المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فلسطين العربية الإسلامية - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌فلسطين العربية الإسلامية

‌فلسطين العربية الإسلامية

إعداد

الأستاذ تيجاني صابوني محمد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله، والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:

يسرنا أن نقدم بعون الله تعالى وحسن توفيقه هذا البحث المتواضع عن فلسطين استجابة لطلب مجمع الفقه الإسلامي، راجين الله سبحانه وتعالى أن يساهم في فهم القضية الفلسطينية، تلك القضية التي تعتبر من أهم القضايا العربية والإسلامية والإنسانية.

عنوان البحث: فلسطين العربية الإسلامية

ويتألف هذا البحث من أربعة محاور:

المحور الأول - العدوان الإسرائيلي وجرائم الحرب:

- الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى والمعالم الإسلامية.

- الاعتداء على الأرواح والمقدسات.

المحور الثاني - أشكال مواجهة العدوان الإسرائيلي:

- العمل الفدائي - الانتفاضة - الجهاد - التفاوض واتفاقيات السلام.

- قواعد وأركان إقامة سلام عادل في المنطقة.

- التمسك بالحقوق العربية والإسلامية في فلسطين وعدم التنازل عنها ولو من أهلها

المحور الثالث - دعم الجهاد في صوره المختلفة:

- دور المؤسسات الإسلامية: الدعم المعنوي والإعلامي والاقتصادي.

- دور الأفراد والشعوب.

- مقاطعة العدو وأعوانه.

المحور الرابع - حماية الطابع العربي الإسلامي لفلسطين:

- حماية الأوقاف الإسلامية وتوثيقها دوليًّا.

قبل أن نتعرض للمحور الأول يجدر بنا أن نتحدث عن عنوان البحث ألا وهو (فلسطين العربية الإسلامية) .

ص: 87

1 -

الإسلام في فلسطين:

تؤكد المصادر التاريخية أن فلسطين قد عرفت على غرار العديد من مناطق العالم عهودا كثيرة فكانت للفينيقيين دولة، وعرفت للعرب الكنعانيين دولة، كما عرفت حكم الفراعنة والبابليين والآشوريين والفرس والرومان، إلا أن ما ميز فلسطين عن باقي بلاد العالم أنها كانت مهد الديانات السماوية وموطن الرسل والأنبياء.

ويعتبر تاريخ بلاد الشام - ومنها فلسطين إلي حد ما - زبدة لتاريخ العالم، وأرضها ينبوع أحداثه، فمن مدوناته نتعرف إلى الحضارات الإنسانية المبكرة، وقد جعلت الطبيعة من بلاد الشام أو سورية، ومنها فلسطين، أرض لقاء لجميع الأمم، ولا غرابة إن كانت أرض المعترك للقوي المتحكمة بالعالم؛ فالبابليون، والحبشيون، والفراعنة والآشوريون والفرس، والإغريق، والرومان قد استولى كل منهم على بعض بلاد الشام أو كلها، حيث شهدت هذه البلاد الصراع بين كسرى وهرقل، والعرب والبيزنطيين، وبين العرب والتركمان، والتركمان والصليبيين، وكل واحد من هذه الصراعات عبارة عن حلقة من حلقات الصراع السرمدي بين الشرق والغرب.

ويثبت التاريخ لنا أن العنصر العربي ظل عبر مختلف الحقب في تاريخ فلسطين يمثل الغالبية العظمى، في حين أنه على امتداد التاريخ المعروف الذي يقترب من خمسين قرنا قبل الإسلام لم يعرف لليهود دولة قوية في فلسطين إلا في تلك الفترة التي بدأت بحكم داود عليه السلام، وضعفت بعد موت ابنه سليمان 1015 - 950 ق. م، ولم تتعد سيطرتهم الحقيقية مدة أربعين سنة حسب كتب اليهود أنفسهم.

وفي القرن السابع الميلادي كانت فلسطين خاضعة لحكم الإمبراطورية البيزنطية، وبحكم موقعها وجوارها لمهد الإسلام كانت من البلاد الأولى التي تطلع المسلمون إليها في فتوحاتهم، إذ تؤكد كتب التاريخ الإسلامي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد:" أعد قبل وفاته عليه الصلاة والسلام في عام 11 هـ في 632 م جيشا بقيادة أسامة بن زيد، وأمره أن تطأ خيوله تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ".

وسار الخليفة (أبو بكر الصديق) على النهج الذي بدأه الرسول صلى الله عليه وسلم، فاختار (عمرو بن العاص) لقيادة الجيش الفاتح لفلسطين، وتحريرها من ربقة الروم، وتحقق ذلك بفضل الترحيب والتقبل، اللذين وجدهما الإسلام من قبل سكان فلسطين.

ص: 88

2 -

فتح القدس:

كان للانتصار الذي أحرزه المسلمون على جيوش الرومان في اليرموك أثره الفعال في فتح القدس، وتوسيع الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام. فبعد أن بسط المسلمون سيادتهم على ربوع فلسطين، وضربوا الحصار على بيت المقدس، استطاعوا أن يجبروا المعتصمين من أهل إيلياء على طلب التفاوض معهم، فعرض عليهم أبوعبيدة بن الجراح إحدى ثلاث: الإسلام، الجزية، أوالقتال، فرضوا بالجزية مشترطين أن يكون الذي يتسلم مفاتيح المدينة المقدسة هو أمير المؤمنين - عمر بن الخطاب - نفسه، وهو ما تم سنة 15 هـ -653 م، إذ استقبل أمير المؤمنين عمر من طرف بطريك المدينة - صفرونيوس - وكبار الأساقفة، الذين تحدثوا مع عمر بن الخطاب حول شروط التسليم، وانتهوا معه إلى إقرار وثيقة تاريخية عرفت بالعهدة العمرية.

ص: 89

3 -

القدس بعد الفتح:

وبموجب العهدة العمرية تعهد المسلمون لأهل إيلياء بإعطائهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، كما نصت العهدة العمرية على أن أهل إيلياء لا يكرهون على دينهم ولا يضام أحد منهم ولا يسكن بإيلياء منهم أحد من (اليهود) ، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص.

ولقد حظي بيت المقدس في مختلف العصور الإسلامية بعناية الحكام المسلمين، الذين حافظوا على احترام بنود الوثيقة العمرية خلال ما عاناه المسلمون أثناء فترة الحروب الصليبية على أيدي دعاة الحق الصليبي، فعلى خلاف سلوك الحكام المسلمين إزاء غير المسلمين تؤكد لنا كتب التاريخ، أنه ما أن دخل الصليبيون بيت المقدس، حتى عقدوا أول اجتماع لديوان الثورة العسكرية قرروا فيه قتل كل مسلم بقي حيًّا فيها، ويستمر تنفيذ الإعدام الصليبي أسبوعا كاملا، سجله المؤرخون النصارى بقولهم:

- إن الدماء وصلت في رواق المسجد حتى الركب.

ولم تطل سيطرة الصليبيين على القدس، إذ أعادها صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين سنة 1187 م. وكان للتسامح الذي أظهره صلاح الدين إزاء النصارى أكثر من أثر، اعترف به مؤرخو النصارى قبل المسلمين، الذين أثبتوا السلوك السلمي والعادل للمسلمين إزاء الأقليات الدينية التي تعيش في القدس في ظل سيادة العرب المسلمين عليها كجزء من فلسطين التي حررها المسلمون من الاستعمار الروماني. وبقيت القدس عربية مسلمة منذ ذلك التاريخ 1187 م حتى سقطت بيد الصهاينة في أعقاب عدوان الخامس من يونيو 1967.

ص: 90

4 -

عروبة فلسطين عبر التاريخ:

يعود الوجود العربي في أرض فلسطين إلى عصور قديمة، إذ اتخذ العرب فلسطين موطنا لهم منذ القديم، وكانت جموعهم وتمركزهم بربوعها قد عرفت منذ القرن الثالث الميلادي حتى ظهور الإسلام ازديادا مستمرا، إذ تشير المصادر التاريخية إلى القبائل العربية التي سكنت بسهول وجبال وأطراف صحراء فلسطين ووديانها.

