الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنمية واستثمار
الأوقاف الإسلامية
إعداد
الدكتور ناجي شفيق عجم
جامعة الملك عبد العزيز - جدة
قسم الدراسات الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد وآله وصحبه، ومن اتبع سنته واهتدى بشريعته إلى يوم الدين.
وبعد:
إن الأوقاف الإسلامية كانت ولا تزال تؤدي دورا هاما في حياة المسلمين الاقتصادية والاجتماعية، وكان لها دور رئيسي في بلورة الحضارة الإسلامية وتقدمها، فقد وفرت حياة كريمة لطلاب العلم والعلماء والمعلمين على مدى عصور، بجانب أخذها بيد الضعفاء والفقراء والمساكين، وتوفير الصحة للمرضى والمسنين.
وقد تبارى في إنشائها أهل الخير والصلاح، حتى أصبحت مواردها تغطي ما خصص له في العصور الحديثة عدة وزارات كالشؤون الاجتماعية والتربية والتعليم والصحة، بل امتد أثرها إلى بعض ما تقوم به الآن وزارات الدفاع، كالوقف على الربط والثغور، وقد تمخض عن ذلك كله كم هائل من العقارات الموقوفة وغيرها، غير أن هذا الكم الهائل من الأوقاف أصابه الركود وشيء من الإهمال في عصرنا الحاضر مما قلل من فعاليته وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي.
لذلك تنادى كثير من المفكرين والمهتمين بأحوال المسلمين ورعاية مصالحهم من رسميين وغيرهم، تنادوا إلى تنشيط دور الأوقاف وبعثه من جديد للقيام بالمهمة العظيمة التي كان يؤديها في عهود الحضارة الإسلامية الزاهرة.
وقبل أن أتكلم عن بعض الطرق في التنمية والاستثمار في الأوقاف، لا بد من توضيح بعض الجوانب في الوقف لأنها أساسية في شرعية طرق الاستثمار.
منها: إنشاء الوقف، وشروطه، وأحكامه، وانتهاؤه. وعليه يصبح البحث حاليًّا في ثلاثة أقسام وخاتمة.
القسم الأول: أهم أحكام الأوقاف فيما يتعلق بالتنمية والاستثمار.
القسم الثاني: آثار الوقف في تنمية المجتمع وحكمة مشروعيته.
القسم الثالث: تنمية واستثمار أموال الأوقاف.
* * *
القسم الأول
أهم أحكام الأوقاف فيما يتعلق بالتنمية والاستثمار
الوقف في الشرع: هو حبس مال ينتفع به على وجه الخصوص، وقد تعددت في تعريفه عبارات الفقهاء، حسب اختلافهم في بعض أحكامه.
1-
الوقف عند الإمام أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -:
الوقف: حبس العين على ملك الواقف، والتصدع بمنفعتها على جهة من جهات البر في الحال أو المال. (1)
فمن وقف بعض ماله على مسجد أو ملجأ ابتداء يكون متصدقا به في الحال، أما من وقف أرضه على شخص أو أشخاص ثم من بعدهم على مسجد أو مصحة كان متصدقا في المآل.
فالعين الموقوفة عند أبي حنيفة بمنزلة العارية، فالوقف في نظره تبرع غير لازم، وليست عارية حقيقية، لأن العارية تسلم إلى المستعير ولا تتم إلا بذلك التسليم، أما الوقف فإنه يتم بدون التسليم إلى أحد، لأن العين إما أن تبقى في يد الواقف، وهو الذي يتولى صرف منفعتها إلى من يشاء، أو يسلمها إلى من ينوب عنه في ذلك.
وعلى هذا لا تخرج العين الموقوفة عند أبي حنيفة عن ملك الواقف، لأن حرية التصرف فيها باقية طول حياته، وله الرجوع فيها متى شاء، وله بيعها وهبتها، وإذا مات بدون رجوع عنها انتقل ملك العين الموقوفة إلى ورثته، ويصنع بتلك العين كل ما يصنع بأمواله الموروثة، فهو غير لازم.
نعم يظهر أثر الوقف في العين على مذهبه في منفعة المال وغلته فيجعلها صدقة على الموقوف عليه في الحال أو المال. (2)
(1) تحفة الفقهاء للسمرقندي: 3 / 648؛ الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي: 8 / 158.
(2)
أحكام الوصايا والأوقاف، د. بدران بدران، ص 260 بتصرف.
2 -
تعريف الوقف عند الشافعية (في أحد القولين) والحنابلة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية:
الوقف: حبس العين على حكم ملك الله تعالى، والصدقة بالمنفعة على جهة من جهات البر ابتداء وانتهاء.
ومقتضاه أنه متى تم الوقف فليس للواقف ولا لغيره أن يتصرف في العين الموقوفة تصرف الملاك، فلا يبيعها ولا يهبها ولا يرهنها، وإذا مات فلا تنتقل إلى ورثته، بل تصرف منفعتها إلى المستحقين سواء كانوا ورثة للواقف أم غير ورثة، فالوقف يخرج المال الموقوف عن ملك واقفه بعد تمام الوقف، ومعنى هذا أن الوقف عندهم لازم.
3 -
تعريف الوقف عند المالكية:
الوقف: حبس العين عن التصرفات التملكية مع بقائها على ملك الواقف، والتبرع اللازم بريعها على جهة من جهات البر.
فعلى هذا التعريف لا يخرج الموقوف عن ملكية الواقف، ولا يشترط التأبيد، وهو مذهب وسط بين المذهبين السابقين، فإنه متى تم الوقف عندهم: يمنع الواقف عندهم من التصرف في العين الموقوفة، ويلزم بالتصدق بالمنفعة، مع بقاء العين على ملكه، فهو لا يخرج العين الموقوفة عن ملك الواقف بل تبقى على ملكه، كما في مذهب الإمام أبي حنيفة، ولكنه يمنعه من التصرف فيها بالتصرفات الناقلة للملكية، ويلزمه التصدق بمنفعتها، ولا يجوز له الرجوع فيه كما هو مذهب الصاحبين.
مما تقدم نرى أن الحنفية لا يرون لزوم الوقف إلا إذا كان مسجد لأنه حق خالص لله تعالى، أو يحكم بلزومه حاكم (قاض) يعتقد بلزوم الوقف، أو أن يخرج الواقف وقفه مخرج الوصية بأن تكون العبارة التي تصدر عنه بحسب لفظها وقفا، ولكنها بحسب المعنى وصية، وذلك بأن يقول: وقفت أرضي الفلانية بعد موتي على الفقراء، فإذا توفرت فيه شروط الموصي واستوفت الوصية شروطها ولم يرجع عما قاله حتى مات ـ كان الوقف لازما بعد موته على اعتبار أنه وصية.
أما بقية الأئمة فيذهبون إلى لزوم الوقف من وقت انعقاده، لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أصاب أرضا من أراضي خيبر فقال: يا رسول الله! أصبت أرضا بخيبر، لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني؟ قال:((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) ، فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول ". (1)
(1) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن.
أنواع الوقف:
الوقف نوعان:
1 -
وقف خيري.
2 -
وقف أهلي (ذري) .
فالخيري: ما يصرف فيه الريع من أول الأمر إلى جهة خيرية كالمساجد والملاجئ والفقراء، ولو كان ذلك لمدة معينة يكون بعدها على شخص أو أشخاص معينين، كمن وقف على ملجأ أرضه لمدة عشر سنوات ثم تكون بعدها لأولاده.
والوقف الأهلي أو الذري: ما جعل استحقاق الريع فيه أولا للواقف نفسه أو لغيره من الأشخاص المعينين بالذات أو بالوصف، سواء أكانوا من أقاربه أو من غيرهم، ثم على جهة خيرية.
أركان الوقف:
أركان الوقف أربعة:
1 -
الوقف.
2 -
الموقوف عليه.
3 -
الموقوف.
4 -
الصيغة.
وأهم الأركان الصيغة المنشئة للوقف ويكون ما وراءها من لوازم وجود الصيغة، لأن الركن جزء الحقيقة أو ما به قوام الشيء ووجوده، ولأن الوقف من التصرفات التي توجد بإرادة منفردة، ومعنى ذلك أنه يتحقق بوجود الإيجاب من الواقف كالعتق والطلاق، وعليه قبول الموقوف عليه ليس ركنا في الوقف، ولا شرطا في صحته، ولا شرطا في الاستحقاق، خاصة إذا كان الموقوف عليه غير معين فيستحق الموقوف عليه الثمرة والغلة وإن لم يصدر منه قبول، إلا أنه إذا رده يبطل استحقاقه وينتقل الحق إلى من يليه متى كان أهلا للرد فإن رد الولي أو الوصي أو القيم فلا يقبل لأنه ضرر لا يقبل من هؤلاء، وإنما جاز الرد من الموقوف عليه متى كان أهلا له، لأن الأموال لا تدخل في ملك أحد بغير إرادته إلا في الميراث فإنه بجعل من الشارع.
شروط الوقف:
1 -
شروط الصيغة.
2 -
شروط الواقف.
3 -
شروط الجهة الموقوف عليها.
4 -
الشروط التي يشترطها الواقفون في كتبهم الوقفية.
أولا - شروط الصيغة:
وهي ما يدل على إنشاء الوقف من قول أو كتابة أو إشارة من العاجز عن التعبير بغيرها متى كانت دالة على مراد الواقف دلالة واضحة، ويشترط لها:
أ - ألا تكون الصيغة معلقة على أمر غير موجود وقت الوقف، بأن يكون المعلق عليه معدوما في الحال، وإن كان يحتمل وجوده في المستقبل، فمن قال: هذه الدار صدقة موقوفة على فقراء الطلبة إن ملكتها، كان هذا الوقف غير صحيح، ولا تكون الدار وقفا إذا ملكها، لأنه علق إنشاءه على أمر معدوم؛ فكأنه قال:"إن ملكت هذه الدار كانت وقفا، وإن لم أملكها فلا وقف "، أما إذا كان المعلق عليه هو موت الواقف المطلق يكون الوقف وصية ويأخذ حكمها، ويلزم الورثة بتنفيذها، وإذا مات مصرًّا عليه بدون رجوع عنه، كما إذا قال: إذا مت فأرضي صدقة موقوفة على جهة كذا.
ب- أما الصيغة المنجزة كقوله: جعلت أرضي صدقة موقوفة على كذا، فالاتفاق على صحة الوقف بها.
ج - وفي الصيغة المضافة الدالة على إنشاء الوقف من غير أن تترتب عليه آثاره في الحال، بل تتأخر إلى زمن مستقبل أضيفت إليه فإن أضيفت إلى ما بعد موته كانت وصية، وإلا فصحيحة.
كما يشترط الحنفية تأبيد الوقف، وأجاز الإمام مالك رحمه الله تعالى أن يكون الوقف مؤقتا لمدة معينة ينتهي بعدها، ويعود للواقف حرية التصرف كما كان قبل الوقف، ثم ينتقل لورثته كسائر أملاكه. (1)
(1) انظر: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة جلال الدين بن شاس، طبع دار الغرب الإسلامي: 3 / 37.
ثانيا - شروط الواقف:
أن يكون حرا مالكا بالغا عاقلا غير محجور عليه لسفه أو عدم رشد أو غفلة.
ثالثا - شروط الجهة الموقوف عليها:
يشترط في الجهة الموقوف عليها أن تكون جهة بر وخير، كالوقف على الفقراء والمحتاجين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فإن الوقف يصح باتفاق سواء كان الواقف مسلما أو غير مسلم. وأما إن كان الوقف على غير بر (معصية) كأندية القمار فلا يصح سواء كان الواقف مسلما أو غير مسلم.
رابعا - شروط المال الموقوف:
أن يكون مملوكاً للواقف، ومما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه، فلا يصح وقف ما لا يصح الانتفاع به إلا بإتلافه كالطعام.
أما وقف النقود: النقود مثلية، ومثل الشيء كهو، ولا تتعين بالتعيين، وبدلها يقوم مقامها.
أجاز المالكية وقف النقود للسلف وقالوا: "ينزل رد بدله منزلة بقاء عينه"(1) ، والحنفية ألَّف أحد علمائها رسالة عن جواز وقف النقود، وهي رسالة أبي السعود في جواز وقف النقود، للإمام أبي السعود. (2)
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى القول بجواز وقف النقود، وكذلك ابن قدامة من علماء الحنابلة (3) .
ولا يخفى كثرة وتنوع طرق استثمار النقود وتنميتها على أهل الاقتصاد، وبالاستثمار تظل موجودة فتبقى عينها، ولهذا النوع من الوقف مزايا يتعذر وجودها في بقية الأنواع المالية الموقوفة، لتيسرها الكثير من الناس، ولو بالمبلغ القليل (ريال واحد من الشخص) ، ولجواز الوقف المشترك أو الجماعي، من إقامة المشروعات الاقتصادية الكبيرة، وكما يمكن استثمار النقود الموقوفة في عمليات التمويل الحديثة كالمرابحة وغيرها كما سيأتي.
(1) الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك لأحمد الدردير، طبع دار المعارف بمصر 1974م: 4/102.
(2)
تحقيق صقير أحمد، طبع دار ابن حزم، 1417هـ.
(3)
المغني لابن قدامة: 8/229؛ ومجموع الفتاوى لابن تيمية: 31/234.
خامساً: شروط الوقف:
يشترط التأبيد في الوقف، وذلك بأن يقف على من لا ينقرض كالفقراء، وأجاز المالكية الوقف لأجل معلوم كسنة (1) ، ثم يرجع ملكاً للواقف، وفي هذا توسعة على الناس في عمل الخير.
شروط الواقفين:
المراد بشروط الوقف: ما يليه الواقف في كتابة وقفه بمحض إرادته ليعبر عن رغبته وما يقصده لإنشاء وقفه، والنظام الذي يتبع فيه من حيث الولاية عليه وتوزيع ريعه. فإن كان الشرط صحيحاً؛ وهو كل شرط لا يخل بأصل الوقف ولا بحكمه، ولا يعطل مصالح الوقف أو الموقوف عليهم، ولم يكن فيه مخالفة للشرع، مثل اشتراط أن يبدأ بالصرف من غلة الوقف على عمارته ودفع الرسوم المستحقة عليه، أو اشتراط عزل الناظر إن خان، أو أن تكون النظارة للأرشد فالأرشد من أبنائه وذريته، وحكم هذا الشرط أن يصح الوقف معه ويجب الوفاء به.
وقاعدة (شرط الواقف كنص الشارع) : إنما تتمشى مع الشرط الصحيح، إذ أنه هو الذي يجب العمل به، ولا تجوز مخالفته إلا لضرورة أو مصلحة راجحة، وذلك لأنه يعبر عن إرادة الوقف، وليس فيه مخالفة للشرع، فيعامل معاملة النص في فهم المراد منه، فإذا وجد عرف حمل عليه، وإن لم يوجد عرف؛ فإن وجدت قرينة تعين المراد منه عمل به، ولو خالف ذلك القواعد اللغوية، فإن لم يوجد عرف ولا قرينة اتبع فيه ما يتبع في فهم النصوص، فيجري العام على عمومه، ما لم يوجد ما يخصصه، ويجري المطلق على إطلاقه، ما لم يوجد ما يقيده، ولكن العمل بهذه القاعدة واحترامها إلى أبعد حد ترتب عليه مضار كبيرة عندما طبقت على الشروط التعسفية التي كان يشرطها الواقفون للمنع والحرمان.
وهناك حالتان تجوز فيهما مخالفة شرط الواقف:
الأولى: إذا كانت مخالفة الشرط لا تفوت غرض الواقف، كما إذا شرط: أن يشتري من ريع وقفه كل يوم طعاماً معيناً يوزع على طلبة مدرسة كذا، واختار الطلبة أن يصرف لهم يوميا ثمن هذا الطعام، جاز لـ ناظر الوقف أن يجيبهم إلى ذلك لأن المخالفة لا تفوت غرض الواقف حيث إنه ما قصد إلا مساعدتهم على طلب العلم، بل قد يكون دفع الثمن أنفع لهم.
الثانية: إذا أصبح العمل بهذه الشروط مؤثرًا في منفعة الوقف أو الموقوف عليهم بعد أن تغيرت الظروف، كما إذا اشترط الواقف أن يعطي مرتبات معينة لموظفي مدرسة خاصة، أو مسجد معين، ثم تغيرت ظروف المعيشة بحلول الغلاء فأصبحت هذه المرتبات غير كافية لأصحابها، وإن المصلحة في زيادتها، فإنه تجوز مخالفة شرط الواقف، ولكن بإذن القاضي، لأنه هو الذي يقدر الظروف وتغيرها، ومن ذلك تغيير رسم بناء الوقف عند إعادة بنائه، لكون تغيير رسمه يزيد من غلات الوقف، لكن بإذن القاضي أيضا.
(1) الفقه الإسلامي وأدلته: 8/ 204.
إبدال الوقف:
المراد من الإبدال بيع العين الموقوفة لشراء عين أخرى تكون وقفا بدلها، والبدل هو العين المشتراة لتكون وقفًا عوضا عن العين الأولى.
والاستبدال: هو أخذ العين الثانية مكان الأولى.
أجاز الحنفية حق بيع عين من أعيان الوقف بالنقود، أو مقايضة للواقف إذا شرط ذلك لنفسه، وتكون النقود عين الوقف فيشتري بها عينا أخرى، وفي حالة المقايضة تكون العين المشتراة وقفا بمجرد تمام الشراء، ولا يتوقف ذلك على إذن القاضي، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الوقف عامرا له ريع كثير أو قليل أو كان متخربا.
فإذا لم يشترط الواقف لنفسه أو نهى عنه فلا يملك أحد هذا الاستبدال إلا القاضي، لأنه يثبت له إذا وجد مسوغًا كما في حالة الضرورة ومنها:
أ - صيرورة الأرض الموقوفة غير المنتفع بها بأي سبب من الأسباب، أو قل الانتفاع بها بحيث تصير الغلة غير كافية لنفقاته أو لم يكن له ريع يعمر به.
ب - أن يحتاج للعين الموقوفة للمنافع العامة، كتوسيع طريق أو مسجد.
ج - إذا وجدت مصلحة في الاستبدال كما إذا كان الوقف منتفعا به، لكن يراد استبداله بما هو أكثر نفعا من جهة الغلة أو كثرة الثمن.
ويشترط لصحة الاستبدال: ألا يكون في المبادلة غبن فاحش ولا تهمة لمن قام بها، بأن يحابي فريبا له، وإلا كان غير صحيح.
ولا يشترط اتحاد البدل والمبدل في الجنس، فيجوز أن يشترط الأراضي الزراعية بدل عمارة وبالعكس.
