ربحًا أو خسارة، دون أن يختلط ذلك بنتائج الأوعية الأخرى.
4-
يقوم البنك في كل وعاء من هذه الأوعية بدور المضارب، حيث يتولى القيام بجميع الأعمال الاستثمارية المتعلقة بكل وعاء بصفة مستقلة، ويشترط في هذه الحالة قيام البنك بأعمال التجارة الحقيقية: بشراء البضائع لنفسه (وليس للمشتري) وتخزينها في مخازنه (وبصفة خاصة إذا كانت طعامًا) .
(1) انظر على سبيل المثال: ابن قدامة المقدسي، المغني: 5/ 43.
5-
رفض فكرة نظام النمر في توزيع الأرباح للأسباب السابق شرحها.
6-
الأخذ بفكرة التنضيض الفعلي لكل صندوق كلما أمكن ذلك.
1-
أنه يمكن الأخذ بفكرة التنضيض الحكمي، من خلال فكرة التراضي بين الشركاء فيما يختص بتوزيع الأرصدة المتبقية في نهاية المدة المحددة ـ سواء من العروض أم الديون ـ فيما بينهم، مع مراعاة إمكان الاستعانة بفكرة الحوالة للدين بين الشركاء، وذلك لتمكين التخارج من وعاء المضاربة لمن يريد ذلك من المودعين (الشركاء) عند نهاية المدة المذكورة.
2-
في حالة إذا رغب البنك، وكذا بعض العملاء المشاركين في الصندوق الذي انتهت مدته، الاستمرار في نشاط المضاربة، فيمكن تدبير ذلك بإنشاء مضاربة جديدة لفترة جديدة، ويشترط في هذه الحالة منع دخول مشاركين جدد إلى الصندوق الجديد.
والسبب في ذلك هو أن انتقال جزء ـ أو كل ـ من الأرصدة المدينة الخاصة بالصندوق القديم إلى الجديد، مع السماح بدخول عملاء جدد، يعني إسهام هؤلاء المودعين الجدد في الجديد، وهو بمثابة بيع لحصة شائعة في الديون السابقة المتبقية، وهو غير جائز عند جمهور الفقهاء لعلة الغرر الذي قد يترتب على عدم التمكن من تحصيل أو تسلم تلك الديون.
ويمكن في جميع الأحوال الاستعانة بفكرة تمويل الصناديق المذكورة في البنود السابقة عن طريق صكوك للمضاربة، يصدرها البنك لكل صندوق بصفة مستقلة، بحيث تكون قابلة للتداول في سوق رأس المال، ويتم إطفاؤها بانتهاء الأجل المحدد لوعاء المضاربة. وهذه الفكرة تتيح لصاحب الصك جميع الميزات سالفة الذكر. فهي من ناحية لا تسمح بالخلط بين الأموال بعد بدء النشاط، كما أنها من الناحية الأخرى تتيح الفرصة لحامل الصك بالتخارج من المضاربة ببيع صكه في الوقت الذي يشاء.
النموذج الثاني:
وهو ينبني على ما يسمى بفكرة البنوك الضيقة، حيث يقتصر نشاط البنوك فيه على دور الوكيل بالعمولة. وفي هذه الحالة يقوم البنك بمجرد توجيه أصحاب الودائع إلى أنسب الفرص الاستثمارية التي تتيحها صناديق الاستثمار المختلفة لكي يودعوا فيها أموالهم دون أن يقحم نفسه في استثمار تلك الأموال، ويتم تكييف العلاقة بين البنك وعميله الطالب للإيداع وفقًا لهذا النموذج، في إطار عقد الوكالة أو السمسرة أما البنك نفسه، فلا يقوم بأي نشاط استثماري.
ويشترط في الصناديق نفسها كافة الشروط الخاصة بممارسة أنواع الأنشطة المختلفة (تجارة ـ صناعة ـ خدمات أخرى) بطريقة فعلية، على النحو السابق بيانه، وليس من مهامها منح الائتمان، وإنما التقيد بالأنشطة المعتادة للشركات. ويستند هذا الاقتراح إلى الرأي الذي ذهب اليه جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة بأنه إذا دفع المضارب المال إلى مضارب ثان فإن المضارب الأول لا يستحق شيئًا من الربح (1) .
(1) انظر على سبيل المثال: ابن قدامة، المغني: 5/ 36؛ والإمام النووي، الروضة 5/ 132.
تحديد المضارب في حال إدارة المضاربة من قبل الشخصيات المعنوية (المؤسسات والشركات) :
ينبني هذا الموضوع على ما سبقت الإشارة إليه في الفقرة السابقة الخاصة بإنشاء صناديق متعددة ومستقلة للمصارف الإسلامية (1) ؛ ففي حالة كون المضارب شخصية اعتبارية كالبنك أو الشركة القابضة، فيقترح في هذه الحالة إعداد ميزانية مستقلة خاصة بهذا الكيان الاعتباري ـ ولنفترض أنه بنك إسلامي ـ بحيث يقتصر جانب الخصوم فيها على رأس ماله وحقوق المساهمين فيه. أما في جانب الأصول، فيظهر فيه حجم الأموال التي يستثمرها البنك في أي من الصناديق التي سيديرها بصفته شريكًا بماله فيها، علاوة على كونه شريكًا بعمله. وفي هذه الحالة تظهر أرصدة الودائع الاستثمارية كالتزامات عرضية (بند حسابات نظامية خارج الميزانية) على البنك، حيث تظهر حجم النشاط الذي يتعامل البنك فيه، مع إثباتها من ناحية أخرى وجود احتمال دائم لمطالبة المودعين البنك ضمان هذه الودائع في حالة الإهمال أو التقصير من جانبه.
أما بالنسبة للصناديق الاستثمارية ذاتها، فيقترح أن يكون لكل منها مركز مالي مستقل بذاته حسب نوع النشاط والفترة الزمنية التي يرغب كل عميل الاستثمار فيها. وبناء عليه تظهر الودائع الاستثمارية في جانب الخصوم كرأس مال للصندوق، بينما تظهر الأصول النقدية والعينية والمستثمر فيها في جانب الأصول من ذلك المركز.
(1) حسين كامل فهمي، الودائع المصرفية (حسابات المصارف) بحث مقدم إلى مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي أبو ظبي ـ الإمارات العربية المتحدة، 1415 هـ / 1995 م.
تحديد معدلات لربح المضارب:
عقد المضاربة يعتبر من العقود الرضائية، يتم تحديد معدلات توزيع الربح فيه بين طرفي التعاقد بالتراضي التام بينهما. وأهم الشروط التي يجب مراعاتها عند تحديد الربح في هذا العقد هي:
أ - أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين.
ب - أن يكون مشتركًا بينهما.
جـ- أن يكون معلومًا.
د- أن يكون العلم به من حيث الجزئية، وليس من حيث الكم أو التقدير (1) .
لذلك اختلف الفقهاء في حالة إذا قال رب المال للعامل: قارضتك على أن يكون جميع الربح لي، أو أن جميع الربح لك، فهل القراض في هاتين الحالتين يعتبر فاسدًا، أم أنه إبضاع في الحالة الأولى، وقرض في الحالة الثانية. فبعضهم اعتبره فاسدًا مراعاة للفظ، والبعض الآخر اعتبره صحيحًا رعاية للمعنى، وبعضهم اعتبره على الصفتين المذكورتين.
أما إذا تم تحديد نسبة مشتركة ومشاعة بينهما من البداية، بحيث تقع بين هذين الحدين ولا تؤول إلى واحد منهما في النهاية، فأرى أنه لا حرج في ذلك كأن يضاف إلى النسبة المحددة للعامل، نسبة أخرى في حالة إذا بلغت الأرباح مقدارًا معينًا، أو ارتفعت عن العام السابق بمقدار معين، وذلك على سبيل الحافز، فلا حرج في ذلك، كأن يقول له مثلًا: قارضتك على أن نصف الربح لك، ثم يحدد نسبًا أخرى إضافية يمنحها له في حالة تجاوز الربح مقدارًا معينًا.
فذلك أشبه بالتنازل من جانب رب المال عن جزء من نصيبه في الربح للعامل، كحافز له.
ويلاحظ من ناحية أخرى وجود نهي عن تحديد مبالغ مقطوعة على سبيل العائد لأحد الطرفين. كأن يقول له: لك من الربح درهم أو مائة، والباقي بيننا مناصفة، فذلك يفسد العقد، ويقول ابن المنذر في هذا الشأن: وأجمعوا على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة (2) .
(1) انظر على سبيل المثال: الإمام النووي، الروضة: 5/ 122.
(2)
ابن المنذر، الإجماع، ص 124.
تشكيل هيئة لأرباب المال (لجنة المشاركين) :
يعتبر هذا الاقتراح مطلبًا أساسيًا لحصول المودعين من أصحاب حسابات الاستثمار المفتوحة لدى البنوك الإسلامية على كافة الحقوق والضمانات التي يخولها لهم عقد المضاربة الذي تحرره البنوك مع كل واحد منهم. فالبنوك لا تمنح أصحاب رؤوس الأموال من المودعين نفس الحقوق التي يخولها عقد المضاربة الموروث لصاحب رأس المال الفردي كما كان عليه الحال في القرون الأولى. وتعترض البنوك الإسلامية عادة على إنشاء مثل هذه الهيئة لعدد من المبررات، من أهمها:
أولًا: اشتراك عدد كبير من العملاء المودعين في الوعاء الاستثماري المفتوح لديها، مع وجود احتمال دائم لسحب شريحة عريضة منهم لأموالها من البنك في أي وقت، مما يفقد المبرر من وراء إنشاء الهيئة المقترحة.
ثانيًا: أن أعداد المودعين يفوق عدد أصحاب رأس المال بمئات المرات، مما قد يترتب عليه مشكلات إدارية لتنظيم وإدارة اجتماعاتهم، بما قد يحول في النهاية دون التوصل إلى قرارات سريعة يحتاجها البنك في دفع عجلة نشاطه.
ثالثًا: أن عقد المضاربة يشترط على صاحب رأس المال عدم التدخل في أعمال المضارب (البنك) وأنشطته، بما لا يجعل هناك مبررًا لإنشاء مثل هذه الهيئة من الأصل.
وهذا الادعاء مردود عليه من عدة وجوه، نجملها في التالي:
أ - إن اشتراك عملاء البنك في وعاء استثماري واحد لا يمنع من حقيقة أن عقد المضاربة الذي اعتاد الناس على تحريره منذ القرون الإسلامية الأولى، وهو نفس العقد الذي يحرره البنك الإسلامي اليوم مع كل عميل من عملائه. ففي جميع الأحوال يحرر العقد بين طرفين اثنين لا ثالث لهما، وهما صاحب رأس المال (المودع) وعامل المضاربة (البنك) . وبالتالي يتعين حصول صاحب رأس المال على جميع الحقوق التي يكلفها له عقد المضاربة في شكله الموروث دون أي تغيير.