وقد عجل ذلك التوطن واتخاذ بعض الخلفاء الراشدين والأمراء من مدن فلسطين وقراها وغورها مقرا لهم، وتشييد مدينة الرملة وغيرها من العمائر الإسلامية في الوسط الفلسطيني، عجل بصبغ فلسطين بالصبغة العربية الإسلامية، إذ ما أن حل الصدر الأول من العهد العباسي حتى كان تعريب البلاد وسيادة الدين الإسلامي قد بلغ الذروة.

ومنذ ذلك التاريخ، ومساهمة الإنسان العربي الفلسطيني متواصلة في تشييد صرح الحضارة العربية الإسلامية وازدهارها، فنبغ الكثير من الفلسطينيين في علوم الفقه والحديث والقضاء

إلخ وقد شاع في المجتمع الفلسطيني ما عرف في أقطار المشرق العربي من عادات وتقاليد وأعراف وحرف وفنون، ونمط حياة. مما يدل دلالة قاطعة على مدى الروابط العرقية والدينية بين أبناء فلسطين وسكان بلاد الشام الأخرى.

وفي ظل الإسلام كان التماثل في العادات والأخلاق والتقاليد يتم تدريجيا بين المسلمين وسواهم من أصحاب الديانات الأخرى. وقد ظلت فلسطين عربية إسلامية منذ الفتح الإسلامي إلى الحكم العثماني الذي كان تفككه في بداية القرن العشرين قد شجع الدبلوماسية الأوروبية، القائمة على أهداف استعمارية، على مضاعفة مناوراتها للسيطرة على أقاليم الإمبراطورية العثمانية وإدخالها ضمن دائرة نفوذ الاستعمار الأوروبي.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى كانت الدولة العثمانية قد تفككت وزال سلطانها وبدأت دول الوفاق تتقاسم فيما بينها الأقاليم العربية التي كانت تحت سلطة الدولة العثمانية، وبدأت بذلك مرحلة جديدة في المسار السياسي والتاريخي لفلسطين العربية التي تعرضت لمؤامرة استعمارية صهيونية تحت غطاء المشاريع البريطانية التي مكنت دعاة الصهيونية من تحقيق هدفهم في احتلال فلسطين، وإعلان الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، حيث كان للولايات المتحدة الأمريكية الدور الكبير، ويشكل بالتالي أضخم وأخطر قاعدة استعمارية متقدمة للإمبريالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

ص: 91

5 -

الخلفيات السياسية لقيام الكيان الصهيوني في فلسطين ودور الولايات المتحدة الأمريكية:

منذ منتصف القرن الماضي بدأت الحكومة الأمريكية تشمل اليهود الأشكناز في فلسطين بحمايتها، وتحت ضغط المفوضية الأمريكية في (الآستانة) سمح الباب العالي العثماني لكل يهودي يزور فلسطين بالبقاء شهرًا، ثم عاد ورفع المدة إلى ثلاثة أشهر، كما أفرجت السلطات العثمانية عن أربعمائة مهاجر غير شرعي من اليهود، وفي أواخر القرن الماضي التاسع عشر نجح وزير أمريكا المفوض لدى الآستانة من انتزاع تشريع من الباب العالي، يتضمن المساواة في المعاملة بين الأمريكان المسيحيين والأمريكان اليهود، مما فتح المجال ليهود أمريكا بالهجرة إلى فلسطين وشراء الأراضي فيها.

وفي أمريكا التحمت مصالح الرأسماليين اليهود ببعض الأمريكيين، وتأسست عام 1906م (اللجنة اليهودية الأمريكية) من بعض الأمريكيين، للدفاع عن اليهود في العالم أجمع، وإن كان الغرض الرئيسي من تكوين تلك اللجنة هو تسهيل تسلسل رأس المال الأمريكي إلى مختلف أرجاء العالم.

وهكذا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية راعية لشؤون اليهود في تركيا والولايات التابعة لها نيابة عن دول الوفاق. وعندما اشتدت المجاعة في بداية الحرب، وفتكت بالألوف وعشرات عشرات الألوف من السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال سفنها إلي فلسطين تحمل المساعدات والمؤن لليهود فيها. وعندما جرت المباحثات بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية عام 1917 م بهدف استصدار وعد من الحكومة البريطانية ببناء وطن قومي لليهود في فلسطين، قام (لويس براندز) الصهيوني الأمريكي البارز والمستشار الأول للرئيس ولسون بنقل تفاصيل هذه المحادثات إلى قادة الصهيونيين في أمريكا، حيث يذكر (فيلبيس جريفاس) في كتابه (فلسطين أرض العقائد الثلاث) : إن عطف ولسون على الأهداف الصهيونية قد أثر على كل من الحكومتين الفرنسية والإيطالية، اللتين كانتا حتى ذلك الوقت لا تبديان عطفًا على الحركة الصهيونية، وأدى هذا التأثير إلى تضامن هاتين الحكومتين مرحليًّا مع الحكومة البريطانية.

ص: 92

وفي 26 سبتمبر 1917م أبرق (لويس براندز) إلى حاييم وايزمن يخبره بموافقة الرئيس ولسون على مشروع وعد بلفور.

ثم خرج التأييد الأمريكي للصهاينة بشكل فاضح في أواخر الحرب، فشمل الرئيس الأمريكي (ولسون) بعثة وايزمن بعطفه ورعايته، كما وجه رسالة تهنئة إلى يهود العالم بمناسبة حلول رأس السنة العبرية، رأى فيها مراسل صحيفة التايمز اللندنية في واشنطن اعترافًا من أمريكا بالصهيونية ومشاريعها في فلسطين.

وعندما أوفدت الحكومة الأمريكية - وليم بيل - مبعوثًا سريًّا لها إلى الشرق الأوسط في مايو أيار 1915م، اتخذ هذا من القدس مقرًّا له، وفي (18) مارس آذار 1918م أرسل بيل إلى حكومته تقريرًا، تحدث فيه عن قلق العرب إزاء ما يروج عن قرب إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وحذر من التصريحات الغامضة التي كان يدلي بها الإنجليز والفرنسيون بهذا الصدد، ورأى أنها تعطي سلاحًا للألمان وللترك، يستخدمونه ضد الحلفاء في دعايتهم لاستعادة عطف العرب على الإمبراطورية العثمانية خاصة بعد أن كشفت الثورة البلشفية في روسيا أكتوبر 1917م الاتفاقيات التي عقدتها فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية، فيما بينها، لاقتسام العالم العربي، ومن بين تلك الاتفاقيات اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة.

وفي نوفمبر 1918م وضعت الحرب أوزارها، وعقد مؤتمر الصلح في باريس في يناير 1919م، وفي الأيام الأولى للمؤتمر أدلى كل من ولسون وهاوس فرانكفورتر الصهيوني الأمريكي المعروف ومساعد وزير الحربية الأمريكية بتصريحات مماثلة للصهيونية، وقدمت مجموعة المخابرات الملحقة بالوفد الأمريكي إلى مؤتمر الصلح تقريرًا إلى ولسون، تضمن التوصيات الخاصة بالشرق الأوسط، وشددت التوصيات على ضرورة وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ليتسنى تهجير اليهود إليها وتحويلها إلى وطن قومي لليهود.

وقبل عودته إلى باريس من واشنطن، في مارس من نفس العام أصدر ولسون بيانًا قال فيه: إنه مقتنع بأن أمم الحلفاء، بالاتفاق مع حكومتنا وشعبنا تعتزم إرساء أساس كومنولث يهودي في فلسطين، كما أكد لوفد من الصهيونيين التقى به في البيت الأبيض في يونيو 1919م أن فلسطين ستصبح وطنًا قوميًّا لليهود.

إذًا فالوعد بإقامة وطن لليهود في فلسطين لم يكن وعدًا بريطانيًّا، وإن كان كذلك، بل كان وعدًا أمريكيًّا أيضًا. فالسياسة الأمريكية كانت تنظر بعيدًا وبعيدًا جدًّا، مستفيدة من كل الظروف، أعني بها ظروف التأييد لفكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لأنها كانت تنظر إلى ذلك الوطن القومي نظرة تختلف تمامًا عن نظرة الآخرين إليه، وربما تساوت معهم في تلك النظرة، ألا وهي النظرة التي تعتبر إسرائيل منطقة لنفوذها، تطل منها على القارات الثلاث آسية وأوروبا وأفريقيا، وهكذا كان، وها هي منطقة النفوذ (إسرائيل) تأخذ مكانًا لها تحت شمس هذا العالم في أبشع وضع تتخذه دولة أيضًا تحت شمس هذا العالم.

