المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

‌زكاة الديون

إعداد

الشيخ محمد علي التسخيري

والشيخ مرتضى الترابي

بسم الله الرحمن الرحيم

زكاة الديون

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

لا شك أن الزكاة من أهم الفرائض الإلهية التي قد اهتم الفقهاء بتنقيح مسائلها وتبيين أحكامها، فالمسائل الأساسية للزكاة واضحة وأحكامها منقحة ومتفق عليها بين المذاهب الإسلامية، ولكن يوجد مع ذلك اختلاف بين الفقهاء في بعض الفروع الاجتهادية للزكاة ومنها زكاة الديون.

فقد وقع الخلاف بين المذاهب الإسلامية بل بين فقهاء المذهب الواحد في تعلق الزكاة بالدين وعدمه، بين ناف للزكاة عن الدين مطلقا، وبين مثبت، وبين مفصِّل.

حكم زكاة الديون عند فقهاء الإمامية:

المشهور عند الإمامية هو القول بعدم ثبوت الزكاة في الدين مطلقا، بل عليه إجماع المتأخرين منهم.

نعم ذهب بعض الإمامية إلى التفصيل بين صورة قدرة الدائن على استيفاء الدين فتجب الزكاة فيه، وبين عدم قدرته فلا تجب، وممن قال بهذا التفصيل الشيخ المفيد في المقنعة (1) ، والطوسي في المبسوط (2) والخلاف (3) .

ولأجل الوقوف على آراء فقهاء الإمامية ننقل كلام السيد محمد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة في هذا المقام، حيث إنه أورد كلام العلامة الذي يقول فيه: (

ولا الدين على المعسر والموسر على رأي) (4)، فعلق على ذلك بقوله:

(1) المقنعة، ص 239

(2)

المبسوط: 211/1

(3)

الخلاف: 2/ 80

(4)

الينابيع الفقهية: القواعد، ص هـ41

ص: 706

(لا خلاف في المعسر كما هو ظاهر (الإيضاح) حيث قال: الخلاف إنما هو في الموسر، وفي (التذكرة) : لا زكاة في الدين إذا لم يقدر صاحبه على أخذه إذا كان معسرا أو موسرا مماطلا عندنا، وفي (المدارك) و (الرياض) : الاتفاق عليه، وفي (الكفاية) : أنه المعروف من مذهب الأصحاب، وفي (الحدائق) : لا خلاف فيه. وأما الدين على الموسر. فالمشهور كما في (تخليص التلخيص) و (كشف الالتباس) و (الحدائق) : أنه لا زكاة فيه أيضا، وهو خيرة الحسن وأبي علي وعلم الهدى كما نقله عنهم في (الإيضاح) وفي (السرائر) نقله عن القديمين (المفيد والطوسي) و (الاستبصار) لكن ما نقله من عبارة القديمين قد يقال: أنه ليس نصا في المراد ولعلنا ننقل كلامهما، ونقله في (الإيضاح) عن جده وخيرة (السرائر) و (الشرائع) و (النافع) و (المنتهى) و (الإرشاد) و (التحرير) و (نهاية الأحكام) و (الإيضاح) و (الدروس) و (البيان) و (حواشي الشهيد) و (التنقيح) و (الموجز الحاوي) و (كشف الالتباس) و (فوائد الشرائع) و (تعليق النافع) و (جامع المقاصد) و (الميسية) و (إيضاح النافع) و (مجمع البرهان) و (المدارك) و (الكافية) و (المفاتيح) ، وكذا (التذكرة) و (التبصرة) ، واستحسنه صاحب (كشف الرموز)، وفي (الرياض) : إنه أقوى. وفي (البيان) : التقييد بما إذا لم يعينه ويمكنه منه في وقته على الأقوى، وفي (فوائد الشرائع) و (جامع المقاصد) و (الميسية) و (إيضاح النافع) إلا أن يعينه ويخلي بينه وبينه فإنَّ امتناعه منه حينئذ لا ينفي ملكه حتى لو تلف كان تلفه منه، وفي الأخير إنه حينئذ يخرج عن القرض، وفي (حواشي الشهيد) : إلا أن يعينه في وقته ويحمله إلى الحاكم أو يبقيه على حاله بعد عزله في يده مع تعذر الحاكم. هذا وليس في (الاستبصار) إلا حمل مرسل عبد الله بن بكير على الاستحباب، مع أن الموجود في (الاستبصار) أنه قال: (في رجل ماله عنه غائب، نعم في بعض نسخ الخبر: عند غائب، فليتأمل.

ص: 707

وفي (المقنعة) : لا زكاة في الدين إلا أن يكون تأخره من جهة مالكه ويكون بحيث يسهل عليه قبضه متى رامه، وهذه العبارة وإن احتملت نفي الزكاة عن المدين إذا كان التأخير من جهته لكنه غير مراد. وقال في (المبسوط) : لا زكاة في الدين إلا أن يكون تأخيره من جهته، فإن لم يكن متمكنا فلا زكاة عليه في الحال، فإذا حصل في يده استأنف به الحول هذا إذا كان حالا، وإذا كان مؤجلا فلا زكاة فيه أصلا، وقد روي أن مال القرض الزكاة فيه على المستقرض إلا أن يكون صاحب المال قد ضمن الزكاة عنه. وفي (الخلاف) : لا زكاة في مال الدين إلا أن يكون تأخيره من جهة صاحبه، وظاهره أو صريحه الإجماع عليه، ونحو ما في (الوسيلة) . وفي (الجمل والعقود) : تكون الزكاة على مؤخره من صاحبه ومن الذي عليه الدين، ونقلوه عن السيد المرتضى وعن (النهاية)، والموجود فيها: ولا زكاة على مال غائب إلا إذا كان صاحبه متمكنا منه أي وقت شاء، فإن كان متمكنا منه لزمته الزكاة وإن لم يكن متمكنا وغاب منه سنين ثم حصل عنده يخرج منه زكاة سنة واحدة، ومال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه بل يجب على المستقرض الزكاة إن تركه بحاله

إلى آخره، وكل ذلك ليس مما نحن فيه بل قد يعطي كلامه الأخير موافقة المشهور فليتأمل. وفي موضع آخر من (الوسيلة) إشعار بموافقة الشيخين حيث عد في المستحبات كل ما لم يتمكن منه صاحبه قرضا كان أو غيره فليتأمل) (1) .