* * *
القسم الثاني
آثار الوقف في تنمية المجتمع وحكمة مشروعيته
إن الله سبحانه وتعالى شرع الوقف لحكم عظيمة وفوائد جليلة، منها ما يظهر لنا ونستطيع أن ندركه بعقولنا وفهومنا القاصرة، ومن ذلك:
1-
حفظ أصول الأموال من الضياع: إن المال في الإسلام جعله الله في أيدينا، وليس من حق صاحبه التلاعب به وتضييعه وإتلافه، فالإنسان مستخلف فيه يستفيد منه في حياته متقيداً بالضوابط الشرعية، قال تعالى:{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7]، وقال عز من قائل:{وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} [النور: 33] ، وقد نهى الله سبحانه أولياء الأمور عن إعطاء السفهاء الأموال التي جعلها الله قياماً لمصالح الناس ومعاشهم وأمرهم بأن يرزقوهم بدون إسراف، قال سبحانه:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5] ، فحفظ أصول الأموال ومنعها من الضياع من مسؤولية صاحب المال الذي كد وتعب في جمع ذلك المال، وهو الذي يعرف قدره وقيمته، ويهمه بقاؤه ونماؤه، وأما أولاده وعياله فقد يكون منهم من لا يعرف ذلك، وربما يتصرف فيه تصرف الزاهد فيه غير المكترث، مثل أن يقوم ببيعه بأرخص الأثمان لأتفه الأسباب، ومنعاً لمثل هذا التصرف شرع الوقف الذي يحفظ الأصول من الضياع، ويبقى الانتفاع بالثمرة، فلا يباع ولا يورث ولا يوهب، فليس لأحد من الأبناء التصرف بما يزيل الملكية، فثبت بهذا حفظ الأصول من الضياع والزوال.
2-
بقاء ذكرى صاحب المال واستمرار دعاء المستفيدين له: إن الإنسان عندما يموت لا يبقى اسمه إلا بقدر ما يذكره من الأعمال التي قام بها، فإن كانت خيراً باقيًّا أثره ونفعه يبقى ذكره ما أثر ذلك الخير، ويدعو له المنتفعون بذلك الخير أو المحبون له، وهذا مطلوب شرعاً، قال إبراهيم عليه السلام:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} [الشعراء: 84] ، وقد أجاب الله دعوته وأبقى ذكره ومحبته في جميع أهل الملل، قال تعالى:{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أي تركنا له في الآخرين ثناء حسناً وذكراً جميلاً يذكر بخير ويصلى ويسلم عليه عند جميع الطوائف والأمم إلى يوم القيامة (1) ، فالمؤمن يطلب بقاء ذكره ليكون قدوة للآخرين، ثم هؤلاء يترحمون عليه ويدعون الله له، وقد وصف الله تعالى عباد الرحمن بأنهم يدعون الله بأن يجعلهم قدوة للمتقين، قال تعالى:{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] ، وإذا ثبت هذا فليس هناك شيء أبقى للذكر وأنفع من الحبس والوقف، ولاسيما وقف العقارات والأراضي.
(1) تفسير البغوي: 4 / 30- 35؛ وابن كثير: 4 / 13.
3-
استمرار الأجر والثواب: فالإنسان محدود العمر والأنفاس والأيام ويتمنى المرء المسلم أن يكون هناك سبيل لاستمرار الأجر والثواب، فمن فضل الله تعالى على هذا الإنسان أن يجعل له سبيلاً يبلغ به إلى هذا الأمل وهذه الأمنية فشرع له الوقف فضلاً منه ونعمة، قال ابن عبد البر رحمه الله:"وهذا من فضل الله على عباده المؤمنين أن يدركهم بعد موتهم عمل البر والخير بغير سبب منهم، ولا يلحقهم وزر يعمله غيرهم ولا شر، إن لم يكن لهم فيه سبب يسببونه، أو يبتدعونه فيعمل به بعدهم "(1) .
4-
التسبب في نشر دعوة الإسلام والعون للقائمين عليها: فالوقف على العلماء والدعاة والمعلمين وعلى المدارس والكتاتيب، وعلى طبع المصاحف والكتب وتوزيعها، وغير ذلك من مجالات نشر العلم والدعوة من أهم الأسباب لنشر الدعوة، فيدخل صاحبه في قوله صلى الله عليه وسلم:((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، ولا ينقص من أجورهم شيء)) (2) ، فهذا الحديث يدل على أنه تكتب أجور الأعمال الصالحة التي يقوم بها المدعو بعد هدايته لمن تسبب في هدايته، وهذا عمل مستمر أجره إلى يوم القيامة، ينبغي للمؤمن أن يسعى في الحصول على ذلك، وأقرب طريق في ذلك هو الوقف على هذه الأعمال العلمية والدعوية.
(1) التمهيد، لابن عبد البر: 21 / 93.
(2)
رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي.
5-
أنه سبب لسد فاقات كثير من الناس في المجتمع، وسبب للمحافظة على مستوى المعيشة للفئات المختلفة، وسبب لبقاء الأمل للفقراء والمحاويج، فوجود الوقف على طائفة معينة سبب لسد حاجات تلك الطائفة، كما أنه موئل لهم لحياة كريمة تجعلهم مشاركين مع فئات المجتمع لا ينقمون عليه ولا على ثرواته وممتلكاته، فيحول بين نشوب صراع الطبقات وتحاسدها، فالكل له أصول نامية يعلل بها نفسه ويعيش في مستوى لا بأس به ويطمع في المزيد، وهذا الطمع والأمل سر حب الإنسان للحياة، وإذا فقد ذلك الأمل أظلمت عليه الدنيا وكره الوجود ومن فيه، ونتيجة لهذا الاستقرار النفسي يكون الوقف سبباً لازدهار المجتمع وتطوره ورخائه واستقراره حيث تعتمد عليه طوائف من المجتمع في حياتها وتجد المأوى والموئل بعد الله تعالى، فتستقر له الحياة وتتفرغ للعمل النافع المثمر، فاليتيم الذي له كفالة يعيش مطمئناً لا يسرق ولا ينهب، وكذلك الفقير الذي له غلة وقف ينتظرها، والأرملة والمرضى والأسرى وغيرهم، بل يتجه الجميع إلى الإنتاج والتفكير النافع.
ومن هذا يتضح أن الوقف سبب لإشاعة المودة والمحبة بين المجتمع، فالمجتمع الذي تنتشر فيه الأوقاف مجتمع مودة بين أصحاب رؤوس الأموال وبين الفقراء والأيتام والأرامل والمرضى وأصحاب العاهات، فتربط بين هؤلاء المنكوبين وبين مجتمعهم أواصر التعاون والتحابب والتناصر، فيجد هؤلاء العطف والشفقة والرأفة من مجتمعهم فيعيش أحدهم في الرباط أو الملجأ، ويعالج مجاناً في المستشفى الموقوف، ويأتي له راتبه من غلة الوقف فيحصل له شعور مودة نحو أصحاب الأوقاف، ثم على المجتمع ككل، فلا ينقم على أحد ولا تكون هناك مشاكل اجتماعية ولا ثورات الطبقات، وينطبق على هذا المجتمع قوله صلى الله عليه وسلم:((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) (1) .
(1) رواه البخاري.
6-
حفظ كرامات المجتمع وبالأخص النبلاء والشرفاء: من التبذل والاستجداء والتزلف للأغنياء مما ينتج عنه الاستقلال الفكري، والتجرد عن الهوى والميول، وقد ثبت في التاريخ الإسلامي أن عدداً من العلماء والفقهاء يعتمدون في تفرغهم لإنتاجهم العلمي والتربوي والفكري على عوائد الوقف وهم يعيشون في الربط المخصصة للعلماء، وينتفعون بالكتب الموقوفة، ويجدون التشجيع والجوائز والمعاشات من أموال الأوقاف، وبهذا استطاع العلماء أن يعيشوا متفرغين مع بحوثهم وكتاباتهم دون أن ينشغلوا بالتكسب والترزق.
كما ضمن لهم مصدر رزق ثابت مما جعلهم يتفرغون للبحث والتأليف والإرشاد والتوجيه ما أغناهم عن طلب التوظيف لدى الدولة وعن التكسب والسعي في طلب الرزق.
ومن الأمثلة على ذلك أوقاف الأزهر الشريف قبل تأميمها، وكذلك الأوقاف على علماء المدارس والمذاهب الفقهية، وبذلك تقدمت الحضارة الإسلامية فصارت خيراً للبشرية.
ومن الأمثلة المعاصرة للأوقاف التي استفاد منها العلماء والباحثون: جائزة الملك فيصل العالمية - وفق الله القائمين عليها - ويقال: إن جائزة نوبل مما استفاده الغربيون من المسلمين فقلدوا المسلمين، واشتهر لدى الناس أنهم اخترعوها.
وإذا تأملنا آثار الأوقاف في التاريخ الإسلامي نجد اعتماد كثير من فحول العلماء على عوائد الأوقاف واستغنائهم بها عن التزلف إلى أبواب ذوي المال أو السلطة مما ضمن لهم الاستقلالية التامة في الفكر والمنهج، والسلامة من الضغوطات والمؤثرات، أو التزلف لأصحاب الأموال، وعاشوا أحراراً في أفكارهم وفتاواهم واجتهادهم بدون خوف من قطع رزق بسبب أفكارهم من أصحاب سلطة أو مال أو جاه، وبذلك قدموا للأمة الإسلامية آراءهم وأفكارهم واجتهاداتهم بوضوح وجلاء دون مواربة، فقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صاحب الفكر الحر يعيش في أوقاف الحنابلة، ويقوم بالتدريس بمدرسة ابن الحنبلي، ويتناول من هذه المدرسة مقابل معرفته بمذهب الإمام أحمد لا على تقليده له (1) ، مما جعله يتفرغ لتصحيح الفكر والمنهج مما علق به من الشرك والبدع والشعوذة والتصوف والفلسفة والاعتزال بدون شاغل ولا مؤثر، والأمثلة في هذا الباب كثيرة.
(1) انظر: ابن قيم الجوزية - حياته وآثاره، للشيخ بكر أبو زيد، ص 45.
7-
التكافل الاجتماعي والتضامن الشعبي: فالوقف في الغالب تستفيد منه الفئة ذات الحاجة التي تضطر الدولة إلى كفالتها والإنفاق عليها، وعندما تستخدم هذه الطاقة الوقف الخيري فقد استغنت بتكافل اجتماعي شعبي تعبدي عن الضمان الاجتماعي الرسمي الذي يكلف الدولة الملايين، كما يكلف الأغنياء الضرائب الباهظة التي يتحايلون في التهرب من دفعها لعدم شعورهم بالأجر الأخروي الذي يعود عليهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأما الوقف فيتبرعون له بسخاء وطيب نفس بل بإيثار على أنفسهم، قال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] . فأحسن طريق للضمان الاجتماعي هو نشر الأوقاف على الفئات المختلفة، ويتضح من هذا أن في الوقف إسهام الفرد المسلم في تحمل أعباء تنمية المجتمع كما أنه مساعدة للدولة، فمسؤولية تنمية المجتمع يشترك فيها المواطن مع الدولة، فالوقف على مصلحة عامة أو على فئة خاصة تخفيف للمؤنة عن الدولة، ومشاركة في تخفيف الآلام عن بعض المواطنين.
8 -
في الوقف توفير لفرص العلم: فالواقف الذي أخرج ماله الخاص لدائرة الأوقاف قد أوجد فرصاً عديدة للعمال، فالوقف يحتاج إلى ناظر وقيم يقوم بحفظ أصوله وتنمية موارده، كما يحتاج إلى من يوصله إلى أصحابه الذين هم في الغالب ليس بمقدورهم الاكتفاء الذاتي عن خدمة الآخرين، فالله سبحانه وتعالى جعل المجتمع البشري يحتاج بعضه إلى بعضه حتى تستمر الحياة في هذه الدنيا، قال تعالى:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف:32] .
الخلاصة
إن الوقف له حكم وفوائد وخصائص كثيرة لأن الوقف له اعتبارات:
1-
كونه عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه.
2-
كونه عاملاً مهماً في التنمية والاقتصاد.
3-
كونه عاملاً في نشر العلم والثقافة.
4-
كونه عاملاً في نشر العدالة الاجتماعية.
5-
كونه عاملاً في نشر الدعوة الإسلامية ونشر احتياجاتها.
إلى غير ذلك من الاعتبارات (1) .
* * *
(1) انظر: بحث الوقف الإسلامي، د. جيلان خضر، مقدم لمؤتمر الأوقاف الأول في المملكة العربية السعودية، في شعبان عام 1422هـ.
القسم الثالث
تنمية واستثمار أموال الأوقاف
1-
المضمون الاقتصادي والتنموي للوقف:
إذا أردنا أن نعيد صياغة تعريف الوقف للتعبير عن المضمون الاقتصادي، نقول:"الوقف هو تحويل للأموال عن الاستهلاك، واستثمارها في أصول رأسمالية إنتاجية، تنتج المنافع والإيرادات التي تستهلك في المستقبل، جماعيا أو فرديًّا"، فالوقف عملية تجمع بين الادخار والاستثمار معاً. فهي تتألف من اقتطاع أموال (كان يمكن للواقف أن يستهلكها إما مباشرة أو بعد تحويلها إلى سلع استهلاكية) عن الاستهلاك الآني، وفي الوقت نفسه تحويلها إلى استثمار يهدف إلى زيادة الثروة الإنتاجية في المجتمع، وهذه الثروة الإنتاجية الموقوفة تنتج خدمات ومنافع، مثالها منفعة مكان الصلاة في المسجد، ومنفعة مكان سرير المريض في المستشفى، أو مكان مقعد التلميذ في المدرسة، كما أن هذه الثروة الموقوفة يمكن أن تنتج أي سلع أو خدمات أخرى تباع للمستهلكين وتوزع عائداتها الصافية على أغراض الوقف.
فإنشاء وقف إسلامي أشبه ما يكون بإنشاء مؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم، فهو يتضمن الاستثمار للمستقبل والبناء للثروة الإنتاجية. كل ذلك يجعل وقف كل من الأسهم والحصص أو الوحدات في الصناديق الاستثمارية، والودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية، من أهم الأشكال الحديثة التي تعبر عن حقيقة المضمون الاقتصادي للوقف الإسلامي، كما مارسه الصحابة الكرام منذ أن وقف عثمان بئر رومة، ووقف عمر أرض بستان في خيبر رضي الله عنهما.
وإذا نظرنا إلى طبيعة ثمرات الثروة الموقوفة أو إنتاجها، فإنه يمكن تقسيم الأموال الوقفية إلى نوعين هما:
1-
أموال تنتج خدمات استهلاكية مباشرة للغرض الموقوفة عليه، مثال ذلك: المدرسة والمستشفى ودار الأيتام، والمسكن المتروك لانتفاع الذرية، وهذا النوع من الوقف يمكن أن يكون غرضه وجهًا من وجوه الخير العامة كالمدرسة للتعليم، أو وجهًا من وجوه البر الخاصة كمسكن الذرية.
2-
أما النوع الثاني من أموال الوقف فهو ما قصد استثماره في إنتاج سلع وخدمات مباحة شرعًا، تباع في السوق لتنفق عوائدها الصافية أو أرباحها على أغراض البر التي حددها الواقف، سواء أكانت خيرية عامة أم أهلية خاصة (ذرية) .
2-
التراكم التنموي في الوقف:
الوقف في أصله وشكله العام ثروة إنتاجية توضع في الاستثمار على سبيل التأبيد، يمنع بيعه، واستهلاك قيمته، ويمنع تعطيله عن الاستغلال، ويحرم الانتقاص منه والتعدي عليه، فالوقف ليس استثمارًا في المستقبل فحسب، بل هو استثمار تراكمي أيضًا يتزايد يوماً بعد يوم.
3-
أهمية الوقف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية:
كانت الممارسة الاجتماعية خلال التاريخ الإسلامي متطورة جدًّا من حيث الحجم والأغراض، فقد بلغت الأوقاف الإسلامية مقدارًا ملحوظاً جدًّا من مجموع الثروة الإنتاجية في معظم البلدان الإسلامية التي أتاح لها تتابع السنين فرصة لتراكم الأموال الوقفية، وفي كثير من المدن الإسلامية تحتل أملاك الأوقاف عقارات رئيسة وسط المدينة وفي قلب مركزها التجاري، كما تشمل جزءًا كبيرًا من خيرة أراضيها الزراعية.
أما من حيث أغراض الوقف فقد استطاعت الأوقاف الإسلامية أن تستخلص لنفسها قطاعات رئيسة من النشاط الاجتماعي التنموي، تديرها برًّا وإحساناً.
فالتعليم والثقافة والبحث العلمي قطاعات تخصصت بها الأوقاف الإسلامية منذ أن بدأ التعليم يتخذ نموذج المدرسة المستقلة عن دور العبادة.
وأما طرق استثمار أموال الأوقاف:
فالاستثمار: هو توظيف للأموال يحقق نفعا ونماء وزيادة للثروة.
وكان الشائع في الاستثمار لأموال الأوقاف في القديم يتم في استثمار ممتلكات الأوقاف بتأجيرها الإجارة المعتادة، وخصوصا للمباني والمحلات التجارية، وصرف إجارتها في مصارف الوقف وزراعة الأراضي الصالحة وسقي أشجار المزارع وبيع نتاجها وغلتها، وصرف ذلك في جهات الوقف التي حددها الواقف.
ولكن جدت طرق حديثة لاستثمار أموال الوقف من الأراضي والمباني والمزارع والنقود؛ منها:
1 -
الاستصناع على أرض الوقف: بأن تقوم جهات ذات سيولة ببناء مجمعات سكنية وتجارية ونحو ذلك على أرض الوقف بأقساط مؤجلة تستوفى من الإيجار المتوقع لهذا الوقف.
2 -
المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك: حيث تكون الجهة الممولة شريكا في مشروع الوقف يخرج عن ملكيته بالتدريج حتى تعود كامل الملكية إلى الوقف.
3 -
الإجارة التمويلية لإعمار الوقف: وذلك بإيجار الوقف لمدة طويلة نسبيا بأجرة تتمثل فيما سيقام على الأرض من بناء ومصنع ونحو ذلك.
4 -
صكوك المقارضة: وذلك بطرح تكلفة المشروع بصكوك يمول بها إنشاؤه، ثم تشترى هذه الصكوك من عائد الوقف شيئا فشيئا.
5 -
إبدال الوقف المستقل بوقف مشترك: بحيث يكون جمعها أجدى من الناحية الاقتصادية.
6 -
بيع بعض الوقف لإعمار الباقي حتى لا يبقى معطلا.
7 -
إقراض الوقف قرضا حسنا لإعمار نفسه، من الحكومة أو من المحسنين.
وهنا طرق لاستثمار وقف النقود؛ منها:
1 -
المرابحة للآمر بالشراء.
2 -
البيع بالتقسيط.
3 -
السلم.
وإذا كانت الأموال الموقوفة لأناس متفرقين يمكن استثمارها عن طريق تأسيس الصناديق الوقفية، التي تشكل وعاء عاما للجميع يضع فيه الواقفون نقودهم ثم يستثمر في مشاريع كبيرة (1) .
* * *
(1) انظر بحث الصيغة الحديثية للاستثمار الوقف وأثرها في دعم الاقتصاد، للدكتور راشد بن أحمد العليوي، مقدم إلى ندوة (مكتبة الوقف وأثره في الدعوة والتنمية) ، مكة المكرمة، شوال 1420 هـ.
الخاتمة
حرصت في عرض خلاصة عن فقه الوقف على الجوانب التي تبين مرونة نظامه كجواز وقف المنافع، والوقف المؤقت، وعدم اللزوم عند الحنفية، وجواز الاشتراط، وعلى الوقف المشترك الجماعي، ووقف النقود والصناديق الوقفية، وجواز استبدال الوقف بالشروط والضوابط، ووقف المال الشائع بعد بيان الخلاف في تعريف الوقف في المذاهب وأثره، وأركان الوقف وشروطه.
