المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلامي

إعداد أ. د محمود أحمد أبو ليل

أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون

بجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلامية

والدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

مساعد عميد كلية الشريعة والقانون لشؤون البحث العلمي

والأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية

تمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

يعتبر الوقف من أهم روافد الخير في المجتمع الإسلامي، ومن أعظمها أجرا وأبقاها أثرا، وقد طالت خدماته قطاعات مختلفة من المجتمع؛ فكم ساهمت موارده في إقامة المساجد والمعاهد والمكتبات، ودعم العلماء والدعاة والطلاب والفقراء والمرضى، ومواساة المنكوبين والمحتاجين عبر العصور المختلفة.

ومما يساعد على قيام الوقف بأداء رسالته على أكمل وجه حسن تنمية أمواله، واستثمار موارده في الطرق المباحة والمتاحة، التي تزيد من دخله، وتحافظ على قوته، وتمكنه من تفعيل أنشطته ومد خدماته في سائر أنحاء المجتمع.

وهذا البحث يتناول (استثمار موارد الأوقاف في الفقه الإسلامي) وقد جعلته في مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة.

المقدمة: تعريف الاستثمار لغة واصطلاحًا.

الفصل الأول: بعض مسائل الوقف ذات الصلة ب الاستثمار.

الفصل الثاني: طرق استثمار الأموال النقدية.

الفصل الثالث: طرق استثمار العقارات الوقفية.

الخاتمة: توصيات.

ص: 377

المقدمة:

تعريف الاستثمار لغة واصطلاحا

أولا - تعريف الاستثمار لغة:

الاستثمار: مأخوذ من الثمر، والثمر لغة حمل الشجر، ومنه قوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 141] ، ويطلق مجازا على أنواع المال المستفاد، ومنه قوله تعالى:{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف: 34] ، فقد نسب الإمامان الطبري، والنيسابوري إلى بعض المفسرين أن المراد بالثمر في هذا المقام الأموال الكثيرة (1) .

ويطلق مجازًا كذلك على الولد، تشبيها له بحمل الشجر، ومنها قولهم:(الولد ثمرة الفؤاد) .

والثامر: كل شيء خرج ثمره، وأرض ثميرة وثمراء: كثيرة الثمر، وثَمَّرَ ماله: نمَّاه وكثَّرَه، وأثمر الرجل وثمر – كنصر - كثر ماله، ويقال لكل نفع يصدر عن شيء: ثمرته، كقولك: ثمرة العلم العمل الصالح، وثمرة العمل الصالح الجنة (2)

والخلاصة: أن ثمرة الشيء منفعته، وما تولد منه، وصيغة (استفعل) تفيد طلب الفعل، فيكون معنى استثمار الموارد: طلب الحصول على ثمرتها ومنفعتها ونمائها.

(1) تفسير الطبري: 15/ 245 – 246، ط الحلبي؛ غرائب القران للنيسابوري: 15/ 132

(2)

انظر: لسان العرب؛ وتاج العروس، مادة: ثمر.

ص: 378

ثانياً - تعريف الاستثمار اصطلاحا:

لم يشع مصطلح الاستثمار كثيرا لدى فقهائنا القدامى، ولكنهم استعملوا مصطلحات قريبة منه مثل: الاستنماء في كلام الكاساني، إذ قد نص في البدائع على أن:(المقصود من عقد المضاربة هو استنماء المال) .

(1)

وعلل الدردير في الشرح الصغير مشروعية المضاربة بأنه (ليس كل واحد يقدر على التنمية بنفسه)(2)

وقال الشيرازي في المهذب: (الأثمان في المقارضة لا يتوصل إلى نمائها، أي: زيادتها المقصودة إلا بالعمل) . (3)

وقد شاع هذا المصطلح في أوساط الاقتصاديين المعاصرين، وله عندهم معان متعددة، أشهرها:

1-

الاستثمار عبارة عن الإضافة الجديدة من المنتجات الإنتاجية، أو الرأسمالية على رأس مال الدولة المتاح.

2-

هو العملية الناشئة عن تدخل إيجاب صادر عن فرد ما بقصد إيجاد مال دائم يؤمن خدمات آجلة.