(1) الفقه المقارن: كتاب الزكاة، مفتاح الكرامة، ص 30

ص: 708

حكم زكاة الديون عند سائر المذاهب:

أما المذاهب الأخرى فـ الراجح عندهم هو وجوب تزكية الدين في أكثر صور المسألة. نعم لهم تفصيلات في المقام نشير إلى أهمها:

الحنفية: فصلوا بين كون المدين مقرا وغير مقر، وكذلك بين مراتب الدين. فذهبوا إلى وجوب الزكاة في الدين إذا كان المدين مقرا وكان الدين قويا أو متوسطا.

قال الكاساني صاحب بدائع الصنائع:

(وجملة الكلام في الديون أنها على ثلاث مراتب في قول أبي حنيفة، دين قوي ودين ضعيف ودين وسط، كذا قال عامة مشايخنا.

أما القوي فهو الذي وجب بدلا عن مال التجارة كثمن عرض التجارة من ثياب التجارة وعبيد التجارة أو غلة مال التجارة، ولا خلاف في وجوب الزكاة فيه إلا أنه لا يخاطب بأداء شيء من زكاة ما مضى ما لم يقبض أربعين درهما أدى درهما واحدا، وعند أبي يوسف ومحمد كلما قبض شيئا يؤدي زكاته قل المقبوض أو كثر.

وأما الدين الضعيف: فهو الذي وجب بدلا عما ليس بمال كمهر وبدل الخلع والصلح عن القصاص وبدل الكتابة، ولا زكاة فيه ما لم يقبض كله ويحول عليه الحول بعد القبض.

وأما الدين الوسط، فما وجب له بدلا عن مال ليس للتجارة، كثمن عبد الخدمة، وثمن ثياب البذلة والمهنة، وفيه روايتان عنه، ذكر في (الأصل) أنه تجب فيه الزكاة قبل القبض، لكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض مائتي درهم، فإذا قبض مائتي درهم زكى لما مضى، وروى ابن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه لا زكاة فيه حتى يقبض المائتين ويحول عليه الحول من وقت القبض، وهو أصح الروايتين عنه.

ص: 709

وقال أبو يوسف ومحمد: الديون كلها سواء وكلها قوية؛ تجب الزكاة فيها قبل القبض إلا الدية على العاقلة ومال الكتابة؛ فإنه لا تجب الزكاة فيها أصلا ما لم تقبض ويحول عليها الحول) (1) .

الحنابلة: قالوا: (تجب زكاة الدين إذا كان ثابتا في ذمة المدين ولو كان المدين مفلسا ولا زكاة في الديون التي لم تكن ثابتة في ذمة المدين، إلا أنه لا يجب إخراج زكاته إلا عند قبضه فيجب إخراج زكاة ما قبضه فورا إذا بلغ نصابا بنفسه أو بضمه إلى ما عنده من المال)(2) .

المالكية: قالوا: من ملك مالا بسبب ميراث أو صدقة أو خلع أو بيع عرض مقتنى كأن باع متاعا أو عقارا أو أرش جناية- تعويض- ولم يضع عليه يده بل بقي دينا له عند واضع اليد؛ فإن هذا الدين لا تجب فيه الزكاة إلا بعد أن يقبضه ويمضي عليه حول من يوم قبضه ولو أخره فرارا من الزكاة. ومن كان عنده مال مقبوض بيده وأقرضه لغيره وبقي عند المدين أعواما كثيرة فإنه تجب عليه زكاة عام واحد إلا إذا أخره قصدا فرارا من الزكاة فإنه تجب عليه الزكاة في كل الأعوام التي قصد تأخيره فيها

وإنما تجب زكاة هذا الدين بشروط أربعة:

(1) بدائع الصنائع: 3/ 10

(2)

يراجع الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 603

ص: 710

أولا: إن يكون أصله- وهو ما أعطاه للمدين- عينا ذهبا أو فضة أو عرض تجارة لمحتكر.

ثانيا: إن يقبض شيئا من الدين على التفصيل الآتي، فإن لم يقبض منه شيئا فلا زكاة عليه إلا في دين تجارة المدير.

ثالثا: أن يكون المقبوض ذهبا أو فضة.

رابعا: أن يكون المقبوض نصابا على الأقل (1) .

قال في المدونة الكبرى:

(قلت: ما قول مالك في الدين يقيم على الرجل أعواما لِكَمْ يزكيه صاحبه إذا قبضه؟ فقال: لعام واحد. قلت: وإن كان الدين مما يقدر على أخذه فتركه أو كان مفلسا لا يقدر على أخذه منه فأخذه بعد أعوام أهذا كله عند مالك سواء؟ قال: نعم، عليه زكاة عام واحد إذا أخذه، وهذا كله عند مالك سواء. قال أشهب: قال مالك: والدليل على أن الدين يغيب أعواما ثم يقبضه صاحبه فلا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة: العروض تكون عند الرجل للتجارة فتقيم أعواما ثم يبيعها، فليس عليه في أثمانها إلا زكاة واحدة، فكذلك الدين، وذلك أنه ليس عليه أن يخرج زكاة ذلك الدين أو العرض من مال سواه، ولا تخرج زكاة من شيء عن شيء غيره)(2) .