ب - إنه رغم اتساع شريحة المودعين، وتفوقها على تلك الخاصة بالمساهمين، إلا أنه يمكن للبنوك اشتراط نسبة معينة لحضور الاجتماعات التي يقترح أن تنظمها البنوك لهيئة أصحاب رأس المال على غرار اجتماعات الجمعية العمومية التي تنظمها تلك البنوك للمساهمين وذلك كوكلاء لسائر المودعين الآخرين.
جـ- إنه باستثناء نسبة ضئيلة جدًّا من حاملي الأسهم، تمثل فئة المؤسسين الذين تحملوا عبء المبادرة والمخاطرة في إنشاء البنك، فإن النسبة المتبقية وهي تمثل الغالبية العظمى من المساهمين، لا يوجد أي مبرر للتفريق بينها وبين المودعين في المعاملة أو في الميزات الممنوحة لها من البنك، بل إنه من الحقائق المسلم بها أنه لو امتنعت فئة المودعين عن التعامل مع البنك، فإن ذلك يعني التوقف التام لأعمال البنك وعدم تمكنه من إكمال مسيرته.
د- إن القول بأن هناك عددًا كبيرًا من المودعين يتخارج عادة في كل عام من وعاء المضاربة عن طريق سحب رصيد حسابه، يقابله حقيقة أخرى، وهي أن هناك عددًا من المساهمين، من أصحاب الأسهم والصكوك، يتخارجون في كل عام، بنفس نسبة عدد المتخارجين من المودعين، وذلك من طريق بيع أسهمهم وحصصهم في سوق رأس المال.
هـ- إن البنوك الإسلامية في العصر الحالي، لا قوة لها على استحداث شروط تتناقض مع الأحكام والمقاصد العامة للشريعة، أو تغير من الشروط الأصلية والقواعد الشرعية الموروثة التي تحكم العلاقة بين طرفي عقد المضاربة. فلي في دين الله عز وجل ما يخول للشكل المؤسسي أو للصفة الاعتبارية مهما بلغ حجمها أو تعاظم شكلها، حذف شروط يفرضها أي عقد من العقود الشرعية، أو فرض شروط أخرى على العقود الشرعية، التي يتعامل بها الناس في كل عصر ومصر، بما يتنافى مع الأحكام والقواعد والمقاصد التي تفرضها الشريعة على هذا العقود. لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث بريرة، الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها:(ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط)(1) .
وعلى العكس من ذلك، فإن القواعد والأحكام العامة التي تحكم إنشاء العقود في الإسلام، لا تمانع من استحداث شروط جديدة قد يكون فيها مصلحة لطرفي العقد، إذا لم تتعارض هذه الشروط مع مقتضى العقد ولا مع الأحكام والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
(1) الحديث صحيح، وقد رواه البخاري (البيوع) ، مسلم (العتق) ، والنسائي (الطلاق) ؛ وابن ماجة (الأحكام) وأحمد (باقي سنن الأنصار) ؛ ومالك (العتق والولاء) .
و رغم إنه من ضمن الشروط الأساسية لعقد المضاربة، ضرورة عدم تدخل صاحب رأس المال في إدارة نشاط المضاربة اليومي، إلا أن هذا العقد يتيح له من الأصل شروطًا تكفل له حماية أمواله لدى عامل المضاربة، وتستلزم حضوره واطلاعه على نتائج الأعمال بصفة عامة، فضلًا عن إعطاء رأيه في بعض المسائل التي لا يستطيع المضارب التصرف فيها إلا بالرجوع إليه. فعلى سبيل المثال يقسم الفقهاء أنواع الأعمال التي يقوم بها عامل المضاربة إلى ثلاث مجموعات (1) .
* أعمال يجوز للعامل القيام بها بمطلق العقد، وبدون حاجة للحصول على إذن صريح من صاحب رأس المال، ومن أمثلة ذلك التوكيل بالبيع والشراء والرهن والاستئجار والإيداع.
* أعمال لا يجوز له أن يعلمها إلا إذا قال له رب المال: اعمل فيها برأيك، ومن أمثلة ذلك دفع المال إلى غيره مضاربة أو شركة، أو خلط مالها بماله أو بمال غيره قبل بدء النشاط (2) .
* أعمال لا يجوز له أن يعملها إلا إذا حصل على إذن خاص من صاحب رأس المال، سواء قال له: اعمل فيها برأيك، أو لم يقل له ذلك، ومثال ذلك الاستدانة من الغير على رأس المال.
ومن ذلك يتضح أن القواعد والشروط الأساسية لعقد المضاربة تتيح في جميع الأحوال أنواعًا من الضمانات، نحسب أنها كافية لحماية أموال المودعين في عصرنا الحالي، ويكون ذلك بإعطاء الفرصة لصاحب رأس المال في الإطلاع على النتائج العامة، والتطور المستمر في أنشطة البنك بما يتيح له مرونة عالية في الاختبار بين البدائل عند التفاوض مع عامل المضاربة (المضارب) . ولا شك أنه بإمكان المودعين ـ إذا اجتمعوا ـ فرض أي من الشروط السابق ذكرها على البنوك، ويكون ذلك من خلال التفاوض بين الطرفين.
(1) انظر على سبيل المثال: النووي، الروضة: 5/ 128؛ ابن قدامة، المغني: 5/ 44، مالك، المدونة، ابن عابدين، رد المحتار: 5/ 649.
(2)
أما خلط مال المضاربة بمال الغير أو حتى بمال المضارب بعد البدء في النشاط فلا يجيزه جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة، أما الحنفية فذلك عندهم غير جائز أيضًا إذا لم يتم الخلط بإذن صريح من صاحب رأس المال، ولم يكن التجار متعارفين بينهم على ذلك. انظر ابن عابدين، رد المحتار 5/ 649؛ مالك، المدونة، النووي، الروضة: 5/ 148، ابن قدامة المغني: 5/44.
وفي هذا الصدد أود أن أعلق على اقتراح تقدم به د. سامي حمود ضمن أوراق العمل الخاصة بندوة البركة واجتماع شركتي التوفيق والأمين عام 1988.
ويهدف الاقتراح إلى تشجيع البنوك وصناديق الاستثمار الإسلامية لاستخدام أسهم جديدة غير مصوته يطلق عليها (Non voting shares)(1) . وأعتقد أن بعض البنوك الإسلامية قد بدأت حاليًا في تطبيق هذه الفكرة بالفعل، وهذا النوع من الأسهم استحدثته بعض الشركات البريطانية لتجنب مشاركة حامليها في مراقبة أعمالها، (حتى لمجرد تتبع سياستها العامة أو نتائج أعمالها)، وذلك يمنعهم من حق التصويت في الجمعيات العمومية الخاصة بهذه الشركات. وأقول وبالله التوفيق: إن لهذه الأسهم آثارًا جانبية تخلفها على العلاقة بين البنوك الإسلامية وعملائها، من حيث إنها تمكن البنوك من عزل أصحاب هذه الأسهم تمامًا عن سياستها العامة، وتقلل من فرص مراقبتهم لأنشطتها.
ولا يمكن بأي حال القول إن مثل هذه الأسهم تتواءم مع طبيعة عقد المضاربة، من حيث إن الأصل في هذا العقد منعه تدخل أصحاب رأس المال في إدارة النشاط، فهذا القول فيه نظر إلى حد كبير. والدليل على ذلك ما سبق بيانه في الفقرة السابقة من أن هناك جنسًا من الأعمال يتعين على المضارب الحصول بشأنه على إذن صريح من أصحاب رأس المال سواء قالوا له: اعمل برأيك أم لم يقولوا له ذلك. كما أن هناك فارقًا بين مباشرة صاحب رأس المال للأعمال الدورية اليومية التي يقوم بها المضارب، والتي يمنعه منها عقد المضاربة، وبين حق مراقبته للسياسة العامة لهذه الشركة ومتابعة نتائج أعمالها من خلال الجمعية العمومية الخاصة بها.
(1) انظر: كلمة د. سامي حمود، ضمن أوراق العمل المعروضة على ندوة البركة واجتماع شركتي التوفيق والأمين البحرين ـ 21 ـ 23 يناير 1988 م.
وما نراه في هذه الأسهم هو أنها تقرب المودعين من صفة الدائنين وتبعدهم تمامًا عن صفة الشركاء أو الموكلين، كما هو مفروض في صفة عقد المضاربة وعقد الشركة. لأن الودائع المصرفية المؤسسة على صفة عقد القرض ـ كما هو الحال في البنوك التقليدية ـ تنتقل ملكية الودائع فيها تمامًا من العميل المودع إلى البنك. بحيث يصبح للبنك حق التصرف المطلق فيها، وبالتالي لا يكون للعميل الحق في حضور الجمعية العمومية للبنك، ولا حق توجيه سياسته العامة.
وهذا يختلف تمامًا عن العلاقة بين البنك الإسلامي وعميله صاحب الوديعة الاستثمارية، والتي تقوم على أساس الأمانة (في بداية العقد) ، ثم الوكالة (عند التصرف) ثم المشاركة (عند ظهور نتائج الأعمال) . ولهذا فإن من أحد الشروط الأساسية التي يشترطها الفقهاء في المتعاقدين في عقد المضاربة، هو شرط الصلاحية للتوكيل والوكالة؛ لأن المضارب يتصرف بأمر رب المال، وهذا أصل معنى الوكالة (1) .
ولا شك أن الاقتراح السابق مناقشته في الفقرات السابقة، والخاص بقيام البنوك على إدارة صناديق محددة المدة ومغلقة المشاركين فيها منذ بداية النشاط، يساند فكرة إنشاء هيئات تمثل المودعين أمام عامل المضاربة (البنك) ، بل إن إنشاء مثل هذه الهيئات يصبح لا غنى عنه في هذه الحالة.
(1) انظر على سبيل المثال: الكاساني، البدائع: 8/ 3593.
المبحث الثالث
تضمين البنوك الإسلامية للودائع الاستثمارية
أول من نادى بهذا المطلب هو د. سامي حسن حمود في كتابه (تطوير الأعمال المصرفية) الذي نشره في عام 1976 م. حيث اقترح فرض الضمان الشامل على البنوك الإسلامية لكامل قيمة الودائع الاستثمارية التي تحتفظ بها هذه البنوك لصالح عملائها. وقد أشار في كتابه المذكور إلى أنه يمكن قياس ضمان البنوك لتلك الودائع على حالتي الأجير المشترك والصانع المشترك، لاشتراك الجميع في نفس العلة التي استخدمها كل من السادة فقهاء الحنفية والمالكية في الحكم بذلك.
وقد أعاد د. سامي عرض نفس هذا الموضوع بعد ذلك ثلاث مرات: الأولى منها في بحثه (الفوارق التطبيقية بين المضاربة الفردية والمضاربة المشتركة)(1) . المقدم إلى ندوة البركة الخامسة للاقتصاد الإسلامي في عام 1409 هـ، والثانية في بحثه (الحسابات المصرفية) ، المقدم إلى مؤتمر المجمع الفقهي التاسع عام 1417 هـ. والثالثة في بحثه (التكييف الفقهي للمضاربة المشتركة وتطبيقاتها المعاصرة) المقدم إلى المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب خلال عام 1419 هـ (2) .