3-

هو التوظيف المنتج لرأس المال.

4-

هو عبارة عن استعمال الأموال في الحصول على الأرباح.

(4)

وذكر في المعجم الوسيط أن مجمع اللغة العربية أقر كلمة الاستثمار بمعنى استخدام الأموال في الإنتاج، إما مباشرة بشراء الآلات (5)

والمواد الأولية، وإما بطريق غير مباشر كشراء الأسهم والسندات.

وتبنت الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية مفهوما واسعا لـ لاستثمار، فجعلته يعني توظيف النقود لأي أجل في أي أصل، أو حق ملكية، أو ممتلكات، أو مشاركات للمحافظة على المال، أو تنميته سواء بأرباح دورية، أو بزيادات في قيمة الأموال في نهاية المدة، أو بمنافع غير مادية (6)

ونقصد باستثمار موارد الوقف في بحثنا هذا توظيف الأموال الوقفية الفائضة عن الحاجة الضرورية في نشاط اقتصادي مشروع، ومنتج بقصد تنمية هذه الأموال والحصول على عوائد مجزية تساعد في تحقيق رسالة الوقف، ومقاصده السامية.

(1) بدائع الصنائع للكاساني: 6 / 88.

(2)

الشرح الصغير للدردير: 3/ 186، ط دار المعارف بمصر، 1393 هـ.

(3)

المهذب للشيرازي: 1/ 483، ط الحلبي.

(4)

انظر هذه التعريفات في كتاب: الاستثمار، أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي. د. قطب مصطفى سانو- دار النفائس- الأردن، ص 20 – 21.

(5)

المعجم الوسيط: 1/ 100، مادة: ثمر

(6)

انظر: الموسوعة العلمية للبنوك الإسلامية: 6/ 14 وما بعدها؛ وانظر: بحث: الوقف الخيري والاستثمار من منظور الاقتصاد الإسلامي، د. علي السالوس، ضمن ندوة أبحاث الوقف الخيري المنعقدة في أبو ظبي بإشراف هيئة أبو ظبي الخيرية، ص 87-88.

ص: 379

الفصل الأول

بعض مسائل الوقف ذات الصلة بالاستثمار

إن استثمار أموال الوقف يقتضي أحيانا مخالفة شروط الواقفين، والقيام بعمارة الوقف، وتوفير السيولة النقدية اللازمة لـ لاستثمار، وبيع الوقف واستبداله.

ولذلك من المفيد أن نبين حكم هذه المسائل بإيجاز:

أولا - مدى احترام شروط الواقفين:

لقد توسع الفقهاء في احترام إرادة الواقفين وشروطهم، ووجوب اتباعها قدر الإمكان، ما دامت لا تخالف الشرع، ولا تنافي مقتضى الوقف، من قبل أن الوقف عمل خيري من حق صاحبه أن يشترط فيه ما شاء ضمن الضوابط الشرعية، ورسول الله يقول:((المسلمون عند شروطهم، إلا شرطا أحلَّ حراما، أو حرم حلالا)) (1)

وقد نص الحنفية على شروط عشرة يجوز للواقف أن يشترطها وهي:

1 و 2- الزيادة في استحقاق الموقوف عليهم، أو نقصانه.

3 و 4- أن يدخل في المستحقين من شاء، ويخرج من شاء.

5 و 6- أن يعطي من ريع الوقف من شاء، ويحرم من شاء.

7 و 8- أن يستبدل بعين الوقف عينا أخرى.

9 و 10- تعديل مصارف غلة الوقف.

(2)

وهذه الشروط ترجع في الحقيقة إلى شرط واحد هو شرط التغيير والتبديل بمعناه الواسع، وهذه الشروط تتسع لها قواعد الأئمة الآخرين، وتطبيقاتهم الفقهية. (3)

(1)(1) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الشروط، باب الشروط في الولاء، رقم (2527) .

(2)

فتح القدير لابن الهمام: 5/ 58؛ حاشية ابن عابدين: 3 /388.

