الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشاركة المتناقصة
طبيعتها وضوابطها الخاصة
إعداد
الدكتور عبد السلام العبادي
عضو المجمع
رئيس مجلة أمناء جامعة آل البيت
أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية
وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية السابق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، حمد الموقنين به، المتوجهين إليه بخالص العبادة، وصادق الدعاء، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم، صلاة دائمة وسلاما موصولا، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين وعلى من التزم بشرعه إلى يوم الدين.
وبعد؛ فهذا بحث مقدم للدورة الثالثة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة بدولة الكويت الشقيق في الفترة (7- 12 شوال 1422 هـ الموافق 22- 27 ديسمبر 2001 م) وذلك في موضوع المشاركة المتناقصة، بهدف بيان طبيعتها ومجالات عملها وضوابطها الشرعية، والتي تعتبر من صيغ التمويل المهمة في البنوك الإسلامية.
وسوف أحاول في هذا البحث التصدي لموضوع المشاركة المتناقصة بشكل مباشر دون حديث عن العقود المتعلقة به ودون بيان تفصيل لبعض المبادئ الفقهية الأساسية التي بني عليها هذا العقد وأمثاله؛ كمبدأ أن الأصل في العقود الإباحة، إلا إذا كان في ذلك تحليلا للحرام أو تحريما للحلال، وكمبدأ أن الوعد ملزم إذا أدخل في عهدة في الراجح من أقوال العلماء.
وعلى ضوء ذلك فإن هذا البحث ينقسم إلى المطلبين التاليين:
المطلب الأول: تعريف المشاركة المتناقصة وبيان طبيعتها ومجالات عملها.
المطلب الثاني: أهم ضوابطها الشرعية وأحكامها الخاصة.
***
المطلب الأول
تعريف المشاركة المتناقصة وبيان طبيعتها ومجالات عملها
جاءت نشأة هذا العقد ليكون أداة تمويلية قائمة على استبعاد التمويل بالفائدة وذلك في إطار البنوك الإسلامية
…
ولكن طبيعته تسمح بقيامه خارج هذا الإطار إذا كان المراد في العملية الاستثمارية أن تؤول إلى خروج أحد الشركاء أولا فأول وبالتدريج من الشركة بعد أن قام بدور رئيس في تمويل بناء أو إنشاء المشروع الذي قامت من أجله الشركة.
وقد تفتق الذهن الفقهي المعاصر عن استخدام واسع لهذه الصيغة في آفاق تمويلية عديدة
…
مما جعل لهذا العقد الجديد في مجمل علاقاته وروابطه والأصيل في مكوناته وحقائقه دورا هاما وأهمية خاصة في الاقتصاد الإسلامي المعاصر.
فالشركة أساسه، والتراضي عنوانه، فهو إبراز لثروات الفقه الإسلامي الواسعة، ودليل بيِّن على إمكانية استحداث مزيد من العقود الجديدة، وبنائها على القواعد الثابتة والراسخة في الفقه الإسلامي بهدف تلبية الحاجات المستجدة في المجتمع المعاصر.
ولعل أقدم تعريف لهذا العقد هو التعريف الوارد في قانون البنك الإسلامي الأردني الصادر سنة 1978م، حيث عرفه بقوله في المادة الثانية: المشاركة المتناقصة: دخول البنك بصفة شريك ممول- كليا أو جزئيا- في مشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس الاتفاق مع الشريك الآخر بحصول البنك على حصة نسبية من صافي الدخل المتحقق فعلا مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي أو أي قدر منه يتفق عليه ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل.
وهذا القانون كان مجلس الإفتاء الأردني (لجنة الإفتاء في حينه) قد أقره بعد مناقشات طويلة وتعديلات عديدة سنة 1977م وقد كان لي شرف المشاركة بذلك.
وفي بحثي عن سندات المقارضة الذي قدمته لمجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة عند دراستي للأساس الفقهي لهذه السندات بخصوص تصوير العلاقة الحقوقية التي تقوم بين المكتتبين فيها والجهة المصدرة لها، ومعرفة مدى انطباقها على القواعد المقررة في الفقه الإسلامي، بينت أن هذه السندات باعتبارها صورة من صور التعامل الجديد لا تتضمن تحليلا لحرام أو تحريما لحلال، وإنها يتجاذبها عند الباحثين أساسان من أسس التعامل، وهذان الأساسان هما: عقد المضاربة، وعقد الشركة
…
حيث أوضحت أن المراد بذلك المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك على خلاف وتفصيل بينته هناك (1) . وواضح أن طبيعة هذا العقد تقوم على تداخل بين مجموعة عقود تأخذ بعضها برقاب بعض، فهناك عقد شركة يقوم بين الشريك وطالب التمويل في مشروع معين، وهناك وعد من البنك يلتزم فيه ببيع أجزاء من حصته بشكل تدريجي بقدر المال الذي دفعه لإقامة المشروع على أساس نسبة من الدخل الذي يتحقق للمشروع، يأخذها البنك لغرض سداد هذا المال بصرف النظر عن القيمة السوقية التي أصبح المشروع يساويها، ويلتزم البنك بذلك من منطلق أن اتفاقه مع طالب التمويل أعطاه الحق في نسبة من دخل المشروع ربحا يتحقق له، ومنها عقود الاستثمار لهذا المشروع ليحقق دخلا يجري اقتسامه بنسب متفاوتة على ضوء دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، وقد جرى تحديد هذه النسبة على أسس اقتصادية سليمة تجعل مما يتحقق من هذه النسبة ربحا معقولا يناله البنك من تمويله هذا المشروع
…
(1)(انظر بحثي عن سندات المقارضة، ص 11-18)
وواضح أن هذا الربح ليس محسوبا على أساس نسبة المال الذي دفعه البنك- كما هو الحال في العمليات الربوية- إنما هو نسبة من دخل المشروع المتوقع الذي قد يتحقق، وقد لا يتحقق، وقد جرت الحسبة على أساس توقع الربح وفق قواعد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات
…
ولكن الربح قد يتحقق بأكثر من المتوقع، كما أن الخسارة قد تتحقق فلا يأتي المشروع بشيء، أو يأتي بالقليل الذي يجعل من هذا الأسلوب الشرعي أسلوبا فيه مخاطرة وتعرض لاحتمالات الربح والخسارة، بخلاف ما عليه الحال في التمويل الربوي الذي تكون فيه الفائدة محسوبة بنسبة متفق عليها على أساس رأس المال، وهذا ما يميز عمليات التمويل الإسلامية.
ومن هنا فإن أسلوب التمويل بـ المشاركة المتناقصة إذا رافقه ما يؤدي في الواقع إلى ضمان الربح بقدر معين فإنها عند ذلك تخرج من الحلال إلى الحرام. وواضح أن العقود التي يجري استثمار المشروع فيها متنوعة وفق طبيعة المشروع نفسه مصنعا كان أو بناية أو مزرعة أو غير ذلك، مما يشمل عقود البيع والإجارة والمزارعة.
***
المطلب الثاني
أهم الضوابط الشرعية والأحكام
الخاصة المقررة لعقد المشاركة المتناقصة
يخضع هذا العقد للأحكام العامة المقررة للعقود في الفقه الإسلامي؛ كضرورة توافر التراضي بين المتعاقدين، وكذلك يخضع للأحكام العامة المقررة لعقد الشركة؛ مثل ضرورة الاتفاق على النسب الخاصة بكل الشركاء، وألا يكون موضوع الشركة مجهولا، وألا يجري تحديد مبلغ محدد لأحد الشركاء بصرف النظر عما تحققه الشركة من ربح، أو أن يتم إلزام أحد الشركاء بنفقة الشركة دون غيره مما هو مبين في عقد الشركة في الفقه الإسلامي، وما يتعلق بها من أركان وشروط.
أما الأحكام والضوابط الخاصة بهذا العقد فمن أوضحها ضرورة أن تكون نسب توزيع ربح الشركة منسوبة للربح أو الدخل لا للمال الذي دفعه الممول بنكا أو غيره، فلا يصح حساب الدخل مسبقا منسوبا للمال الذي دفع، ثم توزيعه بين نسبة للبنك سدادا لرأس ماله المدفوع ونسبة له ربحا من المشروع ونسبة أخرى لطالب التمويل صاحب المشروع (كاملا في النهاية) إذا كان قد قدم أرضا لإقامة المشروع أو غيرها.
وقد أخطأت بعض الجهات التمويلية في بعض صور هذا العقد عندما يكون التمويل لمشروع سوف يستخدمه طالب التمويل، فيجري حساب الأجرة سلفا على أساس معدلات الفائدة القائمة أو المخفضة؛ مما يعني أننا أصبحنا أمام صورة ربوية واضحة.
وقد سئل مجلس الإفتاء الأردني عن حالة من هذا النوع جرى فيها تقدير الدخل ابتداء منسوب إلى التمويل المدفوع من البنك، وذلك لأن الشخص يرغب باستخدام البناء الممول البنك لسكنه الشخصي، وقد طالب بعض موظفي البنوك الإسلامية بتقديم طريقة إسلامية مناسبة لتمويل بناء مساكن لغرض سكنهم الشخصي، وقد أجابهم المجلس في قراره رقم (4) لسنة 2001م والذي كان لي شرف صياغته الأولية
…
حيث ورد في هذا القرار: [أن المجال مفتوح أمام موظفي البنوك الإسلامية وغيرهم من أجل الحصول على مساكن لهم وفق إحدى الصيغ التالية:
الصيغة الأولى: صيغة المرابحة للأمر بالشراء المعروفة، والتي يتحمل فيها الموظف كلفة العمالة اللازمة للبناء، ويقدم فيها البنك تمويل المواد التي يمكن شراؤها بالمرابحة بحيث تدخل في ملك البنك وضمانه.
ويمكن استخدامها أيضا لشراء شقة أو بناية وفق ما هو معروف في بيع المرابحة.
الصيغة الثانية: صيغة الاستصناع، وعند ذلك يتحمل البنك كلفة جميع التمويل وفق شروط هذه الصيغة، ويمكن من خلالها استصناع بناية أو شقة حسب الحال.
أما الصيغة المعروضة على مجلس الإفتاء تحت مسمى (المشاركة المتناقصة) والعقد المرفق، فهي تختلف عن طبيعة هذا العقد، كما هو معروف في تعريفه المستقر في قانون البنك الإسلامي الذي حظي بموافقة مجلس الإفتاء، حيث إن القانون قد عرفه:(دخول البنك بصفة شريك ممول- كليا أو جزئيا- في مشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس الاتفاق مع الشريك الآخر بحصول البنك على حصة نسبية من صافي الدخل المتحقق فعلا، مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي أو قدر منه يتفق عليه ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل) .
مما يعني أن دخل المشروع المبني وفق هذا العقد هو متوقع عند إبرام العقد، وأن الذي يحدد هذا الدخل المتوقع هو واقع السوق بعد إنجاز المشروع.
ولا يصح أن يقدر هذا الدخل ابتداء منسوبا إلى التمويل المدفوع من البنك، مما يجعل الأمر محسوبا على أساس الفائدة المخفضة، كما جرى في الحالة المعروضة على المجلس وكونها مخفضة، لا يخرجها عن طبيعتها المحرمة في نظر الشريعة.
وحتى تجوز هذه الصيغة، فلا يصح حساب الدخل المتوقع للمشروع بهذه الطريقة، إنما الأصل أن تترك للسوق.
وبما أننا أمام رغبة الموظف في الحصول على سكن سيستخدمه هو شخصيا ولن يعرض المشروع في السوق لغرض تأجيره، فالبديل الشرعي المقبول هو أن تقوم لجنة من الخبراء الثقات العدول بتقدير أجر مثله بعد إنجازه، وبناء على تقدير حقيقي لأسعار الشقق والمنازل المماثلة.
وبالتالي لا بد من صياغة العقد صياغة جديدة على هذا الأساس، والذي هو فارق التمييز بين الصيغة المقبولة شرعا وغير المقبولة شرعا، هذا إذا رغب الموظف والبنك في أن يلجؤوا إلى أسلوب المشاركة المتناقصة، وإلا أمكنهم اللجوء إلى الصيغ الأخرى المشار إليها أعلاه. والله أعلم بالصواب.
ومن القضايا التي بحثها العلماء في تفصيلات هذا العقد موضوع الوعد بالبيع التدريجي لحصة البنك في المشروع، والوعد بالشراء التدريجي من طالب التمويل الذي ستؤول ملكية المشروع له؛ حيث إن المتعاقدين قد اتفقا على أساس مرتب لتحقيق هذا الانتقال التدريجي، فهو عقد تتناقص نسبة ملكية الشريك الممول وتتزايد ملكية الشريك الآخر لينتهي العقد بتملكه كامل المشروع، لذلك فإن من تسميات هذا العقد المشهورة أيضا المشاركة المنتهية بالتمليك.
ومن القضايا التي بحثها العلماء بخصوص هذا العقد هو كيف يمكن أن تصفى الشركة إذا لم يتحقق دخل للمشروع ولم يمكن استثماره، فهل يجوز أن يتفق المتعاقدان في المشاركة المتناقصة على مدة لهذا العقد تجري بعدها تصفية الشركة ليؤول المشروع كاملا لطالب التمويل وفق قواعد واضحة يتفقان عليها؟ وقد فعلت البنوك الإسلامية ذلك مرفقا فيما يلي الصيغة المقررة لعقد المشاركة المتناقصة المعتمد في البنك العربي الإسلامي الدولي، وكذلك العقد المعتمد في البنك الإسلامي الأردني، وهما عقدان اعتمدتهما هيئات الرقابة الشرعية في البنكين.
وقد ورد في الفقرة (ح) من المادة (8) من هذا العقد في البنك العربي الإسلامي الدولي، والفقرة (ط) من المادة (8) من هذا العقد في البنك الإسلامي الأردني بيان مدة العقد، وورد في الفقرة (ب) من المادة (12) من هذا العقد في العقدين المعتمدين في هذين البنكين أنه في حالة انتهاء مدة العقد لأي سبب وامتناع الفريق الثاني عن تسديد رصيد ما عليه من الحقوق الناشئة و/ أو المتعلقة بهذا العقد وتطبيقاته من موارده الأخرى؛ فمن حق البنك (الفريق الأول) طرح سند تأمين الدين للتنفيذ وفق الأصول.
وهذا يعني أن الفريق الثاني قد التزم بشراء ما تبقى من حصة الشريك الممول (البنك) بما يعادل ما تبقى من رأس المال الذي دفعه ولم يسدد من دخل المشروع. ومادام أن التراضي قد تم على ذلك وليس هنالك أي جهالة مفضية للنزاع، فلا مانع من ذلك وهو ما أقرته هيئات الرقابة الشرعية للبنكين.
وقد أكدت المؤتمرات المصرفية التي تبنت هذا العقد على أنه لا يصح أن تكون المشاركة المتناقصة مجرد تمويل من البنك، فلا بد أن تكون المشاركة حقيقية، وأن يتحمل جميع الأطراف الربح والخسارة، كما أكدت على ضرورة أن يمتلك البنك حصة في المشاركة ملكا تاما وأن يتمتع بحقه في الإدارة والتصرف، وأنه في حال توكيل الشريك الآخر بذلك فإن للبنك حق مراقبة الأداء ومتابعة المشروع.
كما أكدوا على ضرورة ألا يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطا يقضي برد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح، لما في ذلك من شبهة الربا (1) .
والواقع أن هذا الأمر الأخير هو من باب الاحتياط ولا ضرورة له مادام أن العملية مربوطة باستثمار قد يتحقق له دخل وقد لا يتحقق كما أوضحت سابقا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1)(انظر: فقه المعاملات، المقرر في برنامج التربية المعتمد في جامعة القدس المفتوحة: 2/18-19)
***
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما)) (1) .
البنك العربي الإسلامي الدولي ش م ع ISLAMIVC INTERNATIONAL
ARAB BANK plc
عقد مشاركة متناقصة
إنه في يوم.......الموافق / / هجرية الموافق / / ميلادية حُرِّرَ هذا العقد بين كل من:
1-
البنك العربي الإسلامي الدولي ش م ع ويشار إليه في هذا العقد بالفريق الأول.
2-
والسيد/ السادة:.......................ويشار إليه في هذا العقد بالفريق الثاني.
3-
والسيد/ السادة:......................ويشار إليه في هذا العقد بالفريق الثالث (الكفيل) .
المقدمة:
لما كان الفريق الثاني يملك قطعة الأرض رقم...................................حوض.................... رقم...............من القرية / المدينة................................. القضاء / المحافظة...................والبالغة مساحتها..................متر مربع/ دونم، وهي بوضعها الحالي خالية من أي حقوق عينية أصلية أو تبعية للغير، وبما أن الفريق الثاني يرغب في استثمار الأرض الموصوفة أعلاه، وذلك عن طريق إنشاء.....................على أساس قيام الفريق الأول بتمويل تنفيد البناء المطلوب تمويلا كليا أو جزئيا حسب ما هو مدون في هذا العقد.
فقد تم الاتفاق بين الفريقين المتعاقدين على ما يلي:
(1)(أخرجه أبو داود)
1-
تعتبر مقدمة هذا العقد جزءا لا يتجزأ منه.
2-
إيفاء بالغايات المقصودة في هذا العقد، وبالإضافة إلى ما ورد في المقدمة أعلاه، يكون للكلمات والعبارات الآتية المعاني المخصصة لها أدناه، إلا إذا دلت القرينة على خلاف ذلك:
أ- (البنك) المركز الرئيسي للفريق الأول، أو أي فرع من فروعه، أو كليهما معا.
ب- (المصاريف) رسوم الطوابع ونفقات البريد والهاتف والتلغراف والتلكس والفاكس، وأي رسوم أخرى، وأتعاب المحاماة، وغيرها مما يتكلفه البنك فيما يتعلق بتنفيذ هذا العقد.
ج- (المكتب الهندسي) المكتب الذي يعتمده الفريق الأول، أو يوافق على قيامه بإعداد الدراسات والمخططات وأي خدمات هندسية أخرى قد يكلف بها.
د- (المخططات الهندسية) المخططات المعدة من المكتب الهندسي الوارد في الفقرة (ج) وتعتبر هذه المخططات جزءا لا يتجزأ من هذا العقد.
هـ- (المهندس المشرف) المهندس المرخص الذي يشرف على أعمال الإنشاءات منذ المباشرة فيها إلى أن تصبح معدة للاستغلال، والذي يعتمده الفريق الأول أو يوافق عليه.
و (التمويل بطريق المشاركة المتناقضة) دخول الفريق الأول بصفة شريك ممول في المشروع موضوع هذا العقد، حسب المخططات المعدة من المكتب الهندسي الواردة في الفقرة (ج) ، وأي تعديلات تطرأ عليها وذلك على أساس شروط هذا العقد.
3-
يُقِر الفريق الثاني أنه قد اطلع على عقد التأسيس، والنظام الداخلي، للفريق الأول، ويلتزم بهما في تعامله معه وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
4-
يلتزم الفريق الثاني أن يقوم برهن قطعة الأرض الموصوفة في مقدمة هذا العقد رهنا من الدرجة الأولى لصالح الفريق الأول، بقيمة التمويل المطلوب بهذا العقد ويستمر الرهن قائما لحين استيفاء الفريق الأول جميع حقوقه المترتبة في ذمة الفريق الثاني الناشئة و/ أو المتعلقة بهذا العقد.
5-
يوافق الفريق الأول على تمويل الفريق الثاني بطريق المشاركة المتناقصة، لإقامة الإنشاءات الواردة في المخططات الهندسية المبينة في البند (2/ د) ، بتقديم مبلغ حده الأقصى (............................) دينارا أردنيا، ليتم دفعه وفق شروط هذا العقد وملحقاته.
6-
أ- يلتزم الفريق الثاني بدفع جميع المصاريف الإدارية، وأتعاب المكتب الهندسي، والمهندس المشرف، ورسوم الترخيص، والرسوم والضرائب الحكومية والبلدية، ورسم التأمين العقاري وفكه ومصاريف الصرف الصحي وإيصال الخدمات، وأي نفقات أخرى يدفعها الفريق الأول من موارده الخاصة مباشرة إلى الجهة ذات العلاقة، إلا إذا وافق الفريق الأول على إضافة هذه النفقات أو جزءا منها إلى أصل التمويل المطلوب.
ب- في حالة امتناع الفريق الثاني عن الدفع لأي سبب كان، ومع الاحتفاظ بجميع حقوق الفريق الأول المنصوص عليها في هذا العقد الناشئة و/ أو المتعلقة بإخلال الفريق الثاني بهذا الالتزام يحق للفريق الأول دون أن يكون ملزما بذلك أن يدفع أيا من الالتزامات المشار إليها أعلاه، وقيدها على حساب الفريق الثاني لديه.
ج- يقر الفريق الثاني ويضمن أن العقار موضوع هذا العقد خال من جميع الحقوق العينية أيا كان نوعها كالوقف والحكر والإجارة وحقوق الارتفاق والانتفاع ظاهرة كانت أم خفية، كما يقر الفريق الثاني بأنه حائز للعقار موضوع هذا العقد دون منازعة وأن العقار كامل المرافق وليس عليه أي حق امتياز لصالح الغير.
7-
يدفع الفريق الأول مقدار التمويل المتعاقد عليه إلى متعهد البناء، بموجب فواتير مصادق عليها من الفريق الثاني، وعلى مراحل، وفق إنجاز كل مرحلة على حده، وفي حال امتناع الفريق الثاني عن التوقيع في دون مبرر فيكتفي بتوقيع المهندس المشرف.
ويحق للفريق الأول أن يطلب أن تكون الدفعات مسبوقة بتقرير من المكتب الهندسي أو من المهندس المشرف، أو من كليهما معا، كما يحق له الامتناع عن الدفع حتى يستوثق من صحة مرحلة الإنجاز وأحقية الدفعة المتعلقة بها.
8-
يكون حق استغلال منفعة البناء مفوضا إلى الفريق الأول تفويضا مطلقا عاما شاملا، ولا يجوز للفريق الثاني الرجوع عن هذا التفويض، لتعلق حق الفريق الأول به، ووفق ما يلي:
أ- يكون للفريق الأول الحق منفردا في إبرام عقود الإيجار، وتحديد شروطها، وله أن يستأنس برأي الفريق الثاني، إذا رأى ذلك مناسبا.
ب- أن عقود الإيجار التي يبرمها الفريق الأول بموجب هذا العقد، تكون ملزمة للفريق الثاني حتى بعد انتهاء تنفيذ هذا العقد.
ج- يتعهد الفريق الثاني بعدم القيام بأي تصرف أو إجراء قانوني على قطعة الأرض الموصوفة أعلاه (على البناء أو الأبنية المقامة عليها) يتعارض أو يعرقل تنفيذ شروط هذا العقد، مثل البيع أو الرهن ثانية أو الإيجار دون موافقة الفريق الأول أو أي حق من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية وغيرها من التصرفات القانونية التي قد تتعارض مع الحق الذي يعطيه هذا العقد للفريق الأول.
د- يتقاضى الفريق الأول نسبة (%)(بالمائة) من إجمالي كل إيراد ربحا له، سواء أكان الإيراد بدل إيجار أو بدل مفتاحية أو بدل خلو أو غير ذلك.
هـ- يكون للفريق الثاني بنسبة (%)(بالمائة) من إجمالي كل إيراد ريعا له، سواء أكان الإيراد بدل إيجار أو بدل مفتاحية أو بدل خلو أو غير ذلك، حيث يقبضه الفريق الأول ليقيده في حساب خاص لديه لتسديد أصل التمويل المدفوع من الفريق الأول.
و يحق للفريق الأول أن يقيد على الحساب الخاص المذكور في البند (هـ) أي مصاريف أو نفقات أو التزامات، يدفعها الفريق الأول حسب شروط هذا العقد، حيث يكون الرصيد المتبقي مخصصا لتسديد أصل ما قدمه الفريق الأول من تمويل، وعند تسديد مبلغ التمويل بكامله تؤول الأرض وما عليها من بناء و/ أو أي حقوق و/ أو التزامات ناشئة و/ أو متعلقة بهذا العقد إلى الفريق الثاني.
ز- يجوز للفريق الأول أن يدفع إلى الفريق الثاني نسبة () من إجمالي الإيرادات المقيدة في الحساب الخاص المذكور في البند (هـ) أعلاه ويبقى الرصيد المحتفظ به مخصصا للتسديد حسب شروط هذا العقد.
ح- مدة هدا العقد.........................تبدأ من...........................................
ط- يحق للفريق الأول الاطلاع على دفاتر وسجلات الفريق الثاني عند الضرورة.
9-
إذا تخلف الفريق الثاني عن القيام بأي التزام من الالتزامات المنصوص عليها في هذا العقد، يحق للفريق الأول أن يقوم مقامه ويؤدي الالتزام الذي تخلف الفريق الثاني عن أدائه، ويحسم ذلك من حقوق الفريق الثاني إن وجدت، أو تقيد على حسابه، بالإضافة إلى أي مصاريف أخرى أو أتعاب للفريق الأول، أو أي عطل وضرر يلحق بالفريق الأول من جراء ذلك، والرجوع على الفريق الثاني في أي حال بالقيد على حسابه دون إخطار عدلي.
10-
إذا تخلف الفريق الثاني عن إتمام البناء وفق المخططات الهندسية يحق للفريق الأولى دون أن يكون ملزما بذلك أن يقوم مقامه، ويكمل البناء الذي تخلف الفريق الثاني عن إكماله، ويحسم ذلك من حقوق الفريق الثاني إن وجدت، أو تقيد على حسابه، بالإضافة إلى أي مصاريف أخرى أو أتعاب للفريق الأول، أو أي عطل وضرر لحق الفريق الأول من جراء ذلك والرجوع على الفريق الثاني في أي حال، بالقيد على حسابه دون إخطار عدلي.
11-
يحق للفريق الأول أن يطلب كفيلا أو أكثر لكفالة الفريق الثاني في كافة الحقوق العائدة و/ أو التي ستعود للفريق الأول و/ أو الناشئة و/ أو المتعلقة بهذا العقد، وتكون كفالة الكفيل/ الكفلاء مطلقة وبصورة التكافل والتضامن مع الفريق الثاني، في كل ما يتعلق بهذا العقد، وأي التزامات مترتبة عليه أو ناشئة عنه.
12-
أ- يحق للفريق الأول وقف العمل بهذا العقد بإرادة منفردة، إذا تبين له عدم جدوى الاستمرار في التمويل و/ أو إذا خالف الفريق الثاني أي شرط من شروط هذا العقد و/ أو إذا تخلف عن القيام بأي التزام من الالتزامات المترتبة عليه بموجب هذا العقد، وللفريق الأول الحق بطرح سند تأمين الدين للتنفيذ دون أن يكون للفريق الثاني أي حق في الطعن بذلك أمام أي جهة قضائية أو إدارية أو غيرها.
ب- يكون للفريق الأول الحق في حالة انتهاء مدة العقد لأي سبب، وامتناع الفريق الثاني عن تسديد رصيد ما عليه من الحقوق الناشئة و/ أو المتعلقة بهذا العقد وتطبيقاته من موارده الأخرى، طرح سند تأمين الدين للتنفيذ وفق الأصول، دون أن يكون للفريق الثاني أي حق في الطعن بإجراءات تنفيذه بأي صورة من صور الطعن أمام القضاء أو المراجع الإدارية أو أي جهة رسمية ذات علاقة.
13-
يصرح الفريقان الأول والثاني بما يلي:
أ- أن الفريق الأول اختار محل إقامته في......................................................
ب-أن الفريق الثاني اختار محل إقامته في.....................................................
وذلك لغايات أي إشعارات أو تبليغات أو إخطارات عدلية أو تبليغات قضائية.
14-
يكون الفريق الثاني ملزما بضريبة الدخل عن الأرباح التي عادت له بموجب هذا العقد، سواء التي استوفاها أو التي قيدت في الحساب المخصص لتسديد أصل قيمة التمويل، باعتبار هذا المبلغ ريعا للفريق الثاني مخصصا للتسديد من أصل قيمة التمويل المتحقق للفريق الأول.
15-
يجري تثبيت لافتة بالبيانات التي يعدها الفريق الأول على مكان بارز في البناء، موضوع هذا العقد حتى سداد كامل قيمة التمويل.
16-
يعفى الفريق الأول من توجيه إخطارات عدلية أو سواها لغايات الرجوع على الفريق الثاني، بأي حقوق يدعيها، ناشئة و/ أو متعلقة بهذا العقد، بما في ذلك الادعاء بالعطل والضرر، وله حق القيد على حساب الفريق الثاني دون إشعار، في جميع الحقوق والالتزامات، سواء كانت للفريق الأول أو للغير.
وللفريق الأول حق تحديد المدة الزمنية لأي من تطبيقات هذا العقد، إذا لم ينص على أي منها صراحة في البنود ذات العلاقة.
17-
يقر الفريق الثاني أن مركزه المالي سليم وليس لديه أي نزاعات مع دائرة ضريبة الدخل أو مؤسسة الضمان الاجتماعي، وأنه لا تترتب بذمته أي حقوق أو التزامات لخزينة الدولة أو أي من مؤسساتها العامة.
18-
يقر الفريق الثاني بأن دفاتر الفريق الأول وحساباته تعتبر بينة قاطعة لإثبات أي مبالغ ناشئة و/ أو متعلقة بهذا العقد وتطبيقاته مهما كانت، مع ما يلحقها من مصاريف، سواء أكانت للفريق الأول أو للغير، ويصرح بأن قيود الفريق الأول وحساباته تعتبر نهائية وصحيحة بالنسبة له، ولا يحق له الاعتراض عليها، كما أنه يتنازل مقدما عن أي حق قانوني يجيز له طلب إجراء الخبرة لغايات تدقيق حسابات الفريق الأول وقيوده من قبل أية محكمة، أو إبراز دفاتره وقيوده. وتعتبر الكشوفات المنسوخة عن تلك الدفاتر والحسابات، والتي يصادق موظفو الفريق الأول المختصون على مطابقتها للأصل، بينة كافية لتحديد أي التزامات على الفريق الثاني.
19-
تكون محاكم عمان هي المختصة دون سواها بالفصل في أي طلبات و/ أو قضايا ناشئة و/ أو متعلقة بهذا العقد.
20-
تسري على هذا العقد أحكام القوانين والأنظمة المرعية في المملكة الأردنية الهاشمية فيما عدا ما نص عليه في هذا العقد بين الفريقين.
21-
وقع هذا العقد من قبل الفريقين بتاريخ / / هـ، الموافق / / م، على نسختين أصليتين، ويسقط الفريق الثاني حقه في الادعاء بكذب الإقرار و/ أو أي دفع شكلي و/ أو موضوعي، ضد ما جاء في هذا العقد.
الفريق الثالث (الكفيل/ الكفلاء) الفريق الثاني الفريق الأول
بالتكافل والتضامن البنك العربي الإسلامي الدولي ش م ع
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما)) . رواه أبو داود
البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار
عقد مشاركة متناقصة
بين: البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار فرع والمسمى فيما بعد الفريق الأول.
والسيد/ السادة:.................................. والمسمى/ المسمون فيما بعد الفريق الثاني.
لما كان الفريق الثاني يملك قطعة الأرض رقم..........................نوع................... حوض.................... رقم.................من القرية/ المدينة..................القضاء/ المحافظة................ والبالغة مساحتها.................دونم.............................متر مربع وهي بوضعها الحالي خالية من أي حقوق عينية أصلية أو تبعية.
وبما أن الفريق الثاني يرغب في استثمار الأرض الموصوفة أعلاه، وذلك عن طريق إنشاء....................، على أساس قيام الفريق الأول بتمويل تنفيذ البناء المطلوب تمويلا كليا أو جزئيا حسب ما هو مدون في هذا العقد.
فقد تم الاتفاق بين الفريقين المتعاقدين على ما يلي:
1-
إيفاء بالغايات المقصودة في هذا العقد، وبالإضافة إلى ما ورد في المقدمة أعلاه، يكون للكلمات الآتية المعاني المخصصة لها أدناه، إلا إذا دلت القرينة على خلاف ذلك:
أ- تشمل كلمة (البنك) مركز البنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار، أو أي فرع من فروعه، أو كليهما معا.