وقدم د. منذر قحف فكرة ضمان الودائع الاستثمارية عن طريق الطرف.
الثالث، في بحث تم نشره في عام 1409 هـ (3) . اقترح فيه ضمان وحدات القطاع العام والقطاع الخاص لأداة مالية قائمة على عقد القراض (المضاربة) وتكون قابلة للتداول، وقد اشترك معه د. سامي حمود، باقتراح مماثل لإنشاء صندوق للاحتياط ضد مخاطر الاستثمار في قطاع البنوك الإسلامية (4) .
وأخيرًا فقد كتب د. نزيه حماد، الأستاذ السابق بجامعة أم القرى بمكة المكرمة بحثًا ثم نشره في عام 1419 هـ، حول تضمين يد الأمانة بالشرط (5) ، ويبرز فيه رأيًا بجواز إدارج شرط مسبق في عقد المضاربة يفيد ضمان التالف من رأس مال المضاربة على العامل فيها، وقيمته إن كان من القيميات.
(1) الفوارق التطبيقية بين المضاربة الفردية والمضاربة المشتركة، مقدم إلى ندوة البركة الخامسة للاقتصاد الإسلامي 29 ـ 30 أكتوبر 1988 م.
(2)
انظر: د. سامي حمود، التكييف الفقهي للمضاربة المشتركة، وتطبيقاتها المعاصرة، بحث غير منشور مقدم إلى المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، 1417 هـ.
(3)
د. منذر قحف، سندات القراض وضمان الفريق الثالث، وتطبيقاتها في تمويل التنمية في البلدان الإسلامية، مجلة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، المجلد (1) ، 1409 هـ، 1989 م.
(4)
د. سامي حمود الفوارق التطبيقية، التكييف الفقهي للمضاربة المشتركة، وتطبيقاتها المعاصرة، بحث غير منشور مقدم إلى المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، 1417 هـ، ص 29.
(5)
انظر: د. نزيه حماد، (مدى صحة تضمين يد الأمانة بالشرط في الفقه الإسلامي) ، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، بحث رقم (53) ، 1419 هـ، 1998 م.
آراء العلماء المؤيدين لفكرة تضمين البنوك الإسلامية:
فيما يلي عرض للأفكار الأساسية وكذا الحجج والأسانيد التي تستند إليها كل من هذه الآراء:
1 – الرأي القائل بتضمين البنوك الإسلامية للودائع قياسا على أعمال الأجير المشترك:
يتضح من تتبع الرأي القائل بتضمين البنوك الإسلامية لأرصدة الحسابات الاستثمارية المحتفظ بها الدين، قياسًا على عمل الأجير المشترك، أنه يستند بصفة أساسية على كل من الركائز التالية:
أ - يقول صاحب الاقتراح: إن فرض الضمان على البنك الإسلامي لا يفسد عقد المضاربة، وإن اقتراحه بتضمين يد المضاربة لا يتعارض مع أي دليل شرعي من كتاب الله عز وجل، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو الإجماع الصحيح (1) .
ب - إن ارتباط ذمة البنك بأموال عدد كبير من العملاء لاستثمارها في آن واحد، يشابه إلى حد كبير عمل الأجير المشترك، خاصة أن البنك يعمل في الودائع المحتفظ بها لديه بعيدًا عن أعين أرباب رأس المال ورقابتهم وتوجيهاتهم. وحيث إن جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية على الرأي بجواز تضمين الأجير المشترك والصانع المشترك لمظنة التهمة، ولما تواترت عليه الآراء من ورود احتمال للإهمال والتعدي من جانبهما، لذلك يمكن قياس عمل البنك بصفته مضاربًا مشتركًا على عمل كل منهما، بما يسوغ في النهاية إصدار الحكم بجواز ضمان البنك للأموال المودعة لديه (2) .
جـ- إن هناك فارقًا بين عقد المضاربة ثنائي الأطراف وهو الذي استنبطه الفقهاء من المذاهب المختلفة، وفقًا للظروف والملابسات التي كانت سائدة في العصور الأولى من الإسلام والذي لا يسمح باشتراط الضمان مسبقًا على عامل المضاربة (المضارب أو البنك بالنسبة للموضوع المطروح للمناقشة في هذه الورقة) كما لا يسمح بخلط الأموال في وعاء المضاربة بعد بدء النشاط فيها، ويبين عقد المضاربة المشتركة (متعدد الأطراف) الذي تستخدمه البنوك الإسلامية حاليًا وتمليه عليها قواعد التعامل المصرفي المعاصر، فوفقًا للقواعد المذكورة (3) ـ التي يرى القائل بهذا الرأي بأنه لا بديل أمام البنوك الإسلامية إلا أن تتقيد بها وتتبعها ـ تضطر هذه البنوك إلى السماح بدخول وخروج أموال عدد كبير من المودعين في وعاء المضاربة في آن واحد وبصفة مستمرة، مما يؤدي إلى خلط هذه الأموال وتزايد احتمالات وقوع غبن لكثير من المودعين (4) .
ويرتب صاحب هذا الرأي على ما ورد بالبندين السابقين حكمًا مهما وهو: جواز الاشتراط على البنوك بضمان أرصدة الودائع الاستثمارية المحتفظ بها لديها، بما يجبرها على حسن إدارة هذه الأموال وعدم التفريط في استخدامها. أما الأصل الشرعي الذي استند إليه في إصدار هذا الحكم، فهو ما تقتضيه قواعد العرف المصرفي في السائد في جميع أنحاء العالم، وما تستلزمه قاعدة تغير الأحكام بتغير الأزمان.
(1) د. سامي حمود، التكييف الفقهي للمضاربة المشتركة، وتطبيقاتها المعاصرة، بحث مقدم إلى المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، ص 90.
(2)
د. سامي حمود، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، ص 388 ـ 392.
(3)
د. سامي حمود، بحث التكييف الفقهي للمضاربة المشتركة وتطبيقاتها المعاصرة، ص 11ـ 16، ص 39 ص 62 ـ63، ص 76 ـ 68.
(4)
د. سامي حمود، بحث التكييف الفقهي للمضاربة المشتركة وتطبيقاتها المعاصرة، ص 11ـ 16، ص 39 ص 62 ـ63، ص 76 ـ 68.
2-
الرأي القائل بجواز تضمين البنوك الإسلامية، بناء على أن الأصل هو عدم وجود ما يمنع من تضمين يد الأمانة بالشروط في الفقه الإسلامي.
ويستند هذا الرأي على عدد من الحجج والأدلة، سبق في الرد عليها بالتفصيل في بحث آخر (1) . ونظرًا لأن هذا الرأي يشترك في بعض النقاط مع الحجج التي ساقها د. سامي حمود في أبحاثه التي أشرت إليها سالفًا. لذلك سأكتفي في هذا الجزء بعرض مختصر لأهم الأفكار والحجج الجديدة التي استقل بها صاحب هذه الفكرة (بخلاف ما عرضه د. سامي حمود) ، تمهيدًا لبيان أوجه الرد عليها بشيء من الاختصار بعد ذلك.
أ - لقد اعتمد صاحب هذا الرأي في التوصل إلى ما استنتجه على دمج عقد المضاربة، بصفته من العقود التي تشتمل على أيد أمينة، وسوى بينه وبين سائر العقود الأخرى المماثلة، كعقد الوديعة والإجارة والشركة والوكالة، ثم حاول إثبات عدم وجود أدلة من الكتاب أو السنة أو الإجماع تمنع من فرض الضمان بالشرط مسبقًا على الأيدي الأمينة بصفة عاملة ممثلة في هذه العقود (ومنها عقد المضاربة) ، دون التفرقة بين عقد وآخر، وذلك من منطلق أن المناط وهو التهمة موجود في معظم حالات اشتراط الضمان على الأمين. إلا أن الضمان الذي يقصده قاصر فقط على حالات التلف والتعدي (سواء بقصد أو بغير قصد) دون حالات الخسائر التي قد تقع على رأس المال نتيجة للتقليب العادي لرأس المال في أعمال التجارة.
ب - أنه فرق بين طريقة فرض الضمان التي اقترحها د. سامي حمود على المضارب (2) ، وهي مصممة بصفة أساسية لمقابلة جميع أنواع الخسائر، سواء أكانت ناتجة عن التجارة أو عن التلف، وبين طريقة فرض الضمان التي يقترحها هو، وهي مصممة للخسائر الناتجة عن التلف فقط، ويهاجم في هذا الشأن الاقتراح الذي يقترحه الآخرون ويرتبون عليه النتيجة الطبيعية لفرض الضمان على عامل المضاربة، وهي دخول المال في ذمة عامل المضاربة من بداية النشاط حتى نهايته ويعتبر هذا النوع من الضمان غير مستساغ شرعا لاحتمال اتخاذه ذريعة للتعامل الربوي، ثم إنه يرتب على ذلك نتيجة أخرى تعتبر فريدة من نوعها، وهي اعتباره فرض الضمان لمقابلة الخسائر الناتجة عن التلف فقط غير ملزم للعامل من بداية العمل في نشاط المضاربة والى حين حدوث التلف، ويبرر ذلك بعدم دخول مال المضاربة في ذمة العامل من الأصل، فلا يقع الإلزام بالضمان إلا عند حدوث التلف، كما لا يسأل العامل في هذه الحالة عن أي خسارة في رأس المال قد تحدث في نفس الوقت، وتكون ناتجة عن غير تعد أو تفريط من جانبه. وعنده أن اقتراحه بهذا الشكل يختلف تمامًا في جوهره عن الاقتراح الآخر الذي يفترض وقوع الضمان على عامل المضاربة ويدخل المال الذي بين يديه في ذمته من البداية.
(1) د. حسين كامل فهمي، ضمان الودائع بالشرط (الرد) ، بحث مقدم لمؤتمر الصناعة المالية الإسلامية ـ الإسكندرية، أكتوبر 2000 م.
(2)
انظر الحجج والأسانيد التي أوردها د. سامي حمود، في الفقرات السابقة من هذا البحث.