(3)

انظر مثلا: الحاوي الكبير للماوردي: 9/ 394؛ معونة أولي النهى: 5/ 799 وما بعدها؛ مغني المحتاج: 2/ 385؛ الذخيرة للقرافي: 6 /329.

ص: 380

مخالفة شرط الواقف في مسائل سبع:

ذكر بعض الفقهاء أنه تجوز مخالفه شرط الواقف في سبع مسائل:

ا- إذا شرط عدم الاستبدال، وقامت مقتضيات الاستبدال لدى القاضي.

2-

إن شرط أن القاضي لا يعزل الناظر فله عزل غير الأهل.

3-

إن شرط ألا يؤجر وقفه أكثر من سنة والناس لا يرغبون في استئجار سنة، أو كان في الزيادة نفع للفقراء فللقاضي المخالفة دون الناظر.

4-

لو شرط أن يقرأ على قبره فالتعيين باطل، أي على القول بكراهية القراءة على القبر والمختار خلافه.

5-

إن شرط أن يتصدق بفائض الغلة على من يسأل في مسجد كذا، فللقيم أن يتصدق على غيره.

6-

لو شرط للمستحقين خبزا ولحما كل يوم فللقيم دفع القيمة من النقد.

(1)

وزاد بعضهم مسألتين:

1-

إذا شرط ألا يؤجر بأكثر من كذا وأجر المثل أكثر.

2-

لو شرط ألا يؤجر لصاحب جاه فآجره منه بأجرة معجلة.

(2)

وذكر في (معونة أولي النهى) نقلا عن ابن تيمية، أنه يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه، وإن اختلف ذلك باختلاف الأزمان. (3) وهو فقه حسن.

(1) انظر: الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص 195- ط دار الكتب العلمية- بيروت.

(2)

حاشية ابن عابدين: 3/ 389- 417.

(3)

معونة أولي النهى: 5/ 781.

ص: 381

ثانيًا - بيع الوقف واستبداله:

وذكر الحنفية أنه يجوز بيع الوقف واستبداله بغيره إن صار لا ينتفع به بالكلية، بأن لا يحصل منه شيء أصلا أو لا يفي بمؤونته، واشترطوا بالإضافة إلى ذلك الشروط الآتية:

1-

ألا يكون البيع بغبن فاحش.

2-

أن يكون المستبدل قاضي اللجنة المفسر بذي العلم والعمل؛ لئلا يتذرع به إلي إبطال أوقاف المسلمين.

3-

أن يستبدل بعقار لا بدراهم؛ لئلا يأكلها النظار.

4-

ألا يبيعه ممن لا تقبل شهادته له، ولا ممن عليه دين.

5-

أن يكون البدل والمبدل منه من جنس واحد، والظاهر أن هذا في الموقوف للانتفاع لا للاستغلال؛ لأن المنظور إليه في الأخير كثرة الريع، وقلة الخدمة والمؤونة. (1)

وأجاز المالكية بيع ما لا ينتفع به من غير عقار، وصرف ثمنه في مثله، ويجعل مكانه، فإن لم يصل إلى كامل من جنسه جعل في شخص من مثله.

وأما بيع العقار فيتشدد فيه المالكية، ولا يجيزونه، وإن خرب ما حواليه، وبعدت العمارة عنه، وعللوا ذلك بأن في بيعه إبطالا لشرط الواقف، وحلا لما عقده، ولإمكان عودة العمارة إليه (2) ، ولكن يجيزون بيع الدور المحبسة حول المسجد لتوسيعه بها، وكذلك الطريق؛ لأن السلف عملوا ذلك في مسجده صلى الله عليه وسلم. (3)

(1) انظر: فتح القدير: 5 / 58؛ حاشية ابن عابدين: 3/ 388- 389.

(2)

انظر: التاج والإكليل للمواق: 6/ 41؛ المعونة على مذهب عالم المدينة: 3/ 1594؛ الذخيرة للقرافي: 6 / 328- 330.

(3)

الذخيرة للقرافي: 6/ 331.

