المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

‌المشاركة المتناقصة وأحكامها

في ضوء ضوابط العقود المستجدة

إعداد

الدكتور نزيه كمال حماد

أستاذ الدارسات الإسلامية

فانكوفر (كندا)

وأحكامها في ضوء ضوابط العقود المستجدة

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فقد حاولت في هذا البحث تقديم دراسة علمية مؤصلة لموضوع (المشاركة المتناقصة، وأحكامها في ضوء ضوابط العقود المستجدة) أرجو أن تكون موفية بالغرض، محققة للغاية، مجلية للقضية، وذلك في أربعة مطالب:

الأول: في الضوابط الشرعية للعقود المستجدة.

والثاني: في أثر المفاهمة السابقة على العقود المجتمعة في صفقة واحدة.

والثالث: في حقيقة المشاركة المتناقصة وصورها ومجالات تطبيقها.

والرابع: في أحكام المشاركة المتناقصة في ضوء ضوابط العقود المستجدة.

ومن الله سبحانه الاستمداد، وعليه التوكل والاعتماد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 920

المطلب الأول

الضوابط الشرعية للعقود المستجدة

اجتماع العقود المتعددة في صفقة واحدة:

(1)

إن من أبرز العقود المستجدة في العصر الحاضر الاتفاقات التي تتكون من عدة عقود مسماة اجتمعت في صفقة واحدة، كـ البيع والإجارة والهبة والقرض والشركة والجعالة والمضاربة

إلخ، على سبيل الجمع أو التقابل (1) ، بحيث تعتبر موجبات تلك العقود، وجميع الحقوق والالتزامات المترتبة عليها جملة واحدة لا تقبل التفريق والتجزئة، بمثابة آثار العقد الواحد.

(2)

والأصل الفقهي عند جمهور أهل العلم في حكم الصفقة الواحدة التي تتضمن أكثر من عقد من العقود المسماة في الفقه الإسلامي الجواز والصحة، ما لم يكن هناك مانع شرعي خاص من اجتماعها، إذ الأصل بمقتضى دلائل نصوص الشريعة هو حرية التعاقد، ووجوب الوفاء بكل ما تراضى عليه المتعاقدان والتزما به (2) .، وأن كل معاقدة تضمنت عقودا أو أمورا جائزة شرعا عند الانفراد، فإنها تكون كذلك عند الاجتماع، قياسا للمجموع على آحاده. (نَصَّ على ذلك الحنفية والشافعية والحنابلة في مواطن شتى من مدوناتهم الفقهية (انظر: بدائع الصنائع: 6/ 58؛تبيين الحقائق: 4/ 176، إعلام الموقعين: 3/ 354؛ كشاف القناع: 3/ 478؛ البيان للعمراني: 5/ 148؛ المبدع: 5/ 43) كما أن الحنفية ذهبوا إلى اغتفار فوات بعض شروط صحة العقود المجتمعة في صفقة واحدة، إذا ثبتت ضمنا لا قصدا، وجاءت تبعا لا أصالة، إذ الأصل (أن يغفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها) . وعلى ذلك قال الزيلعي في معرض رده على من تمسك بالقياس فمنع جواز شركة المفاوضة نظرا لتضمنها وكالة بمجهول الجنس وكفالة مع جهالة المكفول له، وكل منهما بانفراده فاسد للجهالة:(ولا يقال: الوكالة بالمجهول لا تجوز، فوجب ألا تجوز هذه الشركة لتضمنها الوكالة بمجهول الجنس!، كما إذا وكله بشراء ثوب ونحوه، لأنا نقول: التوكيل بالمجهول لا يصح قصدا، ويصح ضمنا، حتى صحت المضاربة مع الجهالة، لأنها توكيل بشراء شيء مجهول في ضمن عقد المضاربة، فكذا هذا. وأقرب منه شركة العنان، فإنها جائزة بالإجماع، وإن تضمنت ما ذكرنا من الجهالة في الوكالة، إذ لا بد من تضمن عقد الشركة الوكالة. ولا يقال: إن الكفالة لا تجوز إلا بقبول المكفول له في المجلس، فكيف جازت هنا مع جهالته؟ لأنا نقول ذلك في التكفيل مقصودا، وأما إذا دخل في ضمن شيء آخر، فلا يشترط على ما ذكرناه في اشتراط الوكالة مع الجهالة، أو نقول: جوزناه لتعامل الناس، وبمثله يترك القياس، كما في الاستصناع)، (تبيين الحقائق: 3/ 314) .

وقال ابن الهمام في هذا الشأن: (والمانع وهو الوكالة بمجهول والكفالة بمجهول يمنع إذا ثبت قصدا، ولا يلزم من منع الشيء إذا ثبت قصدا منعه إذا ثبت ضمنا)، (فتح القدير: 5/ 381) .

وقال الكاساني في معرض احتجاجه على جواز اشتمال شركتي العنان والمضاربة على الوكالة العامة، مع أن الوكالة العامة لا تصح من غير بيان في حال الانفراد:(الوكالة لا تثبت في هذا العقد مقصودا، بل ضمنا للشركة، وقد يثبت الشيء ضمنا، وإن كان لا يثبت قصدا، ويشترط للثابت مقصودا ما لا يشترط للثابت ضمنا وتبعا)(البدائع: 6/ 58) ؛ وانظر: حاشية الطحاوي على الدر: 2/ 514) ما لم يكن هناك نص أو قياس صحيح يمنع من ذلك، فعندئذ يمتنع بخصوصه على خلاف القاعدة المطردة.

(1)(العقود المجموعة: مثل أن يقول له: بعتك هذه السيارة وأجرتك هذه الدار سنة بألف. أما المتقابلة: فنحو أن يقول له: بعتك سيارتي هذه بألف على أن تشتري مني السلعة الفلانية بخمسمائة، أو على أن تقرضني كذا، أو محلى أن تشاركني في كذا.)

(2)

(إعلام الموقعين: 1/ 344، 383؛جامع الرسائل، لابن تيمية: 2/ 317؛ الموافقات: 1/ 284)

ص: 921

وأساس هذا الاستثناء كما قال الشاطبي: (إن الاستقراء من الشرع عرف أن للاجتماع تأثيرا في أحكام لا تكون في حال الانفراد

فقد نهى عليه الصلاة والسلام عن بيع وسلف، وكل واحد منهما لو انفرد لجاز، ونهى الله تعالى عن الجمع بين الأختين في النكاح، مع جواز العقد على كل واحدة بانفرادها، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وقال:((إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)) . فدل ذلك على أن للجمع حكما ليس للانفراد، فكان الاجتماع مؤثرا، وكان تأثيره في قطع الأرحام هو رفع حل الاجتماع

وذلك يقتضي أن يكون للاجتماع في بعض الأحوال تأثير ليس للانفراد، وأن يكون للانفراد حكم ليس للاجتماع، وللاجتماع حكم ليس للانفراد) (1) .