ب- تشمل كلمة (المصاريف) نفقات الطوابع والبريد والهاتف والتلغراف والتلكس، والرسوم على اختلاف أنواعها، وأتعاب المحاماة، وغيرها مما يتكلفه البنك فيما يتعلق بتنفيذ هذا العقد.
جـ- تشمل عبارة (المكتب الهندسي) المكتب الذي يعتمده الفريق الأول، أو يوافق على قيامه بإعداد الدراسات والمخططات وأية خدمات هندسية أخرى قد يكلف بها
د- تشمل عبارة (المخططات الهندسية) المخططات المعدة من المكتب الهندسي الوارد في الفقرة (جـ) وتعتبر هذه المخططات جزءا لا يتجزأ من هذا العقد.
هـ- تشمل عبارة (المهندس المشرف) المهندس المرخص الذي يشرف على أعمال الإنشاءات، حتى تكون معدة للاستعمال، والذي يعتمده الفريق الأول أو يوافق عليه.
و تشمل عبارة (التمويل بطريق المشاركة المتناقضة) دخول الفريق الأول بصفة شريك ممول في المشروع موضوع هذا العقد، حسب المخططات المعدة من المكتب الهندسي الوارد في الفقرة (ج) ، على أساس شروط هذا العقد.
2-
تعتبر مقدمة هذا العقد جزءا لا يتجزأ منه.
3-
يقرر الفريق الثاني أنه قد اطَّلع على عقد التأسيس، والنظام الداخلي، والقانون الخاص بالفريق الأول، ويلتزم به في تعامله معه، وذلك على أساس التعامل الشرعي الحلال.
4-
يلتزم الفريق الثاني أن يقوم برهن قطعة الأرض الموصوفة أعلاه بالدرجة الأولى لصالح الفريق الأول، وذلك لحين استيفاء الفريق الأول جميع حقوقه المترتبة في ذمة الفريق الثاني الناشئة و/ أو المتعلقة بهذا العقد.
5-
يوافق الفريق الأول على تمويل الفريق الثاني بطريق المشاركة المتناقصة، لإقامة الإنشاءات الواردة في المخططات الهندسية المبينة في البند (1/ د) ، بتقديم مبلغ حده الأقصى (.....................................) دينارا أردنيا، ليتم دفعه وفق شروط هذا العقد.
6-
أ- يلتزم الفريق الثاني بدفع جميع المصاريف الإدارية، وأتعاب المكتب الهندسي، والمهندس المشرف، ورسوم الترخيص، والرسوم والضرائب الحكومية والبلدية، ورسم التأمين العقاري وفكه، وأية نفقات أخرى يقررها أو يوافق عليها الفريق الأول، من موارده الأخرى الخاصة مباشرة إلى الجهات ذات العلاقة.
ب- وفي حالة امتناع الفريق الثاني عن الدفع لأي سبب كان، ومع الاحتفاظ بجميع حقوق الفريق الأول المنصوص عليها في هذا العقد الناشئة و/ أو المتعلقة بإخلال الفريق الثاني بهذا الالتزام يحق للفريق الأول أن يدفع أيا من الالتزامات المشار إليها أعلاه، وقيدها على حساب الفريق الثاني لديه، إذا رأى ذلك مناسبا.
7-
يدفع الفريق الأول مقدار التمويل المتعاقد عليه إلى الفريق الثاني أو متعهد البناء، بموجب تعليمات بالصرف إليه، موقعة من الفريق الثاني، وعلى مراحل، وفق إنجاز كل مرحلة على حدة.
ويحق للفريق الأول أن يطلب أن نكون الدفعات مسبوقة بتقرير من المكتب الهندسي أو من المهندس المشرف، أو من كليهما معا، كما يحق له الامتناع عن الدفع حتى يستوثق من صحة مرحلة الإنجاز وأحقية الدفعة المتعلقة بها.
8-
يكون حق استغلال منفعة البناء مفوضا إلى الفريق الأول، تفويضا مطلقا عاما شاملا، ولا يجوز للفريق الثاني الرجوع عن هذا التفويض، لتعلق حق الفريق الأول به، ووفق ما يلي:
أ- يكون للفريق الأول الحق منفردا في إبرام عقود الإيجار، وتحديد شروطها، وله أن يستأنس برأي الفريق الثاني، إذا رأى ذلك مناسبا.
ب- أن عقود الإيجار التي يبرمها الفريق الأول بموجب هذا العقد، تكون ملزمة للفريق الثاني، حتى بعد انتهاء تنفيذ هذا العقد.
جـ- يتعهد الفريق الثاني بعدم القيام بأي تصرف أو إجراء قانوني على قطعة الأرض الموصوفة أعلاه (على البناء أو الأبنية المقامة عليها) يتعارض أو يعرقل تنفيذ شروط هذا العقد، مثل البيع أو الرهن أو الإيجار أو أي حق من الحقوق المتفرعة عن حق الملكية وغيرها من التصرفات القانونية التي قد تتعارض مع الحق الذي يعطيه هذا العقد للفراق الأول.
د- الحقوق المترتبة للفريق الأول بموجب هذا العقد، يلتزم بها الفريق الثاني وخلفه العام.
هـ- يتقاضى الفريق الأول نسبة (%)(بالمائة) من إجمالي كل إيراد ربحا له، سواء أكان الإيراد بدل إيجار أو بدل مفتاحية أو بدل خلو أو غير ذلك.
و يكون للفريق الثاني نسبة (%)(بالمائة) من إجمالي كل إيراد ربحا له، سواء أكان الإيراد بدل إيجار أو بدل مفتاحية أو بدل خلو أو غير ذلك، حيث يقبضه الفريق الأول ليقيده في حساب خاص باسم الفريق الثاني لديه.
ز- يحق للفريق الأول أن يقيد على الحساب الخاص المفتوح باسم الفريق الثاني لديه، أية مصاريف أو نفقات أو التزامات، يدفعها الفريق الأول حسب شروط هذا العقد، حيث يكون الرصيد المتبقي مخصصا لتسديد أصل ما قدمه الفريق الأول من تمويل، وعند تسديد مبلغ التمويل بكامله تؤول الأرض وما عليها من بناء و/ أو أية حقوق و/ أو التزامات ناشئة و/أو متعلقة بهذا العقد إلى الفريق الثاني.
ح- يجوز للفريق الأول أن يدفع إلى الفريق الثاني جزءا من باقي الإيرادات المقيدة في الحساب الخاص المذكور في الفقرة (و) ويبقى الرصيد المحتفظ به مخصصا للتسديد حسب شروط هذا العقد.
ط- مدة هدا العقد........................... تبدأ من........................
9-
إذا تخلف الفريق الثاني عن القيام بأي التزام من الالتزامات المنصوص عليها في هذا العقد، يحق للفريق الأول أن يقوم مقامه ويؤدي الالتزام الذي تخلف الفريق الثاني عن أدائه، ويحسم ذلك من حقوق الفريق الثاني إن وجدت، أو تقيد على حسابه، بالإضافة إلى أية مصاريف أخرى أو أتعاب للفريق الأول، أو أي عطل وضرر يلحق بالفريق الأول من جراء ذلك، والعودة عليه في أية حال بالقيد على حسابه دون إخطار عدلي.
10-
إذا تخلف الفريق الثاني عن إتمام البناء وفق المخططات الهندسية يحق للفريق الأول أن يقوم مقامه، ويكمل البناء الذي تخلف الفريق الثاني عن إكماله، ويحسم ذلك من حقوق الفريق الثاني إن وجدت، أو تقيد على حسابه، بالإضافة إلى أية مصاريف أخرى أو أتعاب للفريق الأول، أو أي عطل وضرر لحق الفريق الأول من جراء ذلك، والعودة على الفريق الثاني في أية حال، بالقيد على حسابه دون إخطار عدلي.
11-
يحق للفريق الأول أن يطلب كفيلا يكفل الفريق الثاني في كافة الحقوق العائدة و/ أو التي ستعود للفريق الأول و/ أو الناشئة و/ أو المتعلقة بهذا العقد، وتكون كفالة الكفيل مطلقة وبصورة التكافل والتضامن مع الفريق الثاني، في كل ما يتعلق بهذا العقد، وأي التزامات مترتبة عليه.
12-
أ- يحق إجراء أية تعديلات على هذا العقد ومن حين إلى آخر باتفاق الفريقين. كما يحق للفريق الأول وقف العمل بهذا العقد بإرادة منفردة، إذا تبين له عدم جدوى الاستمرار في التمويل و/ أو إذا خالف الفريق الثاني أي شرط من شروط هذا العقد و/ أو إذا تخلف عن القيام بأي التزام من الالتزامات المترتبة عليه بموجب هذا العقد، وللفريق الأول الحق بطرح سند وضع الأموال غير المنقولة تأمينا للدين للتنفيذ وفق الأصول، دون أن يكون للفريق الثاني أي حق في الطعن، بأية صورة من صور الطعن أمام القضاء أو المراجع الإدارية أو أية جهات رسمية ذات عَلاقة.
ب- يكون للفريق الأول الحق في حالة انتهاء مدة العقد، وامتناع الفريق الثاني عن تسديد رصيد ما عليه من الحقوق الناشئة و/ أو المتعلقة بهذا العقد وتطبيقاته من موارده الأخرى، طرح سند وضع الأموال غير المنقولة تأمينا للدين للتنفيذ وفق الأصول، دون أن يكون للفريق الثاني أي حق في الطعن بأية صورة من صور الطعن أمام القضاء أو المراجع الإدارية أو أية جهات رسمية ذات علاقة.
13-
يصرح الفريقان الأول والثاني بما يلي:
أ- أن الفريق الأول اختار محل إقامته في....................
ب- أن الفريق الثاني أختار محل إقامته في....................
وذلك لغايات أية إشعارات أو تبليغات أو إخطارات عدلية أو قضائية.
14-
يكون الفريق الثاني ملزما بضريبة الدخل عن الأرباح التي عادت له بموجب هذا العقد، سواء التي استوفاها أو التي قيدت في الحساب المخصص لتسديد أصل قيمة التمويل، باعتبار هذا المبلغ ربحا للفريق الثاني مخصصا للتسديد من أصل قيمة التمويل المتحقق للفريق الأول.
15-
يجري تثبيت آرمة بالبيانات التي يعدها الفريق الأول على مكان بارز في البناء، حتى سداد كامل قيمة التمويل.
16-
إن الفريق الأول معفى من اتخاذ أية إجراءات قانونية من إخطارات عدلية أو سواها لغايات الرجوع على الفريق الثاني، بأية حقوق يدعيها ناشئة و/ أو متعلقة بهذا العقد، بما في ذلك الادعاء بالعطل والضرر، وله حق القيد على حساب الفريق الثاني دون إشعار، في جميع الحقوق والالتزامات، سواء أكانت للفريق الأول أو للغير.
وللفريق الأول حق تحديد المدة الزمنية لأي من تطبيقات هذا العقد، إذا لم ينص على أي منها صراحة في الأوراق ذات العلاقة.
17-
يقر الفريق الثاني بأن دفاتر الفريق الأول وحساباته تعتبر بينة قاطعة لإثبات أية مبالغ ناشئة و/ أو متعلقة بهذا العقد وتطبيقاته مهما كانت، مع ما يلحقها من مصاريف، سواء أكانت للفريق الأول أو للغير، ويصرح بأن قيود الفريق الأول وحساباته تعتبر نهائية وصحيحة بالنسبة له، ولا يحق له الاعتراض عليها، كما أنه يتنازل مقدما عن أي حق قانوني يجيز له طلب تدقيق حسابات الفريق الأول وقيوده من قبل أية محكمة، أو إبراز دفاتره وقيوده.
وتعتمد الكشوفات المنسوخة عن تلك الدفاتر والحسابات، والتي يصادق المفوضون بالتوقيع عن الفريق الأول على مطابقتها للأصل.
18-
إذا وقع خلاف ناشئ عن تطبيق أحكام هذا العقد و/ أو متعلق به، يحق للفريق الأول عرض الخلاف على ثلاثة محكمين، يتم اختيارهم على الوجه التالي:
- حكما يختاره الفريق الأول.
- حكما يختاره الفريق الثاني.
- حكما تختاره غرفة تجارة و/ أو صناعة عمان.
وفي حالة اعتذار غرفة تجارة و/ أو صناعة عمان عن اختيار المحكم الثالث، يقوم المحكمان المختاران من قبل الفريقين باختياره، فإن نعذر ذلك تقوم المحكمة المختصة بتعيينه وفقا لأحكام قانون التحكيم المعمول به في الأردن.
ويتم الفصل في النزاع على أساس الشريعة الإسلامية، ويكون حكمهم، سواء صدر بالإجماع أم بالأغلبية، ملزما للفريقين، وغير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن الجائزة قانونا.
وفي حالة عدم توفر الأغلبية، يحال الخلاف موضوع التحكيم إلى المحاكم النظامية.
وتكون محاكم عمان النظامية هي المختصة دون سواها بالفصل في أيه طلبات و/ أو قضايا تنشأ بمقتضى التحكيم و/ أو ناشئة و/ أو متعلقة به و/ أو بهذا العقد.
19-
تسري على هذا العقد أحكام القوانين والأنظمة المرعية، فيما عدا ما نص عليه من اتفاق بين الفريقين.
20-
وقع هذا العقد من قبل الفريقين بإرادة حرة خالية من العيوب الشرعية والقانونية بتاريخ / / هـ، الموافق / / م، على نسختين أصليتين، ويسقط الفريق الثاني حقه في الادعاء بكذب الإقرار و/ أو أي دفع شكلي و/ أو موضوعي، ضد ما جاء في هذا العقد.
الفريق الثاني الفريق الأول
البنك الإسلامي الأردني
للتمويل والاستثمار
المشاركة المتناقصة وصورها
في ضوء ضوابط العقود المستجدة
إعداد
الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا، وفتح علينا من خزائن علمه فتحا مبينا، ومنَّ علينا بالتحلي بشرعه الشريف ظاهرا وباطنا عملا ويقينا، وجعل أجل الكتب فرقانه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأفضل الهدي سنة نبيه الكريم الذي لا يدرك بشر قصارى مجده ولا شأو شرفه، وخير الأمم أمته المحفوظ إجماعها من الضلال في سبيل الصواب، والفائز أعلامها في استنباط الأحكام بأوفر نصيب من جزيل الثواب، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له إلها مازال عليما حكيما، وأن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله نبيا ما برح بالمؤمنين رؤوفا رحيما، فأقام بيمنه أود الملة العوجاء، وأظهر بمفسر إرشاده محاسن الحنيفية السمحة البيضاء، وأزال بمحكمات نصوصه كل شبهة وريب، وأبان بأوامره ونواهيه منهج الحق طاهرا من كل شين وعيب، وأوضح تقرير الدلالة على طرق الوصول إلى ما شرعه دينه القويم من جميل القواعد وراسخ الأصول، فأضحى منهاج سالكه صراطا سويا، وبحر أفضاله موردا ورواء وشرابا هنيا، وتقويم آيات سماء فضائله حكما ودليلا مهديا، وتنقيح مناط عقائد خرائده روضا أنفا وثمرا جنيا، وتبيين منار بيناته توضيحا باهرا ومنطوقا جليا، وتلويح إشارات عيونه على أنواع فنونه إيماء رائعا ووحيا خافيا، وتحقيق مقاصده بكشف غوامض الأسرار وإفاضة الأنوار في مواقف البيان خطيبا بليغا وكفيلا مليا، وبعد: فليس شيء أشد حربا على الناس مثل الربا، وليس شيء اسعد للناس مثل البيع، ولذا {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، والبيع استثمار، والربا مال يولد المال فيزيد من فقر المحتاج فقرا، ومن غنى المترف غنى، حتى يصاب هذا بالهزال والكساح، وذاك بالتخمة من السحت البواح.
فالربا ضد الاستثمار، وقد ساهم الربا بحظ وافر في تخلف المجتمعات الإسلامية النامية التي تلهث وراء سرابه، وهي أشد ما تكون لاستثمار وتنمية، فالمال يدور بين أصحابه متداولا بينهم، بضد قول الله تعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ} [الحشر:7] .
والربا ظلم عظيم لا يمحقه إلا استثمار عادل، ولا يزال الناس يظلم بعضهم بعضا، وكلما تقدمت بهم حضارة الربا زاد ظلمهم وانتشر، وتوسعت قاعدته واشرأبت رؤوس شياطينه.
ولا يزال الناس يرابون فوق رؤوس أموالهم غير تائبين بضد قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] ، فعين الظلم أن يأخذ الإنسان ما ليس له.
يقول الأمام ابن تيمية: (الربا ظلم للمحتاج؛ فإن الله لم يدع الأغنياء حتى أوجب عليهم إعطاء الفقراء؛ فإن مصلحة الغني والفقير لا تتم إلا بذلك، فإذا أربى معه فهو بمنزلة من له على رجل دين فمنعه وظلمه زيادة أخرى، والغريم محتاج إلى دينه فهذا من أشد أنواع الظلم) .
ويقول الأمام الرازي: (الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة، فوجب أن يكون أخذ المال من غير عوض محرما) .
والربا ضد الصدقة؛ إذ مبناه على الجشع، وهل من مزيد، فكلما زاد الجشع والمزيد، زاد الظلم وتضخم الرصيد، فلا (تكفي الفائدة التي لا يقابلها جهد ولا عمل، بل يركب عليها فائدة تلو الأخرى، حتى يفلس المدين ويودع السجن، وتضيع أسرته، فتكون القاصمة، فمجتمع الربا مجتمع التنافس في الشر والظلم فأنى لفقير صدقة، أو سد جَوْعَةٍ، أو أدنى رحمة وسط مجتمع الربا المستعر.
وما دام الربا ضد الصدقة فهو ضد استثمار النفس في الخير؛ إذ هو معصية وتدنيس، والصدقة طهرة ونظافة) وليس للمرابي للطهر سبيل، قال تعالى.:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103] ، وقد نصر الله من زكى نفسه، وطهرها من الدنس، وذم من دنسها بمعصية الربا، فقال عز وجل:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9- 10] أي أخفاها بالمعصية.
من هنا كان الاستثمار، وأخص طرائقه المشاركة، محور الأعمال المصرفية الإسلامية الأخلاقية.
والاستثمار أمضى أسلحة حربنا للربا، نصرة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ينصر الله ينصره ويثبته، ويعلي شأنه، ويوسع عليه في الدنيا والآخرة. ذلك أن المشاركات مبناها التعاون على البر والتقوى في التجارة، فهي تنمية اقتصادية واجتماعية تلتقي مع التعاون على البر والتقوى في أعمال الخير والنصح والصلة والتآلف والتراحم أسريا واجتماعيا.
إن المشاركة في مفهوم الاقتصاد الإسلامي مسؤولية اجتماعية وأخلاقية وتربوية ثم هي تنموية في هذا كله، إلى جانب كونها مسؤولية مالية اقتصادية، تقوم على مبدأ (الغنم بالغرم) و (الخراج بالضمان) ، والنظام الربوي لا يتحمل المضاربون المغامرون فيه مسؤولية ولا يعنيهم الاستثمار وإعمار البلاد والتوسعة على أهلها في شيء، بل هذا مرجعه لمن أستلم المال يضعه في الحلال أو الحرام.
ولما كانت المشاركات من أهم سبل التنمية فقد تعددت في الفقه الإسلامي طرائقه تبعا لمحله، فقد تكون المشاركة في شركة الملك، أو شركة العقد بأنواعها، من شركة المفاوضة وشركة الأعمال، وشركة العنان وشركة المضاربة.
وإذا كانت المشاركة المتناقصة من قبيل التقاء المال والعمل، فهي مشاركة مشروعة في أصلها، ويبقى وصفها الشرعي المحدد تبعا لمفهومها وشروطها، وضوابطها، وتبعا لصورها وأنواعها، وكيفية تطبيقاتها، وهذا البحث معني بالكشف عن حكم الشرع في ذلك كله.
والله المستعان. الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمي
التعريف
عرف قانون البنك الإسلامي الأردني رقم (13) لسنة 1978م في المادة الثانية المشاركة المتناقصة بأنها: دخول البنك بصفة شريك ممول كليا أو جزئيا في مشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس الاتفاق مع الشريك الآخر بحصول البنك على حصة نسبية من صافي الدخل المتحقق فعلا، مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي أو أي قدر منه يتفق عليه، ليكون ذلك الجزء مخصص لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل.
أو هي كما عرفتها الموسوعة الإسلامية: مشاركة يعطي البنك فيها الحق للشريك في الحلول محله في الملكية دفعة واحدة، أو على دفعات، وفق ما تقتضيه الشروط المتفق عليها، أو طبيعة العملية على أساس إجراء ترتيب منظم لتجنيب جزء من الدخل قسط لسداد قيمة حصة البنك (1) .
ويمكن تعريف المشاركة المتناقصة بالتالي: شركة يعطي أحد الشركاء الحق للشريك الآخر في الحلول محله في ملكية نصيبه دفعة واحدة أو على دفعات، وذلك بتجنيب جزء من الدخل لسداد أصل حصة الشريك مع حصة من صافي الدخل، حسبما يتفقان عليه.
وهذا التعريف يكشف عن خصائص المشاركة المتناقصة، فهي شركة مؤقتة في عقار أو نحوه مما يدر ربحا، يتفق فيها ابتداء على خروج أحد الشركاء، وغالبا ما يكون هو الممول بالمال كله أو جزء منه بطريقة يسترد فيها الممول أصل رأس ماله مع ربحه دفعة واحدة، أو تدريجيا وهذا الأخير هو المقصود المعتاد من هذه المشاركة، فهي شركة مع وعد من الطرفين، وعد من الممول بأن يتنازل عن حصته أو بمعنى أصح بيع حصته لشريكه، ووعد من الشريك الآخر أن يشترى حصة شريكه وفق الشروط التي يتفقان عليها.
مثل: أن تتفق المؤسسة المالية الإسلامية (2) . مع فرد أو أفراد أو جهة أو مؤسسة مالية أخرى على تمويل الطرف الثاني بجزء من قيمة شراء مجمع تجاري، ويتفق على أن تأخذ المؤسسة حصة من ربح المجمع تتناسب مع حصتها في رأس المال، وحصة أخرى لتغطية رأس المال، ويستحق الشريك حصته من الأرباح بمقدار مساهمته في رأس المال، فإن كان هو المدير استحق مقابل الإدارة.
(1)(تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، للدكتور سامي حسن حمود، ص 74)
(2)
(المؤسسة المالية الإسلامية عند الإطلاق تشمل: البنك، الشركة، المصرف الإسلامي)
وهكذا يستمر الشريك بدفع حصتين للمؤسسة، فتتناقص نسبة ملكية المؤسسة، وتزيد نسبة ملكية الشريك كلما دفع مزيدا من الأقساط، حتى إذا سدد كامل قيمة رأس المال انتقلت إليه الملكية.
أو مثل: (أن ينشئ المصرف والعميل شركة ذات طبيعة خاصة وغرض محدد هو شراء ذلك الأصل المطلوب وتسمى (مشاركة) ، ويشتركان في رأس مالها فيدفع العميل نسبة ضئيلة (لأنه لا يتوفر على السيولة الكافية) مثل (5 %) أو كثر أو أقل، ويدفع المصرف النسبة الباقية، عندئذ يصبح هذا الأصل بعد الشراء، ملكا للطرفين بنسبة مساهمة كل منهما في رأس المال، ولما كان غرض العملية هو امتلاك ذلك العميل للأصل، وليس للمصرف رغبة في الإبقاء عليه في ملكه، يتفق الطرفان على قيامه (أي العميل) بشراء نصيب المصرف في المشاركة المذكورة (والمتمثلة في حصة مشاعة في ذلك الأصل) بصفة متدرجة، فإذا كان العميل يرغب في دفع الثمن على مدى عشر سنين مثلا جعلت حصة المصرف عشر شرائح كل شريحة تمثل (10 %) ، ويتفق الطرفان على شراء ذلك العميل لعشر حصة المصرف، أي لشريحة واحدة في كل سنة، واستئجار النسبة الباقية المملوكة للمصرف إذا كان العميل يقطن في العقار، وإذا لم يكن جرى تأجيره واقتسم إيجاره بين الطرفين.
وقد تباينت التطبيقات لهذه الصيغة بين المصارف الإسلامية، فمنها من يجعل رسوم الإيجار السنوي لحصة البنك معلومة محددة ومتفق عليها عند توقيع العقد، وكذلك ثمن البيع لكل شريحة من حصة البنك، ومنها من يعمد إلى تقويم سنوي لقيمة الأصل في السوق في تاريخ محدد من كل سنة، ثم يحدد بناء عليه ثمن الشريحة من حصة المصرف التي التزم العميل بشرائها كجزء من تلك القيمة. كذلك يتحدد الإيجار السنوي لما بقي من حصة البنك بنفس الطريقة، ولعل الاتجاه الثاني مرده إلى التوجيه في أن البيوع المضافة إلى المستقبل لا تجوز) (1) .
(1)(بحث العقود المستجدة، للدكتور محمد علي القري: 2/ 554، مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدورة العاشرة 1418 هـ- 1997 م)
***
التكييف الشرعي
لعقد المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك
عقد المشاركة المتناقصة من عقود شركات الأموال (1) ، وهي هنا شركة محدودة، تشبه شركة العنان، حيث إن المؤسسة المالية الإسلامية تمول الشريك بجزء من رأس المال، فإذا اشتركا في العمل والربح بينهما فتشبه حينئذ شركة العنان، ولكن هل هي شركة عنان من كل وجه؟ لننظر في تعريف وحقيقة شركة العنان، فشركة العنان هي:(أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح بينهما، فينفذ تصرف كل واحد منهما بحكم الملك في نصيبه، والوكالة في نصيب شريكه)(2) .
وشركة العنان جائزة بالإجماع كما حكاه ابن المنذر (3) .
وهناك تعريف آخر لشركة العنان، وهو التعريف الصحيح عند الحنابلة:
(بأن يشترك اثنان بماليهما، على أن يعمل فيه أحدهما، بشرط أن يكون له من الربح أكثر من ربح ماله)، قال البهوتي: الصحيح من المذهب أو يعمل فيه أحدهما لكن بشرط أن يكون له أكثر من ربح ماله) (4) .
(1)(شركة أموال لمقصد الاستثمار منها، فإن كان القصد تمكين الشريك من التملك لعين مثلا فهي شركة ملك)
(2)
(المغني والشرح الكبير، للإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة: 5/ 124؛ مطابع دار الفكر 1412هـ-1997 م بيروت؛ والإنصاف، للإمام علاء الدين بن سليمان المرداوى: 5/ 368، دار الكتب العلمية- الطبعة الأولى 1418هـ-1997م بيروت؛ والمقنع، للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة: 2/ 136، المطبعة السلفية بمصر)
(3)
(المغني:5/124)
(4)
(الإنصاف: 5/ 368؛والمقنع: 2/ 163.)
فالربح عند الحنابلة بقدر المالين، ما لم يشترط خلافه فيعمل بمقتضى الشرط.
والحنفية لا يمنعون من تساوي المالين وتفاوت الربح، قال الحلبي:(وتصح شركة عنان مع التفاضل في رأس المال والربح، ومع التساوي فيهما، أو في أحدهما دون الآخر عند عملهما، ومع زيادة في الربح للعامل عند عمل أحدهما)(1) .
ومنع من ذلك المالكية والشافعية فاشترطوا أن يكون الربح كالخسارة بقدر المالين، بل ضيق المالكية فاشترطوا أن يكون العمل أيضا بقدر المالين. قال التسولي: إن تساويا في المال والعمل على أن يكون لأحدهما فضل من الربح لم يجز، وكذلك إن تساويا فيه أو تفاضلا على أن يكون العمل على أحدهما فلا يجوز، وإن تفاضلا في المال على أن يكون العمل بينهما على السواء لم يجز (2) . وقال ابن المواز: وإذا اشتركا بالتساوي على أن يكون المال بيد أحدهما ويلي البيع والشراء لم يجز، وإن وليا ذلك جميعا إلا أن أحدهما يكون ذلك بيده فذلك جائز (3) .
(1)(ملتقى الأبحر، للإمام إبراهيم الحلبي: 1/ 391، الطبعة الأولى 1409هـ- 1989 م بيروت)
(2)
(البهجة شرح التحفة، للعلامة أبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي على تحفة الحكام للقاضي أبي بكر بن محمد الغرناطي: 2/ 210، الطبعة الثانية 1370 هـ- 1951 م)
(3)
(النوادر والزيادات، للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني: 7/ 320، دار الغرب، الطبعة الأولى 1999 م)
والعلة في المنع والجواز ما ذكره ابن رشد بقوله: إن عمدة مَنْ منع ذلك أنه تشبيه الربح بالخسران، فكما أنه لو اشترط أحدهما جزءا من الخسران لم يجز كذلك إذا اشترط جزءا من الربح خارجا عن ماله، وربما شبهوا الربح بمنفعة العقار الذي بين الشريكين، أعني أن المنفعة بينهما تكون على نسبة أصل الشركة. وعمدة أهل العراق تشبيه الشركة بالقراض، وذلك أنه لما جاز في القراض أن يكون للعامل من الربح ما اصطلحا عليه، والعامل ليس يجعل مقابله إلا عملا فقط كان في الشركة أحرى أن يُجعل للعامل جزء من المال إذا كانت الشركة مالا من كل واحد منهما وعملا، فيكون ذلك الجزء من الربح مقابلا لفضل عمله على عمل صاحبه، فإن الناس يتفاوتون في العمل (1) .
ولا يخفى على هذا أن شركة العنان هنا شركة ومضاربة، وهذا ما صرح به الحنابلة (فيما إذا دفع إلى المضارب ألفا مضاربة وقال: أضف إليه ألفا من عندك واتَّجِر بها، والربح بيننا، لك ثلثاه، ولي ثلثه؛ جاز وكان شركة وقرضا) (2)، وإنما صح هذا العقد لما قاله ابن قدامة: لأنهما تساويا في المال، وانفرد أحدهما بالعمل، فجاز أن ينفرد بزيادة الربح ((3) .
(1)(بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للإمام محمد بن رشد: 2/ 252، مكتبة الكليات الأزهرية: 1386 هـ- 1966 م بمصر؛ والفواكه الدواني على رسالة بن أبي زيد القيرواني، للإمام أحمد بن غنيم النفراوي: 2/ 198، طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1418هـ- 1997م بيروت؛ والشرح الصغير على أقرب المسالك، للإمام أبي البركات أحمد بن محمد الصاوي: 3/ 475، طبع دولة الإمارات العربية المتحدة- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1410هـ- 1989م؛ والمجموع، للإمام النووي شرح المهذب للشيرازي: 13/ 515، مطبعة الإمام بمصر)
(2)
(المغني: 5/ 137، مسألة رقم 3642)
(3)
(المغني: 5/ 137، مسألة رقم 3642)
وجاء في الإنصاف: هذه الشركة تجمع شركة ومضاربة، فمن حيث إن كل واحد منهما يجمع المال تشبه شركة العنان، ومن حيث إن أحدهما يعمل في مال صاحبه في جزء من الربح هي مضاربة (1) . إلا أن شركة العنان أو شركة العنان والمضاربة لا تصلح تكييفا للشركة المتناقصة المنتهية بالتمليك؛ ذلك أن الشركة المتناقصة ليست وكالة من الطرفين، وليس فيها إطلاق يد كل من الشريكين، وليست هي دفع مال لمن يعمل به حتى تكون مضاربة، اللهم إلا إذا اعتبرنا إدارة المشروع عملا كعمل المضارب وليس هو كذلك، وأيضا فإن شركة العنان مقصودها التجر والاستثمار لا التمليك.