الشافعية: قالوا: تجب زكاة الدين إذا كان ثابتا وكان من نوع الدراهم أو الدنانير أو عروض التجارة سواء كان حالا أو مؤجلا، أما إذا كان الدين ماشية أو مطعوما نحو التمر والعنب فلا تجب الزكاة فيه. هذا بالنسبة إلى أصل وجوب الزكاة في الدين، أما بالنسبة إلى زمان الإخراج قالوا: ولا يجب إخراج زكاة الدين على الدائن إلا عند التمكن من أخذ دينه فيجب حينئذ إخراجها عن الأعوام الماضية (3) .

(1) يراجع الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 603

(2)

المدونة الكبرى: 1/ 258

(3)

يراجع الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 603

ص: 711

منشأ الخلاف في المسألة:

الظاهر أن منشأ الخلاف بين الإمامية وغيرهم في المسألة- مع غض النظر عن الأدلة الخاصة في المقام- هو ذهاب الإمامية إلى عدم وجوب الزكاة إلا في الأعيان المخصوصة أي الأنعام الثلاث والغلات الأربع والنقدين، وذهاب الآخرين إلى كون متعلق الزكاة أعم من الأعيان المذكورة ومال التجارة.

وذلك لأن الأعيان المخصوصة ظاهرة أو منصرفة إلى الأموال الخارجية الجزئية دون الذمية الكلية، فإن شمول لفظ الحنطة مثلا متعلق للزكاة للحنطة الذمية التي ليس لها وجود إلا في الاعتبار يحتاج إلى العناية الخاصة فلا يشملها لفظ الحنطة عند الإطلاق، وكذلك لفظ الذهب والفضة وغيرهما من العناوين المتعلقة للزكاة. وعلى هذا إطلاقات أدلة الزكاة لا تشمل الدين لأن الدين لا يكون إلا مالا كليا في الذمة.

أما القائلون بوجوب الزكاة في مال التجارة فيمكنهم تصوير تعلق الزكاة بالدين، إذا كان الدين عروض التجارة، لأن مال التجارة يشمل الأموال الذمية كشموله للأموال الخارجية، فإن الملحوظ فيه المالية والثمن، فيشمل المال الخارجي والذمي على حد سواء، ويؤيد هذا المعنى اشتراط القائلين بوجوب الزكاة في الدين كونه من نوع الدراهم أو الدنانير أو عروض التجارة كما مرت الإشارة إليه في بيان مذهب الشافعية والمالكية والحنفية، نعم يبقى الإشكال في الدين الغير المتعلق بالتجارة على القول بوجوب الزكاة فيه أيضا إلا أن يقال بأن المتفاهم العرفي من الأدلة بعد القول بثبوت الزكاة في مال التجارة وعدم اختصاصها بالأعيان المخصوصة هو كون متعلق الزكاة دائما في مال التجارة، وغيرها هو المالية وعليه يكون شاملا للمال الذمي حتى في غير مال التجارة (1) .

ومما أثر في القول بوجوب الزكاة في بعض أقسام الدين القول ببقاء القرض على ملك صاحبه أي المقرض، حيث ذهب بعض فقهاء المذاهب إلى عدم انتقال ملكية المال المأخوذة بالقرض من المقرض إلى المقترض مادام المال باقيا، أي لا ينتقل ملكيته إلى المقترض، فعلى هذا يكون القول بوجوب زكاته بعد حولان الحول على المقرض (الدائن) على القاعدة، لأنه حينئذ مال خارجي للدائن قد حال عليه الحول عند شخص آخر، أما بناء على القول بكون عقد القرض موجبا لانتقال ملكية من المقرض إلى المقترض كما عليه الإمامية فإن زكاته تجب على المقترض دون المقرض لأنه ماله فيجب عليه زكاته.

(1) يراجع الينابيع الفقهية؛ الزكاة، الانتصار، ص 77، لعل السيد المرتضى في الانتصار يشير إلى ثبوت هذا المعنى عندهم

ص: 712

والحاصل: أن المال المنتقل إلى من عليه الدين إن كان باقيا على حاله عنده فإنه بناء على القول بعدم انتقال ملكيته إلى من عليه الدين يمكن القول بوجوب زكاته على الدائن لكونه هو المالك للمال فتشمله أدلة الزكاة، غاية الأمر قد يشكل وجوب الزكاة فيه من جهة عدم التمكين من التصرف، لكونه تحت يد الغير، ولكنه إشكال آخر قابل للدفع بعد تمامية المقتضى.

وأما لو لم يكن المال المنتقل إلى من عليه الدين باقيا عنده، أو قلنا بأن عقد القرض يوجب انتقال ملكية القرض من المقرض إلى المقترض (1) ؛ فتخريج وجوب الزكاة على الدائن يبتنى على تعلق الزكاة بالأموال الذمية كالخارجية؛ لأن المقرض لا يملك إلا المال الذمي دون الخارجي (2) .