(3)

وحيث كان الأمر كذلك، فقد نظر الفقهاء في النصوص الشرعية الاستثنائية الواردة في النهي عن الجمع بين بعض النقود في اتفاقية واحدة، واستنبطوا منها ضوابط لحظر اجتماع أكثر من عقد في صفقة واحدة.

(1)(الموافقات: 3/ 192)

ص: 922

وهذه الضوابط منها ما هو متفق عليه بينهم، ومنها ما هو مختلف فيه، وكذلك تباين الأنظار والاجتهادات والأقيسة، وقد وجدنا بعد الاستقراء والتتبع لأقاويل الفقهاء في المسألة أن تلك الضوابط ثلاثة:

أولها: أن يكون الجمع بينهما محل نهي في نص شرعي. نحو نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف (1) ، وعن بيعتين في بيعة (2) . وعن صفقتين في صفقة (3) ..

والثاني: أن يترتب على الجمع بينهما توسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور. أي وإن كان كل واحد منهما جائزا بمفرده، حيث إنه قد نشأ في الجمع بينهما معنى زائد، لأجله وقع النهي الشرعي. ومن أمثلته بيع العينة (4) ، والجمع بين البيع والقرض (5) . وبين القرض والسلم، وبين القرض والصرف، وبين القرض والإجارة، لأنها كلها بيوع مع القرض.

والثالث: أن يكون العقدان فأكثر متضادين وضعا ومتناقضين حكما. فإن كانا كذلك، فإنه لا يجوز الجمع بينهما، لأن العقود أسباب تفضي إلى تحصيل حكمها وغايتها ومقصودها في مسبباتها بطريق المناسبة، والشيء الواحد بالاعتبار الواحد لا يناسب المتضادين والمتناقضين (6) .، مثل الجمع بين هبة عين وبيعها، أو هبتها وإجارتها، أو صرف دراهم بدنانير وقرض الدنانير لبائعها، أو الجمع بين المضاربة وإقراض رأس المال للمضارب.

(1)(رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد. (نيل الأوطار: 5/ 179؛ الموطا:2/657))

(2)

(رواه أبو داود والترمذي والنسائي. (نيل الأوطار: 5/ 152؛ العارضة: 5/ 239؛النسائى: 7/ 295)

(3)

(رواه أحمد والبزار والطبراني. (نيل الأوطار: 5/ 152؛ مسند أحمد: 1/ 198؛ مجمع الزوائد: 4/ 84)

(4)

(الموافقات: 4/ 199؛ مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، ص 327، تهذيب مختصر سنن أبي داود لابن القيم: 5/ 100، 106؛ إعلام الموقعين: 3/ 161، 162)

(5)

(إغاثة اللهفان: 1/ 363؛ الموافقات: 3/ 196؛ مجموع فتاوى ابن تيمية: 29/ 62؛ القواعد النورانية الفقهية، ص 142)

(6)

(القبس لابن العربي: 2/ 843؛ الفروق للقرافي: 3/ 142؛ وانظر: ميارة على التحفة، 1/ 83؛ البهجة للتسولي 2/ 9، 10؛ تهذيب الفروق: 3/ 142؛ عدة البروق للونشريسي، ص550؛ المقدمات الممهدات: 2 /182؛ المجموع شرح المهذب: 9/ 88) شرح السنة للبغوي: 8 /67؛ المغنى: 6 /335؛ إعلام الموقعين: 3/ 354؛ نظرية العقد لابن تيمية، ص 191 الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية، ص 122)

ص: 923

المطلب الثاني:

أثر المواطأة (المفاهمة) السابقة على العقود

المجتمعة في اتفاقية واحدة

(4)

تعتبر المواطأة السابقة (التفاهم) على العقود المجتمعة- على الراجح من أقاويل الفقهاء- مرتبطة بالاتفاقية الجامعة لتلك العقود، وذات أثر على حكمها التكليفي والوضعي، ولو لم يصرح بها حال التعاقد، ما دامت الاتفاقية معتمدة عليها.

يشهد لصحة ذلك ما يلي:

أ-اشترط الفقهاء المجيزين لـ (ضع وتعجَّل) - أي الاتفاق بين الدائن والمدين على تعجيل المدين دينه مقابل حط جزء منه عنه لحل وصحة هذه المعاقدة أن تقع بدون موطأة سابقة بين الطرفين وقت ثبوت الدين في الذمة (1) .، وإلا اعتبر صلح الحطيطة هذا حيلة ربوية غير مشروعة، وذلك اعتبارا لقيام الارتباط بين المفاهمة السابقة والمعاقدة اللاحقة بالوضع والتعجيل.

ب- نصوص بعض الفقهاء على إناطة حرمة بيع العينة بالتواطؤ على البيعتين مسبقا وفي ذلك يقول ابن تيمية: (مسألة العينة: وهي أن يبيعه سلعة إلى أجل، ثم يشتريها منه بثمن حال أقل منه. فهذا مع التواطؤ يبطل البيعتين، لأنهما حيلة)(2) .

(1)(انظر: قرار المجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم: 64 (2/7) حول مسألة (ضع وتعجل))

(2)

(مجموع فتاوى ابن تيمية: 29 / 30، وانظر: المغنى: 6 / 263؛ الفتاوى الكبرى لابن تيمية: 4 / 21، 20، وبل الغمام للشوكاني: 2 / 135)

ص: 924

وقال ابن القيم: (وكذلك إنما شرع البيع لمن له غرض صحيح في تملك الثمن وتمليك السلعة، ولم يشرعه قط لمن قصد به ربا الفضل أو النساء، ولا غرض له في الثمن ولا في السلعة، وإنما غرضهما الربا)(1) .

جـ- النصوص الفقهية التي أناطت حظر نكاح التحليل بالاشتراط أو المفاهمة السابقة عليه، بحيث إذا تم ذلك بدون أي اشتراط أو مواطأة سابقة، لم يكن به بأس (2) .