جـ- إن المالكية أجازوا، في المشهور عندهم، تطوع الأمين بالتزام الضمان بعد تمام عقد الأمانة، واعتبروا ذلك الضمان صحيحًا ملزمًا، بناء على قاعدة التزام التبرعات في مذهبهم، وبناء على ذلك ذهب د. نزيه حماد إلى أنه إذا صح التزام الأمين بالضمان بعد العقد، فإنه يصح التزامه به في العقد، لأن ثبوته في حالة التطوع به بعده بناء على أنه تبرع بالمعروف، وهو واجب على من التزمه، فإنه يصح ثبوته أيضًا في حالة الشرط بناء على أنه تطوع بالتزام ما لم يكن يلزمه في صلب العقد، فكان واجبًا أيضًا على من التزمه. ويشير د. نزيه إلى أن ابن بشير من المالكية قد أفتى بذلك، وانتصر له تلميذه ابن عتاب، ثم يعلق د. نزيه معللًا سبب هذه الفتوى: بأن ما لا يجوز التزامه في العقد لا يجوز التطوع بالتزامه بعده وكما لو التزم المقترض تطوعًا بعد عقد القرض بدفع شيء زيادة على ما اقترضه، فإن ذلك غير جائز شرعًا، كما لو كان مشروطًا في العقد.
3-
الاقتراح بضمان الطرف الثالث (الشرط بفرض ضمان غير المباشر بتكوين صندوق خاص لتغطية مخاطر الاستثمار) .
تتحدد الفكرة الأساسية وراء هذا الاقتراح في إمكان كل من وحدات القطاع العام والقطاع الخاص في الدولة المعنية إصدار أداة مالية قائمة على عقد القراض (المضاربة) لجمع المدخرات في شكل سندات قراض قابلة للتداول، بحيث تقوم وحدة القطاع العام، أو وحدة القطاع الخاص المصدرة لهذه السندات بدور المضاربة بعمله. وقد تضمن اقتراح الضمان الذي قدمه د. منذر شكلين على وجه التحديد وهما:
أ - بالنسبة لوحدات القطاع العام: أن تكون هذه السندات مضمونة في قيمتها الاسمية، وكذا في عائدها (ضمان حد أدنى من الربح) ، وذلك من قبل طرف ثالث كالحكومة، بحيث ينشأ لهذا الغرض صندوق مستقل ذو طبيعة وقفية يتحمل أعباء الضمان، ويتم تمويله بتخصيص جزء من أرباح جميع هيئات القطاع العام الاقتصادي في الدولة المعنية لهذا الغرض، مع إشراك حملة السندات أنفسهم في تمويل هذا الصندوق.
ب - بالنسبة لوحدات القطاع الخاص: يتم ضمان السندات التي تصدرها هذه الوحدات بإنشاء صندوق مستقل يتم تمويله بتخصيص جزء من أرباح الشركة المصدرة للسندات، مع إشراك أرباح حملة السندات في تمويل هذا الصندوق بنفس الطريقة المقترحة لصندوق القطاع العام، ومنه يتضح أن اقتراح د. منذر يتضمن نوعين من الكيانات يتوليان تبعية الضمان، وهما صندوق مستقل لضمان وحدات القطاع العام، وصندوق مستقل لوحدات القطاع الخاص. ويشمل الضمان في كلتا الحالتين تغطية أصل رأس المال.
الرد على الحجج والأدلة المؤدية لمبدأ فرض الضمان
فيما يلي رد على ثلاثة الآراء المؤيدة لمبدأ فرض الضمان على البنوك الإسلامية
1-
بالنسبة للرد على الاقتراح المؤيد للضمان قياسًا على الأجير المشترك:
أ - يقول صاحب هذا الاقتراح: إن فرض الضمان على البنك لا يفسد عقد المضاربة. كما يقول: إن اقتراحه بتضمين يد المضارب لا يتعارض ولا يتنافى مع أي دليل شرعي من كتاب الله عز وجل، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو الإجماع الصحيح (1) .
ونبدأ الرد على هذا الادعاء بذكر قرار مجمع الفقه الإسلامي الموقر رقم: 30 (5/4) الصادر عن مؤتمره الرابع بجدة عام 1408 هـ حول سندات المقارضة وسندات الاستثمار، حيث جاء في المادة رقم (4) من هذا القرار ما يلي:
(لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال. فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنًا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل) .
ورغم أن في هذا القرار الكفاية للرد على حجج القائلين بجواز الضمان على البنوك (عامل المضاربة) فإننا نستمر بعرض بعض الحجج التي وردت في هذا الشأن من مصادر متعددة. فبالرجوع إلى المصادر والمراجع الخاصة بمختلف المذاهب الفقهية يتضح أن أقوال جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة (الحنفية ـ المالكية ـ الشافعية ـ الحنابلة) حول هذه المسألة تفيد اتفاقهم على أن يد المضارب في عقد المضاربة تعتبر يد أمانة. وبالتالي لا يجوز تضمينها إلا إذا تعدى أو قصر في عمله أو خالف الشروط المتعاقد عليها في العقد، كما تفيد هذه الأقوال بأنه إذا شمل العقد شرطًا للضمان على خلاف ذلك فسد العقد (عند كل من المالكية والشافعية) أو فسد الشرط (عند الحنفية والحنابلة) . وفيما يلي أمثلة لبعض أقوال الفقهاء حول هذه المسألة:
يقول ابن المنذر في كتابه (الإجماع) :
(وأجمعوا على إبطال القراض الذي يشترط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة)(2) . ويستدل منه على عدم جواز ضمان أحد الطرفين للطرف الآخر أي مبالغ مقطوعة، تكون متعلقة بمال المضاربة، فهو قول عام يندرج تحته بطلان أي صورة من صور اشتراط رب المال لمال المضاربة، سواء تعلقت برأس المال نفسه، أو بالربح الذي قد ينتج عن دورانه. والإجماع في حد ذاته هو دليل وأصل من أصول الاستدلال.
(1) انظر: د. سامي حمود، التكييف الفقهي للمضاربة المشتركة، وتطبيقاتها المعاصرة ص 90.
(2)
ابن المنذر، الإجماع، ص 124.
ويقول القاضي عبد الوهاب المالكي:
إذا شرط رب المال على العامل الضمان فالقراض فاسد،. . . دليلنا أن القراض عقد على غرر مجوز مستثنى من الأصول، فلم يجز إلا قدر ما ورد به الشرع، ولأن موضوعه على الأمانة، فإذا شرط فيه الضمان فقد عقد على خلاف موضوعه فوجب أن يفسد (1) .
ويقول الإمام الكاساني من الحنفية:
ولو شرطا في العقد أن تكون الوضيعة عليهما بطل الشرط، والمضاربة صحيحة (2) .
ويقول الإمام ابن قدامة من الحنابلة:
ومن الشروط الفاسدة ما هو ليس من مصلحة العقد، كأن يشترط على المضارب ضمان المال، أو سهمًا من الوضيعة، أو شرط المضارب على رب المال شيئًا من ذلك. فهذه كلها شروط فاسدة. . . ومتى اشترط شرطًا فاسدًا يعود بجهالة الربح فسدت المضاربة (3) .
(1) القاضي عبد الوهاب، الإشراف على نكت مسائل الخلاف: 2/ 646.
(2)
الكاساني، البدائع، ص 3602.
(3)
ابن قدامة المغني: 5/51.
يقول الإمام الماوردي من الشافعية:
- أما اليد الأمينة، فيد الوكيل، والمضارب، والشريك، والمودع، والمستأجر، والمرتهن. فهؤلاء كلهم لا ضمان عليهم ما لم يتعدوا ويفرطوا (1) .
- لو شرطا (أي صاحب رأس المال وعامل القراض) في عقد القراض تحمل العامل للخسران كان القراض باطلًا، لاشتراطهما خلاف موجبه (2) .
أما ما ورد بجواز فرض الضمان على المضارب فهو مجرد قول مرجوح عند كل من المالكية، والإباضية، فقد أجاز القاضي أبو المطرف بن بشير من فقهاء المالكية تطوع عامل المضاربة بضمان رأس المال، ووافقه على ذلك تلميذه ابن عتاب (3) . وقد اعترض عليهما سائر فقهاء المالكية، كما سيتم بيانه في موضع قادم من هذا البحث (4) . أما القول الآخر فهو أيضًا قول مرجوح عند الإباضية ذكره صاحب شرح النيل (5) . ويستند إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا)) (6) .
وقول الجمهور هو الأرجح لما هو واضح في الجزء المتبقي من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم سالف الذكر: ((إلا شرطًا حرم حلالا أو أحل حرامًا)) . وتفسير ذلك هو أن شرط الضمان يؤدي إلى ارتكاب محظورين في آن واحد، هما الوقوع في الربا، والوقوع في الغرر، كما سيتم توضيحه في الفقرات التالية. وهما محرمان؛ لمجموع الآيات من كتاب الله عز وجل، والأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على تحريم الربا، وكذا الأخبار الواردة بالنهي عن قرض جَرَّ نفعًا. ويعني ذلك أن أساس النهي ليس في فرض الضمان في حد ذاته، وإنما فيما يترتب عليه من وقوع كل من الربا والغرر بين صاحب رأس المال وعامل المضاربة.
(1) الإمام الماوردي، الحاوي الكبير: 8/ 191.
(2)
الإمام الماوردي، الحاوي الكبير: 9/ 133
(3)
انظر: أبو العباس الونشريسي، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص 301.
(4)
انظر: ص 172 وما بعدها من هذا البحث.
(5)
محمد بن يوسف أطفيش، شرح النيل: 1/ 322 ـ 323.
(6)
رواه الترمذي، كتاب الأحكام، وأبو داود، كتاب الأقضية.
ب - إن هناك قياسًا مع الفارق الكبير بين تضمين الأجير المشترك وعامل المضاربة، ويرجع ذلك للسببين التاليين:
1-
إن من أحد الشروط الأساسية لصحة القياس، أن يكون الأصل المقيس عليه ثابت بالنص أو بالإجماع، وذلك غير متوافر في حالتنا هذه، لأن تضمين الأجير المشترك، أو الصانع المشترك غير متفق عليه بين جمهور الفقهاء، فالأجير المشترك يضمن عند الحنفية والحنابلة من غير تعد للمصلحة، ولا يضمن عند مالك باستثناء حامل الطعام والطحان، وللشافعي فيه قولان. كما أن الصانع المشترك يضمن عند مالك، والحنفية والمالكية، وللشافعي فيه نفس القولين (1) .
2-
إن الفرع المطلوب قياسه (عامل المضاربة) فيه اختلاف عن الأصل المقيس عليه (الأجير المشترك) : فمحل الضمان في حالة الأجير المشترك، أو الصانع المشترك، هو العين المطلوب بذل العمل فيها كالثياب المطلوب إصلاحها أو الطعام المطلوب إعداده. والأصل في هذا النوع من الأعين ألا تهلك في يد الأجير أو الصانع المشترك إلا بسبب تعد أو تقصير منهما. وهذا المعني لا يتوافر في حالة المضارب المشترك، فمحل الضمان بالنسبة لحالته هو النقود، والقصد فيها هو النماء وتحقيق الربح لمنفعة طرفي العقد من خلال أنشطة التجارة المختلفة وهذا المعنى له دلالة معينة، وهي أنه يعكس في أغلب الظن حرص عامل المضاربة على تحقيق الربح، لوجود مصلحة مشتركة بينه وبين صاحب رأس المال في هذا النشاط فيكون الأصل هو براءة الذمة وعدم افتراض التعدي، وبالتالي لا يضمن إلا إذا ثبت عكس ذلك.