لأجل إيضاح حكم المسألة في فقه الإمامية لا بد من البحث في صورتين:

الصورة الأولى: حكم الدين الذي لا يكون الدائن فيه قادرا على استيفائه، وبعبارة أخرى الدين الذي لم يكن تأخير استيفائه مستندا إلى صاحب الدين، بل كان التأخير من قبل من عليه الدين، ككون الدين على ذمة جاحد أو مماطل أو معسر أو كونه مؤجلا.

(1) هناك جواهر الكلام ج 12 كما عليه معظم فقهاء الإمامية حيث ذهبوا إلى ملكية المقترض للمال بالقبض وعدم توقف ذلك على التصرف وإن ذكروه قولا: 15/ 199

(2)

قال صاحب الجواهر: (تجب الزكاة في الأنعام: الإبل والبقر والغنم، وفي الذهب والفضة والغلات والحنطة والشعير والتمر والزبيب، لا تجب فيما عدا ذلك) ، ففي صحيح الفضلاء، عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قال:(فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال، وسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة أشياء وعفا عما سواهن: في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب)، وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سوى ذلك. ويدل على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة روايات صحيحة منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه (الرسائل: الباب (14) من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث (1)) . يراجع جواهر الكلام: 15/ 65

ص: 713

الصورة الثانية: حكم زكاة الدين إذا كان الدائن قادرا على استيفائه ككون الدين على موسر غير جاحد ولا مماطل.

الصورة الأولى:

ذهب الإمامية إلى عدم وجوب الزكاة في الدين إذا لم يكن الدائن قادرا على استيفائه، قال الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر رحمه الله:(وكذا لا تجب الزكاة على الدين، الذي لم يكن تأخيره من قبل صاحبه، بل لأنه مؤجل أو لكونه على معسر أو نحو ذلك بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه)(1) .

أدلة القائلين بعدم وجوب الزكاة في الدين فيما إذا لم يكن الدائن قادرا على استيفائه:

قد استند فقهاء الإمامية القائلين بعدم تعلق الزكاة بالدين خصوصا فيما إذا لم يكن تأخير استيفائه من قبل صاحب الدين الذي هو القدر المتيقن من القول بعدم الزكاة في الدين مطلقا بأمور:

الأول-الأصل:

قال ابن إدريس الحلي في مقام الاستدلال لعدم وجوب الزكاة في الدين بقول مطلق (سواء كان تأخره من جهة من هو عليه أو لم يكن بل كان تأخره من قبل من هو له) ..

بقوله: الأصل براءة الذمة، فمن أوجب الزكاة على مال ليست أعيانه في ملكه يحتاج إلى دليل (2) .

بيان ذلك: أن ظاهر الأدلة سواء الآية الكريمة (3) أو الروايات الصحيحة الواردة في بيان موارد وجوب الزكاة (4) خصوصا أدلة الحول عند المالك (5) هو اعتبار كون موارد الزكاة غير الكلي في الذمة (6) ، أي أن الزكاة إنما تتعلق بالأعيان المخصوصة الداخلة بأعيانها في ملك المزكي، وهذا الظهور دليل على عدم وجوب الزكاة في الدين لكونه مملوكا للدائن بنحو الكلي في الذمة. ولا أقل من الشك فيرجع إلى أصل البراءة.

(1) جواهر الكلام: 15/ 59

(2)

الفقه المقارن، كتاب الزكاة، السرائر، ص292

(3)

قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] .

(4)

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أنزلت آية الزكا ة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} في شهر رمضان، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه فنادى في الناس أن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض الله عليكم من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عما سوى ذلك محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد بن معاوية العجلي والفضيل بن يسار كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا:(فرض الله عز وجل الزكاة مع الصلاة في الأموال وسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة أشياء وعفا عما سواهن، في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعفا عما سوى ذلك)، الوسائل: 6/ 32- 34.

(5)

محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام، أنزلت آية الزكاة في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى قد فرض عليكم الزكاة، وإلى أن قال: ثم لم يعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول. الحديث. (الوسائل: 6/ 82)

(6)

يراجع مصباح الفقه للهمداني

ص: 714

الثاني- النصوص:

وهي أحاديث صحيحة أو موثقة وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تدل على عدم وجوب الزكاة في الدين خصوصا فيما إذا لم يكن الدائن قادرا على استيفائه، نشير إلى بعضها:

منها: صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا صدقة على الدين

) (1) .

ومنها: صحيح محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له: ليس في الدين زكاة؟ فقال: لا)(2) .

ومنها: معتبرة إسحاق بن عمارة قال: (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الدين عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقبضه، قلت: فإذا قبضه أيزكيه؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يده)(3) .

ومنها: صحيح إبراهيم بن أبي محمود قال: (قلت لأبي الحسن عليه السلام: الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما مَنْ يجب عليه الزكاة؟ قال: إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكي)(4) .

فإن هذه النصوص تدل بوضوح على عدم تعلق الزكاة بالدين وليس لها معارض (من الأحاديث) فيما لم يكن الدائن قادرا على استيفاء الدين.

نعم هناك حديث يدل على تعلق الزكاة بالدين المؤجل إذا كان على المليء الثقة لكل ما مر به من السنين، وهو خبر عبد الحميد بن سعيد قال:(سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل مليء بحقه وماله في ثقة يزكي ذلك المال في كل سنة تمر به أو يزكيه إذا أخذه؟ فقال: لا بل يزكيه إذا أخذه. قلت له: لكم يزكيه؟ قال: لثلاث سنين)(5) .