ص: 382

والجمهور لا يجيزون بيع المسجد، وإن خرب ما حواليه، واستدلوا بالكعبة، فإن الإجماع انعقد على عدم خروج موضعها عن المسجدية والقربة (1)

وذكر الشافعية بعض الحالات التي يجوز فيها نقل الوقف، فقد نص في (فتح العزيز) أنه إذا وقف على قنطرة فانخرق الوادي، وتعطلت تلك القنطرة، واحتيح إلى قنطرة أخرى جاز النقل إلى ذلك الموضع (2) ، بل ذهب الشافعية في وجه لهم إلي جواز بيع الوقف منقولا، أو عقارا إذا تعطلت واختلت منافعه. (3)

والحنابلة توسعوا في بيع الوقف واستبداله، فأجازوا بيعه إذا لم يورد شيئا، أو أورد شيئا لا عبرة به ولم يوجد ما يعمر به ويشتري بثمنه ما يورد على أهل الوقف ولو كان من غير جنسه، وكذلك أجازوا بيع المسجد إذا خرب وعدم الانتفاع به لهجر الناس له ويستبدل به مسجد آخر (4)

والراجح هو التوسعة على القاضي والسلطان في النظر في استبدال الوقف بغيره بحسب ما تقتضيه مصلحة الوقف والمنتفعين به إن تعذر الإبقاء على صورته، وهذا يتمشى مع مذهب الحنابلة.

وقد وجه ابن عقيل ذلك بأن الوقف إذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى واتصال الإبدال جرى مجرى الأعيان، وجمودنا مع العين مع تعطيلها تضييق للغرض، ويقرب هذا من الهدي إذا عطب فإنه يذبح في الحال وإن كان يختص بموضع، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفى منه ما أمكن (5) .

(1) فتح القدير: 5 /65؛ مغني المحتاج: 2/ 392.

(2)

فتح العزيز للرافعي: 6/ 304.

(3)

فتح العزيز للرافعي: 6/ 298.

(4)

انظر: شرح الزركشي على الخرقي: 615/6؛ معونة أولي النهى لابن النجار: 5/ 1 86 -862

(5)

معونة أولي النهى: 5/ 268

ص: 383

ثالثًا-عمارة الوقف: ينبغي استثمار غلة الوقف في عمارته أولًا ولو من غير شرط الواقف؛ لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدًا ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة، فيثبت شرط العمارة اقتضاء وضرورة، فلو كان في الوقف شجر مثلا يخاف هلاكه كان له أن يشتري من غلته فسيلا فيغرزه؛ لأن الشجر يفسد على امتداد الزمان، وكذا إذا كانت الأرض سبخة لا ينبت فيها شيء كان له أن يصلحها.

ويدخل في ذلك دفع المرصد (1) الذي قام على الدار فإنه مقدم على الدفع للمستحقين، فإن المرصد دين على الوقف لضرورة تعميره، فإذا وجد في الوقف مال ولو في كل سنة شيء حتى تتخلص رقبة الوقف ويصير يؤجر بأجرة مثله لزم الناظر ذلك.

إلا أن عمارة الوقف زيادة على ما في زمن الواقف لا تجوز بلا رضى المستحقين.

وإذا كان الوقف على معين فعمارته في ماله بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه.

ولو شرط الواقف تقديم العمارة ثم الفاضل للفقراء أو المستحقين لزم الناظر إمساك قدر العمارة كل سنة بحسب ما يغلب على ظنه الحاجة إليه وإن لم يحتجه الآن، ويصرف الزائد على ما شرط الواقف، لجواز أن يحدث حدث ولا غلة للأرض حينئذ (2) .

(1) المرصد: دين يثبت على الوقف لمستأجر عقار مقابل ما ينفقه بإذن المتولي عند عدم وجود غلة في الوقف، ثم يؤجر منه بأجرة مخفضة مقابل الدين. انظر: المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، مصطفى الزرقاء، ط 1 سنة 1946 م، ص 42- 43

(2)

حاشية ابن عابدين: 3/ 376-377، 397؛ فتح القدير: 5/ 53- 54

ص: 384

وأجاز الحنابلة بيع بعض الموقوف لإصلاح باقيه إن اتحد الواقف والجهة، كأن يقف أحد دارين مثلا، فإذا خربتا بيعت إحداهما ليعمر بثمنها الأخرى، ولا يعمر من وقف آخر (1)

بل أفتى بعض الحنابلة بجواز عمارة وقف من ريع وقف آخر على جهته (2) وهذا هو الراجح.