ومن هذا يتبين أن الشركة المتناقصة ليست هي شركة عنان، فلم يبق إلا أن تكون شركة جديدة مستجدة هي شركة تنتهي بتمليك الشريك بطريق البيع كالإجارة المنتهية بالتمليك بطريقة الإجارة، وهي شركة صحيحة وإن جمعت بين الشركة، وهي عقد غير لازم على رأي الجمهور، والبيع وهو عقد لازم لخروج ذلك من النهي عن اجتماع عقدين في عقد كعقد بيع وسلف، أو بيعتين في بيعة، أو صفقتين في صفقة، كما لا يظهر من اجتماعهما توسل للربا، ولا تضاد بين الشركة والبيع حتى يمنع كما هو مذهب المالكية الذين منعوا اجتماع البيع مع الجعالة، والصرف أو المساقاة، أو الشركة، أو النكاح، أو القرض أو القراض وهو المجموع في قولهم:(جص مشنق) دلالة على العقود السابقة على الترتيب. ورأي المالكية مبناه: أن كل عقدين يتضادان وضعا ويتناقضان حكما، فإنه لا يجوز اجتماعهما. وقال القرافي: إن العقود أسباب لاشتمالها على تحصيل حكمتها في مسبباتها بطريق المناسبة، والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين، فكل عقدين بينهما تضاد لا يجمعهما عقد واحد (2) .، لكن جمهور الفقهاء على جواز اجتماع العقود ولو اختلفت أحكامها، ولذلك جوزوا اجتماع القرض والشركة، والبيع والإجارة، أو الإجارة والسلم، أو الصرف، أو البيع والسلم، أو البيع والنكاح.
(1)(الإنصاف: 5/ 368)
(2)
(الفروق، للإمام أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، الفرق السادس والخمسون والمائة: 3/ 264، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1418 هـ- 1998 م بيروت؛ ومغني المحتاج، للعلامة محمد بن محمد الخطيب الشربيني: 2/ 399، طبع دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى،1415 هـ- 1994 م بيروت؛ والمغني، لابن قدامة:4/ 314. وجاء في قرارات الندوة الفقهية الخامسة التي أقامها بيت التمويل الكويتي الآتي: يجوز اجتماع العقود المتعددة في عقد واحد، سواء أكانت هذه العقود متفقة الأحكام أم مختلفة الأحكام، طالما استوفى كل عقد منها أركانه وشرائطه الشرعية، وسواء أكانت هذه العقود من العقود الجائزة أم من العقود اللازمة، أم منهما معا، وذلك بشرط ألا يكون الشرع قد نهى عن هذا الاجتماع، وألا يترتب على اجتماعها توسل إلى ما هو محرم شرعا)
والمشاركة لا يبطلها وعد ملزم للمؤسسة بأن تبيع نصيبها على الشريك إذا دفع قيمة حصتها في رأس المال بالإضافة للربح المتفق عليه بينهما، فيبيع الشريك نصيبه لشريكه، سواء كانت المشاركة المتناقصة شركة أموال أو شركة ملك بينهما.
وقد عقد ابن عابدين مطلبا فيما إذا اشترى أحد الشريكين جميع الدار المشتركة من شريكه قال: علم من هذا ما يقع كثيرا، وهو أن أحد الشريكين في دار ونحوها يشتري من شريكه جميع الدار بثمن معلوم، فإنه يصح على الأصح بحصة شريكه من الثمن، وهي حادثة الفتوى فلتحفظ، وأصرح من ذلك في المرابحة في مسألة شراء رب المال من المضارب مع أن الكل ماله (1) .
(1)(حاشية رد المحتار، للإمام محمد أمين الشهير بابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار: 5 /57، الطبعة الثانية، مصطفى البابي الحلبي. 1386 هـ- 1966م بمصر 4 وانظر نظيره في المغني: 5/ 564، مسألة 4099)
فائدة المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك
المشاركة المتناقصة من أدوات الاستثمار الحديثة، ويسع المؤسسات المالية الإسلامية تطبيقها لما تحققه من الغايات والفوائد مما لا يتحقق في الشركات المعهودة، مع تضمنها لغاية الشركات عامة من توفير رؤوس الأموال وتوزيع المخاطرة.
فقد يرغب العملاء في ملكية أعيان كمصانع أو مجمعات تجارية ونحوها ولا يجدون من المال ما يكفي لشرائها، فيطلبون من المؤسسة المالية الإسلامية المشاركة في الشراء لمدة محدودة، تؤول للشريك الملكية في نهاية هذه المدة، وفق شروط واتفاقات المشاركة المتناقصة، فتحقق هذه المشاركة تملك العملاء لهذه الأعيان للاستثمار أو التملك.
كما أن المؤسسة المالية الإسلامية قد لا ترغب الاستمرار في المشاركة لئلا تجمد رأس مال مدة طويلة، فعقد المشاركة المتناقصة يحقق لها غايتها في الربح بالإضافة إلى استرداد رأس المال في فترة قد لا تكون بحاجة إلى رأس المال المشارك، كما أن المؤسسة في الوقت ذاته تحقق أرباحا مستمرة مدة العقد.
***
صور المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك
الصورة الأولى- المشاركة المتناقصة بتمويل مشروع قائم:
وذلك بأن يقدم العميل للمؤسسة المالية الإسلامية أعيانا يعجز عن تشغيلها، كمن يملك مصنعا لا يستطيع شراء معداته، فتدخل المؤسسة شريكة معه بقيمة المعدات فتأخذ حصتها من الربح، وحصة لتسديد مساهمتها في رأس المال. ويتفقان على أن تبيع المؤسسة حصتها دفعة واحدة أو على دفعات، فتتناقص ملكيتها لصالح الشريك حتى يتم له الملك بسداد كامل الحصة.
الصورة الثانية- المشاركة المتناقصة مع الاستصناع:
وذلك بأن يقدم العميل أرضا ويطلب من المؤسسة المالية الإسلامية بناءها بعقد الاستصناع، ويدفع الشريك جانبا من التكاليف، فإن احتفظ صاحب الأرض بملكيتها لنفسه وزع الإيراد بين المؤسسة وبين الشريك بالنسب المتفق عليها، ولصاحب الأرض في هذه الحالة أن يدفع للمؤسسة ثمن حصته في المباني، إما دفعة واحدة، أو مقسطة، ولا يحق للمؤسسة أن تحصل على أية ميزة بسبب ارتفاع الأثمان.
وإذا رأى الشريك إدخال الأرض بقيمتها في المعاملة، فيكون حينئذ شريكا للمؤسسة في المباني والأرض وله نصيب من ارتفاع الأثمان، ويكون صاحب الأرض مخيرا بين أن يبيع أو أن يشتري بسعر السوق (1) .
الصورة الثالثة- المشاركة المتناقصة بطريقة التمويل المصرفي المجمع المشترك:
فتشترك المؤسسة المالية الإسلامية فيما بينها أو مع غيرها في إنشاء أو تمويل مشروع، ويتم الاتفاق فيه ابتداء على تخارج مؤسسة أو أكثر لصالح شريك أو أكثر، وتوزع حصص الأرباح حسب الاتفاق بطريقة المشاركة المتناقصة السابقة!
(1)(الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، من بحث الشيخ الدكتور الصديق الضرير بعنوان: أهم أشكال الاستثمار الإسلامي: 5/325 الطبعة الأولى 1402 هـ- 1982 م، بتصرف شكلي يسير)
الصورة الرابعة- المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك مع الإجارة:
بأن يتم التعاقد بين المؤسسة المالية الإسلامية والشريك على إقامة مشروع، مع وعد من الشريك باستئجار العين لمدة محددة، وبأجرة المثل، فتكون نفقته في هذه الحال شريكا مستأجرا، وتوزع الأرباح حينئذ وفق طريقة المشاركة المتناقصة السابقة حسب اتفاقهما.
الصورة الخامسة- المشاركة المتناقصة بالتمويل المشترك:
فتتفق المؤسسة الإسلامية المالية مع عميلها على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق المؤسسة مع الشريك لحصول المؤسسة على حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلا، مع حقها بالاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد أو أي قدر منه يتفق عليه ليكون الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل.
الصورة السادسة- المشاركة المتناقصة بالمشاركة بطريقة الأسهم:
يحدد نصيب كل من المؤسسة وشريكها في الشركة في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشيء موضوع المشاركة (عقار مثلا) ، يحصل كل من الشريكين على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار (1) .
وللشريك إذا شاء أن يقتني من الأسهم المملوكة للمؤسسة عددا معينا كل سنة بحيث تكون الأسهم الموجودة بحيازة المؤسسة متناقصة إلى أن يتم تمليك شريك المؤسسة الأسهم بكاملها، فتصبح له الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر.
الصورة السابعة- المشاركة المتناقصة بطريقة المضاربة:
بأن تدفع المؤسسة المالية كامل رأس المال لمشروع معين، ويقدم الشريك العمل والربح بينهما، مع وعد من المؤسسة بتمليك المشروع بطريقة المشاركة المتناقصة، فهذه صورة (مضاربة منتهية بالتمليك)(2) . وحينئذ ينبغي أن يلتزم بشروط وضوابط المضاربة، فإن لم يتحقق ربح فلا شيء للمضارب، والخسارة على رب المال في رأس المال، ويخسر المضارب جهده، وعند تحقق ربح فيقسم بينهما حسب اتفاقهما، ووعد رب المال تمليك المشروع إذا وفَّى المضارب بقيمته تدريجيا، مع نصيب رب المال من الربح لا يؤثر في العقد بالبطلان، ولو أن المضارب سلَّم رب المال الربح كله فصورتُه إبضاع، وحقيقته أن المضارب يدفع جزءا هو ربح رأس المال، وجزءا هو نصيبه من الربح وفاء، أو شراء لحصة المؤسسة المالية، وعلى هذا فالمضاربة المنتهية بالتمليك جائزة لانتفاء مصادمتها لنص أو قاعدة.
(1)(الصورة الخامسة والسادسة من توصيات وقرارات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول وفتوى رقم (10) بتصريف شكلي يسير)
(2)
(هذا المصطلح المضاربة المنتهية بالتمليك) من تعبير الشيخ الدكتور الصديق الضرير في بحثه في الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية: 5/ 325)
***
أحكام المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك
بالإضافة إلى جميع الأحكام الشرعية الواردة في أسلوب المشاركة الدائمة والتي تنطبق هنا في المشاركة المتناقصة، يجب كذلك مراعاة الأمور التالية:
1-
يشترط في المشاركة المتناقصة ألا تكون مجرد عملية تمويل بقرض، فلا بد من وجود الإرادة الفعلية للمشاركة وأن يتحمل جميع الأطراف الربح والخسارة أثناء فترة المشاركة.
2-
يشترط أن يمتلك البنك حصته في المشاركة ملكا تاما وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة والتصرف، وفي حالة توكيل الشريك بالعمل يحق للبنك مراقبة ومتابعة الأداء.
3-
لا يجوز أن يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطا يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح، لما في ذلك من شبهة الربا.
4-
يجوز أن يقدم البنك وعدا لشريكه بأن يبيع له حصته في الشركة إذا قام بتسديد قيمتها، ويجب أن يتم البيع بعد ذلك باعتباره عملا مستقلا لا صلة له بعقد الشركة (1) .
5-
إذا تم الاتفاق على شراء الشريك حصة المؤسسة المالية الإسلامية تدريجيا فيجب تقدير الحصة بقيمتها السوقية يوم البيع، وليس بقيمة المشاركة، حذرا من الغبن والضرر الذي قد يقع فيه أحد الطرفين، ومثل ذلك لو رغب الطرفان بفض الشركة قبل أوانها، فإن الشريك يشتري نصيب المؤسسة بـ القيمة السوقية.
(1)(هذه الأحكام الأربعة من كتاب أدوات الاستثمار الإسلامي، ص 110، دلة البركة، الطبعة الأولى 1413هـ- 1993م)
6-
تجوز المشاركة المتناقصة مع وعد ببيع العين بعد سداد الشريك التزاماته للمؤسسة المالية الإسلامية.
7-
تجوز المشاركة المتناقصة مع إعطاء المؤسسة للشريك حق الخيار في تملك العين في أي وقت يشاء على أن يسدد التزاماته كاملة.
8-
يجوز للمؤسسة المالية الإسلامية هبة العين، أو الوعد بهبتها للشريك إذا سدد التزاماته.
9-
لا تنتقل الملكية من المؤسسة المالية الإسلامية إلى الشريك إلا بعقد مستقل بعد الوفاء بالتزاماته، ويجوز للمؤسسة أن تبيع لغيره، ويكون البيع بسعر السوق.
10-
لا يجوز أن تتفق المؤسسة المالية الإسلامية والشريك ابتداء على المشاركة والبيع في عقد واحد، بل لا بد أن يكون ذلك بعقدين منفصلين.
11-
تحديد أجرة العين سلفا في المشاركة المتناقصة: قد يعد العميل باستئجار العين محل المشاركة قبل تملك المنفعة، فيجوز حينئذ تقدير الأجرة سلفا بأجرة المثل، وقد جاء في فتاوى البنك الإسلامي الأردني ما يؤيد ذلك في جوابه على ما يلي:
السؤال: يقوم البنك بتقديم التمويل لبعض العملاء على أساس نظام المشاركة المتناقصة (المنتهية بالتمليك) لبناء مشاريع عقارية، ويقوم البنك بتأجير هذه العقارات بعد الانتهاء وتوزيع الدخل بين البنك والمالك حسب عقد المشاركة المتناقصة المبرم مع العميل، يطلب العميل- (المعمول له) في بعض الأحيان، وعند تقديم التمويل وتوقيع العقد الخاص به- أن يلتزم عند المباشرة في التمويل باستئجار العقار بعد الانتهاء من البناء على أساس تحديد أجرة للمتر المربع من البناء.
فيرجى التكرم ببيان الرأي الشرعي حول طلب العميل تحديد الإيجار سلفا بأجرة المتر المربع للبناء المتفق على إنشائه.
الجواب: بما أنه يجوز شرعا تعجيل الأجرة أو تأجيلها، وبما أن ذلك يعني جواز الاتفاق على تحديدها قبل تسلم المنفعة، وبما أنه يجوز عقد الإيجار على أساس المتر أو الذراع، فإن الاتفاق في حالات تمويل المشاركة المتناقصة على تحديد الأجرة على أساس المتر أو الذراع سائغ شرعا، بمقتضى المادة (679) من القانون المدني، والمادة (504) من المجلة المأخوذ حكمها من الفقه الإسلامي، لذلك فإن الاتفاق المشار إليه في السؤال سائغ شرعا ويجوز الإقدام عليه (1) .
(1)(كتاب الفتاوى الشرعية، الأجزاء (1) ، (2) للبنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار- فتوى رقم- (46))
12-
تخلف الشريك عن دفع ما عليه إذا تخلف الشريك عن دفع بعض ما عليه من حصة المؤسسة المالية الإسلامية فتنظره عند العسر إلى ميسرة، إذا كان له عذر، وإلا فلها الحق في التنفيذ على الرهن- إن وجد- واستيفاء حقها أو الإقالة. وقد ورد في ذلك فتوى دلة البركة، حيث ورد في فتاواها:
(إذا تخلف الشريك عن دفع بعض ما عليه من أقساط؛ فللبنك إما أن يمضي البيع ويستوفي حقه في المتبقي من ثمن المبيع بطريقة التنفيذ الجبري للرهن، أو يفسخ البيع، ويحتفظ بالملك إذا رضي الشريك، على أن يرد له ما دفعه ذلك الشريك، حيث يعتبر ذلك إقالة للبيع من الابتداء (1) .
13-
تطبق أحكام الشركة طوال مدة الشركة فيتحمل الشركاء كل ما هو من مؤونة الملك، من الصيانة والتأمين وما إلى ذلك. وإذا تضمن العقد إجارة فتطبق أحكام الإجارة مدة الإجارة.
14-
انتهاء عقد المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك: ينتهي عقد المشاركة المتناقصة بما تنتهي به شركات الأموال، أو الملك من حيث الجملة وما يحتاج إلى ذكر هنا ما يتعلق بانتهاء المدة، فتنتهي المشاركة المتناقصة بانتهاء المدة المحددة في العقد، إذ تأقيت الشركة جائز عند الحنفية والحنابلة، حتى المالكية الذين أبطلوا الشركة بالتأقيت إلا أنهم يحكمون بصحة الشركة من وجه آخر كما استظهر ذلك التسولي، قال: تجوز الشركة لغير أجل، لا لأجل - وظاهره أنها أن وقعت لأجل فهي فاسدة، أو يقال: هي صحيحة- ولكن لا يلزم البقاء معه إلى ذلك الأجل، وهو الظاهر (2) . والمشاركة المتناقصة شركة مؤقتة بطبيعتها.
(1)(كتاب الفتاوى الشرعية في الاقتصاد- إدارة التطوير والبحوث لمجموعة دلة البركة- ندوة البركة السادسة، فتوى رقم (4)) )
(2)
(البهجة في شرح التحفة: 2 /210)
فإذا رغب الشريك إنهاء المشاركة قبل أوانها، وقبلت المؤسسة المالية الإسلامية ذلك، فحقها ثابت في ربح ما مضى حسب المتفق عليه، فلها أن تقبل أو ترفض؛ لأن الأصل لزوم عقد الشركة على رأي المالكية- عدا ابن رشد وحفيده ومن تابعهما- قال ابن رشد:(الشركة من العقود الجائزة لا من العقود اللازمة، أي لأحد الشريكين أن ينفصل من الشركة متى شاء)(1) ، ويستمر هذا اللزوم إلى أن ينض المال، أو يتم العمل، أو يتفقا على إنهائها؛ قال خليل:(ولزمت بما يدل عرفا كاشتركنا، أو فعل كخلط المالين والتجر فيهما، فلو أراد أحدهما المفاصلة فلا يجاب إلى ذلك مطلقا، ولو أراد نضوض المال بعد العمل، فينظر الحاكم كالقراض كذا ينبغي (حاشية الإمام محمد بن عبد الله بن علي الخرشي على مختصر الإمام خليل بن إسحاق بن موسى: 6/ 337، دار الكتب العلمية- الطبعة الأولى 1417هـ- 1997 م بيروت، هذا وشراح خليل مختلفون في شرح عبارته: (ولزمت بما يدل عرفا، فالعبارة تحتمل ما يلزم به العقد من قول أو فعل، ولا يدل لفظ (ولزمت) بالحتم على أن عقد الشركة عقد لازم، ولذا شرح الدسوقي العبارة بقوله:(والحاصل أنها تلزم بكل ما يدل عليه عرفا سواء كان قولا فقط، أو فعلا فقط، وأولى إذا اجتمعا، ثم قال: وفي التنبيهات: الشركة عقد يلزم بالقول كسائر العقود والمعاوضات) حاشية الدسوقي: 3/ 348، فكأن الخلاف فيما تلزم به، لا أنها عقد لازم.
وقال التسولي: (المفاصلة في الشركة لا تحتاج إلى نضوض المال خلاف قول الأجهوري: لو أراد أحدهما المفاصلة وامتنع الآخر عمل بامتناعه، حصل خلط أم لا للزومها بالعقد، فإذا أراد نضوضه بعد العمل فينبغي أن ينظر الحاكم كالقراض) البهجة شرح التحفة: 2/ 211.
(1)(بداية المجتهد: 2/ 255)
وقال التاودي: (ولكل واحد منهما أن يتخلى عن صاحبه، ويقاسمه فيما بين أيديهما من ناض وعروض متى شاء) شرح أبي عبد الله محمد التاودي المسمى بحلي المعاصم لبنت أفكار بن عاصم: 2/ 210.
وقال الصاوي شارحا: (ولزمت به: أي بما يدل عليها من صيغة لفظية أو غير لفظية كشاركني فيرضى الآخر. فليس لأحدهما المفاصلة قبل الخلط إلا برضاهما على المشهور المعول عليه، ومذهب آخر: أنها لا تلزم إلا بالخلط) بلغة السالك لأقرب المسالك: 2/ 153، فعدم اشتراط خلط مالي الشريكين هو مذهب المالكية المشهور، ومقابله اشتراط الخلط في اللزوم، وهو مذهب الشافعي، مغني المحتاج: 2/ 2131. ومما سبق يتبين أن العبارة محتملة، لكن القول بلزوم الشركة هو الأظهر عند المالكية، وينظر كلام المالكية في لزوم أو عدم لزوم المضاربة؛ إذ المضاربة شركة على التحقيق، لما فيها من اشتراك في المال والعمل وكذا الربح، فهي تلزم بالعمل وليس لأحدهما فسخها إلا برضاهما.
قال الدردير والدسوقي: ولكل من المتقارضين فسخه قبل عمله بالشراء به؛ لأن عقد القراض غير لازم، فإن عمل فيه فيبقى المال تحت يد العامل لنضوضه، أي خلوصه ببيع السلع، وليس لأحدهما قبل النضوض كلام، فإن تراضيا على الفسخ جاز.. وإن استنضه أي كل منهما على سبيل البدلية؛ أي طلب رب المال دون العامل أو عكسه نضوضه فالحاكم ينظر في الأصلح، وإن مات العامل قبل النضوض فلوارثه أن يكمله فلا ينتهي عقد القراض بموت العامل. حاشية الدسوقي: 3/ 535، 565.
وقال ابن رشد: (أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، واختلفوا إذا شرع العامل، فقال مالك: هو لازم، وعقد يورث، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لكل واحد منهم الفسخ إذا شاء، وليس هو عقد يورث) . وهو مذهب الحنابلة أيضا. انظر: بداية المجتهد: 2/ 237؛والبدائع: 8/ 3655؛ ومغني المحتاج: 2/ 415؛ وقليوبي وعميرة: 3 /59؛ والمغني. 5/ 133 و 179 و 64؛ والموسوعة الفقهية الكويتية وفي هامشها مراجع أخرى.)
ونضوض المال يمكن أن يكون حكميا كما هو واقع الشركات اليوم، وقد استظهر بعض الحنابلة القول أيضا بلزوم شركة الأعمال بعد التقبل، والقول باللزوم، وإن كان خلاف رأي الجمهور (1) .، إلا أنه الراجح في رأينا، خاصة لمناسبته لطبيعة الشركات في هذا العصر.
وإذا قبلت المؤسسة إنهاء العقد فحقها ثابت في ربح ما مضى حسب المتفق عليه، وليس لها الحق في مطالبة العميل عن المدة الباقية.
وهذا ما أفتت به هيئة الرقابة الشرعية في البنك الإسلامي الأردني جوابا لسؤال عن حكم ما إذا رغب العميل بتصفية المشاركة المتناقصة قبل انتهاء مدة العقد.
فقد جاء الجواب: بأنه في حالة رغبة العميل بتصفية المشاركة قبل انتهاء مدة العقد، فليس للبنك استيفاء أرباحه المتفق عليها والمتوقعة عن طيلة فترة العقد للأسباب التالية:
1-
العميل ليس له الحق بتصفية الشركة إلا إذا وافق البنك، وفي حالة موافقته يكون العقد قد فسخ، ولا يترتب عليه أي حكم، ولا يستحق البنك حينئذ ما بقي له من أصل التمويل، لأن كل زيادة تعتبر ربا.
2-
إذا كانت مصلحة البنك لا تقتضي فسخ العقد ولم يوافق على الفسخ؛ فالعقد باق وله الحق في استيفاء النسبة المتفق عليها من الأرباح.
3-
ما دام البنك هو الذي يستوفي الدخل فهو يستوفي حصته النسبية من الربح، وبذلك لا يبقى له أرباح متفق عليها، وأما الأرباح المتوقعة فقد سقط حق البنك فيها إذا وافق على فسخ العقد وتصفية الشركة، ولا وجه حينئذ لإلزام الشريك بأي ضمان ولا بأي مبلغ زائد عما بقي للبنك من أصل المبلغ المدفوع للتمويل؛ لأن ذلك الزائد ربا وموجب للغرر، ويستوجب النزاع وهو ممنوع ومنهي عنه شرعا (2) ..
15-
تخارج المؤسسة مع الشريك: تخارج المؤسسة مع الشريك، أو مع شركائها، مؤسسات أو أفرادا جائز لها ولغيرها من الشركاء، والأنسب مذهب المالكية في لزوم الشركة، فإن التخارج في أي وقت على رأي الجمهور مفسد للشركات بصورتها المعاصرة، والمؤسسات المالية الإسلامية اليوم تسير على رأى المالكية، فلا تسمح بالتخارج إلا بالتراضي وبشروط معينة تتناسب وطبيعة الشركات، ومدتها، وطبيعة نشاطها، وهذا اللزوم لا يمنع من تنظيم عمليات التخارج، وفق شروط يتم الاتفاق عليها ابتداء تحقق قدرا من عدم اللزوم.
وعلى هذا فالتخارج في الشركة المتناقصة لا يضير العقد في شيء، ما دام متفقا عليه، وفق ضوابط ومدد، إذ غرض المشاركة ابتداء هو خروج أحد الأطراف لصالح غيره.
(1)(جمهور الفقهاء على أن عقد الشركة عقد غير لازم، فلكل واحد من الشريكين أن يستقل بفسخ الشركة رضي الآخر أو أبى، حضر أو غاب، كان نقودا أو عروضا، انظر المراجع السابقة)
(2)
(كتاب الفتاوى الشرعية، الأجزاء (1، 2) للبنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار- فتوى رقم (10))
***
ملخص البحث
تعريف المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك:
شركة يعطى فيها أحد الشركاء الحق لشريكه في الحلول محله في ملكية نصيبه في عين، دفعة واحدة، أو على دفعات، وذلك بتجنيب جزء من الدخل لسداد أصل ما قدمه الشريك الممول، مع حصة نسبية من صافي الدخل، حسبما يتفقان عليه، وهي من أدوات الاستثمار الحديثة تحقق مقاصد شرعية معتبرة تعود فائدتها على الشركاء، كما تتضمن تنمية اجتماعية عامة.
التكييف الشرعي للمشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك:
المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك هي شركة أموال أو شركة ملك حسب مقصد الاستثمار أو التمليك، وهي عقد شركة مستجدة تجمع بين شركة وبيع، وهما مما يجوز اجتماعهما، إذ لا تضاد بينهما، ولا شبهة في التوسل باجتماعهما لمحرم. والاتفاق أو الوعد على أن يبيع الشريك- وهو المؤسسة المالية الإسلامية الممولة- نصيبها إلى الشريك إذا دفع حصة شريكه في رأس المال ونسبة الربح المتفق عليها، جائز.
صور المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك:
الصورة الأولى- المشاركة المتناقصة بتمويل مشروع قائم:
وذلك بأن يقدم العميل للمؤسسة المالية الإسلامية، أعيانا يعجز عن تشغيلها، كمن يملك مصنعا لا يستطيع شراء معداته، فتدخل المؤسسة شريكة معه بقيمة المعدات، فتأخذ حصتها من الربح، وحصة لتسديد مساهمتها في رأس المال. ويتفقان على أن تبيع المؤسسة حصتها دفعة واحدة أو على دفعات، فتناقص ملكيتها لصالح الشريك حتى يتم له الملك بسداد كامل الحصة.
الصورة الثانية- المشاركة المتناقصة مع الاستصناع:
وذلك بأن يقدم العميل أرضا ويطلب من المؤسسة المالية الإسلامية بناءها بعقد الاستصناع، ويدفع الشريك جانبا من التكاليف، فإن احتفظ صاحب الأرض بملكيتها لنفسه، وزع الإيراد بين المؤسسة وبين الشريك بالنسب المتفق عليها، ولصاحب الأرض في هذه الحالة أن يدفع للمؤسسة ثمن حصته في المباني، إما دفعة واحدة، أو مقسطة، ولا يحق للمؤسسة أن تحصل على أية ميزة بسبب ارتفاع الأثمان.
وإذا رأى الشريك إدخال الأرض بقيمتها في المعاملة، فيكون حينئذ شريكا للمؤسسة في المباني والأرض، وله نصيب من ارتفاع الأثمان، ويكون صاحب الأرض مخيرا بين أن يبيع أو أن يشتري بسعر السوق.
الصورة الثالثة- المشاركة المتناقصة بطريقة التمويل المصرفي المجمع المشترك:
فتشترك المؤسسات المالية الإسلامية فيما بينها أو مع غيرها في إنشاء أو تمويل مشروع، ويتم الاتفاق فيه ابتداء على تخارج مؤسسة أو أكثر، لصالح شريك أو أكثر، وتوزع حصص الأرباح حسب الاتفاق بطريقة المشاركة المتناقصة السابقة.
الصورة الرابعة- المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك مع الإجارة:
بأن يتم التعاقد بين المؤسسة المالية، الإسلامية، والشريك على إقامة مشروع، مع وعد من الشريك باستئجار العين لمدة محددة، وبأجرة المثل، فتكون صفته في هذه الحال شريكا ومستأجرا، وتوزع الأرباح حينئذ وفق طريقة المشاركة المتناقصة السابقة وحسب اتفاقهما.
الصورة الخامسة- المشاركة المتناقصة بالتمويل المشترك:
فتتفق المؤسسة المالية الإسلامية مع متعاملها على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق المؤسسة مع الشريك الآخر لحصول المؤسسة على حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلا مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد أو أي قدر منه يتفق عليه ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل.
الصورة السادسة- المشاركة المتناقصة بالمشاركة بطريقة الأسهم:
يحدد نصيب كل من المؤسسة وشريكها في الشركة في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشيء موضوع المشاركة (عقار مثلا) يحصل كل من الشريكين على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار.
وللشريك إذا شاء أن يقتني من هذه الأسهم المملوكة للمؤسسة عددا معينا كل سنة، بحيث تكون الأسهم الموجودة بحيازة المؤسسة متناقصة إلى أن يتم تمليك شريك المؤسسة الأسهم بكاملها، فتصبح له الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر.
الصورة السابعة- المشاركة المتناقصة بطريق المضاربة:
بأن تدفع المؤسسة المالية الإسلامية كامل رأس المال لمشروع معين، ويقدم الشريك العمل، والربح بينهما مع وعد من المؤسسة بتمليك المشروع بطريقة المشاركة المتناقصة، فهذه صورة (مضاربة منتهية بالتمليك) .
أحكام المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك:
بالإضافة إلى جميع الأحكام الشرعية الواردة في أسلوب المشاركة الدائمة والتي تنطبق هنا في المشاركة المتناقصة، يجب كذلك مراعاة الأمور التالية:
1-
يشترط في المشاركة المتناقصة ألا تكون مجرد عملية تمويل بقرض، فلا بد من وجود الإرادة الفعلية للمشاركة، وأن يتحمل جميع الأطراف الربح والخسارة أثناء فترة المشاركة.
2-
يشترط أن يمتلك البنك حصته في المشاركة ملكا تاما وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة والتصرف، وفي حالة توكيل الشريك بالعمل يحق للبنك مراقبة ومتابعة الأداء.
3-
لا يجوز أن يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطا يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح، لما في ذلك من شبهة الربا.
4-
يجوز أن يقدم البنك وعدا لشريكه بأن يبيع له حصته في الشركة إذا قام بتسديد قيمتها، ويجب أن يتم البيع بعد ذلك باعتباره عملا مستقلا لا صلة له بعقد الشركة.
5-
إذا تم الاتفاق على شراء الشريك حصة المؤسسة المالية الإسلامية تدريجيا فيجب تقدير الحصة بقيمتها السوقية يوم البيع، وليس بقيمة المشاركة، حذرا من الغبن والضرر الذي قد يقع فيه أحد الطرفين، ومثل ذلك لو رغب الطرفان بفض الشركة قبل أوانها، فإن الشريك يشتري نصيب المؤسسة بـ القيمة السوقية.
6-
تجوز المشاركة المتناقصة مع وعد ببيع العين بعد سداد الشريك التزاماته للمؤسسة المالية الإسلامية.
7-
تجوز المشاركة المتناقصة مع إعطاء المؤسسة للشريك حق الخيار في تملك العين في أي وقت يشاء على أن يسدد التزاماته كاملة.
8-
يجوز للمؤسسة المالية الإسلامية هبة العين، أو الوعد بهبتها للشريك إذا سدد التزاماته.
9-
لا تنتقل الملكية من المؤسسة المالية الإسلامية إلى الشريك إلا بعقد مستقل بعد الوفاء بالتزاماته، ويجوز للمؤسسة أن تبيع لغيره، ويكون البيع بسعر السوق.