لكن يرفع اليد عن ظهوره في الوجوب ويحمل على الاستحباب جمعا بينه وبين النصوص الدالة على عدم وجوب الزكاة في الدين خصوصا موثقة إسحاق بن عمار (6) الصريحة في عدم وجوب الزكاة في الدين إلا بعد قبض الدين ومضي الحول عليه.

قال الهمداني رحمه الله: ويحتمل قويا أن يكون المقصود بالزكاة في هذه الرواية زكاة مال التجارة (التي لا تجب زكاتها سواء كان عينا أو دينا عند المشهور من الإمامية) لا زكاة النقدين من حيث هي والله العالم.

(1) وسائل الشيعة: 6/ 63

(2)

الوسائل: 6/64

(3)

الوسائل: 6/64

(4)

الوسائل: 6 /63

(5)

الوسائل: 6 /65

(6)

الوسائل: 6 /64

ص: 715

الثالث-عدم التمكن من التصرف:

التمكن من التصرف في المال من الشرائط العامة لوجوب الزكاة، واشتراطه متسالم عليه بين الفقهاء إلا أن البعض لم يذكره بل أشار إلى اشتراطه في ضمن بيان شرطية كمالية الملك، والمال مادام دينا غير قابل للتصرف الخارجي فلا تجب فيه الزكاة.

قال النراقي: الشرط الخامس (من شرائط وجوب الزكاة) التمكن من التصرف واشتراطه مقطوع في كلام كثير من الأصحاب وفي الحدائق هو مما لا خلاف فيه فيما أعلم، ثم قال: وإذا عرفت اشتراط التمكن بالمعنى الذي ذكرناه يتفرع عليها عدم وجوب الزكاة على أموال

منها الدين، أي ما لأحد في ذمة الغير.

وقال العلامة في القواعد:

(الرابع (من شرائط الزكاة) كمالية الملك، وأسباب النقص ثلاثة: الأول منع التصرف، فلا تجب في المغصوب ولا الضال ولا المحجور بغير بينة، ولا الدين على المعسر والموسر على رأي (1) .

وتدك على اشتراطه عدة من الأخبار الواردة في عدم وجوب الزكاة في مال لم يصل إلى صاحبه، أو الذي دفنه في مكان لا يعلم به، أو أنه لا زكاة في مال حتى يكون عنده، وإليك بعض تلك الأخبار:

1-

معتبرة سدير الصيرفي قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع، فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثم إنه احتفر الموضع الذي من جوانبه كله، فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال: يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه، وإن كان احتبسه)(2) .

2-

موثقة إسحاق بن عمار قال: (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ومات الرجل؛ كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: يعزل حتى يجيء، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال: لا حتى يجيء، قلت: فإذا جاء أيزكيه؟ فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده)(3)

فإنه من المعلوم أن المراد باليد في هذا الحديث ليس هو العضو والجارحة الخاصة، بل المراد ما هو متعارف من استعمالها أي يكون تحت استيلائه وسلطانه بحيث يتمكن من التصرف التكويني خارجا (4) .

(1) يراجع جامع المقاصد: 3/ 6

(2)

الوسائل: 6/ 60- 62

(3)

الوسائل: 6/ 62

(4)

مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 1/ 41

ص: 716

فقد دلت هاتان الروايتان والروايات الأخرى على أن المال الذي لا يتمكن صاحبه من التصرف فيه خارجا لعدم السلطة عليه تكوينا لا تجب فيه الزكاة وإن تمكن من التصرف فيه، اعتبارا من هبة أو بيع أو نحو ذلك.

فما ورد عن صاحب المدارك من أن هذه النصوص إنما تدل على كون المال تحت اليد فعلا، لا على اعتبار التمكن من التصرف، وبينهما عموم من وجه لتحقق الأول دون الثاني في المرهون الذي تحت يد الراهن مع كونه ممنوعا من التصرف، والثاني دون الأول فيما يمكن التصرف فيه بالإتلاف مع عدم كونه تحت يده، ففيه أن المراد من كونه تحت يده بعد القطع بعدم إرادة معناه الحقيقي منه كونه تحت استيلائه الفعلي وسلطنته التامة، بحيث يكون متمكنا من التصرف الخارجي من إتلاف ونحوه والتصرفات الناقلة في الجملة.

(نعم مورد النصوص العجز الخارجي الناشئ من كون المال مدفونا أو غائبا أو كان صاحبه غائبا عنه، فالتعدي إلى العجز الناشئ من جهة عدم قابلية المال للتصرف الخارجي فيه لكونه كليا في ذمة الغير كالدين والعجز الشرعي من التصرف- لتعلق حق الغير به كالرهن مثلا- لا بد أن يكون من جهة عدم الخصوصية ولو بقرينة مناسبة الحكم والموضوع أو يتمسك بإطلاق (لا يقدر) في خبر زرارة، و (لا يصل) في صحيح ابن أبي محمود ونحوهما) (1) .

والحاصل: أن المال مادام دينا لا يصدق عليه أنه تحت يد الدائن وغير قابل للتصرف الخارجي فيه فلا تجب فيه الزكاة.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

(1) يراجع مستمسك العروة الوثقى: 9/ 16، هذا ما ذكره السيد الحكيم في مقام التعدي من العجز الخارجي إلى العجز الشرعي في المقام، ونحن قد أضفنا إليه التعدي إلى العجز الناشئ من جهة عدم المقتضى أي عدم قابلية المال للتصرف

ص: 717

أما الصورة الثانية:

هي ما إذا كان الدائن قادرا على استيفائه، ككون الدين على موسر غير جاحد ولا مماطل، فالمشهور بين فقهاء الإمامية هو عدم وجوب الزكاة في هذه الصورة أيضا، بل عليه إجماع المتأخرين كما في الجواهر (1) .