وفي القسم الثاني بينت آثار الوقف في تنمية المجتمع في حفظ أصول الأموال من الضياع عند الخشية، وظهور الذكر الحسن للمحسنين، فيكون سببا للادخار والوقف لاستمرار الأجر والثواب، وأنه يكون سببا في نشر الدعوة للإسلام، فضلا عن سد عوز أصحاب الحاجات بأنواعها، وأنه فيه حفظ لكرامات المجتمع وبالأخص النبلاء والشرفاء من التبذل والاستجداء، كما في الأوقاف على الأزهر والأوقاف على العلماء، كما أن الأوقاف عامل من العوامل الهامة للتكافل الاجتماعي والضمان، وفيه التخفيف من البطالة لأنه يؤمن فرص عمل في صيانة الأوقاف وتوزيع غلاتها.
وفي القسم الثالث لتنمية واستثمار أموال الأوقاف، بينت المراد من المضمون الاقتصادي والتنموي للوقف والتراكم التنموي في الوقف، وأهمية الوقف في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ثم بينت بعض الطرق الحديثة لاستثمار أموال الأوقاف؛ منها:
1 -
الاستصناع على أرض الوقف.
2 -
المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك.
3 -
الإجارة التمويلية لإعمار الأوقاف.
4 -
صكوك المقارضة.
5 -
إبدال الوقف المستقل بوقف مشترك.
6 -
بيع بعض الوقف لإعمار الباقي حتى لا يبقى معطلا.
7 -
إقراض الوقف قرضا حسنا لإعمار نفسه من الحكومة أو من المحسنين.
كما بينت بعض الطرق لاستثمار وقف النقود؛ منها:
1-
المرابحة للآمر بالشراء.
2-
البيع بالتقسيط.
3-
السلم.
ويمكن هذا أيضاً عن طريق الصناديق الوقفية الجمعية لضم الأموال النقدية الصغيرة لاستثمارها في مشاريع كبيرة.
والحمد لله رب العالمين.
* * *
العرض - التعقيب والمناقشة
العرض
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نفتتح الجلسة الأولى العملية من أعمال هذه الدورة الثالثة عشرة، ونسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد. وكالمعتاد فإن جدول الأعمال بين أيديكم، ولعل إقراره حاصل سلفا. وجرت العادة اختيار مقرر عام، وقد روي أن يكون المقرر العام لهذه الدورة هو الشيخ عجيل النشمي.
وموضوع هذه الجلسة المسائية هو استثمار موارد الأوقاف (الأحباس) .
وقد وزعت البحوث في ذلك الموضوع، والعارض هو فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، والمقرر هو فضيلة الأستاذ شوقي دنيا.
الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأتوب إليه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وفي ربوبيته وفي كمال ذاته وصفاته، شهادة أرجو بها لقاء وجهه. وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله إمام المتقين وسيد المرسلين وقائد الغر المحجلين، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده. اللهم اجزه عن أمته خير ما جازيت نبيا عن أمته، وصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فأشكر الله سبحانه وتعالى أن يسر لأمتنا الإسلامية هذا المجمع المبارك الذي أنتج من إثرائه للفقه الإسلامي ما هو محل اعتبار ونظر وافتخار واعتزاز، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت القائمين على هذا المجمع، وأن يثبت من قاموا بإنشاء هذا المجمع، ونسأله سبحانه وتعالى أن يسدد خطى الجميع وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويجنبنا إياه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
كما أشكر منظمة المؤتمر الإسلامي في عنايتها بهذا المجمع، ووالله لو لم يكن لها من أعمال سوى هذا المجمع لكان هذا كافيا في شكرها وتقديرها، مع أنها تقوم جهد استطاعتها بما نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون عونها وموفقها.
كما أشكر حكومة الكويت، إمارة وحكومة وشعبا، على ما نلاقيه دائما وأبدا من حفاوة وتقدير واحتضان للهيئات الخيرية وللهيئات العلمية، فحفظهم الله وبارك فيهم وفي جهودهم، وجعلهم مباركين أينما كانوا، وفي نفس الأمر استضافتهم لهذا المؤتمر المبارك وهي الاستضافة الثانية جزاهم الله خيرا ووفقهم وجعل ذلك في موازين القائمين على ذلك.
كذلك لا يسعني إلا أن أقول: إن الشكر موصول لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، فهي في الواقع، ولا شك أن هذا محل اعتراف ومصادقة من الجميع في أن حكومة المملكة العربية السعودية تقوم دائما وأبدا برعاية هذا المؤتمر والاهتمام به والعناية به واستضافته كلما تأزم الأمر وشح المضيف، فحفظها الله وحفظ لها دينها وقيادتها وجعلها مباركة وموفقة.
كما نشكر الله سبحانه وتعالى أن يسر لنا لقاءنا بحبيبنا وشيخنا وعلامتنا سماحة رئيس المجلس فنحن لنا أكثر من عام ونحن أقرباؤه وزملاؤه والمعتزين به وبزمالته والمشفقين عليه، ومع ذلك حفظه الله حرمنا من هذه الزيارات، ولكننا سعداء كل السعادة بأن أقر الله عيوننا به وبصحبته، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسبغ عليه الصحة والعافية.
في الواقع أمامي حفظكم الله ستة بحوث وأقدم اعتذاري بأن هذه البحوث ما وصلني منها في المملكة إلا بحث واحد، والباقي لم يصلني ولم أطلع عليه إلا هذا اليوم، ولا شك أنني وأنا أقدم أو أعرض هذه البحوث أعترف بتقصيري وأعتذر لأخوتي الباحثين فيما يتعلق بتقصيري في عرض بحوثهم، وأسال الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم، ولكن يشفع لي أن بحوثهم لدى إخوتي أعضاء المجمع وخبراء المجمع، ولا شك أنها بحوث لها قيمتها ولها اعتبارها، إلا أن هذا العرض الذي سيكون مني لا يفي بأي بحث، ولكنني في الواقع يشفع لي أن البحوث لديكم.
في الواقع كما تفضل الرئيس بأن محور هذه الجلسة هو استثمار موارد الأوقاف (الأحباس)، وقد قدم فيها مجموعة بحوث ذكرت في الدليل وهي ستة بحوث:
أحدها بحث محبكم، وهو بحث بعنوان:(الأوقاف؛ أحكامها، أقسامها، مواردها، مصارفها) . هذا البحث المقدم من محبكم يبدأ بتوجيه الإسلام أهله إلى العناية بمقتضيات الأخوة الإسلامية، وما تستلزمه هذه المقتضيات من محبة وأخوة وتعاطف وتعاون، ومن ذلك البذل المالي في سبيل مشاركة الفقراء إخوانهم الأغنياء في تأمين متطلبات الحياة، ومن ذلك الصدقة والزكاة والصلة والوقف والوصية. هذا أولا.
ثانيا: نظرة الإسلام إلى المال وأنه وسيلة لا غاية، وأنه ضد تكدس الأموال في أيدي قلة من الناس:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] ، وتوجيهاته نحو توزيع المال حسب المقتضى الشرعي - انظر البحث - وذلك في تفتيت الثروات وتوزيعها على أكبر قدر ممكن من المسلمين.
ثالثا: مشروعية الوقف من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة على ذلك، وأن كل قادر على الوقف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقف، كما صح ذلك النقل عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما وأن أول وقف في الإسلام كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أوقف الحوائط السبعة التي أعطاه إياها مخيريق اليهودي في غزوة أحد.
رابعا: تقسيم الوقف إلى ثابت ومنقول، والاستدلال على ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامسا: جواز انتفاع الواقف بوقفه، والاستدلال على ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سادسا: شروط الوقف وشروط الواقف وضرورة التقييد بها ما لم تكن مخالفة لحكمة الوقف وسر مشروعيته.
سابعا: إجراءات الحفاظ على الوقف وتقييد التصرف بما تحقق فيه الغبطة والمصلحة.
ثامنا: أحوال الوقف من حيث انقطاعه ابتداء ووسطا وانتهاء، وأحكام ذلك من النظر الشرعي.
تاسعا: الوصية في إفرادها ما يعتبر وقفا بعد الوفاة، وهي مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة.
عاشرا: ما يجتمع فيه الوقف مع الوصية من أحكام وما يختلفان فيه.
الحادي عشر: الإجراءات الشرعية والتنفيذية للأوقاف في المملكة فيما يتعلق بالتصرف بها باستغلالها واستثمارها وتنميتها وبيعها وشرائها واستبدالها، وضرورة توافر شروط الغبطة والمصلحة في ذلك التصرف، وأن الاختصاص في ذلك لجهات ثلاث على سبيل التدرج في الاختصاص والولاية، وهي:
- إدارة الأوقاف في منطقة الوقف.
- مجلس الأوقاف الفرعي في منطقة الوقف.
- المجلس الأعلى للأوقاف.
ثم بعد انتهاء إجراءات التصرف تقدم الأوقاف طلبا إلى المحكمة بالنظر في إجازة هذا التصرف لصدور صك شرعي بذلك يخضع لقرار التمييز نحوه.
وفي وزارة الأوقاف في المملكة العربية السعودية مجلس أعلى للأوقاف له اختصاصات تتعلق بالإشراف العام على الأوقاف ومتابعتها وإقرار تصرفات الوزارة بشأنها. ولهذا المجلس نظام يحدد اختصاصه ومسؤوليته، ويلتزم أعضاؤه بالتقيد في جميع القرارات الصادرة منه.
هذا في الواقع هو ملخص البحث الأول، وهو موجود بين أيديكم حفظكم الله.
البحث الثاني بعنوان: (استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة) للأستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي، أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة والقانون بجامعة قطر. بدأ البحث بالتعريف ب الاستثمار لغة واصطلاحا، ثم حكم استثمار الأموال بصفة عامة وأن ذلك جائز ومشروع، والاستدلال على ذلك بعموم نصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم انتقل إلى استثمار الوقف، والطرق التي يمكن أن يستثمر الوقف عن طريقها، وذكر - حفظه الله - مجموعة طرق للاستثمار القديم هي: الإجارة، والتحكير، والمرصد، ثم ذكر تسعة طرق للاستثمار الحديث بدأها بالإجارة الطويلة الأمد مع الوعد بالتمليك، ثم المزارعة، ثم المساقاة، ثم المضاربة، ثم المشاركة، ثم الاستصناع، ثم المرابحة، ثم سندات القراض، ثم سندات أخرى تقتضيها المستجدات الحديثة.
وقد لفت نظري أن بعض هذه الطرق قد تقضي على رقبة الوقف وذلك في حال تأجيره تأجيرا مع الوعد بالتمليك، وكذا أي طريقة تكون نهايتها انتهاء الوقف وانتقال رقبته إلى مالك آخر.
ثم تحدث بعد ذلك عن الشروط العامة للاستثمار، وأنه يجب أن تكون محققة للغبطة والمصلحة.
ثم تحدث عن الشخصية الاعتبارية للوقف، وأثرها في حكم التصرف فيه، وهل للوقف ذمة واحدة أو ذمم متعددة؟
البحث الثالث بحث بعنوان: (استثمار موارد الأوقاف) ، لفضيلة الشيخ خليل الميس، مفتي زحلة والبقاع في لبنان.
بدأ فضيلة الباحث بحثه ببحث الاستبدال وأنه صيغة من صيغ استثمار الأوقاف، واستعرض آراء فقهاء المذاهب الأربعة في حكم الاستبدال، وأن ذلك مشروط بتحقق الغبطة والمصلحة في ذلك مع مراعاة أن يكون البدل مما تتحقق فيه الغبطة والمصلحة مع بقاء الرقبة (رقبة الوقف) .
ثم ذكر فضيلته فصلا يتعلق بالاستدانة على غلة الوقف المستقبلية، وكأنه - حفظه الله - يرى أن هذا نوع من استثمار الوقف وتنميته.
ثم تحدث عن استثمار الوقف بطريق الإجارة والمساقاة والمزارعة وعن طريق العقود ذات الإجارتين.
ثم تحدث عن صيغ حديثة لـ لاستثمار مثل الاستصناع، والإجارة التمويلية لبناء الوقف، وسندات المقارضة، والاستثمارالذاتي للوقف ببيع بعضه لبناء باقيه.
وقد أكد فضيلته ضرورة العناية بالأوقاف وأخذ الحيطة من كل صيغة من الصيغ الحديثة لاستثمار الأوقاف عن طريقها، حيث إن مجموعة صيغ ظهرت في العهد العثماني صارت سببا في ضياع كثير من الأوقاف مع أن التعريف العام للوقف: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
البحث الرابع بعنوان: (وقف النقود في الفقه الإسلامي) ، لفضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور بدأ - حفظه الله - بخطبة الرسالة وهي خطبة مباركة استغرقت صفحتين كانت معبرة عن غيرة فضيلته الإسلامية وحرصه على الأخذ بما يحبه الله ويرضاه وتتحقق للمسلمين به العزة والرفعة، وقد لخص فضيلته بحثه بخاتمة قد يكون الاقتصار على ذكرها آية الأمانة في العوض فنقول: ذكر أن خلاصة بحثه:
أولا: دراسة جديدة ومقارنة في مذاهب الفقه الإسلامي مدارها ومحورها الوقف بعامة تعريفا وتأصيلا، مع مدخل إلى البحث، ولمحة عن وقف المنقول من الأموال الثابتة، وأقاويل الفقهاء فيه، وترجيح العمل به لدى الجمهور تبعا لترجيح قول المالكية بعدم اشتراط التأبيد في الوقف.
ثانيا: قضية لزوم الأموال الثابتة أو (الأصول الثابتة) للوقف، ثم قضية وقف النقود، وتخريجها لدى من أجازها من الفقهاء. وتحدث عن فقه المسألة، وتخريجها لدى القائلين بالجواز. ثم تحدث عن صور وقف النقود، وما صح منها شرعا وما لم يصح. ثم رجح العمل بالوقف النقدي وأدلته. وكان خاتمة البحث الحديث عن دور الوقف النقدي في التنمية.
ثالثا: طرق استثمار الوقف النقدي بأساليب العصر، فذكر الصور التقليدية التي ذكرها الباحثون المعاصرون، ووضع مشروعا بديلا وهو عبارة عن ورقة عمل للمناقشة، ثم تحدث عن سبل إدارة الوقف النقدي وتنميته واستغلاله، ثم عن آثار الوقف النقدي ومنافعه لدى الباحثين المعاصرين.
هذا ما توصل إليه فضيلته.
البحث الخامس بحث بعنوان: (الوقف النقدي لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرة) للأستاذ الدكتور شوقي أحمد دنيا، أستاذ ورئيس قسم الاقتصاد في كلية التجارة بجامعة الأزهر بمصر.
بدأ سعادته بحثه - بعد المقدمة - بالحديث عن الوقف بين خبر اضمحلاله والحاجة إليه. فتحدث فضيلته عن الأوقاف في العالم الإسلامي والتفريط في غالبها حتى اضمحلت. وذكر أسباب هذا الاضمحلال، وكان - حفظه الله ووفقه - يرى أن بعض الشروط التي ذكرها فقهاؤنا القدامى كانت سببا في هذا الضياع. ولا شك أن ما ذكره محل نظر وتأمل، إذ لا شك أن الشروط التي ذكرها فقهاؤنا كانت تؤكد على سلامة الأوقاف من التعرض لها بما يقضي عليها أو على رقابها أو بما يخرجها عن حكمة مشروعيتها. فالوقف مشروع ليكون صدقة جارية، ولا يكون صدقة جارية إلا إذا كان على جهة بر. كما أن الوقف مشروط فيه بقاء عينه وتسبيل منفعته. فشروط الفقهاء تعني التأكيد على هذين الأمرين المهمين.
ثم ذكر سعادته الحاجة إلى دور فعال للوقف، وأيد قوله بما استغرق من البحث مجموعة صفحات. ثم تحدث عن الوقف النقدي وأيده، وذكر طرق إنشائه وتكوينه واستثماره والجانب الإداري لتنظيمه، ومجالات استثماره في صناديق استثمارية. وختم بحثه بخلاصة تعطي الإطار العام للبحث، فجزاه الله خيرا.
البحث السادس بعنوان: (استثمار الأوقاف في الفقه الإسلامي)، للدكتورين: محمود أحمد أبو ليل، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة، قسم الدراسات الإسلامية، ومحمد عبد الرحيم سلطان العلماء، مساعد عميد كلية الشريعة والقانون لشؤون البحث العلمي والأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية.
بدئ البحث بمقدمة - في تعريف الاستثمار في اللغة والاصطلاح، ثم بدأ الفصل الأول من البحث بذكر مجموعة من أحكام الوقف فيما يتعلق بشروطه، ثم انتقل البحث إلى ذكر أحكام بيع الوقف واستبداله، ثم انتقل إلى أحكام عمارة الوقف من غلته أو الاستدانة عليه، ثم إلى وقف النقود وإمكان ذلك من عدمه، ثم استثمار النقود الوقفية، وطرق استثمارها. ثم انتقل إلى طرق استثمار العقارات الموقوفة بالمزارعة والإجارة والتحكير والكدك وهي استثمارات قديمة. ثم انتقل إلى الاستثمارات الحديثة ومنها: سندات المقارضة، والمشاركة المتناقصة، وعقود الاستصناع. ثم ختم الباحثان بحثهما بتوصيات أكدا على ضرورة العناية بالوقف والحفاظ عليه وتنميته بأي طريق من طرق التنمية القديمة أو الحديثة إذا لم يترتب على ذلك إضرار بالوقف.
وألاحظ على البحث ملاحظات خفيفة وهي:
1 -
أن الباحثَين - حفظهما الله - لم يستهلا بحثهما بالبسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ (بسم الله) فهو أبتر.
2 -
التوصية بوقف السندات: ومعروف أن السندات هي في الواقع الغالب والاصطلاح الشائع سندات بنقود مدينة على من هي عليه، ومعروف أن هذه السندات لها عوائد ربوية، فكيف نجيز وقف السندات التي مآلها أو عائدها أمر حرام؟ ! . ولا شك أن الوقف هو صدقة جارية، وصدقة يراد منها الخير لأصحابها.
3 -
توصية بمخالفة شروط الواقف إذا اقتضت ذلك مصلحة الاستثمار.
هذه في الواقع الملاحظات، ومخالفة شرط الواقف لا يمكن أن تخالف إذا كانت مصلحة الوقف تقتضيه.
في الواقع وعلى كل حال أعتذر للإخوة الباحثين في إنني أشعر بأنني قصرت في عرض بحوثهم، وذلك أنها لم تصلني إلا صباح هذا اليوم، وهي في الواقع ستة بحوث، وفي نفس الأمر - حفظكم الله - لا شك أنها بحوث لها اعتبارها وقيمتها، ولا شك أن أصحابها - حفظهم الله - قدموا من الجهد العلمي الشيء الذي يشكرون عليه، أسال الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه وأعتذر عن التقصير مرة أخرى.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
***
التعقيب والمناقشة
التعقيب والمناقشة
الشيخ آية الله محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه.
قبل كل شيء أرفع يد الضراعة لله - جل وعلا - أن يمن على شيخنا وكبيرنا الشيخ الدكتور بكر بالعافية والصحة والقدوة والقوة إن شاء الله. وأعلن فرحي بلقاء السادة العلماء مرة أخرى، والحقيقة اجتماعاتنا تشكل نقاط مضيئة في حياتنا والحمد لله.