10-
لا يجوز أن تتفق المؤسسة المالية الإسلامية والشريك ابتداء على المشاركة والبيع في عقد واحد، بل لا بد أن يكون ذلك بعقدين منفصلين.
11-
تحديد أجرة العين سلفا في المشاركة المناقصة: قد يعد العميل باستئجار العين محل المشاركة قبل تملك المنفعة، فيجوز حينئذ تقدير الأجرة سلفا بأجرة المثل.
12-
تخلف الشريك عن دفع ما عليه: إذا تخلف الشريك عن دفع بعض ما عليه من حصة المؤسسة المالية الإسلامية فتنظره عند العسر إلى ميسرة، إذا كان له عذر، وإلا فلها الحق في التنفيذ على الرهن- إن وجد- واستيفاء حقها أو الإقالة.
13-
تطبق أحكام الشركة طوال مدة الشركة، فيتحمل الشركاء كل ما هو من مؤونة الملك، من الصيانة والتأمين وما إلى ذلك، وإذا تضمن العقد إجارة فتطبق أحكام الإجارة مدة الإجارة.
14-
انتهاء عقد المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك:
ينتهي عقد المشاركة المتناقصة بما تنتهي به شركات الأموال، أو الملك من حيث الجملة، وهي عقد لازم - على رأي المالكية- فلا تنص إلا بالتنضيض، أو رضى الطرفين.
15-
تخارج المؤسسة مع الشريك:
تخارج المؤسسة مع الشريك، أو مع شركائها، مؤسسات، أو أفرادا؛ جائز لها ولغيرها من الشركاء، والأنسب مذهب المالكية في لزوم الشركة، فلا تخارج إلا باتفاق ورضى الطرفين.
والحمد لله رب العالمين.
المشاركة المنتهية بالتمليك
(المتناقصة أو بالتخارج)
إعداد
الأستاذ الدكتور جاسم علي سالم الشامسي
المستشار القانوني بجامعة الإمارات العربية المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
إن من أشد الحالات المستجدة التي تواجه المسلمين في هذا الزمان، الأعمال المصرفية والاستثمارات التجارية التي دخلها الربا أو نشأت في أحضانه.
وكان للاستعمار بجميع صنوفه الأثر في استحداث هذه الآليات المحرمة والمتنافية مع الإسلام في بلاد المسلمين.
وبالتالي كان لا بد للمسلمين من العودة عن ضالة هذا الطريق مخافة لله وعونا لهم على البعد عن الربا، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278- 279] .
وقال عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه)) (1) .
وموضوعي هو كما في العنوان المشاركة المتناقصة باعتبارها إحدى الأدوات التي استخدمتها المصارف الإسلامية كسلاح ضمن أسلحتها في محاربة عملية الربا في البنوك.
وهو موضوع شائك خاصة إذا اختلف المصرف مع عميله ولجؤوا إلى القضاء الذي في الغالب لم يتعرف إلى مثل هذه المعاملات، وقد يكيفها على أنها قرض بفائدة أو غير ذلك من العقود غير الشرعية وهو ما وقع فيه بعض القضاة (2) .. ونستعين بالله عز وجل في عرض هذا الموضوع.
ونرى أن نتطرق بداية لمفهوم الشركة بوجه عام، ثم ننتقل منه إلى المشاركة المتناقصة وبيان ما يشابهها من التصرفات القانونية من عدمه.
(1)(صحيح مسلم:50/5)
(2)
(انظر بحثنا في تعليقنا على القضاء، والمعنون بالمشاركة المتناقصة المنتهية بتمليك العقار تعليق الحكم الصادر في الاستئنافين رقمي (4، 5) لسنة 1999 م الصادرين من محكمة أبو ظبي الاستئنافية بتاريخ 18/ 5/ 1999 م، د. جاسم علي سالم الشامسي، مجلة الحقوق جامعة الكويت، العدد الثاني السنة 25 ربيع الأول 1422 هـ يونيو2001 م من ص 281-328)
تعريف الشركة بوجه عام:
نصت المادة (654) من قانون المعاملات المدنية في تعريف الشركة بوجه عام، على أنها:(عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو كثر بأن يسهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو من عمل لاستثمار ذلك المشروع واقتسام ما قد ينشأ عنه من ربح أو خسارة) .
ولهذا فإن القانون قد قطع بأن الشركة هي نتاج عقد تتطابق في إرادتين أو أكثر، تترتب آثار هذا العقد بتطابق الإرادتين وتوافر الأركان الأخرى لهذا العقد. إلا أن الفقه الإسلامي قد فرق بين نوعين من الشركة، حيث إن مجلة الأحكام العدلية نصت في المادة (1045) منها على أن (الشركة في الأصل: هي اختصاص ما فوق الواحد بشيء وامتيازهم به. لكن تستعمل أيضا عرفا واصطلاحا في معنى عقد الشركة الذي هو سبب لهذا الاختصاص) .
ولهذا المفهوم تنقسم الشركة مطلقا إلى قسمين:
أحدهما- شركة الملك: وتحصل بسبب من أسباب التملك، وقد يكون سببها الوراثة كالشركة التي بين الورثة في المال الموروث (1) .. وقد يكون سببها فعل الشركاء وهو ما كان أثرا لتصرف أو فعل صادر منهم كأن يشترك اثنان أو كثر في شراء شيء واحد، أو يشتري شخص واحد جزءا شائعا من سلعة من السلع أو توهب عين من الأعيان لاثنين أو أكثر فيقبضوها، أو يستولي اثنان فأكثر مجتمعين على مال مباح، أو يخلط إنسان ماله بمال غيره عن رضا منه فيمتنع التمييز بين الماليين أو يتعذر، ففي هذه المسائل وما شابهها تثبت شركة الملك (2) .
والثاني- شركة العقد: وعرفها الحنفية بأنها عقد بين المتشاركين في الأصل والربح. وقيد المتشاركين في الأصل يخرج المضاربة، لأن التشارك فيها بين العامل ورب المال إنما هو في الربح، دون الأصل، كما هو واضح، وتحصل شركة العقد بالإيجاب والقبول بين الشركاء.
وهي مشروعة في الإسلام بدليل قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [سورة ص: 24] وفي الحديث القدسي: يقول الله تعالى: ((أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما)) .
(1)(الشيخ علي الخفيف، الشركات في الفقه الإسلامي، بحوث مقارنة، معهد الدراسات العربية، ص 6 وما بعدها)
(2)
(الشيخ علي الخفيف، الشركات في الفقه الإسلامي، بحوث مقارنة، معهد الدراسات العربية، ص 6 وما بعدها؛ د. محمد أحمد سراج، النظام المصرفي الإسلامي، ص 151 وما بعدها)
وشركة العقد بأنواعها الثلاثة:
1-
شركة الأموال.
2-
وشركة الأعمال التي عرفها قانون المعاملات المدنية الإماراتي في المادة (683) بأنها:
(شركة الأعمال: عقد يتفق بمقتضاه شخصان أو كثر على التزام العمل وضمانه للغير لقاء أجر، سواء أكانوا متساوين أم متفاضلين في توزيع العمل بشروط اتحاد الأعمال أو تلازمها) .
3-
وشركة الوجوه وقد عرفها قانون المعاملات المدنية الإماراتي في المادة (691) بأنها:
(1- شركة الوجوه: عقد يتفق بمقتضاه شخصان أو أكثر على شراء مال نسيئة بما لهم من اعتبار ثم بيعه، على أن يكونوا شركاء في الربح.
2-
ويضمن الشركاء ثمن المال المشترى كل بنسبة حصته منه سواء باشروا الشراء معا أم منفردين) .
وهذه الشركات التي ذكرنا من خصائصها الدوام حيث يشترك الأشخاص فيها على سبيل الدوام إلى انتهاء مدة الشركة أو إتمام عملها أو غرضها الذي أنشئت من أجله.
ومع ذلك فقد برزت في هذا العصر شركة من خواصها عدم الدوام؛ وهي الشركة المنتهية بالتمليك (الشركة المتناقصة) ، ونتكلم عنها من حيث الشروط وكيفية تقسيم الأرباح والخسائر فيها وبعض أنواع المعاملات المشابهة لها.
(**
المطلب الأول
شروط المشاركة المتناقصة
أو المنتهية بالتمليك وأحكامها
المشاركة المتناقصة: هي التي يساهم فيها المصرف الإسلامي في رأس مال الشركة، أو مؤسسة تجارية أو مصنع أو عقار أو مزرعة أو أي مشروع تجاري آخر، مع شريك أو أكثر، ومن ثم يستحق كل طرف من أطراف هذه الشركة نصيبه من الربح بموجب الاتفاق الوارد في العقد، ويعطي المصرف الحق لشركائه في الحلول محله في ملكية نصيبه، دفعة واحدة أو على دفعات حسبما تقتضيه الشروط المتفق عليها (1) .
وبالتالي تتفق الشركة المتناقصة مع الشركة الدائمة أو الثابتة من حيث إن المصرف الذي يأخذ صفة الشريك يتمتع بكامل حقوق الشريك في كليهما مع تحمله جميع التزامات الشركة.
وتختلف الشركة المتناقصة عن الثابتة في عنصر الدوام أو الاستمرارية؛ إذ إن المصرف في الشركة المنتهية بالتمليك لا يقصد الاستمرار في الشركة، ويعطي الحق للشريك الآخر في الإحلال محله في ملكية المشروع، خلافا للشركة الثابتة، فالمصرف يقصد الاستمرار في الشركة حتى نهايتها وتصفيتها (2) .
(1)(الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية: 5/ 325 ط 1982م؛ د. أحمد حسن أحمد الحسيني، الودائع المصرفية: أنواعها- استخدامها- استثمارها، مكتبة دار ابن حزم، بيروت، لبنان 1999 م، ص 140؛ د. عبد الرزاق رحيم جدي الهبي، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، دار أسامة للنشر، الأردن، عمان سنة 1999 م، ص 501 وما بعدها)
(2)
(المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، د. محمد عثمان شبير، ص 592)
ويحكم رأس مال المشاركة مجموعة من الأسس من أهمها: أن تكون حصة كل شريك معلومة ومحددة ومتفقا على قيمتها عند التعاقد، وأن تكون حاضرة، وألا تكون دينا في الذمة، وذلك تجنبا للغرر والجهالة وتعذر الاستفادة من رأس المال فيما لو كان دينا، أما إذا كان رأس المال في صورة عينية (أو قيمة معنوية) فإن الأساس الشرعي لذلك أن تقوم الموجودات العينية باتفاق الشركاء، وتقاس قيمة حصة المصرف في المشاركة بالقيمة العادلة وقت التعاقد بمعرفة أهل الاختصاص أو الشركاء متى تراضوا على ذلك (1) .
وتستمد المشاركة المتناقصة مشروعيتها من مشروعية شركة العنان، وقد بحث المشاركون في مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بإمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة موضوع المشاركات المنتهية بالتمليك، وانتهوا إلى أن هذا الأسلوب مشروع ويمكن أن يكون على أحد صور ثلاث (2) .
(1)(معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية- النص الكامل لمعايير المحاسبة والمراجعة والروابط للمؤسسات المالية، المنامة- البحرين، ص 224 وما بعدها)
(2)
(المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي بدبي المنعقد في جمادى الثاني 1399 هـ الموافق مايو 1979 م، أصدر توصيته على أن المشاركات المنتهية بالتمليك والتي يريد المصرف استثمار أمواله فيها تكون بإحدى الصور المذكورة في المتن)
1-
الصورة الأولى: يتفق البنك مع متعامله على تحديد حصة كل منهما في رأس مال المشاركة وشرطها، وقد رأى المؤتمر أن يكون بيع حصص البنك إلى الم. تعامل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل بحيث يكون له الحق في بيعها للبنك أو لغيره، وكذلك الأمر بالنسبة للبنك بأن تكون له حرية بيع حصصه للمتعامل شريكه أو لغيره.
2-
الصورة الثانية: يتفق المصرف مع متعامله على المشاركة في التحويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق المصرف مع الشريك الآخر على حصول العميل على حصة سعيه من صافي الدخل المحقق فعلا، مع حقه في الاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيرادات أو على قدر منه يتفق عليه، ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه المصرف من تمويل.
3-
الصورة الثالثة: يحدد نصيب كل من البنك وشريكه في الشركة في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشيء موضوع المشاركة (عقارا مثلا) ، يحصل كل من الشريكين على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار، وللشريك إذا شاء أن يقتني من هذه الأسهم الموجودة في حيازة البنك متناقصة إلى أن يتم تمليك شريك البنك الأسهم بكاملها، فتصبح له الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر (1) . وهذا النوع من العقود قررته هيئات أخرى منها هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري (2) .
وفي الغالب تكون المشاركة في الأشياء المنتجة للدخول بطريق العمل فيها مشاركة من المصرف وبين من يقوم بالعمل في تلك الآلة المنتجة، كآلات الزراعة والصناعة وآلات النقل.
وهذا النوع يفترض أن ينتهي بتمليك الآلة المنتجة إلى الشريك الذي يقوم بالعمل عليها، وذلك بترتيب يقسم على أساسه عائد نتاج العمل من الربح للمصرف، وقسم للعامل على الشيء كأجرة وقسم من عائده يدخر لدى المصرف مقابل استنزال جزء من أسهم المصرف لصالح العامل.
ويدخل في نطاق هذا التعاقد قيام المصرف بتمويل إنشاء المنشآت والمباني على الأرض المملوكة لمن يرغب في الدخول في نظام المشاركة المتناقصة (3) .
هذا إلى جانب توافر جميع الأحكام الشرعية في الشركة الثابتة (المشاركة الدائمة) التي تنطبق في المشاركة المتناقصة، وهي الصيغة والعاقدين وشروط محل العقد (المال والعمل)(4) . فإن للمشاركة المتناقصة شروطا أخرى إضافية سنوردها.
(1)(فتاوى شرعية في الأعمال المصرفية، بنك دبي الإسلامي، ص 21، 22)
(2)
(الفتوى رقم 20، ص 21)
(3)
(د. عبد الرزاق الهيثي، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، ص 501- 502)
(4)
(د. عبد الستار أبو غدة، أوفوا بالعقود، تعريف مبسط بأهم أحكام عقود المعاملات المالية، سنة 1997 م، ص 75؛ معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية- النص الكامل لمعايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية، المنامة، البحرين، ص 216 وما بعدها)
من تحليل التعريف الذي سبق أن ذكرناه، بأن المشاركة المتناقصة هي التي يسهم المصرف في رأس مالها (وقد تكون مشروعا تجاريا آخر كمصنع أو مزرعة) والطرف الآخر قد يكون شريكا أو أكثر، وفي هذه الحالة يستحق كل طرف من أطراف هذه الشركة نصيبه من الربح بموجب الاتفاق الوارد في العقد، مع وعد المصرف الإسلامي بالتنازل عن حقوقه بطريق بيع أسهمه للشريك أو الشركاء، على أن يلتزم الشركاء بشراء تلك الأسهم (الحصص) والحلول عندئذ محله في الملكية، سواء تم ذلك دفعة واحدة أو على دفعات متعددة، حسبما تقتضيه الشروط الواردة في التعاقد.
ويجب أيضا توافر الشروط التالية:
1-
يشترط في المشاركة المتناقصة ألا تكون مجرد عملية تمويل بقرض، فلا بد من وجود الإدارة الفعلية للمشاركة، وأن يتحمل جميع الأطراف الربح والخسارة أثناء فترة المشاركة.
2-
ويجب أن يمتلك البنك حصته في المشاركة ملكا تاما، وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة والتصرف. وفي حالة توكيل الشريك بالعمل يحق للبنك مراقبة الشريك ومتابعة الأداء.
3-
لا يجوز أن يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطا يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح لما في ذلك من شبهة الربا.
4-
يجوز أن يقدم البنك وعدا لشريكه بأن يبيع له حصته في الشركة إذا قام بتسديد قيمتها، ويجب أن يتم البيع بعد ذلك باعتباره عملا مستقلا لا صلة له بعقد الشركة (1) .
وجاء في مؤلف النظام المصرفي الإسلامي: وإنما جازت المشاركة المتناقصة، أو المؤقتة، فيما يبدو باعتبارها شركة مع وعد ببيع المصرف نصيبه إلى شريكه، ووعد من هذا الشريك بشراء هذا النصيب مع تنجيم ثمنه أو دفعه مرة واحدة. ويجب القول بلزوم هذا الوعد طبقا للمذهب المالكي وقياسا على من اختار لزومه كذلك من علماء الحنفية في مسألة بيع الوفاء، الذي يتفق فيه الطرفان على رد المشتري السلعة المعيبة عند قدرة البائع على رد ثمنها إليه أو في وقت يحددانه لذلك (2) .
(1)(نقلا عن د. عبد الستار أبو غدة، أوفوا بالعقود، تعريف مبسط بأهم أحكام عقود المعاملات المالية، سنة 1997 م، ص 75-76؛ د. محمد سراج، النظام المصرفي الإسلامي، ص 180- 181)
(2)
(د. محمد سراج، النظام المصرفي الإسلامي، ص 181)
الخطوات التي يتبعها المصرف الإسلامي في عملية المشاركة المتناقصة:
1-
يتقدم العميل للمصرف الإسلامي بطلب المشاركة في مشروع استثماري مشاركة متناقصة، مع تقديمه الوثائق والمستندات اللازمة. وقد يكون المصرف قد أعد نماذج طلبات يملؤها العميل ويوقع عليها كطلب من قبله.
2-
يقوم المصرف بدراسة الطلب والتحقق من المرفقات والمستندات والجدوى الاقتصادية للمشروع.
3-
يقدم المصرف العملية إذا كانت له الرغبة في المشاركة فيها إلى هيئة الرقابة الشرعية للتحقق من توافر شرائطها الشرعية والموافقة عليها.
4-
إذا تمت الموافقة على المشاركة، تتبع الخطوات التالية:
أ- يحدد قيمة التمويل الذي يقدمه المصرف وكيفية الدفع وشروطه.
ب- تحديد الضمانات المطلوبة كرهن الأرض أو وضع القيود لمنع التصرف فيها.
جـ- إبرام العقد والتوقيع عليه من الأطراف.
د- فتح حساب خاص بالشركة.
هـ- توزيع الأرباح بحسب الاتفاق، أما الخسارة فبقدر رأس المال (1) .
5-
يتعهد المصرف بالتنازل عن حصته في المشروع للشريك كليا أو جزئيا، وصورها كما ذكرها الأستاذ عز الدين بالخوجة هي كالآتي:
أ- أن يتفق الطرفان على أن يحل الشريك محل المصرف بعد نهاية عقد الشركة، بحيث يكون لهما الحرية الكاملة في ذلك.
ب- أن يتفق الطرفان على أن يقسم الربح ثلاثة أقسام بنسب متفق عليها، ونسبة للمصرف كعائد تمويل، ونسبة للشريك الآخر كعائد لما دفعه وما يقوم به من عمل، ونسبة لسداد تمويل المصرف.
جـ- في هذه الصورة يتفق الطرفان على تقسيم رأس المال إلى حصص أو أسهم لكل منها قيمة معينة ويحصل كل منهم على نصيبه من الأرباح، وللشريك شراء ما يستطيع من أسهم المصرف كل عام بحيث تتناقص أسهم المصرف وحصصه، في حين أن أسهم الشريك تزيد إلى أن يتملك جميع أسهم المصرف ملكية كاملة (2) .
(1)(د. محمد عثمان شبير، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، ص 293)
(2)
(د. عز الدين محمد خوجه، أدوات الاستثمار الإسلامي، الطبعة الأولى 1993 م، دلة البركة، المملكة العربية السعودية، ص 106)
وقد عرضت مسائل عديدة على البنوك وكان حلها عن طريق المشاركة المتناقصة ونذكر منها التالي:
1-
تقدم أحد عملاء مصرف قطر الإسلامي بطلب بناء محطة بترول على أرض يملكها في موقع حساس مشاركة مع المصرف؛ بأن يقدم الأرض ويقوم المصرف بتقديم جزء من المال، وعلى أن يقوم بتأجير المحطة إلى ثلاثة شركاء هو واحد منهم. ومن الجدير بالذكر أن الإيجار الشهري المتأتي من الشركة الثلاثية سوف يدفع بالكامل للمصرف على النحو التالي:
أولا: جزء من الإيجار يكون نصيب المصرف كحصته في المشاركة.
ثانيا: الجزء الثاني من الإيجار يبقى لدى المصرف لإنقاص حصته على أن يبيع المصرف حصته تدريجيا على أساس المشاركة المتناقصة.
الجواب:
الرأي أنه لإجازة هذا المشروع يجب أن يكون هناك عقد مشاركة بين المصرف والعميل، وبعد الانتهاء من المشروع فلا حرج شرعا أن يقوم صاحب الأرض وشركاؤه من استئجار المحطة على أن يتم ذلك بتوقيع عقد استئجار بين الأطراف المعنية (المصرف والمستأجرين) ، على أن يتم تقدير القيمة الإيجارية حسب ما هو سائد في السوق، ويتم تقدير حصة المصرف من قيمة الإيجار حسب نصيبه في رأس مال المشروع، وعلى أن يتم استخدام حصة العميل من القيمة الإيجارية حسب ما هو سائد في السوق في تسديد حصة المصرف، وعند سداد كامل حصة المصرف يؤول المشروع بالكامل إلى الشريك الآمر (المستأجر)(1) .
2-
وفتوى أخرى: طلب بنك البحرين الإسلامي المشاركة في مشروع جامعة الخليح العربي، قام السيد مدير العمليات بعرض ملخص للمشروع المقدم من بنك البحرين الإسلامي فأوضح أنه يتعلق بإنشاء جامعة الخليج، وأن التكلفة الكلية للمشروع مئة وخمسون مليون دولار، وهم في حاجة إلى خمسين مليون دولار، وبنك البحرين الإسلامي يعرض على مصرف قطر الإسلامي والبنوك الإسلامية المساهمة في هذا المشروع بهذا القدر حتى لا تضطر الجامعة إلى اللجوء إلى البنوك الربوية، وقد اقترح بنك البحرين الإسلامي اتخاذ الخطوات التالية لتنفيذ المشروع:
(1)(من فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي، فتوى رقم 49 منشورة بكتاب فتاوى المشاركة، مجموعة دلة البركة، إدارة التطوير والبحوث، د. أحمد محيي الدين أحمد ود. عبد الستار أبو غدة، ص 19- 20)
أولا: أن يقوم المصرف بشراء جزء من المبنى يقدر بقيمة المبلغ المطلوب من رأس مال المشروع وهو خمسون مليون دولار أي الثلث.
ثانيا: يقوم الطرفان بعد ذلك بتقدير القيمة الإيجارية للمبنى، وتقوم الجامعة باستئجاره، وتقسم القيمة الإيجارية بحيث يحصل كل طرف على نصيبه من الإيجار بقدر حصته.
ثالثا: يتعهد المصرف بأن يبيع حصته إلى الجامعة بنفس القيمة الاسمية التي اشترى بها وعلى مدى ثلاث سنوات.
الجواب:
يمكن للبنوك الإسلامية المهتمة أن تقوم بتمويل العملية المعروضة حسب الشروط الشرعية التالية:
أولا: أن تعطي حكومة البحرين حق الانتفاع بالأرض للمصارف الإسلامية بحيث يكون من حقها التصرف في المباني التي تشتريها بالبيع أو الإيجار أو الهبة وغير ذلك من وسائل التصرف الشرعية.
ثانيا: شراء جزء من مباني الجامعة قيمته (كذا) مليون دولار أمريكي.
ثالثا: تأجير المبنى للجامعة.
رابعا: الدخول مع الجامعة في شركة تنتهي بالتمليك بحيث يكون البيع بـ القيمة السوقية التي يتفق عليها الطرفان عند البيع وليس بـ القيمة الاسمية، إلا إذا كانت القيمة الاسمية هي القيمة السوقية عند البيع (1) .
(1)(مصدرها فتاوى هيئة الرقابة الشرعية لمصرف قطر الإسلامي، فتوى رقم 74، منشورة بكتاب فتاوى المشاركة، مجموعة دلة البركة، إدارة التطوير والبحوث، د. أحمد محيي الدين أحمد ود. عبد الستار أبو غدة، ص 20- 21)
***
المطلب الثاني
الكيفية التي تقسم بها الأرباح والخسائر
الناتجة عن الدخول في مشروع المشاركة المتناقصة
يتم العمل في المشروع من أجل تنمية المال، وقد يحقق المشروع نتائج إيجابية أو سلبية، والعملية تتم كالتالي:
يقوم المصرف باقتطاع نسبة معينة من الإيراد الصافي للمشروع، باعتباره مالكا للمشروع (جميعه أو جزء منه) ، ومتحملا تبعة هلاكه إذا تلف بلا تعد أو تقصير، كتعرض المشروع للاحتراق أو الهدم، فإن المصرف الإسلامي في مثل هذه الحالة يتحمل الخسارة بقيمة الفرق بين أصل رأس المال والمقدار المسترد من دخل المشروع، فإذا كان المشروع مملوكا بكامله للمصرف، فإنه يتحمل جميع الخسارة وحده، وإذا كان العامل في المشروع مشاركا في تمويل أصل رأس المال فإنه يخسر بنسبة ما يملكه. وأما الجزء المتبقي من الأرباح الناتجة، فإن المصرف الإسلامي يحتفظ به كله أو بعضه- حسب الاتفاق- كونه مخصصا لتسديد أصل رأس المال، وإنهاء العملية بطريق تمليك المتعامل مع المصرف الإسلامي كامل المشروع الذي يشارك فيه (1) .
وفي حالة تحقق أرباح من البيع، فإنها توزع بين الطرفين (البنك والشريك) حسب الاتفاق إذا كان البنك والشريك قد دخلا في المشروع المشترك بقصد المتاجرة، وتعتبر المشاركة في حال قصد المتاجرة (شركة عقد) . وأما إذا كان القصد هو تحقيق الربح أو اتخاذ مسكن للشريك فإن الربح يوزع بحسب نسبة الملكية في كل مرة وتعتبر حينئذ شركة ملك (2) .
ومن الواضح أن الربح الناتج عن المشاركة المتناقصة إنما يكون حصتين: إحداهما للمصرف وهي النسبة التي تخصه من الربح حسب الاتفاق، والحصة الأخرى فهي من نصيب الشريك الآخر، وهي تضم النسبة التي اتفق على أن يأخذها الشريك، وكذلك النسبة التي يحتفظ بها المصرف، فهذه في الحقيقة للشريك أيضا بدليل أنها جعلت قسطا من ثمن الملك الذي سينتقل مقدار المقابل للقسط من المالك إلى ملكية الشريك، فالشريك بالنسبة لحصته من الربح قسم يدفع له، وقسم مدخر له لكي تباع له به الشركة كلها أو الجزء الواقع في ملك المصرف.
(1) د. عبد الرزاق رحيم جدي الهيتي، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، ط 1998 م، عمان، الأردن، ص 503، معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية، النص الكامل لمعايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية، المنامة، البحرين، ص 220
(2)
د. عبد الستار أبو غدة، أوفوا بالعقود، تعريف مبسط بأهم أحكام عقود المعاملات المالية، سنة 1997 م، ص 77
ومن الجائز ادخار حصة العامل كلها، وفي هذه الحالة يكون نقل ملكية الشركة إليه أسرع مما لو أخذ قسما منها وادخر آخر (1) .
أحكام الخسارة (الوضيعة) :
يتفق الفقهاء على أن توزع الخسارة بين الشركاء بنسبة حصة كل منهم في رأس المال، ويطلق عليها الفقهاء اسم (الوضيعة)، ودليلهم في ذلك قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:(الربح على ما شرطا والوضيعة على قدر الماليين)، ويقول ابن قدامة:(لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم)(2) .
وفي ظل الشركات المستمرة، يجوز تأجيل توزيع الخسارة لتجبر من أرباح فترات تالية (3) .
انتهاء الشركة:
تنتهي الشركة بصفة عامة بقيام أحد الشريكين بفسخ العقد أو بموته أو بزوال أهليته القانونية أو بهلاك المال.
ويرى جمهور الفقهاء ماعدا المالكية أن الشركة من العقود الجائزة، أي غير اللازمة، ولكل واحد من الشريكين فسخها متى شاء مثل الوكالة (4) وقد أخذ قانون المعاملات المدنية الإماراتي في ذلك بالمذهب المالكي وهو أنه لا يجوز فسخها إلا باتفاق جميع الشركاء.
وقد نصت المادة (673) من قانون المعاملات المدنية على أنه (تنقضي الشركة بأحد الأمور التالية:
أ- انتهاء مدتها أو انتهاء العمل الذي قامت من أجله.
ب- هلاك جميع رأس المال أو رأسمال أحد الشركاء قبل تسليمه.
ج- موت أحد الشركاء أو إفلاسه أو إعساره أو الحجر عليه أو انسحابه.
هـ- إجماع الشركاء على حلها.
و صدور حكم قضائي بحلها) .
أما المشاركة المتناقصة فالأصل أنها غير دائمة، وتنتهي بأن يتم دفع قيمة الحصص المملوكة للمصرف من قبل الشريك وتملكه هو بعد ذلك لهذه الحصص وفقا للاتفاق الوارد في عقد الشركة، وبها يتم التخارج من المصرف للشريك.
(1) د. عبد الرزاق رحيم جدي الهيتي، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، ط 1998 م،عمان، الأردن، ص 507، 508
(2)
العيني، البناية في شرح الهداية: 6/ 108؛ ابن قدامة، المغني: 5/ 37
(3)
معايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية، النص الكامل لمعايير المحاسبة والمراجعة والضوابط للمؤسسات المالية، المنامة، البحرين، ص 221
(4)
الشيخ علي الخفيف، أحكام المعاملات الشرعية، ص 548
***
المطلب الثالث
العقود والتصرفات المشابهة للمشاركة المنتهية بالتمليك
أولا- الإيجار المنتهي بالتمليك (البيع الايجاري) والمشاركة المنتهية بالتمليك:
قد يسمي المتعاقدان عقدا بأنه إيجار، ويتفقان على أن المستأجر في هذه الحالة يدفع أجرة لمدة معينة ينقلب العقد بعدها بيعا، وتعتبر الأجرة التي دفعت ثمنا للمبيع، وهذا العقد يطلق عليه الفقه: البيع الإيجاري (1) .
ويوجد هذا البيع علي الخصوص في بيع المنقولات، ولا يمنع من وجوده في المباني والأراضي، إذا لم نعتبره عقدا تجاريا ساريا للبيع، واعتبرناه بيعا فقط منذ بدايته فإنه من الواضح أنه سيحمل مخاطر تهدد البائع، إذ الملكية تنتقل إلى المتعاقد الآخر بمجرد العقد، مع أن ناقل الملكية لا يحصل على الثمن كاملا إلا بعد فترة زمنية قد تطول، ورغم أن القانون قد وضع ضمانات كثيرة للبائع هنا من حق امتياز على المبيع أو حق التنفيذ العيني لاقتضاء الثمن والحق في طلب الفسخ واسترداد المبيع، إلا أنه من المتصور خاصة في المنقولات أن يتصرف المشتري لأي شخص آخر حسن النية، وحق الامتياز المقرر للبائع على المنقولات لا يمكن الاحتجاج به على الحائز حسب النية.
ولذا حماية للبائع وتجنيبه آثار تصرفات المشتري أو إفلاسه فقد اهتدي إلى نوع من العقود المركبة أو الشروط المتضمنة للعقد، حيث يظل العقد إيجارا، والأقساط التي تدفع هي بمثابة أجرة حتى ينتهي من سداد جميع الأقساط فينقلب العقد إلى بيع، والأقساط التي دفعها ثمنا للشيء المبيع. ولاعتبار هذا العقد عقد إيجار في بدايته حتى يتم سداد الأقساط وفقا لشروط العقد فإن المشتري لا يستطيع نقل ملكية الشيء إلى الغير، وإلا عُدَّ مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة (المادة 399 من قانون العقوبات الاتحادية) .
كما تظل الملكية باسم البائع إلى حين الانتهاء من سداد جميع الأقساط، فلو تخلف عن سداد قسط منها، وجب عليه رد الشيء إلى المالك، ويحتفظ هذا الأخير بما تسلمه من أقساط.