د- تقييد فقهاء الحنابلة جواز العمل بمقتضى حديث: ((بِعِ الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) (3) . بأن يقع ذلك بدون مواطأة سابقة (4) .

قال ابن القيم: (يوضحه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بعِ الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبا)) . وهذا يقتضي بيعا ينشئه ويبتدئه بعد انقضاء البيع الأول، ومتى واطأه في أول الأمر على أن أبيعك وأبتاع منك، فقد اتفقا على العقدين معا، فلا يكون الثاني عقدا مستقلا مبتدأ، بل هو من تتمة العقد الأول عندهما وفي اتفاقهما، وظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمر بعقدين لا يرتبط أحدهما بالآخر، ولا ينبنى عليه) (5) .

(1)(إعلام الموقعين: 3/ 250)

(2)

(المبسوط للسرخسي: 30/ 28)

(3)

(أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ. (صحيح البخاري: 3/ 97؛ صحيح مسلم: 3/ 1208؛ عارضة الأحوذي: 5/ 249؛ الموطأ: 2/ 632، سنن النسائي: 7/ 244))

(4)

(معونة أولي النهى: 4/ 227، المغني لابن قدامة: 6/ 114- 116، إعلام الموقعين: 3/ 240، 242، 243)

(5)

(إعلام الموقعين: 3/ 238.)

ص: 925

وجاء في المغني لابن قدامة: (فصل: وإذا باع مدي تمر رديء بدرهم، ثم اشترى بالدراهم تمرا جنيبا، أو اشترى من رجل دينارا صحيحا بدراهم، وتقابضاها، ثم اشترى منه بالدراهم قراضة من غير مواطأة ولا حيلة، فلا بأس به

فأما إن تواطأ على ذلك لم يجز، وكان حيلة محرمة) (1) .

هـ- تجويز فقهاء الحنابلة لمن صارف غيره دراهم بدنانير، فاشترى منه دينارا بعشرة دراهم مثلا، وتقابضا، أن يصارفه بعد ذلك فيشتري منه تسعة دراهم بالدينار، إذا وقع ذلك من دون مواطأة بينهما، وأما مع التواطؤ فلا يجوز، ويعتبر حيلة محرمة (2) .

و نص كثير من الفقهاء على التسوية بين الشروط المشتركة في صلب العقد والشروط المتفق عليها قبل العقد، ولم يصرح بها حال التعاقد، مادام العقد قد اعتمد عليها، اعتبارا للشرط الملحوظ كالشرط الملفوظ في الحكم (3) .

(1)(المغني:6/114.)

(2)

(معونة أولي النهى: 4/ 227؛المغني: 6/ 114)

(3)

(المدخل الفقهي العام للزرقا: 1/487. وقد جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/ 108) : (القاعدة الرابعة: الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له في ظاهر مذهب فقهاء الحديث أحمد وغيره، ومذهب أهل المدينة وغيره، وهو قول في مذهب الشافعي، نص عليه في صداق السر والعلانية، ونقلوه إلى شرط التحليل المتقدم وغيره، وإن كان المشهور من مذهبه ومذهب أبي حنيفة أن المتقدم لا يؤثر، بل يكون كالوعد المطلق عندهم، يستحب الوفاء به. وهو قول في مذهب أحمد، قد اختاره في بعض المواضع طائفة من أصحابه، كاختيار بعضهم أن التحليل المشروط قبل العقد لا يؤثر، إلا أن يقرنه الزوج وقت العقد، وكقول طائفة كثيرة منهم، مما نقلوه عن أحمد من أن الشرط المتقدم على العقد في الصداق لا يؤثر، وإنما تؤثر التسمية في العقد. ومن أصحاب أحمد طائفة كالقاضي أبي يعلى يفرقون بين الشرط المتقدم الرافع لمقصود العقد والمغير له، فإن كان رافعا- كالمواطأة على كون العقد تلجئة أو تحليلا- أبطله، وإن كان مغيرا- كاشتراط كون المهر أقل من المسمى- لم يؤثر فيه. لكن المشهور في نصوص أحمد وأصوله، وما عليه قدماء أصحابه، كقول أهل المدينة، أن الشرط المتقدم كالشرط المقارن. فإذا اتفقا على شيء، وعقد العقد بعد ذلك فهو مصروف إلى المعروف بينهما مما اتفقا عليه، كما تنصرف الدراهم والدنانير في العقود إلى المعروف بينهما، وكما أن جميع العقود إنما تنصرف إلى ما يتعارفه العاقدان)

ص: 926

وقد حكى العلامة ابن القيم عن جمهور أهل العلم أنه لا فرق بين الشرط المتقدم والمقارن، إذ مفسدة الشرط الفاسد المتقدم لم تزل بتقدمه وإسلافه، ومفسدته مقارنا كمفسدته متقدما ولا فرق (1) .

ز- عدم صحة الأخذ والتعويل على ما ذهب إليه الحنفية والشافعية في المشهور من أن المواضعة والمواطأة والمواعدة المتقدمة وكذا الشرط المتقدم لا تعتبر كالمقارنة، ولا يلزم الوفاء بها، ولا تأثير لها على المعاقدة، ولا عبرة لما جاء فيها (2) . وذلك لعدم إمكان تحقيق المناط وهو:(أن ما قبل العقد لغو لا يعتد به ولا تلزم مراعاته) في الفرع، إذ إن المفاهمة والمواطأة والمشارطة التي تسبق الاتفاقيات المستجدة تعتبر جزءا منها (وتلزم مراعاتها، وذلك لقيامها وابتنائها على نظام مرتبطة أجزاؤه ببعض، وضع لأداء وظيفة محددة باجتماع مزيج من عقود ووعود وشروط معتبرة في صفقة واحدة لا تقبل التفكيك والتجزئة والانفصال.

(5)

وبناء على ما تقدم، فإنه يترجح عندي القول بأن المواطأة السابقة (التفاهم) على العقود المجتمعة في صفقة واحدة تعتبر ملحقة بالاتفاقية المبرمة بينهما أو جزءا منها، كما أنه يعد في حكم المواطأة اللفظية المواطأة العرفية (3) . ويترتب على هذا الأساس أن الاتفاقية على العقود المجتمعة في صفقة واحدة مضافا إليها التفاهم المسبق، وما في حكمه من المواطأة العرفية، إذا كانت محل نهي في نص شرعي، أو ترتب على ما اجتمع فيها من عقود ووعود وشروط توسلٍ بما هو مشروع إلى ما هو محظور، كالربا والغرر والجهالة الفاحشة، أو كانت متناقضة متنافرة في أحكامها أو آثارها، فإنها تعتبر بجملتها محظورة شرعا، ولو كان كل عقد أو وعد أو شرط فيها جائزا بمفرده، إذ قد دل الاستقراء من الشرع على أن للاجتماع تأثيرا في أحكام لا تكون في حالة الانفراد، مما يجعل للانفراد حكما ليس للاجتماع، وللاجتماع حكما ليس للانفراد (4) . والله أعلم.