كمقدمة أقول: إن الإسلام - وخلافا لتركيز الرأسمالية على الملكية الفردية وتركيز الاشتراكية على الملكية العامة - آمن بالملكيتين معا كأصل يقومان إلى جنب بعضهما البعض ويؤديان دورا لكل منهما، وكذلك وضع نظاما للانتقال من ساحة الملكية الخاصة إلى الملكية العامة وبالعكس إلى الملكية الخاصة، ووضع نظام الوقف كجزء من أحد الطرق التي تنقل الملكية الخاصة إلى الملكية العامة بأروع أسلوب، مستفيدا من الدوافع الذاتية الدينية للإنسان بحيث يتأبد هذا النقل، تنتقل الملكية الخاصة لصالح الملكية العامة أو مجموعة أعم من الفرد وتبقى إلى الأبد إذا اشترطنا التأبيد في إطار الملكية العامة. وهذا أسلوب رائع وواقع يحتاج إلى دراسة وإلى عرض وإلى توعية جماهير الأمة والأغنياء ليشعروا كيف يستطيع الإنسان أن يؤبد خدمته ويؤبِّد الحصول على الثواب من خلال الوقف. وربما لا نجد هذا النظام في سائر الأديان أو التشريعات الأخرى. هذه مقدمة.
النقطة الأخرى: الأستاذ شوقي أحمد دنيا أشار إلى عوامل اضمحلال الوقف، وجعل من العوامل ضبابية الموقف الفقهي، وَعَدَّ من الشائعات مسألة عدم أمكان وقف النقود، وعدم أمكان التوقيت، وأن الوقف يجب أن يكون على سبيل اللزوم، وعدم أمكان استبدال الوقف، ومسألة اهتمام شروط الواقف. والحقيقة أنا شخصيا أخالفه، هذه ليست شائعات، فهذه فتاوى قوية لها أصولها، وجماهيرنا وعلماؤنا وأغنياؤنا على مر التاريخ كانوا يؤمنون بهذه الأمور ويوقفون. لم يكن الإيمان بهذه الأمور سببا في اضمحلال الوقف وهي أمور لها أصولها الشرعية، وأما ما أدى إلى اضمحلال الوقف وانحسار دوره ما رآه المسلمون أو ما رآه ذوو الأموال من أن الحكومات كانت تغير مقاصدهم وينصرف الوقف إلى أمور أخرى، الأمر الذي زهدهم في هذا العمل العبادي والذي أنا أؤكد على عباديته وأشترط على مسألة قصد القربة فيه.
النقطة الأخرى: وهي مسألة وقف النقود أصر عليها الأستاذ شوقي دنيا والبعض من الباحثين الكرام، ولكننا لا نتصور صحة الوقف في النقود لأن التحبيس هنا لا يصدق، والتسبيل إنما يكون للثمرة، وأصل النقد لا يبقى؛ إذا اشتري به شيئا فهو يذهب وإذا أقرض أيضا تنتقل ملكيته. النقود لا يمكن أن أتصور فيها تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وهذا ما عليه الإمامية على مر التاريخ، والنص الذي ينقله الدكتور شوقي دنيا عن الإمام المرتضى أدل على خلاف ما يقصد، لكن أعتقد أنه ليست هناك مشكلة، هناك بدائل كثيرة تحقق الغرض دون أن نقع - على الأقل - في مسألة خلافية، يعني يستطيع صاحب الأموال أن يشتري بها بيتا أو يشتري بها مؤسسة معينة ويوقف هذا البيت للهدف الذي يقصده، أو يستطيع صاحب هذه الأموال أن يهب هذه الأموال إلى مؤسسة، ونحن نقول بأن المؤسسات أو الشخصيات الحقوقية يمكنها أن تملك خلافا لمن يرفض ذلك، وهي على ملكية موقوفة على شخصيات حقيقية. يهب أمواله إلى هذه المؤسسة ويشترط - نحن نجيز الاشتراط في الهبة - في الهبة أن تكون هذه الأموال تستعمل للإقراض المستمر على مر التاريخ بشكل مؤبد.
النقطة الأخيرة: مسألة الاستثمار، نحن يجب أن نلتزم بالقاعدة المعروفة (الوقوف على ما أوقفها أصحابها) ؛ شروط صاحب الوقف يجب أن يلتزم بها، فإذا كان صاحب الوقف قد سمح بمسألة الاستثمار فليست هناك مشكلة، أما إذا لم يسمح لا نستطيع أن نتعدى هذا الشرط وهذا الغرض إلا أن يكون هناك حاكم شرعي له الحق في أن يتجاوز الأمر بمقتضى ولايته، ولو استثمرنا هذه الأموال فخسرت فعلينا الضمان لأننا تعدينا عن شرط الواقف، فعلينا الضمان وهذا الضمان ناتج من التعدي.
هذا ما توصلت إليه، وأسأل الله أن يكون فيه الخير وأعتذر. والسلام عليكم.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
معالي الرئيس: لا بد لي في بداية حديثي من أن أطرح نقطة نظام.
لقد طرح هذا الموضوع (استثمار الأراضي الوقفية أو صور استثمار الأراضي الوقفية) في الدورة الماضية، ولم يبت المجمع في العديد من الصور التي طرحت واقترح في حينه أن يعرض الموضوع بشموله، وأُجِّلَ إلى هذه الدورة، لكن عندما وزعت الأوراق التي تتعلق بهذا الموضوع والكتابة فيه كانت قضية استثمار الأراضي الوقفية جزئية من بناء كبير، حيث لدينا العديد من المسائل التي تحتاج إلى نظر وإلى تحرير وإلى بيان الحكم في كثير من أوضاع المؤسسة الوقفية في هذا العصر، بهدف الوصول إلى رسم تصور للمؤسسة الوقفية يعينها على أداء مهامها الكبرى في إدارة الوقف وفي استثماره، وفي تحقيق مردوده لخير المجتمع.
وقد لاحظت أن بحثا واحدا من البحوث التي قدمت في هذه الدورة يتعلق بالموضوع بشموله، وهو بحث أستاذنا الجليل الشيخ عبد الله بن منيع عن الأوقاف - هكذا عنوانه - وأحكامها، وأقسامها، ومواردها، ومصارفها، وليس منها موضوع الاستثمار، مما يعني أن الأمر قد اتضح بأن البحوث يجب أن تتصدى إلى جملة كبيرة من القضايا وردت في الورقة التي وزعت مما يجب أن يعنى به الباحثون في هذا المجال.
وعلى ضوء ذلك كتبت بحثا موسعا حول هذه الآفاق فيما يتعلق بإدارة الوقف في هذا العصر وسميته: (المؤسسة الوقفية المعاصرة، تأصيل وتطوير) ، وأيضا كان أحد البحوث الموزعة بالشكل الذي أشرت فيه في هذا اليوم ولم يشر إليه أصلا، وبحثي في الدورة السابقة عن صور استثمار الأراضي الوقفية لم يلحق بالبحوث المقدمة إلى المجمع. فعلى أي من الاجتهاديين ذهبنا، كان لا بد في الواقع أن يكون في هذه القائمة أما بحث صور الاستثمار، وليس فقط بحثي، أظن هنالك بحوث أخرى كان يجب أن يعاد عرضها في هذا اللقاء، لأنها تتصدى لهذا الموضوع، ومن الجميل أن تتعدد البحوث لنصل إلى قناعات وقرارات أو توصيات بهذا الخصوص بشكل دقيق.
لذلك أرجو أن نعالج هذا عندما تخرج بحوث هذا اللقاء في المستقبل.
إذا قصرنا الحديث عن موضوع الاستثمار، فرغم أننا لم نتخذ قرارات في الدورة الماضية، لكن الموضوعات التي تعالج تحت هذا العنوان موضوعات حقيقة بت المجمع أو سيبت في كثير من صيغها وصورها في الموضوعات الأخرى، ولتوضيح ذلك: مشكلتنا في استثمار الوقف، وهو ما كنت قد بينته بشكل دقيق في الدورة السابقة، أن طبيعة الوقف تقوم على حبس العين الموقوفة عن التداول. فالوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، فبالتالي لا بد في الواقع من أن تكون صيغ الاستثمار حافظة لهذه الصفة التي ألمح إليها أستاذنا الشيخ عبد الله قبل قليل؛ أنه في بعض الصيغ التي أشير إليها في بعض الأبحاث لا تحفظ رقبة الوقف، وبالتالي تزول الوقفية بعد أن تتم عملية الاستثمار مثل الإجارة المنتهية بالتمليك، فإذن هذا الذي دفع المجمع للبحث عن صيغ خاصة بعملية الوقف لبعدين: البعد الشرعي العام والذي هو لا بد أن تكون الصيغ مقبولة شرعا، والبعد الآخر لا بد أن تكون الصيغ تحقق هذا المعنى وهو المحافظة على الوقف وديمومته، لأن هذا أهم ثابت في طبيعة الوقف وهو حبس العين وتسبيل المنفعة، فإذا أتينا بصيغة استثمارية نفت هذا المعنى، عند ذلك في الواقع نكون قد ساعدنا في القضاء على الأوقاف، وهذا ما تم في بعض الصيغ التي استحدثت في السابق فأدت إلى تضييع كثير من الأوقاف؛ مثل عقد الحكر على المدى البعيد أدى إلى تضييع الأوقاف، ومشكلات كبيرة فيما يتعلق بتطويره وتنميته، والصيغ التي تقدم في هذا المجال مثل الاستصناع، فقد بت المجمع في موضوع الاستصناع، وكذلك سندات المقارضة وقد بت المجمع في موضوع سندات المقارضة، لأن هذه السندات تحفظ لمالك العقار أو مالك الأرض حقه في عقاره، لكن تتم عملية التنمية بطريقة تطفأ بها السندات فيما بعد، ويظل العقار ملكا للجهة المديرة للوقف على حكم الله تعالى.
المشاركة المتناقصة نحن سنتصدى لها في هذه الدورة وهي صيغة من أنفع الصيغ وأسلمها في استثمار أراضي الوقف.
المرابحة أيضا عالجها المجمع.
عند ذلك كل ما هو مطلوب في الواقع الاختيار من صيغ الاستثمار الإسلامية العامة الصيغ التي تؤدي إلى المحافظة على أعيان الأوقاف ولا تؤدي إلى انتهاء قضيتها إذا استثمرت.
وأما الصيغ التقليدية فضوابطها مقررة في كتب الفقه، فقط المطلوب إخراجها بأسلوب جديد وبعرض جديد ليسهل التعامل معها وفهمها، لأن كثيرا من إدارات الأوقاف في هذه الأيام لم تعد تفهمها كما بينها علماؤنا بشكل دقيق. . . أدى الاستبدال وتبنيه في كثير من الدول إلى ضياع كثير من الأوقاف بحجة أنهم يريدون أرضا أفضل وأحسن فأدى ذلك إلى ضياع كثير من الأوقاف، وواضح أن هذا ليس واردا في البحث عما هو أفضل في الأراضي والبحث عن بديل للأرض التي خربت وبشروط دقيقة وضيقة للغاية، حتى تصان أيضا ديمومة الوقف ولا يؤدي إلى ضياع الأوقاف.
أما الذي نحن بحاجة ماسة له حقيقة ليس فقط الاستثمار، وأنا ألمحت الآن أن الاستثمار ليس عملية معقدة، لأن الصيغ التي تبناها المجمع أو بصدد تبنيها تحل الإشكال، وما على إدارات الأوقاف إلا أن تتصدى لهذا الأمر وتبدأ باستثمار العقارات الوقفية ضمن هذا الأمر، لكن نحن الآن بحاجة إلى معالجة لكثير من المشكلات التي تصادف المؤسسة الوقفية في هذا العصر ما هي الأدلة الشرعية على قيام ما يسمى المتولي العام والذي هو إدارات الأوقاف؟ وما العلاقة بين المتولي العام والمتولي الخاص؟ وكيف تضبط هذه العملية؟
موضوع لزوم الوقف وتأقيته، موضوع ملكية الوقف، مثلا ملكية الوقف لدينا في المملكة الأردنية الهاشمية عالجناها بأنها على حكم ملك الله تعالى، وأن دور وزارة الأوقاف دور المتولي ولا تسمى مالكا لا من قريب ولا من بعيد. موضوع برامج وقفية خيرية متعددة على ضوء شروط الواقفين، كيف تصان هذه؟ كيف ترتب أمورها؟
اختلاط أموال الوقف لدى وزارة الأوقاف؛ ما هي ضوابطه الشرعية؟ وما علاقة ذلك بتنظيمه بشروط الواقفين؟
ضوابط عملية الاستبدال التي أشرت إليها قبل قليل.
استملاك الوقف للمصلحة العامة ما هي ضوابطه؟
كثير من القضايا. . حقيقة لا بد لمجمعنا أن يتصدى لهذا القطاع ككل، ويضع له جملة من الاقتراحات والتوصيات التي تنهض به في هذا العصر، وترود الأمر وتقوده فيما يحقق هذا القطاع وبالتالي خير الأمة إن شاء الله.
من الصيغ التي لاحظت أنه لم يشر إليها موضوع المغارسة في مجال إعمار الأراضي الوقفية، تشكل المغارسة دورا كبيرا ونص عليها كثير من الفقهاء ولم ترد الإشارة إليها في أي بحث من هذه البحوث.
لا أريد أن أطيل إنما أنا أنبه فقط إلى ما أشرت إليه في هذا البحث الذي وزع، وخاصة ما انتهينا إليه من قانون صدر حديثا للأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية في سنة 2001 م، - والذي عرض لكل هذه القضايا التي أشرت إليها بعد أن بحثت في مجلس الإفتاء، وعالج قضية الولاية الخاصة والولاية العامة والوقف الذري، وذلك من الأمور التي طلب منا أن نشير إليها في الورقة موضوع الوقف الذري وهو الآن يشكل قطاعا هاما وخاصة في فلسطين والقدس، ويعتبر الوقف الذري من دعامات صمود المدينة وبالتالي المحافظة على هذا الوقف، لأن بعض الدول توجهت إلى إلغائه، فلا بد في الواقع لمجمعنا أن يتصدى لمثل هذه القضايا.
وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبيد العرقوبي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نشكر حكومة دولة الكويت المباركة لاستضافة هذا المجمع المبارك، ونسأل الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق والسداد.
لي بعض الملاحظات فيما ورد في بحث الشيخ ابن منيع - حفظه الله - بخصوص ما ذكره عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أوقف. . ولم يذكر لنا مدى قوة هذا الحديث، ولا مصدره.
كما جاء في بحث فضيلة الشيخ - جزاه الله خيرا - شروط الوقف: 4 - أن يكون على جهة خيرية يصح تملكها كالفقراء والمساكين، والأقارب، والمساجد، والقناطر، إذ لم يكن هناك بالنسبة لهذه الجهات التي تستفيد من ناحية الوقف النقدي، فكيف نستطيع أن نواجه هذه المتطلبات الحديثة التي يتطلبها مجتمعنا في العالم الإسلامي وفي العالم أجمع؟ لأن هناك كثيرا من المراكز والمدارس والجامعات والمستشفيات وحفر الآبار وكفالة الأيتام إذا لم تكن هذه عن طريق النقد فكيف سنعالج هذه المسالة؟ والشيخ ابن منيع - حفظه الله - لم يذكر شيئا عن وقف النقود، وذكر الأستاذ الدكتور شوقي دنيا وقف النقود، ونحن في مجتمعاتنا الإسلامية نحتاج الآن إلى بحث هذه المسألة بحثا جيدا، ونخرج بتوصيات بخصوص ما يدره وقف النقود على هذه المؤسسات، لأن هناك مؤسسات تبنى بمبالغ لا يستطيع شخص واحد أن يوقف من أجلها، لا بد من اجتماع عدد من الواقفين أو عدد من المؤسسات حتى تستطيع أن تؤدي هذه المؤسسات خدماتها بإيقاف هذه النقود لصالح تلك الجهات التي يستفيد منها العالم الإسلامي.
كما ذكر الدكتور العبادي - جزاه الله خيرا - في بحثه بخصوص الوقف أن يكون مؤبدا، فليصحح لي الدكتور إذا كنت مخطئا في هذا، أعتقد أنه بالنسبة للوقف المؤبد في وقتنا الحاضر نعاني منه، نحن في وزارات الأوقاف نعاني من هذا الموضوع، لأن هناك في بعض الأوقاف خاصة في العقارات أو الأراضي تكون في أماكن بعيدة جدا، وتكون غير منتفع بها، ويصرف عليها أكثر مما يجبى منها، فيجب إعطاء شيء من حرية النظر فيمن يقوم على هذه الأوقاف بأن يتخذ القرارات التي تتناسب مع وقف هذه الأموال، لأن كثيرا منها أراضي زراعية وأراضي في أماكن بعيدة وموقوفة، فلا تفي بالأغراض التي أوقفت من أجلها. فإيجاد حل لهذه المسائل وأن يكون الناظر يختار الأنسب وأن يتصرف فيها، فأعتقد أنه لا بد أن ننظر فيها نظرة جدية.
كذلك بالنسبة للاستثمار في النقود، لأن معترك الحياة فيها، وهي تشجع المسلمين وتشجع المؤسسات الإسلامية بهذه النقود التي توقف. إذا كان شخص أوقف - مثلا - عشرة آلاف أو مائة ألف لمسجد ما أو مدرسة ما؛ فهذه لا بد أن نجد لها حلا، وهذه الآن في وقتنا الحاضر هي التي نعايشها وتتطلب منا أن نجد الحل الشرعي لها.
وجزاكم الله خيرا، وشكرا لكم.
الرئيس:
تعلمون أن هذا الموضوع أُجِّلَ في الدورة الثانية عشرة للفقرات التالية:
استثمار الوقف، وقف النقود، الإبدال والاستبدال، خلط الأوقاف، التفرقة بين الوقف، و. . . وفي الواقع أنا لا أدري في أي موضع نبحث الآن، لأن إدخال بعضها في بعض متعذر، لا بد لكل موضوع أن يميز ويفرد له جلسة، أو موضوعات يفرد لها جلسة، أما هذه الموضوعات الخمسة يخلط بعضها في بعض وهي لم تبحث جميعها، فهذا فيه شيء من الصعوبة. إضافة إلى أن العنوان (استثمار موارد الأوقاف) ، فاستثمار الموارد ليس مثل استثمار الوقف.
فأنا أرجو أن يحدد موضوع المناقشة للموضوع الذي ترونه حتى نصل فيه إلى نتيجة مرضية.
الشيخ علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم
فعلا لا بد أن يحرر - كما يقال - محل النزاع، وأنا أعتقد أن معظم البحوث تركزت على موضوع الاستثمار، فلو وصلنا في هذه الدورة إلى بعض القضايا الأساسية في موضوع الاستثمار، استثمار موارد الوقف الذي تفضلت به غير استثمار الوقف، أو استثمار الوقف وموارده.
الرئيس:
البحوث لم تتطرق جميعها لاستثمار موارد الأوقاف، هي ركزت على استثمار الوقف، هذا بدون مؤاخذة لا يحتاج إليه المجمع، ومعلوم لدى المسلمين قضية استثمار الأوقاف، أما استثمار موارد الأوقاف لا يوجد فيه شيء مقنع يكون - كما يقولون - أرضية للمناقشة، أنا لا يوجد شيء إمامي.
الموارد الآن، أذكر لكم مثالا: في أحد البلدان موارد الأوقاف تصل إلى ثمانمائة مليون، كيف تستثمر هذه الموارد، الريع أو غلتها؟ ثم هذه الموارد هل تدخل في قضية خلط الأوقاف، بمعنى خلط الموارد أم لا؟ لأن الوقف إما أن يكون حرا طليقا أو يكون مخلوطا. ومعلوم كلام الفقهاء على أنه إذا كان طلقا لا يجوز.