(1) د. عبد الرزاق السنهوري، البيع، رقم 11، ص 39؛ د. عبد المنعم البدراوي، رقم 23؛ د. توفيق حسن فرج، عقد البيع؛ رقم 24
وقد كان هذا العقد باعتباره إيجار البداية؛ بيعا نهاية محل خلاف الفقه في مصر (1) ، ثم حسم القانون المدني المصري الأمر في ذلك بما أورده في المادة (430) حيث إن العقد في هذه الحالة بيع علق فيه انتقال الملكية على دفع الأقساط. وكذلك الأمر في قانون المعاملات المدنية الإماراتي، إذ نص على أنه عقد بيع معلق على شرط واقف لا عقد إيجار في المادة (513/ 1) من قانون المعاملات المدنية ونصها هو:
(1- يجوز للبائع إذا كان الثمن مؤجلا أو مقسطا أن يشترط تعليق نقل الملكية إلى المشترى حتى يؤدي جميع الثمن ولو تم تسليم المبيع)(2) .
كما أنه لا يمكن اعتبار هذا العقد إيجارا وفقا لنص المادة (257/ 1) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي إذ نصت على أنه:
(1- العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني) .
وكذلك من الشروط المفسدة للعقود باعتباره عقدين في عقد واحد (صفقتين في صفقة)(3) . أما في قانون المعاملات التجارية الإماراتي (رقم 18 الصادر سنة 1993 م) فقد حسم الأمر في هذا النوع من العقود تحت نص المادة (121) على أن: (تسري أحكام البيع بالتقسيط المنصوص عليها في المواد السابقة ولو سمى المتعاقدان البيع إيجارا) ، فاعتبر المشرع هنا أن البيع الإيجاري عقد بيع بالتقسيط حسما لكل خلاف حول طبيعته من الناحية القانونية، ولا محل للبحث عن نية المتعاقدين وإخضاع العقد لأحكام البيع أو الإيجار حسب الأحوال بل يكيف العقد أنه عقد بيع ابتداء أو انتهاء.
(1) د. إسماعيل غانم، عقد البيع، ص 23؛ د. عبد المنعم البدراوي، الوجيز في عقد البيع، رقم 23 و 24؛ د. توفيق حسن فرج، البيع، رقم 24
(2)
د. عبد الخالق حسن، عقد البيع، المرجع السابق، ص 19؛ انظر كذلك في القانون د. حسام الدين كامل الأهواني، عقد البيع في القانون المدني الكويتي، جامعة الكويت سنة 1989 م، رقم 49- 55
(3)
(1) انظر: الفتاوى الهندية، تأليف الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، وبهامشه فتاوى قاضيخان والفتاوى البزازية، دار إحياء التراث الإسلامي، بيروت، سنة 1986 م: 3/ 134
اعتبار الفقه الإسلامي المعاصر للإجارة المنتهية بالتمليك:
إلا أن الفقه الإسلامي المعاصر اعتبر الإجارة المنتهية بالتمليك جائزة وهي محل تعامل المصارف الإسلامية.
فقد أجازها العلماء في الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي المنعقدة بالكويت في الفترة 7- 11/ 3/ 1987م حيث اعتبرتها إجارة وهبة مع مراعاة الضوابط التالية:
1-
ضبط مدة الإجارة وتطبيق أحكامها عليها طيلة تلك المدة.
2-
تحديد مقدار كل قسط من أقساط الأجرة.
3-
نقل الملكية إلى المستأجر في نهاية المدة بواسطة وهبها له تنفيذا لوعد سابق بذلك بين البنك (المالك) والمستأجر (1) .
وقد جاء في الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت في الفترة من 1- 6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق 10- 15 ديسمبر 1988م:
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم: 13 (1/ 3) في الدورة الثالثة، بشأن الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية، فقرة (ب) بخصوص عمليات الإيجار
…
قرر ما يلي:
(1) انظر: د. محمد عثمان شبير، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1996 م، ص284
أولا- الأولى الاكتفاء عن صور الإيجار المنتهي بالتمليك ببدائل أخرى؛ منها البديلان التاليان:
(الأول) : البيع بالأقساط مع الحصول على الضمانات الكافية.
(الثاني) : عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في واحد من الأمور التالية:
- مد مدة الإجارة.
- إنهاء عقد الإجارة ورد العين المؤجرة إلى صاحبها.
ثانيا- هناك صور مختلفة للإيجار المنتهي بالتمليك تقرر تأجيل النظر فيها إلى دورة قادمة، بعد تقديم نماذج لعقودها وبيان ما يحيط بها من ملابسات وقيود، بالتعاون مع المصارف الإسلامية، لدراستها وإصدار القرار في شأنها (1) .
ثانيا- بيع الوفاء:
في بيع الوفاء لا يكون المشتري مالكا للمبيع، وعليه فللبائع وفاء أن يرد الثمن ويأخذ المبيع، وكذلك للمشتري أن يرد المبيع للبائع ويسترد منه الثمن.
إذ إن البيع وفاء عقد غير لازم، وللبائع أن يسترد من المشتري المبيع ولو بعد مضي المدة المحددة، ويجبر المشتري على قبول الثمن ورد المبيع، لأن المنفعة في هذه المدة حق للبائع، وللبائع إسقاط حقه. ولا يجوز له استرداده بدون رد الثمن (2) .
وهو عقد غير جائز عند جمهور الفقهاء.
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، العدد الخامس، 4 /2593
(2)
العلامة علي حيدر، درر الأحكام شرح مجلة الأحكام، الكتاب الأول: البيوع، ص 364 والمواد 396 حتى 403 من المجلة
ويقول قائل: إن المشاركة المنتهية بالتمليك تشبه بيع الوفاء فلا تجوز شرعا، ووجه الشبه أن المصرف اشترى حصة في الشركة، ويستفيد منها إلى حين تسديد الشريك الآخر لثمن تلك الحصة كما في بيع الوفاء، الدائن اشترى عينا من المدين فينتفع بها إلى حين تسديد المدين الدين.
إلا أن الصحيح أن الشركة المنتهية بالتمليك لا تشبه بيع الوفاء، لأن المشتري في بيع الوفاء يكون مالكا وغير مالك، فهو مالك بمقتضى العقد، وغير مالك بمقتضى الشرط الذي يلزمه برد المبيع إلى المدين عند سداد الدين، وبالتالي فالعقد معيب والشرط مناقض لمقتضى العقد، أما المصرف في الشركة المنتهية بالتمليك فهو شريك يتمتع بجميع حقوق الشريك، ويلتزم بجميع التزاماته، وكل ما تتضمنه هذه المعاملة وعد من المصرف بأن يبيع حصته للشريك إذا توافر لديه المبلغ الذى يشتري به (1) .
(1) د. محمد عثمان شبير، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1996 م، ص294- 295، د. أميرة مشهور، الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي، ط 1، مكتبة عبد اللطيف مدبولي، القاهرة 1991 م، ص 289
ثالثا- شركة المحاصة:
إذا استعرضنا المواد الخاصة بقانون الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة (قانون 8 لسنة 1984م) ، فقد- نصت المادة (5) من قانون الشركات على أنواع الشركات (1) .
وجاء بعدها في نص المادة (6) من قانون الشركات التجارية بأن: (كل شركة لا تتخذ أحد الأشكال المشار إليها في المادة السابقة تعتبر باطلة، ويكون الأشخاص الذين تعاقدوا باسمها مسؤولين شخصيا وبالتضامن عن الالتزامات الناشئة عن هذا التعاقد. وتسري أحكام هذا القانون على الشركات ولو كانت تحت أي اسم آخر ما دام نشاطها الذي تمارسه يخضع لأحكام هذا القانون) .
وإذا حاولنا البحث عن أقرب شكل للشركة المتناقصة من أشكال الشركات المذكورة فلا بد من التعرف على أهم عناصر الشركة لتقريبها من غيرها، فإذا عرفنا أن الشركة المتناقصة عادة ما ينص في نموذج عقد هذه الشركة أنها تتكون من طرفين: المصرف والشخص الطبيعي الآخر (كما هو محل بحثنا: صاحب الأرض) ، ويقوم المصرف بتمويل صاحب الأرض عن طريق المشاركة المتناقصة، وينص عادة على أن حق استغلال منفعة البناء مفوضا إلى المصرف الإسلامي الممول، وهو عادة ما يكون تفويضا مطلقا عاما وشاملا، ولا يجوز لصاحب الأرض الرجوع عن هذا التفويض (2) .
وإذا عرضنا تعريف شركة المحاصة والتي هي وفقا للمادة (56) من قانون الشركات التجارية أنها (الشركة التي تنعقد بين شريكين أو أكثر، لاقتسام الأرباح والخسائر عن عمل تجاري أو أكثر يقوم به أحد الشركاء باسمه الخاص، وتكون الشركة مقصورة على العلاقة بين الشركاء، ولا تسري في حق الغير، ويجوز إثبات شركة المحاصة بكل طرق الإثبات) .
(1) حيث تنص المادة (5) من قانون الشركات التجارية على أنه (يجب أن تتخذ الشركة التي تؤسس في الدولة أحد الأشكال الآتية: 1- شركة التضامن، 2- شركة التوصية البسيطة 3- شركة المحاصة، 4- شركة المساهمة العامة، 5- شركة المساهمة الخاصة، 6- الشركة ذات المسؤولية المحدودة، 7- شركة التوصية بالأسهم)
(2)
انظر: نموذج عقد مشاركة متناقصة، منشور عند د. محمد عثمان شبير، المعاملات المالية المعاصرة في الفقه الإسلامي، ص 296-299
ويفضل البعض هذه الشركة لضمان ممارستهم التجارة دون الإفصاح عن أسمائهم، والتخلص من الشكليات التي يتطلبها إبرام عقد الشركة، وقد تقوم الشركة لممارسة عمل واحد وقتي، وقد تقوم لمباشرة عمل ذي أجل طويل، كاتفاق مهندس معماري مع مقاول على تشييد المباني وإصلاحها واقتسام ما ينشأ عن ذلك من ربح أو خسارة (1) .
وبالتالي فإن ما يميز شركة المحاصة أنها شركة أشخاص، أي أنها تقوم على الاعتبار الشخصي بين الشركاء والثقة المتبادلة بينهم، بل إن الاعتبار الشخصي هنا أكثر وضوحا منه بالنسبة لبقية الشركات، حيث لا تقوم الشركة إلا بين الشركاء، ولا وجود لها أمام الغير، ويترتب على ذلك عدم قابلية الحصص للتنازل (2) .
وشركة المحاصة شركة مستترة أي أنه لا وجود للشركة إلا فيما بين الشركاء، ولا وجود لها في مواجهة الغير، فإذا قام من يمثلها بالتعامل مع الغير، فانه يتعامل باسمه الخاص، حيث إنه لا يمثل شخصا معنويا (3) .
ولا يعني ذلك أن شركة المحاصة شركة واقعية وإنما هي شركة ذات وجود قانوني (4) ، وإذا كانت شركة المحاصة لا تكتسب الشخصية المعنوية وهي بالتالي لا تمثل ذمة مالية إلا أن الشركاء قد يتفقون على خلاف ذلك (5) .
وواقع الأمر أن اتفاقهم لا يخرج عن أحد فروض ثلاثة:
أولها: قد يتفقون على احتفاظ كل شريك بملكيته للحصة التي قدمها، وهو الأمر الغالب (6) وإذا كانت الحصة معينة بالذات فإنها تبقى على ملك صاحبها وتهلك على عاتقه هو، وذلك ما لم يرجع الهلاك لمخاطر الاستغلال المشترك، ويستطيع استردادها بعينها عند انتهاء الشركة (7) .
وثانيها: قد يتفقون على نقل ملكية هذه الحصص إلى مدير المحاصة الذي يتولى استغلالها لصالح الشركة لا لصالحه الخاص، ويلجأ الشركاء إلى هذا الطريق عادة لتسهيل استغلال أموال الشركة، ويتعين عليهم عندها اتباع إجراءات نقل الملكية المقررة قانونا.
وثالثها: قد يتفقون على بقاء الحصص مملوكة بينهم على سبيل الشيوع، بحيث يكون لكل منهم نصيب في كل الحصص (8) .
(1) د. حسين غنايم، الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 127
(2)
د. حسين غنايم، الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 128؛ د. فايز نعيم رضوان، الشركات التجارية ط 1989 م، ص 203
(3)
د. فايز نعيم رضوان، الشركات التجارية ط 1989 م، ص 203 وما بعدها
(4)
المادة (57) من قانون الشركات
(5)
د. حسين غنايم، الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 129
(6)
المادة (59) من قانون الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة
(7)
د. حسين غنايم، الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 129؛ ود. فايز نعيم رضوان، الشركات التجارية، ص 205
(8)
د. حسين غنايم، الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ص 130
فهي إذن شركة تقوم بين طرفين أو أكثر ويتم اقتسام الأرباح والخسائر فيما بينهم، كما هو الأمر في الشركة المتناقصة.
وهي مقصورة في علاقتها بين الشركاء، ولا تسري في حق الغير وفقا للقواعد المطلوبة للشهر والتسجيل، وشركة المحاصة والمتناقصة لا تحتاج إلى تسجيل، وتتم في المصرف الإسلامي، ولا يمنع من أن تكون لها شخصية اعتبارية قيامها دون تسجيل، فقد نصت المادة (955) من قانون المعاملات المدنية الإماراتي على أن:
(1- تعتبر الشركة شخصا اعتباريا بمجرد تكوينها.
2-
ولا يحتج بهذه الشخصية على الغير إلا بعد استيفاء إجراءات التسجيل والنشر التي يقررها القانون.
3-
ولكن للغير أن يتمسكوا بهذه الشخصية رغم عدم استيفاء الإجراءات المشار إليها) .
وبالتالي نرى النتيجة أن الشركة المنتهية بالتمليك وفقا لقوانين دولة الإمارات العربية المتحدة جائز أن تقوم باعتبارها شركة محاصة، وإن كانت كما سنرى لا بد أن تخضع للأنظمة القائمة في دولة الإمارات سواء الاتحادية منها أو المحلية.
***
المطلب الرابع
مدى توافق عقد المشاركة المتناقصة
مع قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة
بداية نؤكد أن النظام المصرفي الإسلامي قد قام بتطوير الوسائل المصرفية القائمة في البنوك الربوية بغية تحقيق الالتزامات الشرعية وتحقيق الربح الحلال أيضا، وهو لم يتجمد عند هذا الحد بل قام بتطوير الأنظمة والأفكار المالية الإسلامية التي نشأت في ظل عصور وبيئات سابقة، وقد طبقها وهو يرمي إلى جانب ما ذكرنا إلى أن يكتشف من التطبيق العيوب أو أن يؤول التطوير والتنظيم إلى شيء من الانحراف مما يقتضي إعادة النظر فيه وتهذيبه.
ولهذا قيل بأن النشاط المصرفي محمود وضروري بدلالة غاياته وأهدافه، ومرفوض من حيث وسيلته من الأحكام الإسلامية، فقد اتجهت أنظار المسلمين حديثا نحو العمل على إعادة صياغة هذا النشاط بوسائل إسلامية بدلا من رفضه كليا رفضا لا ينسجم مع تعاليم الدين الإسلامي نفسها التي تتصف بالمرونة، مما يجعلها صالحة لكل الأزمان والبيئات، مهيأة للإنسان وسائل رغد العيش وحسن التواؤم (1) .
ولهذا فإن المشرع في دولة الإمارات العربية المتحدة لم يتوان منذ سنين عديدة من أن يصدر قانونا اتحاديا لينظم العمليات المصرفية الإسلامية ويتيح لها من الوسائل ما لا يتاح لغيرها من المصارف المعتادة.
(1) د. غسان قلعاوي، المصارف الإسلامية ضرورة عصرية لماذا؟ وكيف؟، دار المكتبي ط1 1998 م دمشق، ص 10
فصدر القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 1985 م في شأن المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية، وحتى لا نبتعد عن موضوعنا، فقد نصت المادة (3) من القانون على أنه:
(1- يكون للمصارف الإسلامية الحق في مباشرة جميع أو بعض الخدمات والعمليات المصرفية والتجارية والمالية والاستثمارية، كما يكون لها الحق في مباشرة جميع أنواع الخدمات والعمليات التي تباشرها المصارف المنصوص عليها في القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 1980 م (قانون المصرف المركزي والنظام النقدي وتنظيم المهنة المصرفية) المشار إليه ودون التقييد بالمدد الواردة فيه، سواء تمت هذه الخدمات أو العمليات لحساب المصرف الإسلامي أو لحساب الغير أو بالاشتراك معه. ويكون للمصارف الإسلامية أيضا الحق في تأسيس الشركات والإسهام في مشاريع قائمة أو تحت التأسيس، شرط أن يكون نشاطها متفقا مع أحكام الشريعة الإسلامية.
2-
ويكون للمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية الحق في القيام بعمليات التسليف والإقراض وغيرها من العمليات المالية، وكذلك الإسهام في مشاريع قائمة أو تحت التأسيس، واستثمار أموالها في القيم المنقولة وتلقي الودائع النقدية لاستثمارها طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية) .
فوفقا لهذا النص من القانون فإنه قد أعطى للمصارف الإسلامية الخاضعة لهذا القانون حرية في التعامل أوسع بكثير من المصارف المعتادة التي يكيف عملها في صورة الإقراض والاقتراض (1) .
فلها أن تشتري وتبيع بقصد الربح، أو أن تكون في صورة المقاول أو المضارب أو المؤجر أو المستثمر وغير ذلك من العقود التي يقصد منها الربح، على أن تكون هذه النشاطات وغيرها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وألا تكون متناقضة مع القوانين المطبقة والمعمول بها في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد نصت المادة الثانية من القانون الاتحادي في شأن المصارف والمؤسسات الإسلامية على أن (2- وتخضع هذه المصارف والمؤسسات والشركات للقانون الاتحادي رقم (10) لسنة 1980 م، وللقانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1984 م المشار إليهما ولغيرهما من القوانين والنظم المعمول بها في الدولة ولقواعد العرف السائدة، وذلك كله فيما لم يرد في شأنه نص خاص في هذا القانون) .
وإذا كان الأصل أن على البنوك الالتزام بما جاء في قانون المصرف المركزي الاتحادي بحيث ليس لها إجراء المعاملات التي تقوم بها الشركات التجارية إلا ما نص عليه في قانون المصرف المركزي، فإن قانون المصارف الإسلامية قد استثنى البنوك الخاضعة له صراحة من ذلك، فقد نصت المادة (4) من قانون المصرف على الآتي:
(1) د. علي البارودي، العقود وعمليات البنوك التجارية، منشأة المعارف، ص 245-246
(1- تستثنى المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية التي تؤسس في الدولة، وفروع ومكاتب المصارف والمؤسسات المالية والشركات الاستثمارية الإسلامية الأجنبية التي يرخص لها بالعمل داخل الدولة، من أحكام البند (أ) من المادة (90) والبند (هـ) من المادة (96) من القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 1980 م المشار إليه.
2-
وتستثنى تلك الجهات من أحكام البند (ب) من المادة (90) من القانون الاتحادى رقم (10) لسنة 1980 م المشار إليه، وذلك بما لا يتعارض مع أحكام التشريعات المعمول بها في الإمارة المعنية) .
على افتراض أن هذه الشركة (المنتهية بالتمليك) قد قامت عن طريق العقد. وبناء على السماح الذي منحه قانون المصارف والمؤسسات الإسلامية، في قيامها بالشكل الإسلامي المنبثق من الفقه واجتهاداته، إلا أنها يجب أن تكون في الحدود المقبولة وفقا للقوانين المطبقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأن المقصود في القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 1980 م الذي أشارت إليه المادة السابقة:
فقد نصت المادة (90) في البند الأول من قانون المصرف المركزي على الآتي.
(يحظر على المصارف التجارية أن تزاول أعمالا غير مصرفية وبوجه خاص الأعمال الآتية:
أ- ممارسة التجارة أو الصناعة أو امتلاك البضائع والمتاجرة بها لحسابها الخاص ما لم يكن امتلاكها وفاء لدين لها على الغير. وعليها أن تقوم بتصفيتها خلال المدة التي يحددها المحافظ.
ب- شراء العقارات لحسابها الخاص فيما عدا الحالات الآتية:
- العقارات اللازمة لممارسة أعمالها أو لسكن موظفيها أو الترفيه عنهم.
- العقارات التي تتملكها استيفاء لديونها، وعليها في هذه الحالة بيع هذه العقارات في غضون ثلاث سنوات، ويجوز تمديد هذه المهلة بقرار من المحافظ) .
ونصت المادة (96) من قانون المصرف المركزي والمصارف التجارية على أن:
(1- لمجلس الإدارة أن يعين بالنسبة إلى المصارف التجارية ما يأتي:
هـ- أسعار الفائدة التي تدفعها المصارف عن الودائع وأسعار الفوائد والعمولات التي تتقاضاها من عملائها) .
كل هذه النصوص توضح لنا طرق تعامل المصرف الإسلامي مع عملائه، فإذا كان يحظر على المصارف التجارية ممارسة التجارة أو الصناعة أو امتلاك البضائع والمتاجرة بها لحسابها الخاص، أو امتلاك العقارات إلا فيما أوضحته المادة (96/ 1/ هـ) من قانون المصرف المركزي، فإن للبنوك الإسلامية استخدام جميع هذه الطرق التي حظرت على المصارف التجارية ومنها تملك العقارات والتصرف فيها.
إلا أن المشرع عندما تطرق لهذا الموضوع بالذات- ونقصد تملك العقارات والتصرف فيها- علم أن هناك قواعد تعد من النظام العام الذي لا يجوز الاتفاق على خلافه لأمور قدرتها الحكومات المحلية رعاية لمصلحة أكبر وأعم من فتح الباب للمصارف الإسلامية للمتاجرة بها، وبالتالي فإنها مع الجواز في النص فإنها قيدت النص في المادة (4/ 2) من قانون المصارف الإسلامية بالقول: (
…
بما لا يتعارض مع أحكام التشريعات المعمول بها في الإمارة المعنية) .
ومن المعلوم في الفقه الإسلامي أن للحاكم أن ينظم التعامل بين الناس بما يحقق المصلحة العامة، وهو أمر قد يختلف من زمن إلى آخر ومن مكان إلى آخر حسب الحاجة والضرورة، وهو ما يتوافق مع القاعدة الفقهية التي تقول:(التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) وهو نص المادة (58) من قانون المعاملات المدنية.
وبالتالي، من الجائز أن نرى إحدى الإمارات تجيز التعامل والتصرف في الأراضي دون قيود- عدا القيود الواردة على البنوك التجارية- وفي هذه الحالة يجوز أن يجري المصرف الإسلامي أية معاملة متوافقة مع الشريعة الإسلامية على هذه الأراضي والعقارات، ومنها عملية المشاركة المتناقصة أو المنتهية بتمليك العقار.
وقد نرى أن إحدى الإمارات تحظر ذلك، وتستثني الحالات التي يأذن فيها الحاكم أو الجهة التي عينها القانون المحلي في شأن العقارات.
وهنا تكون المعاملة متوقفة على إذن من الجهة المختصة، فإذا لم يستطع صاحبها أن يحصل على الإذن تكون المعاملة باطلة. وإذا أَذِنَ له بالتصرف كان التصرف صحيحا نافذا.
تم بحمد الله رب العالمين.
الأستاذ الدكتور جاسم علي سالم الشامي
المستشار القانوني بجامعة الإمارات العربية المتحدة
العرض- التعقيب والمناقشة
العرض
نائب الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: المشاركة المتناقصة وصورها، والعارض الشيخ وهبة الزحيلي، فليتفضل.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد قدم لأمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ستة بحوث حول الشركة المتناقصة تتفق في أغلب المسائل والفروع، وتختلف في بعض منها، وهي:
ا- بحث الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمي.
2-
بحث الأستاذ الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي.
3-
بحث الأستاذ الدكتور عبد السلام داود العبَّادي.
4-
بحث الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي.
5-
بحث الأستاذ الدكتور نزيه كمال حماد.
6-
بحث الأستاذ الدكتور جاسم علي سالم الشامسي.
ألخص هذه البحوث ضمن العناصر التالية:
التعريف:
تعريف هذه الشركة متفق عليه بين هذه البحوث الستة، وهو أن يتفق طرفان أو أكثر على إنشاء شركة مؤقتة بينهما في عقار أو مشروع أو غير ذلك، يمكن أن يتنازل فيها أحد الشريكين للآخر، إما دفعة واحدة أو على دفعات، بحسب شروط متفق عليها، بعقود بيع مستقلة متعاقبة.
وأوضحتْ بعض البحوث منها بحثي وبحث الدكتور الشامسي وبحث الدكتور الشاذلى الفروق بين هذه الشركة والمشاركة الثابتة أو الدائمة، والمشاركة المنتهية بالتمليك وكذا الإجارة المنتهية بالتمليك، وبيع الوفاء، وشركة المحاصة.
المشروعية والشروط:
اتفقت هذه البحوث على مشروعية الشركة المتناقصة بشروط ثلاثة هي التي عبر عنها الدكتور النشمي بأحكام المشاركة المتناقصة وهي:
1-
ألا تكون مجرد عملية تمويل بقرض.
2-
أن يمتلك المصرف (البنك) حصته في المشاركة ملكا تاما، وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة والتصرف.
3-
ألا تتضمن شرطا يقضي بأن يرد الشريك إلى البنك كامل حصته في رأس المال مع الأرباح، منعا من الوقوع في الربا.
وصرح الدكتور نزيه حماد بإضافة شرطين يمكن فهمهما من تعريف هذه الشركة وهما:
1-
ألا تتضمن المفاهمة أو المواعدة السابقة لإبرام عقود البيع المتتالية تحديدا لثمن الحصة الموزعة عليها.
2-
أن تنشأ الوعود ثم العقود المجتمعة فيها متتالية متعاقبة منفصلة، احترازا من الوقوع في بعض المحظورات الشرعية، وهذا متفق عليه بين الباحثين.
لكن اختلف الباحثون في تكييف هذا العقد، أي بيان صفته الشرعية، فاتجه الدكتور النشمي والدكتور حماد والدكتور الشاذلي إلى أن هذه الشركة تعد شركة أموال أو ملك حسب مقصد الاستثمار أو التمليك، لكن اثنان منهم عادا فقالا: هي عقد شركة مستجدة، أو مجموعة عقود تشتمل على الشركة والبيع، وهما مما يجوز اجتماعهما، إذ لا تضاد بينهما، لكن تعتبر الشركة شركة ملك إذا كان المقصود من الشركة إقامة مشروع أو اتخاذ مسكن للشريك.
واتجه بعض الباحثين- الزحيلي والشامسي- أيضا إلى أن هذه شركة عنان، أي من أقسام شركة العقود، لا من شركات الأموال أو الأملاك التي تنشأ حكما بين الشركاء دون إبرام عقد، كشركة الورثة في التركة، أو شراء شيء مشترك كسيارة دون إبرام عقد شركة بين الطرفين.
الوعد:
واتفق الباحثون على جواز اشتمال هذه الشركة على وعد ملزم لأحد الشريكين وهو البنك أو المصرف، على أن يبيع حصته إذا دفع له الشريك الآخر ثمن الحصة، إما دفعة واحدة أو على دفعات. ولا يجوز شرعا وجود مواعدة ملزمة للطرفين بالتمليك أو التملك، لأن هذه المواعدة السابقة تصبح جزءا من العقد، فتجتمع عدة عقود في عقد واحد، وهو ممنوع شرعا، كما هو معلوم بسبب النهي عن تعدد الصفقات في صفقة واحدة إذا كان بينها تناف أو تضاد، لكن لا مانع شرعا من تعدد عقود مستقلة أو منفصلة واردة على شيء واحد، أي أنه يتم إنجاز الوعد بشرط إبرام البيع بصفة مستقلة عن الشركة، احترازا من الوقوع في بعض المحظورات الشرعية كالبيع المضاف إلى المستقبل، وإجارة وبيع ما لا يملك الشخص من الأعيان، والبيع بثمن مجهول، كما ذكر الدكتور نزيه حماد.
صورها:
وأما صور الشركة المتناقصة فاتفقت الأبحاث على مشروعية ثلاث منها، وهي مأخوذة من قرارات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول في دبي:
الصورة الأولى: أن يتفق البنك مع متعامله على تحديد حصة كل منهما في رأس مال المشاركة وشروطها، وهي جائزة شرعا إذا تم بيع حصص البنك إلى المتعامل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل، مع بقاء الحرية للبنك في بيع حصته لشريكه أو لغيره، والحرية للمتعامل في الشراء على هذا النحو، ليتحقق انفصال البيع عن الشركة.
الصورة الثانية: وهي التي يتفق فيها البنك مع متعامله على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، على أن يُحَصِّل البنك من شريكه حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلا، ويحتفظ بجزء من الإيراد لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل.. وهي صورة عملية لسداد حصة البنك من الغلة الناتجة.
الصورة الثالثة: وهي التي يحدد فيها نصيب كل من البنك وشريكه في صورة أسهم، وللشريك المتعامل اقتناء عدد معين من هذه الأسهم كل سنة، مما يؤدي إلى تناقص أسهم البنك تدريجيا خلال فترة مناسبة يتفق عليها، حتى يتملك المتعامل كامل الأسهم في النهاية، فيتخارج البنك من المشروع، وهي أكثر الصور انتشارا.
وأضاف الدكتور النشمي أربع صور أخرى بحيث تصير سبعا، وهي:
1-
المشاركة المتناقصة مع الاستصناع - وقد ذكره الدكتور الشاذلي- وهذا جائز في رأيه، لكن إن احتفظ المتعامل بملكية الأرض لنفسه وقام البنك بالبناء عليها، وزع الإيراد بينهما بحسب نسبة الاتفاق، وليس للبنك أية ميزة بسبب ارتفاع الأثمان. وأما إن أدخل، المتعامل الأرض في المعاملة بحيث يصبح شريكا للبنك في المباني والأرض، فيكون للبنك نصيب من ارتفاع الأثمان.
2-
3- المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك مع الإجارة: وهي المشتملة على وعد من المتعامل مع البنك باستئجار العين لمدة محددة وبأجر المثل، فيصير العميل شريكا ومستأجرا، وهذا جائز كجواز حالة المشاركة المتناقصة بطريقة التمويل المصرفي المجمع المشترك بين عدة بنوك في تمويل مشروع، وهذه إحدى الصور، وهي تشبه تماما المشاركة المتناقصة بالتمويل المشترك بين البنك ومتعامله.
4-
المشاركة المتناقصة بطريقة المضاربة: وهي أن يدفع البنك كامل رأس المال لمشروع معين، ويقدم الشريك العمل، والربح بينهما، مع وعد من البنك بتمليك المشروع بطريقة المشاركة المتناقصة، وهذه صورة المضاربة المنتهية بالتمليك.
وأرى أن هذه الصور المضافة لا تعدو أن تكون أمثلة تطبيقية للمشاركة المتناقصة، ليس فيها تغيير لحقيقة هذه المشاركة.
أحكامها:
ومن أحكام الشركة أنه يجب تقدير الحصة بقيمتها السوقية يوم البيع وليس بقيمة المشاركة حذرا من الغبن والضرر الذي قد يقع فيه أحد الطرفين، كما ذكر الدكتور النشمي، وأضاف أيضا أنه تجوز هذه المشاركة مع إعطاء البنك حق الخيار للمتعامل في تملك العين المعقود عليها في أي وقت يشاء، على أن يسدد التزاماته كاملة. ويجوز للبنك هبة العين أو الوعد بهبتها للشريك إذا سدد التزاماته. ولا تنتقل الملكية من البنك للمتعامل إلا بعقد مستقل بعد الوفاء بالتزاماته. ولا يجوز للبنك والشريك العميل الاتفاق ابتداء على المشاركة والبيع في عقد واحد، بل لا بد من عقدين منفصلين كما تقدم بيانه، ويجوز تقدير الأجرة للعمل سلفا بأجرة المثل. وإذا تخفف الشريك لعذر عن دفع بعض ما عليه من حصة البنك فينظر إلى ميسرة، فإن لم يكن له عذر، جاز للبنك التنفيذ على الرهن إن وجد، واستيفاء الحق منه، أو الإقالة.