ص: 93

6 -

وعد بلفور:

نشط الصهيونيون إبان الحرب العالمية الأولى للحصول على وعد من ألمانيا وإنجلترا، فراحوا يهيبون بالساسة لإصدار مثل هذا الوعد بعد أن تزعم تيودور هرتزل الحركة الصهيونية، وعقده المؤتمر الصهيوني الأول في بال عام 1897م، حيث انتقلت فكرة الصهيونية، من النطاق النظري إلى النطاق العملي، وقد تمثل ذلك بسعي الصهيونيين الحثيث للحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لليهود، وباءت - كما هو معروف - بالفشل المحاولات الأولى للحصول على مثل هذا الوعد من تركيا أولًا وألمانيا اثانيًا وانكلترا ثالثًا، وكانت حجتهم الاستفادة من النفوذ اليهودي بوجه عام، وفي الولايات المتحدة بوجه خاص، فأشاروا إلى أن مثل هذا الوعد سيغري اليهود بالضغط على الحكومة الأمريكية لمناصرة الحلفاء، ومن المعروف أن بلفور التقى أثناء الحرب الزعيم الصهيوني الأمريكي برانديز، اليد اليمنى للرئيس ولسون، وكانت استراتيجية بلفور تقوم على جر أكثر ما يمكن من الدول إلى الحرب بجانب الحلفاء، وإن الوعد المذكور سيحمل يهود روسيا الذين انخرط أكثرهم في الحركة اليسارية الداعية إلى إخراج روسية من الحرب على تغيير موقفهم، والدعوة إلى إبقاء بلادهم في القتال إلى جانب إنجلترا.

وهكذا وبعد أخذ ورد، وتنقيح وثيقة الوعد، وتحضيرها عدة مرات، حيث استغرق كل ذلك ما يقرب من أربعة أشهر قبل الوصول إلى الصيغة النهائية، صدرت أخيرًا في 2/11/1917 بشكل رسالة من وزير الخارجية بلفور إلى اللورد روتشيلد، ونشرت في الصحافة البريطانية في 9 نوفمبر 1917م.

وإذا كانت بريطانيا هي التي وعدت بإقامة هذا الوطن، الذي لولا صك الانتداب الذي أعطى لبريطانيا حق الانتداب على فلسطين، ما تهيأ تنفيذ هذا الوعد، فإنه للحقيقة والتاريخ، لولا الدعم الأمريكي لهذا الوطن القومي، والمتواصل سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا ودوليًّا لما عاش هذا الوطن المصطنع إلى اليوم.

ص: 94

7 -

الانتداب البريطاني على فلسطين والهجرة اليهودية إليها:

لما كانت دول الحلفاء الرئيسية قد اتفقت تنفيذًا لنصوص المادة (22) من عهد عصبة الأمم على أن تعهد إلى دولة منتدبة تختارها الدول المذكورة لإدارة شؤون فلسطين التي كانت تابعة للسلطة العثمانية ضمن الحدود التي تعنيها الدول المذكورة، ولما كانت دول الحلفاء الرئيسية قد وافقت أيضًا على أن تكون الدول المنتدبة مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي صرحت به حكومة جلالة ملك بريطانيا في (2) تشرين ثاني نوفمبر 1917م، وصادقت عليه الدول المذكورة، بأن ينشأ في فلسطين وطن قومي للشعب اليهودي، مع البيان الجلي بألا يفعل شيئًا يضر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين الآن، ولا الحقوق والمركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلاد الأخرى. ولما كان ذلك اعترافًا بالصلة التاريخية التي تصل الشعب اليهودي بفلسطين، والبواعث التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد، ولما كانت دول الحلفاء اختارت الحكومة البريطانية لتكون الدولة المنتدبة لفلسطين ولما كان صك الانتداب لفلسطين قد صيغ في النصوص التالية، وعرض على مجلس عصبة الأمم لموافقته عليه، ولما كانت الحكومة البريطانية قد قبلت الانتداب على فلسطين، وتعهدت بتنفيذه بالنيابة عن عصبة الأمم طبقًا للنصوص والشروط المبينة في ملحق خاص ضمن ملاحق هذه الرسالة، فقد تم كل ذلك دون الرجوع إلى الشعب العربي الفلسطيني، وبموجب الانتداب أصبح المندوب السامي البريطاني رئيسًا للإدارة الفلسطينية، تساعده في حكم البلاد حكومة انتداب، ومعظم أعضاء هذه الحكومة من البريطانيين واليهود، والواقع هو أن الانتداب كان المظلة القانونية الدولية لتهويد فلسطين العربية، ومنح الصهاينة الحق في استقدام المهاجرين اليهود، واستملاك الأراضي، وإقامة المستعمرات (المستوطنات) وتزويدها بالسلاح.

ص: 95

وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورًا فاعلًا وخطيرًا في تسهيل عملية هجرة الغرباء اليهود إلى فلسطين في عهد رئيسها هاري ترومان، فبعد عودته من بوتسدام، كشف عن الموقف الذي اتخذه من فلسطين في مؤتمر صحفي عقد في (16) أوت 1945م بقوله:"إنه يدافع عن استيطان حر ومفتوح لليهود في فلسطين، إلى النقطة التي تتفق مع حفظ السلام والأمن". وترومان بتصريحه هذا قد سجل على حكومة الولايات المتحدة الأمريكية معارضتها للكتاب الأبيض البريطاني، الذي أصدره تشرشل وزير المستعمرات البريطاني في شهر يونيو حزيران 1922م، الذي قال فيه:"إن بريطانيا لا تفكر قط بإخضاع أو محو السكان العرب أو القضاء على لغتهم وآدابهم في فلسطين، بجملتها، وجعلها وطنًا قوميًّا لليهود، بل إنما تعني بأن وطنًا كهذا يؤسس في فلسطين ".

وأضاف تشرشل في كتابه الأبيض ذاك قائلًا: "ومما يلاحظ بسرور فيما يتعلق بهذا الأمر أن المؤتمر الصهيوني الذي عقد في (كارلسبار) في شهر أيلول سنة 1921م، وهو المجلس الأعلى المسيطر على الجمعية الصهيونية، اتخذ قرارًا أعرب فيه رسميًّا عن المقاصد الصهيونية، جاء فيه: إن الشعب اليهودي عقد النية على أن يعيش مع الشعب العربي باتحاد واحترام متبادلين، وأن يسعيا معًا لجعل هذا الوطن المشترك زاهرًا بحيث يضمن تجديده الرقي القومي لكل من الشعبين بسلام". وحين طلب ترومان من (اتلي) ، الذي جاء على رأس الحكومة البريطانية بعد ونستون تشرشل وفوز العمال بالانتخابات إدخال مائة ألف يهودي إلى فلسطين في 31 أوت 1944م، فإنه - أي ترومان - قد سجل أول خطوة إيجابية نيابة عن الصهيونية على الطريق إلى تحقيق أهدافها، وقد جاء هذا الطلب بناءً على تقرير رفعه المستر (ايرل ج. هاريسون) عميد كلية الحقوق في بنسلفانيا، وممثل اللجنة الحكومية لتقصي شؤون اللاجئين اليهود، وكان ترومان قد أوفده إلى أوروبا في حزيران ليبحث أوضاع النازحين لا يمكن إرجاعهم إلى أوطانهم وخاصة اللاجئين اليهود منهم.

ص: 96

وهكذا ومنذ ذلك الحين أصبح موقف ترومان هذا هو الموقف الرسمي للبيت الأبيض، ومن جهة أخرى فالحكومة الأمريكية كانت تبدي استعدادها للمشاركة في تنفيذ مثل هذه السياسة، الأمر الذي سبب الضيق للحكومة البريطانية.