الشيخ علي محيي الدين القره داغي:
بعض البحوث تطرقت إلى أمرين: إلى استثمار الوقف نفسه كما أشار إليه الدكتور العبادي في مسألة قضايا العقارات والزراعات وما أشبه ذلك، ثم بعد ذلك طرق الاستثمار نفسها هي تتناول موارد الوقف، وكذلك تتناول وقف النقود أو بعض الأشياء التي تخص الموضوع، فإذن إذا نحن وصلنا إلى أن النقود توقف فنصل فيها إلى مجموعة كبيرة من الأشياء، كذلك حتى الإيجار المنتهي بالتمليك أو المشاركة المنتهية بالتمليك بالنسبة لوقف النقود فهو ماش معها، ولا يتعارض مع ما قاله فضيلة الشيخ ابن منيع، فهاتان المسألتان أظن أنه عندما تبحثان ويركز عليهما النقاش! أعتقد أننا سوف نصل فيها إلى نتيجة، إضافة إلى مسألة الاستبدال، ربما الاستبدال نستبعده الآن لكن استثمار الوقف. . .
الرئيس:
ما المسألتان؟
الشيخ القره داغي
استثمار موارد الوقف، وطرق هذا الاستثمار.
الرئيس:
استثمار موارد الأوقاف لا توجد فيه بحوث مركزة، وموارد الأوقاف لا تحتاج إلى بحث فيها ثم إن استثمار الأوقاف موجودة في الدورة التي عقدت في الأردن في الدورة الثالثة.
الشيخ القره داغي:
هناك بعض الأشياء مثل وقف النقود، وكيفية الاستثمار، والصيغ الجديدة.
الرئيس:
صدر فيها قرار المجمع.
الشيخ عبد السلام العبادي:
تأكيدا لكلام معاليكم؛ موارد الأوقاف حقيقة لا تطرح للمناقشة من حيث الاستثمار، لأن موارد الأوقاف هي المنفعة التي تسبل، المنفعة هذه يجب أن تدفع لمستحقيها، وإذا توجهنا إلى تشجيع استثمارها فإن ذلك يعني أن يمنع المستفيدون من هذه الموارد، أما في وقف النقود هذا موضوع آخر تستثمر مثل ما هو جائز شرعا، ونحن تكلمنا في المجمع عبر مسيرتنا الطويلة بصيغ كثيرة لاستثمار الأموال بما هو جائر شرعا في إطار كل ما يمكن الاستثمار فيه، مثل الصيغ المستخدمة في البنوك الإسلامية أو نحو ذلك، لكن مشكلتنا حقيقة نبتت أين؟ عندما بحث موضوع سندات المقارضة، إذا كنتم تذكرون، اقترحت الندوة هناك جملة من الصيغ طلبت أن تدرس فيما بعد لتكون أيضا بدائل متاحة لجهة الوقف، لتستثمر الوقف بطريقة المحافظة على عينه حتى لا تضيع الأوقاف من خلال استثمارها، واقترح صيغ بمسيرة المجمع أيضا، كثير من هذه الصيغ عولجت بالبحث وبت في أمرها، مثل موضوع المرابحة، والاستصناع، هذه كلها صيغ تنفع لاستثمار الأوقاف، بقي عندنا موضوع المشاركة المتناقصة، وهذا مطروح في هذه الدورة وإن شاء الله يتخذ فيه قرار.
الرئيس:
استثمار موارد الأوقاف التي تبحث ليست الأوقاف التي على معين معلوم مصرفها، هذه ليست محل بحث، هذه تذهب إلى الجهة التي عينها الواقف. لكن المجهولة الآخر والأوقاف التي ذكرت لكم هي الأوقاف المجهولة والتي يجهل مصارفها، لأنه هو وقف لكنه فقدت وثيقته أو حصل له شيء من هذا القبيل.
الشيخ حمزة الفعر:
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمد الله وأثني عليه، وأصلي وأسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم.
أشكر للإخوة الباحثين جهدهم فيما قدموه، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به.
الحقيقة من خلال اطلاعي على عدد من هذه البحوث وجدت أن بعض الإخوة الباحثين شنوا هجوما قويا على ما ذكره العلماء رحمهم الله من شروط للوقف، متذرعين لذلك بأن هذه الشروط لم ينص عليها شرعا، وأنا قد أتفق معهم على أنه لم ينص على هذه الشروط، ولكن العلماء رحمهم الله استنبطوها من مضامين هذه النصوص، وأخذوها أيضا من عقود أخرى شرعية، جمعت هذه الشروط ووضعت لمصلحة هذا العقد الذي هو الوقف. وأضرب لذلك مثلا بالحديث الصحيح الذي ذكر فيه النبي عليه الصلاة والسلام وصيته لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في مسألة أرضه، قال له:((إن شئت حبست أصلها)) .
والعلماء عندما نظروا في قضية التحبيس هذه فهموا منها - وهذا هو الشيء المتبادر إلى الفهم - أن التحبيس لا يكون إلا في شيء ثابت باق، فمن هنا قالوا: إنه يشترط للوقف أن يكون في عين باقية، فيعني أن نَكُرَّ على هذا ونقول بأن هذا الكلام لا يصح وأنه لا مانع من وقف النقود، وأنه لا مانع من وقف الأشياء الأخرى، هذه مسائل تقبل الاجتهاد، ولكن أظن أن هذه الصور هي صور من صور التبرع، وليس الوقف هو الصورة الوحيدة للتبرع في الفقه الإسلامي ولكنه صورة لها ضوابط خاصة، كالوصية مثلا أو كالكتابة أو غيرها، بمعنى أن هذه الأمور لها ضوابط ولها شروط خاصة لا يمكن أن نلغيها نظرا لوجود شروط أخرى في صورة أخرى من صور التبرع، أو عدم وجود هذه الشروط في صورة أخرى من صور التبرع. نعم نحن يمكن أن نبحث في بعض الصور الخاصة وفي بعض المسائل الجديدة التي جدت في قضية الأوقاف، ولكن من غير أن نكر بهذا الهجوم الكاسح على ما ذكره العلماء حتى لا نورث لدى بعض السامعين أو القارئين بأن هذه الأمور لا صحة لها ولا يمكن الاعتماد عليها.
القضية الأخرى، هي أن الإخوة الذين بحثوا في قضية وقف النقود رأوا أن هذه المسألة يمكن الاعتماد عليها، ويمكن النظر فيها الآن، وهي مسألة ملحة ومسألة هامة، ونقول بأنه لا شك في أن النقود هي عصب الاقتصاد وعصب الحياة في هذه الأزمنة وفيما مضى، ولكن يمكن أن يعالج هذا بصورة أخرى من صور التبرع.
النقطة الثالثة هي قضية شروط الواقفين، وما ذكره بعض الإخوة من أن هذه عطلت وعرقلت مسيرة الوقف وربما قللت من الإفادة منه، وقد يكون هذا الأمر صحيحا في بعض الصور ولكني أقول في ظل كثير من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتغيرة: إن هذه الشروط هي التي حافظت على أعيان الأوقاف في كثير من الأوقاف، ولولا وجود هذه الشروط وهذه التقييدات لضاعت هذه الأوقاف.
أنا أشكر الإخوة جميعا وأرجو أن نناقش الموضوع من هذا المنظور أننا نعتبر حديث العلماء رحمهم الله ونعتبر أن هذه الأمور - الشروط التي وضعوها - ما وجدت من فراغ، وإنما وجدت استنادا إلى فهم صحيح في نصوص الشرع، وعندما نريد الآن أن نحدث صورا جديدة من صور الاستثمار أو صور التبرع هذا ليس بممنوع، وهذا يمكن النظر فيه، والحمد لله أدلة الشريعة ومقاصدها تسمح بالشيء الكثير من ذلك، ولكني أرجو أن نعتبر للعلماء جهودهم وأن نقدر لهم ما وضعوه من هذه الشروط، وأنها لم تأت اعتباطا لي إنما جاءت وفق أدلة كثيرة واعتبارات عديدة.
أسأل الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ عبد العزيز الخياط:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
إخوتي العلماء الأفاضل، أحب أن أتناول مسألة مهمة جدا تعرض إليها إخواننا الباحثون وهي مسألة الحكر أولا، حيث تعرض لها الدكتور خليل وتعرض لها الدكتور عبد السلام العبادي. الحكر هذا ابتدعته الدولة العثمانية في أخريات أيامها نظرا لإهمال الأوقاف وعدم الاعتناء بها وعدم استبدالها، وقالوا بجواز تحكير أراضي الوقف، وجعلوا التحكير لمدة تسعين سنة حكروا كثيرا من أراضي الأوقاف وخاصة في فلسطين والأردن، وهذه الأراضي التي حكرت أو الأبنية التي أعطيت لمدة تسعين سنة - كما يعرف بعض إخواننا في القدس - كثير منها ضاعت، وحاولت الأوقاف استرداد بعضها فلم تتمكن، وبعضها حكرت إلى جهات أجنبية وتحولت إلى أديرة، كالدير الذي أمام باب الأصوات في القدس، وكذلك حكرت أراض وذهبت ونسيت، ولما جاء وقت تسليمها إلى دوائر الأوقاف وإلى وزارة الأوقاف قامت هناك صعوبات كثيرة، حكرت مثلا أراضي الأوقاف التي في جنوب الأردن، وحكرت أراض أوقفت على شهداء مؤتة، وكان أجر الدونم الواحد (1000 م 2) في السنة خمسة مليمات، وأذكر أنه عندما توليت وزارة الأوقاف حاولنا مع مجلس الأوقاف الأعلى في الأردن في السبعينيات، وأخذنا قرارا يمنع تحكير الأراضي لمدة طويلة، ومنع تحكير الأراضي للأفراد وإنما تعطى الأراضي لمؤسسات أو لدوائر أو للحكومة على أساس أن تستغلها لمدة ثلاثين عاما تؤول بعدها إلى وزارة الأوقاف وتعود إلى ملكية الوقف.
فأنا أرى وأوصي أن يتخذ قرار في الحكر بمنعه أو ما يراه المجمع الكريم في هذا الموضوع، لأن ذلك التحكير لا يزال في كثير من البلاد العربية والإسلامية وخاصة في بلاد الشام.
النقطة الثانية: عطفا على ما ذكره الإخوة الأفاضل في مسألة النقود ووقف النقود: الواقع أنا أرى بحكم التجربة التي رأيناها أن وقف النقود قد يؤدي إلى ضياع النقود، وقد يؤدي إلى عدم بقاء أصل الوقفية كما رأينا في عصرنا الحديث في عدة دوائر ومؤسسات حصل فيها وقف للنقود، أرى أن يعاد النظر فيما ذكره الفقهاء، وتوضع ضوابط مشددة تمنع استعمال النقود وذهاب أصل النقود.
وشكرا لكم.
الشيخ حسن الجواهري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
السلام عليكم ورحمة الله
هناك في الوقف أصل متفق عليه بين الفقهاء؛ وهو عدم جواز تفويت عين الوقف واحترام ألفاظ الواقف وشروطه، ولكن هناك من الباحثين من يحاول أن يتجاوز هذا الأصل، بحجة أن الشريعة مبتنية على المصالح ودرء المفاسد، وقد غفل عن أن معنى ابتناء الشريعة على المصالح ودرء المفاسد أن الشارع المقدس لا يشرع حكما على نحو الوجوب أو الاستحباب إلا أن تكون في الفعل مصلحة للعباد، واضحة هذه المصلحة أو مستترة، ولا يشرع حكما على نحو التحريم والكراهة إلا وأن تكون في الفعل مفسدة للعباد، فليست أحكام الله بلا غرض ولا غاية، وهذا لا ربط له بالتجاوز على صيغة الوقف وألفاظ الواقف وشروطه، ولا يجوز تفويت عين الوقف التي فيها دليل صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقف الأصل وتسبيل المنفعة، لأن تلك القاعدة التي ذكروها يتكلم فيها عن مصلحة تشاريع الله سبحانه وتعالى إذا كانت وجوبا أو استحبابا، ويتكلم فيها عن مفسدة الأفعال التي ينهى عنها الشارع، فهي قاعدة لتوضيح ملاكات أحكام الشارع، وليس له ربط بألفاظ الواقف أو نيته والمصلحة التي يتوخاها من الوقف، هذا شيء لا بد من الانتباه إليه، إذا اتبعنا المصلحة التي يتوخاها الواقف حسب فهمنا فسوف يكون عندنا فقه جديد بعيدا عن الدليل، لأننا نتجاوز صيغة الوقف التي أوقفها الواقف وذكر لها شروطا معينة.
من أين نعرف قصد الواقف الذي نريد أن نتصرف في الوقف حسب مصلحة قصده؟ وهل نحن مسئولون شرعا عن نص الواقف؟ أو مسئولون عن قصده الذي نتصوره نحن ونستنبطه؟ ثم ألا يمكن القول بأن الألفاظ التي تكلم بها الواقف هي الكاشفة عن قصده فنلتزم بها ولا نتجاوزها؟ إذا كان هناك غرض للواقف لم تكشف عنه الألفاظ كما يزعم، فما هو الضابط له؟ قد يقال: إن غرض الواقف يكون الموقوف عينا خاصة لا يريد أن تتغير، وقد يقال: إن غرض الواقف بكون منفعة الوقف مقدارا معينا دون تعلق غرض بالعين، وقد يقال: إن غرض الواقف خصوص الانتفاع بثمرة الوقف كما لو وقف بستانا لينتفع بثمرته، حتى لو عرفنا الضابط لقصد الواقف فما هو الدليل على وجوب ملاحظة مقصود الواقف وغرضه إذا كان مخالفا للصيغة التي أوجدها هو باختياره؟ ألا يكون اتباع مقصود الواقف هنا خارجا عن قاعدة: الوقوف حسب ما يوقفها أهلها، أو قاعدة: لا يجوز بيع الوقف، أو قاعدة: لا تدخل غلة الوقف في ملكك؟
إذن الوقف إذا كان موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلا مدلول كلام الواقف.
نعم إذا وجدنا دليلا شرعيا على جواز بيع الوقف كنص من السنة فهو الدليل على جواز البيع والإبدال والاستبدال، ويأتي هنا بعد هذا الدليل على جواز الاستبدال، يأتي الكلام عن وجوب اتباع مصلحة الموقوف عليهم لا نص الواقف، بعد وجود الدليل على جواز الإبدال والاستبدال هنا يأتي البحث في اتباع مصلحة الواقف وعدم اتباع وقفيته، لأن عدم تبديل الوقف حكم شرعي كان للصيغة التي أوجدها الواقف، فإن وجدنا دليلا على جواز الإبدال حينئذ هذا بدل الوقف وليس وقفا. إذن يجوز أن نلاحظ مصلحة الواقف فيما بعد وجود الدليل على جواز الإبدال والاستبدال. وقد كتبت أدلة جواز بيع الوقف واستبداله التي دلت عليها النصوص الشرعية، إلا أن البحث لم يوزع عليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عمر جاه:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سماحة الرئيس، أود باسم دولتي أن أتقدم بالشكر لدولة الكويت على استضافتها لهذا المجمع للمرة الثانية، والشكر موصول أيضا للمملكة العربية السعودية برعايتها لهذا الجمع.
والقضية المطروحة بعدما استمعت إلى المعلقين أجد نفسي أن ليس عندي الكثير لأقوله، لكن قضية استثمار الأوقاف أو استثمار موارد الأوقاف حيث إنني أميل إلى استثمار الأوقاف، إذا كنا نعنى به، وتكون توصيتنا للمنفعة حتى تكون منفعتها أوسع، إذا كان هذا هو المفهوم والمقصود فهذا شيء وجيه.
وعندي اقتراح أخجل أن أقدمه لهذا المجمع؛ وذلك لأنه خلاف ما هو معروف في المحافل الدولية؛ قررنا على أن نكلف عارضا يعرض علينا أهم الأفكار الواردة في البحوث، وأنا أميل إلى إتاحة الفرصة لكل باحث ولو لخمس دقائق أن يلخص لنا بحثه حتى تكون الفائدة أشمل والأفكار أوضح.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ - عكرمة صبري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
بداية أقترح على لجنة الصياغة التركيز على استثمار الوقف وليس استثمار موارد الوقف، وبالتالي نستطيع أن نحصر الطرق المستحدثة الجديدة لاستثمار الوقف.
نعم الفقهاء سابقا رحمهم الله قد ذكروا بعض أوجه الاستثمار، ولكن في الوقت الحاضر هناك طرق متعددة مستحدثة لا بد من دراستها، فإن كانت تحافظ على عين الوقف نحن نستفيد منها، أما إن كانت تعرض عين الوقف إلى الضياع فنبتعد عنها، هذا أولا.
النقطة الثانية: أثني على ما أشار إليه الإخوة الباحثون في موضوع عقود الأحكار، فأضيف بألا تجرى عقود أحكار جديدة، لأن الأحكار في الوقت الحاضر كما هو ملاحظ أضاعت أراضي وقفية كثيرة، يمكن أن نبرر للدولة العثمانية حينما استحدثت عقود الأحكار في حينه، ولكن الآن نرى أن عقود الأحكار لها نتائج سلبية كثيرة، فلا بد من عدم اللجوء إلى عقود الأحكار، فتوصيتي من شقين في عقود الأحكار:
ا - بأن تصدر الحكومات نظاما أو قرارا بعدم إجراء عقود الأحكار.
ب - إلغاء عقود الأحكار القائمة واستبدالها بعقود إيجارات لمدة لا تتجاوز ما بين (25 - 30 سنة) فقط، لتعود هذه العقارات إلى إدارة الأوقاف.
النقطة الثالثة: حول احترام شروط الواقف. نعم الأصل هو أن نحترم شروط الواقف، ولكن أرى أن تمنح صلاحيات للقاضي الشرعي أو لوزارة الأوقاف بأن تتخذ الإجراء المناسب لمصلحة الوقف إن كانت هناك أمور طارئة، وأن تتجاوز بعض شروط الواقف إن كان ذلك في مصلحة الوقف.
النقطة الرابعة: حول وقف النقود. أثني على الإخوة الذين قالوا بعدم جواز وقف النقود، وإن كانت هناك نقود فيمكن أن يشترى بها أمور ثابتة كشراء عقار أو أرض أو غير ذلك.
النقطة الخامسة: حول الوقف الذُّرْي؛ أرى أن تمنح - هذا بالنسبة للدول التي لا يزال الوقف الذري فيها قائما - المحاكم الشرعية أو وزارات الأوقاف الصلاحيات الواسعة في محاسبة متولي الأوقاف الذرية، لأن الوقف الذري مع مضي الزمن معرض للإهمال والضياع، فلا بد لولي الأمر أن يحسم الموضوع بمحاسبة متولي الوقف، أو أن تتولى وزارة الأوقاف كوكيلة للإشراف المباشر على الأوقاف الذرية.