(1)(إعلام الموقعين: 3/ 145)

(2)

(انظر: جامع الفصولين: 2 /237؛ الفتاوى الكبرى لابن تيمية: 4/108؛ وقد جاء في المجموع للنووي (9 /274) : (وأما الشرط السابق فلا يلحق بالعقد، ولا يؤثر فيه، فلا يلزم الوفاء به، ولا يفسد العقد به إن كان شرطا فاسدا، لأن ما قبل العقد لغو هكذا نص عليه، وقطع به الأصحاب)

(3)

(إعلام الموقعين: 3/ 241، 242)

(4)

(انظر: الموافقات للشاطبي: 3/ 161، 162.)

ص: 927

المطلب الثالث

المشاركة المتناقصة

(حقيقتها- صورها- مجالات تطبيقها)

تعريف المشاركة المتناقصة:

(6)

هي اتفاق طرفين على إحداث (إنشاء) شركة ملك بينهما في مشروع أو عقار أو منشأة صناعية أو غير ذلك، على أن تنتهي بانتقال حصة أحد الشريكين (الممول) إلى الآخر تدريجيا بعقود بيع مستقلة متعاقبة. وقد عرفها بعض الفقهاء المعاصرين بأنها:(شركة يعطي المصرف فيها الحق للشريك في الحلول محله في الملكية، دفعة واحد، أو على دفعات حسبما تقتضيه الشروط المتفق عليها)(1) . غير أن هذا التعريف لا يكشف حقيقة هذه المشاركة، وفكرتها الأساسية، والغرض الذي تهدف إليه، باعتبارها لونا من الأساليب الجديدة التي استحدثتها المصارف الإسلامية لاستثمار أموالها، وتلبية حاجات العملاء التمويلية بمنأى عن القروض الربوية، وقد أوضح الدكتور القري هذه المعاني بقوله: (والمشاركة المتناقصة صيغة تمويل تعتمد على اشتراك المصرف مع أحد عملائه في شراء أصل من الأصول المنتجة، كطائرة أو عقار أو شركة قائمة.. الخ، والغرض من صيغة المشاركة المتناقصة أن تكون بديلا عن القرض الربوي، حيث يقدم المصرف الائتمان لعملائه على غير أساس الفائدة.

ومن المعلوم أنه عندما يحتاج أحد عملاء المصرف إلى التمويل لشراء أصل من الأصول الكبيرة (مثل العقار أو الطائرة أو السفينة أو البضائع.. إلخ) فإنه يمكن له أن يقترض الثمن من البنك التقليدي الذي يعمل بالفائدة، ثم يشتري ما يريد بذلك المبلغ نقدا، ويسدد إلى المصرف الدائن القرض وفوائده، كما يمكنه أن يحصل على التمويل من المصرف الإسلامي للغرض ذاته، ولكن على أساس المشاركة المتناقصة، وليس القرض.

وصفة ذلك: أن ينشئ المصرف والعميل شركة ذات طبيعة خاصة وغرض محدد، هو شراء ذلك الأصل المطلوب، وتسمى (مشاركة) ، ويشتركان في رأس مالها، فيدفع العميل نسبة ضئيلة لأنه لا تتوفر عنده السيولة الكافية) مثل (5 %) أو أكثر أو أقل، ويدفع المصرف النسبة الباقية. عندئذ يصبح هذا الأصل بعد الشراء ملكا للطرفين بنسبة مساهمة كل منهما في رأس المال. ولما كان غرض العملية هو امتلاك ذلك العميل للأصل، وليس للمصرف رغبة في الإبقاء عليه في ملكه، يتفق الطرفان على قيامه (أي العميل) بشراء نصيب المصرف في المشاركة المذكورة (والمتمثلة في حصة مشاعة في ذلك الأصل) بصفة متدرجة، فإذا كان العميل يرغب في دفع الثمن على مدى عشر سنين مثلا، جعلت حصة المصرف عشر شرائح، وكل شريحة تمثل (10 %) ، ويتفق الطرفان على شراء ذلك العميل لعشر حصة المصرف، أي لشريحة واحدة، في كل سنة، واستئجار النسبة الباقية المملوكة للمصرف، إذا كان العميل يقطن في العقار، وإذا لم يكن جرى تأجيره لثالث، واقتسم إيجاره بين الطرفين) (2) .

(1)(المعاملات المالية، للدكتور شبير، ص 292، نقلا عن: الاستثمار، لأميرة مشهور، ص 286)

(2)

(العقود المستجدة، ضوابطها ونماذج منها، للدكتور محمد القري، العدد العاشر: 2/ 554 من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة.)

ص: 928

صورها:

(7)

توجد صور وتطبيقات متعددة للشركة المتناقصة في الواقع العملي، ولعل أكثرها انتشارا تلك التي يتم بموجبها اتفاق الطرفين على تنزل المصرف عن حصته تدريجيا للشريك (العميل) مقابل سداده ثمنها دوريا. (من العائد الذي يؤول إليه أو من أية موارد خارجية أخرى) وذلك خلال فترة مناسبة يتفق عليها، وعند انتهاء عملية السداد يتم انتقال ملكية حصة البنك كاملة إلى ذلك العميل (الشريك)(1) .

وقال الدكتور القري: (وقد تباينت التطبيقات لهذه الصيغة بين المصارف الإسلامية، فمنها من يجعل رسوم الإيجار السنوي لحصة البنك معلومة محددة ومتفقا عليها عند توقيع العقد، وكذلك ثمن البيع لكل شريحة من حصة البنك، ومنها من يعمد إلى تقويم سنوي لقيمة الأصل في السوق في تاريخ محدد من كل سنة، ثم يحدد بناء عليه ثمن الشريحة من حصة المصرف التي التزم العميل بشرائها كجزء من تلك القيمة، وكذلك يتحدد الإيجار السنوي لما بقي من حصة البنك بنفس الطريقة. ولعل الاتجاه الثاني مرده إلى التوجيه في أن البيوع المضافة إلى المستقبل لا تجوز.