وهكذا ظهر ترومان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على أنه صهيوني أكثر من الصهاينة، لأنه أدرك معنى هجرة اليهود إلى فلسطين، وبالتالي أدرك معنى أن يصبح اليهود أكثرية في فلسطين، إذ إن هذا كله يجعل من فلسطين يهودية، وهذا يعني سهولة جعل فلسطين بعد تهويدها منطقة نفوذ أمريكية، لأن ترومان كان يدرك أكثر من غيره استعداد اليهود لأن يكونوا مطايا للإمبريالية، خاصة وأنه لابد وقد وصله ما كان قد صرح، ملخصًّا ذلك الاستعداد لخدمة الإمبريالية، الزعيم الصهيوني (ماكس نورداو) ، أحد مؤسسي الحركة الصهيونية، وزميل هرتزل، لخص في الاحتفال الذي أقيم بعد صدور وعد بلفور حقيقة مهمة، هي دور الصهيونية في خدمة الإمبريالية، حين قال مخاطبًا البريطانيين:"إننا نعرف ماذا تريدون منا، تريدون منا أن نحمي مواصلاتكم الإمبراطورية، ونحن مستعدون لذلك، لكن يجب إعطاؤنا القوة اللازمة".

ص: 97

8 -

تقسيم فلسطين وإقامة دولة إسرائيل:

على أثر الحرب العالمية الثانية اندفعت الحركة الصهيونية في جهودها من أجل إعلان الدولة الصهيونية، فقامت الحكومة البريطانية عام 1947م بعرض القضية على الأمم المتحدة التي كانت واقعة تحت النفوذ الأمريكي، فأصدرت قرار تقسيم فلسطين وقيام دولة يهودية وأخرى عربية فيها، وأعلنت يوم 15 مايو (أيار) 1948م موعدًا لنهاية الانتداب البريطاني على فلسطين.

ولكن قرار التقسيم هذا الذي أصدرته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م وقبلته الصهيونية لم يكن في نظر قادتها إلا الخطوة الأولى، ولذلك فإنهم لم ينفذوا منه إلا ما كان في صالحهم، وهو الإقرار بمبدأ دولة مستقلة لهم، أما وجود دولة عربية أخرى، ووجود شكل من الوحدة الاقتصادية بين دولتين، وقيام لجنة وصاية من الأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ القرار، وصيانة حقوق كل الأطراف المعينة، فقد ضربت به القيادات الصهيونية عرض الحائط، وجعلت منه نصًّا ميتًّا، سرعان ما انسحب عليه ظل النسيان، بل لقد ذهب الصهاينة إلى أبعد من هذا في الاستهتار بقرار الهيئة الدولية الذي يتمسكون به شكلًا كسند شرعي لوجود دولتهم، فقد احتلت قوات الهاجاناه يافا وعكا مثلًا قبل 15 مايو 1948م والمدينتان واردتان في قرار 29 نوفمبر ضمن حدود الدولة العربية واحتلالهما سابق لتدخل الدول العربية الذي اتخذته إسرائيل ذريعة سابقة لتدخل الدول العربية من أجل ضم أجزاء أخرى واسعة من إقليم الدولة العربية.

ص: 98

وبمناسبة الذكرى الأولى لصدور قرار التقسيم كتب الرئيس الأمريكي ترومان إلى حاييم وايزمن أول رئيس لدولة إسرائيل: "أود أن أخبركم بمدى السعادة والتأثر اللذين أشعر بهما للتقدم الفريد الذي حققته دولتكم الجديدة، والذي يرجع الفضل فيه لكم أنتم أكثر مما يرجع لأي جهد آخر، وإنني على ثقة من أنه لا زال لديكم أكثر مما أعطيتم، وأكثر مما قدم العالم لكم، وهو ما يجعلني شديد الإعجاب بكم".

وهكذا وصلت الجماعات الصهيونية إلى أقصى طموحاتها بفوزها بتأييد الولايات المتحدة للمشروع الصهيوني في الأمم المتحدة وعلى الصعيد الدبلوماسي.

لقد كانت الفترة الفاصلة بين صدور قرار التقسيم واستتباب الأوضاع بتوقيع اتفاقيات الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل، أكثر الفترات التي شهدت التردد والمراوحة الأمريكية، فحين ساندت الولايات المتحدة قرار التقسيم كانت تتوقع تنفيذه في أقرب وقت ممكن، ولكن حين بدأت المقاومة العربية المسلحة المعارضة لتنفيذ القرار، بدا للولايات المتحدة أنها قد خسرت الرهان.

ويمكن تلخيص الإنجاز الذي حققته الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة في هذه الفترة وحتى قيام إسرائيل، والذي انعكس بدوره على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في الصياغة التالية: إنه من خلال الجهود الكثيفة التي بذلتها الجماعات الصهيونية الأمريكية، والتي تركزت في أعمال الدعاية والضغط بأشكالها المختلفة، تمكنت الحركة الصهيونية من خلق تيار هام بين المواطنين الأمريكيين، وخاصة بين المسؤولين الأمريكيين النافذين، يقبل بالمطالب الصهيونية في فلسطين، أي أن الحركة الصهيونية قدمت مساهمة أساسية في صياغة وعي وإدراك قطاع كبير من النخبة والجمهور الأمريكي تجاه فلسطين بطريقة تلائم المصالح الصهيونية.

* * *

ص: 99

المحور الأول:

العدوان الإسرائيلي وجرائم الحرب

جرائم الحرب:

بدأ العدوان الإسرائيلي على فلسطين منذ تنفيذ وعد بلفور الذي يهدف إلى إنشاء كيان صهيوني على أرض فلسطين، وقد عبر الشعب الفلسطيني عن رفضه لهذه السياسة البريطانية البشعة والتي تؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية. وقد جرت أحداث كثيرة مناهضة لبريطانيا ولليهود، واستمرت وتطورت هذه الأحداث على شكل جماعات مناهضة، ومن بعد تكوين حركات للمقاومة لتكون نواة لحركة المقاومة الفلسطينية، وقد واجهت إسرائيل هذه المقاومة عدة مرات وضاعفت إسرائيل عدوانها بعد أن رسخت قوائمها على أرض فلسطين، وحصلت على دعم الدول الغربية بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وعملت على سلب حقوق الشعب الفلسطيني وتشريده من وطنه وتنفيذ أنواع من الاعتداءات الغاشمة، نذكر منها: الاعتقالات التعسفية، والمحاكمات الصورية، وأنواع التعذيب والتصفيات الجماعية والفردية بدون تمييز، والمجازر الجماعية كما حدث في دير ياسين بقيادة مناحيم بيغن، ومجزرة صبرا وشاتيلا بقيادة السفاح شارون، ومذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل، كل هذه جرائم ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني.

ص: 100

الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى:

لم تتوقف اعتداءات اليهود على الأرواح فقط، ولكنها امتدت حتى شملت المقدسات في المعالم الإسلامية في القدس.

ففي الحادي والعشرين من أغسطس عام 1996م أحرقت إسرائيل المسجد الأقصى، ولم تكن تقصد إسرائيل من هذه الجريمة البشعة سوى تنفيذ مخططها الصهيوني الخبيث الذي يرمي إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض قبلة المسلمين، لقد بدأت المحاولات الصهيونية الإجرامية لتدمير بيت المقدس باعتباره الرمز الديني للوجود العربي والإسلامي في فلسطين، فور دخول الجيش الإسرائيلي في السابع من يونيو عام 1967م. واقتحام مردخاي جور ساحة الحرم القدسي الشريف بسيارة نصف مجنزرة. وأطلق الجيش الإسرائيلي بعد ذلك قطعان المهووسين الصهاينة لانتهاك حرمة المسجد الأقصى جماعات وأفرادًا ليدنسوه بالحفلات المجانة في ساحاته الواسعة.

اندفع اليهود المتدينون ليقفوا أمام الجدار الغربي للمسجد الشريف يؤدون صلاتهم، حيث يدعون أن المسجد أقيم على أنقاض هيكل سليمان، ويطالبون بهدمه لإقامة معبدهم مرة أخرى.

وفي 21 أغسطس عام 1969 م شب حريق كبير في المسجد الأقصى واندفع السكان العرب لإطفاء الحريق، فتبين أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قطعت أنابيب المياه في منطقة الحرم وحاولت منع المواطنين العرب من الدخول بحجة عدم إثارة الارتباك. وحاولت أيضًا منع عربات الإطفاء التي اندفعت من القدس العربية المحيطة بالقدس نحو المسجد، فنقل المواطنون العرب المياه في أوعية تداولوها حتى تمكنوا من إنقاذ أقسام من المسجد بعد أن قضت النيران على الجانب الجنوبي وأحرقت منبر المسجد المعروف بمنبر صلاح الدين، كما قضت على سقف ثلاثة أروقة من سبعة وجزء كبير من القسم الجنوبي.