وأخذًا في الاعتبار لكل وجوه الاختلاف سالفة الذكر نستطيع القول بأن المطالبة بتضمين البنوك الإسلامية لأرصدة الحسابات الاستثمارية قياسًا على تضمين الأجير المشترك، لا يعدو إلا أن يكون قياسًا فاسدًا أو مع الفارق.
(1) انظر: ابن رشد، بداية المجتهد 2/ 232، الماوردي، الحاوي الكبير: 9/ 255، ابن قدامة المغني، ص 388.
جـ- القول بأن هناك فارقًا بين المضاربة الثنائية القاصرة على طرفين فقط والمضاربة المشتركة التي يدخلها آلاف من المتعاقدين بما يحتاج الأمر معه إلى تضمين البنوك منعًا من وقوع غبن على العملاء أو تعمد الإهمال من جانب البنوك هو للأسف قول خاطئ لسببين:
1-
يتضح من الدفوع التي ساقها صاحب الاقتراح المؤيد لمبدأ فرض الضمان على البنوك الإسلامية أن من أهم مبررات ذلك عنده؛ هو تفادي المشكلات المترتبة على الهيكل الحالي للودائع، والتي من أهمهما التذوق المستمر لأموال العملاء، والخلط بينها بما يؤدي إلى تزايد احتمالات وقوع غبن المودعين. ورغم أنني ـ كما سبق أن أوضحت في المبحث الأول من هذا البحث ـ اتفق تمامًا مع صاحب هذا الرأي، في أن الخلط بين رؤوس الأموال المشتركة في وعاء المضاربة ـ إذا وقع بعد البدء في النشاط ـ متفق على عدم جوازه عند جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلا أنني أضطر إلى التوقف كلية عند الاقتراح الذي يقترحه كعلاج لهذه المشكلة، ووجه الاعتراض في هذا الشأن، هو أنه لا يقدم حلًا للسبب الرئيسي للمشكلة، وإنما يوسع من نطاقهما بإضافة بُعْدٍ جديد لا يترتب عليه إلا التعامل بالربا في الجهاز المصرفي الإسلامي كما سنبينه في الفقرات القادمة بمشيئة الله. والقاعدة الكلية تقول (الضرر لا يزال بمثله)(1) ، فمن الأولى في هذا الشأن ألا يزال الضرر بضرر أعظم منه، كما هو الحال بالنسبة لهذه المشكلة.
2-
إن القول بوجود اختلاف كبير بين حجم وشكل الضمانات التي يتيحها عقد المضاربة في شكله الحالي (المعاصر) بالمقارنة بما يتيحه عقد المضاربة في شكله التقليدي (الموروث من كتب الفقه) ، فيه نظر ويحتاج إلى مزيد من التفصيل، والسبب في ذلك هو أن عقد المضاربة الذي تنشئه البنوك الإسلامية حاليًا مع كل عميل من عملائها هو نفس العقد الذي اعتاد الناس على تحريره منذ القرون الإسلامية الأولى، وليس بأي حال متعدد الأطراف (مشترك) كما يقول د. سامي. ففي جميع الأحوال يحرر العقد بين طرفين اثنين لا ثالث لهما، وهما صاحب رأس المال (المودع) وعامل المضاربة (البنك) أما الشكل المؤسسي والشخصية الاعتبارية التي يتحلى بها أي بنك من البنوك الإسلامية في العصر الحالي، فكما بينت أيضًا في المبحث الأول من البحث، لا قوة على استحداث شروط تناقض مع الأحكام والمقاصد العامة للشريعة، أو تغير من الشروط الأصلية والقواعد الشرعية الموروثة التي تحكم العلاقة بين طرفي عقد المضاربة.
وقد أوضحت أيضًا أن تعدد الشركاء من أصحاب رأس المال في وعاء المضاربة الواحد، لم يكن أمرًا غائبًا على الفقهاء والعلماء الأوائل، ومع ذلك لم يسمح أحد منهم (من المذاهب الأربعة المعتمدة) بفرض الضمان على عامل المضاربة مسبقًا كما يطالب د. سامي حمود.
(1) انظر: الإمام السيوطي، الأشباه والنظائر، ص 95.
د. إن الاقتراح الخاص بفرض الضمان على البنوك يترتب عليه مشكلتين أساسيتين هما:
* التعامل بالربا في جميع أنشطة هذه البنوك:
وفقًا للتعريفات التي سبقت الإشارة إليها في بداية هذا البحث، فإن ضمان البنك الإسلامي للودائع التي ترد إليه من العملاء يعني ثبات هذه الودائع في ذمته المالية، فتصير دينًا عليه كسائر الديون الأخرى التي تنشغل بها هذه الذمة. وبهذا يخرج من كونه أمانة في يد البنك، ليصبح في حكم القرض، ولذلك فإن الحكم الذي انتهى جمهور العلماء إليه بالنسبة لفرض شرط الضمان على المضارب بصفة عامة، هو إما فساد عقد المضاربة أو فساد ذلك الشرط كما سبق بيانه. ويستحق عامل المضاربة (البنك) في هذه الحالة أجر المثل.
ولكن إذا فرض أن الطرفين (البنك والعميل) استساغا العمل بمبدأ الضمان المقترح، وعمل البنك بهذا المال وحقق منه أربحًا دون وقوع تعدٍّ منه أو تقصير، فإن الربح يطيب له في هذه الحالة بالكامل، وتفسير ذلك هو أن ضمان البنك يفيد تعهده برد أصل رأس المال المستثمر إلى صاحبه في نهاية النشاط، سواء هلك المال أو لم يهلك، بحيث لو هلك المال، هلك على البنك (المضارب) وحيث إن هذا الضمان لم يأت نتيجة إتلاف أو تعد وقع بالفعل، وإنما هو مجرد شرط مسبق يراد به جبر الخسائر حال وقوعها، فإن المال يصبح كما ذكرنا، في حكم القرض، بحيث تنتقل ملكيته إلى البنك فور قبضه، وفي هذه الحالة يفترض استحقاقه (البنك) للربح الناتج عن نشاط المضاربة بالكامل، وفقًا للقاعدة التي تقول:(الخراج بالضمان)، ووفقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي روته السيدة عائشة:((أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان)) (1) .
ومع ملاحظة أن من الشروط الأساسية المدرجة في أصل عقد المضاربة بين البنك وعملائه، شرطًا يلزم البنك بسداد جزء من الأرباح ـ في حالة تحققها ـ إلى عملائه وفقًا للنسبة المعلنة بين الطرفين، فإنه إذا تم إدراج شرط الضمان في العقد، وحصل العميل، في أي عام من الأعوام، على قدر من الأرباح فوق قيمة وديعته المضمونة في ذمة البنك، أصبحت هذه الوديعة وكأنها قرض جر نفعًا، وهو ما يدخل معاملات البنك في دائرة شبهة الربا.
ويقول ابن المنذر: (أجمعوا على أن المستلف إذا شرط عقد السلف، زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك: أنَّ أخذَهُ الزيادة ربًا)(2) .
ويقول ابن قدامة: (وقد روي عن أبي بن كعب، وابن عباس، وابن مسعود أنهم نهوا عن فرض جَرَّ منفعةً، ولأنه عقد إرفاق وقربة، فإذا اشترط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه)(3) .
• فقد مصداقية العمل المصرفي الإسلامي أمام جمهور المتعاملين مع البنوك الإسلامية، بما قد يتراجع معه موقفها التنافسي أمام عملائها، وبصفة خاصة المسلمين منهم المتمسكين بدينهم:
فالأصل في الأمور أن قيام العمل المصرفي الإسلامي على مبدأ الغنم بالغرم أو بمعنى آخر على المشاركة في الربح أو الخسارة، يمثل سمة تنافسية أساسية ترتكن إليها البنوك الإسلامية في تنافسها مع البنوك التقليدية، وعلى ذلك فإن قبول مبدأ فرض الضمان على البنوك الإسلامية سيؤدي إلى طمس أحد الفروق الجوهرية التي تميز العمل المصرفي الإسلامي، وتوجد نوعًا من التشابه بينه وبين العمل المصرفي التقليدي، بحيث يصعب التفرقة بينهما.
(1) رواه الترمذي (البيوع)، وقال عنه: حديث صحيح غريب من حديث هشام بن عروة، كما رواه النسائي (البيوع) ، وأبو داود (البيوع) ، وابن ماجه (التجارات) وأحمد (باقي مسند الأنصار) .
(2)
انظر: ابن المنذر، الإجماع، كتاب البيوع، ص 120.
(3)
ابن قدامة المقدسي، المغني: 4/ 240، وقد روى المعني نفسه الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفًا عليهم. وقد رواه أيضًا الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث علي بن أبي طالب بلفظ:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر منفعة)، وفي رواية:(كل قرض جر منفعة فهو ربا) ، وإسناده ساقط، لأن في إسناده سوار بن مصعب الهمذاني وهو متروك، ورغم ما أصاب إسناد هذا الحديث من شوائب إلا أن الأمة قد تلقت معناه بالقبول لتوافقه مع أحكام وقواعد الشريعة، انظر على سبيل المثال: د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي، وأدلته: 4/ 726.
2-
الرد على صاحب اقتراح الضمان على الأيدي الأمينة بالشرط:
فيما يلي تفصيل للردود والحجج التي يمكن توجيهها لهذا الاقتراح:
أ- فيما يتعلق بقوله: عدم وجود أدلة من الكتاب أو السنة أو الإجماع تمنع من فرض الضمان بالشرط مسبقًا على الأيدي الأمينة بصفة عامة ومنها عقد المضاربة، فأحيل فضيلته إلى ما سبق تفصيله في الرد على د. سامي حمود فيما يتعلق بالمضاربة المشتركة (1) .
ب- فيما يختص بقول د. نزيه: (إن المقصود من اقتراحه هو اقتصار شرط الضمان على الخسائر المترتبة على حدوث تلف في رأس مال المضاربة (الودائع) فقط، دون الخسائر المترتبة على دوران رأس المال في الأنشطة التجارية، فنرى أن تحديد نطاق الضمان بهذه الصورة لا يغير من جوهر المشكلة شيئًا، إذ إن إقرار هذا الشرط يترتب عليه بقاء ذمة المضارب (البنك) في جميع الأحوال ـ سواء أكانت بسبب حدوث تلف فقط أو بسبب التجارة ودوران رأس المال ـ مشغولة بمال المضاربة طوال فترة النشاط، كسائر الديون الأخرى التي تشغل ذمته، إلى حين ظهور النتيجة النهائية له، فالضمان عند الفقهاء ـ وفقًا لما سبق بيانه ـ يعني شغل الذمة بما يجب الوفاء به للغير من مال، فإذا فرض شرط الضمان في العقد عند بداية التعاقد، دخل المال في ذمة الضامن من بداية النشاط حتى نهايته.