إلا أن التطبيق العملي له لم يكن ناجحا، ذلك لأن الأثمان ربما تغيرت بالارتفاع أو الانخفاض خلال مدة التسديد.. عندئذ ربما يجد العميل نفسه بعد دفع مبلغ كبير لا زال عاجزا عن امتلاك الأصل، لأن قيمة حصة البنك ترتفع باستمرار تزايد الأسعار في الأسواق. وفي الجهة المقابلة ربما وجد المصرف نفسه يحقق خسارة لانخفاض سعر ذلك الأصل عند التثمين السنوي عما كان متوقعا عند التعاقد) (2) .

(8)

ومن جهة أخرى فقد بحث المؤتمرون في مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدبي موضوع المشاركات المتناقصة، وانتهوا إلى أن هذا الأسلوب يمكن أن يكون على إحدى الصور التالية:

(1)(أدوات الاستثمار الإسلامية، لعز الدين خوجة، ص 105)

(2)

(العقود المستجدة، للدكتور القري، مجلة المجمع، العدد العاشر: 2/ 555)

ص: 929

الصورة الأولى:

يتفق البنك مع متعامله على تحديد حصة كل منهما في رأس مال المشاركة وشروطها. وقد رأى المؤتمر أن يكون بيع حصص البنك إلى المتعامل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل، بحيث يكون له الحق في بيعها للبنك أو لغيره، وكذلك الأمر بالنسبة للبنك، بأن تكون له حرية بيع حصصه للمتعامل (شريكه) أو لغيره.

الصورة الثانية:

يتفق البنك مع متعامله على المشاركة في التمويل الكلي أو الجزئي لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق البنك مع الشريك الآخر لحصول البنك على حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلا، مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد أو أي قدر منه يتفق عليه، ليكون ذلك الجزء مخصصا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل.

الصورة الثالثة:

يحدد نصيب كل من البنك وشريكه في الشركة في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشيء موضوع المشاركة (عقار مثلا) ، ويحصل كل من الشريكين (البنك والشريك) على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار.. وللشريك إذا شاء أن يقتني من هذه الأسهم المملوكة للبنك عددا معينا كل سنة، بحيث تكون الأسهم الموجودة في حيازة البنك متناقصة إلى أن يتم تمليك شريك البنك الأسهم بكاملها، فتصبح له الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر (1) .

(1)(أدوات الاستثمار الإسلامية، لخوجة، ص 108.)

ص: 930

مجالات تطبيقها:

(9)

تصلح المشاركة المتناقصة أسلوبا لتمويل المنشآت الصناعية والمزارع والمستشفيات، وكل ما من شأنه أن يكون مشروعا منتجا للدخل المنتظم، كما أنها تصلح طريقة للتمويل العقاري في البيوت السكنية وغيرها كبديل عن القروض الربوية والرهون المرتبطة بها.

أما عن مزاياها؛ فإنها بالنسبة للمصرف: تحقق له أرباحا دورية على مدار السنة، وبالنسبة للشريك: تشجعه على الاستثمار الحلال والتملك المشروع، وتحقق طموحاته المتمثلة في انفراده بتملك العقار أو المنشأة أو المشروع على المدى المتوسط، وذلك بتخارج المصرف تدريجيا من الشركة (1) .

بين الشركة الدائمة والمتناقصة:

(10)

يتمتع المصرف في المشاركة المتناقصة بكامل حقوق الشريك الشرعية في شركة الملك (الدائمة) ، ويتحمل جميع التزاماته وضماناته وتبعات الملك المشترك، غير أنه يختلف عنه في كونه لا يقصد- كما هو مفهوم منذ بداية المراوضة والمواعدة والمفاهمة- البقاء والاستمرار في الشركة، ولهذا فهو يعطي الحق للشريك (العميل) في أن يحل محله في ملكية العقار أو المشروع، ويعرض موافقته على النزول عن حصته الشائعة في أعيان المال المشترك دفعة واحدة أو على دفعات، وفقا للشروط المتفق عليها مقدما، في حين أن المصرف في الشركة الدائمة يقصد الاستمرار فيها حتى حلَّهَا وإنهائها وتصفيتها (2) . ومن جهة أخرى، فإن اتفاقية (المشاركة المتناقصة) تقوم على نظام مرتبطة أجزاؤه ببعض، وضع لأداء وظيفة تمويلية محددة، لم تكن موجودة من قبل.. ولهذا فهي ليست مجرد شركة في شراء أو إجارة عين أو بيع حصة لشريك، ولكنها مزيج من ذلك كله وفقا لشروط تحكمها كمعاملة (صفقة) واحدة لا تقبل التفكيك والتجزئة.

(1)(أدوات الاستثمار الإسلامية، لخوجة، ص111)

(2)

(المعاملات المالية المعاصرة، للدكتور شبير، ص 292.)

ص: 931

المطلب الرابع:

أحكام المشاركة المتناقصة في ضوء ضوابط العقود المستجدة

(11)

تتألف اتفاقية (المشاركة المتناقصة) بحسب المفاهمة الممهدة لإبرامها من مجموعة عقود والتزامات مترابطة متتالية، تهدف إلى أداء وظيفة تمويلية محددة، تواضع طرفاها على تركيبها على النحو الآتي:

أ- الاشتراك في شراء مشروع أو عقار ذي ريع أو غير ذلك.

ب- يتواعد الطرفان:

أولا: على الاشتراك في تأجير ما اشتريا لطرفٍ ثالث، بحيث يستحق كل واحد منهما ما يقابل حصته في الملك من بدل الإجارة، أو على تأجير الطرف (الممول) حصته للعميل (الشريك) .

ثانيا: على أن يقوم الشريك (العميل) بشراء حصة شريكه (الممول) تدريجيا وفق جدول زمني يتفقان عليه، وكلما زادت حصة العميل في المشروع أو العقار نقصت حصة الممول بقدر تلك الزيادة، ونقص تبعا لها نسبة نصيبه في بدل الإجارة.. إلى أن يتم تخارج الممول، حلول العميل محله بالكامل في حصته من ذلك الملك المشترك.

جـ- يؤجر الطرفان الملك المشترك إلى طرف ثالث بعقد إجارة مستقل، ويقتسمان الأجرة بحسب حصة كل منهما في الملك، أو يؤجر الطرف (الممول) حصته للعميل ببدل معلوم في عقد إجارة منفرد.