وادعت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن ماسا كهربائيا كان السبب في الحريق! ولم يصدق ذلك أحد، وأوضحت تقارير المهندسين والخبراء العرب أن الحريق تم بفعل فاعل مجرم مع سبق الإصرار والترصد.

ص: 101

وتصاعدت الاحتجاجات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية. واضطرت أخيرًا سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الادعاء بأن شابا أستراليا يدعى (دينيس مايكل ويليم موهان) يبلغ من العمر (28) سنة هو الذي أشعل النار عمدا، وأنه دخل فلسطين المحتلة قبل أربعة أشهر، وأنها ألقت القبض عليه وستحاكمه، ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى أعلنت أن دينيس هذا معتوه وأطلقت سراحه، وهاج العالمان العربي والإسلامي استنكارا لهذه الجريمة البشعة المتعمدة بحق واحد من أهم مقدسات المسلمين في العالم وأحد أبرز المعالم الحضارية الإنسانية.

ودعت مجلس الأمن إلى الالتئام لبحث هذه الجريمة، وفي (15) سبتمبر 1969 م أصدر المجلس في جلسته رقم (1512) قرارا رقمه (371) يقضي بإدانة إسرائيل لتدنيسها المسجد الأقصى، ويدعوها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس.

ص: 102

محاولة تغيير معالم القدس:

وإذا كان إشعال الحرائق يستهدف الرموز الدينية والأثرية فإن المدينة القديمة كلها مستهدفة بأكثر من وسيلة بهدف تدمير بيوتها وطرد سكانها العرب وتغيير هويتها العربية الإسلامية. وبعد تجربة الحريق بدأت تجارب الحفر تحت حجة البحث عن آثار هيكل سليمان. وبدأت فرق الحفريات تحفر منطقة حرم القدس الشريف والمسجد الأقصى من كل اتجاه بحثا عن الهيكل الذي يدعون وجوده أسفل الصخرة المشرفة.

ومنذ البداية عارض سكان المدينة العرب هذه العمليات، وتمكنوا من تنبيه الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي والمحافل الدولية والثقافية. وادعى الإسرائيليون أن مهمتهم علمية خالصة ترمي إلى البحث عن الآثار المدفونة في مدينة القدس.

ص: 103

اعتداءات أخرى على مدينة القدس بهدف تغيير معالمها:

إن الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال مدينة القدس تقوم باستعمال أساليب مختلفة لتدمير القدس وتغيير معالمه وتهويده. فعلاوة على ما قامت به من حرق وحفر تقوم أيضًا بعملية خنق المدينة. فالقدس التي تعتبر زهرة المدائن، والتي كان القادم من كل أنحاء فلسطين يراها عن بعد عندما تلمح عيناه قبة الصخرة المشرفة وبجوارها مئذنة الجامع الأقصى، لم تعد اليوم ترى من أي جهة بعد أن حولتها أسوار المستوطنات الإسرائيلية التي تعمد المخططون الإسرائيليون أن تتوالى حول المدينة القديمة كأطواق تحيطها وتخفيها. وقد صادروا ما حولها من أرض وما داخلها من بيوت وهدموها وطردوا سكانها العرب، وحرموا الباقين من ترميم ما تبقى من بيوت، بحيث انحشر العرب في رقعة صغيرة وبحيث لا يمكن لأي واحد منهم أن يصل بيته دون المرور من مستوطنة يهودية قامت بيوتها كالزنازين المشرفة على الأماكن القديمة والمقدسة، وملؤوها بألوف المستوطنين اليهود المتدينين المتعصبين. وما تبقى من شقق فارغة فيها حرموا العرب من سكناها أو تأجيرها بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية التي أصدرت حكمًا في أوائل السبعينات منعت من إسكان العرب حتى ولو بالإيجار باعتبار أن العربي يمثل مصلحة تخريبية ومعادية للمصلحة القومية اليهودية.

ص: 104

فمنذ أن وقعت إسرائيل اتفاقًا على أن يناقش مصير مدينة القدس في مرحلة المفاوضات النهائية مع السلطة الفلسطينية، تسارعت عمليات الاستيطان والإسكان وحشد المواطنين، وهي العمليات المستثمرة منذ البداية، وكلها في هذه المرحلة تستهدف قطع الطريق على أي اقتراح بإجراء استفتاء دولي على مستقبل القدس.

إن إسرائيل تعرف أنه قد يأتي هذا اليوم الذي يطالب فيه المجتمع الدولي بتطبيق معاييره السياسية ويقترح استفتاء لسكان المدينة، لذا تحرص السلطات الإسرائيلية على حشد المستوطنين اليهود داخلها وعلى تهجير المواطنين العرب منها تحسبًّا لمثل هذا اليوم.

ص: 105

المسجد الأقصى حق لكل المسلمين:

عندما نتابع تاريخ المسجد الأقصى يتضح أنه حق المسلمين، وأنهم أولى به ويجب أن يكون موضع اهتمام المسلمين لأنه أحد مقدساتهم العتيقة. فقد تم بناء هذا المسجد كما ورد في حديث رواه أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أولًا؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قال: قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة)) .

وإذا عرفنا قدم المسجد الأقصى ومكانته، فإن هناك سؤالًا كثيرًا ما يتردد على ألسنة الباحثين وهو: من أول من بنى المسجد الأقصى؟ وللإجابة على هذا السؤال نورد هنا بعض الآراء العلمية التي قال بها بعض العلماء والباحثين؛ فمن ذلك القول إن الذي بنى المسجد الأقصى هو أبو الأنبياء وأبو البشر آدم عليه السلام، ومن العلماء من يرى أن سام بن نوح هو الذي كان أول بان له، ومنهم من قال: إن أول من بناه وأرسى موضعه هو يعقوب بن إسحاق عليهما السلام.

ومن هذه الآراء العلمية يتضح لنا أن بناء داود وسليمان عليهما السلام إنما كان تجديدًا للبيت وليس تأسيسًا له، وأرى أن تلك الآراء السابقة لا تنافي بينها، فمن المحتمل أن تكون الملائكة قد بنت المسجد الأقصى، وأن آدم عليه السلام قد جدده ثم سام بن نوح ثم يعقوب ثم داود وسليمان عليهم السلام.

ص: 106

ومما ورد من فضائل بيت المقدس ومكانته: قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "بيت المقدس بنته الأنبياء وعمرته، وما فيه موضع شبر إلا وقد سجد عليه نبي أو قام عليه ملك "، وفي أرض بيت المقدس كلم الله تعالى موسى عليه السلام، وفيه تاب الله على داود وسليمان عليهما السلام.. ورد الله على سليمان ملكه.. وبشر زكريا بيحيى.. وولد عيسى وتكلم في المهد في بيت المقدس.. وأنزلت عليه المائدة في بيت المقدس، ورفعه الله إلى السماء من بيت المقدس، وهاجر إليه إبراهيم عليه السلام.

ومن الصحابة الذين دخلوا بيت المقدس أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وبلال بن رباح، ولم يؤذن بعد رسول الله صلى الله عليه سوى مرة واحدة عندما أمره عمر بالآذان بعد فتح بيت المقدس، وخالد بن الوليد وأبو ذر الغفاري وأبو الدرداء، وعبادة بن الصامت وهو أول من ولي قضاء فلسطين وسكن بيت المقدس ودفن فيها، وقيل: بالرملة، وسلمان الفارسي ودفن بالمدائن، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن سلام، وسعد بن أبي وقاص، وممن شهد فتح بيت المقدس أبو هريرة وعوف بن مالك الأشجعي.

وهكذا نرى أن في هذه البقعة المباركة عددًا كبيرًا من الأنبياء والصحابة.. وكون المسجد الأقصى قبلة لهم، كل ذلك يمثل البركة الدينية التي أحاطت به، وأما البركة الدنيوية فكثيرة: الأشجار والأنهار وطيب الأرض وهذا هو المراد بقول الله تعالى: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:1] .

ص: 107

وللمسجد الأقصى ارتباط وثيق بعقيدتنا وله ذكريات عزيزة وغالية على الإسلام والمسلمين، فهو مقر للعبادة ومهبط الوحي ومنتهى رحلة الإسراء وبداية رحلة المعراج، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى المسجد الأقصى بالبقعة المباركة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام وهي طور سيناء فصلى بها ركعتين، كما مر بالبقعة المباركة التي ولد فيها عيسى عليه السلام وهي بيت لحم فصلى بها ركعتين، ثم وصل إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في جمع من الأنبياء والرسل فصلى بهم جميعًا ثم عرج به إلى السماء فرأى من آيات ربه الكبرى.