وتفسير ذلك هو أن الأصل في عقود الأمانة ألا يقع الضمان على جميع الأيدي الأمينة إلا بالشرع (أي وفقًا للأوضاع التي تمليها الأحكام الشرعية الخاصة بكل عقد من عقود الأمانة) . وبالتالي تبقى اليد الأمينة غير ضامنة، وذمتها غير مشغولة ـ لضرورة استصحاب الأصل وهو البراءة في الذمة ـ إلى حين حدوث التعدي أو التفريط وثبوته بالفعل، وحينئذ فقط يدخل المال في ذمة الأمين، فالضمان هنا ثابت بالشرع وليس بالشرط، وما ثبت بالشرع لا يحتاج إلى تضمين بالشرط.
(1) انظر ص 161 وما بعدها من هذا البحث.
أما إذا وقع الضمان بالشرط، ويستوي في ذلك ما جاء في اقتراح د. نزيه، أو ما أفتى به د. سامي حمود بالنسبة لحالة الأجير المشترك أو الصانع المشترك على سبيل المثال.
فإن ذمة المضارب في هذه الحالة تنشغل بالمال الذي تحت يد الأمين من البداية، وإلى حين ثبوت البراءة من أي تهمة محتملة، وهذا النوع من الضمان مرفوض في حالة عقود المضاربة والمشاركة والوديعة باتفاق جمهور العلماء في جميع المذاهب المعتمدة، بسبب أنها جميعًا غير مضمونة في أصلها. وعلى سبيل المثال يقول الإمام الماوردي:(لا يخلو حال المضمون من أحد أمرين: إما أن يكون مضمون الأصل، أو غير مضمون الأصل، فإن كان غير مضمون الأصل كالودائع والشرك والمضاربات، فضمانه باطل، لأن ضمان أصله غير لازم)(1) .
ويقول الإمام ابن المنذر بالنسبة لعقد الوديعة: (وأجمع أكثر أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة، ثم تلفت من غير جنايته، أن لا ضمان عليه)(2) .
ومن ناحية ثانية، فإن الأموال النقدية، وبصفة خاصة تلك المتعلقة بأنشطة المضاربة، تعتبر سريعة الاستهلاك، فإذا فرض الضمان على البنك بالشرط من البداية، يكون طبيعيًّا دخول هذه الأموال في ذمته فور تسلمه لها، أو تصرفه فيها بأي شكل من أشكال التصرف (والفترة الزمنية الواقعة بين الحدثين لا شك قصيرة) ويتبع ذلك بالضرورة وقوع الالتزام عليه بردها كاملة في جميع الأحوال، أي سواء أكان الضمان بسبب التلف أو بسبب التجارة. نعم هناك اختلاف بين الفقهاء حول صحة ضمان العين القائمة، لأنها إذا كانت لا تزال باقية فالواجب ردها كما هي، أما إذا تلفت أو استهلكت لأي سبب من الأسباب فيلزم الضامن غرم قيمتها، ولكن الأمر يختلف بالنسبة لحالة فرض الضمان على النقود (رأس مال المضاربة) لسرعة قابليتها للاستهلاك في أغلب الظن، بالتالي تستقر قيمتها في هذه الحالة كحق ثابت في الذمة فور استهلاكها بالتصرف فيها، والله أعلى وأعلم.
(1) انظر: الإمام الماوردي، الحاوي الكبير: 8/ 109.
(2)
انظر: ابن المنذر، الإشراف على مذاهب أهل العلم: 2/ 134.
جـ- ما أشار إليه د. نزيه من أنه ورد في (إيضاح المسالك) للونشريسي ـ القاعدة الخامسة والسبعون ـ أن أبا المطرف بن بشير قد أملى عقدًا بدفع الوصي مال السفيه قراضًا إلى رجل على جزء معلوم، وأن العامل طاعَ بالتزام المال وغرمه، فإنه يرد على ذلك من ناحيتين:
1-
إن الاستنتاج الذي توصل إليه د. نزيه يستند إلى القول الخاص بالإمام أبي المطرف بن بشير وتلميذه ابن عتاب، وقد خطأ هذا القول سائر الفقهاء من المالكية، وهو لذلك لا يمثل قول المذهب بأية حالة من الأحوال كما تم بيانه، فلا يجوز الاستناد إليه للخروج باستنتاج عام آخر، ويتضح ذلك على سبيل المثال مما ورد في نفس كتاب الإمام الونشريسي بأن الشيوخ من المالكية اعترضوا على قول ابن بشير وتلميذه ابن عتاب، وأنكروا عليهما قولهما، وقالوا: إن التزام العامل في العقد المذكور غير جائز (1) . إلا إن نزيه استخدم هذا القول، وتوصل منه إلى استنتاج آخر جعله قاعدة ثابتة، وترتب على ذلك ابتعاد هذا الاستنتاج الذي توصل إليه عن الصحة، وكذا عن واقع ما انتهى إليه رأي المذهب المالكي حول هذه المسألة.
(1) انظر: الإمام أبي العباس يحيى الونشريسي، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص 301، وانظر أيضًا: الإمام الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل، ص 323ـ 324 وانظر حاشية المدني على كنون بهامش حاشية الإمام الرهوني، الصفحات نفسها.
2-
إن الإمام الونشريسي قد أورد في كتابه المذكور تنبيهًا للاستدراك على هذه القاعدة بقوله: (نص الفقهاء رضي الله عنهم على أن التزام ما يخالف سنة العقود شرعًا من ضمان أو عدمه ساقط على المشهور، كالوديعة على الضمان، والاكتراء كذلك)(1) .
د- إن قول د. نزيه: إن المالكية أجازوا، في المشهور عندهم، تطوع الأمين بالتزام الضمان بعد تمام عقد الأمانة، وبالتالي فإنه إذا صح التطوع بالالتزام بالضمان بعد العقد، فإنه يصح التزامه به في العقد، بناء على قاعدة الالتزام التبرعات في مذهبهم، ولأن ما لا يجوز التزامه في العقد لا يجوز التطوع بالتزامه بعده. فيرد على ذلك من ناحيتين كما يلي:
1-
إن القضية الأساسية التي هي مدار المناقشة هنا تتعلق بعقد المضاربة، وقد أدمجه د. نزيه مع باقي عقود يد الأمانة كعقد الإجارة والعارية، وأضفي على الجميع استنتاجًا عامًا مفاده: جواز التضمين بالشرط، إلا أن ما أجازته المالكية وبعض المذاهب الأخرى بالنسبة لفرض الضمان يتعلق بعقود ترد على أعيان أو منافع غير نقدية، كضمان الحائك للملابس، أو ضمان الخباز للخبز، أو الصانع للمادة التي يصنعها، أما الرأي الذي ينادي به د. نزيه فيناقض تمامًا ما يسري عند المالكية في مذهبهم، وكذا عند أغلب المذاهب الأخرى، على عقد المضاربة. ولا يصح قياس عقد المضاربة على هذه العقود، حيث إن محل العقد في هذه الحالة هو النقود، وفرض الضمان فيها يجر إلى الوقوع في الربا والغرر، وبناء عليه ذهبت المالكية وكذا سائر هذه المذاهب إلى الإقرار بعدم صحة الالتزام في عقد المضاربة بشرط الضمان سواء كان ذلك في العقد، أم بعد العقد. وقد جاء في المدونة في هذا الشأن.
وسألت مالكًا عن الرجل يدفع إلى الرجل مالًا قراضًا على أن العامل ضامن للمال، قال مالك:(يرد إلى قراض مثله ولا ضمان عليه. . .)، ثم قال:(ومن وضع القراض على غير الذي وضع القراض عليه فلا يصلح فيه شرط)
(2)
.
لذلك كان من الأوفق الفصل في الاستنتاج الذي توصل إليه صاحب الاقتراح بين عقد المضاربة من ناحية، وبين سائر عقود يد الأمانة الأخرى من ناحية ثانية.
(1) انظر: الإمام أبي العباس يحيى الونشريسي، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص 300.
(2)
انظر: الإمام مالك، المدونة الكبرى: 4/ 58.
2-
إن القول الذي قاله القاضي ابن زرب تصديقًا لكلام ابن بشير وتلميذه ابن عتاب، وذكر فيه جواز اشتراط الضمان على عامل المضاربة بعد العقد والتزامه به، يختص بحالة التطوع بعد الشروع في العمل، وهو يختلف تمامًا عن حالة التطوع قبل الشروع فيه، لأن عقد المضاربة لا يلزم عند المالكية قبل الشروع فيه (1) . فإذا تطوع العامل بالضمان قبل الشروع في العمل أصبح ذلك كالشرط في العقد وهو مرفوض عند المالكية في المذهب، أما إذا تطوع بعد الشروع فلا يصبح شرطًا، وليس فيه لزومًا عليه (2) ، وهو ما ينقض الاستنتاج الذي توصل إليه د. نزيه بأن ما يجوز الالتزام به بعد العقد، يجوز الالتزام به في العقد.
ويمكن الاستدلال على ذلك من أقوال القاضي ابن زرب نفسه، فقد جاء في كتاب القواعد للإمام الونشريسي أن القاضي ابن زرب قال:(فلو تبرع بالضمان وطاع به بعد تمام الاكتراء لجاز ذلك، قيل له: فيجب على هذا القول الضمان في مال القراض إذا طاع به قابضه بالتزام الضمان. فقال: إذا التزم الضمان طائعًا بعد أن شرع في العمل فيما يبعد أن يلزمه)
فيظهر من النص أمران، أولًا: تردد القاضي ابن زرب في إثبات الحكم على هذه الحالة، وثانيًا: اشتراطه أن يكون التطوع بالضمان بعد الشروع في العمل (3) .
3-
الرد على الاقتراح بضمان الطرف الثالث (الشرط بفرض ضمان غير المباشر بتكوين صندوق خاص لتغطية مخاطر الاستثمار) :
بمراجعة الشروط والقواعد الخاصة بعمل هذا النوع من الصناديق، وفقًا لما هو وارد باقتراح د. منذر، نجد أنها تهدف إلى ضمان استرداد المساهم لأصل رأس ماله.
ونقول وبالله التوفيق: إنه إذا كان الضامن والممول الأساسي للصندوق هو شركة من شركات القطاع الخاص المصدرة للسندات، فإن ذلك يتنافى بوضوح مع مقتضى عقد القراض (المضاربة) لعدم جواز ضمان عامل المضاربة لأصل رأس المال، ويؤدي إلى وقوع الربا، حيث إن الأصل الذي تفرضه أحكام عقد المضاربة، هو تقسيم الخسائر التي قد يبتلى بها المشروع المرتبط بهذا العقد إلى نوعين أساسيين:
النوع الأول: هو خسائر ناتجة عن تقصير أو تعد من جانب عامل المضاربة (الشركة) . وهذا النوع يتحمله العامل بالكامل، ولا يشاركه فيه صاحب رأس المال (صاحب الصك) .