د- تبرم بين الشريك الممول والشريك العميل عقود متتالية لحصص الممول، وفقا للآجال المتواعد عليها مسبقا، حتى يتم انتقال ملكية نصيب الممول بكامله إلى العميل بموجب تلك العقود المتعددة المتعاقبة، المنفصلة عن بعضها في الإنشاء والتنفيذ والآجال.

(12)

وتتعلق بهذه المعاملة المتكاملة جملة من الأحكام الشرعية نوجزها فيما هو آت:

أ- تعتبر المفاهمة والمواطأة السابقة على إبرام اتفاقية (المشاركة المتناقصة) مرتبطة بها وجزءا منها، وذلك لعدم قابلية تلك المنظومة المترابطة للتفكيك والتجزؤ، باعتبارها موضوعة لأداء وظيفة تمويلية مستحدثة محددة مقصودة من طرفيها (1) .

ب- وكذلك تعتبر الوعود التي تشتمل عليها تلك الاتفاقية ملزمة للطرفين، إذ لو لم تكن كذلك لكان القصد والهدف من إبرامها احتماليا غير مؤكد التحقيق، ولما جاز في الطرفان بالإقدام عليه، لأنها في حقيقتها وبالنظر إلى الغرض منها عبارة عن معاقدة واحدة مركبة من أجزاء مترابطة وفقا لشروط تحكمها كمعاملة واحدة.

(1)(انظر: ف 4، 5 من البحث)

ص: 932

جـ- يقسم الريع أو الربح العائد من تأجير محل الشركة المتناقصة لطرف ثالث أو استثماره لصالحهما بين الشريك (الممول) و (العميل) بحسب حصصهما في ملكيته، وكذلك الخسارة أو التلف اللاحق به، كما هو الحال في شركات الملك، لأن الصفقة تبدأ بينهما بشركة ملك.

وقد توهم بعض الباحثين المعاصرين، فاعتبرها شركة عقد وصنفها في زمرة (العنان) من شركات الأموال (1) . وبنى بعضهم على ذلك جعل الربح والعوائد بينهما فيها بحسب ما يتفقان عليه، والخسارة بحسب حصة كل منهما في ملكيتها (2) . ويشهد لصحة ما قررته من كونها شركة ملك قولُ الكاساني في (البدائع) في معرض بيانه لأنواع الشركات: (الشركة في الأصل نوعان: شركة الأملاك وشركة العقود. وشركة الأملاك نوعان: نوع يثبت بفعل الشريكين، ونوع يثبت بغير فعلهما.

فأما الذي يثبت بفعلهما، فنحو أن يشتريا شيئا، أو يوهب لهما، أو يوصى لهما، أو يُتصدق عليهما، فيقبلا، فيصيرا المشترى والموهوب والموصى به والمتصدق به مشتركا بينهما شركة ملك.

وأما الذي يثبت بغير فعلهما، فالميراث، بأن ورثا شيئا، فيكون الموروث مشتركا بينهما شركة ملك.

وأما شركة العقود، فالكلام فيها يقع في مواضع....إلخ) (3) .

(1)(المعاملات المالية المعاصرة، للدكتور محمد عثمان شبير، ص 294.)

(2)

(انظر: أدوات الاستثمار الإسلامية، لعز الدين خوجة، ص106)

(3)

(بدائع الصنائع: 6/ 56)

ص: 933

(13)

وبناء على ما تقدم، فإن الحكم الشرعي بجواز هذه الاتفاقية يتوقف على أمرين:

أ- أن تكون جميع أجزاء هذه الصفقة من عقود ووعود سائغة شرعا، كل بمفرده.

ب- ألا يترتب على اجتماع هذه العقود والالتزامات في صفقة واحدة أحد المحظورات الآتية:

*أن يكون الجمع بينها محل نهي نص شرعي.

*أن يترتب على الجمع بينها توسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور.

*أن تكون العقود والالتزامات المجتمعة متضادة وضعا أو متناقضة حكما، إذ لا يخفى أن للاجتماع في الشريعة تأثيرا في أحكام لا تكون في حال الانفراد (1) .

(14)

وتطبيقا لهذا الأصل، لو نظرنا إلى كل جزء من أجزاء هذه الاتفاقية المركبة على حدة بعد استكماله شرائطه الشرعية لوجدناه تصرفا جائزا شرعا، وهي:

أ- إنشاء شركة الملك بشرائهما للعقار أو المشروع محل الشركة.

ب- الوعد الملزم الصادر من كل طرف للآخر على تأجير الملك المشترك لطرف ثالث، أو وعد الممول للعميل بتأجير حصته له، باستئجارها.

ولا حرج شرعا في تحديد الأجرة عند المواعدة على تأجير الممول حصته للعميل، لأن المواعدة الملزمة على التأجير في المستقبل ببدل محدد معلوم هي في حقيقتها إجارة مضافة إلى المستقبل، وإن صيغت بلفظ الوعد، والإجارة المضافة إلى المستقبل جائزة شرعا في قول جماهير الفقهاء.

كما أن الإلزام في الوعد هو مذهب جماعة من أهل العلم منهم الأمام السبكي من الشافعية، وهو وجه في مذهب أحمد اختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وقول في مذهب المالكية صححه ابن الشاط في حاشيته على الفروق، وهو محكي عن ابن شبرمة. وقال القاضي ابن العربي: وأَجَلُّ من ذهب إلى هذا المذهب عمر بن عبد العزيز (2) .

(1)(انظر: ف 2 من البحث)

(2)

(انظر: أحكام القرآن لابن العربي: 4/ 1800؛ الأذكار للنووي مع الفتوحات الربانية: 6/ 260؛ فتح الباري: 5/ 290؛المبدع شرح المقنع: 9/ 345؛المحلى لابن حزم:8/ 28؛ طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي: 10/ 232؛ الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي، ص 331، حاشية ابن الشاط على الفروق للقرافي: 4/ 24)

ص: 934

ج- الوعد الملزم الصادر من العميل للممول بشراء حصته من الملك المشترك تدريجيا على مراحل متتالية محددة، وبعقود مستقلة، ومن الممول للعميل ببيعها له بعقود متعاقبة مفردة في الآجال المتفاهم عليها مسبقا، حتى يتم انتقال ملكية جميع حصته إلى شريكه (العميل) .

د- عقد الإجارة المبرم للعقار أو المشروع بينهما وبين طرف ثالث، أو بين الممول في حصته والعميل بأجر معلوم ولمدة محددة وفقا للمواعدة السابقة.

هـ- عقود البيع المنفصلة المتتالية لحصة الطرف الممول إلى العميل وفقا للجدول الزمني الذي تواعدا عليه.

(15)

كما أننا لو نظرنا إلى هذه العقود والالتزامات مجتمعة في صفقة واحدة، وفقا للمفاهمة المسبقة لها، المنضمة إليها، لن نجدها محل نهي في نص شرعي، ولم نر فيها جمعا بين تصرفين متناقضين وضعا أو متضادين حكما، كما أنه لا يترتب على الجمع بينها توسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور إذا تحققت الشروط التالية:

أولا: ألا تتضمن المفاهمة أو المواعدات السابقة لعقود البيع المتتالية لحصة الممول إلى العميل تحديدا لثمن تلك الحصة الموزعة عليها وفقا للآجال المتفق عليها، إذ لو تضمنت ذلك لكانت المواعدة الملزمة على إبرام كل واحد من تلك العقود- في حقيقتها- بيعا مضافا إلى المستقبل في صورة وعد ملزم من الجانبين، وهو غير جائز شرعا في قول جماهير أهل العلم، إذ العبرة في العقود لحقائقها ومقاصدها لا لألفاظها وظواهرها.

يقول الأمام ابن تيمية: (الأسماء تتبع المقاصد، ولا يجوز لأحد أن يظن أن الأحكام اختلفت بمجرد اختلاف الألفاط ولم تختلف معانيها ومقاصدها، بل لما اختلفت المقاصد بهذه الأفعال، اختلفت اسماؤها وأحكامها، وإنما المقاصد حقائق الأفعال وقوامها، وإنما الأعمال بالنيات)(1) .

(1)(بيان الدليل على بطلان التحليل، لابن تيمية، ص 140)

ص: 935

والواجب في المفاهمة والمواعدة أن تكونا على أساس بيع الحصص بالقيمة (ثمن المثل / سعر السوق) عند إبرام كل عقد بيع مستقل في أجله، إذ لو حدد ثمن حصص الممول فيها بما قامت عليه- أو بأكثر- لأدى ذلك إلى مسألة خفية محظورة، وهي ضمان العميل للممول رأس مال المشاركة الذي ساهم فيه، بالإضافة إلى ربح أو ريع حصته في العقار أو المشروع المشترك، ولانطوت (المشاركة المتناقصة) على توسل بعقود ووعود جائزة بمفردها إلى قرض ربوي يترتب على اجتماعها في صفقة واحدة، وخصوصا عند اقتران اتفاقية المشاركة المتناقصة بتأمين العميل على محل تلك المشاركة لدى شركات التأمين، كما هو ممول به لدى كثير من المؤسسات المالية الإسلامية.

ثانيا: أن تنشأ وتبرم العقود والالتزامات المجتمعة في هذه الاتفاقية متتالية متعاقبة منفصلة على النحو الذي بيَّنْتُه في (ف11) ، إذ لو أبرمت دفعة واحدة عقب المفاهمة لأدى ذلك إلى محظورات شرعية عديدة، منها البيع المضاف إلى المستقبل، وتأجير وبيع ما لا يملك من الأعيان، والبيع بثمن مجهول.

ثالثا: اشتراك الممول والعميل في ضمان (غرم) الخسارة في حال وقوعها بحسب حصصهم في الملك، كيلا تكون هذه العملية التمويلية حيلة للقرض الربوي، حيث لا بد فيها من وجود الإرادة الحقيقية للمشاركة من الطرفين، وأن يتحملا جميع ضروب الخسارة والتلف والنقصان مقابل استحقاقهم للأرباح والعوائد إن تحقق شيء من ذلك خلال فترة المشاركة.

والله أعلم.

ص: 936

الخاتمة

وتتضمن أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث، وهي:

(1)

إن من أبرز العقود المستجدة في العصر الراهن الاتفاقيات الجامعة التي تشتمل على وعود وعقود مسماة متعددة في صفقة واحدة، بحيث تعتبر موجبات نلك العقود والوعود، وجميع الحقوق والالتزامات المترتبة عليها جملة واحدة، لا تقبل التفريق والتجزئة، بمثابة آثار العقد الواحد.

(2)

والأصل الفقهي أن كل صفقة تضمنت عقودا ووعودا جائزة شرعا عند الانفراد، أن تكون كذلك عند الاجتماع، ما لم يكن هناك مانع شرعي خاص من اجتماعها. والموانع الشرعية من ذلك ثلاثة:

أ- أن يكون الجمع بينها محل نهي في نص شرعي.

ب- أن يترتب على الجمع بينها توسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور.

ج- إلا تكون آحادها متضادة وضعا أو متناقضة حكما.

(3)

وتعتبر المواطأة (المفاهمة) السابقة للعقود والالتزامات المجتمعة في صفقة واحدة مرتبطة بالاتفاقية الجامعة لها، ومؤثرة على حكمها التكليفي والوضعي، ولو لم يصرح بها حال التعاقد، ما دامت الاتفاقية معتمدة عليها، كما أنه يعتبر في حكم المواطأة اللفظية المواطأة العرفية.

(4)

وتُعَرَّف (المشاركة المتناقصة) بأنها: (اتفاق طرفين على إنشاء شركة ملك مؤقتة بينهما في عقار أو مشروع أو غير ذلك، تنتهي بانتقال حصة أحد الشريكين (الممول) إلى الآخر تدريجيا بعقود بيع مستقلة متعاقبة) .

وهي تقوم على نظام مرتبطة أجزاؤه ببعضها، وضع لأداء وظيفة تمويلية محددة مستحدثة، ولهذا فهي ليست مجرد شركة في شراء، أو لإجارة عين، أو بيع حصة لشريك، ولكنها مزيج من ذلك كله، وفقا لشروط تحكمها كمعاملة واحدة لا تقبل التفكيك والانفصال.

(5)

وتتعلق بهذه المعاملة المتكاملة الأحكام الشرعية الآتية:

أ- تعتبر المواطأة (المفاهمة) السابقة على إبرام اتفاقيتها مرتبطة بها وجزءا منها.

ب- تعتبر الوعود التي تشتمل عليها ملزمة للطرفين.

جـ- يقسم الريع أو الربح العائد من تأجير محلها لطرف ثالث أو استثماره لصالحهما بين الطرفين بحسب حصصهما في ملكيته، وكذلك الخسارة أو التلف اللاحق به.

(6)

يجوز التعامل باتفاقية (المشاركة المتناقصة) إذا توافرت الشروط الآتية:

أ- ألا تتضمن المفاهمة أو المواعدات السابقة لإبرام عقود البيع السابقة المتتالية تحديدا لثمن الحصة الموزعة عليها، إذ يجب ترك تحديده إلى وقت إبرام كل عقد بيع مستقل في أجله وفقا للقيمة السوقية (ثمن المثل) .

ب- أن تنشأ وتبرم الوعود ثم العقود المجتمعة فيها متتالية متعاقبة منفصلة، احترازا من الوقوع في بعض المحظورات الشرعية كالبيع المضاف إلى المستقبل، وتأجير وبيع ما لا يملك الشخص من الأعيان، والبيع بثمن مجهول.

جـ- اشتراك الطرفين (المموِّل والعميل) في تحمل تبعة الخسارة في حال وقوعها بحسب حصصهم في الملك، مقابل استحقاقهم للأرباح والعوائد إن تحقق شيء من ذلك خلال فترة المشاركة.

ص: 937

ملخص البحث

(1)

المشاركة المتناقصة: هي اتفاق طرفين على إحداث شركة ملك مؤقتة في عقار أو مشروع أو غير ذلك يشتريانه، تنتهي بانتقال حصة أحد الشريكين إلى الآخر تدريجيا بعقود بيع مستقلة متعاقبة وفقا للشروط المتفق عليها.

(2)

وتقوم اتفاقيتها على نظام مرتبطة أجزاؤه ببعضها، وضع لأداء وظيفة تمويلية محددة مستحدثة. ولهذا فهي ليست مجرد شركة ملك، أو إجارة عين، أو بيع حصة لشريك، ولكنها مزيح من ذلك كله وفقا لشروط تحكمها كمعاملة (صفقة) واحدة لا تقبل التفكيك والتجزئة.

(3)

وتتألف بحسب المفاهمة الممهدة لإبرامها من مجموعة عقود والتزامات مترابطة متتالية على النحو التالي:

أ- الاشتراك في شراء مشروع أو عقار ذي ريع أو غير ذلك.

ب- يتواعد الطرفان على ما يلي:

أولا: الاشتراك في تأجير ما اشتريا لطرف ثالث أو تأجير الطرف (الممول) حصته للشريك (العميل) .

ثانيا: أن يقوم الشريك (العميل) بشراء حصة شريكه (المموِّل) تدريجيا، وفق جدول زمني يتفقان عليه. وكلما زادت حصة العميل في المشروع أو العقار نقصت حصة الممول بقدر تلك الزيادة، ونقص تبعا لها نسبة نصيبه في بدل الإجارة، إلى أن يتم تخارج الممول، وحلول العميل محله بالكامل في حصته في ذلك الملك المشترك.

ج- يؤجر الطرفان الملك المشترك إلى طرف ثالث بعقد إجارة مستقل، ويقتسمان الأجرة بحسب حصة كل منهما في الملك، أو يؤجر الطرف (الممول) حصته للعميل ببدل معلوم في عقد إجارة منفرد.

ص: 938

د- تبرم بين الشريك الممول والشريك العميل عقود بيع متتالية لحصص الممول وفقا للآجال المتواعد عليها مسبقا، حتى يتم انتقال ملكية نصيب الممول بكامله إلى العميل بموجب تلك العقود المتعددة المتعاقبة، المنفصلة عن بعضها في الإنشاء والتنفيذ والأجل.

(4)

وتتعلق بهذه المعاملة المتكاملة الأحكام الشرعية الآتية:

أ- تعتبر المفاهمة (المواطأة) السابقة على إبرام الاتفاقية مرتبطة بها وجزءا منها.

ب- تعتبر الوعود التي تشتمل عليها ملزمة للطرفين.

ج- يقسم الريع أو الربح العائد من تأجير العقار أو المشروع لطرف ثالث أو استثماره لصالحهما بين الشريك (الممول) والعميل بحسب حصصهما في ملكيته. وكذلك الخسارة أو التلف اللاحق به.

(5)

وبناء على ما تقدم، فإن الحكم الشرعي بجواز هذه الاتفاقية يتوقف على أمرين:

أ- أن تكون جميع أجزاء هذه الصفقة من عقود ووعود سائغة شرعا، كل بمفرده.

ب- ألا يترتب على اجتماع هذه العقود والالتزامات في صفقة واحدة أحد المحظورات الآتية:

* أن يكون الجمع بينهما محل نهي في نص شرعي.

*أن يترتب على الجمع بينهما توسل بما هو مشروع إلى ما هو محظور.

*أن تكون العقود والالتزامات المجتمعة متضادة وضعا أو متناقضة حكما. إذ لا يخفى أن للاجتماع في الشريعة تأثيرا في أحكام لا تكون في حال الانفراد.

(6)

ولما كان كل ما في هذه الاتفاقية من عقود ووعود جائزا بمفرده باستكمال أركانه وشروطه الشرعية، كما أنه لا يترتب على اجتماعها أحد المحظورات الآنفة الذكر، فإنها تعتبر سائغة في النظر الفقهي إذا تحققت الشروط الآتية:

أ- ألا تتضمن المفاهمة أو الوعود السابقة لعقود البيع المتتالية تحديدا للثمن في كل منها بمقدار أصل المبلغ المقدم للمشاركة، لوجوب تحديده باعتبار القيمة السوقية للحصة عند إبرام كل عقد بيع مستقل في أجله، تجنبا لضمان العميل رأس مال المشاركة للممول.

ب- أن تبرم العقود والالتزامات المجتمعة في هذه الاتفاقية متتالية متعاقبة منفصلة على النحو المبين في (ف3) ، إذ لو أبرمت دفعة واحدة عقب المفاهمة لأدى ذلك إلى الوقوع في محظورات متعددة، منها: البيع المضاف إلى المستقبل، وتأجير وبيع الشخص ما لا يملك من الأعيان، والبيع بثمن مجهول.

جـ- اشتراك الممول والعميل في ضمان (غرم) الخسارة في حال وقوعها بحسب حصصهم في الملك المشترك، مقابل استحقاقهم للأرباح والعوائد، كيلا تكون هذه المعاقدة التمويلية حيلة إلى قرض ربوي.

ص: 939