وتطبق أحكام الشركة طوال مدة الشركة، مما يعد من تكاليف أو مؤنة الملك من الصيانة والتأمين ونحوهما، كما تطبق أحكام الإجارة في مدتها إذا تضمن العقد إجارة.
وينتهي عقد المشاركة المتناقصة بما تنتهي به شركات الأموال التي هي عقد لازم في رأي المالكية، فلا تنتهي إلا بالتنضيض (السيولة النقدية) أو برضا الطرفين.
ويجوز تخارج البنك مع شريكه، سواء كان مؤسسة مالية أو أفرادا، والأنسب كما يرى الدكتور النشمي العمل بمذهب المالكية في القول بلزوم الشركة، وأوافقه على هذا، فلا تخارج إلا باتفاق أو تراضي الطرفين.
الأرباح والخسائر:
أما الأرباح فتوزع، كما أوضح الدكتور الشامسي والدكتور نزيه حماد، بين الطرفين (البنك والشريك) حسب الاتفاق إذا كان القصد هو المتاجرة. فإن كان القصد هو تحقيق الربح أو اتخاذ مسكن للشريك، فيوزع الربح بحسب نسبة الملكية، وتعتبر حينئذ شركة ملك.
وأما الخسائر: فإذا كان المشروع مملوكا كله للمصرف، فإنه يتحمل وحده جميع الخسائر. وإذا كان يملك بعض المشروع، فإن المصرف يتحمل الخسارة بنسبة الفرق بين أصل رأس المال والمقدار المسترد من دخل المشروع.
طرق التناقص:
انفردت ببيان الطرق المتبعة في تناقص ملكية الجهة الممولة تدريجا، وأشهرها ثلاث:
1-
التملك لحصة الجهة بمقدار العائد المستحق للمتملك بجعله ثمنا للحصص المشتراة: وهو طريق بطيء، وكثير الحصول، لأن العميل لا يملك مالا، وإنما يملك حصته من الربح أو العائد الناتج، فيشتري به من حصة المصرف بمقدار هذا العائد الذي جعله ثمنا لكل حصة مشتراة على حدة، وهو تملك تدريجي بعقود بيع وشراء متتابعة، تنقص به ملكية المصرف وتزداد ملكية العميل شيئا فشيئا إلى أن يتم تملك جميع حصة المصرف في نهاية الأمر، وهو عمل تجاري استثماري مشروع.
2-
التملك لأسهم محددة دوريا بعد تقسيم المشاركة إلى أسهم: هذه الطريقة هي الغالبة في عمليات الشركة المتناقصة، لسهولة تحديد مبيعات الأسهم المملوكة للمصرف البائع في كل عقد بيع مستقل، وهي طريقة كسابقتها سائغة شرعا، يتم فيها البيع دوريا لمجموعة من أسهم المشاركة بين الطرفين، فتزداد حصة العمل في الشركة وتتناقص أو تجف تدريجيا حصة البائع (المصرف أو غيره من الأشخاص) .
3-
التملك لحصص غير محددة بحسب إمكان المتملك: وهذا وعد بالتمليك لحصص غير محددة بمقدار معين، وإنما بحسب قدرة المشتري المتملك، وهذا الوعد جائز لأنه مجرد عرض للحصة التي تقدر وقت إبرام العقد، وتحدد القيمة بحسب سعر السوق، أي بـ القيمة السوقية لا بـ القيمة الاسمية.
ضوابط التمليك:
وانفردت أيضا ببيان مستقل لضوابط تمليك الجهة الممولة حصتها للطرف الآخر، وهي كما تقدم تعد أحكاما- ذكرها الدكتور النشمي- وهي لا تعدو أن تكون تطبيقات لشروط الشركة المتناقصة، وهذه الضوابط هي ما يأتي بإيجاز:
1-
التملك يكون بـ القيمة السوقية، لا بأصل المبلغ المقدم للمشاركة، لتجنب ضمان رأس مال المشاركة.
2-
التملك بعقد بيع في حينه، لا ببيع مضاف للمستقبل، لأنه لا يجوز إضافة حكم البيع للمستقبل، لأن حكمه التنجيز فورا.
3-
التصرف في موجودات المشاركة في حال الإخفاق في تناقصها يكون على النحو الذي يحدث في حال تصفيتها، فيتم بيعها وتوزيع الثمن على الشركاء بنسبة حصة كل شريك في رأس مال الشركة، لأن الخساره توزع بنسبة الحصص القائمة فعلا.
4-
تحميل أعباء الشركة لوعاء المشاركة دون أحد الطرفين: أي أنه يتم تحمل جميع الالتزامات أو الديون أو الأعباء بين جميع أفراد الشركة بنسبة حصصهم، ولا يجوز أن يتحمل أحد الشركاء وحده دون بقية الشركاء عبء الشركة، لأن الشركة ملك الكل، لهم مغانمها وعليهم مغارمها.
والخلاصة
أن الشركة المتناقصة تتألف بحسب المفاهمة الممهدة لإبرامها من مجموعة عقود والتزامات مترابطة متتالية، تهدف إلى أداء وظيفة تمويلية محددة، تواضع طرفاها على الاشتراك في شراء مشروع أو عقار ذي ريع أو غير ذلك، وتتألف أيضا من تواعد الطرفين على الاشتراك في الإيجار لطرف ثالث، وعلى أن يقوم الشريك المتعامل بشراء حصة شريكه (الممول) تدريجا على وفق جدول زمني يتفقان عليه، كما أبان الدكتور نزيه حماد.
والحكم الشرعي لهذه الاتفاقية هو الجواز، بشرطين: أن تكون جميع أجزاء هذه الصفقة من عقود ووعود سائغة شرعا، كل بمفرده، وألا يترتب على اجتماع هذه العقود في صفقة واحدة محظور شرعي، كشيء منهي عنه، أو توسل بمشروع لمحظور، أن تكون العقود متضادة حكما.
بالنسبة للدكتور عبد السلام العبَّادي هو متفق معنا في هذه الأمور العامة، وسواء عبر عنها بصيغ الاستثمار أو بالطريقة التي ذكرتها، وهو من حيث النتيجة والحكم متفق مع بقية الأبحاث.
وانفرد الدكتور العبادي بأنه أعطانا نموذجين لعقد مشاركة متناقصة من البنك العربي الإسلامي الدولي، وأيضا من البنك الإسلامي الأردني، ففي هذين النموذجين صورة عملية لهذه المشاركة.
بحث الدكتور الشاذلي هو يتفق في الصيغة العامة والأطر والأحكام مع بقية هذه البحوث، ولكن دقق في تأصيل كثير من هذه الأحكام بالمراجع الفقهية المعتبرة وخصوصا قضية التفرقة بين الصرف وبين المواعدة. وأيضا انفرد الدكتور الشاذلي- حفظه الله- بأنه أفاض في بيان كثير من هذه الأحكام، وإن كانت البحوث الأخرى أحالت هذه الأحكام على القواعد العامة المعروفة في الفقه الإسلامي، وأفاض أيضا بالذات في قضية الوعد والمواعدة، وأفادنا إفادة كبرى في هذا الموضوع، وإن كان هناك قرار سابق في مجمع الفقه في هذه الناحية قضية الوعد ملزم أو غير ملزم، فجزاه الله خير الجزاء.
أيضا أوضح الدكتور الشاذلي كيفية التملك لحصة فيها بمقدار العائد المستحق للمتملك بجعله ثمنا للحصص المشتراة، وهذه الصورة في الحقيقة أوردتها البحوث الأربعة التي ذكرتها ضمن الصور المتفق عليها، وخلا بحث الدكتور الشاذلي من أن يساعدنا بشيء من الخلاصة لهذا البحث النفيس، وجزى الله الجميع خير الجزاء، وأعتقد أن هذه البحوث علمية فياضة ومفيدة وأعطتنا تصورا واضحا في معالمه وفي جميع جزئياته، وأنا أشك أن ما تضمنته هذه البحوث يغني الكثيرين من المناقشة في الجزئيات، إلا إذا أرادوا إضافة بعض معلومات أخرى، والموضوع جديد وحديث فأعتقد أن هذه الإضافات قد تكون مفيدة إذا كانت جديدة، أما إذا كانت تكرر ما ذكرته هذه البحوث فالبحوث غنية. وشكرا للجميع على إصغائهم وحسن استماعهم وبارك الله لهم في وقتهم وفي تقديرهم. ونحن نعتز بكل ما يقدمونه من جهود في هذه المناقشات لإثراء البحث والتوصل إلى نتائج سريعة، لأن هذا بحث متخصص، وليس كالزكاة الذي فيه كلام عام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
التعقيب والمناقشة
التعقيب والمناقشة
الشيخ نزيه كمال حماد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فالذي أريد بيانه الآن هو تتمة وتكملة لأمور في غاية الأهمية لم يتيسر لأستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي التمهيد إليها مع عرضه لخلاصة بحثه وبحوث المشاركين.
وهذه النقاط لا بد في نظري من ملاحظتها لتوقف صحة استنباط الحكم الشرعي لمعاملة المشاركة المتناقصة على معرفتها، وهذه الأمور تتعلق بحقيقة هذه المشاركة المتناقصة وكيف تعمل، والأحكام التي تتعلق بها في الجملة، والأحكام التي تتعلق بها في التفصيل، فأقول وبالله التوفيق:
المشاركة المتناقصة في حقيقتها هي عبارة عن اتفاق طرفين على إحداث شركة ملك مؤقتة بينهما في عقار أو مشروع أو غير ذلك يشتريانه، تنتهي بانتقال حصة أحد الشريكين إلى الآخر تدريجيا بعقود بيع مستقلة متعاقبة وفقا للشروط المتفق عليها أو المتفاهم عليها.
ويلاحظ أن اتفاقيتها هذه تقوم على نظام مرتبطة أجزاؤه بعضها ببعض، وضع لأداء وظيفة تمويلية محددة مستحدثة. ولذلك فـ المشاركة المتناقصة ليست مجرد شركة ملك أو إجارة عين أو بيع حصة لشريك ولكنها مزيج من ذلك كله وفقا لشروط تحكمها، كمعاملة أو كصفقة واحدة لا تقبل التفكيك والتجزئة.
وتتألف هذه المعاملة بحسب المفاهمة الممهدة لإبرامها من مجموعة عقود والتزامات مترابطة متتالية على النحو الآتي:
أ- الاشتراك في شراء مشروع أو عقار ذي ريع أو غير ذلك.
ب- يتواعد الطرفان على ما يلي:
1-
الاشتراك في تأجير ما اشتريا لطرف ثالث أو تأجير الطرف الممول حصته للشريك العميل.
2-
أن يقوم الشريك العميل بشراء حصة شريكه الممول وفق جدول زمني يتفقان عليه، وكلما زادت حصة العمل في المشروع أو العقار نقصت حصة الممول بقدر تلك الزيادة، ونقص تبعا لها نسبة نصيبه في بدل الإجارة إلى أن يتم تخارج الممول وحلول العميل محله بالكامل في حصته في ذلك الملك المشترك.
جـ- يؤجر الطرفان الملك المشترك إلى طرف ثالث بعقد إجارة مستقل ويقتسمان الأجرة بحسب حصة كل منهما في الملك، أو يؤخر الطرف الممول حصته للعمل ببدل معلوم في عقد إجارة منفرد.
د- تبرم بين الشريك الممول والشريك العميل عقود بيع متتالية لحصة الممول وفقا للآجال المتواعد عليها مسبقا، حتى يتم انتقال ملكية نصيب الممول بكامله إلى العميل بموجب تلك العقود المتعددة المتعاقبة المنفصلة عن بعضها في الإنشاء والتنفيذ والأجل.
وتتعلق بهذه المعاملة المتكاملة الأحكام الشرعية الآتية:
تعتبر المفاهمة أو المواطأة السابقة على إبرام الاتفاقية مرتبطة بها وجزءا منها، ومؤثرة على حكمها التكليفي والوضعي ولو لم يصرح بها حال التعاقد ما دامت الاتفاقية معتمدة عليها. كما أنه يعتبر في حكم المواطأة اللفظية المواطأة العرفية.
وبناء على ما تقدم فإن الحكم الشرعي بجواز هذه الاتفاقية يتوقف على أمرين:
أحدهما: أن تكون جميع أجزاء هذه الصفقة من عقود ووعود سائغة شرعا كل بمفرده.
وثانيها: ألا يترتب على اجتماع هذه العقود والالتزامات في صفقة واحدة أحد المحظورات الآتية:
1-
أن يكون الجمع بينهما محل نهي في نص شرعي.
2-
أن يترتب على الجمع بينهما توسل لما هو مشروع إلى ما هو محظور.
3-
أن تكون العقود والالتزامات مجتمعة متضادة وضعا، أو متناقضة حكما، إذ لا يخفى أن للاجتماع في الشريعة تأثيرا في أحكام لا تكون في حاجة لرد.
هذا، ولما كان كل ما في هذه الاتفاقية من عقود ووعود جائزا لاستكمال أركانه وشروطه الشرعية، كما أنه لا يترتب على اجتماعها أحد المحظورات الآنفة الذكر فإنها تعتبر سائغة في النظر الفقهي إذا تحققت الشروط الثلاثة الآتية:
أ- ألا تتضمن المفاهمة أو الوعود السابقة لعقود البيع المتتالية تحديدا للثمن في كل منها بمقدار أصل المبلغ المقدم للمشاركة لوجوب تحديده باعتبار القيمة السوقية للحصة عند إبرام كل عقد بيع مستقل في أجله، تجنبا لضمان العميل رأس مال المشاركة للممول.
ب- أن تبرم العقود والالتزامات المجتمعة في هذه الاتفاقية متتالية متعاقبة منفصلة، إذ لو أبرمت دفعة واحدة عقب المفاهمة لأدى ذلك إلى الوقوع في محظورات متعددة منها: البيع المضاف للمستقبل، وتأجيره، وبيع الشخص ما لا يملك من الأعيان، والبيع بثمن مجهول.
ج- يجب اشتراك الممول والعميل في ضمان أي غرم الخسارة في حال وقوعها بحسب حصصهم في الملك المشترك مقابل استحقاقهم للأرباح والعوائد، كي لا تكون هذه المعاقدة التمويلية حيلة إلى قرض ربوي.
أشكركم لإتاحة الفرصة لي لتسليط الضوء على هذه النقاط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الموضوع المطروح (المشاركة المتناقصة وأحكامها في ضوء ضوابط العقود المستجدة) . والمشاركة المتناقصة أردت أن أقارنها بعقود أخرى معروفة في الفقه الإسلامي، فوجدت أقرب العقود إليها هو بيع الوفاء، فإن بيع الوفاء أن يبيع على اشتراط أن يعود الملك إلى صاحبه، إلا أن ما تفضل به فضيلة الدكتور نزيه كمال حماد من الشروط الثلاثة التي اشترطها هي التي يمكن بها أن نخلِّص هذا العقد الجديد من هذا الشبه المقيت الشبه ببيع الوفاء أو ما يسمى في الفقه المالكي ببيع الثنيا.
ولذا فإن اقتراحي محدد وهو أن يُنص في التوصية نصا واضحا على وجوب توفر هذه الشروط الثلاثة التي ذكرها الدكتور نزيه كمال حماد، وأنه بدون هذه الشروط فإن العقد يكون عقدا محرما.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ صالح المرزوقي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد، فأشكر الباحثين على بحوثهم، كما أشكر الشيخ وهبة الزحيلي على عرضه الجيد، ولم يتيسر لي الاطلاع على جميع البحوث، ولكني اطلعت على بعض منها، ومن البحوث القيمة بحث الدكتور عجيل النشمي وفقنا الله وإياه، وإذا كان لنا من مداخلة على هذا البحث فإن فضيلة الدكتور عجيل قد كشف عن المشاركة المتناقصة بأنها شركة مؤقتة في عقار أو نحوه يتفق فيها ابتداء على خروج أحد الشركاء، وغالبا ما يكون الممول بالمال كله أو جزء منه، إلى آخر التعليق الذي ذكره. وأظن أن قوله:(يتفق فيها ابتداء) ليس في كل الحالات، لأنه قد يظهر الشريكان في ابتداء العقد اتفاقهما على خروج أحدهما، تلافيا لما يعرض العقد حينئذ من محظورات شرعية، وقد مثَّل الدكتور عجيل في بحثه فقال:(مثل أن تتفق المؤسسة المالية مع فرد أو أفراد على أن تمول الطرف الثاني بجزء من قيمة شراء مجمع تجاري، ويتفق على أن تأخذ المؤسسة حصة من ربح المجمع تتناسب مع حصتها في رأس المال، وحصة أخرى لتغطية رأس المال) ، فكان البنك يأخذ حصتين، فهمنا أن الحصة الأولى تتناسب مع حصة رأس المال، وهذا الأمر واضح، ولكن الحصة الأخرى لم تتضح لي، لماذا يأخذها المصرف؟ فقوله:(حصة تتناسب مع حصة رأس المال) مفهومة ولا مانع منها، ولكن أن تأخذ مرة أخرى حصة أخرى لتغطية رأس المال هذا غير مفهوم، وكأنها تأخذ نوعين من الربح، هذا كأن له وجه شبه مع السهم الممتاز في الشركات.
وقد توصل الشيخ عجيل إلى جواز هذا النوع من العقود، ويرى أنها ليست شركة ملك ولا شركة عنان وإنما هي نوع جديد مستحدث، ويرى أنها جائزة ولا يبطلها وعد ملزم للمؤسسة بأن تبيع نصيبها على الشريك إذا دفع قيمة حصتها في رأس المال بالإضافة إلى الربح المتفق عليه بينهما.
وقد خرج الجواز على نص نقله من ابن عابدين، ولكني أخالفه فيما توصل إليه من تجويزه لهذا النوع من المشاركة إذا كان هناك وعد بالشراء ولو لم يكن هذا الوعد ملزما، ومن باب أولى إذا كان ملزما كما ذكره الشيخ عجيل، لأنه حينئذ يوقع العاقدين في محظورات شرعيه منها: أن هذا الاتفاق بيع مضاف إلى مستقبل وهذا لا يجوز، وإذا قلنا: الوعد ملزم حسب ما ذكره الباحث فهو حينئذ عقد، وهو بيع ما لا يملك بعد وإجارة ما لا يملك بعد.
وأما تخريجه على كلام ابن عابدين فهو أيضا لا يسلم له، لأن كلام ابن عابدين يتناول شراء الشريك حصة شريكه من دار مملوكة لهما لا من دار سيشتريانها، وفرق بين هذا وذاك، بل إننا نتساءل عما هو أبعد من هذا، لو لم يكن هناك وعد ملزم ولا غير ملزم، بل هناك عرف، لأن المشاركة بين العميل الذي يدفع (10 %) من قيمة الشيء المشترك، ويدفع البنك (90 %) ، ومعروف للجميع أن العميل سيشتري حصة المصرف بعد تملكها منه، هذا العرف والذي خلا من الوعد هل يجوز معه هذا العقد، وما مدى صلته بقاعدة (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) ؟. وأنا لازلت أتساءل وأبحث عن جواب مع خشيتي أن ينطبق على هذا العقد قول شيخ الإسلام ابن تيمية:(درهم بدرهم بينهما حريرة) .
والدكتور عبد السلام العبادي- وفقنا الله وإياه- بيَّن أنه لا يصح أن يقدر دخل المشروع المراد الاشتراك فيه بين المصرف والعميل، لا يصح أن يكون منسوبا إلى التمويل المدفوع من البنك، مما يجعل الأمر محسوبا على أساس الفائدة المخفضة، وكونها مخفضة لا يخرجها عن طبيعتها المحرمة، وهذا البيان في غاية الأهمية جزاه الله خيرا. ولكننا نقف فيما ذكره في الفقرة الأخيرة بخصوص الوعد بالشراء التدريجي من طالب التمويل، حيث يفهم من كلامه القول بالجواز في هذه الحالة، وإن لم يكن كلاما صريحا في هذا، وقد أحال على مجلس الإفتاء الأردني وهو صاحب صياغة قرار المجلس المذكور. وبناء على ما فهم من كلامه لم يذكر دليلا ولم يورد تعليلا لهذه المسألة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع للعلم الصالح والعمل المبرور إن شاء الله، وسُررت بما ذكره الدكتور نزيه حماد وفقنا الله وإياه من قيود الشروط الثلاثة التي ذكرها وقيد بها جواز هذا البيع.
نسأل الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق والسداد، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الشيخ - جاسم الشامسي:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن المشاركة المتناقصة من الموضوعات المهمة التي تقوم بها المصارف والمؤسسات الاستثمارية الإسلامية للعمل، إلا أن من المسائل التي قد تعوقها - كما حصل عندنا- هو عند الاختلاف بين الشريكين وعرض الأمر على القضاء الذي في الأغلب ليس له دراية كافية بالمستحدثات من العقود الشرعية الإسلامية وطرق تطبيقها، بل إن القضاء في مرحلة في بلدنا نفى عنه كون عقد المشاركة المتناقصة كونها عقدا صحيحا واعتبره قرضا ربويا، بل وحكم للبنك الإسلامي بفائدة ربوية! مما أحرج البنك رغم أنه محكوم له، فقد استأنف حتى يعدل من الحكم من اعتباره ربا إلى اعتباره عقدا يرتب التزامات لا خلل شرعيا فيها.
الأمر الثاني هو أن العقد كما جاء في بحثي المعروض أمام فضيلتكم قد قررته من شركة المحاصة في القانون التجاري أو الشركات التجارية وأنه الأنسب، وخاصة أنه حكم قضاء على اعتبار أن شركة المحاصة لا تستلزم الاستظهار أو التسجيل، ولا يترتب على عدم تسجيلها- كما هو في الشركات الأخرى وفي دولنا جميعا تقريبا- البطلان، ويجوز كذلك إثباتها في جميع طرق الإثبات المتاحة، والحسن في ذلك أن القضاء عندما يتعرض لها يسهل ويتيسر له معرفة التزامات طرفيها، وكذلك الخلل الذي أدى إلى إحالتها للقضاء، وبالتالي فوجهة نظري أنه لا بد من تكثيف هذه المعاملات وتيسيرها ووصولها إلى قضائنا، لأن الأمر في الآخر هو التنفيذ. ليس فقط أن البنك يُجري هذه المعاملات الإسلامية الشرعية الصحيحة، ولكن عند الخلل والاختلاف دائما تحال إلى القضاء، والقضاء هنا لا بد أن يتيسر له المعرفة بهذه المعاملات.
وشكرا لكم.
الشيخ حسين كامل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على مولاي محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين.
في واقع الأمر هي وجهة نظر قد تختلف كثيرا عن وجهة نظر السادة الفضلاء العارضين جزاهم الله كل خير. فللأسف الشديد لا أرى في عرض المشاركة المتناقصة المطروح للمناقشة إلا كونه مثالا لأحد نماذج بيوع العينة التي نهى الفقهاء عنها، وإذا كان الإمام الشافعي رحمه الله قد أجاز بيوع العينة بصفة عامة إلا أنه استثنى من ذلك حالة واحدة فقط؛ وهي حالة إذا نُص صراحة في عقد البيع على أن يعيد المشتري بيع الأصل الذي اشتراه إلى نفس البائع المالك الأصلي، وهذه هي نفس حالة عقد المشاركة المتناقصة المعروضة للمناقشة بين أيدينا الآن.
فالمشاركة بطبيعتها هي من جنس البيوع، لكنها تعبر عن شراء حصة على المشاع في أصل من الأصول. فإذا أراد أحد الشركاء التخارج من الشركة فهو يبيع الحصة الشائعة التي أمتلكها إلى باقي الشركاء المستمرين في الشركة. والمقصد الأساسي من وراء هذا العقد- في واقع الأمر - يتضح أن نفس العنوان الذي اختاره المؤيدون لهذه الفكرة وهو المشاركة المتناقصة والذي يتبلور في رأيي في شكل شرط أساسي داخل العقد نفسه
…
للبنك من الشركة فور تقديم التمويل المطلوب مباشرة. فمن الواضح إذن أن هذا العنوان ينطوي على معان تتناقض تماما مع مقتضى العقد ومقصده الأصلي، كما أشار إليه الفقهاء من كونه عقدا بين المشاركين لتحقيق الربح. وهذا المقصد لا يتحقق في أغلب الحالات إلا بافتراض الاستدامة والاستمرار في المشاركة. فكما أن الشركة تعني اشتراك طرفي التعاقد في رأس المال؛ فإنها تعني أيضا اشتراكها في العمل لتحقيق الربح، وهذا يتناقض مع الهدف من العقد الذي أمامنا، إذ إن النية مبيتة واضحة فيه من البداية على أن يبدأ تخارج البنك من التعامل فور شرائه للأصل من البائع الأول، ثم تنتهي عملية المشاركة بأكملها من الطرفين بمجرد حصول كل منهما على الغرض الأصلي المنشئ لهذا التعامل وهو التمويل أو القرض بالنسبة للعميل المستثمر، والعائد على هذا القرض مع
…
بالنسبة للبنك. ويلاحظ هنا أمران هامان:
أولا: أن هذه الحقيقة التي أثبتناها لا يشفع لها إطلاقا القول بأن عقد الشركة هو من العقود غير اللازمة، فهناك فارق واضح بين أن تكون النية مبيتة من البداية للتخارج ومرتب لها ومنصوص عليها داخل العقد نفسه وبين أن يعن لأحد الشركاء التخارج بعد بداية النشاط لوقوع أحداث جديدة لم يكن يتوقعها من قبل. والسؤال هو: إذن لماذا لا يبدأ البنك تعاقده من البداية على أساس عقد الشركة؟
ثانيا: أنه لا يشفع لهذه الحقيقة أيضا القول بأن سداد عميل البنك للأقساط المستحقة عليه وهو بمثابة إعادة الشراء، هي بمثابة بيع تدريجي لحصص متتالية من الجزء الذي امتلكه البنك من الأصل محل العقد.
ويكفيني في هذا الشأن الإشارة إلى ما قاله الإمام ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) فصل: حيل باطلة لتجويز العينة. قال رحمه الله: ومنها- أي الحيل الخاصة ببيوع العينة - أن تكون السلعة قابلة للتجزئة فيمسك منها جزءًا ما ويبيعه بقيته.
وفي واقع الأمر إذا أجزنا عقد المشاركة المتناقصة فكأنما نتغاضى تماما عن بعض الثوابت التي تعارف عليها الفقهاء والتي من أهمها:
أولا: أن العبرة في أي نوع من أنواع المعاملات والعقود المبرمة بين الناس بصفة عامة تتوقف من حيث القبول أو الرفض من وجهة نظر الشريعة على ما تتضمنه من معان ومقاصد، وليس على ما تحمله من أسماء ومباني.
ثانيا: أن هناك نهيًا عن إجراء بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف، للحديث الذي أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لا يضمن، وعن بيع ما لم يقبض، وعن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع، وعن بيع وسلف.
ثالثا: أن من أحد القرائن البديهية التي يمكن أن تساعد على فهم المقصد الحقيقي من التعامل المطروح للمناقشة هو الأخذ بعين الاعتبار لنوع النشاط الذي يزاوله أحد المتعاقدين أو كلاهما. وبالنظر إلى طبيعة التعامل الدقيق الذي يختص به مثل هذا النوع من العقود بصفة عامة نجد أنه لا يخرج في معظمه عن إطار واحد؛ وهو نشاط منح الائتمان عن طريق شراء السلع، ثم إعادة بيعها بالأجل. وبالرجوع إلى آراء الفقهاء وحكمهم على مثل هذا النوع من التخصص بالذات نجد الآتي:
- أنه محرم عند المالكية سدا للذرائع.
- أنه مكروه كراهة تحريم عند الحنفية.
- أنه مكروه عند كل من الحنابلة والشافعية على السواء.
رابعا: أن جميع الأشكال المختلفة لبيوع العينة سواء التي أشار إليها المالكية أو الشافعية أو الحنابلة أو الحنفية يجمع بينها عموم وخصوص من وجه.
بمعنى آخر أنه يجمع بينها عامل مشترك واحد هو أن السلعة محل العقد غير مرغوب فيها من الأصل، سواء كان ذلك من أحد الطرفين فقط أو من كليهما معا. خامسا: أن الفقهاء عندما نقلوا إلينا الصور المختلفة في بيع العينة لم يذكروا فيها إطلاقا أنها عقود قاصرة على تبادل نقد بنقد مع التفاضل، وإنما قالوا: إنها بيوع أستوفت أركانها ففيها صيغة متكاملة صحيحة: إيجاب وقبول، بعتك واشتريت منك، وفيها محل للعقد وهي السلعة والثمن، وفيها نقل للملكية من البائع للمشتري، ثم نقل آخر للملكية من المشتري إلى البائع، بل إن الإمام الشافعي اشترط لكي يحكم على العقد بالفساد وعدم الجواز أن يذكر في نفس العقد الأصلي أو ملحقاته شرطا يقتضي الالتزام بإعادة البيع من المشتري إلى البائع الأصلي، ويفهم من قوله هذا أنه يتكلم عن عقد، سواء كان بيعا أو مشاركة أو خلافه؛ قد تم بالفعل مستوفيا لأركانه، ثم يتلوه بيع آخر مستوفيا أيضا لأركانه، إلا أن ذلك كله لم يمنعه من الحكم الذي رتبه في النهاية على هذين العقدين وهو الفساد، لأنهما يجران إلى الربا.
أيها السادة الفقهاء إن الوعد الذي نلجأ إليه لإجازة عقد المشاركة والمرابحة للآمر بالشراء وغيرهما لهو الدليل القطعي الذي يبحث عنه الإمام الشافعي لتحريم مثل هذه الأنواع من العقود، والاستدلال منه على أنها جميعا من جنس بيوع العينة، وقد ضربت بعض الأمثلة، ولكن سأكتفي بهذا القدر، وأعتقد أن ما قلته فيه البيان لما أريد بيانه، وأوصي بشدة منع مثل هذه العقود سدا للذرائع.
والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد علي القري بن عيد:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فإننا يجب أن نلاحظ أن صيغة المشاركة المتناقصة إنما هي صيغة تمويل، بمعنى أن أحد طرفي المشاركة لا غرض له ولا رغبة عنده في الاستمرار في الشركة، بل غرضه تمويل امتلاك الطرف الآخر للأصل الذي هو محل الشركة بطريقة مشروعة إن شاء الله، وليس هو من بيع العينة كما ذهب الأخ الدكتور حسين كامل، لأن البنك والعميل يشتريان أصلا يشتركان فيه من طرف ثالث، وليس البنك يشتري من العميل ثم يعيد البيع عليه بالأجل.
ثم أريد أن أعرض على مسامعكم جوانب من التطبيق العملي ومشكلات وقعت وواجهتها بعض المؤسسات المالية عند استخدامها للمشاركة لصيغة من صيغ المشاركة المتناقصة إحدى المؤسسات المالية استخدمت صيغة المشاركة المتناقصة قبل عدة سنوات لغرض تمويل المساكن بالطريقة التي عرضت في الأبحاث، حيث يشترك البنك وعميله في شراء منزل، يمتلك البنك (90 %) منه، والعميل (10 %) على سبيل المثال، ثم يبيع البنك أجزاء من حصته إلى العميل بصفة متدرجة على مدى عدد من السنوات، وقد تبنت هذه المؤسسة بتوجيه من هيئتها الشرعية طريقة يتم من خلالها تثمين المنزل في أول كل سنة، ثم يبيع البنك عند إبداء العميل رغبته في شراء جزء من حصة البنك، ثم يبيع البنك جزءا من حصته للعميل بالثمن الجاري عند البيع. وعقود تمويل المنازل بطبيعتها عقود طويلة الأجل. الذي وقع أن أسعار العقار في ذلك البلد بعد بدء المؤسسة في ممارسة أعمالها بنحو أربع سنوات انخفضت انخفاضا عظيما، ولما كانت أجزاء حصة يجري تسعيرها اعتمادا على قيمتها السوقية عند البيع وجدت هذه المؤسسة أن العقارات المملوكة لها لم تعد قادرة على توليد الدخل الكافي الذي يغطي التزاماتها أمام المستثمرين في البنك فأفلس هذا البنك، ذلك أن الأموال التي بيد البنك إنما هي لعملائه، ومن ثم قام العمل المصرفي على ضرورة أن يكون المصرف قادرا على ردها لهم على الدوام، وألا يتحمل فيها مخاطر تؤدي إلى ضياعها أو الخسارة الجسيمة للاستثمار.