نعم عن الشيخين (المفيد والطوسي) في المقنعة (2) والمبسوط (3) والخلاف (4) والسيد في الجمل (5) القول بالوجوب، واختاره صاحب الحدائق (6) .

ومنشأ الخلاف هو اختلاف الروايات، وهي على طوائف:

الطائفة الأولى:

ما دل على نفي الزكاة عن الدين مطلقا، أي من غير تفصيل بين أنواع الدين وكون الدائن قادرا على الاستيفاء أو غير قادر.

منها:

1-

صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له: ليس في الدين زكاة؟ فقال: لا)(7) .

2-

صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا صدقة على الدين) .

الطائفة الثانية:

ما دل على عدم وجوب الزكاة في خصوص ما لم يقدر الدائن على استيفاء الدين من دون تعرض لحكم صورة القدرة على الاستيفاء.

منها: صحيح إبراهيم بن أبي محمود قال، (قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى تجب عليه الزكاة؟ قال: إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكي.

فإن هذه الطائفة وإن كانت أخص من الطائفة الأولى ولكن لا يقيد بها إطلاق الطائفة الأولى لكونهما متوافقين لا تنافي بينهما أصلا.

فإن قوله عليه السلام: (فلا يصل إليه) ليس له مفهوم كي يوجب تقييد الطائفة الأولى.

(1) جواهر الكلام: 15/ 59

(2)

المقنعة، ص 239

(3)

المبسوط: 1/219

(4)

الخلاف: 2 / 80

(5)

الفقه المقارن، كتاب الزكاة، جمل العلم والعمل، ص 65

(6)

الحدائق الناضرة: 12 / 34

(7)

الوسائل: 6 / 64

ص: 718

الطائفة الثالثة:

ما دل على عدم وجوب الزكاة في الدين في خصوص ما إذا أمكن الاستيفاء وهي رواية واحدة:

عبد الله بن جعفر الحميري (في قرب الإسناد) عن علي بن جعفر عن أخيه قال: (سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه، هل عليه زكاة؟ قال: لا، حتى يقبضه ويحول عليه الحول) ، ورواه علي بن جعفر في كتابه (1)

الطائفة الرابعة:

ما دل على اعتبار القبض في وجوب الزكاة على الدين وأنه ما لم يقبض الدين لا زكاة فيه وإن كان قادرا على الأخذ.

منها: معتبرة إسحاق بن عمار قال: (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الدين عليه زكاة؟ قال: لا، حتى يقبضه، قلت: فإذا قبضه أيزكيه؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يديه)(2) .

وموثقة سماعة: قال: (سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة؟ قال: ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فإذا قبضه فعليه زكاة)(3) .

(1) الوسائل: 6 / 68

(2)

الوسائل: 6 /64

(3)

الوسائل: 6 / 64

ص: 719

الطائفة الخامسة:

ما دل على التفصيل بين صورة عدم قدرة الدائن على الاستيفاء فلا تجب الزكاة، وبين صورة قدرته على الاستيفاء من دون مشقة فتجب الزكاة.

ومن هذه الطائفة:

1-

ما رواه الشيخ بإسناده عن ميسرة عن عبد العزيز قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الدين أيزكيه؟ قال: كل دين يدعيه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة)(1) .

2-

ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن درست عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه)(2) .

3-

خبر الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام: أعلى الدين زكاة؟ قال: لا إلا أن تفر به)(3) .

4-

صحيح أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل ينسئ أو يعير فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال عليه السلام: (يزكيه ولا يزكي ما عليه من الدين فإن الزكاة على صاحب المال)(4) .

أقول: الطائفة الأخيرة أخص مطلقا من الطائفة الأولى الدالة على عدم ثبوت الزكاة في الدين مطلقا، فمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد هو تقييد الطائفة الأولى بالأخيرة وحمل الطائفة الأولى على دين لا يقدر على أخذه.

إلا أنها (الطائفة الأخيرة) ضعيفة من حيث السند

(1) الوسائل: 6/ 64

(2)

الوسائل: 6/ 65

(3)

الوسائل: 6/ 66

(4)

فروع الكافي: 1/ 147؛ وفي الوسائل: 6/ 66

ص: 720

(1)

، فلا تكون حجة في حد نفسها، على أنها معارضة مع الطائفة الثالثة الدالة على عدم وجوب الزكاة في خصوص ما إذا أمكن الاستيفاء، والرابعة الدالة على عدم وجوب الزكاة في الدين ما لم يقبض- ومع غض النظر عن كون روايات الطائفة الرابعة أي الدالة على اشتراط القبض في وجوب الزكاة- أخص من الطائفة الأخيرة، لأن القبض يلازم القدرة دون العكس (2) ، ويرجح الطائفة الثالثة والرابعة على الأخيرة لكونهما أصح سندا من الطائفة الأخيرة حتى لو قلنا بحجيتها (الطائفة الأخيرة) سندا، فتحمل الأخيرة على الاستحباب، على أن هناك مرجحا آخر لنصوص القبض؛ وهو أنه لو قدمنا نصوص الاقتدار (الطائفة الأخيرة) وجعلنا المدار في وجوب الزكاة على القدر على الأخذ؛ كان لازمه إلغاء عنوان الدين المأخوذ في الطائفة الأولى إذ لا خصوصية حينئذ للدين بل العين الخارجية والملك الشخصي أيضا كذلك؛ إذ لا تجب فيها الزكاة أيضا إلا إذا كان قادرا عليه متمكنا من التصرف فيها. مع أن ظاهر تلك النصوص أن الدين من حيث إنه دين بعنوانه الخاص موضوع لهذا الحكم، أعني عدم تعلق الزكاة، فلا بد وأن يكون شاملا لصورة الاقتدار ليمتاز عن العين الشخصية (3) .