لقد اتفق علماء الإسلام على أن المراد بالمسجد الأقصى هو (بيت المقدس) ، وسمي بالأقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار، وقيل: لبعده عن الخبائث. والمقصود بالمسجد الأقصى في القرآن الكريم جميع ما أحاط السور، ويشمل المسجد المعروف بالمسجد الأقصى ومكان الصخرة المشرفة والساحات المحيطة بها، ولذا فإن اقتحام اليهود لساحة المسجد الأقصى فيه اعتداء على حرمة هذا المسجد المبارك.

ولقد رفض الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يصلي داخل كنيسة القيامة على الرغم من أن رئيس الأساقفة قد سمح له بذلك، ولكن عمر امتنع خشية أن يدعي المسلمون بعد ذلك أن لهم حقًّا في ذلك المكان، فأين الذي فعله عمر من ذلك الذي تفعله إسرائيل اليوم؟!.

هكذا يتضح أهمية المسجد الأقصى لكل مسلم، وعليه فإن تخليصه من أيدي اليهود أمر واجب ولا يمكن أن يكون سلام بدون القدس.

ص: 108

المحور الثاني

أشكال مواجهة العدوان الإسرائيلي

لقد واجه الشعب الفلسطيني العدو المحتل مواجهة شرسة نفذ خلالها أعمالًا فدائية باسلة، مما أدخل الرعب والفزع في قلوب كل يهودي، بحيث إنهم فقدوا الاطمئنان في منازلهم ومكاتبهم ومطاعمهم ومجمعاتهم وأماكن تجمعاتهم.

إن سقوط الآلاف من الشهداء برصاص العدو الإسرائيلي لم يثنِ هذا الشعب عن عزمه أبدًا، بل يزداد كل يوم عزيمة وإصرارًا، ولن تتوقف المواجهة حتى يستعيد هذا الشعب حقوقه كاملة بإذن الله.

لقد سجل التاريخ انتفاضات كثيرة وقعت على أرض فلسطين أثناء الانتداب البريطاني وبعد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فيجدر بنا أن نذكر بعضًا منها:

1 -

انتفاضة 1920م:

إن أول انتفاضة ذكرت هي انتفاضة عام 1920م وحدث ذلك في شهر إبريل عام 1920م، حيث قام بها عرب فلسطين للتعبير عن رفضهم لسياسة بريطانيا صاحبة وعد بلفور والمؤيدة للولايات المتحدة الأمريكية، حامية الحركة الصهيونية.

فقد جرت أحداث هذه الانتفاضة عند الاحتفال بموسم النبي موسى في الرابع من أبريل من سنة 1920م، حيث ألقى عدد من قادة الحركة الوطنية الفلسطينية خطبًا حماسية فهتف الشعب على أثرها بشعارات ضد الصهيونية وبريطانيا.

وقد جرت خلال تلك الانتفاضة اشتباكات ومشادات بين العرب المتظاهرين واليهود، ومن ثم مع البريطانيين الذين سارعوا كالعادة لنجدة اليهود.

وكانت تلك الانتفاضة العربية إيذانًا بتوالي الانتفاضات طيلة عهد الانتداب البريطاني.

ص: 109

2 -

انتفاضة يافا 1921م:

لقد جرت حوادث هذه الانتفاضة، في مطلع مايو أيار 1921م بين المواطنين العرب والجنود البريطانيين الذين كانوا يطاردون خمسة وخمسين عربيًّا كانوا قد اصطدموا بمظاهرة صهيونية عمالية بتل أبيب.

وقد فسر اعتداء الجنود البريطانيين على العرب على أنه بداية هجوم صهيوني على حي المنشية العربي المجاور لتل أبيب، مما أثر غضب عرب فلسطين كافة فهبوا من مختلفة المناطق المجاورة للاشتراك في الانتفاضة.

وقد طلب العرب خلال انتفاضتهم بإحلال قوات هندية محل القوات البريطانية، كما طالبوا بتسليحهم ليدافعوا عن أنفسهم أمام اليهود المسلحين.

وقد كان رد القوات الحكومية استعمال العنف لفك تجمعات العرب المتظاهرين الذين ألحقت بهم إصابات بالغة.

3 -

انتفاضة عام 1929م:

حدثت هذه الانتفاضة في القدس الشريف على إثر تظاهرات يهودية تطالب بحائط البراق الشريف وتطلق شعارات استفزازية، وقد أدت تلك المظاهرات التي قام بها العرب إلى اشتباكات عنيفة تدخلت على إثرها قوات الشرطة الحكومية، وبلغ الحماس أوجه عندما عقدت جماهير نابلس والجنين وطولكرم مؤتمرًا في نابلس توجهوا بعده إلى مركز شرطة المدينة، واستولوا على السلاح ورفعوا علم فلسطين المفدى فوقه.

فاستخدمت الحكومة خمسة آلاف جندي بريطاني لصد هذه الانتفاضة، كما هاجم عرب مدينة صفد المستوطنين اليهود وأصابوا (45) صهيونيًّا مستوطنًا.

وامتدت الثورة إلى كافة أنحاء الريف الفلسطيني، واستخدم الإنكليز المدفعية والدبابات والطائرات والغازات ضد العرب الثائرين، وسيق مئات العرب إلى السجون والمعتقلات، وأصدرت محاكم حكومة الانتداب (20) حكمًا ضد العرب بالإعدام وبالحبس المؤبد لثلاثة وعشرين عربيًّا، وقد نفذ حكم الإعدام بحق ثلاثة من أبطال انتفاضة 1929م في سجن عكا يوم (17) يونيو 1930م وهم فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم.

ص: 110

4 -

انتفاضة 1981 و 2000م:

وتوالت الانتفاضات والثورات والمقاومة المسلحة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، ومن أهم الانتفاضات التي سجلها التاريخ بعد الاحتلال الإسرائيلي انتفاضة عام 1981م حيث استشهد فيها المئات من الشعب الفلسطيني الباسل، وانتفاضة نوفمبر 2000م التي اندلعت على إثر انتهاك شارون حرمة المسجد الأقصى بالدخول فيها مما آثار غضب الشعب الفلسطيني.

فقد استشهد منذ بداية الانتفاضة الأخيرة حتى الآن أكثر من (800) فلسطيني، وجرح ما يقارب من ثلاثين ألف شخص، ومازالت المواجهات مستمرة بين النظام الصهيوني والشعب الفلسطيني البطل، وما من يوم إلا وتقوم القوات الإسرائيلية بتوغل داخل المدن الفلسطينية الواقعة تحت الحكم الفلسطيني بالدبابات والجرافات وتدمير المساكن والمزارع والقصف بالطائرات، ومازال الشعب الفلسطيني يسجل العديد من الشهداء، ولم يتوقف النظام الصهيوني عن اعتداءاته، وأعلن المقاتلون الفلسطينيون بأن الانتفاضة سوف تستمر رغم الاتفاق الذي توصل إليه عرفات وبيريز؛ لأنهم يرون أن الاتفاق الأخير يسمح لإسرائيل بكسب مزيد من الوقت لتستمر في مشروعها التوسعي.

التفاوض واتفاقيات السلام:

لقد جرت مؤتمرات ومفاوضات واتفاقيات سلام عديدة من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ولكن الطرف الإسرائيلي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية استمر في عجرفته وعناده، ورفض تنفيذ كل الاتفاقيات المبرمة ومنها اتفاقية طابا عام 2001م.

فلا يمكن لأية اتفاقية أن تنجح ما لم تكن هناك رغبة صريحة من إسرائيل في الانسحاب من الأراضي العربية.

ص: 111

قواعد وأركان إقامة سلام عادل:

إنه لمن المنطقي بأنه لا يمكن إقامة سلام دائم في فلسطين إلا بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، ولا تتم هذه التسوية إلا باستجابة إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة والهيئات الدولية، ونذكر من هذه القرارات:

قرار رقم (242) لعام 1967م.

قرار رقم (338) لعام 1973م.

قرار رقم (465) لعام 1980م.

قرار رقم (476) لعام 1980م.