هذه النقاط سبق لي وأن تعرضت إليها في رسالتي للدكتوراه والتي موضوعها (الوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق) ، ولكن الرسالة لم تطبع بعد، فإن كان هنالك مجال لطباعتها بارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور شوقي أحمد دنيا:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن عمل بسنته واتبع شريعته إلى يوم الدين، وبعد:
في الحقيقة أيها السادة الفقهاء الأجلاء يسعدني أن أتحدث إليكم من منظور فقهي واقتصادي، وأقول لكم: إننا معشر الاقتصاديين الإسلاميين المهتمين بالاقتصاد الإسلامي نشعر بكل الفخر وبكل الاعتزاز لوجود مؤسستين في الإسلام على درجة عالية جدا من الأهمية الاقتصادية والاجتماعية بل والإنمائية الشاملة في ضوء التعريفات السائدة اليوم (التنمية الشاملة) ، مؤسسة الزكاة ومؤسسة الوقف. ينبغي علينا ونحن في مجمع فقهي عريق أن نعنى بهاتين المؤسستين العناية الجيدة، وأقصد بالعناية الجيدة ليست بالضرورة العناية المتشددة وخاصة فيما يتعلق بالوقف، الوقف تبرع، ورحم الله أحد أئمة المسلمين الإمام القرافي وكلنا نتتلمذ عليه وعلى مؤلفاته، إذ يقول عبارة توزن بأكثر من الذهب: الوقف من أفضل القربات، وينبغي أن تخفف شروطه.
نحن نرى من منظور اقتصادي أن الوقف اليوم يمكن أن يسهم إسهاما بالغا في علاج مشكلات اقتصادية واجتماعية مستعصية على الحل في ظل الأوضاع السائدة اليوم، هذه القضية.
القضية الثانية: بعض الإخوة المعقبين يبدو لسرعة القراءة أو لسرعة الوقت أو. . . إلخ. لم يقرؤوا الورقة جيدا التي طرحت وقدمت إليهم، وهذه ضبابية من الضبابية التي أتحدث عنها. فهم من كلامي إنني أهاجم الفقهاء، معاذ الله! أنا لا أهاجم فقيها والورقة موجودة ليس فيها كلمة واحدة تمس أي فقيه لا قديم ولا حديث وخاصة القدماء، وأنا أعتز بهم كل الاعتزاز، ورغم أنني اقتصادي فمكتبتي الفقهية أكبر من مكتبتي الاقتصادية. أنا أقول: إننا فهمنا كلام الفقهاء فهما فيه ضبابية، وهذا هو نص العبارة الموجودة.
(الذي شاع لدينا أن الوقف إنما هو في الأموال الثابتة، والفقه لا يقول إلا بهذا) . هل هذا هو الفقه الذي بين أيدينا وأنه لا يصح الفقه بأكمله وليس بعض المذاهب لا يصح إلا وقف الأموال الثابتة؟ وإذن ماذا في الفقه المالكي والفقه الحنفي، وماذا عن وقف النقود؟ وماذا عن رسالة أبي السعود؟ وماذا، وماذا،. . في كل المذاهب. ورجح ابن تيمية رحمه الله القول بجواز بل بصحة وتحبيس وقف النقود.
هل الفقه يقول بأن الوقف دائما على التأبيد، كل الفقه أم أن هناك أقوال أخرى؟ .
والرسالة التي وردت لنا من المجمع تبين أو تشير لنا بأن الفقه فيه مرونة في جوانب متعددة فيما يتعلق بالوقف، وعلينا أن نبرز في أبحاثنا المعاصرة جوانب هذه المرونة ونستفيد منها في واقعنا هذا.
الوقف النقدي: البعض يرى أنه سوف يقضى على الوقف وهناك بدائل أخرى. لا أبدا، لن يقضى على الوقف، ولن نستغني عن الوقف العيني وإنما لهذا مجاله ولهذا مجاله، والبدائل عن الوقف النقدي وهي شراء عين، من الذي يستطيع أن يشتري دارا؟ أو يشتري عقارا أو يشتري محلا أو أرضا زراعية بعشرة جنيهات أو ريالات أو دينارات؟ هذا غير متصور يا إخوان. إذن ما المانع من أن تُكَوَّنَ صناديق وقفية نقدية، ثم توجه بالشكل الذي نتفق عليه نحن لاستغلالها واستثمارها والتصرف فيها في المجالات المختلفة، إذن عملية وقف النقود أنا أرى أنها تستحق قدرا كبيرا من العناية.
ثانيا: عملية مهاجمة الفقهاء؛ لم نهاجم الفقهاء، نحن نهاجم قراءتنا المتسرعة للفقهاء وتشيعنا لموقف معين، وترك بقية المواقف كأنها ليست مواقف فقهاء، هل المالكية ليسوا بفقهاء؟ هل الأحناف ليسوا فقهاء؟ إلى آخره.
وردت عبارة حكاية أن الوقف والملكية العامة والملكية الخاصة والوقف يتحول من ملكية خاصة إلى ملكية عامة، أنا أرى أن نتحفظ على هذه العبارة. الوقف أولا قد تنتقل ملكيته إلى الله عز وجل، وهذا نوع جديد من أنواع الملكية يتميز به الاقتصاد الإسلامي، ليس ملكية عامة ولا خاصة، وإنما ملكية ذات طابع خاص لا توجد بهذا الشكل إلا في الاقتصاد الإسلامي، ثم إنه حتى لو قلنا: إن الملكية تنتقل إلى الموقوف عليهم، ليس بالضرورة الموقوف عليهم هم جهات عامة، وبالتالي ينبغي التحفظ وإلا فسوف يُصبغ اقتصادنا الإسلامي بطوابع قد تكون غريبة عنه.
وشكرا لكم.
الرئيس:
يا شيخ شوقي. . الوقف لا تنتقل وقفيته إلى الله عز وجل، هو من أصله موقوف لله عز وجل.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وسلام على عباده الذي اصطفى.
الشكر والتقدير إلى مجمعنا العظيم برئاسته وأمانته، وإلى الإخوة الأعضاء الأجلاء.
قضية الوقف النقدي قضية مهمة جدا. . مذاهب لا تشترط التأبيد، هنالك مذاهب كذلك تقول بوقف النقود، وهو قول الجمهور، والإمام زفر يقول بذلك حيث يوجد التعامل.
فهنالك إذن حلول في المذاهب الإسلامية الكثيرة المتوفرة، وكلنا يعلم قول سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:(والله ما أحب أن تجتمع كلمة علماء هذه الأمة بعد وفاة نبيها صلى الله عليه وسلم على قول في واقعة فيصير في الناس حرج، فلو أخذ كل بقول كان سنة) .
ونظرة واحدة في مقولات الفقهاء (الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنابلة) في هذه المسألة نجد من ورائها أن جمهور الفقهاء يقول بوقف النقود. فإذن ما هو المانع من هذا؟
نحن يجوز لنا، بل يجب علينا أن نضع من الضوابط والشروط ما يحقق عدم ضياع هذا الوقف، وهذا ما رآه بعض الإخوة الأعزاء في مجمعنا من زملائي الأعضاء، لنا أن ندرس الضوابط والشروط التي تقيد وتضبط قضية وقف النقود، كي لا يكون ذلك سبيلا إلى ضياعها.
العلامة ابن عابدين في حاشيته رجح عند الحنفية وقف النقود إذا جرى به التعامل. وأنتم تعلمون أصحاب السماحة والفضيلة أن الحنفية هم الذين ضيقوا في هذا الموضوع قليلا، بينما الجمهور أجازه، وورقتي المتواضعة تشير إلى هذا. أرجو أن نرجع إلى جوهر الفقه الإسلامي وروحه ونبتعد عن قضية التوقف عند النصوص أو التصلب في النصوص، فكل من الأمرين التصلب والانحلال ليس من الوسطية التي دعا إليها الإسلام:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
النقطة التي أثارت جدلا طويلا في بداية هذه الجلسة، وهي أن المراد باستثمار أصول الأوقاف أو مواردها لا تستحق هذا الجدل، لأن المطلوب هو الأمران.
أما استثمار الموارد فهناك موارد يتأخر توزيعها على المستحقين إذا كانت هناك توزيعات دورية (شهرية أو غيرها) ، فهذه الأموال - السيولة المتجمعة - تستثمر، وكذلك ما زاد عن شرط الواقف، وكذلك المبالغ المحتجزة للترميم أو للصيانة، وهو مبدأ مقر في الأوقاف بأنه يجب على ناظر الوقف أن يحتجز من موارد الوقف مبالغ للمرمة حينما تحتاج هذه الأصول إلى الترميم، ولا ينتظر إلى أن يحصل خرابها فعلا. .
فهذه الموارد أو السيولة ينبغي أن تستثمر.
أما استثمار الأصول فهناك تفرقة بين أوقاف قائمة لها شروط من واقفيها، وبين أوقاف جديدة.
فالمقترح أن توقف أوقاف جديدة بالنقود بقصد استثمارها بصيغ عصرية مجدية. ووقف النقود موضوع مهم جدا وهو الذي يستهدف من البحث عن استثمار الأوقاف أصولا وموارد.
فأريد أن أنوه بأن شروط الواقف التي تردد التمسك بها كثيرا لا تتناول تنظيم إدارة الوقف، يعني استثمار الوقف، وإنما تتناول صرف الأوقاف، يعني أن الاطلاع على كثير من صكوك الوقفيات وحجياتها لا نرى أن الواقف يبين كيف تستثمر، هل هي بالإجارة أو بغيرها؟ ولكن طبيعة الأمور أنه حينما يقف أصولا فإنها تستثمر إما بالإجارة أو بالزراعة، ولكنه لا يحتم أنها تستثمر بهذه الطريقة، وإنما تنصب شروط الواقفين على موضوع الصرف والتوزيع والاستحقاق. وهذا أمر أظن أنه لا يحتاج إلى كثير من الاستدلال عليه.
النقطة الثانية: ضمان هذا الاستثمار: فضيلة الشيخ التسخيري قال: إنه إذا استثمر ناظر الوقف وخسرت يضمنها، هذا أمر غريب جدا، لأن ناظر الوقف ما دام مسموحا له بإدارة هذه الأوقاف فلا مجال لمساءلته إلا إذا تعدى أو قصر، فهذا الاستثمار إذا قلنا: إنه - يجوز، فلا ضمان على المستثمر إلا في هذه الحالات: التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط، وهناك في بعض الصيغ مثل ضمان الطرف الثالث الذي تعرض له قرار المجمع بشأن سندات المقارضة: فيه فسحة في هذا الأمر، كذلك هناك ما يسمى التطوع في الضمان، وهو أنه بعد أن يتم إبرام عقد الاستثمار، لو أن مدير الاستثمار تطوع بالضمان، لم يكن شرطا في عملية الاستثمار أو غيرها، فهذا أيضا مطروح عند المالكية ولهم أقوال في جوازه) .
كذلك قد نتساءل بأنه ما المانع من أن يكون مدير الاستثمار يشترط الضمان؟ لأنه لا يقع المحذور الذي نبتعد عنه في الضمان الذي يصدر من مدير الاستثمار، المستفيدين من الأشخاص العاديين، لأن هذا فيه شبهة الربا حينما يقدم مدير الاستثمار سواء كان مضاربا أو وكيلا ب الاستثمار ضمانا للمستثمرين من الأفراد معه، فهو يضمن لهم الأصول ويحقق لهم الإيراد فيه شبهة الربا، لكن هنا المستفيد من الاستثمار ليس أفرادا وإنما هو جهات خيرية، فيمكن أن يطرح للبحث أنه هل هذا يندرج في منع الضمان ممن يدير الاستثمار لو اشترطه على نفسه؟
كذلك مطروح في ورقة الأمانة الإشارة إلى دور المؤسسات المالية في استثمار الوقف، وهذا يجعل مجالا لقيام البنوك الإسلامية وشركات الاستثمار الإسلامية بدور في هذا المجال، لأن الاستثمار أمر معقد ويحتاج إلى خبرات ومستشارين يتقنون هذا الاستثمار حتى يتفادوا مخاطره. فلذلك قديما كان ناظر الوقف يختار من الأمناء الصالحين المرضيين وقد يكون أحيانا من المستحقين، يكون أرشد المستحقين، الراشد منهم، لكن الآن الاستثمار أو إدارة الأوقاف عموما تحتاج إلى خبرات، فهذا أيضا يجعل على عاتق المؤسسات المالية أن تهتم بهذا الموضوع.
أخيرا أريد أن أنوه بأن هناك قضايا محاسبية تتعلق بالاستثمار، لأن كل استثمار لا بد له من جوانب وقائية، فمثلا تكوين احتياطيات لمخاطر الاستثمار، تكوين مخصصات للصيانة، تكوين مخصصات للاستهلاك، وهذه أمور محاسبية وينبغي الاستفادة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية بناء على ما درج عليه المجمع في الاستفادة من المؤسسات المتخصصة، كما يستفيد من خبرات البنوك ومؤسسات الزكاة ومن منظمة الطب الإسلامي وغيرها.
وأكتفي بهذا، ولكن أريد أن أذكر الدكتور علي القره داغي بأن بحثه لم يتكلم عن المغارسة، وحسنا فعل، لأن المغارسة عند المالكية فيها تمليك، يتملك جزءا من الأرض وجزءا من الشجر وهذا لا يمكن، يعني نعطي أراضي وقفية للمغارسة، المدير الذي يغارس في المآل سيكون له نصيب من الأرض والشجر. فأحمد الله أنك لم تتعرض للمغارسة.
الرئيس:
يا شيخ عبد الستار: هل يجوز تصرف الغير في مال الغير بغير إذن ولا ولاية؟
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
إذا تصرف بما فيه المصلحة فهذا من باب الفضالة، وهذه لها تطبيقات كثيرة كما تعلمون فضيلتكم حينما يكون لدى الإنسان أموال ويخشى فسادها - أموال مثلا يتسارع عليها الفساد - أو أموال اليتامى.
الرئيس:
هذا له ولاية، لكن تصرف الغير في مال الآخر من غير إذن ولا ولاية له عليه. . هل يجوز؟
الشيخ عبد الستار.
غير موجود في هذا الموضوع.
الرئيس:
أنت تكلمت وتقول: إذا تأخر صرف الغلة فيجوز توظيفها في الموارد.
الشيخ عبد الستار:
نعم حتى لا تجمد هذه الأموال.
الرئيس:
طالما أن صاحبها موجود ولم يأذن، وهذا ليس له ولاية، كيف يقال: تصرف فيها؟ ! إذا هلكت مِنْ ضمان مَنْ؟
الشيخ عبد الستار:
تقصد بصاحبها المستحقين؟
الرئيس:
مستحقيها.
الشيخ عبد الستار:
أنا قلت: إذا كان توزيعها على المستحقين له مواعيد دورية، يعني مرتبات شهرية كما كان في الوقف الذري، يعني إلى أن نصل إلى الشهر الثاني عشر عندنا أحد عشر شهرا نستطيع أن نستثمر فيها هذه الأموال، وأشرت إلى أن شروط الواقفين لم تتعرض خصيصا للاستثمار، إنما تعرضت وتوسعت في جهات الصرف.
الرئيس:
على كل حال إن كان لك سلف في هذا فأخبرنا جزاك الله خيرا.
الأستاذ عبد اللطيف الجناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وتحية الشكر والتقدير لمجمع الفقه الإسلامي الدولي على اهتمامه بأمور المسلمين، وطرحه هذه المواضيع الحساسة والتي هي مواضيع الساعة.
الناظر في أموال الوقف يلحظ أن هناك أنواع متعددة؛ منها الأوقاف النقدية. والمحذور في الوقف النقدي إذا كان المفهوم للأوقاف النقدية هو النقود في حد ذاته (الدنانير والدراهم وغيرها) أنها يأكلها التضخم، جميع العملات تقريبا في عالمنا - العالم الثالث - هي معرضة للتضخم، فأضرب مثالا على ذلك: مائة ألف ليرة لبنانية قبل عشرين سنة تشتري بها سيارة مرسيدس، أما الآن فلا تستطيع أن تشتري بها هذه الزجاجة من الماء، فإذن هل من المنصوح أن نشجع الوقف النقدي؟ أما إذا كان المقصود تحويل هذا النقد إلى مشاريع فهذا أمر آخر، مثل المشاريع المشتركة التي يفتح فيها صندوق يجمع فيه بالعشرة دنانير أو بالمائة دينار، إلى آخره، ويتحول بعد ذلك هذا إلى مشروع معين، فهذا أمر آخر. إخواني الكرام، الملاحظ أن الموجودات الوقفية رغم كثرتها في العالم الإسلامي ورغم أنها مثل ما تفضل به فضيلة الرئيس تصل إلى ثمانمائة مليون، أنا أزيد على ذلك وأقول: إن في بحث عن بلدة خليجية اتضح أن (17 %) فقط من أموال الوقف مستثمرة و (83 %) معطلة. إذن لا بد أن نلفت الأنظار إلى أن هذه الثروة الوطنية في بلاد الإسلام ثروة يجب أن نلتفت إليها، ويجب أن تشخص المشكلة وهي في إدارة أموال الوقف.
إذن الحل هو تحريك استثمارات الأوقاف في البلدان الإسلامية، خرج البنك الإسلامي للتنمية بفكرة جيدة أرجو أن يقتدى بها، وهي تأسيس صندوق لتمويل استثمارات الوقف، ولكن الأمر يقتضي تنشيط الوقف بشكل أكبر، لأن المشكلة عدم وجود جهات فنية متخصصة تقوم بمهمة ترشيد استثمارات الوقف وموارده والتشجيع عليه، وتنويعه بما يتفق مع الاستثمارات العصرية. وأنتهز هذه الفرصة لأقدم مقترحات، وهي:
1 -
تأسيس بنك تكون مهمته تثمير أموال الوقف وموارده، وتمويل المشاريع الوقفية، وتطوير موجوداته ليس في البلد الذي ينشأ فيه إنما في أي بلد إسلامي آخر.
2 -
أن يقوم كل بنك إسلامي بإنشاء قسم لتشجيع وتمويل وتثمير الأوقاف بأساليب عصرية، ويقوم بتقديم دراسات الجدوى وتبني المشاريع الاستثمارية الوقفية.
3 -
التوعية بأهمية الوقف كونه ثروة وطنية هائلة غير مستفاد منها، وذلك بإصدار مجلة متخصصة في الوقف ومشاريعه، وجمع الإحصائيات وحصر أموال الوقف القابلة للاستثمار، أي بمعنى آخر تشكيل قاعدة معلوماتية لأموال الوقف لنلفت الأنظار إلى حجمها - وأهميتها وتأثيرها على الثروة الوطنية.
4 -
تكوين لجنة منبثقة من مجمعكم الموقر مهمتها التركيز على طرح أساليب تنشيط استثمارات الوقف وموارده، ونشر الوعي لتنويعه، أي الخروج عن الطريقة النمطية التقليدية إلى طرق عصرية جديدة، وعقد ورش عمل لهذا الغرض في عدد من البلدان الإسلامية التي تتمتع بموجودات وقفية كبيرة. وأمام هذه اللجنة فرصة جيدة للاستفادة من المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية المنتشرة بفضل الله في بلدان العالم.
إنني بهذه المداخلة أردت اتخاذ خطوات عملية لإحياء أموال الوقف واستفادة المسلمين من أموال الأوقاف ليعم خيرها، وتطوير نمط الوقف، فنكون بذلك خرجنا من الناحية النظرية والتي هي ذات نفع كبير بلا شك، إلى لفت الأنظار إلى اتخاذ خطوات فعلية عملية تترك أرض الواقع بالاستفادة من هذه الأموال المعطلة، وللعلم هناك في بلدان أجنبية جامعات ومصانع ومشاريع استثمارية كبيرة تقوم على أموال الوقف.
وشكرا جزيلا.