ولذلك لا توجد صيغة عملية قابلة للتطبيق للمشاركة المتناقصة إلا بالدخول في البيع المضاف إلى المستقبل بحيث يلزم البنك عميله بثمن محدد في اليوم الأول فلا يتأثر بتغير أسعار العقار، وهذا فيه ما فيه من ناحية المشروعية كما لا يخفى عليكم. والبديل الآخر: هو تضمين عقد المشاركة المتناقصة وعدا ملزما بالشراء وهذا يؤول إلى نفس ما سبق.
لذلك يجب أن تكون هذه المسألة وهذا الجانب من صيغة العقود واضحة تماما في القرار الذي يصدر عن المجمع حتى لا يساء فهمه في التطبيق.
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
الشيخ عكرمة صبري:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أريد أن أتناول نقطتين:
النقطة الأولى: لم ألاحظ في المداخلات والأبحاث حالة الخسارة للمشاركة المتناقصة، بمعنى ما مآل الشركة إذا خسرت؟ فإن جميع الشروحات تركز على المشاركة في حالة الربح، فهل هذا يعني أن المشاركة المتناقصة مضمونة الربح أم أنها معرضة للخسارة؟ وفي حالة تعرضها للخسارة كيف تكون المخالصة بين الشركاء وبخاصة أن المشاركة المتناقصة نستطيع أن نقول: أنها معقدة، لأنها مجموعة عقود متداخلة؟
فنأمل ويا حبذا لو تعرض أصحاب الأبحاث بشكل مفصل في حالة الخسارة وكيف تتم المخالصة.
النقطة الثانية: بما أن المشاركة المتناقصة عبارة عن مجموعة أحكام فقهية فينبغي على المشاركين وعلى جميع الأطراف أن يكونوا ملمين بالأحكام الفقهية التي لها علاقة بجميع العقود التي تمثلها هذه المشاركة خوفا من النزاع والجهالة، وقد حصل فعلا.....لإعطاء حكم فاصل عادل في هذه المشاركة حتى إن معظم المحامين والقضاة ليست لديهم الخلفية الكافية حول هذه المشاركة.
وعليه أوصي مجمعنا المبارك أن يصدر نشرة مبسطة حول المشاركة المتناقصة على أصحاب الشأن: القضاة والمحامين والشركات والبنوك لتعم الفائدة، وحتى نتفادى أي نزاع وجهالة في موضوع المشاركة المتناقصة.
وبارك الله فيكم وشكرا لكم.
الشيخ محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فأشكر جميع الباحثين الذين تقدموا بأبحاث قيمة في هذا الموضوع واستفدت من هذه الأبحاث، وخاصة من بحث أخينا الحبيب الدكتور نزيه حماد، حفظه الله تعالى، فإنه قد تناول جميع الموضوعات المتعلقة بموضوع الشركة المتناقصة وتعرض لها من فهم دقيق، فجزاه الله تعالى خيرا.
النقطة الأولى: هي أن المشاركة المتناقصة نوع من العقود المركبة فهو إحداث الشركة أولا، وإدارة ثانيا، وبيع تدريجي ثالثا. فأول قضية تعرض لفقيه قبل أن يفتي بجوازها هي: هل يجوز اشتراط عقد في عقد؟ وهناك منهجان مختلفان في حل هذه القضية:
أما المنهج الأول الذي اختاره بعض الفقهاء المعاصرين: هو أن يكون كل عقد من هذه العقود يبرم في حينه مستقلا عن الآخر، وإن هؤلاء الفقهاء لا يرون بأسا في أن يكون هناك تفاهم مبدئي لإنشاء هذه العقود واحدا تلو الآخر، ما دام كل عقد يعقد في حينه غير مشروط فيه العقد الآخر.
والمنهج الثاني الذي سلك في معظم الأبحاث المعروضة كبحث سيادة الدكتور نزيه- حفظه الله- وقد جاء بثلاثة شروط لجواز العقود المركبة، وتوصل إلى أن هذه الشروط متوافرة في المشاركة المتناقصة.
فالذي يبدو أنه يقول بجواز أن تكون بعض هذه العقود مشروطة في الآخر، وذهب فضيلته إلى أن التواطؤ السابق لا أثر له في إبعاد العملية من اشتراط عقد في عقد، وأن ذلك يعتبر كالمشروط في العقد، لأن ذلك ملحوظ للعاقدين عند العقد.
وملاحظتي في هذا الاتجاه أن هذه الشروط الثلاثة جيدة، والتقيُّد بها لازم، ومع ذلك فلا أرى أن تكون هذه الشروط مجوزة لاشتراط عقد في عقد، وإنما يجب أن تكون هذه العقود منفصلة تماما، سواء كان الفريقان تفاهما على ذلك في البداية. وأما ما ذكره من حكم التفاوض أنه ينطبق عليه اشتراط العقد فإن لي فيه نظرًا من وجهين:
أما الأول: فإن معظم الفقهاء منعوا من اشتراط عقد في عقد آخر، كما هو معروف حتى عند توافر هذه الشروط الثلاثة.
وأما الوجه الثاني: فإن الحكم يكون....السابق ملحقا بأصل العقد فلا شك أنه قول لجمع من الفقهاء، ولكن الفقهاء الآخرين فرقوا بينهما كما في قضية بيع الوفاء، حيث ذكر فقهاء الحنفية والمالكية أن ذلك يجوز إذا كان بوعد سابق، ما دام أن شرط الوفاء لا يذكر في صلب العقد. والذين فرقوا بين الأمرين إنما فعلوا ذلك لأن الشرط إذا كان مذكورا في صلب العقد فإنه يجعل العقد معلقا على تحقق الشرط، بمعنى أنه إذا لم يتحقق الشرط بطل العقد، فمن باع شيئا بشرط الإجارة مثلا فكأنه علق البيع على وجود الإجارة فيما بعد، فإذا لم توجد الإجارة لم يتحقق البيع. ومعلوم أن عقود المعاوضة لا تقبل التعليق. أما إذا كان هناك وعد سابق العقد فإنه لا يجعل العقد معلقا على وفائه وغايته إذا كان ملزما أن يحول الواعد الضرر الذي ألحقه بالموعود له ولكن العقد يتم، بالرغم من أن البعض لم يفرق.
ولذلك أرى أن تخرج المشاركة المتناقصة على أساس عقود مستقلة تنجز في حينها بدون أن يكون أحدها مشروطا بالآخر.
النقطة الثانية: قد ذكر فضيلة الدكتور نزيه- حفظه الله- أن المشاركة المتناقصة اسم من شركه ملك وليس من قبيل شركة عقد. وإني أرى أنه كان موفقا في هذا التكييف فيما إذا كانت هذه الصيغة استخدمت لتمويل المساكن أو لتمويل السيارات التي يستعملها العميل لنفسه، أما إذا كان المقصود بهذه الصيغة الاستثمار في المستغلات أو في مشروع تجاري فالظاهر أنها تصبح شركة عقد ولا تبقى شركة ملك، وفي هاتين الحالتين لا يجوز أن يقع الشراء التدريجي لحصة البنك بثمن محدد سابقا لأنه يستلزم أن يضمن شريك لشركة العقد رأس مال للشريك الآخر. أما إذا اعتبرنا الشركة المتناقصة شركة ملك كما هو الظاهر في تمويل المساكن والسيارات فالذي يظهر لي- والله سبحانه أعلم- أنه يمكن أن يجوز الشراء بثمن محدد سابقا، لأن هذا النوع من الشركة لا يستهدف بها المشاركة في الربح والخسارة، فيجوز لأحد الشريكين في شركة الملك أن يَعِدَ الآخر بشراء حصته بثمن متفق عليه بينهما عند الوعد. وقد يكون فيه حل للمشكلة التي ذكرها أخونا الدكتور محمد علي القري، حفظه الله.
أما القول بأن تحديد الثمن في مرحلة الوعد يجعله بيعا مضافا إلى المستقبل فلا أرى ذلك واردا، فإن في المرابحة للآمر بالشراء يتحدد الثمن في مرحلة الواعد، ومع ذلك فإنه لم يعتبر بيعا مضافًا للمستقبل وقد أجازه المجمع.
ثم تحديد القيمة السوقية في المساكن والسيارات عند بيع كل حصة في حينه من الصعوبة بمكان. وهناك ناحية أخرى وهي أننا لو جعلنا وعد العميل بالشراء ملزما ولم نحدد الثمن ولا المعيار المضبوط الذي يتحدد به الثمن فماذا يقع إذا وقع هناك خلاف بين الطرفين في دفعه للحصة المشتراة؟
فأرجو أن ينظر في قضية تحديد الثمن من هذه الناحية.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
لقد سعدت بما تدخل به فضيلة الشيخ تقي من الثناء على بحث الدكتور نزيه بأنه حسم كثيرا من المشكلات التي كنت أريد أن أعلق عليها، ولكن أريد أن أنبه أيضا إلى أنه في بداية بحثه تكلم عن المواطأة، ونقل نصوصا في منعها ومنها نص عن المبسوط لـ لسرخسي، وهذا النص الذي أورده إنما هو في موضوع التحليل في الطلاق (طلاق الثلاث) ، ولكن في المعاملات المالية للحنفية نصوص أخرى كثيرة تجيز المواطأة والتفاهم وتجعله ملزما ولا تجعله مفسدا للعقد، ولا تحضرني هذه النصوص ولكن أوردتها في أحد الأبحاث التي قدمتها في ندوات البركة عن هذا الموضوع بالذات وهو المفاهمة، لأن هذه المفاهمة أو التفاهم لا تستغني عنها العمليات المصرفية الإسلامية. كثير من الشركات وكثير من التمويل المجمع يسبقه تفاهم ملزم بين الأطراف، وهذا التفاهم إذا حصل الإخلال به يتضرر الآخرون، لأنهم يرصدون أمولا للدخول في هذه العملية، فإذا أخل من تفاهم معهم في ذلك فإنه يلحقه بذلك ضرر للآخرين، وهذا التفاهم إنما هو وعد ملزم، والوعد الملزم ليس عقدا، لأنه لا يترتب عليه الدخول في البيع أو في الشركة، وإنما يترتب عليه تعوض الضرر إذا كان هناك ضرر، هذه نقطة.
النقطة الأخرى بمناسبة الوعد الملزم التي أشار إليها الشيخ تقي بأنه إذا لم يحدد فيه الثمن يكون غير ذي جدوى، أقول: لا، فإنه يبقى مجديا إذا أحيل فيه إلى الخبرة، يعد وعدا ملزما بأن يشتري حصة شريكه بما يقرره الخبراء، أي بسعر السوق في ذلك الحين، ولا يكون هذا بيعا مضافا كما أكد فضيلة الشيخ تقي.
هناك في بحث الدكتور عجيل أشار إلى كثير من الصور واعتبرها صورا للمشاركة المتناقصة، ولكنها في الواقع أكثرها إنما هي من صور حق الشريك في الشراء من مال الشركة، وليست من المشاركة المتناقصة، فـ المشاركة المتناقصة هي الصور التي وردت في فتوى مؤتمر المصرف الإسلامي الأول في دبي والتي حصرتها في ثلاث صور وجاءت في معظم الأبحاث.
النقطة الأخرى التي أريد أن أبينها: أنه يوجد بين شركة الملك وشركة العقد فرقان.
الفرق الأول أشار إليه فضيلة الشيخ تقي وهو: أنه في شركة العقد لا يجوز لأحد الشريكين أن يعد وعدا ملزما بشراء حصة شريكه بثمن محدد؛ لأن هذا الثمن غالبا سيكون أكثر من مساهمته فيستلزم الضمان.
الفرق الثاني: في الربح، فإنه في شركة العقد يمكن أن يكون الربح متناسبا مع حصص الملكية ويمكن أن يكون متفاوتا، أما في شركة الملك هو أن يكون الربح متناسبا مع حصص الملكية، لأنها ملكية شائعة وليس فيها عقد للاستثمار وخلط الأموال، وإنما هو اختلاط يقع أما بأمر جبري كالميراث والوصية، أو بأمر توافقي كشراء أحد الشخصين نصف عقار وشراء الآخر النصف الآخر، فليس هناك عقد يكون فيه استثمار وعمل وإدارة، ولذلك يجب أن يكون الربح مناسبا مع حصص الملكية.
وإذا روعي هذان الأمران هما: أن تربط الأرباح التي يستحقها الشريكان في المشاركة المتناقصة بـ حصص الملكية، وأن يكون شراء حصة الشريك (عميل البنك) لحصة شريكه (البنك) بـ القيمة السوقية نكون قد أخذنا بالاحتياط في الأمرين، بصرف النظر عن تكييف المشاركة المتناقصة هل هي شركة ملك أو شركة عقد في العقارات والسيارات أو في جميع الأمور الأخرى.
آخر ملاحظة لي أريد أن أوجهها إلى بحث فضيلة الدكتور عبد السلام العبادي حيث أورد في بحثه ما جاء في قانون البنك الإسلامي الأردني، وما جاء أيضا في فتوى هيئة الفتوى التي أقرت ذلك القانون، أن من شروط ومن مستلزمات المشاركة المتناقصة أن يتنازل العميل (عميل البنك) عن حصته في الربح لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل. هذه العبارة جاءت في بحثه ومستمدة من قانون البنك ومما قررته هيئة الفتوى، وعادت هذه العبارة لتظهر مرة ثانية في العقدين الملحقين بهذا البحث، أحدهما: عقد البنك الإسلامي الأردني، وفي عقد البنك العربي الإسلامي، وهو أن يكون الريع المستحق للفريق الثاني (العميل) مخصصا للتسديد من أصل قيمة التمويل. هذا طبعا لا ينفع ولا يصح، لأن ما قدمه البنك من تمويل لم يبق تمويلا، إنما هو حصة تحولت إلى موجودات، وليس له أولوية في استرداد ما قدمه من مبالغ، إنما هو يملك حصة في الموجودات، فإذا ارتفعت قيمة الموجودات ارتفع نصيبه، وإذا انخفضت وانحطت فإنه يتأثر بذلك وهو مقتضى المشاركة.
والجدير بالذكر أن العقد الذي في البنك الإسلامي الأردني تم تصحيحه من الهيئة الشرعية لديه، ويؤمل أن يصحح العقد الآخر، لأن هذا يؤثر على مقتضى هذه المشاركة المتناقصة التي أصبحت مهمة جدا في البنوك الإسلامية، لأنها من قبيل المشاركات والمشاركات محل حظ من الشريعة الإسلامية، وهي تغني عن التركيز والتعويل على المرابحة التي يعتور تطبيقاتها كثير من الشبهات، وإن كانت هي في أصلها ليس عليها- إن شاء الله- غبار.
الأمر الآخر أنه في العقدين اللذين أشرت إليهما لا ينص على أن العميل يقدم حصة في رأس مال المشاركة لدرجة أنه إذا أنفق البنك نفقات أخرى غير رأس المال الذي قدمه فإنه هناك نص بأنه مخير: إما أن يتقاضى هذه النفقات أو أن يضيفها إلى حصته في رأس مال هذه المشاركة، وهذا يفقد المشاركة مفهومها، لأن مقتضى المشاركة أن الطرفين يسهمان بمال قل أو كثر، وقد تم تصحيح هذا أيضا في العقد المطبق في البنك الإسلامي الأردني؛ حيث نص على أنه لا بد أن يقدم العميل مساهمة مالية ولو (10 %) من رأس المال الذي تقتضيه هذه المشاركة، بل إذا كان لا يملك مالا ولديه أرض يراد إقامة بناء سكني أو تجاري أو استثماري عليها فإنه يقدم هذه الأرض وتقوَّم وتكون مساهمة منه بالعروض التي يصح أن تكون مساهمة على مذهب الحنابلة بعد تقويمها، وتكون هي حصته في هذه المشاركة.
إذن لا بد من مراعاة هذين الأمرين في هذه العقود، بأن تكون هناك مساهمة للعميل قلت أو كثرت، وألا يعتبر البنك ما قدمه من مبالغ أن له أولوية وأنه لا بد أن يسترد هذه المبالغ، لأن هذه المبالغ تحولت إلى مساهمة وحصة عينية في هذه المشاركة تتأثر بما يطرأ عليها، ورغم هذه الملاحظة أوجه الشكر لفضيلة الدكتور عبد السلام، لأنه ربط هذه العقود، وهذا مطلب دعا إليه بعض أعضاء المجمع، ومنهم فضيلة الشيخ المختار، كان يطلب بأنه إذا قدمت صيغة من الصيغ أو منتج من المنتجات أن يربط به بعض التطبيقات من عقود أو نظم أو لوائح حتى يتضح الأمر وينظر كيف يتم التطبيق، لأنه كثيرا ما يكون التنظير سليما وعند التطبيق يقع بعض الخلل.
والله أعلم.
الشيخ عبد اللطيف آل محمود:
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لدي ملاحظة واحدة بالنسبة للمشاركة المتناقصة التي يمكن أن تلجأ بعض المؤسسات المالية الإسلامية إليها لمعالجة دين العميل الذي لا يستطيع السداد، وذلك بالدخول في شركة مع العميل في عقار مملوك له، ثم تؤخر المؤسسة نصيبها على العميل بأجرة هي أكثر من أجرة المثل، وذلك لتغطية دين العميل، وهي الصورة التي أشار إليها الأخ عجيل بـ المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك مع الإجارة.
بناء على ما جاء في الأبحاث المقدمة من الإخوة الباحثين فإن مثل هذه المعاملة تتراءى أنها غير صحيحة، لأنها تصبح حيلة لجدولة الدين.
أرجو أن تتضمن توصيات المجمع الحكم الذي يتوصل إليه في هذه المعاملة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
الشكر الجزيل للإخوة الكرام الباحثين والسيد الأخ الكريم العارض والإخوة المعقبين.
أحب أن أقول بأننا نريد فعلا أن ننظر إلى العقود من الناحية التطبيقية العملية، لأن معظم العقود التي رأيتها من قبل لا تنطبق عليها الشروط التي وضعها الإخوة الكرام بحيث تكون شركة فعلا، وأن الحصة عندما تباع إنما تباع بقيمتها السوقية.
وما تفضل به الأخ الكريم الدكتور عبد الستار أبو غدة كنت أريد أن أقوله، وأنا نظرت إلى العقدين فوجدت أن المسألة تمول وليست شركة متناقصة. المجمع هنا قد اتخذ قرارا من قبل بعدم صحة بيع الوفاء، وهذا أسوأ من بيع الوفاء. يعني أن لم يكن هو صورة من بيع الوفاء فهو أسوأ من بيع الوفاء، لأن الآخر ملتزم بمبلغ يدفعه، إنما في بيع الوفاء إن لم يرد العين فلا يدفع شيئا.
ولذلك لي ملحظ بالنسبة حيث قالوا بأن صور الشركة المتناقصة واتفقت الأبحاث على مشروعية ثلاث منها وهي مأخوذة من قرارات مؤتمر المصرف الإسلامي الأول. الصورة الثانية وهي التي يتفق البنك مع متعامليه على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، على أن يحصل البنك من شريكه حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلا ويحتفظ بجزء من الإيراد لتسديد ما قدمه البنك من تمويل إذن مسألة تمويل وليس مشاركة. والعقدان- كما تفضل الدكتور عبد الستار- ينصان على هذا، لأن الشريك ملتزم بدفع المبلغ الذي دفع. الفرق بينه وبين فوائد البنوك الربوية أن فوائد البنوك الربوية محددة بالنسبة لرأس المال، أما هنا فالدخل هو الزيادة على رأس المال، وكون الزيادة على رأس المال ليست نسبة محددة من رأس المال فهل هذا لا يعتبر ربا؟ إذن هنا الشركة المتناقصة المنتهية بالتمليك بالشروط التي وضعت وذكرها الإخوة الكرام الباحثون، بحيث تكون شركة والبنك يتصرف في حصته كيف ما شاء، يبيعها لشريكه أو لغير شريكه ويبيعها بـ القيمة السوقية، ولم يعد له مبلغ تمويل، وإنما له حصة يملكها بقيمتها في السوق، فينص على هذا ويشار إلى الأخطاء الموجودة في بعض العقود، لأنها نماذج قدمت للمجمع، العقدان نموذجان قدما للمجمع، فيشير المجمع إلى بعض الأخطاء في التطبيق العملي نتيجة لعرض هذين النموذجين (العقدين) ، ويشير المجمع إلى هذا ويبين أنه لا يجوز أن يذكر في العقد كذا وإنما يجب أن يكون كذا وكذا.
أرجو من المجمع الموقر أن يشير إلى هذا، لأن العقود التي اطلعت عليها معظمها تمول وليس مشاركة منتهية بالتمليك.
والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عجيل جاسم النيشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
بودي أن أنوه إلى أن بعض النقاط تم الإجابة عن التساؤلات المطروحة فيها حول بعض القضايا في الأبحاث منها ما ذكرها.... بعض الملاحظات تم الإجابة عليها، ويوجد ملاحظات للشيخ صالح المرزوقي ربما لم يتم الإجابة عنها بشكل واضح وهي قضية الوعد المتضمنة في عقد المشاركة، وقضية أن البنك يأخذ حصتين وليس حصة واحدة.
في معرض الوصف تعريف ينبغي أن يربط بالضوابط يعني هذا العقد لا بد أن ينظر إلى الضوابط التي ذكرت في الأبحاث، ومنها ما ذكرته هنا ربما توضح بعض الذي يخفى في هذا العقد.
يجوز أن يقدم البنك وعدا لشريكه بأن يبيع له حصته في الشركة إذا قام بتسديد قيمتها بهذا القيد، ويجب أن يتم البيع بعد ذلك باعتباره عملا مستقلا لا صلة له بعقد الشركة.
الأمر الآخر أنه تم الاتفاق على شراء الشريك حصة المؤسسة المالية الإسلامية تدريجيا فيجب تقدير الحصة بقيمتها السوقية يوم البيع.
أيضا لا تنتقل الملكية من المؤسسة المالية الإسلامية إلى الشريك إلا بعقد مستقل بعد الوفاء بالتزاماته، ويجوز للمؤسسة أن تبيع لغيره ويكون البيع بسعر السوق.
وأيضا لا يجوز أن تتفق المؤسسة المالية الإسلامية والشريك ابتداء على المشاركة والبيع في عقد واحد، بل لا بد أن يكون ذلك بعقدين منفصلين. وشكرا لكم.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فلا يسعني إلا أن أقدم خالص شكري وكبير امتناني على هذه المناقشات التي أثرت البحث وأوضحت معالمه وجوانبه المتعددة، وذلك مما يثلج الصدر ويبين الحقيقة العلمية، يقع العبء حينئذ على عاتق لجنة الصياغة بأن تلاحظ كل هذه الملاحظات التي قدمت على هذه البحوث. وأعتبر نفسي كأني مسؤول عن هذه المناقشات لما قدمته من تلخيص لها. وأذكر ذلك بإيجاز.
أما ملاحظات الدكتور نزيه- حفظه الله- فأنا أعتز بها وأعتبر أن ما قاله توضيح لما ذكرته في الملخص الذي وزع عليكم والذي شمل كل هذه الملاحظات بإيجاز، والمفروض أن العرض يكون موجزا، والتفصيل يكون من شأن الإخوة الباحثين الذين تعمقوا في هذا البحث وشكرا لهم.
الموضوع الثاني: ما تفضل به الشيخ السلامي وهي أن هذه المشاركة أقرب إلى بيع الوفاء، أيضا ذكرنا بعض هذه الردود على أن الشركة المتناقصة ليست من كل هذه العقود الممنوعة شرعا، وإنما الشبه قد يكون في الظاهر، ولكن لو لاحظنا أن ما تضمنته الشركة المتناقصة هي مجموعة عقود منفصل بعضها عن بعض حينئذ يزول الإشكال، ولا بد كما تفضل الشيخ من ضرورة اعتبار الشروط التي ذكرناها لصحة هذه المشاركة حتى لا يكون العقد محرما.
ما تفضل به الشيخ الدكتور صالح المرزوقي فيما يعلق بملاحظاته على الدكتور النشمي أجاب عنها، وإجابة الدكتور أؤيدها وهي واضحة وليس في ذلك شيء من الإشكال في أن البنك يأخذ حصتين.
ما ذكره الدكتور الشامسي وهو أن الاختلاف بين الشريكين وعرض الأمر على القضاء الذي قرر أن هذه الشركة
…
ربوي، سببه أن دور القضاء إلى الآن لم تتبلور صورة الشركة المتناقصة في أذهانها، ولذلك أحيانا تتسرع هذه المحاكم في إبداء وصف مثل هذا العقد الجديد بأنه مجرد قرض ربوي، وهذا يدخل في صميم ما قد يتورط بعض القضاة بإصدار الحكم به يحكمون للناس على جهل.
ما ذكره الدكتور حسين كامل في الواقع أغرب ما سمعته خصوصا وأن البحوث بينت الفرق الواضح بين الشركة المتناقصة وبين بيع العينة. هناك فرق واضح في هذا المجال وأن بيع العينة يتم في الحال بين
…
هي صورة واضحة البطلان سواء قرر الإمام الشافعي صحة البيع في الظاهر أو لم يقرر، فالإمام الشافعي يحكم على صورية العقد بأنه صحيح، ولكن من حيث الباطن يحكم على هذا العقد بالبطلان بسبب سوء القصد واتخاذه جسرا إلى الربا، وهذا حقيقة مذهب الإمام الشافعي الذي غاب عن كثير من الناس وأنهم يتهمون المذهب الشافعي بأنه يقول: يجوز بيع العينة، عاصره خمرا، ويجوز عقد التحليل، كل هذه الجوازات مصدرها أن الإمام الشافعي يأخذ بالحكم على العقود بمصدر الظاهرية. ما دامت العقود مستوفية لأركانها وشروطها فيقول العقل إنها صحيحة من حيث الظاهر مثل البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، يقول: إن هذا العقد صحيح في الظاهر لكنه حرام في الباطن.
إذن فالإمام الشافعي في الواقع يلتقي مع بقية المذاهب في تحريم هذه العقود المتخذة لتحقيق أغراض غير مشروعة. وكفاني الدكتور القري برده على أن الشركة المتناقصة ليست من عقود العينة لا من قريب ولا من بعيد.
ما تفضل به الشيخ عكرمة وهي أن المشاركة المتناقصة مضمونة الربح. الواقع هذا غير صحيح، فنحن نقرر مشروعية هذا العقد على أنها تتضمن مجموعة عقود منفصلة كل واحد منها منفصل عن الآخر وليست متداخلة، وبينت هذا في الملخص أن هذه العقود لا يدخل فيها شيء من النهي عن
…
لا يحل سلف وبيع، كما أشار أيضا بعض الإخوة، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لا يضمن، كل هذا في الحقيقة غير وارد هنا.
فضيلة الشيخ القاضي العثماني- حفظه الله- والذي نعتز بعلمه وفضله وتقواه كأننا فهمنا منه أنه يتغاضى عن هذا الانفصال بين هذه العقود المركبة، ويقول: شركة وإجارة ثم بيع، نحن لا نقول: أنها عقد واحد. هذا المشكل، تماما كما حدث في الدورة السابقة حول الإجارة المنتهية بالتمليك، بعض الناس تسرع وقال: إن هذا العقد غير صحيح، لأنه نظر إليها نظرة إجمالية وظاهرية مثل ما قرر الإمام الشافعي، لكن بعد البحث والتنقيب وإطالة النقاش في هذا الموضوع في الرياض انتهينا إلى مشروعية أكثر صور الإجارة المنتهية بالتمليك، وهذه أيضا لها شبه بتلك الحالة، فهنا ليست القضية في عقد واحد وإنما عدة عقود، وهذا ما لاحظه فضيلة الشيخ العثماني وقال: الحل هو انفصال العقود. يعني نحن قررنا ذلك، نحن لا نقول بجوازها إلا بعد انفصال العقود ومراعاة الشروط التي ذكرت في الملخص وأخذت من الأبحاث.
فأنا أرجو أن نتنبه إلى في هذه المشكلة أيضا زائلة في عرض هذه البحوث وفي التأصيل الفقهي لها.
أصاب الشيخ العثماني حينما قال: (وهي من شركة الملك في بعض الأحوال) ، وهذا ما ذكرته في الملخص، ولكن الغالب على هذه الشركة أنها من شركة العقود، وأما كونها من شركة الأملاك أو الأموال فهذا في بعض الصور وليس في كلها كما ذكرت.
أيضا هذه الشركة ليست بيعا مضافا للمستقبل، وهذا ما أكدت عليه في تلخيصي، لأنها تعتمد على تقدير ثمن الحصة الباقية للبنك، وهي الاعتماد على القيمة السوقية الموجودة لهذا العقار أو هذا المشروع، فحينئذ لا نكون قد تورطنا في وجود شيء يسمى بيعا مضافا للمستقبل، وقلت صراحة: إن من شأن البيع التنجيز في الحال، ولا يجوز تعليق البيع على شرط في المستقبل ولا إضافته للمستقبل، بعكس الإجارة.
الدكتور عبد الستار أبو غدة في الواقع أنا أؤيده فيما ذكره بأن المواطأة والاتفاق السابق يمكن أن يؤخذ به، وما نقل عن السرخسي فهو بحق وارد في قضية تحليل المطلقة لزوجها. وأما الوعد الملزم إذا لم يحدد فيه الثمن لا جدوى فيه. في الواقع يجوز الإحالة وهذا شيء جميل على ما يقرره الخبراء، والحنابلة أجازوا البيع بثمن ينقطع عليه السعر في المستقبل. وهذا فرج وحل لكثير من المشكلات.
الدكتور عجيل- حفظه الله- ردَّ على كل ما ذكر من هذه الإشكالات في كلامي المختصر، ولكن ما أشار إليه الدكتور عبد الستار وهو أن الصور في الواقع ثلاث، وأنا قلت فعلا إن الصور ثلاث، وما أضافه الدكتور عجيل هو في الواقع لا يعدو أن يكون أمثلة تطبيقية لتعريف هذا العقد، وأن هناك أيضا فروقا بين شركة العقد وشركة الملك وأوضحها الدكتور عبد الستار- حفظه الله- وهذا شيء جميل.
أيضا أكد الدكتور عبد الستار فيما تعقب به على الدكتور العبَّادي من ضرورة تصحيح الخلل الموجود في النموذجين المعروضين في البنك العربي والبنك الأردني، وهذا أيضا أوضحه وأكده فضيلة الشيخ السالوس.
الدكتور عبد اللطيف قال: إن تأجير الحصة المشاركة مع تأجير حصة البنك يعني هي مشاركة، ومع إجارة تمليكية وأن هذه الصورة من جدولة الديون.. الواقع هذا نظر لصورة هذا العقد دون اللجوء إلى ما اقترحناه من خروج عن هذه المشكلات والمخالفات الشرعية، فصحيح هي من جدولة العقود حينما ننظر إلى الموضوع نظرة إجمالية، ولكن نحن تفادينا كل هذه الإشكالات والمخالفات ونحن أشد الناس ورعا واحتياطا ألا نتورط في مخالفة حكم شرعي قل أو كثر، سواء ورد فيه نص صريح أو حكم اجتهادي مسلم به.
الواقع ما تفضل به الدكتور السالوس أيضا كلام حق وهذا ما نريد الوصول إليه.