قرار رقم (478) لعام 2000م.

إن كل هذه القرارات تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، بما فيها القدس الشريف والجولان السوري والمناطق المتبقية من جنوب لبنان، وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق حقوقه الوطنية الثابتة، بما فيها حقه في العودة إلى دياره وممتلكاته وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف. إن رفض إسرائيل لتنفيذ هذه القرارات لدليل واضح على أن لها رؤية خاصة في معنى السلام.

إن هدف إسرائيل الكبرى الذي يمتد من النيل إلى الفرات، وهذه الفكرة هي ضمن الثوابت الرئيسية الاستراتيجية الصهيونية، فقد قيل بأنه مكتوب على مدخل الكنيست عبارة:(أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل) ، ذكر بأن بعض اليهود العرب من أعضاء الكنيست طالب بإزالة هذا الشعار، لكن الكنيست أجاب بأن هذا من الثوابت في قناعات المنظمة الصهيونية.

فيجب على الأمة العربية والإسلامية أن تستحضر صراعها مع الصهاينة من قبل الحديث عن السلام والمفاوضات، فقد مر الشعب الإسلامي المسلم بأربع مراحل من الصهاينة ولكل مرحلة خصائصها، واستهدافاتها. واليهود الصهاينة عباقرة في اختراع المصطلحات وترويجها، ومن ذلك مصطلح عملية السلام التي تتحدث اليوم بشأنها، فهذا المصطلح قام اليهود الصهاينة بنحته وتشكيله، فهذه المصطلحات لها آثارها المنطقية والنفسية والإعلامية.

ص: 112

ولنبدأ باستعراض المراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة التحضير السياسي والدبلوماسي لإقامة الكيان الصهيوني، فقد دأبوا خلال سنوات عديدة يحضرون العالم ويهيئونه لتقبل قيام كيان سياسي يمثل الحركة الصهيونية في فلسطين.

المرحلة الثانية: تبدأ بقيام الكيان الصهيوني وتثبيته تمهيدًا للاعتراف به، وهذه خطوة تحتاج إلى عمل دؤوب لتحصين الكيان من الاعتداء العسكري، واستطاعوا في هذه المرحلة أن يحصلوا على اعتراف من القوى والدول الكبرى في العالم والاتحاد السوفيتي سابقًا.

وما إن استقر الكيان الصهيوني وترسخت أرضيته حتى شرعوا في مرحلة ثالثة:

المرحلة الثالثة: تتمثل في توسيع هذا الكيان باتجاه إسرائيل الكبرى، وكذلك فإن اليهود لا يتكلمون في أية مرحلة من المراحل عن الحدود لدولتهم، وإنما يذكرون (الحدود الآمنة) للكيان الصهيوني، ففي عام 1948م كانت حدودهم عند خط معين، وفي حرب 1956م انتقلت إلى حدود جديدة، وفي عام 1967م ابتلعت سيناء والضفة والقدس، فكل حالة تاريخية لها حدودها الآمنة.

لذلك نرى في المرحلة الثالثة توسيع دائرة الاغتصاب واحتلال القدس والضفة الغربية وسيناء ككل في 1967م.

المرحلة الرابعة: هي التي نعيشها الآن، وقد بدأت بعد حرب 1973م عندما استطاعت القوات المصرية ضرب خط بارليف وأن تفاجئ الصهاينة في سيناء، واستطاعت تلك الانتصارات أن تحقق في سياق التعامل العربي الإسرئيلي إنجازًا عسكريًّا كبيرًا كان له أثره النفسي الهائل على الصهاينة، واكتشف اليهود من هذه الحرب أن للعرب طاقات هائلة مخزونة تمكنهم من تحقيق الانتصارات.

ص: 113

يتضح لنا من هذا بأن المفاوضات التي تعنيها إسرائيل تتعارض تمامًا مع أهداف ومبادئ الشعب الفلسطيني، لأن الشعب الفلسطيني يطالب إسرائيل بالانسحاب من أرضه التي اغتصبتها ظلمًا وعدوانًا، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته.

أما المفاوضات على حسب المنظور الإسرائيلي فهو التفاوض على أساس الاحتفاظ بأجزاء من الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشريف، وإجبار الشعب الفلسطيني على قبول الأمر الواقع، ولكن الشعب الفلسطيني البطل الصامد عبر عن رفضه لهذا المخطط بواسطة وقفاته البطولية التي يقفها كل يوم وبواسطة الضحايا الذين يسقطون كل يوم، وكل ذلك يدل على عزم وتصميم واستعداد الشعب الفلسطيني بمختلف شرائحه الاجتماعية والسياسية والعمرية لمواصلة التضحية حتى يتم استعادة أرضه وخاصة القدس الشريف. إن الأحداث التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًّا وزرعت الرعب في قلوب حكام وشعوب الدول التي تدعم إسرائيل، جعلتهم يعيدون حساباتهم ويدركون خطورة استمرار الوضع الفلسطيني كما هو، فعمدوا الآن يغيرون لهجتهم تجاه هذا النزاع ويصرحون بأنه يجب إحياء عملية التفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل، وبضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

لقد تعود الرأي العام العالمي سماع مثل هذه التصريحات منذ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وحتى الآن لم يتغير إلا القليل، لأن الأساس الذي ترتكز عليه عملية السلام غير سليم.

ص: 114

التمسك بالحقوق العربية الإسلامية في فلسطين هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام العادل:

لا يمكن تحقيق أي سلام عادل إلا باسترداد كافة الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف، وباعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره، وذلك بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة في الأرض الفلسطينية، وأن يكون عاصمتها القدس الشريف، وبعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم واستعادة جميع حقوقهم المسلوبة.

كما لا يمكن أن يكون أي سلام ما لم يتم حل مشكلة القدس، وما لم يتم إعادة المدينة للفلسطينيين.

فلا يمكن أن يكون هناك تنازل عن شبر من الأراضي العربية الفلسطينية، لأن أي تنازل فلسطيني عن حقوقه يعني الاستسلام لليهود.

* * *

ص: 115

المحور الثالث

دعم الجهاد في صوره المختلفة

فإذا كانت القضية الفلسطينية هي قضية دولية تهم الأمة العربية والإسلامية والقوى المحبة للسلام فلأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والأراضي العربية احتلال ظالم.

ثم إن احتلال اليهود للقدس الشريف الذي يعتبر إحدى المقدسات الإسلامية الهامة أمر لا يمكن قبوله من المسلمين والسكوت عنه. وبما أن إسرائيل ترفض جميع مساعي السلام التي بذلت منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وحتى الآن، وتصر على استمرارها في احتلال فلسطين والقدس والأراضي العربية فإنه يتوجب على جميع الأمة الإسلامية والعربية أن تستنفر من أجل تحرير القدس، وأن تدعم الجهاد الفلسطيني بكل ما تملك من قوة.

ومن هذا المنطلق يتوجب على الأمة العربية والإسلامية القيام بالعمل التالي:

- السماح للمتطوعين للالتحاق بالجيش الفلسطيني.

- توفير الأسلحة والعتاد اللازم لمواجهة العدو المحتل، لأن الله تعالى يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] .

- توفير الدعم المادي للشعب الفلسطيني الصامد داخل الأراضي المحتلة واللاجئين الفلسطينيين إلى الدول الأخرى.

- توفير التدريبات اللازمة للمقاتلين.

ص: 116

دور المؤسسات الإسلامية في دعم الجهاد ونصرة القضية الفلسطينية:

توجد بالفعل مؤسسات إسلامية سياسية واقتصادية وإعلامية في الدول العربية والإسلامية، وكل هذه المؤسسات تؤدي دورها في عدم القضية الفلسطينية ماديًّا ومعنويًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا، ولا ننكر بأن هذه المؤسسات فعلت الكثير في تحويل الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، وجعل النضال الفلسطيني نضالًا شرعيًّا، وفي إجبار إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية.

كما عملت المؤسسات في دعم الجهاد الفلسطيني ماديًّا، حيث تقدمت بكثير من الدعم المالي للشعب الفلسطيني الصامد داخل الأراضي المحتلة والذي يواجه صورًا مختلفة من الاضطهاد، والتي نشأت عنها أنواع من الظروف الاجتماعية القاسية مثل المرض والفقر والمجاعة.