الشيخ العياشي فداد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عند النظر في موضوع استثمار الوقف أرى لتحقيق مناط هذا البحث التفرقة بين بعض مسائله، ومن ذلك:
التفرقة بين الأوقاف القديمة الموثقة والمسجلة وفق شروط الواقفين، وهي محل رعاية من قبل إدارات ونظار الأوقاف، والأوقاف الجديدة التي تتم عبر توجيه المحسنين نحو مجالات معينة يحتاجها المجتمع من قبل إدارات الأوقاف أو الصناديق الوقفية، وهذه الجهة هي في الغالب التي تحدد شروط الوقف وطرق الاستفادة منه، وكل التفاصيل تذكر ذلك في صك الوقف. ومن هذه الشروط النص على تخصيص نسبة من رأسمال الصندوق يتجه للاستثمار فهذا النوع كما هو واضح يجب أن يكون خارج محل البحث. أما النوع الأول - الأوقاف القديمة وما في حكمها من الأوقاف الجديدة - فمنه ما هو معلوم محدد الشروط والغرض ومحدد الناظر والإدارة وغير ذلك، ومنه ما هو معلوم أنه وقف ولكن شروطه مفقودة وكذلك غرض الوقف ومجالاته، وهذا الأخير أيضا النظر فيه قد يكون ميسورا، لكن النوع الأول - محدد الشروط - والذي لم ينص على تنميته فهذا النوع هو الذي يجب أن يكون محل نظر أصحاب الفضيلة وبخاصة في بعض المسائل التالية:
أولا: النظر في بعض المسائل المستجدة في الاستبدال؛ كاستبدال أصول عينية موقوفة ذات ريع قليل بأصول مالية ذات ريع كبير ومخاطر استثمارية عالية، الأولى في أصول عينية مخاطرها قليلة وريعها قليل تستبدل بأصول مالية ريعها كبير ولكن في ذات الوقت مخاطرها عالية.
ثانيا: اقتطاع جزء من ريع الوقف، وهذا هو الشائع من أجل الاستثمار والتنمية وتحمل مخاطر ذلك مع عدم اشتراط الواقف ذلك، أي اقتطاع هذا الجزء. ثالثا: جمع الأوقاف مختلفة الغرض والمجالات - وليست المتحدة - المتحدة قد يكون أمرها هين - في وقف واحد من أجل تعظيم منفعة المستفيدين. مما سمعته من مناقشة أصحاب الفضيلة حول الإشكال في استثمار الوقف، الإشكال في استثمار الوقف - كما أتصوره - يكمن في أن الاستثمار عمل في الوقف لم يشترطه الواقف، فهل هو من قبيل مقصد الواقف المضمر أو هو من قبيل المصلحة؟ هذا هو الإشكال الذي أثاره بعض الباحثين.
ضمان الخسارة في الوقف
من يرى الضمان بنى رأيه على هذا الأساس على أن الاستثمار من باب التعدي والتقصي، لأنه لم يشترطه الواقف. وشكرا لكم.
الشيخ عبد الرحمن بن عقيل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
بادئ ذي بدء أشكر المجمع على هذه الدعوة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ سماحة شيخنا رئيس المجلس وأن يمن عليه بالصحة والعافية.
في الحقيقة أشارك فضيلته حينما ذكر أن الأمر يحتاج إلى تحديد الموضوع وقد أثبتت التعليقات ذلك، فإن الموضوع محل المناقشة يحتاج إلى تحديد، والبحوث الموزعة ثمانية أبحاث، أربعة منها تحمل عنوان الاستثمار واثنان منها في وقف النقود واثنان منها عامان في الوقف عموما.
وبحث الوقف بمسائله أمر متعذر فإنه يحتاج إلى ندوات ومؤتمرات، ووقف النقود يحتاج بحثه من حيث أصله، هل يجوز وقف النقود أم لا يجوز؟ وإذا جاز وقف النقود فمسألة استثمارها أمر تال له. وأما مسألة الاستثمار فهل يراد استثمار الأوقاف نفسها أو استثمار موارد الأوقاف أو الريع؟
واستثمار الأوقاف نفسها أمر أيضا يسير من حيث إنه ينضبط بثلاثة ضوابط، وهي:
الضابط الأول: إن تكون طريقة الاستثمار مشروعة.
الضابط الثاني: إن تتحقق فيه مصلحة الوقف.
الضابط الثالث: ألا يذهب بأصل العين.
فإذا تحقق ذلك فأي طريقة يستثمر فيها الوقف فهي طريقة صالحة وليست محل إشكال، وإنما قد يكون الإشكال في بعض الفرعيات في تلك المسالة. ولعلي أطرح اقتراحا في أن يكون الموضوع يشمل أمرين:
الأمر الأول: استثمار ريع الأوقاف، وذلك في الحالات التالية:
الأولى: إذا شرط الواقف أن جزءا من ريع الوقف في الاستثمار وتنمية الوقف، فهل هذا الشرط صحيح أم يخالف مقتضى الوقف، من حيث إن الريع يصرف لمستحقي الوقف؟ وهذا يحصل في عدد من الأوقاف، وهو أن بعض الواقفين يشترط في أن يكون جزءا من ريع الوقف في استثمار الوقف وتنميته.
الثانية: إذا لم يشترط الواقف ذلك فهل للناظر بحكم نظارته أن يخصص جزءا من الريع في الاستثمار وتنمية الوقف إذا رأى مصلحة في ذلك، سواء كانت مصارف الأوقاف معلومة أو كانت مجهولة كما تفضل فضيلة شيخنا؟
هاتان حالتان مهمتان في مسألة الاستثمار في ريع الوقف.
الأمر الثاني: أما في الوقف نفسه فربما يكون من البحث مسألة حكم استثمار الوقف في طرق لم يحددها الواقف، أو في طرق أخرى غير ما حدده الواقف إذا رأى الناظر المصلحة فيها، وبهذا يمكن أن تكون مناقشتنا في محور الموضوع وهو الاستثمار.
وأما القول بأن استثمار ريع الوقف لا يحتاج إلى بحث فأخالف هذا الاتجاه، وأظن أنه يحتاج إلى بحث، ولم أجد من الباحثين من تعرض له إلا الشيخ على القره داغي في سطر واحد، ولا أدري ما مبناه الفقهي، فقد قال في بحثه:(لذلك ينبغي أن تهتم إدارة الوقف أو الناظر بهذا الجانب اهتماما كبيرا وتخصص جزءا جيدا من ريع الوقف للاستثمار، إضافة إلى استثمار بقية أموالها السائلة) . فقوله: (تخصص جزءا جيدا من ريع الوقف للاستثمار) لم أر لها مبنى فقهيا، وقد بحثت سابقا بحثا جادا في كلام للفقهاء حول تلك المسألة، ولم أعثر بتتبعي القاصر على شيء يدل على ذلك وهو ما يتعلق باستثمار ريع الوقف، ولذا أرى أهمية بحثها والله الموفق.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
شكرا للأخوة الباحثين والسادة المعقبين، ونسأل الله تعالى أن يتم شفاء الشيخ الجليل رئيس المجمع.
أريد أن أفرق بين الوقف القائم والمنتشر في البلاد الإسلامية وبين الاقتراحات بوقف جديد، لأننا إذا قلنا بجواز الاستبدال وعدم التأبيد ووقف النقود هكذا على إطلاقه، فيمكن أن يأتي أحد ويقول بأن الأرض الموقوفة هذه ريعها لا يزيد على نسبة كذا في المائة، على حين استثمار النقود في عصرنا يصل إلى كذا في المائة، وبالتالي يؤدي إلى ضياع الوقف. لذلك أرجو في قرار المجمع الموقر أن نفرق بين الوقف القائم بشروطه وضوابطه وبين ما يقترح من صور استثمارية للوقف، فعمل من أعمال البر يمكن أن يكون فيها مجال ويمكن أن يكون فيها تساو في الشروط ما دام صاحب العمل قد رضي بهذا، بمعنى لو فرضنا أن شخصا جاء بمبلغ من المال وقال: هذا يوقف، رأس المال يبقى وأرباحه توزع على كذا، ليس هناك ما يمنع، يمكن ألا يكون وقفا بالمعنى الشرعي الدقيق، يمكن أن يكون عملا من أعمال البر قريب من الوقف أو وقفا بمعنى مستحدث. فإذن هنا أرجو في قرار المجمع أن يكون هناك ما يبين أن الأوقاف الحالية يجب أن يحافظ عليها بضوابطها وشروطها وألا يؤدى إلى ضياعها.
الأمر الثاني بالنسبة لوقف النقود؛ الإخوة الكرام الذي تحدثوا عن وقف النقود يبدو أن بعضهم اندفع في هذا الموضوع حتى رأينا أنهم ضربوا أمثلة لاستثمارات محرمة في النقود، فعلى سبيل المثال هناك من ذكر في الاستثمار وقف السندات، بل هناك من نص على وقف معين مثل الأخ الكريم الدكتور شوقي دنيا في بحثه نص على وقف معين وذكر اسم الواقف، وهذا الوقف في شهادات الاستثمار الربوية التي نص المجمع على تحريمها.
أحد الإخوة كذلك ذكر الوقف في شراء أسهم مثل أسهم البنوك ولم يذكر كونها إسلامية، بل ذكر بعض البنوك الإسلامية وذكر بنكا ربويا. بعض الإخوة كذلك ذكر وقف الزكاة، فهل يجوز أن نحول الزكاة إلى وقف؟ الوقف والهبات والصدقات والزكاة، لا أدري كيف أن الزكاة تتحول إلى وقف؟ ! .
لذلك إذا وافق المجمع الموقر على وقف النقود في عصرنا بحسب شروط الواقف؛ فهنا يجب أن ينص على أن هذا الوقف لا بد أن يكون في مجالات شرعية مباحة، وليس في مجالات محرمة.
والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
الشيخ علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.
فلا يسعني في هذا المجال إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لدولة الكويت - حكومة وشعبا - على الحفاوة البالغة وتهيئة السبل لتيسير اجتماعنا هذا فجزاهم الله خيرا، والدعاء موصول لفضيلة الشيخ بكر بالشفاء التام وللشيخ الحبيب بمزيد من القوة والتوفيق، كما أشكر فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع على تلخيصه الجيد على الرغم من قصر الوقت فجزاه الله خيرا، والشكر موصول لجميع الباحثين الذين أفادونا في هذا المجال والمعقبين الذين استفدنا من تعقيباتهم، على الرغم من إنني حقيقة طلبت الحديث متقدما، ولكن أشكرهم على إتاحة الفرصة لي في هذا الوقت.
أود أن أتحدث عن عدة مسائل، لا أريد أن أدخل في موضوع البحث فالبحث بين أيديكم، ولكن أريد أن أتحدث عن بعض الموضوعات التي أثيرت وقد تناولها بحثي في بعض المجالات؟ منها:
مسألة استبدال الوقف، ففد أجازها بعض الفقهاء ومنهم الحنفية، لعدة أسباب: منها ما كان فيه مصلحة راجحة في هذا الاستبدال، وقد أيد ذلك وجعل المصلحة الراجحة هي الأساس في الوقف الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقد ذكرت ذلك في البحث بالتفصيل، وذكرت أدلة الإمام ابن القيم وابن تيمية والحنابلة الذين هم أوسع المذاهب في مسألة الاستبدال على الرغم من أن هذا الموضوع ربما لا ندخل فيه إلا من باب أن استبدال الوقف يعتبر جزءا من الاستثمار إن أردنا إدخاله في ذلك، وذكرت كذلك شروط الاستبدال.
وتحدثت عن ثمن الوقف في حالة البيع وهو ما يمكن أن يدخل في هذا الجانب؛ يعني إذا بيع الوقف كله ما الذي يفعل بهذا الثمن؟ وكذلك تحدثت عن شروط الاستبدال، والذي أقف عنده بعد هذه المسائل المهمة موضوع حكم استثمار أموال الوقف، سواء كان في الأموال الفائضة في أيدي نظار الوقف أو ناظري الوقف، أو فيما إذا كانت هذه الأموال مخصصة للاستثمار، وهذا الفرق بين الأوقاف القديمة والأوقاف الجديدة أعتقد أنه لا بد منه، لأن الأوقاف القديمة لا بد من ملاحظة الشروط والضوابط، إلا ما تقتضيه المصلحة العامة في تغيير هذه الشروط، وبينت بأنه لا بد من الحفاظ على هذه الشروط التي ذكرها الواقف، إلا إذا كانت هناك مصلحة راجحة أو ضرورة أو حاجة ملحة في ذلك، وبينت حكم استثمار أموال الوقف مثل حكم استثمار أموال اليتامى، أي أن استثمارها فيما يمكن استثماره من هذه الأموال وحكمه الوجوب، واستدللت لذلك بالحديث الذي رواه الإمام الشافعي وهو:((ابتغوا في مال اليتيم)) - وفي رواية: ((في أموال اليتامى - حتى لا تذهبها الصدقة)) ، وهناك عدة روايات، وقد قال البيهقي والنووي: إسناده صحيح، ولكنه مرسل معضد بعموم النصوص الأخرى، كذلك ما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم، وأعتقد أن أموال الوقف في هذا المجال فيما يمكن استثماره بشروط وضوابط حكمه حكم هذا.
وكذلك بينت الفرق بين استثمار موارد الوقف واستثمار الوقف، وانصب البحث على الوقف بصورة عامة، والذي أريد أن أذكره هنا أن فقهاءنا الكرام قد بينوا مجموعة من الصيغ منها: المزايدة في إجارة الوقف، والإجارة بأجرتين، والحكر، والمرصد، وكثير من هذه الأشياء، أردت من ذلك أن فقهاءنا كانوا واسعي الصدر في التعامل مع الوقف، وخاصة في ذلك العصر، ونحن الآن يضيق صدرنا في هذا المجال انظر إلى هؤلاء الفقهاء كم أحدثوا من عقود جديدة لأجل الوقف، المزايدة، الإجارة باجرتين، الحكر وحق القرار، المرصد، وهي مشروحة في البحث، فنحن الآن نتوقف في قضية مثل قضية وقف النقود وما أشبه ذلك، وحديثي عن الإجارة مع الوعد بالتمليك، قصدي من ذلك أمران:
أولا: الاستثمار في النقود، فإذا أجزنا الاستثمار في النقود فهذا وارد من أننا نحن يمكن أن نبني عمارة، ثم بعد ذلك نستثمر فيها ثم نبيعها لشخص، فتعود لنا الأموال مرة أخرى. كما أنه يمكن أن تكون الإجارة لصالح الوقف، فللإجارة الطويلة مع وعد المستأجر بالتمليك لها صورتان يستفيد منها الوقف في حالة ما تكون الإجارة بالتمليك لصالح الوقف، وفي حالة ما إذا كان الاستثمار في النقود.
وهكذا الأمر بالنسبة للمشاركة المنتهية بالتمليك.
تطرقت كذلك إلى موضوع الشروط العامة لاستثمار أموال الوقف وهي ستة شروط، وقد لخصها الشيخ عبد الله من أنه لا بد من الأخذ بالحذر، ولا بد من الاعتماد على الطرق الفنية.
كذلك تكلمت عن موضوع الضمانات التي أشار إليها فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة، وقلت: إن هناك عدة مجالات في مسألة الضمانات منها: ضمان الطرف الثالث - ويمكن أن يكون الدولة - التطوع بالضمان كما هو رأي المالكية قياسا على أموال اليتامى، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر، وقد قال ابن قدامة: يحتمل أنها جعلته من ضمانه عليها إن هلك، وكذلك أيضا في هذا المجال يمكن أن يجعل ضمان.
كذلك الشرط وخاصة في موضوع الوكالة واشتراط البيع مرابحة، وذلك أن يشترط الناظر على من يستثمر هذا المال إلا يتعامل بهذا المال إلا بالمرابحة، فحينئذ إذا خالف هذا الشرط فيكون ضامنا، وهذه إحدى الصيغ الجديدة التي توصلت إليها البنوك الإسلامية.
هناك عدة مجالات لهذه الضمانات لا بد أن يؤخذ بها لأن الفقهاء حقيقة احتاطوا في مسألة أموال اليتيم، وكذلك في أموال الوقف لا يجوز البيع بالغبن الفاحش، بل بعض العلماء قال: ولا بمجرد الغبن، وهكذا.
وأنا أضم صوتي إلى صوت فضيلة الدكتور شوقي دنيا في جواز وقف النقود، وهو رأي جمهور الفقهاء أو كثير من الفقهاء وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية، ووقف النقود يتم من خلال ما يأتي: إما إقراضه، وهذا نحن الآن محتاجون إليه خاصة لتزويج الشباب وغير ذلك، فيمكن أن توقف كمية من النقود وتستقرض بضمانات جيدة في هذا المجال، كما يمكن الاستفادة من وقف النقود من الاستثمار بشروط وضوابط وبالضمانات التي ذكرتها، وقلت: إن الوقف هو إحسان، وهذا الباب واسع جدا فلا ينبغي لنا أن نضيقه، يكفينا ما ذهب إليه المالكية رحمهم الله رغم أن الأصل في الوقف التأبيد، أجازوا الوقف المؤقت لأنهم قالوا: التأبيد نسبي وليس المقصود بالتأبيد إلى يوم القيامة. فقصدي من هذا المجال أيها الأخوة الكرام التوسع في هذا المجال، فقمة الوقف حينما تكون مثلا في العقار وما أشبه ذلك، لكن ثم بعد ذلك تتنازل درجات الوقف إلى أن تصل إلى النقود، وما المانع من ذلك؟ الآن معظم الجامعات الغربية تعيش من خلال وقف النقود واستثمارها وما أشبه ذلك، فإيجاد هذه الصناديق الاستثمارية الوقفية مفيد جدا لعالمنا المعاصر.
كذلك وقف الأسهم المشروعة، وكذلك السندات الشرعية ومنصوص عليها بالسندات الشرعية، ولا أدري أي بحث يقصده فضيلة الدكتور علي السالوس، فنحن خصصنا الأسهم بالأسهم المشروعة، والسندات بالسندات الشرعية من المقارضة وسندات الإجارة، كذلك وقف الحقوق المعنوية، وربما الاتجار فيها.
أيها الإخوة الكرام، مجالات الوقف واسعة جدا.
قضية أخرى تحتاج إلى المناقشة والبحث وهي: هل ذمة أنواع الوقف ذمة واحدة أم ذمم مستقلة؟ أشار إليها في الحقيقة الحنابلة رحمهم الله وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية، وأنا شرحت هذه المسألة أيضا، كما أشار إلى ذلك الشيخ عبد الله، وهي مسألة تحتاج فعلا إلى وقفة، إلا أنها في الحقيقة فيها مصالح، وفي نفس الوقف يمكن أن يكون هناك مفاسد. وأعتقد أنها مسألة تحتاج إلى كثير من المناقشة.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد عبد الرحيم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الشكر موصول للرئيس وللأمين العام ولسائر الأعضاء والباحثين، ثم الشكر موصول لفضيلة العارض، وتعليقي يقتصر فقط على بعض الملاحظات التي ذكرها الشيخ العارض.
أولا: أنتقد عدم وجود البسملة والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية البحث، أما البسملة فكانت في صفحة مفردة ويظهر سقوطها سهوا في التصوير، أما الحمد والصلاة فهي موجودة في البحث، فما أدري كيف ذكر ذلك الشيخ؟ !
الرئيس:
حتى لو لم توجد، صحيح البخاري لم يفتتح لا بالبسملة ولا بالحمدلة، قال المحدثون: إن البسملة سرا، يعني لفظا، الحمد لله الأمر على السعة.