ينبغي أن نراعي وننبه إلى ضرورة الاحتياط حين اللجوء إلى هذا النوع من التعامل، في أن تلتزم البنوك الإسلامية وغيرها في مراعاة هذه الشروط حتى لا نقع في أخطر شيء في المشكل وهو ألا يكون العقد مجرد قرض تمويلي من البنك إلى هذا العميل. وهذه هي النقطة الحساسة التي يجب أن نتلافاها. وهذه مشكلة البنوك الإسلامية مع غيرها من المتعاملين، وأنا أرجو من البنوك الإسلامية قبل أن تقوم بأنشطتها أن تكثر من الإعلان والدعايات وتوضيح الأمور، لأن البنوك الربوية تطعنها وتسيء إلى سمعتها، وأن هذه البنوك الإسلامية تراعي صورا من التعامل، والعبرة بالنتائج. الواقع البنوك الإسلامية في تقديري هي مقصرة كل التقصير في أنها لا توضح هذه الأمور وأنها لا تراعي ما يجب أن يعلمه كل متعامل مع هذه البنوك وغيرها في أن هذه البنوك الإسلامية تلتزم الخطة المشروعة في هذه الشريعة ولا تقع في بعض الأخطاء، إلا إذا أخطأ بعض الموظفين من غير قصد. فهذه إذن أهم نقطة في الموضوع ألا يكون هذا العقد ستارا أو منطقة لتمويل بقرض. هذه الملاحظات في الحقيقة نحن نعتز بها وأعتقد أننا توصلنا لنتائج طيبة جدا في عرض هذا الموضوع، وأيضا وضحت معالمه سواء في الأبحاث المقدمة أو في المناقشات التي أظن أن الإخوة الكرام باتوا في ليلتهم وهم يفكرون في هذا الموضوع حتى توصلوا إلى هذه النتائج الطيبة.
وشكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا للإخوة الكرام الباحثين على جهودهم الطيبة ولا شك أن صيغة المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك من الصيغ التي يستفيد منها البنوك الإسلامية، وقد لا يكون بعض التطبيقات لهذه البنوك صحيحة، فحينئذ لا ينبغي أن نعتبر لهذه التطبيقات السيئة، وإنما نحن في المجمع يجب علينا أن نضع الضوابط لمثل هذه العقود وهذه الصيغ حتى تصحح مثل هذه الأخطاء التطبيقية. وأنا أعتقد في البداية أن هذا الحديث الصحيح المتفق عليه وهو:((بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) مؤشر ودليل على جواز التخريج وعلى أهمية الأصولية في العقود، مع ملاحظة القصود بقدر الإمكان ولا سيما العقود إذا كانت متسببة أو مؤدية إلى الربا، أما القصود التي لا تؤدي إلى الربا فلا ينبغي اعتبارها في إفساد العقد أو إبطاله. ومعظم ما عليه البنوك الإسلامية يتم على ضوء شركة الملك ولا يمكن أن تكيف هذه الصيغة على شركة العقد من ناحية التصوير أو من ناحية الغرض يمكن أن تكون المشاركة المتناقصة والمشاركة المنتهية بالتمليك ضمن عقود شركة العقد، لكن في حقيقتها التي تطبق لا يمكن أن تطبق إلا من خلال شركة الملك، لأن العقار أو السيارة أو السفينة موجودة في الواقع، والبنك يدخل معهم كشريك بشراء نسبة أو جزء من هذه الأشياء.
وفي الغالب الآن بعض الصيغ تجد حينما يكون الشخص عاجزا عن الأداء هذه الصورة لم تذكر، حقيقة الذي يحدث أنه ربما يأتي البنك فيراجع ويشتري لشخص عقارا أو سفينة أو غير ذلك، ثم يعجز الشخص عن طريق المرابحة عن الأداء فيكون متعسرا في الدفع. فحينئذ يتفق مع البنك في الدخول في هذا الشيء وهو العقار أو السيارة أو السفينة في المشاركة المنتهية بالتمليك أو في البداية، في الحقيقة لها ثلاث صور، لكن هذه الثلاث صور تطبق بنوعين، في النوع الأول ممكن في البداية يدخل البنك كشريك، والصورة الثانية أنه بعدما يشتري البنك عن طريق المرابحة ويتعسر الشخص أو الشركة، تطلب الشركة أو الشخص أن يدخل معها البنك مرة أخرى في هذه المشاركة، فهذا أيضا وارد، وهو الأكثرية الآن، وبعض البنوك جعلوا هذه الوسيلة من وسائل التخلص من مسألة حينما يكون الشخص متعسرا في الأداء. فلا بد أن نكون على علم بما يقع. ولذلك بعض البحوث دون أن أذكر الأسماء كيَّفت هذا العقد بشركة العنان أو شركة العقد، أنا اعتقد أن هذا التكييف لا يمشي ولا يسير مع الواقع المطبق في البنوك الإسلامية حسب علمي.
هناك مجموعة من الشبهات، هذه الشبهات يمكن الرد عليها، وقد أثير بعضها مثل بيع العينة؛ ليس هناك علاقة بين موضوع الشركة المتناقصة وبيع العينة، بيع العينة بين طرفين، وهذا بين عدة أطراف. بيع العينة في نفس الوقت وهذا بعد وقت طويل. بيع العينة لا بد أن يكون السعر لم يتغير وهنا في الغالب تتغير الأسعار، فلذلك لا تتوافر في عقد الشركة المتناقصة صور بيع العينة فينبغي أن تستبعد هذه الشبهة.
الشبهة الثانية التي تثار كثيرا في معظم هذه العقود: وجود صفقتين في صفقة واحدة، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة واحدة، وعن بيعتين في بيعة واحدة، وعن بيع وسلف. وحقيقة هذه المسألة في حد ذاتها لا بد أن تبحث بحثا تأصيليا، وأنا بحثت هذا من خلال بحث متواضع نشر في مجلة مركز بحوث السنة والسيرة، ووصلت من خلاله إلى أن لهذه الأحاديث ثلاثة تفسيرات، والجمهور على أن هذه الأحاديث كلها تدور حول ما كان العقد يتضمن بيعا وسلفا خوفا من الربا، أما الجمع بين العقود الأخرى كـ البيع والإجارة والجعالة وما أشبه ذلك فليس هناك أي مانع وهذا هو تفسير بالصحابي، وابن مسعود الذي فسره، وكذلك من روى عنه، وكذلك جمهور الفقهاء فسروا بهذا التفسير.
هناك تفسيران آخران أيضا لا يدخلان في هذا الموضوع. وبعض العلماء فعلا من فقهائنا الكرام وسعوا هذه الدائرة حتى مسألة الشرطين في شرط واحد، أجازوا وجود شرط جائز ولم يجيزوا وجود شرطين جائزين، ولذلك اعترض عليهم المحققون كيف يجوز وجود شرط واحد وهو صحيح ولا يجوز وجود شرطين وهما أيضا صحيحان؟ فبالتالي بعض الفقهاء وسعوا هذه الدائرة، ولا ينبغي لنا نحن في هذا المجمع الموقر أن نسير على هذا التوسع الذي ليس له أي دليل لا من الرواية ولا من الدراية في تفسير هذا الحديث.
وبالتالي وجود صفقتين في صفقة واحدة ليس شبهة في هذا، إضافة إلى أن العمل جار على أنه في البنوك الإسلامية يفصلون، أولا هناك اتفاقية تفاهم أو مذكرة تفاهم؛ وتتضمن هذه بعض الوعود وقد أجاز المجمع الموقر أن يكون الوعد من طرف واحد ملزما، وقد أجاز مؤتمر المصارف الإسلامية أن تكون المواعدة ملزمة فإذن لا بأس بهذه المذكرة سواء كانت تضمنت وعدا واحدا، وهذا ما عليه المجمع ونحن نؤيده أو فيه المواعدة؛ لأن هذا ليس عقدا وإنما مجرد مذكرة تفاهم.
ثم بعد ذلك تأتي العمليات كلها في وقتها تأتي المشاركة وهى مشاركة في الملك وليست في العقد وهي ليست شركة عقد، ثم بعد ذلك تأتي عملية البيع، وبالتالي من الناحية العملية فصلت وليس فيها تأليب، صفقتين أو بيعتين في بيعة واحدة، وأنا أعتقد حتى لو وجدت صفقتان في صفقة واحدة بهذا الشرط، وهو ألا يكون بينهما سلف وبيع، أي معاوضة وسلف، كما عممه شيخ الإسلام ابن تيمية، فلا أرى باسا في هذه المسألة.
أعتقد أن المواطأة في العقود المالية يدل عليه الحديث الصحيح: ((بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) وكذلك الشافعية، وأنا أتذكر نصوص الشافعية لا يعتبرون أي شيء سبق العقد ما دام لم يدخل في العقد، وحسب معلوماتي كذلك أؤكد ما تفضل به الشيخ عبد الستار أن الحنفية كذلك في المعاملات لا يعتبرون أن المواطأة السابقة تؤثر في العقد ما دامت لم تكتب في العقد.
أما إضافة الإجارة إلى المستقبل فهي جائزة إذا كانت الإجارة إلى المستقبل من العقود المعلقة على المستقبل، فالوعد بها أيضا جائز ولا مانع منه. وقصدي من هذا الجواب أو من هذا الاستعراض أن هذه الصيغ من الصيغ المفيدة، وخاصة نحن نعيش عصرا لا نجد آليات كثيرة للبنوك الإسلامية، فالتضييق عليها في هذا الوقت في ظل عدم وجود نظام اقتصادي إسلامي متكامل أنا أعتقد أنه لا يعود بالنفع على ما نريده من تحقيق هذا النظام الذي إن وصلنا إليه سوف نجد فعلا بإذن الله تعالى كل الوسائل الصحيحة الصريحة التي لا نجد فيها أية شبهة، وبالتالي فأنا مع هذا العقد ولكن مع الضوابط التي ذكرت وخاصة التي ذكرها فضيلة الشيخ نزيه حماد، هذه الضوابط يمكن أن تؤخذ بنظر الاعتبار وتؤصل ويجاز هذا العقد.
والله أعلم بالصواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
استمعت في جزء كبير من الملاحظات التي أبديت في المداخلات على البحوث المطروحة وعلى هذا العقد. أحب أن أشير إلى جملة من المعاني في مطلع حديثي الذي سأرد فيه على بعض الملاحظات التي أبديت. قيل في وسط هذا العقد: إنه عقد تمويل، وما الضير في ذلك؟ عقد تمويل إذا كان ملتزما بقواعد الشريعة ما الضير في ذلك؟ هذا العقد عقد جديد مستحدث استفاد من جملة الأحكام المقررة في الفقه الإسلامي لشركة الملك ولشركة العقود، وليس فيه إحلال لحرام أو تحريم لحلال، ما الضير في ذلك؟ إذا أردنا أمام التطور الاقتصادي وحاجات التمويل الملحة للمشاريع الكبيرة أن نكرر ما ذكره فقهاؤنا السابقون فحسب، دون أن نحاول أن نصوغ صياغات جديدة فيها التزام بالثوابت، وفيها أيضا اجتهاد معاصر ليستفيد من قواعد الشريعة العامة، ما المانع في ذلك وإلا سوف نعيق حركة التقدم الاقتصادي بمحاولة ضبط هذا التقدم الاقتصادي بالقوالب التي استنبطها فقهاؤنا واستنتجوها من نصوص الشريعة.
إذن نحن أمام عقد جديد استفاد من جملة الأحكام الشرعية المقررة في الفقه الإسلامي وابتعد عما هو ممنوع شرعا.
قيل: إنه لا بد أن نبين الخلل في العقود المقدمة إلينا نحن لم نستفت المجمع- مع احترامي- في هذه العقود. نحن قدمنا صورة مطبقة لبيان كيف يجري عليه العقد. إذا أردتم أن تبيِّنوا الحكم في العقود فما علينا أن نأخذ عقود البنوك الإسلامية كلها ونستعرضها ونبين ما فيها من خلل، والقول بأنه ما دام قدمت فلا بد أن نبين الخلل، حقيقة أقرت هذه العقود هيئات رقابة شرعية ودرستها دراسة طويلة.
هنا أدخل على ما تفضل به أخي عبد الستار لأنه قال: صححنا وعدلنا.. أخونا الشيخ عبد الستار هو مستشار في البنك الإسلامي الأردني وهذا العقد أخذناه من البنك الإسلامي الأردني، قبل حوالي ستة أو سبعة أشهر، فإذا كان هنالك تصحيح سيكون بعد ذلك، ومعنى هذا أن هذا العقد ظل يعمل أكثر من اثنين وعشرين سنة بهذه الصيغة، وهو قبل ذلك أيضا قبل سنة كان مستشارا لبضعة سنوات، واستغرب عند ذلك لماذا لم يصحح؛ حقيقة ما فعلتموه ليس تصحيحا إنما هو نوع من الاستخدام الاصطلاحي الأفضل في هذا المجال، لكن مضمون العقد ظل هو هو لم يتغير. أولا فيما يتعلق بكلمة تسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل، أخي الكريم ليس المقصود هنا مبلغا من المال (رأس المال) كالقرض الربوي. إذا رجعنا إلى طبيعة هذا العقد كيف يقوم؛ هذا العقد يقوَّم على أن هذا التمويل يستخدم في بناء على قطعة أرض؛ فمعنى ذلك نحن نتحدث عن الكلفة وهي كلفة هذا البناء، يعني يقوم البنك بالاتفاق مع شخص وهذا
…
العقد، وعند ذلك القول بأنه لماذا لا يقدم الشريك الآخر شيئا وهم في مطلع العقد، ويقول لك قدم أرضا وبالتالي مشاركته هي بأنه قدم هذه الأرض، يريد أن يبني عليها بناء.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
قدم الأرض رهنا.
الشيخ عبد السلام:
لا، لا. قدم أرضا للمشروع. أرجو أن تقرأ بدقة:(لما كان الشخص الفلاني يرغب في استثمار قطعة الأرض الموصوفة أعلاه وذلك عن طريق إنشاء بناء كذا وكذا) ، وهو قدم أرضه. فإذن التزيد على ذلك ليس مطلوبا. هو شارك بتقديم الأرض، ويأتي البنك ويقيم بناية موصوفة بعد ذلك مبينة بدقة وفق المخططات ماذا سيقيم؟ هذا المبلغ الذي يدفعه..
الشيخ عبد الستار:
أن يقوم برهن قطعة الأرض.
الشيخ عبد السلام:
لا، لا، اطَّلِعْ على مطلع العقد:(إن الفريق الثاني يرغب في استثمار قطعة الأرض الموصوفة أعلاه وذلك عن طريق إنشاء بناء) لكن حتى يضمن البنك حقوقه يتم رهن الأرض.
لو تلاحظ الواقع المعاصر مثل ما قلنا قبل قليل إنه لا يمكن في الواقع أن تتم هذه العقود إذا لاحظنا شكليات القوانين الوضعية المعاصرة. ودعني أكمل ثم رُدَّ علي.
فإذن نحن عندما نقول: (لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل)، نقول: لتسديد ما قدمه البنك من كلفة أو ما تحمله البنك من كلفة. يعني يلتزم ببيع هذه البناية التي أقامها بكلفتها. وليست القضية قضية قرض ورأس مال وسداد لمبلغ دفعه للشريك الآخر. وثقوا تماما أصحاب السماحة والفضيلة إذا لم نأخذ بهذا العقد بالصيغة المقدمة وهي أن هنالك التزاما من البنك ببيع هذه البناية بما دفع من كلفة لها على ضوء ما يتم تحصيله من دخل والذي قد لا يتحصل في بعض السنوات، وهذا هو عنصر المخاطرة المهم في هذه العملية والذي يخرجها من دائرة الربا، إذا لم نقل بذلك نقع فيما تفضل به الأستاذ القري من أننا سوف نفاجأ بظروف اقتصادية قد تؤدي إلى انهيار هذه المؤسسات.
ما الضير في أن يلتزم البنك بوعد بأنني أبيع هذه البناية بما كلفته، والثمن الذي سآخذه مقابل ذلك وهي الكلفة يأتينى من قسم من الداخل الذي سيتحصل من المشروع؛ ولذلك أنا أوضحت هذه النقطة بعبارات موجزة، وهذا فيه جواب لأخينا الشيخ عكرمة: وقد جرى الحسبة - تقسيم النسب- على أساس توقع الربح وفق قواعد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات، ولكن الربح قد يتحقق بأكثر من المتوقع- في بعض المشاريع البنك بيطلع في أول سنة، لأن الدخل كان فوق المتوقع نتيجة تغير الظروف الاقتصادية- كما أن الخسارة قد تتحقق فلا يأتي المشروع بشيء أو يأتي بالقليل الذي يجعل من هذا الأسلوب الشرعي أسلوبا فيه مخاطرة وتعرض لاحتمالات الربح والخسارة، بخلاف ما عليه الحال في التمويل الربوي الذي تكون فيه الفائدة محسوبة بنسبة متفق عليها على أساس رأس المال، وهذا ليس واردا في هذه الصيغة.
أما ما يتعلق من أننا نكون أمام بيع مضاف للمستقبل، نحن لسنا أمام بيع مضاف للمستقبل، هناك وعد بإجراء هذا البيع في المستقبل بقواعد لا تثير منازعة ولا خلافا وليس فيها جهالة مفضية للنزاع، وما الحرج في ذلك من الناحية الشرعية؟ .
أما اقتراح بعض! الإخوة أن يجري هذا البيع وفق أسعار السوق. اختلت العملية وأصبحت ليست من قبيل عقد التمويل الجائز شرعا.
نحن أمام عقد تمويل، لذلك في تعريف هذه المشاركة (دخول البنك بصفة شريك ممول) . مجرد التمويل واقتضاء فائدة: هذا غير جائز شرعا، بينما إذا أدخل عنصر الشركة وعنصر اقتسام الربح على حسب ما يأتي به السوق وما يأتي به المستقبل ضمن متغيرات الأسواق وغير ذلك، وبالتالي ليس مقطوعا وقد يكون هنالك خسارة.
أنا أفهم لو جرى بحث وهذا أطلبه من أخينا الشيخ عبد الستار في قضية تأقيت هذا العقد، ومدى مساسها بعنصر المخاطرة، والعقدان نصا على التأقيت. نعم يمكن أن يقال: إنه لا بد أن يوضع حد لهذا العمد وضمن الاتفاق، لا مانع من أن تصفى الشركة بعد مدة، لكن نخشى من أن يعتبر عنصر التأقيت نوعا من التعطيل لفكرة المخاطرة. حتى نضمن أن المخاطرة سليمة مئة بالمئة، عنصر التأقيت حقيقة يجب أن يدرس بدقة، وأنا نبهت إلى ذلك. فالتحفظان اللذان أشار إليهما الشيخ عبد الستار، وكذلك المطالبة الملحة بتصحيح هذا الخلل أو غير ذلك.. أرجو في الواقع أن يكون فيما أشرت إليه بيان لطبيعة هذا العقد وحقيقته وما ينبني عليه.
لا أريد أن أطيل لكن أرجو أن تدرس مثل هذه الصيغ الجديدة بإمعان وتدبر إذا استعجلنا في الحكم المحرم، وأنا مع الشيخ وهبة في كلمته ألا نتورط في حكم شرعي لا بالتحليل ولا بالتحريم، وبالتالي لا بد في الواقع من التروي والنظر الدقيق فيما عليه واقع الاقتصاد في هذه الأيام لنردف هذه المسيرة وندعمها ضمن قواعد الشريعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ عبد اللطيف الجناحي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89] .
ما تواجهه البنوك الإسلامية من هجمة خاصة في هذه الفترة التي يتعرض لها الإسلام كله إلى هجوم، وهؤلاء في هجومهم يريدون أن يطفئوا نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وأكبر هجمة بين الهجمات هي الهجمات التي تتعرض لها المصارف الإسلامية. والمعاناة التي نعانيها في هذه الفترة من إيقاف لتحويلاتنا بسبب شبهات ضعيفة بما ينطبق مع ما قيل في عهد الحجاج:(انج سعد فقد هلك سعيد) ، هذا ما نعانيه في المصارف الإسلامية. والسبب واضح وبسيط، لا توجد مؤسسة إسلامية انتشرت وتغلغلت بين الشعب الإسلامي مثل البنوك الإسلامية، وبالتالي هناك جمعيات وهناك مؤسسات أخرى، ولكن مثل هذا التغلغل في مجال المال وبهذه القوة وبهذا الثبات لا توجد مؤسسة مشابهة، وعليه فإن الأنظار الآن متوجهة لهذه البنوك. وشعارنا في الأخير أن هناك وسائل لتقويض هذه البنوك، أهمها أن تقوض بأيدي أهلها، لأنهم لا يستطيعون أن يقوضوا المصارف الإسلامية وهي بهذا الحجم بأيديهم، هناك طبعا يعقدون، ولكن لا بد أن يضربوا البنوك الإسلامية في الصميم وهي العقيدة.
عقود المشاركة أيها الإخوة انتشرت، وعقود المرابحة
انتشرت، ولو درسنا ميزانيات المصارف الإسلامية نجد أنها تقوم على هذين الشيئين، على المشاركة وعلى المرابحة. فإذا قلنا بفساد المشاركة وبفساد المرابحة ماذا نعمل ضربنا المصارف الإسلامية في مقتل. طيب هذه العقود التي تستخدم في المشاركة والمرابحة من أجازها؟ هل أجازها جويس وجمس أم أجازها الشيخ محمد والشيخ علي وغيرهما؟ هؤلاء علماء نعتز بهم فإذا قلنا بأن المرابحة حرام والمشاركة حلال هززنا المصارف الإسلامية وهززنا عقيدتنا من أساسها. وبالتالي أنا ما أنصح به، وأنتم طبعا أغنياء عن نصيحة عبد فقير مثلي؛ هو أن نتمعن في العقود، من أباحها لم يبحها عبثا. وهل يمكن أن نبت في عقود طبقت اثنان وعشرون سنة أو ربع قرن من الزمان في جلسة يوم أو يومين؟ هذه عقدت عليها ورش عمل. والآن نحن خرجنا إلى تفرعات جديدة. أنا سوف أعرض ورشة عمل بديلا للحساب المكشوف ويعتمد على المشاركة. ما الذي يمنع أن أشارك في عقار وأخذ إيجاره وإذا تيسر الأمر سدد لي تلك القيمة في فترة زمنية محددة؟ من قال: إننا لا نستطيع أن نقوم العقار لمدة سنة؟ نحن نعرف السوق ومواطئ السوق كلها معروفة.
إخواني! النظر إلى مثل هذه العقود والأمور يجب أن يكون بمنظور العصر، ومنظور العصر له معطيات وله دلائل علمية. نحن نستطيع أن نتوقع توقعات بالنسبة للنفط والعقارات والأسهم، ولذلك أولئك الذين يستطيعون أن يتوقعوا مثل هذه التوقعات يربحون، وأولئك الذين يمشون على جهالة يخسرون.
المصارف الإسلامية اليوم فيها من الكفاءات العلمية التي نعتز بها وبالتالي نجحت ربع قرن من الزمان ولم يفلس بنك واحد. هذا دليل على أن الكفاءات الموجودة قامت بما يجب واعتمدت على علماء لهم وزنهم.
أنا في الحقيقة لا أريد أن أطيل، ولكن فقط أريد أن نشير إلى هذه النقاط التي قد تؤذي مسيرتنا المصرفية الإسلامية وتفرح العدو قبل أن تسعد الصديق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الرحمن الأطرم:
بسم الله الرحمن الرحيم
فقط عندي نقطتان والكلام فيهما قصير جدا.
النقطة الأولى: أن التعامل في الشركة المتناقصة مع المدين العاجز عن السداد هذا قد يكون من صور قلب الدين، فينبغي أن يتنبه له في القيود حينما يبين ذلك الأمر، ذلك أن المرابحة والمشاركة قد تستخدم مع المدين العاجز عن السداد لقلب الدين عليه.
النقطة الثانية: تعليقا على ما ذكره الدكتور حسين كامل ركز على أن عدم الرغبة في السلعة هو المؤدي إلى العينة. والرغبة في السلعة ليست شرطا ولا قيدا لصحة البيع.
ومن المعلوم أن المرابحة لا يرغب فيها في السلعة ولا في التورق، بل إن التاجر نفسه وهو يقلب السلعة لا يرغب في السلعة وإنما يرغب في أرباحها.
ولذا كان ينبغي تحرير الأمر في جعلها من بيوع العينة، فليست المسألة راجعة للرغبة أو عدم الرغبة وإنما لأمر آخر.
والله أعلم.
الشيخ حسين كامل:
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية لي تعليق على الدكتور وهبة، وأقول وبالله التوفيق.
أنا لم أقل إطلاقا: إن الإمام الشافعي لا يجيز بيع العينة، بل قلت: إنه يستثني من هذا الجواز حالة واحدة فقط وهي أساس هذه المناقشة التي أبني عليها مناقشتي. إن إعادة البيع من المشتري واشتراط الالتزام بالسداد هو الذي استثناه الإمام الشافعي بالإضافة إلى باقي المذاهب، وأقول: إن باقي المذاهب تقول: إن التخصص في منح الائتمان في هذا النوع من التخصص هو محرم عند المالكية، مكروه كراهة تحريم عند الحنفية، ومكروه عند الشافعية، ومكروه عند الحنابلة. ارجعوا إلى المراجع. الأمر واضح وضوح الشمس. لم نتغاضى عن أقوال الفقهاء إذا كنا بصدد مناقشة عقد جديد؟ لقد بحثنا في عقد المرابحة للأمر بالشراء وأخذنا فيه أشراطا كثيرة ولم ننته إلى شيء، يعني يتفق مع أقوال الفقهاء، فعلى الأقل في هذا العقد الذي نحن بصدده الآن نحاول أن ننظر في أقوال الفقهاء. من غير المعقول أن نتغاضى تماما عن أقوال أربعة مذاهب معتمدة ونقول هذا تمويل، نعم هو تمويل، وهذا التمويل عندهم جميعا مكروه أو محرم. فلماذا؟ لماذا بحق الله؟ هذا هو قولي.
الدليل على أن هذا العقد ويشاركه في ذلك عقد المرابحة للآمر بالشراء هو من جنس بيع العينة هو أن تطبيقه في التعامل عند البنوك الإسلامية يجب أن ينعكس تماما ومباشرة على تواجد العديد من السلع والأصول الحقيقية في المراكز المالية، خاصة وأن هذه العقود طبقت منذ نحو ربع قرن، ولكن الواقع الذي يفرض نفسه أنه لا توجد في أي مركز من المراكز المالية الخاصة بالبنوك ولو حتى مقدار واحد أصول مالية إلا باستثناء بعض البنوك.
الرد على الدكتور القري: المشاركة طبعا إما أن تكون نقدا وإما أن تكون مشاركة في أصل الأصول كتقديم أرض أو خلافه للبناء عليها في نفس كلمتك قلت: إن من أنواع المشاركة فيها تمويل لبناء أو خلافه. أقول: إن المشاركة الأولى التي هي خاصة بالمشاركة في الأصول هي إعادة بيع لحصة شائعة امتلكها البنك ثم يعيد بيعها، أما في حالة تقديم نقد مع اشتراط السداد والالتزام بـ القيمة الاسمية فهذا هو قرض، لا أرى أي نوع من الأنواع أو أي مبرر أن نعلق عليه مشاركة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد علي القري بن عيد:
شكرا.
بطبيعة الحال هناك احتمال أن تؤول صيغة من صيغ المشاركة المتناقصة إلى العينة، وقد ذكرنا إمكانية أن البنك يشتري من عميله بالنقد ثم يعيد البيع عليه بالأجل من خلال صورة من صور المشاركة، هذا أمر ممكن ولكن ليس هذا هو التطبيق المنتشر في البنوك الإسلامية الذي ربما يكون محل النظر هنا.
والأمر الآخر أن كلمة (العينة) بطبيعة الحال استخدمها بعض الفقهاء لتعني بيع الأجل بإطلاق، فليس كلما ذكرت العينة وكراهية بعض الفقهاء للعينة أو إجازتهم للعينة أو ما إلى ذلك يجب أن نتحقق من أنهم يقصدون الحيلة على الربا، وهي أن يقع شراء بالنقد وبيع بالأجل في نفس الوقت، أم أنهم يقصدون البيع الآجل بإطلاقه، فهذان أمران مختلفان بطبيعة الحال.
النقطة الثالثة: هي ما ذكره الشيخ عبد اللطيف آل محمود والدكتور علي القره داغي في استخدام المشاركة المتناقصة لجدولة الدين، فهذه بلا شك لا تجوز، ولا تدخل ضمن الصيغ التي يمكن أن تجاز من المجمع فيما يتعلق بـ المشاركة المتناقصة بل يجب النص عليها بأنها لا تجوز.
وشكرا لكم.
الشيخ عبد السلام العبَّادي:
الشرح الذي قدمته لطبيعة هذا العقد، القضية ليست قضية تمويل بحت بمعنى دفع نقد. القضية أنه في نص العقد- الذي يدقق فيه- أنه بعد أن يتم توقيع هذا العقد هنالك عقد آخر قام البنك بتوقيعه مع متعهد لبناء المشروع، والمبلغ الذي يعتبر تمويلا هو كلفة هذا المشروع، فيكون الشريك قدم الأرض والشريك الآخر الذي شركته ستنتهي، لأنه ليست رغبته القرار في المشروعات كلها، قد يرغب القرار في بعضها، وقد يرغب ألا يظل في بعضها الآخر، فيتفق على بيع هذه البناية التي بناها على ذلك العقار ضمن هذا التصور الذي اشرنا إليه فيما سمي بـ المشاركة المتناقصة.
فلسنا أمام تمويل بحت وقد لاحظنا مع ذلك احتياطا ألا تكون هناك نسبة ربح مقررة سلفا متروكة للسوق، ولذلك نقيسها على بعض الصيغ التي قال بها فقهاؤنا هكذا دون ملاحظة الفوارق، نعم قد تكون في بعض الأشكال العامة نوعا من التشابه، لكن لا بد من التدقيق ونحن نقول، نتمنى أن يكون هنالك نصوص عند فقهائنا في مثل هذه الحالات، لكن لا نريد أيضا أن نتمحَّل القياس، لأنه حقيقة قياس مع الفارق.
وشكرا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعلمون أن هذا الموضوع يعرض للمرة الأولى في هذا المجمع، وجميع البحوث المقدمة تكاد تلتقي مع فوارق بينها على رأي واحد، والمناقشة على قسمين: قسم يتجه إلى المنع، وقسم مع هذه الأبحاث. فمعنى هذا أن ليس هناك تكافؤ في البحوث المعروضة، فهل ترون أن نؤلف لجنة كالمتبع، أن يعهد إلى بعض من أبدوا رأيهم على مخالفة هذه البحوث بإعداد بحوث وتعرض على المجمع في الدورة اللاحقة؟ فهذه وجهة نظر، أرجو أن تكون اللجنة على بصيرة منها، وهي تؤلف من المشائخ: العارض الشيخ وهبة الزحيلي، والمقرر الشيخ نزيه كمال حماد، والشيخ حسين كامل، والشيخ إبراهيم الغويِّل، والشيخ علي السالوس، والشيخ صالح المرزوقي.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بالنسبة للمشاركة المتناقصة اقترح أن تلاحظ اللجنة طلب الاستكتاب من المانعين وأن ترسل لنا البحوث المانعة قبل وقت.
الرئيس:
أجل أنا أرى ألا يؤلف لجنة من الآن نتفق على التأجيل، وأنا أقترح الشيخ عبد الرحمن بن صالح الأطرم، والشيخ صالح المرزوقي، والشيخ علي السالوس.
الأستاذ عبد اللطيف الجناحي:
نحن مع التأجيل للدورة القادمة حتى يستكمل البحث، لأن هذا الموضوع حساس جدا.
الرئيس:
على كل حال سنبحث عن شخص آخر، فالآن الشيخان علي السالوس، والشيخ صالح المرزوقي، إضافة للشيخ حسين كامل.
وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 121 (13/4)
بشأن
المشاركة المتناقصة في ضوء العقود المستجدة
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422 هـ، الموافق 22- 27 ديسمبر 2001 م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (المشاركة المتناقصة في ضوء العقود المستجدة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.
قرر ما يأتي:
تأجيل النظر في موضوع (المشاركة المتناقصة في ضوء العقود المستجدة) لإصدار القرار الخاص به إلى دورة قادمة من أجل مزيد من الدراسة والبحث.
والله الموفق.