النوع الثاني: فهو خسائر خارجة تمامًا عن إرادة عامل المضاربة، وناتجة عن غير تقصير أو تعدٍّ من جانبه، كتقلب الأحوال الاقتصادية، فهذا يتحمله صاحب الصك بالكامل.
(1) عقد القراض يعبتر عند المالكية من العقود غير اللازمة حتى يبدأ العامل في النشاط، فيتغير حينئذ إلى عقد لازم، لا يجوز فسخه من قبل أي من طرفي العقد، ويورث بموت أحدهما، وذلك على عكس القول عند سائر المذاهب الأخرى، فيعتبر عندهم عقدًا غير لازم من بدايته حتى نهايته، ولا يورث، انظر على سبيل المثال: ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 186.
(2)
انظر: الإمام الرهوني، حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل ص 323 - 324.
(3)
انظر: الإمام الونشريسي، إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، ص 301، وانظر أيضًا تعليق الرهوني في حاشيته على شرح الزرقاني لمختصر خليل، ص 323 ـ 324، وكذا قول الإمام التسولي، بتعين عدم لزوم غرم العامل في حالة تطوعه بعد الشروع في العامل، البهجة في شرح التحفة. 2/ 358.
بناء على ذلك فإن العامل بمقتضى الاقتراح المقدم يتضمن إلزام كل من الشركة ـ ويمثلها الشركاء المؤسسون ـ وحملة صكوك المضاربة بتغطية جزء من الموارد اللازمة للصندوق. وهو بهذا الشكل يقضي بإلزامها بتعويض أصحاب الصكوك من خلال مشاركتها في الصندوق المقترح ـ مما قد يترتب عليه، في حالة وقوع خسائر هذا النوع الثاني، تحملها لخسائر يتعين في الأصل تحمل أصحاب الصكوك لها بالكامل، وهذا يتناقض ويتنافى مع أحكام عقد المضاربة المشار إليها، وتصبح مشاركة الشركة في هذا الصندوق كضمان مشروط عليها في عقد المضاربة لجزء من رأس مال حملة الصكوك المحتفظ به لديها، وهو ما يتناقض مع أصل وجوهر عقد المضاربة (1) . ويلاحظ تناقض هذا الاقتراح مع قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق الإشارة إليه. كما تؤول الاعتراض عليه إلى نفس النقاط السابق مناقشتها في حالة فرض الضمان بالشرط الذي اقترحه د. نزيه حماد.
ومن ناحية أخرى يلاحظ أن اشتراك الصكوك في هذا الصندوق مع مؤسسي الشركة يعني - ضمانًا - التزامهم بتحمل خسائر لا يلزمهم الشارع بها من الأصل.
(1) هناك اقتراح مماثل للاقتراح الذي تقدم به د. منذر الذي نناقشه الآن. وهذا الاقتراح تقدم به د. سامي حمود ويتضح المقصود من وراء الاقتراح بإنشاء الصندوق جليًّا بالرجوع إلى قول صاحب هذا الاقتراح ـ د. سامي حمود ـ في بحثه المقدم إلى ندوة البركة الخامسة للاقتصاد الإسلامي، القاهرة، 29 ـ 30 أكتوبر 1988 م، والذي ينص على الآتي: (وقد اختار الباحث عن طريق الحوار الذي أمر الله به في نطاق الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، حيث اختار طريق المواءمة اقتناعه بصحة التنظير في الحكم بين مسألة تضمين الأجير المشترك التي أقرها الفقه الإسلامي قديمًا ومسألة تضمين المضارب المشترك، فكان من نتيجة ذلك أن وافقت لجنة الفتوى الأردنية على أمر يقود بالنتيجة إلى ضمان رأس المال بصورة غير مباشرة وذلك عن طريق بناء احتياطي مخصص لمواجهة مخاطر الاستثمار، انظر البحث المذكور، ص 29.
فإن قيل: إن هذا كله يعتبر نوعًا من أنواع التكافل بين الشركة وأصحاب الصكوك، ولا حرج على كل من المتعاقدين في إدراج شرط في العقد يتضمن معنى من معاني البر، وهو موافق لما ذهب إليه المالكية في تعيينهم للشروط الصحيحة. كما أن الاقتراح يقتضي تبرع البنك في نهاية حياته العملية وتصفيته، بما قد يفيض من أموال متراكمة في الصندوق للإنفاق على مصارف الزكاة (1) .
فنقول: إن ذلك مردود عليه بأن الشارع الحكيم قد ارتضى لأصل العلاقة بين طرفي عقد المضاربة أن تقوم على أسس معينة. وحاشا الله أن تعكس هذه العلاقة نوعًا من الظلم لأي من الطرفين. كما أن لكل عقد أحكامًا وآثارًا، وأي شرط يناقض مقصود هذه الأحكام أو يحول دون ترتبها، فهو شرط باطل (2) . وكما يقول الإمام الماوردي: فإن للعقود أصولًا مقدرة، وأحكامًا معتبرة لا تغيرها الشروط عن أحكامها (3) .
وأما الظلم فهو اشتراط الضمان بصفة غير مباشرة على عامل المضاربة (الشركة) بما يتناقض مع أحكام عقد المضاربة.
(1) انظر: د. حسن علي الشاذلي، نظرية الشرط في الفقه الإسلامي، ص 228.
(2)
انظر: د. حسن الشاذلي، نظرية الشرط في الفقه الإسلامي، ص 231.
(3)
انظر: الإمام الماوردي، الحاوي الكبير: 7/ 371.
ويضاف إلى ذلك كله في غاية الأهمية؛ وهو أن عقد إنشاء الصندوق والإسهام فيه ينطبق عليه نفس شروط وأركان عقد الهبة المشروطة بعوض. وهذا العقد بدوره يخضع لنفس الأحكام التي يخضع لها عقد البيع. وحيث إن مقتضى الاقتراح المقدم يفيد ضمانًا أن ملكية الأموال التي تدخل إلى الصندوق لا يختص بها أحد من أصحاب الصكوك. أو المساهمين بعينه. لذلك فإنه في ظل هذه الحقيقة يجب أن يكون الصندوق مستقلًا في شخصيته الاعتبارية عن الشخصية الاعتبارية للشركة، فإذا فرض وقوع خسائر للشركة في أي وقت من الأوقات. فيتعين في هذه الحالة التحرز من تعويض الصندوق لواحد من أصحاب الصكوك أو المساهمين المؤسسين بأكثر مما أسهم به هذا الشخص للصندوق من أموال. وإلا أدى ذلك إلى الوقوع في الربا (1) .
ولمزيد من الإيضاح نورد فيما يلي قولًا للإمام ابن جزي المالكي فيما يتعلق بأحكام الهبة المشروطة بثواب أو عوض، يقول:
(والموهوب له مخير بين قبولها أو ردها، فإن قبلها فيجب أن يكافئه بقيمة الموهوب ولا يلزمه الزيادة عليها ولا يلزمه الواهب قبول ما دونها)(2) . ويقول: وحكم هبة الثواب كحكم البيع، يجوز فيها ما يجوز في البيع، ويمتنع فيها ما يمتنع فيها من النسيئة وغير ذلك) (3) .
(1) إن هذه الملحوظة الخاصة بإمكانية وقوع الربا في التعامل بين صندوق تأمين خسائر الاستثمار وحملة الصكوك تنطبق بصورة أكثر جدة ووضوحًا إذا كانت المؤسسة محل المناقشة بنكًا من البنوك الإسلامية، لأنه يلزم في هذه الحالة الجديدة الأخذ في الاعتبار لإحدى السمات التي يختص بها الهيكل الحالي للودائع في البنوك الإسلامية، وهي أنه يسمح بالتدفق المستمر للودائع في وعاء المضاربة، وبالتالي بالخلط بينها جميعًا، على النحو الذي سبقت الإشارة إليه في بداية هذا البحث، فإذا استمر البنك في العمل بنفس هيكل الحسابات القائم حاليًا، فإن مقتضى الاقتراح الخاص بالدكتور سامي حمود هو أن ملكية الأموال التي تدخل إلى الصندوق لا يختص بها أحدى المودعين، أو المساهمين بعينه، لأن وعاء الأموال في هذه الحالة غير مغلق على أفراد معينين ومحصورين بذاتهم، كما هو مقرر في حالة الشركات. لذلك فإن الحاجة إلى استقلال الصندوق في شخصيته الاعتبارية عن الشخصية الاعتبارية للبنك تكون أكثر إلحاحًا. وفي ظل هذه الحقيقة إذا فرض وقوع خسائر للبنك في أي وقت من الأوقات، وأدى ذلك إلى تعويض الصندوق لأحد المودعين أو المساهمين بأكثر مما ساهم به هذا المودع للصندوق من أموال (وهذا الفرض لا يبعد تصور حدوثه في الواقع) فإن ذلك يؤدي إلى وقوع الربا في هذا التعامل [انظر: د. حسين كامل فهمي، ضمان الودائع الشرط (الرد) ، مرجع سابق، ص 39] والحل في هذه الحالة هو كما سبقت الإشارة إليه بأنه يتعين إنشاء صناديق استثمارية مغلقة النهاية، بحيث لا يسمح بتدفق ودائع جديدة إلى وعاء المضاربة بعد بدء النشاط للصندوق فإذا قيل: إن الشركاء في عقد المضاربة قد اتفقوا على استخدام رأي المالكية ـ بشأن التبرع للمساكين ـ كسند لهم، لإنشاء صندوق بينهم لمقابلة مخاطر الاستثمار، على أن يتم التبرع بالأموال المتبقية في نهاية عمل الصندوق، فإن الرد على ذلك أن الأخذ برأي الإمام مالك في هذا الشأن يجب أن يصاحبه، ولا ينفك عنه، رأي المالكية أيضًا بعدم جواز خلط أموال جديدة بوعاء المضاربة بعد بدء النشاط استنادًا لرأي الإمام مالك نفسه المثبت في المدونة (وهو أيضًا رأي الجمهور) .
(2)
انظر: الإمام ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 242.
(3)
انظر: الإمام ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 242.
وما نقترحه في هذا الشأن هو أن يتم تكوين صندوقين مستقلين بذاتهما: أحدهما يخصص لتكوين احتياطي لصالح حملة الصكوك وفقًا لما ورد بقرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 30 (54/ 4) بند (8) ويتحمل هذا الصندوق تعويض حملة الصكوك عن الخسائر الناتجة عن الدوران العادي لرأس المال والتي يجب أن يتحملها حامل الصك، وأن يكون التعويض في هذه الحالة في حدود ما أسهم به كل منهم في الصندوق دون زيادة أو نقص، والثاني: لتكوين احتياطي مستقل بذاته، يخصص لعامل المضاربة (الشركة) . بحيث يتم خصم أقساط هذا الاحتياطي من الأرباح السنوية الخاصة بحملة أسهم التأسيس بصفتهم يمثلون عامل المضاربة، على أن يقتصر استخدام هذا الاحتياطي لتغطية الخسائر الناتجة عن أي تقصير أو تعد من جانب الشركة أو العاملين فيها.