(1) أما الأول (خبر عبد العزيز) فلعدم ثبوت توثيق ميسرة وعبد العزيز، نعم حاول الأردبيلي في جامع الرواة تصحيحها فاستظهر أن النسخة مغلوطة والصواب ميسرة بن عبد العزيز الممدوح لا ميسرة عن عبد العزيز، وما ذكره محتمل إلا أنه لم يثبت. أما الثاني (خبر عمر بن يزيد) فلإسماعيل بن مرار الذي لم يرد في حقه توثيق في المصادر الرجالية. نعم هو موثق على مبنى السيد الخوئي لوجوده في إسناد أحاديث تفسير علي بن إبراهيم. أما الثالث (خبر إسماعيل بن عبد الخالق) لعدم ثبوت توثيق الطيالسي في سنده، نعم هو مذكور في إسناد كامل الزيارات فيكون موثقا على مبنى توثيق كل من وقع في إسناده. أما الرابع (أي صحيح أبي صباح الكناني) في الطائفة الرابعة فهي تامة من حيث السند إلا أنها غير تامة من حيث الدلالة، وذلك لأن الصحيح بقرينة المقابلة مع بيع النسيئة كما في بعض نسخ الكافي هو كلمة (يعين) بدل كلمة (يعير) في قوله عليه السلام في الرجل ينسى أو يعين، ويكون المراد كما ذكره الشيخ الرباني في حاشية وسائل الشيعة والسيد الخوئي في المستند هو بيع النسيئة وبيع العينة، ومعلوم أن الدين فيها مؤجل وليس لصاحب الدين مطالبته قبل حلول الأجل، ويكون داخلا في الصورة الأولى (أي فيما إذا لم يكن الدائن قادرا على الاستيفاء) فهذه الرواية ليست من هذه الطائفة. بل موردها هو صورة عدم القدرة على أخذ الدين، وقد مضى أن صريح الأخبار المتقدمة عدم الزكاة في هذه الصورة فيحمل الأمر بالزكاة فيها على الاستحباب

(2)

ذهب السيد الخوئي إلى أن النسبة بين الطائفة الرابعة والخامسة عموم من وجه حيث قال: (فإن النسبة بين القدرة والقرض عموم من وجه، إذ القادر قد يقبض وقد لا يقبض، كما أن القابض قد يكون قادرا قبل قبضه، وأخرى لا يقدر إلا حين القبض كما يتفق في مثل المحاكم أحيانا وإن كان هذا فردا نادرا، ولأجله ذكرنا أن نصوص القبض أقوى وأظهر من نصوص الاقتدار (مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 1/ 95) أقول: ما ذكره في المقام لا يخلو عن إشكال ذلك؛ لأن القبض مهما تحقق وإن كان بالاستعانة بالمحكمة لا يخلو عن القدرة على القبض، ومجرد عدم سبق القدرة على القبض زمانا وحصولها بالاستعانة بالغير لا يوجب تحقق القبض بدون القدرة، بل يصدق عليه أنه قدر على القبض ولو بالاستعانة بالغير، وعلى هذا يكون القبض أخص مطلقا من القدرة

(3)

يراجع مستمسك العروة: 9 /31، ومستند العروة الوثقى: 1 /95

ص: 721

ومع الغض وتسليم المعارضة والتكافؤ بين الطائفة الأخيرة والطائفة الثالثة والرابعة تتساقط الطائفة الأخيرة مع هاتين الطائفتين، والمرجع حينئذ إطلاق الطائفة الأولى النافية للزكاة عن الدين، فما دام كونه دينا لم يخرج عن الذمة إلى العين الخارجية بالقبض لا زكاة فيه، وإن كان قادرا على أخذه واستيفائه بمقتضى الإطلاق (1) .

هذا وقد ذكر بعض الفقهاء وجوها أخرى لعدم ثبوت الزكاة في الدين فيما يكون الدائن قادرا على الاستيفاء:

منها: ما ذكره العلامة رحمه الله في وجه تقديم الإطلاقات النافية للزكاة عن الدين على الخبرين الدالين على التفصيل بين قدرة الدائن وعدمها.

قال العلامة رحمه الله: لما لا يجوز أن يكون وجه الجمع ما في هذين الخبرين؟ لأنا نقول: لما سأله الحلبي عن الدين أطلق عليه السلام القول بانتفاء الوجوب وجب انتفاؤه، إذ لو كان في صورة ما لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو باطل (2)، وقال صاحب المدارك بعد نقل هذا الكلام: هذا كلامه، وهو جيد (3) .

ومنها: ما استدل المحقق الأردبيلي رحمه الله وغيره في وجه عدم ثبوت الزكاة في المقام من أن الملكية للعين الخارجي من شرائط وجوب الزكاة فلا تجب الزكاة إلا بعد تحققها، وحيث إن الحكم متأخر عن موضوعه وشروطه فلا يعقل استفادة وجوب هذا الشرط من نفس هذا الحكم.