الشيخ محمد عبد الرحيم:
أما قضية وقف السندات؛ فمن المعروف أن المقصود بها السندات المشروعة من سندات المقارضة والمضاربة، والتي سبق وأن نوقشت في ندوة البنك الإسلامي وناقشها المجمع في بعض دوراته.
وأما مخالفة شرط الواقف فقد انتقد ذلك، وهي ليست مطلقة بل مقيدة، ونصوص الفقهاء واضحة في جواز ذلك إذا ترتب على ذلك مصلحة للوقف.
وشكرا جزيلا.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
لا داعي لأن أضيف ما قيل من شكر ورجاء ودعاء وتضرع، كل ذلك محله في آخر دورة المؤتمر، ولا داعي للأصوات الفردية في تقديري.
أما ما يتعلق بخطة بحث هذا الموضوع فورقة الأمانة العامة التي وجهت الاستكتابات للسادة المشاركين واضحة المعالم فيما ينبغي بحثه في هذا الموضوع، وحسمت القضية، والواضح أن هذه الخطة تركز على موضوع الاستثمار، سواء استثمار الوقف في حد ذاته، وإذا استجد شيء في استثمار موارد الوقف أيضا يكون ملحقا بذلك تبعا.
وفي قضايا الاستثمار الواقع ينبغي أن ننظر نظرة معاصرة لهذا الموضوع ونستفيد مما حققته صناديق الاستثمار الوقفية في دولة الكويت، حتى إن هذه الصناديق أصبحت شبه مستقلة عن وزارة الأوقاف، فأرجو من الأخ الدكتور عجيل أن يضمن في توصياته واقتراحاته هذه التجربة الناجحة في صناديق الاستثمار في الكويت والتي تعد مثلا طيبا وأنموذجا حسنا في الاستثمارات، وكانت هذه الجهة قد كلفتني ببحث وعنوانه:(رؤية استراتيجية لصور تنمية الوقف) ، فنحن ينبغي أن نصر على ربط الوقف بـ قاعدة التنمية، وأن نعيش العصر الذي نحن فيه، ونلاحظ أنواع النجاحات المتعددة في هذا الجانب، ودولة الكويت سباقة في هذا الجانب، ولذلك ينبغي أن نستفيد من هذه التجربة الواضحة المعالم، لأن مهمتنا التركيز على الاستثمار، مع الحفاظ على الوقف بقدر الإمكان، هذا أولا.
ثانيا: أؤكد ما ذكره بعض الإخوة الكرام من أن الغرب في أوروبا وأمريكا ينشئ مؤسسات صحية وتعليمية واجتماعية هي لا تعرف قبل الإسلام، وإنما أخذت أنظمة هذه المؤسسات من نظام الوقف الإسلامي، وهناك الآلاف من هذه المؤسسات، فينبغي أن نحرص على تنشيط الوقف، وأن نرغب في العودة إلى نظام الوقف، وقد حقق هذا النظام مصالح كثيرة للمجتمع الإسلامي، وحينما غاب نجم الوقف وتسلطت الحكومات العربية وغيرها على الأوقاف خبا نور الوقف ولم تعد هناك ثقة في العودة إلى هذا النظام، بسبب سوء التصرف والتسلط والاستغلال وقيام بعض وزراء الأوقاف ببيع أوقاف كثيرة للمتنفذين والمسؤولين في بعض الدول، مما جعل شكا واضحا في نظام الوقف.
فلذلك ينبغي أن نعود لتنشيط هذه الظاهرة الطيبة التي لا بد منها في كل مجتمع متحضر.
الشيء الآخر أننا نحن دائما في هذا المجمع الكريم نستفيد من حصاد وتجارب واجتهادات جميع الفقهاء دون أن نقصر مهمتنا على رأي معين دون آخر، وننظر إلى ما يحقق المصلحة في الوقت الحاضر، فالواقع قضية وقف النقود التي قررها وأجازها جمهور الفقهاء، سوى الشافعية.
كذلك قضية الوقف المؤقت في المذهب المالكي، وقضية نص الواقف كنص الشارع، وقضية استبدال الوقف، فأذن لا بد لنا لكي نخرج بنتائج عملية من وضع ضوابط لهذه الأشياء ولو بصورة موجزة بحيث نتلافى الأخطاء التي وقعت فيها وزارات الأوقاف ومديريات الأوقاف في الوقت الحاضر، حتى نعيد الثقة للناس بهذا النظام الحيوي جدا والمهم، وأن نركز في الدرجة الأولى على قضية الاستثمار كما ذكرت.
فهذه الضوابط لا بد منها، ولا بد أيضا من أن نستفيد من جميع هذه الاجتهادات المقررة دون أن نوجه اتهاما إلى بعض الآراء سواء بالمنع أو بالحل، نحن دائما نستفيد من هذه الاجتهادات فيما يعود علينا بالخير وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم، هنا جواب على سؤال وجهتموه إلى الدكتور عبد الستار أبو غدة وهو:
تصرف الغير بلا ولاية، نعم وجد هذا وقالوا: من مات في سفر فلرفيقه أن يتصرف بالمال في الدفن وما إلى ذلك. وربما أن يبيع بعض المال إن خاف عليه التلف.
نعود إلى الأمر الذي نحن فيه والمناقشات كلها كأنها انحرفت جانبا، الحقيقة الفقهاء ميزوا بين أموال البدل وريع الوقف، أموال بدل الوقف هي وقف بالاتفاق، ولكن ريع الوقف وهو ما جمع من ريعه وثمن المستغل الذي اشتري بفاضل الريع؛ بأن الصحيح من مذهب أبي حنيفة أنه ليس موقوفا وإن كان ملكا لجهة الوقف.
وأضيف: ولا ثمن الماشية والآلات التي اشتريت من الريع للحاجة إلى الاستغلال، فجميع هذه الأموال لا يطبق عليها الأحكام الخاصة بأموال البدل.
يبقى السؤال الذي وجهته الرئاسة مشكورة والكلام كله حول استثمار ريع الوقف. الحقيقة في بلادنا لم تر وقفا زاد ريعه عن حاجة الناس، الوقف كله في حالة عجز. على أي حال ممكن هنا بالأوقاف الجديدة وبدون ما نقول وقف لما لا يكون تبرعات حتى نخرج من هذا الخلاف، تبرعات للوقف لتنمية أموال الوقف من التبرع ونخرج من وقف النقود أو غير وقف النقود، فإذن يمكن أن يُحَلَّ هذا بالتبرعات.
ثم بالمناسبة، أذكر إخواننا في المحافظة بالمضاربة في مال الوقف ماذا قالوا؟ يقول:(وإن خاف المضارب على ماله فيعطي كل المال قرضا إلا درهما يكون مضاربة ويشترط ربحا معينا) هكذا ضربوا المثل لحفظ مال الوقف.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ نصر فريد واصل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد:
أولا أقدم الشكر والثناء الجزيل لهذا المؤتمر العلمي الكريم ولرئيسه الجليل الدكتور بكر حفظه الله، ولأمين المجلس، وعارض هذه البحوث، والإخوة الذين تفضلوا بتقديم البحوث بعد جهد ندعو الله سبحانه وتعالى أن يثيبهم عليه.
وبعد هذه المداخلات القيمة التي بلا شك أعتقد إنني استفدت منها كثيرا فأذكر نفسي بالأثر الذي يقول: ما زال الإنسان عالما ما ظن أنه جاهل، فإذا ظن أنه علم فقد جهل.
ومن هنا فإنني بمداخلتي هذه لا أعتقد إلا أنني قد أرى بعض الإضافات التي أعتبرها مجرد توضيح أو استفسار عما ورد في هذه المناقشات العلمية الجليلة، وهي:
الجانب الأول: أي مؤتمر لا بد وأن يكون قد انعقد لبحث مشكلة أو قضية قائمة تحتاج إلى حل من خلال هذه البحوث المقدمة، وأعتقد أنه في إطار قضية الوقف والاستثمار المتعلق به فإنه كان من الأحرى بالنسبة لهذا الموضوع أن يكون أمامنا وأمام هذا المؤتمر ما هي الوقائع المادية الفعلية؟ وذلك من خلال الذين يقومون فعلا على إدارة هذه الأوقاف، ونحن معنا ولله الحمد وزراء للأوقاف والشؤون الإسلامية وقد مارسوا بتجاربهم العملية في مجال إدارة الوقف والإشراف عليه بين القديم وبين الحديث، فما هي المشكلة على وجه التحديد القائمة بالنسبة للواقع الفعلي العصري التي يمكن أن نضع لها الضوابط والمعايير والحلول من الناحية الفقهية والشرعية؟ لأنني أولا أوضح على أن الفقه الإسلامي أو فقه الشريعة الإسلامية إنما هو متطور بذاته، وأنه قانون التشريع الفعلي القائم الذي يصلح لكل زمان وكل مكان، ومن هنا فإنه لا تمسك بالنصوص الفقهية القديمة التي وردت لفقهائنا وأئمتنا إلا من خلال الضوابط والقواعد العامة التي تعتمد على النصوص الشرعية القاطعة، أما في مجال الفروع والخلاف فنحن نستفيد منها ونطبقها في هذا العصر الحالي.
ولذلك فإنني أرى في قضية استثمار الوقف أو عين الوقف، هذه قضية كما ذكر معالي الرئيس أن الوقف بذاته مستثمر فعلا عند وقفه، لأن الاستثمار يعني عائد الوقف، وهذا - أي الغلة التي تأتي منه - إنما الواقف يوقف المال وهو الذي يحدد توجيه الثمرة إلى أين تتجه، ولكن القضية هي عند تعطل هذه الثمرة أو عند توقفها أو إتلاف جزء منها، وهذا ما يتعلق به المقام، ولعل قضية الأحكار التي دارت في هذا المؤتمر وفي هذه البحوث هي التي نشأت عن قضية تعطيل الاستثمار أو عين الوقف الذي تحول إلى أحكار، هذا الأمر كنا نأمل من خلال العلماء الأجلاء ووزراء الأوقاف أن يوضحوا لنا من خلال البحوث التطبيقية العلمية ما هي الأشياء التي أثرت على هذه الأوقاف، والتي يمكن من خلال علاجها هل يمكن استبدال الوقف، أو يمكن استثماره بمعنى إعادة استغلاله مرة أخرى؟
ولذلك أنا أرى الآن أننا يجب أن نفرق بين القديم وبين الحديث، فالقديم إن كانت عينه وأصبحت غلته لا تعطي المقصود الأساسي الذي من أجله كان الواقف وقف المال ليحقق غرضا معينا وأصبح لا يحقق ذلك، كما هو على سبيل المثال الآن في كثير من العقارات التي أصبحت كما نعلم أنها كانت تؤجر بمبالغ في وقتها كانت تحقق هدفا كبيرا، ثم أصبحت الآن لا تكفي لأن تعود على إصلاح نفس ذات العين، فهنا يمكن أن نتكلم في إعادة العين وتنميتها واستثمارها من جديد.
والجانب الآخر هو الوقف الجديد:
فالوقف الجديد يمكن من خلال التجارب السابقة أن نضع الضوابط أو الحلول التي يقدمها وزراء الأوقاف من خلال تجاربهم الفعلية، ويمكن أن نستفيد منها في هذا العصر.
الجانب الثالث هو قضية وقف النقود:
الحقيقة أنني من خلال هذا المؤتمر والبحوث أيضا وجدت أن الفقه الإسلامي أجاز وقف النقود، ولكن يجب أن نعلم أن وقف النقود الذي قال به الفقهاء كان يجيزه، لأن المال كان مثليا، النقد مثليا يعني كان عينيا وكان يوزن ويعرف ويحدد، لكن الآن المال أصبح قيميا، ولعل الأخ الزميل الكريم عندما ذكر بالنسبة لليرة في لبنان وغيره أن هذه النقود إذا وقفناها الآن ووقفنا مبلغا معينا؛ فبعد عدة سنوات قد لا يكون هذا الأصل له وجود.
ولذلك المقترح في هذا وحلا لهذه القضية وإذا قلنا بنفس الجواز ونفس المبدأ لكن هناك وسيلة يمكن أن تحقق لنا ذلك، ما هي هذه الوسيلة؟ ولعل كثيرا من الإخوة الباحثين والعلماء أشاروا إليها، وهي محاولة الاشتراك في مؤسسة من المؤسسات من خلال طرح وقف معين حسبما يقتضيه المقام سواء كان ذلك لطلاب العلم أو للفقراء أو للأيتام أو لعابري السبيل أو للمدنيين أو لأي غرض، وهذا يمكن أن يتم من خلال عرض المشروعات المدروسة دراسة جدوى، على أن تكون هذه المشروعات هي ستوقف، ووقفها يتم من خلال من يريدون، إما أن يتقدموا بأسهم للوقف على هيئة أسهم معينة تعرض للاكتتاب فيها، وهذا السهم صاحبه عندما يتقدم بنية الوقف، وهنا تحل قضية مسألة الأموال، ويمكن للغني والفقير أن يشتركا فيها، ويتحقق هذا الهدف، ومن خلال اللجنة التأسيسية أو الهيئة التي تقوم عليها، وأنا أرى حتى يمكن أن تحقق ذلك وتنجح، وهذا يختلف عن الصناديق التي نتكلم عنها، وهي صناديق الأموال أو صناديق الادخار، لهذا السبب، وهي أن هذه الأسهم التي يتم الاكتتاب فيها مباشرة، بعد الاكتتاب فيها تصير موقوفة طبقا لدراسة الجدوى وللمشروع الذي سوف يتم به ذلك، والهيئة التي تقوم على ذلك يجب أن تكون متبرعة، لأننا عندما نتدخل من أجل استثمار الأموال على أن القائمين عليه سوف يأخذون منه لا يكون ذلك إلا لناظر الوقف إن كان متفرغا له، وبهذا نحقق الهدف، والجمع بين من يقولون بعدم إمكانية وقف النقود لأنها الآن أصبحت هي نقود قيمية وليست مثلية، حتى وإن كان الفقه السابق أجازها، ومن يقولون: لا يجوز ذلك، وهنا عند الجواز يتم من خلال المساهمة بأسهم تحدد، وهذا يحقق الغرض المنشود، وشكرا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
شرَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظيمات اقتصادية واجتماعية في آنٍ واحد، ومن ذلك قضية الوقف، فالوقف كما ذكر السادة النظار الذين قدموا لنا بحوثهم فصَّلوا القول في تحقيق الوقف لهذين الهدفين، والذي يهمنا هو أنه:
أولا: كيف نوسع هذا التشريع الإسلامي الذي يحفظ للأمة الإسلامية مع غيره قوتها ومنعتها، فأول أمر هو أنه: ينبغي أن يوسع الوقف توسيعا بعدما أصابه من الوهن ومن الانكماش، وأول مقترح هو أن يصدر عن المجمع توصية إلى جميع رؤساء الدول وإلى الحكومات أن يوسعوا في الأوقاف، وأن يعيدوا لهذا التشريع الإسلامي قدرته على تلبية حاجات المجتمع.
ثانيا: لهذا التوسيع أرى أن وقف النقود جائز ويجب ويتحتم أن يكون هذا أمرا مفروغا منه وفيه توصية، وقد ذكر الإمام الأبِّي في شرح إكمال الإكمال على صحيح مسلم أنه كان بجامع الزيتونة وقف نقدي يأخذ منه كلُّ من قام إلى صلاة الصبح ووجد نفسه مجنبا ولم يجد مالا؛ يذهب إلى ذلك فيأخذ ما يكفيه لدخول الحمام، ثم يعيد المال إلى ذلك الصندوق. هذه الطريقة وقعت في عهد الإمام الأبي، أما اليوم فهناك طرق أخرى لكن المهم هو أن يوسع في هذا.
ثالثا: إن يوسع في الوقف أو الحبس في الحقوق الأخرى، كـ حقوق الاختراع، ونحن نعلم أن جائزة نوبل للسلام إن هي إلا وليدة حقوق هذا الرجل فيما اخترعه فأصبحت أكبر جائزة في العالم.
فإذن أولا: تؤخذ العقارات التي توسع في قاعدة الوقف.
ثانيا: الاحتفاظ بالوقف، بعد أن يوجد لا بد أن يبقى، وهذا يفرض علينا:
أولا: أن الفتاوى التي صدرت في عهد الرجوع والركود للعالم الإسلامي، والتي حاول فيها بعض الفقهاء في تركيا وفي غيرها من الكردار والحكر وغيره هذه حلول جاءت لظروف خاصة وفي وقت تراجع الحضارة الإسلامية وضعفها، فلا ينبغي أن ننظر إليها كأسس فقهية يعتمد عليها وتطبق، بل يجب أن تزال باعتبار أنها قد زالت بزوال أسبابها.
وقع التعرض لـ لمغارسة، والمغارسة في الفقه المالكي يجوز أن تعطى الأرض مغارسة، لكن ما معنى أن تعطى الأرض مغارسة؟ القائم على الوقف هو عليه أن يجتهد في كل ما يعود على الوقف بطريقة أفضل، أنا أعرف في بلدي على بعد ستين كيلو مترا من المدينة التي أسكنها كانت أراضي شاسعة هي مراع فقط لأنها أوقاف، وأعطيت هذه الأراضي مغارسة فأصبح إنتاجها السنوي يقدر بالمليارات كل سنة للوقف، وعندما أقول بالمليارات فأنا لا أبالغ في ذلك.
فأعتقد أن الآليات التي تستثمر بها الأوقاف يجب ألا نحصرها في حدود ضيقة، ولكن نطبق عليها القواعد الشرعية، وما أجازه الشرع يقبل.
وشكرا لكم.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، أريد أن أقضي الدين الذي علي وهو أن أقدم الدليل، حضرتك طلبت مني دليلا وسندا وسلفا من الفقهاء بهذا، أما السند والدليل فهو حديث الغار، أحد الثلاثة الذين حبسوا في الغار حينما استأجر أجيرا وسخط هذا الأجير على أجره، أخذ هذا المال الذي خصصه له وثَمَّرَهُ حتى أصبح واديا فيه من الغنم والإبل والبقر الكثير، هذا بالنسبة للدليل، تصرف واستثمر مال غيره بدون إذنه لما فيه المصلحة وهو من باب الفضالة.
أما السلف فهو الإمام البخاري وهو فقيه المحدثين، وقد ترجم لهذا الحديث بهذا المعنى، يعني تنمية مال الغير بغير إذنه، وكما تعلمون فقه البخاري في تراجم أبوابه.
والحمد لله رب العالمين.
الشيخ علي التسخيري:
هذا مع الضمان وليس من الضمان.
الشيخ عبد الستار:
هذا مما سكت عنه فيترك للمجتهدين.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
لعلكم ترون مناسبا أن تتألف لجنة لهذا الموضوع من العارض والمقرر والشيخ عبد السلام العبادي، والشيخ علي السالوس، والشيخ تقي العثماني، والشيخ عبد الرحمن الأطرم، والأستاذ عبد اللطيف الجناحي.
وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 118 (1 /13)
بشأن
استثمار الأوقاف ومواردها
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من (7 إلى 12) شوال 1422 هـ، الموافق (22- 27) ديسمبر 2001 م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (استثمار الأوقاف ومواردها) الواردة إلى المجمع في دورته الثانية عشرة وفي هذه الدورة، وبعد الاطلاع على قرار المجمع بخصوص الوقف في دورته الرابعة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.
قرر ما يأتي:
تأجيل النظر في موضوع (استثمار الأوقاف ومواردها) لإصدار القرار الخاص به إلى دورة قادمة من أجل مزيد من الدراسة والبحث.
والله الموفق