أما إذا كان المصدر للصكوك الاستثمارية هو الحكومة، وكان الضامن لها هو شركات أو هيئات من القطاع الحكومي، فإن تبعية جميع هذه الوحدات ـ بما فيها الوحدة القائمة بمهمة عامل المضاربة ـ ترجع إلى الحكومة، من حيث الإشراف وعدم الاستقلالية التامة في اتخاذ القرارات، فضلًا عن اندراج صافي أرباحهم أو خسائرهم في ميزانية الدولة في كل عام. يعني تعلق ذممهم المالية جميعًا بالذمة المالية للحكومة، وعدم انفكاكها عنها، مما يؤكد القول بأن الضامن في هذه الحالة هو نفسه عامل المضاربة (الوحدة الحكومية المعنية بالنشاط) ، وليس شخصًا ثالثًا مستقلًا عنها كما هو وارد بالاقتراح.
ولقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي قرارًا برقم: 30 (5/4) في دورته الرابعة، عام 1408 هـ، ليؤكد على المعنى، فأفاد بعد جواز اشتراط عائد محدد أو مقطوع لحملة الصكوك، كما أفاد بجواز ضامن أموال المضاربة، من طرف ثالث، بشرط أن يكون الضامن الذي يأخذه هذا الشخص على عاتقه بدون مقابل، أي تبرعًا خالصًا من جانبه، وبأن يكون التزامه في هذا الشأن مستقلًا تمامًا عن عقد المضاربة، أي لا يعتبر شرطًا في نفاذ العقد وترتب أحكامه على أي طرف من الأطراف المتعاقدة، وأن يكون الطرف الثالث منفصلا تماما في شخصيته وذمته عن طرفي عقد القراض، لأن ارتباط الذمة المالية لعامل المضاربة بالذمة المالية للطرف الثالث الضامن يعكس علاقة تبعية، تتناقض في جوهرها مع الحكم الثابت في المذاهب الفقهية الأربعة بعدم جواز فرض الضمان على عامل المضاربة من الأصل (1) .
والله أعلى وأعلم.
(1) انظر: القرار ضمن مطبوعات المجمع للدورات من 1 إلى 10، ص 67.
خلاصة
تناول هذا البحث عددًا من المحاور المختلفة المتعلقة بتعامل البنوك الإسلامية في الحسابات الاستثمارية المشتركة ـ واشتملت هذه المحاور على الأحكام الخاصة بكل من: التخارج ـ الاسترداد ـ لزوم عقد المضاربة، توزيع الأرباح بطريقة النمر ـ البنك كأمين للاستثمار ـ تحديد حوافز للمضارب ـ تشكيل هيئة لأرباب المال (المودعين) ـ ضمان البنك أو المؤسسة المالية الإسلامية بصفة عامة لرأس مال المضاربة.
وقد بين البحث في هذا الشأن أن الهيكل الحالي للحسابات التي تفتحها هذا البنوك لعملائها، لا يعكس حقيقة الأحكام والشروط التي ينص عليها عقد المضاربة، فالسماح بخلط رؤوس الأموال، بالتدفق المستمر لأموال المودعين في هذه الحسابات، يتيح مجالا خصبًا لوقوع غبن بين البنك وعملائه، وهو بذلك يناقض ما اتفق عليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة من ضرورة الفصل بين الأموال المتدفقة إلى وعاء المضاربة، تحقيقًا للعدالة في توزيع الأرباح، ومنعًا لوقوع غبن بين العملاء.
كما أوضح البحث من خلال التحليل الشرعي لأحكام كل من التخارج واسترداد جزء من أموال المضاربة أن استخدام نظام النمر في توزيع الأرباح بين المشاركين في هذا النوع من الحسابات تأباه الأحكام الخاصة بكل من: تحريم الخلط بين الأموال، وتنضيض رأس المال، وأنه قد لا تقتصر الآثار الجانبية لهذا النظام على وقوع غبن بين العملاء، وإنما قد تمتد أيضًا لتشمل فقدان الصلة بين عمليات التبادل النقدي (بين البنك وعملائه المودعين) وتدفق السلع الحقيقية المتاجر فيها (إن وجدت من الأصل) ، بما قد يزيد من احتمالات وقوع الربا في التعامل من خلال الضمان غير المباشر الذي يتيحه هذا النظام للعملاء.
وقد اقترح الباحث نموذجًا جديدًا لهيكل التعامل بين البنك وعملائه من المودعين في الحسابات الاستثمارية، وأشار إلى ضرورة إنشاء صناديق ذات بداية ونهاية محددة لاستقبال هذه الودائع واستثمارها، بما يمنع الخلط بين الأموال ووقوع الغبن بين العملاء.
كما بيَّن أن من الأساليب المقترح استخدامها لزيادة درجة الحماية والأمان للمودعين من عملاء البنوك الإسلامية، إعطاء الفرصة لهم لتكوين هيئة تمثلهم أمام البنك، أو السماح لنسبة معينة منهم لحضور جلسات الجمعيات العمومية، وذلك لإتاحة درجة مقبولة من الرقابة على أموالهم، وأسوة بما هو متبع تمامًا مع فئة المساهمين.
وأخيرًا: فقد استعرض الباحث الاقتراحات المختلفة التي تتابع ورودها من بعض العلماء الأفاضل حول موضوع ضمان البنوك الإسلامية لأرصدة الودائع الاستثمارية المفتوحة لديها، سواء كان هذا الضمان مباشرًا عن طريق الشرط، أم غير مباشر، عن طريق الاتقاق بين البنك وعملائه بإسهام البنك في تغطية مخاطر الاستثمار في وعاء المضاربة الذي يتيحه كل بنك. وقد أوضح بالتفصيل عدم جواز كافة هذه الأنواع من الضمانات بعد أن فنَّد أهم الحجج المقدمة من أصحاب هذه الاقتراحات ورد عليها بالتفصيل.
كما أوضح في البحث أن المكاسب المحدودة التي قد تجنيها البنوك من فكرة الضمان، يكمن وراءها مفسدة جسيمة تتمثل في احتمالات وقوع الربا في التعامل بين البنوك وعملائها من المودعين، فضلًا عن فقد البنوك الإسلامية لعنصر الثقة ومصداقية التعامل مع عملائها الذين وثقوا بها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
د. حسين كامل فهمي
قائمة بأهم المراجع المستخدمة في البحث (1)
1-
أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني، سنن أبي داود، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان 1388 هـ 1969 م.
2-
أبو غدة، عبد الستار، الفوارق التطبيقية بين المضاربة الفردية والمضاربة المشتركة بحث مقدم إلى ندوة البركة الخامسة للاقتصاد الإسلامي، القاهرة 18 ـ 19 ربيع الأول، 1409 هـ - 1988 م.
3-
ابن العربي، أبو محمد بن عبد الله، الإمام الحافظ، عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، دار الوحي المحمدي (بدون سنة إصدار) .
4-
ابن المنذر، أبو بكر بن محمد بن إبراهيم، الإجماع، دار طيبة 1402 هـ = 1982 م.
5-
ابن تيمية، شيخ الإسلام تقي الدين أحمد، القواعد النورانية الفقهية، دار الندوة الجديدة، بيروت لبنان 1371 هـ - 1951م.
6-
ابن حنبل، الإمام أحمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مكتبة دار الفكر العربي، د. ت.
7-
ابن رشد القرطبي، أبو الوليد محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1395 هـ= 1975 م.
8-
ابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1386= 1966م.
(1) تم عرض المراجع حسب الترتيب الأبجدي لأسماء العلماء بعد التغاضي عن (ال) .
9-
البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، شرح منتهى الإرادات، عالم الكتب 1416 هـ = 1996 م.
10-
حماد، نزيه حمدي، مدى صحة تضمين يد الأمانة بالشرط في الفقه الإسلامي بحث مقدم للمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة 1418 هـ = 1977 م.
11-
حمود، سامي، الفوارق التطبيقية بين المضاربة الفردية والمضاربة المشتركة، بحث مقدم إلى ندوة البركة الخامسة للاقتصاد الإسلامي، 18 ـ 19 ربيع الأول 1409 هـ، 29 ـ 30 أكتوبر 1988م.
12-
حمود، سامي، تطوير الأعمال المصرفية، دار الاتحاد العربي للطباعة 1976 م.
13-
الزحيلي، وهبة، أصول الفقه الإسلامي، دار الفكر، دمشق 1406 هـ = 1986م.
14-
الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، دمشق 1404 هـ = 1984 م.
15-
السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية 1403 هـ = 1983 م.
16-
الشاذلي، حسن علي، نظرية الشرط، دار الكتاب الجامعي.
17-
الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، تحقيق محمود إبراهيم زايد ومحمود أمين النواوي، طبعة القاهرة 1404 هـ.
18-
الشوكاني محمد بن علي، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، مكتبة دار التراث د. ت.
19-
العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري لشرح أحاديث البخاري، مطبعة المكتبة السلفية 1974 م.
20-
الفتاوى الهندية (العالمكيرية) ، (أعدتها لجنة من كبار علماء الهند الحنفية عام 1100 هـ تقريبًا) بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر.
21-
فهمي، حسين كامل، نحو إعادة هيكلة النظام المصرفي الإسلامي، مجلة جامعة الملك عبد العزيز ـ الاقتصاد الإسلامي ـ المجلد (4) ، 1412 هـ= 1992 م.
22-
فهمي، حسين كامل، الودائع المصرفية (حسابات المصارف) مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي (الدورة التاسعة) أبو ظبي، إبريل 1995 م.
23-
فهمي، حسين كامل، ضمان الودائع بالشرط (الرد) بحث مقدم إلى مؤتمر الصناعة المالية الإسلامية ـ الإسكندرية ـ أكتوبر 2000 م.
24-
قحف، منذر، سندات القراض وضمان الفريق الثالث، وتطبيقاتها في تمويل التنمية في البلدان الإسلامية، مجلة جامعة الملك عبد العزيز (الاقتصاد الإسلامي) المجلد (1) ، 1409 هـ.
25-
القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، الفروق، عالم الكتاب، بيروت.
26-
القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس، الذخيرة، دار الغرب الإسلامي، 1414 هـ= 1994 م.
27-
الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع، مكتبة زكريا على يوسف.
28-
الماوردي، أبو الحسن علي، الحاوي الكبير، دار الفكر 1414 هـ = 1994 م.
29-
محمد، شمس الحق آبادي، أبو الطيب، عون المعبود شرح سنن أبي داود، المكتبة السلفية ـ المدينة المنورة - 1388 هـ= 1968م.
30-
المقدسي، ابن قدامة، المغني، طبعة مكتبة القاهرة 1969م.
31-
النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المتقين، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، دمشق 1969م.
32-
النووي، أبو زكريا يحيى شرف، شرح صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي.