المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

‌حقوق الإنسان

بين

الإعلانين الإسلامي والعالمي

والدستور الإسلامي الإيراني

إعداد

الشيخ محمد على التسخيري

الجمهورية الإسلامية الإيرانية

وبحثنا هذا سيقع - بعونه تعالى - في ثلاثة فصول

الفصل الأول: حقوق الإنسان وتطور مفهومها.

الفصل الثاني: مقارنة بين الإعلانين العالمي والإسلامي ل حقوق الإنسان.

الفصل الثالث: حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق.

ص: 140

الفصل الأول

حقوق الإنسان وتطور مفهومها

لكي نتجنب الإبهام في الحديث، لابد أن تتضح تعاريف كل مصطلح نطرحه، وهذا المعنى يتعمق أكثر عندما نتحدث بلغة قانونية، وبتأكيد أكثر عندما نريد أن يطبق على المستوى العالمي.

العلاقة بين المسألتين الفلسفية والاجتماعية:

والغريب حقا لمن يستعرض مفاهيم الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان أنه يجد استعمالا لكثير من المصطلحات دون توضيح لحقيقة القصد فيها.

فما هو الحق؟ ومن هو الإنسان الذي نتحدث عنه؟

وما هي الحيثية الذاتية للإنسان؟

وما المقصود بالعائلة الإنسانية، والأُخوَّة، والتساوي، والعلاقات الودية، والروح الإنسانية

وأمثال ذلك؟

ويتجلي لنا الإبهام أكثر عندما نلاحظ أن هذا الإعلان العالمي أريد أن يطرح بمنأى عن المسألة العقائدية، أو فليعبر (بالمسألة الفلسفية) أي موضوع تحديد الموقف من الكون والحياة والإنسان.

وذلك تأثرا بالاتجاه الرأسمالي الذي يطرح أفكاره الاجتماعية بعيدا عن المسألة الفلسفية، مدعيا أن لا علاقة بينهما، في حين إننا نعتقد أن العلاقة بينهما منطقية.

"إن الأيديولوجية مهما كانت، تستمد جذورها من الواقع فلا يعرف الإنسان ما ينبغي أن يكون إلا بعد أن يعرف ما هو كائن وما هي متطلبات الواقع.

ويتأكد هذا المعنى عندما نتصور الإنسان مثلا يعتقد بألوهية البارئ - جل وعلا - وبأنه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وهو الإسلام ينظم كل جوانب الحياة، مثل هذا الإنسان لا يمتلك بعد هذا التصور إلا خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يتبع الأيديولوجية الإسلامية ويصبغ كل سلوكه بها، أو يكفر بتصوره الماضي ويجحد به بعد أن تستيقنه نفسه.

نعم إذا امتلك الإنسان تصورا ماديا عن العالم فستكون أمامه أيديولوجيات بديلة وآلهة مختلفة، كلٌّ يجره إلي سبيله:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر: 29] ، بل سوف لن يكون أمامه أي مبرر للاتجاه إلى أيديولوجية معينة (1) .

يقول المرحوم المفكر الشهيد مطهري: "إن الأيديولوجية تقوم بشكل أساس على نوعية التصور عن العالم.. إن الأيديولوجية هي من نوع الحكمة العلمية، والتصور هو من نوع الحكمة النظرية، وكل نوع من الحكمة العلمية مبني على نوع خاص من الحكمة النظرية (2) .

ويقول الأستاذ الشهيد الصدر: "إن المسألة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياة، ولا تتبلور في شكل صحيح إلا إذا أقيمت على قاعدة مركزية تشرح الحياة وواقعها وحدودها، والنظام الرأسمالي يفقد هذه القاعدة فهو ينطوي على خداع وتضليل، أو على عجلة وقلة أناة، حين تجمد المسألة الواقعية للحياة وتدرس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها ".

وعندما نعود إلى الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان نجده يتناسى هذه المسألة تماما، رغم أنه يتحدث عن المصطلحات التي أشرنا إليها.

وسنعود إن شاء الله إلى هذا الموضوع في محله الخاص (3) .

وعلى أي حال:

فينبغي أن نعرف أولا ما هو الحق؟ وما هو الإنسان؟ حتى نسير بشكل منطقي لمعرفة ما حدث من تطور في مجال حقوق الإنسان.

(1) نحو الدستور الإسلامي، للكاتب، ص 15.

(2)

الوحي والنبوة، للأستاذ الشهيد المطهري.

(3)

فلسفتنا، ص 18 - 19.

ص: 141

الحق:

وعندما نعود إلى جذور هذا المصطلح نجده يعني الثبوت الذي لا يقبل التغيير، حين الاستعمال على الأقل، فالله تعالى هو الحق ولا يمكن تصور التغيير فيه - جل وعلا - والخبر المطابق للواقع حق حين الإخبار ولا معنى لتصور التغيير في الحقيقة هذه رغم ادعاءات (النسبيين) الواهية، وهذا معنى واقعي لا معنى للاعتبار الذهني أو التشريعي فيه، ولكن على هذا الغرار انتزع مفهوم اعتباري وثبوت اعتباري وأطلق عليه هذا اللفظ واستعمل في مجال العلاقات الاجتماعية والسلوك الفردي كحق الحرية.

فالحقوق الاجتماعية - على هذا - لابد وأن تتوفر على عنصرين:

الأول: نشوؤها من حالة واقعية (تركيب تكويني، مصلحة واقعية) .

الثاني: توافق واعتبار شرعي أو عرفي لها كي تنتظم الحياة الاجتماعية.

وربما أمكن أن يقال: إن العنصر الأول بنفسه كاف في ثبوت الحق، إلا أن الانعكاس الاجتماعي يتطلب بطبيعة الحال العنصر الثاني. فالحق إذن حاجة ثابتة بشكل طبيعي، وأكدها وحولها الاعتبار إلى حالة قانونية.

ص: 142

الإنسان.

أما الإنسان فإننا لا نستطيع أن ننظر إليه كموجود مادي بحت تصوغه الطبيعة وتشكله البيئة الاجتماعية بكل ما فيه، فكل ما يتضمنه المعنى الإنساني إن هو إلا الانعكاسات الاجتماعية كما يقول دوركهايم، أو الصياغة العقدية كما يؤكدها فرويد، أو المحصول الاجتماعي كما يتصوره ماركس، أو الوجودات الذهنية كما ينقل عن باركلي، أو ما إلى ذلك من تصورات مادية.

إن مثل هذا الموجود لا يمكن الحديث عن حقوقه. وهل هناك مجال للحديث عن حقوق الحديد والخشب والماء؟!

إذن علينا قبل كل شيء أن نتصور الإنسان متميزا عن غيره من الأشياء، يتمتع بمخزون خاص ودوافع ذاتية معينة تتطلب بذاتها وفي حد نفسها ظروفا معينة، وتنشد مراحل تكاملية على أساس من مخطط مسبق، وحينئذ يمكن تصور بعض (الثبوتات) = (الحقوق) لمثل هذا الموجود.

وبتعبير مختصر: علينا أن نؤمن بنظرية (الفطرة الإنسانية) أولا ثم نتحدث عن حقوق الإنسان، والعدالة، والحرية، والكرامة، والتساوي، والروح الإنسانية

وأمثال ذلك.

وإلا فما معنى الحديث عن هذه المفاهيم إذا لم نؤمن بالفطرة بمعناها الإسلامي السامي الشامل للإدراكات البديهية، والتوجيهات العملية الخلقية، والدوافع التكاملية.

"فيجب إذن أن يكون هناك خط فطري وإطار خاص بالإنسان إذا تجاوزه لم يعد إنسانا، حتى تكون هناك تربية، وحتى يصدق التعبير المعروف (اغتراب الإنسان عن ذاته)(1) .

وعليه: فالإنسان الذي يمكن أن نتصور له حقوقا هو الموجود الذي يمتلك بطبيعته عناصر فطرية تولد معه وتبقى معه، وهي تتطلب - في الواقع - مسيرة معينة إذا خرج عنها خرج عنها خرج عن (الصفة الإنسانية) :{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19]{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179] .

وإذا عومل معاملة تخالف فطرته كانت تلك الممارسة لا إنسانية، وبهذا نجد فرعون حين استضعف قومه وأفقدهم حقوقهم يقع موقع النقد الإنساني {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] ، إذن وزنه الطبيعي وبالتالي حقوقه الطبيعية وأي استخفاف بها ممارسة لا إنسانية.

هذا هو الإنسان كما نعرفه، ولا يمكن لأي لائحة أو إعلان منطقي أن يتحدث عن حقوقه إن لم يقبل هذا التعريف.

(1) في الطريق إلى الله، للكاتب، ص 19.

ص: 143

حقوق لا يعرفها الفكر المادي مطلقا:

على ضوء ما تقدم نعرف أن حقوق الإنسان هي الحالات الطبيعية التي يحتاجها الإنسان بطبيعته وفطرته لكي يطوي مسير تكامله الفطري.

ولكن من المناسب التعرض إلى بعض الحالات الطبيعية التي يحتاجها الإنسان بطبيعته، لكي يطوي مسيرته التكاملية، ويمكن أن نلخصها بالحاجات المادية، والحاجات الأخلاقية، والحاجات التشريعية الحضارية.

أ - الحاجات المادية:

وتشمل الاحتياجات الطبيعية للتغذية والأمن واللباس والتأمين الصحي والمأوى، وكل ما يبقى الإنسان فردا نشطا حيا في المجتمع، كما تتضمن كل ما يتطلبه الإنسان من إشباع للحاجات الجنسية والميول التناسلية ورعاية الطفولة والأمومة

وأمثال ذلك مما يبقي النسل البشري حيا فعالا.

ب - الحاجات العقلية المعنوية:

وتتضمن الحاجة إلى الحرية الفكرية والتنمية العقلية والتأمل الحر في الكون، وتنمية الحس الفلسفي، وتقوية المنطق في تصور الأشياء، كل ذلك حاجة إنسانية أصيلة لا يمكن أن تنكر.

ج - الحاجات الأخلاقية:

وهي اتجاهات وميول طبيعية في الوجود الإنساني تتطلب إشباعات مناسبة، فالحاجة إلى التربية الواقعية، وتوفير الجو المناسب لنمو الحس الجمالي والأخلاقي، ونفي كل ما لا ينسجم والصفاء الفطري، وتوفير جو الرحمة والعطف. وبالتالي توفير كل ما هو إنساني إنما يعبر عن حاجة فطرية أصيلة. ومن هذه النزعات الأخلاقية - بلا ريب - نزعته نحو التدين تجاه خالقه الوحيد.

د - الحاجة التشريعية الحضارية:

تعني حاجة الإنسان لتشكيل المجتمع، وما يتطلبه هذا التشكيل من تشريع عملي مؤقت أو حضاري مستمر، وبالتالي حاجته للوصول إلى أدق السبل لتحقيق النزعة الفطرية نحو السعادة، وهذا يتطلب إشباع حاجه التشريعية بأفضل السبل.

وعلى هذا الأساس نعتقد أن حقوق الإنسان تتجاوز كل ما قيل وطرح من حقوق إلى أمور أخرى نستطيع أن نعبر عنها بحق التعبد والتدين وحق الرعاية الخلقية، بل وحق الوصول إلى الدين القيم وأمثال ذلك.

وهذا الحق هو مبنى البحث الديني المهم في مجال الحاجة إلى الأنبياء، وإن الدين لطف بالإنسان، وإن الله تعالى هو منبع اللطف والرحمة مما يؤدي للقول بوجوب بعثة الأنبياء وجوبا لطفيًا، ولن نطيل الحديث في هذا المجال بل نتركه إلى مظانه.

ص: 144

ملاكات تشخيص الحقوق الإنسانية:

طرحت أو ربما تطرح في هذا المجال معايير وملاكات من قبيل (العرف، العقلاء، القانون، الدين، المصلحة والمفسدة، اللذة والألم، العواطف، العقل، مقتضيات العدالة

وما إلى ذلك) .

وهذه الأمور إما أن تكون مصادر للحق أو أن تكون من الكواشف عنه، أو من اللوازم له أو غير ذلك، وعلى أي حال، فيجب قبل تعيين الملاك لتشخيص كون هذا الأمر حقا إنسانيا وعدمه أن نلاحظ الأمرين التاليين:

أولا: ما أشرنا إليه من معنى الحق ومعنى الإنسان ونوازعه وحاجاته الأصلية.

ثانيا: أن نرجع إلى مقياس يتوفر لدى الإنسان بغض النظر عن تلونه بالأشكال والطبائع الاجتماعية، وإلا لفقدنا صفة التعميم والشمول التي هي مقتضى طبيعة كونه إنسانا محضا.

فما هو إذن هذا المقياس الذي يكشف عن الحاجة الطبيعية الثابتة للوجود الإنساني المتكامل على طريق الفطرة؟

إننا لا نجد أمامنا إلا الوجدان المتوفر عند كل إنسان بذاته وذلك بمعناه الأعم من الوجدان الفكري والوجدان الأخلاقي، بل إننا لو اقتصرنا على الوجدان الأخلاقي المتوفر في أي إنسان استطعنا أن نكتشف أصول الحقوق الإنسانية إجمالا بلا ريب، ولا بأس بعد ذلك من حصول الاختلاف في المصاديق والتطبيقات.

وسنرى أن الوجدان نفسه يقودنا إلى وسيلة للوثوق بصحة المصاديق هذه، مما يمنحنا الصورة التفصيلية لهذه الحقوق.

وإذا عدونا الوجدان فإننا لن نجد أمامنا معيارا لا لمعرفة الحقوق فحسب بل لأية معرفة إنسانية وحينئذ نتصور الإنسان حبيس ذاته على الصورة التي أرادها له (باركلي) .

إن الإنسان بلا وجدان (بالمعنى الأعم) يفقد أي صبغة إنسانية، فهو الخشب بعينه ولا حقوق للخشب.

ولكن ما هو الوجدان نفسه؟ ربما لا نستطيع أن نستدل عليه إلا به، ومن أنكر الوجدان وحكمه فلن نقدر على إقناعه مطلقا.

فبالوجدان نصل إلى ما انقطع به من أحكام عقلية تشكل أساسا لمعرفتنا كلها، وبه أيضا نصل إلى ما مؤمن به جميعا من حسن في الأفعال وقبح فيها لتبنى عليها كل البنى الأخلاقية والاجتماعية.

وربما انطلق هؤلاء الذين كتبوا الإعلان العالمي من منطلقات وجدانية فطرية دون أن يشعروا، رغم أنهم فصلوا قضية الحقوق عن قضية الإيمان بالوجدان ومقتضياته.

فالوجدان هو الذي يؤكد حسن العدل وقبح الظلم، والوجدان هو الذي يؤكد حق الحياة وحق الحرية وحق الكرامة الإنسانية، وهو الذي يؤكد التساوي بين الأجناس باعتبارها الإنساني، وهكذا حقوق الأمومة والحقوق الجنسية وغيرها.

ص: 145

أما كيفية الوصول إلى المصاديق التفصيلية للحقوق فلا نجد لها إلا سبيلين:

الأول: الاستقراء الكامل للسلوكات الإنسانية، وطرح كل الطوارئ واكتشاف المشتركات رغم اختلاف الظروف، وهو مقياس ناقص ربما لا يمكن تحققه كعملية تحقيقية، كما ربما لا يمكن الوصول - لو أمكن تطبيقه - إلى نتائج كثيرة.

الثاني: الدين باعتبار الوجدان دليلا على أسسه التصويرية من خلال القدرة العقلية التي تقود الإنسان إلى اكتشاف سر هذا النظام الكوني الرائع والوجود المطلق الكامل الذي خلق هذا الكون، هذا الوجود الغني بذاته، والعليم الحي اللطيف، وهو بمقتضى لطفه يرسل أنبياءه بالدين ليوضحوا للبشرية الصورة التفصيلية لحقوقها الفردية والاجتماعية، ويكشفوا المنهج الأفضل للسير على طريق التكامل.

فأما الإيمان بالدين أو الاكتفاء بتلك الصورة الإجمالية الناقصة، والتي هي بدورها وليدة الإيمان بنظرية الفطرة الإنسانية، فإذا أنكرها أحد لم يكن من المنطقي له أن يتحدث عن حق وخلق إنساني كما مر بنا سابقا.

ص: 146

اللمحات الإنسانية الحقوقية عبر التاريخ:

ويمكننا أن نجزم - بحق - بأن الوجدان الإنسان أولا ثم التعامل الديني الواسع الأبعاد في التأثير التاريخ تركا أثرهما على مسيرة الحقوق الإنسانية وحتى على مستوى الأساطير.

يقول العلامة الجعفري في كتابه القيم بهذا الصدد:

"من البديهي أن هدف إصلاح العلاقات الإنسانية.. يشكل احتراما عمليا لبيان مواد الحقوق العالمية للإنسان في ذهن الأفراد المتقدمين فكريا باستمرار.. وعلى هذا الأساس نشاهد بعض العبارات والمواد المختلفة باعتبارها أخلاقًا أو حقوقًا أو عناصر ثقافية بين الشعوب والأقوام المختلفة". (1)

ويقول جورج سابايين:

"وبشكل عام فإن اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد قالوا بأن الحقوق الطبيعية خالدة وغير متغيرة، في حين أن أوضاع الإنسان وأحواله متغيرة، فإذا استطعنا اكتشاف هذا القانون الثابت وغير المتغير وحققنا الانسجام بينه وبين الحياة الإنسانية، فإن الحياة البشرية سوف تصبح إلى حد ما منطقية وعقلانية، وسوف تقل الشرور والفساد، فمرتبة الكمال الإنساني هي أن تتبع القانون الطبيعي الثابت، ويمكن تلخيص هدف هذه الفلسفة في الجملة التالية:

"البحث عن الثابت بين المتغيرات، والوحدة بين المتنوعات". (2)

وإذا ما تتبعنا آراء الفلاسفة والمؤرخين والشعراء عبر التاريخ لمحنا الكثير من العبارات المعبرة عن هذا التأثير الوجداني العميم.

هذا هو سيسرون الفيلسوف (43- 106م) يؤكد على أن الحقوق لا تقوم على أساس التصور والظن، بل إن العدالة الطبيعية الثابتة واللازمة تقوم على أساس من الوجدان الإنساني (3) .

(1) الحقوق الإنسانية العالمية، ص 16.

(2)

جورج ساباين، تاريخ الفلسفة السياسية: 77/1.

(3)

جور دل وكيو، في تاريخ فلسفة الحقوق، ص 67.

ص: 147

وهنا نذكر بأن مؤرخي الحقوق وتطورها يعبرون المرحلة الإسلامية في خطوة طويلة حتى يبلغ القرن الثامن عشر، حيث صدر الإعلان الفرنسي العالمي ل حقوق الإنسان في 28 أوغست 1789م والذي عاد جزءًا من الدستور الفرنسي في 3 سبتمبر 1791م غافلين أو متغافلين عن أن الإسلام بإشراقه على العالم قدم أروع لائحة تفصيلية ل حقوق الإنسان من خلال تعليمات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهو ما شكل لحد الآن أساسًا قانونيًّا لكل أنماط الممارسات الإنسانية للمسلمين عبر التاريخ، أما الإعلان الإسلامي الذي صدر مؤخرًا فما هو إلا محاولة جيدة لكتابة هذه الحقوق المعلنة بالشكل المتعارف اليوم، وإلا فإن الآيات التالية مثلًا هي إعلان قانوني تاريخي لحقوق إنسانية ثابتة:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء:70] .

{مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32] .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] .

وغير ذلك من النصوص التشريعية الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الطاهرين مما ترك أثره في مجال الفكر الإسلامي صورًا رائعة. (1)

(1) تراجع في هذا الصدد (رسالة الحقوق) ، للإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) ، حيث اشتملت على كل الحقوق المتبادلة.

ص: 148

إلا أننا إذا أردنا أن ندرس سير الفكر الحقوقي المتأخر فإن الإعلان الفرنسي - رغم استفادته من الإعلان الحقوقي الإنجليزي الصادر في نفس العام وإعلان الاستقلال لثلاث عشرة مستعمرة أمريكية والصادر قبله بثلاثة عشر عامًا - قد استطاع أن يقدم لائحة متقدمة جدًّا في هذا المضمار، حيث طرح في مادته الأولى حق الحرية والمساواة، وفي الثانية حق الحرية والملكية والأمن والدفاع ضد الظلم، وفي الثالثة منح الشعب حقوقه في الحاكمية، وفي الرابعة أكد على الحرية الشخصية غير المتعدية على حريات الآخرين، وفي الخامسة منح القانون حق منع الضرر، وفي السادسة أكد حق الاشتراك في صياغة القانون لكل الأفراد، وفي السابعة أكد المساواة أمام القانون وحيازة الوظائف، وفي الثامنة قرر أن لا عقوبة دونما قانون، وفي التاسعة أكد فكرة المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وفي العاشرة طرح حرية العقيدة، وفي الحادية عشرة قرر حرية البيان، وفي الثانية عشرة قرر فكرة ضمان الحقوق بتشكيل قوة مسلحة، وفي الثالثة عشرة أجاز أخذ الضرائب لتأمين هذا التشكل، وفي الرابعة عشرة أعطى للناس حق الإشراف على الموظفين، وفي السادسة عشرة اعتبر المجتمعات التي لا تقبل حقوق الإنسان وانفصال القوى الحاكمة عن بعضها مجتمعات لا دستور لها، وأخيرًا قرر في المادة السابعة عشرة عدم جواز سلب الملكية إلا للمصلحة العامة.

وهكذا جاء هذا الإعلان المهم ليشكل قانونًَا اقتبسته الدول الأخرى شيئًا فشيئًا.

واستمرت التحولات حتى تمت الموافقة في الأمم المتحدة على الإعلان العالمي لـ حقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية إذ وقع عليه (48) عضوًا، وامتنع عن التصويت الأقطار الشيوعية (روسيا، بيلوروسيا، أوكرانيا - تشكوسلوفاكيا، يوغسلافيا، وبولندا) وأفريقيا الجنوبية والسعودية، وطبعًا كانت الدوافع لدى هذه الأقطار مختلفة.

* * *

ص: 149

نص الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان

لما كان التعرف على الحيثية الذاتية لكل أعضاء العائلة البشرية والحقوق المتساوية وعدم إمكان إسقاطها يشكل أساسًا للحرية والعدالة والسلام في العالم.

وانطلاقًا من أن عدم الاعتراف بالحقوق الإنسانية وتحقيرها قد آل إلى وقوع أعمال وحشية، مما أدى بالروح الإنسانية إلى العصيان وبدو عالم يتحرر فيه الإنسان من أي قيد على التعبير والعقيدة وأي خوف من الفقر والحرمان وذلك أسمى الآمال البشرية.

ولما كانت الحقوق الإنسانية في الأساس يجب أن تصان عبر تنفيذ القانون لئلا يضطر الإنسان للنهضة باعتبارها آخر علاج ضد الظلم والضغط.

وباعتبار أنه وبطبيعة الحال يجب تشجيع العلاقات الودية بين الشعوب.

ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعلنت من جديد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان والمقام والقيمة الفردية للإنسان وتساوي حقوق الرجل والمرأة في الإعلان بعزم راسخ على دعم التقدم الاجتماعي وإيجاد وضع حياتي أفضل في بيئة أكثر حرية.

ولما كانت كل الدول قد تعهدت بتأمين الاحترام العالمي والرعاية الواقعية لـ حقوق الإنسان والحريات الأساسية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة.

وحيث إن حسن التفاهم المشترك بالنسبة لهذه الحقوق والحريات يمتلك كل الأهمية في التنفيذ الكامل لهذا الالتزام.

فإن الجمعية العامة تعتبر هذا الإعلان لـ حقوق الإنسان هدفًا ساميًّا مشتركًا لكل الناس وكل الشعوب، ليأخذ كل الأفراد وكل أركان المجتمع هذا الإعلان بعين الاعتبار دائمًا، ويجاهدوا في سبيل توسيع احترام هذه الحقوق والحريات من خلال التعليم والتربية، ويؤمنوا الاعتراف والتنفيذ الواقعي والحياتي لها عبر كل الأساليب التدريجية - الوطنية والدولية - سواء بين نفس الشعوب العضوة أو بين شعوب الأقطار التي تقع تحت نفوذها.

م 1: يولد كل أبناء البشر أحرارًا وهم متساوون من حيث الكرامة والحقوق، والكل يملكون عقلًا ووجدانًا وعليهم أن يتعاملوا مع بعضهم البعض بروح الأخوة.

م 2: أ - لكل إنسان الحق - دونما تمييز خصوصًا من حيث القومية أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الاعتقاد السياسي أو أية عقيدة أخرى، وكذلك من حيث الجنسية والوضع الاجتماعي والثروة والولادة أو أية موقعية أخرى - في التمتع بكل الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان.

ب - بالإضافة لما سبق فإنه لم يتم أي تمايز يبتني على الوضع السياسي أو الإداري أو القضائي أو الدولي للبلد أو الأرض التي ينتسب إليها الشخص، سواء كان هذا البلد مستقلًا أو تحت الحماية، أو لا يملك حكمًا ذاتيًّا، أو كانت حاكميته محدودة بشكل من الأشكال.

م 3: لكل أحد حق الحياة، والحرية، والأمن الشخصي.

م 4: لا يمكن استعباد أحد، والتعامل ببيع وشراء العبيد ممنوع.

ص: 150

م5: لا يمكن تعذيب أي أحد ومعاقبته أو معاملته معاملة ظالمة أو مخالفة للإنسانية وللشؤون البشرية أو محقرة له.

م 6: لكل أحد الحق في التمتع أمام القانون بالشخصية الحقوقية له في كل مكان باعتباره إنسانًا.

م 7: الكل متساوون أمام القانون ولهم الحق - دونما تمييز وبالتساوي - أن يتمتعوا بحماية القانون، ولكل الحق بالتساوي في التمتع بالحماية القانونية في قبال أي تمييز ينتقص هذا الإعلان، وضد أي تحريك لتحقيق هذا التمييز.

م 8: لكل أحد الحق في اللجوء الفعال إلى المحاكم الوطنية في قبال تلك الأعمال التي يتم فيها الاعتداء على الحقوق الأساسية التي يقررها الدستور أو أي قانون آخر.

م 9: لا يمكن توقيف أحد دونما سبب أو حبسه.

م 10: لكل أحد الحق وبالتساوي الكامل أن يرفع دعواه إلى محكمة مستقلة محايدة وبشكل منصف وعلني، ولمثل هذه المحكمة الحق في اتخاذ القرار حول حقوقه والتزاماته أو أي اتهام جزائي يتوجه إليه.

م 11: أ - كل متهم برئ حتى يثبت تقصيره قانونًا وفي دعوى عامة تؤمن فيها كل الضمانات اللازمة للدفاع.

ب - لا يمكن الحكم على أي أحد بارتكاب أو عدم ارتكاب عمل لا يعد حين الممارسة بموجب الحقوق الوطنية أو الدولية جرمًا، ومن هنا فإنه لا يستحق جزاء أكبر من ذلك الذي كان يستحقه أثناء ارتكاب العمل.

م 12: يجب ألا تتعرض الحياة الشخصية، والشؤون العائلية، ومحل الإقامة، أو المكاتبات لأي تدخل، ولا يتعرض شرفه وسمعته لأي هجوم، ولكل أحد الحق في التمتع بحماية القانون في قبال مثل هذه الأنماط من التدخل والهجوم.

م 13: أ - لكل أحد الحق في التردد داخل أي قطر واختيار محل إقامته.

ب - لكل أحد الحق في ترك أي قطر ومن ذلك قطره أو العودة إليه.

ص: 151

م 14: أ - لكل أحد الحق في البحث عن مأوى له تجاه المتابعة والتعذيب والأذى واللجوء إلى الأقطار الأخرى.

ب - لا يمكن الاستفادة من هذا الحق في الموارد التي تكون المتابعة فيها مبنية على أساس من جريمة عامة أو غير سياسية أو سلوك مخالف لأصول ومقاصد الأمم المتحدة.

م 15: أ - لكل أحد الحق في التمتع بجنسيته.

ب - لا يمكن أن يسلب حق التمتع بالجنسية أو يحرم من حق تغيير جنسيته.

م 16: أ - لكل رجل وامرأة بالغَين الحق في الزواج وتشكيل العائلة دونما تحديد عرقي أو قومي من حيث الجنسية أو الدين، ولكل منهما في الشؤون الزوجية حقوق مساوية طوال مدة الزواج وأثناء فسخه.

ب - يجب أن يتم الزواج برضا كامل وبحرية من قبل المرأة والرجل.

ج - العائلة ركن طبيعي وأساس للمجتمع، ولها الحق في التمتع بحماية المجتمع والدولة.

م 17: أ - لكل شخص مفردًا أو بشكل جماعي حق التملك.

ب - لا يمكن حرمان أي أحد دونما سبب من حق الملكية.

م 18: لكل أحد الحق في التمتع بحرية الفكر، والوجدان، والدين، وهذا الحق يشمل حرية تغيير الدين والعقيدة، وكذلك يتضمن حرية بيان العقيدة والإيمان، وكذلك يشكل التعليمات الدينية وإقامة المراسم الدينية، ولكل التمتع بهذه الحقوق منفردًا أو مشتركًا مع الآخرين بشكل خاص أو عام.

ص: 152

م 19: لكل أحد الحق في حرية العقيدة والبيان، والحق المذكور يقتضي ألا يعيش في قلق نتيجة اعتقاداته وأن يكون حرًّا في الحصول على المعلومات والأفكار وأخذها ونشرها بكل الوسائل الممكنة ودون أية ملاحظات جغرافية.

م 20: أ - لكل أحد الحق في تشكيل الاجتماعات والجمعيات السلمية بكل حرية.

ب - لا يمكن إجبار أي أحد على الاشتراك في أي اجتماع.

م 21: أ - لكل أحد الحق في المشاركة في الإدارة العامة لقطره سواء بشكل مباشر أو بواسطة مندوبين ينتخبهم بكل حرية.

ب - لكل أحد الحق - مع وحدة الظروف - في الحصول على الوظائف العامة.

ج - إرادة الشعب هي أساس ومنشأ قدرة الحكومة، وهذه الإرادة يجب أن تبرز من خلال الانتخابات التي تجري على أساس شريف وبشكل دوري، ويجب أن تتم الانتخابات بشكل عمومي مع مراعاة لمبدأ المساواة وبالآراء المخفية أو نظير ذلك بحيث يتم تأمين حرية الآراء.

م 22: لكل إنسان - باعتباره عضوًا في المجتمع - حق الأمن الاجتماعي، وهو مجاز في الحصول بواسطة المساعي الوطنية أو التعاون الدولي على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يقتضيها مقامه وحرية تكامله الشخصي، وذلك مع مراعاة للتشكيلات الداخلية ومصادر كل قطر.

م 23: أ - لكل أحد حق العمل وله أن يختار عمله بكل حرية، وأن يشترط لعمله ظروفًا منصفة ومقبولة، وأن يطلب الحماية مقابل العطالة.

ب - للكل الحق دونما تمييز في المطالبة بأجر مساوٍ لقاء الأعمال المساوية.

ج - لكل إنسان - يعمل بأجر منصف ومقبول - الحق في تأمين حياته وحياة عائلته بشكل ينسجم والشؤون الإنسانية، وأن يكملها - في حالة اللزوم - بكل نوع من الوسائل الأخرى للحماية الاجتماعية.

د - لكل إنسان الحق في مجال الدفاع عن مصالحه في أن يشكل اتحادًا مع الآخرين والاشتراك في النقابات والاتحادات الموجودة.

ص: 153

م 24: لكل أحد حق الاستراحة والاستجمام، وله بالخصوص التمتع بتحديد ساعات العمل والاستمتاع بالإجازات مع دفع رواتب تجاهها.

م 25: أ - لكل أحد الحق في تأمين مستوى معيشي سالم ومرفه له ولعائلته؛ من حيث الأكل والسكن والمراقبة الطبية والخدمات الاجتماعية اللازمة، وكذلك له الحق في التمتع بظروف شريفة لحياته في حالة العطالة والمرض ونقص الأعضاء، والترمل والشيخوخة وكل الموارد الأخرى التي يفقد الإنسان معها - لأسباب خارجة عن إرادته - وسائل تأمين معاشه.

ب - للأمهات والأطفال الحق في التمتع بالمساعدة والمراقبة الخاصة، وللأطفال - الذين يولدون بزواج أم لا - الحق في التمتع جميعًا بنوع من الحماية الاجتماعية.

م 26: أ - لكل أحد الحق في التمتع بحق التعليم والتربية، ويجب أن يكون التعليم والتربية - على الأقل وإلا الحد الذي يتعلق بالتعليمات الابتدائية والأساسية - مجانيًّا، والتعليم الابتدائي يجب أن يكون إجباريًّا، وتعليم الحِرَف يجب تعميمه، وأن يفتح التعليم بظروف متساوية تمامًا أمام الجميع ليمكنهم الاستفادة منه بمقتضى استعداداتهم.

ب - التعليم والتربية يجب أن يوجه بحيث يوصل الشخصية الإنسانية لأي أحد إلى الحد الأكمل من النمو، ويقوي من احترام الحقوق والحريات الإنسانية.

التعليم والتربية يجب أن يسهلا مبدأ حسن التفاهم والتضحية واحترام العقائد المخالفة، والمحبة بين كل الشعوب والمجتمعات القومية أو الدينية، وكذلك توسعة نشاطات الأمم المتحدة في سبيل حفظ السلام.

ج - للأب والأم الأولوية على الآخرين في اختيار نوع التعليم والتربية لأبنائهما.

م 27: أ - لكل أحد الحق في الاشتراك بحرية في الحياة الثقافية والاجتماعية والتمتع بالفنون والإسهام في التقدم العلمي وثماره.

ص: 154

ب - لكل أحد الحق في حماية المنافع المعنوية والمادية لأعماله العلمية والثقافية والفنية.

م 28: لكل أحد الحق في تأمين النظام الذي يحقق من الوجهة الاجتماعية والدولية الحريات المذكورة في هذا الإعلام ويطبقه في حياته.

م 29: أ - كل فرد مسؤول في قبال المجتمع الذي ييسر نمو شخصيته بشكل حر وكامل.

ب - كل فرد في مجال الحقوق والتمتع بالحريات لا تحده إلا الحدود التي يضعها القانون لتأمين الاعتراف بحريات الآخرين والاعتراف بها، وبالتالي رعاية المقتضيات الأخلاقية الصحيحة، والنظام العام والرفاه الاجتماعي الشامل في إطار مجتمع ديمقراطي.

ج - لا يمكن تنفيذ هذه الحقوق والحريات في أي مورد يخالف مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة.

م 30: لا يمكن تفسير أي من مقررات هذا الإعلان بشكل يتضمن حقًّا لحكومة أو مجموعة أو فرد يستطيع بموجبه أن يسلب الحقوق والحريات المتضمنة في هذا الإعلان أو يغيرها.

* * *

ص: 155

"نص" الإعلان الإسلامي لـ حقوق الإنسان (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] .

إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، إيمانًا منها بالله رب العالمين خالق كل شيء، وواهب كل النعم الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وكرمه وجعله في الأرض خليفة، ووكل إليه عمارتها وإصلاحها وحمله أمانة التكاليف الإلهية وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعًا.

وتصديقًا برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق رحمة للعالمين ومحررًا للمستعبدين ومحطمًا للطواغيت والمستكبرين والذي أعلن المساواة بين البشر كافة، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وألغى الفوارق والكراهية بين الناس، الذين خلقهم الله من نفس واحدة.

(1) بدأت فكرة كتابة هذا الإعلان رسميًّا في عام 1979م، حيث قرار المؤتمر الإسلامي العاشر لوزراء الخارجية تشكيل لجنة مشاورة من المتخصصين الإسلاميين لإعداد لائحة بحقوق الإنسان في الإسلام، وقد أحيلت على المؤتمر الحادي عشر والذي قام بدوره بإحالتها على لجنة قانونية وعرض النص المعدل على مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، ولكنه أحاله إلى لجنة أخرى. ووافق المؤتمر الرابع عشر لوزراء الخارجية في دكا على المقدمة وأول مادة فيه، وأحال باقي المواد على لجنة ثالثة، ثم تتابعت المؤتمرات مؤكدة عليها إلى أن عقد اجتماع طهران في ديسمبر 1989م وأعد الصيغة النهائية والتي تمت الموافقة عليها نهائيًّا في المؤتمر التاسع عشر لوزراء الخارجية في القاهرة، وهكذا تكون لائحة قد مرت بمجملها في عشرة مؤتمرات للخارجية (فاس، إسلام آباد، بغداد، نيامي، داكا، صنعاء، عمان، الرياض، القاهرة) وثلاثة مؤتمرات للقمة في (الطائف، الدار البيضاء، الكويت) ومجموع من جلسات الخبراء كان آخرها في طهران.

ص: 156

وانطلاقًا من عقيدة التوحيد الخالص التي قام عليها بناء الإسلام والتي دعت البشر كافة ألا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئًا ولا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، والتي وضعت الأساس الحقيقي لحرية البشر وكرامتهم الخالدة، من المحافظة على الدين والنفس والعقل والعرض والمال والنسل، وما امتازت به من الشمول والوسطية في كل مواقفها وأحكامها فمزجت بين الروح والمادة وأخذت بين العقل والقلب.

وتأكيدًا للدور الحضاري والتاريخي للأمة التي جعلها الله خير أمة أورثت البشرية حضارة عالمية متوازنة ربطت الدنيا بالآخرة وجمعت بين العلم والإيمان، وما يرجى أن تقوم به هذه الأمة اليوم لهداية البشرية الحائرة بين التيارات والمذاهب المتنافسة، وتقديم الحلول لمشكلات الحضارة المادية المزمنة.

ومساهمة في الجهود البشرية المتعلقة بـ حقوق الإنسان التي تهدف إلى حمايته من الاستغلال والاضطهاد، وتهدف إلى تأكيد حريته وحقوقه في الحياة الكريمة التي تتفق مع الشريعة الإسلامية.

وثقة منها بأن البشرية التي بلغت في مدارج العلم المادي شأوًا بعيدًا لا تزال وستبقى في حاجة ماسة إلى سند إيماني لحضارتها، وإلى وازع ذاتي يحرس حقوقها.

ص: 157

وإيمانًا بأن الحقوق الأساسية والحريات العامة في الإسلام جزء من دين المسلمين لا يملك أحد بشكل مبدئي تعطيلها كليًّا أو جزئيًّا، أو خرقها أو تجاهلها في أحكام إلهية تكليفية أنزل الله بها كتبه، وبعث بها خاتم رسله، وتمم بها ما جاءت به الرسالات السماوية، وأصبحت رعايتها عبادة وإهمالها أو العدول عنها منكرًا في الدين، وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة عنها بالتضامن، إن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تأسيسًا على ذلك تعلن ما يلي:

المادة الأولى:

1 -

البشر جميعًا أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله والبنوة لآدم، وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية، دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المعتقد الديني أو الانتماء السياسي أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات، وإن العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة على طريق تكامل الإنسان.

2 -

إن الخلق كلهم عيال الله وإن أحبهم إليه أنفعهم لعياله، وإنه لا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

المادة الثانية:

أ - الحياة هبة الله، وهي مكفولة لكل إنسان، وعلى الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء عليه، ولا يجوز إزهاق روح دون مقتض شرعي.

ب - يحرم اللجوء إلى وسائل تفضي إلى فناء الينبوع البشري.

ج - المحافظة على استمرار الحياة إلى ما شاء الله واجب شرعي.

د - يجب أن تصان حرمة جنازة الإنسان وألا تنتهك، كما يحرم تشريحه إلا بمجوز شرعي، وعلى الدول ضمان ذلك.

المادة الثالثة:

أ - في حالة استعمال القوة أو المنازعات المسلحة لا يجوز قتل من لا مشاركة لهم في القتال، كالشيخ والمرأة والطفل، وللجريح والمريض الحق في أن يداوى، وللأسير أن يُطعم ويؤوى ويُكسى، ويُحرم التمثيل بالقتلى، ويجوز تبادل الأسرى وتلاقي اجتماع الأسر التي فرقتها ظروف القتال.

ب - لا يجوز قطع الشجر أو إتلاف الزرع والضرع أو تخريب المباني والمنشآت المدنية للعدو بقصف أو نسف أو غير ذلك.

المادة الرابعة:

ولكل إنسان حرمته، والحفاظ على سمعته، في حياته وبعد موته، وعلى الدولة والمجتمع حماية جثمانه ومدفنه.

ص: 158

المادة الخامسة:

أ - الأسرة هي الأساس في بناء المجتمع، والزواج أساس تكوينها، وللرجال والنساء الحق في الزواج، ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية.

ب - على المجتمع والدولة إزالة العوائق أمام الزواج وتيسير سبله وحماية الأسرة ورعايتها.

المادة السادسة:

أ - المرأة مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، ولها من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات، ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها.

ب - على الرجل عبء الإنفاق على الأسرة ومسؤولية رعايتها.

المادة السابعة:

أ - لكل طفل منذ ولادته حق على الأبوين والمجتمع والدولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والعلمية والأدبية، كما تجب حماية الجنين والأم وإعطاؤهما عناية خاصة.

ب - للآباء ومن بحكمهم، الحق في اختيار نوع التربية التي يريدون لأولادهم، مع وجوب مراعاة مصلحتهم ومستقبلهم في ضوء القيم الأخلاقية والأحكام الشرعية.

ج - للأبوين على الأبناء حقوقهما، وللأقارب حق على ذويهم وفقًا لأحكام الشريعة.

المادة الثامنة:

لكل إنسان التمتع بأهليته الشرعية من حيث الإلزام والالتزام، وإذا فقدت أهليته وانتقصت قام وليه مقامه.

ص: 159

المادة التاسعة:

أ - طلب العلم فريضة، والتعليم واجب على المجتمع والدولة، وعليها تأمين سبله ووسائله وضمان تنوعه بما يحقق مصلحة المجتمع، ويتيح للإنسان معرفة دين الإسلام وحقائق الكون وتسخيرها لخير البشرية.

ب - من حق كل إنسان على مؤسسات التربية والتوجيه المختلفة من الأسرة والمدرسة والجامعة وأجهزة الإعلام وغيرها أن تعمل على تربية الإنسان دينيًّا ودنيويًّا، تربية متكاملة ومتوازنة تعزز إيمانه بالله واحترامه للحقوق والواجبات وحمايتها.

المادة العاشرة:

لما كان على الإنسان أن يتبع الإسلام دين الفطرة فإنه لا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه عليه، كما لا يجوز استغلال فقره أو ضعفه أو جهله لتغيير دينه إلى دين آخر أو إلى الإلحاد.

المادة الحادية عشرة:

أ - يولد الإنسان حرًّا وليس لأحد أن يستعبده أو يذله أو يقهره أو يستغله، ولا عبودية لغير الله تعالى.

ب - الاستعمار - بشتى أنواعه وباعتباره من أسوأ أنواع الاستعباد - محرم تحريمًا مؤكدًّا، وللشعوب التي تعانيه الحق الكامل للتحرر منه وفي تقرير المصير، وعلى جميع الدول والشعوب واجب النصرة لها في كفاحها لتصفية كل أشكال الاستعمار أو الاحتلال، ولجميع الشعوب الحق في الاحتفاظ بشخصيتها المستقلة والسيطرة على ثروتها ومواردها الطبيعية.

ص: 160

المادة الثانية عشرة:

لكل إنسان الحق في إطار الشريعة بحرية التنقل، واختيار محل إقامته داخل بلاده أو خارجها، وله إذا اضطهد حق اللجوء إلى بلد آخر، وعلى البلد الذي لجأ إليه أن يجيره حتى يبلغه مأمنه ما لم يكن سبب اللجوء اقتراف جريمة في نظر الشرع.

المادة الثالثة عشرة:

العمل حق تكفله الدولة والمجتمع لكل قادر عليه، وللإنسان حرية اختيار العمل اللائق به مما تتحقق به مصلحة المجتمع، وللعامل حقه في الأمن والسلامة وفي كافة الضمانات الاجتماعية الأخرى، ولا يجوز تكليفه بما لا يطيقه، أو إكراهه، أو استغلاله، أو الإضرار به، وله - دون تمييز بين الذكر والأنثى - أن يتقاضى أجرًا عادلًا مقابل عمله دون تأخير، وله الإجازات والعلاوات والترقيات التي يستحقها، وهو مطالب بالإخلاص والإتقان، وإذا اختلف العمال وأصحاب العمل فعلى الدولة أن تتدخل لفض النزاع ورفع الظلم وإقرار الحق والإلزام بالعدل دون تحيز.

المادة الرابعة عشرة:

للإنسان الحق في الكسب المشروع، دون احتكار أو غش أو إضرار بالنفس أو بالغير، والربا ممنوع مؤكدًّا.

المادة الخامسة عشرة:

أ - لكل إنسان الحق في التملك بالطرق الشرعية، والتمتع بحقوق الملكية بما لا يضر به أو بغيره من الأفراد أو المجتمع، ولا يجوز نزع الملكية إلا لضرورات المنفعة العامة ومقابل تعويض فوري وعادل.

ب - تحرم مصادرة الأموال وحجزها إلا بمقتضى شرعي.

المادة السادسة عشرة:

لكل إنسان الحق في الانتفاع بثمرات إنتاجه العلمي أو الأدبي أو الفني أو التقني، وله الحق في حماية مصالحه الأدبية والمالية الناشئة عنه، على أن يكون هذا الإنتاج غير مناف لأحكام الشرعية.

المادة السابعة عشرة:

ص: 161

أ - لكل إنسان الحق في أن يعيش في بيئة نظيفة من المفاسد والأوبئة الأخلاقية تمكنه من بناء ذاته معنويًّا، وعلى المجتمع والدولة أن يوفرا له هذا الحق.

ب - لكل إنسان على مجتمعه ودولته حق الرعاية الصحية والاجتماعية بتهيئة جميع المرافق العامة التي يحتاج إليها في حدود الإمكانيات المتاحة.

ج - تكفل الدولة لكل إنسان حقه في عيش كريم يحقق له تمام كفايته وكفاية من يعوله، ويشمل ذلك المأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج وسائر الحاجات الأساسية.

المادة الثامنة عشرة:

أ - لكل إنسان الحق في أن يعيش آمنًا على نفسه ودينه وأهله وعرضه وماله.

ب - للإنسان الحق في الاستقلال بشؤون حياته الخاصة في مسكنه وأسرته وماله واتصالاته، ولا يجوز التجسس أو الرقابة عليه أو الإساءة إلى سمعته، وتجب حمايته من كل تدخل تعسفي.

ج - للمسكن حرمته في كل حال، ولا يجوز دخوله دون إذن أهله أو بصورة غير مشروعة، ولا يجوز هدمه أو مصادرته أو تشريد أهله منه.

المادة التاسعة عشرة:

أ - الناس سواسية أمام الشرع، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم.

ب - حق اللجوء إلى القضاء مكفول للجميع.

ج - المسؤولية - في أساسها - شخصية.

د - لا جريمة ولا عقوبة إلا بموجب أحكام الشريعة.

هـ - المتهم بريء حتى تثبت إدانته بمحاكمة عادلة تؤمن له فيها كل الضمانات الكفيلة بالدفاع عنه.

المادة العشرون:

لا يجوز القبض على إنسان أو تقييد حريته أو نفيه أو عقابه بغير موجب شرعي، ولا يجوز تعريضه للتعذيب البدني أو النفسي أو لأي نوع من المعاملات المذلة أو القاسية أو المنافية للكرامة الإنسانية، كما لا يجوز إخضاع أي فرد للتجارب الطبية أو العلمية إلا برضاه، وبشرط عدم تعرض صحته وحياته للخطر، كما لا يجوز سن القوانين الاستثنائية التي تخول ذلك للسلطات التنفيذية.

المادة الحادية والعشرون:

أخذ الإنسان رهينة محرم بأي شكل من الأشكال ولأي هدف من الأهداف.

ص: 162

المادة الثانية والعشرون:

أ - لكل إنسان الحق في التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.

ب - لكل إنسان الحق في الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر وفقًا لضوابط الشريعة الإسلامية.

ج - الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه، وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد.

د - لا تجوز إثارة الكراهية القومية والمذهبية وكل ما يؤدي إلى التحريض على التمييز العنصري بأشكاله كافة.

المادة الثالثة والعشرون:

أ - الولاية أمانة، يحرم الاستبداد فيها وسوء استغلالها تحريمًا مؤكدًا، ضمانًا للحقوق الأساسية للإنسان.

ب - لكل إنسان حق الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كما أن له الحق في تقلد الوظائف العامة وفقًا لأحكام الشريعة.

المادة الرابعة والعشرون:

كل الحقوق والحريات المقررة في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية.

المادة الخامسة والعشرون:

الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد الإعلان.

* * *

ص: 163

قائمة بأهم الحقوق

التي يعلنها الدستور الإسلامي في إيران

وهي كثيرة، نكتفي منها ما يلي:

م 3

1 -

الحق الأخلاقي.

2 -

الحق الإعلامي.

3 -

الحق في التربية والتعليم والرياضة.

4 -

حرية التحقيق.

5 -

ضد الاستعمار.

6 -

ضد الاستبداد.

7 -

الحريات السياسية والاجتماعية.

8 -

تقرير المصير.

9 -

المساواة.

10 -

حق النظام الإداري.

11 -

حق الدفاع.

12 -

حق الرفاهية ومنع الحرمان.

13 -

الاكتفاء الذاتي.

14 -

ضمان الحقوق القضائية للجميع نساءً ورجالًا.

15 -

ضمان تقويم الأخوَّة الإسلامية.

16 -

التعهد بحماية المسلمين والمستضعفين.

م 6: حق الشعب في الانتخاب.

ص: 164

م 7: تشكيل مجالس الشورى.

م 8: حق الدعوة إلى المعروف والنهي عن المنكر وهي مسؤولية جماعية.

م 9: الاستقلال والحرية ووحدة الأراضي مترابطة.

م10: الأسرة وحدة أساسية والقوانين يجب أن تيسرها.

م11: المسلمون أمة واحدة والوحدة الإسلامية هدف.

م12: الحرية المذهبية.

م13: الحرية الدينية.

م14: التعامل الحسن مع غير المسلمين.

م19: المساواة ونفي التمييز.

م 20: الحماية متساوية.

م21 حقوق المرأة - التكاملية: الأم في كل المراحل - محكمة الأسرة - العاجزات - القيمومة.

22: الحماية المعنوية للأشخاص.

م 23: الحماية الفكرية.

م24: الحماية الصحفية.

م25: حماية الاتصالات.

م 26: حق تشكيل الجمعيات.

م27: حق الاجتماعات والمسيرات.

ص: 165

م28: حق المهنة.

م29: حق الضمان الاجتماعي.

م30: حق التربية والتعليم المجاني.

م31: حق المسكن.

م32: حماية الإنسان من الاعتقال.

م33: حماية الإنسان من التبعيد.

م34: حق التحاكم.

م35: حق المحاماة.

م36: لا جريمة إلا بنص قانوني.

م37: أصالة البراءة.

م38: الحماية من التعذيب.

م39: حماية الكرامة الإنسانية.

م40: حماية المصالح العامة.

م41: حق التجنس.

م43: الحقوق الاقتصادية.

ص: 166

1 -

الحاجات الرئيسية.

2 -

ظروف العمل.

3 -

البرنامج الاقتصادي.

4 -

حرية اختيار نوع العمل.

5 -

منع الإضرار بالغير.

6 -

منع الإسراف.

7 -

الاستفادة من مختلف العلوم.

8 -

منع السيطرة الأجنبية.

9 -

زيادة الإنتاج.

م44: حماية الملكية الفردية والاجتماعية والتعاونية.

م 45: حماية الأموال العامة.

م46: حق امتلاك نتيجة الكسب المشروع.

م47: حق احترام الملكية الخاصة.

م48: المساواة في الانتفاع بمصادرة الثروة.

م49: نفي الربا والرشوة والغصب

م50: حق حماية البيئة.

م51 - نفي الضرائب إلا بقانون.

م69: حق اطلاع الشعب على سير عمل النواب.

م76: يحق للمجلس أن يحقق في جميع الشؤون.

م79: حظر فرض الأحكام العرفية إلا في ظروف قاهرة.

م84: حق النواب في إبداء نظرهم.

م89: الاستيضاح.

م90: حق استماع المجلس إلى شكاوى المواطنين.

م91: تشكيل مجالس شورى المدن والمحافظات.

م107: يتساوى القائد مع كل الأفراد أمام القانون.

م54: التأكيد على سعادة الإنسان والاستقلال الحرية، ودعم نضال المستضعف.

م55: حق اللجوء.

م68: المحلفون يحضرون جلسات محاكمة مسؤول المطبوعات.

م71: التعويض عن الأضرار بسبب المحاكمات.

م75: حرية النشر والإعلام.

* * *

ص: 167

مقارنة بين الحقوق المقررة في الإعلانين الإسلامي والعالمي

والدستور الإسلامي الإيراني

الحقوق الإنسانية الإسلامي العالمي الدستور الإسلامي الإيراني

1-

المساواة في أصل الكرامة الإنسانية م 1 ف أم1 في مواد متنوعة مثل م 39

2-

حق الفضل والكرامة المكتسب عبر العمل التكاملي والعقائدي م1 ف أغير موجود وتضمنه بعض المواد في مواد متنوعة

3-

حق المساواة في التمتع بالحقوق أمام الشرع والقانون نفي التميز بشتى أنواعه متضمن في المواد - م 19 و 620 و 48 و 107 وغيرها

4-

حق الحياة وحرمة الإجهاض وإغلاق الينبوع البشري م2 ف ب م 3 م 8 م7 م 10 غير موجود في مواد متنوعة ومنها م 21.

5-

حق حرمة الجنازة الإنسانية وبدن المتوفي م2 ف6 غير موجود متضمنة

6-

حق الحفاظ على الأفراد البريئين كالشيخ والمرأة والطفل أثناء النزعات ومداواة الجريح والحفاظ على الأسرى وحرمة التمثيل بالقتلى م3 غير موجود ذكر في مواثيق تلت الإعلان كمعاهدة جنيف متضمنة في مواد متنوعة

7-

حق الإنسانية في عدم إتلاف الزرع وتخريب المباني المدنية أثناء النزاعات م3 ف ب غير موجود متضمنة

8-

حق السمعة والكرامة قبل وبعد الموت م2 ف 6 م22 م10 وغيرها

9-

حق تشكيل الأسرة بحرية ودونما تمييز م5 ف1 م16 م21

10-

حقوق المرأة ومساواتها للرجل في الكرامة ولها شخصيتها المدنية وذمتها المالية. م6 ومواد أخرى مواد مختلفة م16 م10 و21

11-

حق الأسرة الإنسانية في الحصول على الإنفاق من قبل الرجل م6 غير موجود بهذا النحو م10

12-

حق الطفل في الرعاية المادية والأدبية م7 ف أم25 ف ب م21

13-

حق الجنين والأم م 7 ف1 م25 دون ذكر للجنين م21

14-

حق الآباء ومن بحكمهم في اختيار نوع التربية م7 ف ب م 26 ف ج م21

15-

حق الأبوين والأقارب على الأبناء وحقوق ذوي القرابة م7 ف ج غير موجود م 21 متضمن

16 – حق الجنسية غير موجود م 15 م 41 و 42

17-

حق التمتع بالأهلية الشرعية والقانونية من حيث الإلزام والالتزام م8 في مواد متفرقة في مواد متفرقة مثل 46 م

18 – حق الفرد في التعليم في سبيل التكامل م9 ف أم26 م 3 و 30

19 – حق الفرد في التربية الدينية والدنيوية م 9 ف ب م 29 بمستوى أدنى مواد متنوعة

20 حق الإنسان في اتباع دين الفطرة م10 غير موجود م12

21 – حق الحرية م 11 ف أم 4 لا يوجد بهذا الشكل م 3 وغيرها

22 – حق التحرر من قيود الاستعمار والاستقلال عنه م11 ف ألا يوجد بهذا الشكل المواد 3 و 16 و 9 و 54 وغيرها

23 – حق الفرد في حرية التنقل وحرية اللجوء م12 م13 م 14 م55 و 31 وغيرهما

24 – حق العمل واختيار نوعه وسلامته بكل حرية م13 م23 و 24 و 25 م43

25 – حق الكسب المشروع ومنع الربا م 14 لا يوجد بهذا الشكل م 26 و 49

26 – حق التملك وعدم جواز نزع الملكية وتحريم المصادرة م 15 م17 م 47

27 – حق الانتفاع بالإنتاج العلمي والأدبي م16 م27 مشمول بالإطلاق

28-

حق الفرد في توفير بيئة أخلاقية نظيفة م17 م29 م 3

29 – في الرعاية الصحية والاجتماعية م 17 ف ب م 25 م 3 و 29

30 -

حق الفرد في كفالة العيش الكريم بشتى مجالاته م 17 ف ج م 25 م29

31 – حق الأمن الشخصي والديني والعائلي والعرضي والمالي م18 ف أم 3 و 12 و 22 م 32 و 33، 34، 37، 38

32 – حق الاستقلال الشخصي في المسكن والأسرة والمال والاتصالات م18 ف ب م 12 م25، 43 وغيرهما

33-

حق حرية المسكن م18 ف ج م 12 م 31

34 – حق اللجوء إلى القضاء م19 ف ب م 8 و 10 م 34

35-

حق التمتع بقاعدة أصالة البراءة من الجريمة م19 ف هـ م11 م37

36 – حق الحرية في التصرفات ومنع التعذيب ومنع أي شيء يهين الشخصية الإنسانية مطلقًا ومنع أخذ الإنسان كراهية م 20 و 21 م 5 و 9 و 11 و 14 م 28 و 32 و 37

37-

حق حرية التعبير عن الرأي م 22 ف أم18 و 19 و 27 م 3، 6، 22

38 – حق الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر م 22 ف ب غير موجود م 8

39 – حق الفرد في حماية مقدساته من الإهانة ومنع الإخلال بالقيم وعدم إثارة الكراهية م22 غير موجود متضمن في مواد متعددة

40-

حق الفرد في الاشتراك في صياغة القرار الإداري والسياسي وتقلد الوظائف م 23 م10 م21 ف أوب وج ـ م 28 مواد متعددة من قبيل 69 و 84.

41 – حق حرية الأمن وعدم القلق نتيجة العقيدة (مع تفصيل) م 18 م23

42 – حق الأمن وعدم القلق نتيجة العقيدة وبيانها ---- م19 م23

43 – حق تشكيل الاجتماعات والجمعيات المسالمة م 23 م 20 م 26، 27

44-

حق الانخراط في التشكيلات النقابية والاتحادية (بالعموم) م 23 (بالعموم) م23 ف د م 26

45-

حق الاستراحة والتمتع بالإجازة م 13 م 24 متضمن

ص: 168

حقوق الإنسان في الإسلام والإعلان العالمي

والدستور الإسلامي الإيراني

والمبادئ التي بنيت عليها

على ضوء ما تقدم يجب أن نؤكد من جديد على أن الإعلان العالمي -مع الأسف - لم يربط مطلقًا بين المسألتين الواقعية والاجتماعية، في حين أكد الإعلان الإسلامي على هذا الربط تمامًا، لذلك كان منطقيًّا مع ذاته وذات الحقوق المقررة.

إن الإعلان يطرح الأسس التالية في مقدمته:

1 -

ضرورة معرفة الحيثية الذاتية للإنسان لتحقيق الحرية والعدالة والسلام.

2 -

وقوع الأعمال الوحشية نتيجة عدم الاعتراف بال حقوق الإنسان ية.

3 -

ظهور عالم جديد تسوده حرية التعبير والعقيدة وعدم الخوف من الفقر باعتبار ذلك أسمى آمال البشرية.

4 -

ضرورة صيانة الحقوق لئلا يضطر الإنسان للثورة ضد الظلم.

5 -

ضرورة تشجيع العلاقات الودية.

6 -

عزم الشعوب على دعم التقدم الاجتماعي.

7 -

ضرورة تحقيق التفاهم المشترك.

ولكن ما هي الحيثية الذاتية للإنسان؟ هل هي الفطرة؟ وإذا كانت كذلك فكيف نطرح هذا الإعلان أمام عالم يعج بالأفكار المادية المنكرة لنظرية الفطرة، وما هي المميزات للعمل الوحشي عن العمل الإنساني؟ وهل يمكن الوصول إلى معيار عام واقعي إذا لم نؤمن بنظرية التكامل الإنساني؟

ص: 169

وهل هناك دراسة للآمال الإنسانية توضح أن هذه الآمال تنحصر في الحرية التعبيرية والعقدية والتخلص من الخوف والفقر؟

وهل صحيح أن الأمل الإنساني يكمن في تحرره في التعبير بما يشاء والاعتقاد بما يشاء دونما أية ضوابط حتى لو استهزأ بمقدسات الآخرين مثلًا؟

ثم أليس هناك خلط بين الأسس والبنى الفوقية؟ إلا أن يقال: إن الآمال الإنسانية يجب تحقيقها باعتبارها حاجات ضرورية؟

فإذا كان الأمر كذلك. قلنا: أليس الأمل الإنساني في الوصول إلى معرفة المطلق الخالق، والاستناد إلى القوة المطلقة، والعبودية للمالك الحق أملًا إنسانيًّا عامًّا يتجلى من خلال استعراض مجمل التاريخ الإنساني؟

ثم أليس الأمل الإنساني العام يكمن في تحقيق نظام خلقي شامل؟ فأين الحديث عنه؟

بل أليس فسح المجال للتحرر في كل مجال (السلوكي والعقائدي، والاقتصادي والسياسي) - دونما تقييد بقيمة خلقية - يؤدي إلى فناء قسم كبير من النظام الخلقي؟

وهكذا الحديث عن باقي الأسس المذكورة في مقدمة الإعلان.

وعلى أي حال، فإن الباحث لا يستطيع أن يدرك العلاقة المنطقية بين الأسس والبنى الفوقية، بل قد يلمح أهدافًا سياسية أخرى من خلال تعبيرات أخرى، من قبيل (لئلا يضطر الإنسان للنهضة والثورة باعتبارها آخر علاج) .

و (ضرورة تشجيع العلاقات الودية) وأمثالها، ليدرك الهدف الذي يطرحه المشككون في دوافع الإعلان العالمي على ضوء الظروف التي طرح فيها:

حيث إنه طرح بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسيطرة القوى العظمى على العالم.

وحيث خرجت أمريكا منها منتصرة بأقل قدر من الخسارة في الأموال والأرواح، في حين خرجت الأقطار الأوروبية ضعيفة منهكة القوى من جهة، وراحت الشيوعية توسع من نفوذها بطرح فلسفة تاريخية تبتنى عليها نظرية ثورية تسيل لها لعاب الجماهير المحرومة فتجذبها إليها من جهة ثانية.

وحيث التوق العالمي إلى نظام جديد تقل فيه النزاعات ويتحقق فيه الحلم الإنساني لقيام النظام الأفضل.

ص: 170

كل هذه الظروف كانت تتطلب فلسفة وشعارًا إنسانيًّا عالميًّا تطرح أمريكا فيه نفسها رائدة لحضارة إنسانية ومستقبل بشري رائع فتخرج عن انزوائها إلى قيادة العالم، وتعمق فلسفتها الرأسمالية القائمة على الحرية الفردية، وتنافس النظرية الشيوعية بنظرية إنسانية يسيل لها لعاب المحرومين أيضًا.

على أن الشعوب المحرومة يجب أن تعطى حقًّا شبه وهمي لتقول كلمتها، فكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة تعبيرًا عن التساوي في الأصوات بين أمريكا وبورما مثلًا، أما القوة والتسلط فتخص به القوى العظمى المنتصرة من خلال مجلس الأمن وحق (الفيتو) .

هكذا إذن يتصور المشككون في هذا الإعلان الدوافع الحقيقية.

إلا أنه -على أية حال - يمثل بلا ريب نقلة كبرى على صعيد الاعتراف الرسمي الدولي ب حقوق الإنسان، الأمر الذي لا يمكن إنكاره رغم كل نقاط الضعف فيه كما سيبدو لنا -فيما يلي من بحوث.

ص: 171

الإعلان الإسلامي

عندما ندرس المقدمة التي تبين الأسس التي يقوم عليها نظام الحقوق نجدها متقدمة جدًّا ومنطقية جدًّا في مجال الربط بين المسألتين الآنفتين، حتى ليمكننا أن نستفيد منها بسهولة كل الحقوق المذكورة في الإعلان منها.

الأساس الأول:

فالأساس الأول هو الإيمان بالله تعالى وصفاته الكمالية، وأن:

(خلق كل شيء، هبة النعم كلها، خلق الإنسان في أحسن تقويم، الكرم، منح الإنسان الخلافة، إيكال العمارة له، وضع أمانة التكاليف على عاتقه، تسخير الكون له) .

كلها تصورات تشكل أساسًا للإيمان بحق الإنسان في الحياة، في إعمار الأرض، في حمل التكليف، في الاستفادة من الكون، بل يمكننا أن نستفيد من كل الحقوق من هذا المقطع.

الأساس الثاني:

هو التصديق بالإسلام الهادي، الإسلام دين الحق، دين الرحمة للعالمين، دين التحرير للمستعبدين، والتحطيم للطواغيت، دين المساواة إلا بالتقوى، دين إلغاء الفوارق والكراهية بين الناس الذين خلقهم الله من نفس واحدة.

وللباحث أن يستنبط من هذه الأسس أيضًا أهم الحقوق الفردية والاجتماعية: (حق طلب التعاون والرحمة، حق الحرية، حق المقارعة ضد الطواغيت، حق المساواة) .

والأساس الثالث:

عقيدة التوحيد الخالص (العبادة لله وحده، والتحرر من سواه، مما يستدعي الحرية المسؤولة والكرامة) .

ص: 172

والأساس الرابع:

تشريعات الإسلام في المحافظة على الدين والنفس والعقل والعرض والمال والنسل، وملاحظة خصائصها العامة من الشمول والوسطية والتعامل الواقعي، وهو أساس بنفسه أيضًا لمجمل الحقوق.

والأساس الخامس:

الدور الحضاري للأمة الإسلامية باعتبارها خير أمة أورثت البشرية حضارة متوازنة تربط الدنيا بالآخرة، وتجمع بين العلم والإيمان.

والأساس السادس:

الإيمان بالمساهمة الإنسانية في حماية حقوق الإنسان.

الأساس السابع:

الإيمان بالحاجة الدائمة للبشرية إلى السند الإيماني.

الأساس الثامن:

الإيمان بأن الحقوق الأساسية جزء من الدين، فرعايتها عبادة وإهمالها منكر، وكل إنسان مسؤول عنها بمفرده، والأمة مسؤولة عنها بالتضامن، وهو أساس نظري للمسؤولية الفردية والاجتماعية لتطبيق بنود الإعلان.

هذه هي الأسس القويمة للحقوق يطرحها الإعلان الإسلامي بكل براعة، ويصدق بها مع ذاته -كما قلنا -، ونحن نعتقد ونحن نعتقد أنها تشكل أسسًا طبيعية لهذه البنى الفوقية.

ص: 173

إلا أننا نرى أن الأمر مازال بحاجة إلى إعادة نظر، ولذا نشير إلى بعض النواقص التي نرجو أن يتم تكميلها، ومنها:

أولًا: ضرورة الإشارة في الأساس الأول إلى الصفات الإلهية الذاتية وهي (العلم والقدرة والحياة) ، فإن لها إيحاءاتها المهمة في معرفة هذه الحقوق، خصوصًا إذا أشرنا إلى الطلب الإسلامي للمسلم لأن يكون ربانيًّا يتحلى بالصفات الإلهية المناسبة له.

ثانيًا: حبذا لو تم نقل الأساس الثالث إلى المرتبة التالية للأساس الأول، فهو المرحلة الطبيعية التي تتلو مرحلة الصفات وهي مرحلة التوحيد.

ثالثًا: وحينئذ فمن الطبيعي أن يلحق الأساس الرابع الثالث كما تضاف إليها صفات أخرى للشريعة، لأنها تترك أثرها الإيجابي في موضوع ال حقوق الإنسان ية، وهذه الصفات هي من قبيل (الواقعية، الشمول، الخلود، المرونة، الترابط بين أجزاء الشريعة، وتصورها للترابط والتكامل بين أبناء البشرية وأبناء الأمة الإسلامية، وأمثال ذلك) .

رابعًا: الإشارة إلى النظام الحقوقي الإسلامي ضرورية في المقدمة، وكذلك مسألة الإشارة إلى النظام الأخلاقي وأهدافه.

خامسًا: من المناسب أن تطرح في المقدمة فكرة عالمية الرسالة وذلك دفعًا لشبهة -ربما تطرح نفسها - وملخصها: أن هذه الحقوق لا تصلح لأن تطرح على الصعيد العالمي، في حين أن الإسلام -عندما ينطلق من نظرية الفطرة وصفته الواقعية - يلاحظ مسألة الانسجام مع الحاجات الفطرية، الأمر الذي يمنحه صفة عالمية، لأن الفطرة لا تختلف من إنسان لآخر.

* * *

ص: 174

مقدمة الدستور الإسلامي الإيراني

في هذه المقدمة حديث عن الأمور التالية:

1 -

إن الدستور يعبر عن الركائز الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإيراني على أساس من تعاليم الإسلام.

2 -

إن الميزة الأساس للثورة الإسلامية هي عقائديتها، وتستعرض المقدمة بعض الحوادث التاريخية المؤثرة والنهضات السابقة، وتعلن أن فشلها يمكن أن يعزى إلى ابتعادها عن المواقف الأصيلة، الأمر الذي حققه الإمام الخميني رحمه الله في هذه النهضة، وكان طرح الإمام لفكرة الحكومة الإسلامية على أساس من ولاية الفقيه، الدافع المتميز للشعب ليعلن ثورته ضد نظام الشاه المتعسف، وتتعبأ كل طبقاته لإنجاح هذه الثورة، ومنها فئة النساء اللواتي قمن بدور ملحوظ في هذا السبيل.

3 -

كان شعار الثورة - باختصار - هو (الحرية - الاستقلال، الجمهورية الإسلامية) .

4 – بعد نجاح الثورة أجري استفتاء شعبي، أعلن الشعب - من خلاله - قراره النهائي بتأسيس الجمهورية الإسلامية بأكثرية (98.2 %) .

5 -

لا تبنى الحكومة الإسلامية على الطبقية أو السلطة الفردية أو الجماعية، بل هي تجسد كل تطلعات الشعب لبناء المجتمع (الأسوة) ، وخلق الأرضيات العقائدية، وإيجاد الظروف المناسبة لتربية الإنسان.

6 -

يسعى الدستور لضمان زوال كل أنواع الدكتاتورية، معتمدًا على المراكز القائمة على أساس من التعاليم الإسلامية المستمدة من (القرآن) و (السنة) ، ولذا يجب أن يشرف على هذه المسيرة العلماء العدول، وبمشاركة من قبل كل أفراد المجتمع.

7 -

واعتقادا باستمرارية – مبدأ الإمامة يحقق الدستور مبدأ قيادة الفقيه المعترف به من قبل الأمة.

ص: 175

8 -

ويرى أن الاقتصاد وسيلة لا هدف، وسيلة لظهور المواهب الإنسانية المختلفة من خلال تأمين الإمكانات اللازمة بشكل متساو للجميع.

9 -

للمرأة مكانتها الخاصة، والأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، ووحدة العقيدة أمر أساس في تشكيلها والتحرك الإنساني في إطارها، والمرأة إذ تتحمل مسؤولية الأمومة وتربية الإنسان المؤمن تعمل أيضًا على مشاركة الرجل في ميادين الحياة العملية.

10 -

ويعتبر بناء القوات المسلحة للبلاد على أساس العقيدة أمرا أساسيا.

11 -

كما يعتبر المسألة القضائية أمرًا حيويًّا يجب إقامته على أساس العدالة الإسلامية بعيدا عن الظروف غير السليمة.

12 -

وعلى السلطة التنفيذية العمل على إعداد المجتمع الإسلامي الأصيل بعيدا عن البيروقراطية.

13 -

وعلى وسائل الإعلام نشر الثقافة الإسلامية.

14 -

وتختتم المقدمة بدعاء يأمل أن يكون فيه هذا القرن قرن انتصار المستضعفين على المستكبرين.

ص: 176

وبطبيعة الحال لا يمكن أن ننتظر من مقدمة الدستور أن تكون كمقدمة اللائحة، ذلك لأنها مقدمة دستور، ومن هنا فهى تتحدث عن مقدمات الثورة الإسلامية وشعاراتها، وأهدافها. كما تتحدث عن شيء من خصائص الدستور العامة كالإيمان بالإسلام عموما، وباستمرار مبدأ الأمان، والمشاركة الشعبية، والقيادة العلمانية.

ولكننا نلاحظ أن أهم ما جاء في مقدمة اللائحة الإسلامية ل حقوق الإنسان يدخل في الدستور، وله بنود أساسية حياتية، أى أنها تترك أثرها العملي المباشر في تنظيم شؤون المجتمع، فإن المادة الثانية من الدستور تطرح مسألة نظام الجمهورية الإسلامية على أساس:

1 -

الإيمان بالله الأحد وتفرده بالحاكمية والتشريع، ولزوم التسليم لأمره.

2 -

الإيمان بالوحي الإلهي ودوره الأساس في بيان القوانين.

3 -

الإيمان بالمعاد ودوره الخلاق في مسيرة الإنسان التكاملية.

4 -

الإيمان بعدالة الله في الخلق والتشريع.

5 -

الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة وحريته المسؤولة.

وهذه التصورات هي أوسع مما جاء في مقدمة اللائحة الإسلامية بلا ريب.

كما أن المادة الرابعة تؤكد أن الموازين الإسلامية هي أساس جميع القوانين والمقررات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها، وتؤكد المادة الخامسة أن ولاية الأمر تنحصر بيد الولي الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير.

وتؤكد المادة السادسة والخمسون أن السيادة المطلقة لله تعالى، وأنه منح هذا الحق للإنسان على مصيره الاجتماعي.

* * *

ص: 177

الحقوق الإنسانية على اختلاف أنواعها في الإعلانين والدستور

قبل كل شيء ينبغي أن نلقي نظرة خاطفة على مجمل الحقوق الواردة في الإعلانين والدستور ليمكننا المقارنة بينها.

وقبل معرفة هذا المجمل لابد أن نلاحظ أن ترتيب المواد يختلف بين الإعلانين، كما أنه قد يذكر حق في أكثر من مادة، إلا أن الملاحظ أيضا أن الترتيب في الإعلان الإسلامي أكثر منطقية وترتيبا منه في الإعلان العالمي، مما يعبر عن تكامل في الصياغة الإسلامية، في حين أن الترتيب في الدستور يتبع طبيعته الدستورية.

ثم إن هذه الحقوق نفسها قد يمكن إرجاع بعضها إلى البعض الآخر باعتبار نسبة العموم والخصوص بينها ولكن إفرادها في مادة لابد أن يكون لأهمية خاصة لهذا الحق وضرورة التأكيد عليه.

ص: 178

موارد الاتفاق بين الإعلانين والدستور:

وإذا أردنا أن نلخص أهم موارد الاتفاق بين الإعلانين والدستور أمكننا ذكر ما يلي:

يتفق الإعلانان والدستور على حقوق الحياة المناسبة، والحرية والأمن ونفي التعذيب، ونفي العقوبة غير العادلة، ونفي السلوك المنافي للشؤون الشخصية (الإهانة) .

كما يتفقان مع الدستور على حق تأمين البيئة الصحية المناسبة، والتمتع بالخدمات الاجتماعية، والحياة الكريمة ومنع التوقيف دون سبب قانوني، ومنع الحريات والإبعاد والنفي ومنع الجزاء دونما علة أو بشكل يزيد على الجريمة، وضمان الكرامة الذاتية، ومنع أي تأثير للموقع الاجتماعي على مستوى الكرامة، وكذلك حق تأمين المستوى المعيشي المناسب.

وهكذا يتفقان مع الدستور أيضا على مسألة تساوي الرجل والمرأة من حيث الكرامة الذاتية، وضرورة تأمين الشخصية الاجتماعية للمرأة كالرجل، وكذلك موضوع تأمين الشخصية المالية الاعتبارية لها. كما إنه يجب أن يتم الزواج برضا الطرفين، وأن العائلة ركن أساس للمجتمع، ولها الحق في التمتع بدعم الدولة والمجتمع، وضرورة توفير الأمن الشخصي والمالي والعرضي والشخصي والعائلي وطنيا ودوليا، وحق الاستقلال في الشؤون الخاصة (المسكن، العائلة، المال، المراسلات والاتصالات) .

وكذلك نجدهما يتوافقان مع الدستور على مبدأ التعليم والتعلم، وهدفهما وهو التكامل الإنساني (رغم اختلاف معنى التكامل) وترجيح رأي الأبوين على غيرهما في هذا الموضوع.

ويعتبر الإعلانان مع الدستور أن كل إنسان يولد حرا ولا يمكن استعباده، وأن الأفراد متساوون من حيث الحقوق وأن لهم عقلا ووجدانا (وهذا ليس أمرا حقوقيا) وأنه يلزم التعاون بروح الأخوة.

ص: 179

ويؤكد الجميع على حرية التفكير والعقيدة والبيان (إلى الحد المعقول) ،وأن للإنسان أن يتمتع بإنتاجه العلمي والأدبي والفني، وأن له حق التمذهب بأحد الأديان، وحرية التفكير إلى الحد الذي لا يضر به وبالآخرين وحق التمتع بالشخصية القانونية، وحق التنقل من مكان لآخر، وحق اللجوء شريطة ألا تكون هناك جريمة غير سياسية.

كما ينسجم الإعلانان مع الدستور في الاعتراف بحق العمل، والحرية في اختياره، وأنه لا يمكن تحميل العامل أكثر مما يطيق، وحق التمتع بصورة مساوية في الأجرة، وحق التمتع بضمان المستوى المتوسط للمعيشة عند العطالة غير المتعمدة والمرض ونقص الأعضاء والترمل والشيخوخة.

ويتفقان مع الدستور أيضا على أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته، وأن الجريمة شخصية، وأن لكل فرد حق التمتع بمحاكمة عادلة، وأن الجزاء هو نفس ما قرر له عند الارتكاب.

وهكذا يتفقان معه على منع الاستبداد، وأن لكل أحد الحق في الاشتراك في صياغة القرار السياسي، وتصدي الوظائف العامة، كما يجب تحقيق المساواة أمام القانون، وإعطاء الأفراد حق التقاضي لدى المحاكم المناسبة وحق تشكيل الجمعيات الخيرية والاجتماعية.

وأخيرًا يؤكدان - معه - على أن كل إنسان مكلف بحماية هذه الحريات والتمتع بها، وأن عليه السعي نحو التكامل، وأن كل فرد يجب ألا يزاحم حريات الآخرين، وأنه لا يجوز استغلال هذا القانون لتحقيق مصالح فردية أو حكومية معينة.

هذه أهم نقاط الاتفاق لخصناها تجنبًّا للإطالة.

ص: 180

موارد الافتراق:

أما الموارد التي يختلفان بها فيمكن تلخيصها بشكل نقاط:

1 -

إن الإعلان الإسلامي يفصل - بحق - بين أصل الكرامة (أو الكرامة التي يحصل عليها الإنسان باعتبار انتمائه الإنساني فقط) والكرامة المكتسبة التي ينالها عبر سيره التكاملي المعنوي وعمله الصالح في خدمة الخلق. وهذه نقطة مهمة لم يدركها الإعلان العالمي، ولذلك نعتبره في هذا المجال ناقصًا جدًّا، فإن أي وجدان يدرك الفرق بين عالم كبير كابن سينا مثلًا وفرد عادي يعيش لنفسه دون أن يترك أثرًا في الحياة، وهذا الأمر نلحظه في الدستور الإسلامي، ويمتاز بقرنه الكرامة بالحرية المسؤولة أمام الله تعالى، وتأكيده على الإيمان والتقوى ومكافحة المفاسد الأخلاقية.

2 -

التركيز - في الإعلان الإسلامي - على كون الخلق عيال الله تعالى يوضح الأساس المفهومي الكامل لهذا التساوي في أصل الكرامة ولا يكتفي بالجانب الحقوقي البحت، بالإضافة إلى ربط الكرامة - بمجموعها - بالوجود الكريم المطلق، فالخلق كلهم عيال الله تعالى، ونسبته إليهم واحدة تمامًا، إلا أن بينهم تنافسًا في التقرب المعنوي إليه عبر البناء النفسي بالعقيدة الواقعية والعمل الصالح المؤثر في تحقيق مقتضى الخلافة، وهذا ما لاحظناه في الدستور الإسلامي إذ يؤكد عليه أيضًا.

ص: 181

أما الإعلان العالمي فهو يفتقد هذه المستوى من الفهم تمامًا.

3 -

ونفس هذا المفهوم نلحظه في المادة الثانية - من الإسلامي - فالحياة هبة الله - من حيث المفهوم - وبالتالي فقيمتها الحقوقية رفيعة جدًّا ويجب صيانتها وكفالتها بأقصى ما يمكن حتى يتحقق هدف هذه الهبة.

أما العالمي، فلا نجد فيه مثل هذا السمو، وإن كان يؤكد على أن للإنسان عقلًا ووجدانًا - وهي إشارة جيدة - إلا أنها تكاد تقف عند حقيقة واضحة دون أن تعبرها إلى مقتضياتها.

4 -

التركيز الإسلامي على حرمة إفناء الينبوع البشري إشارة حكيمة إلى الهبة الإلهية ولزوم استمرار هذا المدد الإلهي، في حين لم يشر الإعلان العالمي إلى هذا المعنى، ولا معنى للقول بأن هناك عمومًا في بعض المواد، فهو أمر مبهم لا أثر له في المجالات الحقوقية.

وينبغي أن نشير إلى عبارة (استمرار الحياة إلى ما شاء الله) ، فهي عبارة موحية بلزوم المحافظة على الحياة من قبل الجميع حتى صاحب الحياة نفسه، فتجب صيانتها ضد أي تهديد مهما كان، والحقيقة هي أن اهتمام النصوص الإسلامية بالحياة الإنسانية لا يبلغه أي مذهب أو فكرة عقائدية واجتماعية مطروحة في الساحة.

5 -

يضاف إلى ذلك مسألة الإشارة إلى حماية الجنين في المادة السابعة وهي غير موجودة في العالمي.

6 -

وبالتالي فإن هناك تركيزًا على حرمة الجنازة الإنسانية ولزوم عدم انتهاكها وحرمة تشريحها العشوائي، اللهم إلا أن يكون هناك مجوز شرعي، وهذا أمر يفتقده الإعلان العالمي.

7 -

تطرح المادة الثالثة مسألة خرق النزاع والحرب، والتي جاء الإسلام بأروع مثلها بشكل لا مثيل له آنذاك، فالحياة مصونة إلى أقصى حد ممكن، وحرمه الكرامة الإنسانية محفوظة حتى بعد الموت، فالتمثيل حرام حتى بالكلب العقور، والسر له أحكامه الأخلاقية المؤطرة بالرحمة، والزرع والمنشآت المدنية مصانة، وإطلاقات الدستور في مواضع متعددة تشمل هذه الحقوق.

وهذه المادة لا نجد لها أثرًا في الإعلان العالمي مما يشكل أكبر نقص فيه، وقد حاول العالم تدارك هذا النقص في اتفاقيات جنيف التالية.

ص: 182

8 -

والمادة الثامنة من الإسلامي أيضا تؤكد على السمعة الإنسانية، الأمر الذي يؤكده الإعلان العالمي، إلا أنها هنا تمتد بها إلى ما بعد الموت بما يشمل حماية الجثمان والمدفن.

9 -

ورغم أن الإعلانيين معا يؤكدان على كون العائلة ركنا أساسيا في البناء الاجتماعي، وأن على المجتمع والدولة حمايتها تماما، وأن لكل من الرجل والمرأة الحق في الزواج الذي يجب ألا تمنع منه عوائق منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية، إلا أن هناك فروقا بين الإعلانيين في هذا المجال يمكن أن نلخصها على النحو التالي:

أ - الإعلان الإسلامي والدستور أشارا إلى أن الزواج هو الأساس في التشكيل العائلي، ولم يشر الإعلان العالمي إلى هذا الحقيقة.

ب - أعطى العالمي حقوقا متساوية لكل من الرجل والمرأة، مما يشمل حق النفقة والمهر والطلاق وأمثال ذلك، في حين فصل الإعلان الإسلامي في هذه الأمور، فأكد بأن على المرأة حقوقا تعادل ما عليها من واجبات، وأن لها شخصيتها المدنية وذمتها المالية المستقلة، وحق الاحتفاظ باسمها ونسبها، وأن على الرجل عبء الإنفاق ومسؤولية الرعاية (وهو تعبير مناسب عن القوامة) .

ج - الإشارة الإسلامية - في الإعلان والدستور - إلى الواجب الاجتماعي على المجتمع والدولة لإزالة العوائق أمام الزواج وتيسير سبله، وهو أمر لا نجده في الإعلان العالمي.

د - ونشير هنا إلى وجود فارق آخر وهو عدم ذكر الدين في الإعلان الإسلامي كعائق يجب نفيه، في حين ركز الإعلان العالمي عليه، والحقيقة هي أن الدين والانسجام فيه إلى حد ما كوحدة بين الزواج والزوجة إلى حد الإيمان بالإله الواحد والإيمان بالرسالة أمر ضروري جدا لتحقيق الانسجام المطلوب، وإلا انخرمت كل الآمال المعلقة على التشكيل العائلي الذي يراد له أن يكون الأساس الاجتماعي.

10 -

يختلف الإعلان الإسلامي عن نظيره العالمي بأنه يؤكد على حقوق الأبوين وحقوق الأقارب.

11 -

في مجال التربية والتعليم نجد الإعلان الإسلامي يؤكد على وجوبهما على المجتمع والدولة، وذلك بشكل مطلق ولكل المراحل، أما الإعلان العالمي فيؤكد أن التعليم الابتدائي يجب أن يكون مجانيا وإجباريا، ثم يطرح فكرة الفرص المتساوية في المراحل الأخرى، ويكاد الدستور يتوسط بينهما.

ص: 183

12 -

أهداف التربية في الإعلان الإسلامي تتلخص في (إيجاد التكامل والتوازن وتنمية الشخصية وتعزيز الإيمان بالله والاحترام للحقوق والواجبات وحمايتها) .

في حين يؤكد الإعلان العالمي على مسألة إيجاد الحد الأكمل من النمو في الشخصية، وتقوية احترام الحقوق والحريات الإنسانية، وتسهيل حفظ التفاهم والتضحية، واحترام العقائد المخالفة، ونشر المحبة، والعمل على حفظ السلام، والفرق بينهما واضح.

13 -

المادة العاشرة في الإعلان الإسلامي تنسجم تماما مع الأسس العقائدية والإنسانية، فهي تؤكد على أن الإسلام ينسجم تماما مع المميز الأول والآخر للإنسان (الفطرة) فهو دين الإنسانية.

وبالتالي فمن الطبيعي أن يمنع أي لون من الإكراه والاستغلال لإبعاد الإنسان عن خط الفطرة، لأنه يعني تغريبه عن ذاته.

وهكذا نجد الإعلان الإسلامي يكتفي بالمادة العاشرة التي تمنع الإكراه والاستغلال ويسكت عن مسألة الحرية في هذا التغيير، وذلك لأن للإسلام رأيه الكامل الواضح، والذي بينته هذه المادة، فهو دين الفطرة، وما عداه من أديان فهي أديان أصابها تحريف ففقدت مصداقيتها الدينية الكاملة.

أما الإلحاد فهو في نظر الإسلام خروج عن الإطار الإنساني، ودخول في العالم الحيواني، بل هو أضل من هذا المستوى.

وفي قبال هذا المعنى نجد الإعلان العالمي يؤكد على حرية تغيير الدين والعقيدة مطلقا مما يعبر عن فارق جوهري في التصور بينهما، ولسنا بصدد الاستدلال على صحة الموقف الإسلامي بقدر ما نحن بصدد التأكيد على أن الإعلان العالمي يفصل المسألة الحقوقية عن المسألة الفلسفية - كما قلنا - وهو أمر رفضناه بشدة.

ص: 184

14 -

في قبال المادة الحادية عشرة من الإعلان الإسلامي تطرح المادة الرابعة من الإعلان العالمي نفسها، إلا أن الفرق شاسع بينهما، فالمادة الإسلامية تعلن ولادة الإنسان بطبيعته حرًّا وتنفي عنه الاستعباد والذل والقهر والاستغلال، وتعتبر الحرية نابعة من عبوديته لله تعالى، فالعبودية لله تعالى لا تعني - كما يتصورها الجاهلون - تكريسًا للذات الإلهية، فهو الغني المطلق (جل وعلا) ، وإنما تعني التحرر من كل تعلق بسواه والعمل وفق هداه، لأنه سبيل الفلاح.

أما المادة العالمية فإنما ترفض الاستعباد ونظام الرق دونما بيان للأسس أو توضيح للعلاقة الإنسانية بالله تعالى.

15 -

ومما يمتاز به الإعلان الإسلامي مسألة نفي الاستعمار بشتى أنواعه وتحريمه تحريما مؤكدا، ومنح الشعوب حق العمل للتحرير وتقرير المصير وإيجاب الدعم لها على كل الشعوب الأخرى، ثم التأكيد على الشخصية المستقلة لجميع الشعوب، ويؤكد الدستور على مسألة الدفاع عن المسلمين والمستضعفين في العالم.

في حين لا يذكر الإعلان العالمي هذا الموضوع، مما يكشف على الأقل نقطة ضعف كبيرة في أهداف واضعيه، بل ربما أراد أن يجذب بعض الشعوب لئلا تلجأ للثورة ضده كما يبدو من الفقرة الثالثة في مقدمته.

16 -

ومما يمتاز به الإعلان الإسلامي أيضا أنه لم يذكر حق التجنس بجنسية، لأن هذا من الأمور الموضوعية التي مزقت حتى الأمة الواحدة وتحولت إلى عائق كبير في سبيل توحيدها، إلا أن الدستور - على ضوء ملاحظته للواقع القائم - يؤكد حق التجنس.

17 -

ورغم أن الإعلانين آمنا بحقوق العمل، إلا أن الإعلان الإسلامي طلب من العامل بدوره أن يخلص ويتقن عمله، كما طلب من الدولة أن تتدخل بكل نزاهة لحل النزاع بين العامل ورب العمل وإقرار الحق دون تحيز.

18 -

تؤكد المادة الرابعة عشرة في الإعلان الإسلامي على حق الكسب، ولكنها تقيده بالمشروع، مما يوحي بمفهوم الوصف بوجود أساليب مرفوضة، وذكرت منها: الاحتكار والغش والإضرار بالنفس أو بالغير، كما ركزت على منع الربا مؤكدًا، وقد أكد الدستور ذلك، أما الإعلان العالمي فلا نجده يتعرض لمثل هذه الأمور.

19 -

تؤكد المادة الخامسة عشرة مشروعية السبيل لحصول الملكية، وتؤكد أيضًا على ألا تؤدي الملكية إلى إيجاد ضرر بالشخص نفسه أو بغيره، وإذا تمشينا مع اتساع مفهوم الضرر ليشمل الأضرار الاجتماعية المتنوعة أدركنا دقة التعبير الإسلامي ونفوره من استغلال الرأسمالية لهذا الحق في الإضرار بحق الشعوب الأخرى وضرب اقتصادها ونهب خيراتها، وتأتي تفصيلات أكثر في الدستور.

ص: 185

20 -

ومما يمتاز به الإعلان الإسلامي هو اعتباره المسألة الأخلاقية حقًّا إنسانيًّا مهمًّا، فقرر ذلك في المادة السابعة عشرة، وهذا ما تؤكده المادة الثالثة من الدستور وتجعله واجبًا على الدولة، وتذكر الأساس له.

ولا يوجد نص يقابله في الإعلان العالمي وإن كان قد ذكر في المادة التاسعة والعشرين أن رعاية المقتضيات الأخلاقية يمكن أن تشكل حدودًا لتمتع الفرد بالحريات، ولكن ملاحظة عبارة (في إطار مجتمع ديمقراطي) في ختام المادة تنبئنا أن المراد بالأخلاق هنا هو حريات الآخرين لا المعاني الأخلاقية الرفيعة، وعلى أي حال فهي لا تقرر - بلا ريب - حقًّا إنسانيًّا في الحصول على بيئة أخلاقية نظيفة تمكن الإنسان من بناء ذاته معنويًّا.

21 -

من الأمور التي امتاز بها الإعلان الإسلامي أيضًا موضوع رفضه لإخضاع أي فرد للتجارب الطبية أو العلمية إلا بشرط الرضا وعدم الخطر، وهو أمر متضمن في الدستور.

22 -

كما رفضت المادة العشرون فكرة سن القوانين الاستثنائية التي تجيز تعرض الإنسان للتعذيب أو المعاملات المذلة والقاسية والمنافية للكرامة، أو تعريضه للتجارب وأمثال ذلك، وهو أمر رفضه الدستور أيضًا.

وهي فكرة جديرة بالاهتمام ولا تركيز عليها في الإعلان العالمي.

23 -

ربما ظن البعض أن الإعلان العالمي يمتاز بمنحه الحرية المطلقة للتعبير والبيان، إلا أننا نعتبر ذلك نقصًا، فإنه لا يمكن السماح ببيان يترك أثره الأخلاقي المخرب ويشوه الحقيقة ويهين مقدسات الآخرين، فالإهانة للمقدسات - بلا ريب - أشد كثيرًا من الإهانة للأشخاص. لذلك فإن تقييده في الإعلان الإسلامي بعبارة (بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية) هو الأقرب للروح الإنسانية، وهو ما صرحت به الفقرة (جـ) من المادة الثانية والعشرين. وقد أكدت المادتان (23 و 24) على هذه الحرية. إلا أن تخل بالمباني الإسلامية والحقوق العامة.

24 -

ومما امتاز به الإعلان الإسلامي - كذلك - مسألة منح الإنسان حق الدعوة إلى الخير والنهي عن المنكر، مما يؤكد المسؤولية الفردية تجاه ما يقع من مخالفات للبيئة الأخلاقية - من جهة - وتجاه كل ما يرتفع بالمستوى الإيجابي للمجتمع من جهة أخرى. وقد جاء الدستور أكثر وضوحًا وتفصيلًا في ذلك، كما ورد في المادة الثامنة.

وقد كنا (في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية بالقاهرة) نحبذ - عند مناقشة هذه المادة والعبارة الإسلامية - ذكر عنصر الأمر بالمعروف، إلا أن البعض أصر على حذفها لأسباب لم نقف عليها في نهاية الأمر.

ص: 186

25 -

هناك إشارة رائعة في الإعلان الإسلامي لحقيقة أن ولاية الأمر أمانة يحرم استغلالها، وهذا ما لا نجد له مقابلًا في الإعلان العالمي، وإن كنا نجد الضرورة كانت تقتضي أن يشار إلى الشروط العامة التي تشترطها الشريعة الإسلامية في ولي الأمر، وهذا المعنى واضح تمامًا في الدستور.

26 -

ومن الفروق بين الإعلانين - وهو فرق طبيعي - أن الإعلان الإسلامي يقيد كل المواد بأحكام الإسلام، في حين يقيد الإعلان العالمي كل الحريات الفردية بحريات الآخرين فقط، أما الدستور فيكاد يطفح بالتأكيدات على أن الإسلام هو الأصل في كل شيء.

27 -

ثم إن الإعلان الإسلامي قرر أن الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أية مادة، في حين أن الإعلان العالمي لم يذكر مرجعًا مشابهًا، وهذا المعنى هو روح الدستور.

28 -

وأخيرًا نقول: إن هناك فروقًا كثيرة أخرى لم نجد مجالًا للتعرض لها - تفصيلا - في هذا المقال، من قبيل أن (الحرية) عندما تذكر تقيد أحيانًا بالمسؤولية فيقال:(الحرية المسؤولة) أو بالحدود الشرعية، وذلك لضمان عدم تحولها إلى عنصر هدام؛ وتعبير "الحرية المسؤولة أمام الله" تعبير أصيل في الدستور.

ص: 187

موارد النقص في الإعلان العالمي:

وعلى ضوء ما سبق يمكننا أن نلخص موارد النقص في الإعلان العالمي على النحو التالي:

أولًا: فصله للمسألة الحقوقية الاجتماعية عن المسألة الفلسفية.

ثانيًا: عدم وجود ترتيب منطقي بين المقدمة والمواد الحقوقية.

ثالثًا: عدم الفصل بين أصل الكرامة الإنسانية والكرامة المكتسبة والعمل الصالح.

رابعًا: عدم التعرض لكل جوانب الحقوق الحياتية؛ كحياة الجنين، وحرمة الجنازة، ومسألة إفناء الينبوع البشري.

خامسًا: عدم التعرض لمسألة أخلاق النزاعات.

سادسًا: ربما أطلق الأمر - أحيانًا - مع أنه يلزم التقييد، كموضوع حقوق الزوجين المتساوية دائمًا في كل مقتضيات الزواج، ومسألة تغيير الدين.

سابعًا: عدم ذكر حقوق الأبوين والأقارب.

ثامنًا: عدم التعرض لمسألة نفي الاستعمار.

تاسعًا: عدم ذكر حق الفرد في توفير محيط أخلاقي.

عاشرًا: السماح بحرية البيان مطلقًا وهو أمر مخرب.

هذا بالإضافة إلى النقائص الأخرى.

بين الإعلان الإسلامي والدستور:

ولا نكاد نجد كبير فرق بينهما من حيث طبيعة التعبير وأسلوب الإشارة والوضوح هنا أو هناك.

ومن هنا فنحن نتصور أن الدستور يتقيد - تمامًا - بالإعلان، بل يزيد عليه في بعض الأحيان.

وليتنا نشهد هذا الأمر في باقي دساتير الأمة الإسلامية.

****

ص: 188

حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق

في الماضي والحاضر

ربما كان الفصل بحثًا تبعيًّا باعتباره يتجاوز القانون إلى التطبيق، إلا أننا نراه بحثًا أساسيًّا معبرًا عن نقص في القانون نفسه - سواء في ذلك الإعلان العالمي أو الإعلان الإسلامي - مع الأسف.

فلا الإعلانان احتاطا لنفسيهما بوضع ما يضمن التطبيق، ولا الدول الموقعة ألزمت أنفسها بالعمل به.

أما الإعلان العالمي فإنما تمت الموافقة عليه باعتباره هدفًا ساميًّا مشتركًا بين البشرية لا قانونًا إلزاميًّا.

وهنا تقول السيدة روزفلت رئيسة لجنة حقوق الإنسان:

"إن الإعلان ليس ميثاقًا أو اتفاقية دولية، ولا يترك أي إلزام قانوني، وإنما هو بيان لمجموعة من الحقوق المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإنسان، والتي يعتبر تحققها مطلوبًا على الصعيد العالمي ". (1)

وهكذا إذن - وبكل بساطة - يتحول هذا الإعلان بكل ما أحاطه إلى مجموعة خلقية قانونية لا أكثر.

وعلى هذا النمط أيضًا، جاء الإعلان الإسلامي مع الأسف فقد بدأ في أوائل اقتراحه بعبارة كانت تحوي قدرًا من الضمان في التطبيق، حيث جاء في المادة الثامنة والعشرين من الوثيقة التي اتفق عليها في طهران (2) هذا النص:

"تعمل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لتطبيق أحكام هذا الإعلان ".

(1) الحقوق العالمية للإنسان، للأستاذ العلامة الجعفري، ص 50 عن كتاب تطورات الأمم المتحدة، للدكتور مقتدر، ص 200.

(2)

حين عقد اجتماع للخبراء في طهران 28 - 30 جمادى الأولى 1410 هـ الموافق 26 - 28 ديسمبر 1989م ألقى النظرة الأخيرة على الوثيقة، وقد تشرفت برئاسة هذا الاجتماع.

ص: 189

ولكن مؤتمر وزراء الخارجية التاسع عشر المنعقد في القاهرة، والذي وافق نهائيًّا على الإعلان، صوت بالأكثرية مع حذف هذه المادة، وذلك بعد مناقشة حادة واعتراض من بعض الدول الإسلامية (العلمانية) التي رفضت قبول هذا الإعلان، إلا إذا توافق مع قوانينها المعمول بها، وهذا هو التناقض الكبير، فالإسلام يرفض قبوله، إلا إذا اختصر وهذب لينسجم مع القوانين الوضعية لهذه البلدان!!

ووعد المؤتمر بإصدار قرار ملزم - خارج الإعلان - ولم يفعل ذلك، لا في تلك الدورة ولا في الدورات التالية، وبقي الإعلان حبرًا على ورق.

ولم أجد لهذا الإعلان أي أثر فعلي عاجل على مجمل أوضاع عالمنا الإسلامي، الأمر الذي يؤسف له أشد الأسف.

ولكن هل ترك الإعلان العالمي أثره؟

لا ريب في أنه وجد له صدى كبيرًا في التطبيق في كثير من المجالات.

إلا أن النقص الكبير كان يكمن في دوافع الذين طرحوه أو الذين تولوا تطبيقه، أو شاءت لهم قوتهم من جهة، وشعاراتهم المرفوعة من جهة أخرى، أن يطرحوا أنفسهم مدافعين عنه وعن بنوده، وأعني بهم القوى الغربية الكبرى.

إنهم يفتكون بالإنسان بشتى أنواع الصور ويهتكون كرامته، ويسلبون شعوبًا كاملة أعز ما تملك، ثم يتبجحون بـ حقوق الإنسان والحرية وأمثالهما، في حين توصف الدول الأخرى التي لا تسير في ركاب الغرب بالعداء ل حقوق الإنسان.

إن الحديث في هذا المجال ذو شجون وخصوصًا إذا نظرنا إلى ما يسمى "بحق النقض الذي تتمتع به الدول الكبرى خارقة بذلك كل حقوق الإنسان.

ولكنه - على أي حال - يحول البحث إلى مجال آخر، لست الآن بصدد الدخول فيه.

واللهَ تعالى نسأل أن يوفقنا للعمل بأحكامه، والقيام بكل ما فرضه من حقوق.

* * *

ص: 190

الخلاصة

طرحنا - في بحثنا المقارن بين حقوق الإنسان في الإعلان الإسلامي والدستور الإسلامي الإيراني ونظيرتهما في الإعلان العالمي - مقدمة أكدنا فيها العلاقة بين المسألة الفلسفية (الموقف من الحياة والوجود) ، والمسألة الاجتماعية (الموقف من النظام الاجتماعي) ، وشرحنا أهم المصطلحات في البين، ثم بينَّا فيها ملاكات تشخيص الحقوق الإنسانية ولخصناها بالوجدان النظري (إجمالًا) وبالدين الواقعي (تفصيلًا) ، ثم ذكرنا لمحة سريعة عن تطورات النظرة الحقوقية عبر التاريخ.

وفي المرحلة التالية من المقال ذكرنا نصي الإعلانين (الإسلامي والعالمي) وقدمنا قائمة مقارنة للحقوق، وتحدثنا - بعد ذلك - عن المبادئ التي بنيت عليها في كلا الإعلانين والدستور.

أما في المرحلة الثالثة من البحث فقد ذكرنا مواطن الالتقاء ومواطن الاختلاف بشئ من التفصيل.

ثم عقبنا بذكر موارد النقص في الإعلان العالمي، ثم بعض الملاحظات على الإعلان الإسلامي.

وختمنا البحث بذكر أكبر نقص في الإعلانين، وهو عدم الإلزام فيهما والذي يقلل من تأثيرهما، خصوصًا مع ملاحظة وضع الحكومات في عالمنا الحالي.

* * *

ص: 191