(1) يراجع مستند العروة الوثقى: 1 /95

(2)

المختلف، ص 174

(3)

مختلف الشيعة: 3/ 163

ص: 722

قال الأردبيلي رحمه الله في ذيل قول العلامة

، ولا الدين حتى يقبضه وإن كان تأخره من جهة مالكه ما لفظه:

(وهو ظاهر لأنه بالقدرة على الأخذ والترك لم يصر مالكا للعين بالفعل وهو شرط للوجوب، نعم هو قادر على أن يملكه وذلك لم يكف)(1) .

وقد استدل بهذا السيد الطباطبائي رحمه الله في العروة حيث قال في مقام بيان الفرق بين المال المغصوب الممكن تخليصه الذي يجب فيه الزكاة والدين الممكن استيفاؤه الذي أفتى بعدم وجوب الزكاة فيه؛ قال: (والفرق بينه (الدين الممكن استيفاؤه) وبين ما ذكر من المغصوب ونحوه: أن الملكية حاصلة في المغصوب ونحوه، بخلاف الدين فإنه لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه) (2)، نعم أورد السيد الخوئي في المقام على صاحب العروة بقوله:(قد سبق أن أشرنا إلى ضعف الفارق الذي ذكره الماتن بين المسألتين، وأن القرض لا دخل له إلا في تشخيص الكلي وتعيين ما في الذمة من الدين فيه لا في حصول الملكية، فإذا كان تعلق الزكاة بالمال الزكوي بنحو الكلي كما قد يعطيه ظواهر جملة من النصوص فأي مانع من ثبوتها في المملوك؟)(3) لكنَّ هذا الكلام مخدوش.

أولا: إن المشهور بين الفقهاء على كون متعلق الزكاة الأعيان دون الذمة.

ثانيا: كون متعلق الزكاة هو ذمة المكلف لا ربط له بالبحث في المقام، أي البحث عن شرائط وجوب الزكاة؛ فإن البحث عن كيفية تعلق الزكاة بالمال وأنه هل يتعلق بالعين أو الذمة متأخر عن أصل الوجوب والبحث في هذا المقام في الثاني دون الأول.

نعم من ذهب إلى كون موارد وجوب الزكاة يشمل العين والمال الذمي كليهما؛ لا بد له من الالتزام بكون متعلق الزكاة في المال الذمي هو الذمة دون العين، أما بالنسبة إلى الأعيان الخارجية فيمكنه الالتزام بكون متعلق الزكاة هو العين أو الذمة ثبوتا وإن كان المسالم عليه في مقام الفتوى هو تعلق الزكاة بالأعيان دون الذمة.

فتلخص مما ذكرنا أن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من عدم وجوب الزكاة في الديون مطلقا وإن كان تأخير استيفائه من جهة الدائن بأن كان الدين على موسر وكان الدائن قادرا على استيفائه.

(1) مجمع الفائدة والبرهان: 4/ 24

(2)

العروة الوثقى: 3/ 91، تحقيق ونشر مدينة العلم بقم

(3)

مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة: 1/ 95

ص: 723

تنبيه:

لا فرق في الدين بين موجباته وأسبابه من البيع والقرض وغيرهما، ولا في القرض بين كون العين المقترضة باقية عند المقترض سنة أو أكثر أم لا.

وذلك لأن عقد القرض المتعقب بالقبض موجب لانتقال ملكية القرض (المال المقترض) من المقرض إلى المقترض، فالمقترض هو صاحب المال فيجب عليه زكاة ماله إن بقي المال عنده حولا بعد القبض، وكان المال مما يجب فيه الزكاة.

وأما المقرض فهو لا يملك إلا مثل أو قيمة ما أقرضه في ذمة المقترض فيكون حكمه حكم سائر الديون في عدم تعلق الزكاة به لكونه مالا ذميا.

بل ذكر صاحب الجواهر رحمه الله: أن القرض يفترق عن سائر الديون في أن القائل بالوجوب في الدين على صاحبه إذا كان المديون موسرا، لا يقول به فيما نحن فيه (في القرض إن حال عليه الحول عند المقترض) ثم قال: (ولعله للإجماع والنصوص، ولأنه يكون كتزكية المال الواحد في السنة مرتين

) (1) .

هذا من المشهور عند الإمامية، نعم للشيخ الطوسي قول بأن المقترض لا يملك العين المقترضة إلا بالتصرف فيها، فعليه لا يجري الحول عنده إلا من حين تصرفه (2) .

ويدل على عدم ثبوت زكاة القرض على المقرض روايات:

منها: ما رواه الشيخ رحمه الله في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال:

(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين والثلاث أو ما شاء الله؛ على مَنِ الزكاة؟ على المقرض أو المستقرض؛ فقال: على المستقرض لأن له نفعه وعليه زكاته)(3) .

ومنها: ما رواه الكليني رحمه الله عن زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا، على مَن زكاته؟ على المقرض أو على المقترض؟ قال: لا بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض، قال: قلت فليس على المقرض زكاتها؟ قال: لا يزكى المال من وجهين في عام واحد وليس على الدافع شيء، لأنه ليس في يده شيء، إنما المال في يد الآخر، فمن كان المال في يده زكاه. قال: قلت: أيزكي مال غيره من ماله؟ فقال: إنه ماله مادام في يده وليس ذلك المال لأحد غيره، ثم قال: يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك المال وربحه لمن هو وعلى من؟ قلت: للمقترض، قال: فله الفضل وعليه النقصان وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه ولا ينبغي له أن يزكيه، بل يزكيه كأنه عليه)(4) .

(1) جواهر الكلام: 15/ 199

(2)

مدارك الأحكام: 5/ 29

(3)

الوسائل: 6/ 68

(4)

الوسائل: 6/ 67؛ فروع الكافي: 1/ 146

ص: 724