كما تقوم المؤسسات الإعلامية بالجهاد بالقلم، حيث سخرت أقلامها لإظهار الصورة الحقيقية للعدو الإسرائيلي الظالم، ولما يقوم به من ممارسات بشعة ضد الشعب الفلسطيني من اعتقالات وتعذيب وقتل وسلب وتشريد ودمار شامل للمباني والمزارع وتخريب البقاع المقدسة وتدنيسها، كما تقوم الأقلام الإسلامية بشرح القضية الفلسطينية وإظهار صورتها الحقيقية وشرعية نضال الشعب الفلسطيني وجهاده ليتمكن القارئ والسامع البعيد عن المنطقة من تقييم الوضع واتخاذ موقف عادل تجاه هذه القضية.

دور الأفراد والشعوب:

يمكن لأفراد المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض أن يدعموا هذه القضية ويقدموا لها الدعم الكامل بما في ذلك التطور للجهاد حتى يتم النصر إن شاء الله.

وكما يمكن للشعوب الإسلامية أن تهتم بالقضية الفلسطينية عبر حكوماتها ومؤسساتها الإسلامية المحلية.

* * *

ص: 117

المحور الرابع:

حماية الطابع العربي الإسلامي لفلسطين

حماية الأوقاف الإسلامية وتوثيقها دوليًّا:

لقد تعاونت الدول العربية والإسلامية مع دول عدم الانحياز، واستصدروا من منظمة اليونسكو قرارًا بتسجيل مدينة القدس الشريف وأسوارها إلى قائمة التراث العالمي الذي لا يجوز المس به أو تغييره، وذلك في سبتمبر 1981م. وجاء في قرار التسجيل الذي تم إقراره في ديسمبر 1982م أنه لما كانت اتفاقية حماية التراث العالمي تحسبت إلى الأخطار التي قد تهدد ممتلكات التراث، ومن بينها خطر الزوال أو الاندثار الناشئ عن مشاريع عمرانية كبرى خاصة أو عامة أو عن التهديم نتيجة تغيير استخدام الأرض أو تبديل ملكيتها أو النزاع المسلح أو التهديدية، أو عن الكوارث والنكبات كالحرائق الكبرى أو انهيار الأراضي، فإن المجموعة العربية والإسلامية عملت على إدراج القدس الشريف وأسواره ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، ورغم هذا القرار وعشرات غيره فإن عمليات الحفر لا تزال قائمة سواء تحت المسجد الأقصى أو حوله، ولا يزال اليهود العنصريون منقسمين على أنفسهم، بعضهم يشجع ذلك لكي يعثر على ما يشير إليه حق اليهود في فلسطين

إن الأمر المطلوب باستمرار هو أن يعمل العالم الإسلامي والعربي على حماية سكان القدس العرب والمسلمين بتقديم شتى وسائل الدعم لصمود السكان العرب هناك، ولحماية بيوت المدينة القديمة ورموزها المقدسة، وهي مهمات تحتاج إلى كثير من التضحيات ولابد منها.

ص: 118

حماية القدس دوليًّا:

هناك نظام قانوني دولي يكفل الحماية لمدينة القدس ويرفض ضم القدس العربية لإسرائيل، وقد تدخل القانون الدولي في توفير الحماية للمقدسات الدينية، فالأماكن المقدسة تحظى بحماية قانونية واسعة في القانوني الدولي، وقد أقرت إسرائيل بهذا المبدأ، وإن كانت تخالفه عن عمد، والذي يجب أن نؤكده أن القانون يحتاج إلى قوة وما تقوم به إسرائيل تجاه القدس والمسجد الأقصى أمر باطل وغير قانوني، وواجب الأمة أن تجاهد للإبقاء على مدينة القدس عربية إسلامية، ولا تسمح بأن تكون عاصمة لإسرائيل.

ولا يفوتنا أن نذكر هنا البناء الذي قامت به (لجنة القدس) التي تم إنشاؤها بتوصية من منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي كانت تحت رعاية العاهل المغربي السابق الملك الحسن الثاني، حيث سارعت تلك اللجنة إلى إنشاء (وكالة بيت مال القدس الشريف) حيث تعاهدت جميع الدول الإسلامية عبر قرارات مجالس وزراء خارجية دول المؤتمر الإسلامي في دوراتها المتعاقبة، وعبر قرارات قمتى طهران والدوحة على الوصول بهذه اللجنة إلى أهدافها النبيلة والمقدسة وهي: الحفاظ على الطابع الديني والحضاري والتاريخي والثقافي والعمراني لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

ص: 119

الخلاصة

نستخلص مما سبق أن فلسطين كانت دولة للعديد من الأمم السابقة كالفينيقيين والعرب الكنعانيين والفراعنة والبابليين والآشوريين والفرس والرومان، وأنها تميزت عن باقي بلاد العالم بأنها كانت مهدًا للديانات السماوية.

ويثبت التاريخ بأن العنصر العربي ظل عبر مختلف الحقب في تاريخ فلسطين يمثل الغالبية العظمي، في حين أنه على امتداد التاريخ المعروف الذي يقترب من (50) قرنًا قبل الإسلام لم يعرف لليهود دولة قوية في فلسطين، إلا في تلك الفترة التي بدأت بحكم داود عليه السلام عام 1015 - 950 ق. م.

وفي القرن السابع الميلادي كانت فلسطين خاضعة لحكم الإمبراطورية البيزنطية، وبحكم وقعها وجوارها لمهد الإسلام كانت من البلاد الأولى التي تطلع المسلمون إليها في فتوحاتهم، إذ تؤكد كتب التاريخ الإسلامية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعد قبل وفاته عام 11 هـ جيشًا بقيادة أسامة بن زيد، وأمره أن تطأ خيوله تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، وبعد أن بسط المسلمون سيادتهم على ربوع فلسطين تم فتح بين المقدس 635 م على يد أبي عبيده، وتسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح المدينة وكتب العهدة العمرية المشهورة لأهل إيلياء.

ثم وقعت مدنية القدس بعد فترة في سلطة الصليبين، ولكن القائد صلاح الدين الأيوبي استعادها بعد معركة حطين عام 1187م، فبقيت فلسطين بما فيها مدينة القدس عربية مسلمة منذ ذلك التاريخ، حتى سقطت بيد الصهاينة في أعقاب عدوان الخامس من يونيو 1967م.

فبعد أن رفض الشعب الفلسطيني هذا الاحتلال قام العدو الإسرائيلي بانتهاج أقصى العمليات القمعية ضده؛ بما فيها الاعتقالات والتعذيب والسجن والقتل والتشريد، وبالاعتداءات المتكررة على مدينة القدس الشريف والأماكن المقدسة.

ص: 120

ولقد واجهت المقاومة الفلسطينية هذا العدوان ببسالة مما أجبر الهيئات الدولية بالاعتراف بحقوق هذا الشعب الفلسطيني، واتخاذ عدة قرارات تدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي الفلسطينية، وتمكين هذا الشعب من إقامة دولته المستقلة وعودة اللاجئين واستعادة حقوقهم المسلوبة.

لكن إسرائيل تمادت في عنادها وتعنتها، واستمرت في احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية بالرغم من المفاوضات والاتفاقيات العديدة التي تمت بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، لأن إسرائيل تزعم أن حدودها تمتد من النيل إلى الفرات.

لكن الشعب الفلسطيني الباسل لم يتنازل عن شبر واحد من أرضه المحتلة ظلمًا وعدوانًا، واستمر في نضاله لاستعادة حقوقه، وقد كان للمؤسسات الإسلامية والدول الإسلامية وشعوبها دور كبير في دعم القضية الفلسطينية ماديًّا ومعنويًّا، مما حمل الرأي العام العالمي على اتخاذ صورة واضحة عن القضية الفلسطينية والاعتراف بشرعية النضال الفلسطيني ضد إسرائيل لاستعادة حقوقه المسلوبة.

إن من واجب الأمة العربية والإسلامية أن تنهض لنصرة الشعب الفلسطيني واستعادة القدس الشريف من اليهود، لأن احتلال إسرائيل للقدس ولأرض فلسطين العربية الإسلامية يعتبر تحد للمسلمين.

فنحن أمة إسلامية واحدة بنص القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] .

فلا بد من عمل جماعي يمكننا من استعادة فلسطين والقدس الشريف.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

* * *

ص: 121