بل لا مانع من النظر إلى أوقاف المسلمين في الأقطار المختلفة كأوقاف واحدة يجري التنسيق بينها والإفادة من ريع بعضها في عمارة البعض الآخر عند اتحاد الجهة

وتجوز الاستدانة على الوقف لمصلحة تعميره واستغلاله بشرطين:

1-

إذن القاضي إذا لم يكن بعيدًا عنه، فلو بعد منه يستدين بنفسه، وهذا القيد لم يعد ذا بال اليوم لسهولة الاتصال بالوسائل الحديثة.

2-

ألا يتيسر إجارة العين والصرف من أجرتها (3) .

وأجاز بعضهم لناظر الوقف أن يشتري متاعا بأكثر من قيمته ويبيعه ويصرفه على العمارة (4)

(1) معونة أولي النهى: 5/ 865- 866

(2)

معونة أولي النهى: 5/ 866

(3)

حاشية ابن عابدين: 3/ 419؛الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص 194؛ وانظر: فتح العزيز للرافعي: 6/ 303

(4)

الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص 194

ص: 385

رابعا- وقف النقود:

لما كان لتوفير السيولة النقدية أكبر الأثر في عمارة الوقف وحسن استثمار موارده رأينا من المناسب بحث مسألة وقف النقود بشيء من التفصيل:

لقد أجاز جمهور الفقهاء جواز وقف المنقولات التي يمكن الإفادة منها مع بقاء عينها، وهذا ينطبق على النقود لأنها من جملة المنقولات، وقد خصها كثير من العلماء من مختلف المذاهب بالذكر:

فقد ذكر الكمال الحنفي أن محمدًا الأنصاري - وكان من أصحاب زفر - سئل فيمن وقف الدراهم أو الطعام أو ما يكال أو ما يوزن أيجوز ذلك؟ قال: نعم، قيل: كيف؟ قال: يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه (1)

وجاء في (الشرح الصغير) أن جواز وقف الطعام والعين (النقود) نص (المدونة) فلا تردد فيه، نعم قال ابن رشد: إنه مكروه؛ وهو ضعيف، وأضعف منه قول ابن شاس: لا يجوز (2)

وذكر النووي في (الروضة) أن في وقف الدراهم والدنانير وجهين كإجازتهما إن جوزناهما صح الوقف لتكرى (3)

وجاء في فتاوى ابن تيمية: (قال أبو البركات: وظاهر هذا وقف الأثمان لغرض القرض أو التنمية والتصدق بالربح، وهذه المسألة فيها نزاع في مذهب أحمد، وكثير من أصحابه منعوا وقف الدراهم والدنانير)(4) .

(1) انظر: فتح القدير للكمال بن الهمام: 6/ 219.

(2)

الشرح الصغير للدردير: 4/ 102.

(3)

روضة الطالبين للنووي: 5/ 315.

(4)

فتاوى ابن تيمية: 31/ 234- 235

ص: 386

والملاحظ أن كثيرا من الفقهاء القائلين بصحة وقف النقود جعلوا وقفها فرع إجارتها للوزن أو للزينة، والصحيح أن وقف النقود يرتكز إلى الإفادة من قوتها التبادلية وقيمتها الشرائية؛ لأن إجازتها بقصد التحلي ليظهر غنى المستأجر ومنزلته لم تجرِ به عادة، وهو أقرب إلى السفه والعبث، وإجارتها للوزن كذلك لم تعد واردة اليوم لحلول النقد الورقي محل الذهب الذي كان يوزن، وهذا النقد ليس له قيمة ذاتية داخلية، بل أضحى مجرد رموز نقدية تتوقف قيمته على عوامل متعددة (1)

وقد يستشكل بعضهم وقف النقود من قبل أن لا سبيل للانتفاع بها إلا باستهلاكها، ومن شرط وقف المنقول إمكان الإفادة منه مع بقاء أصله.

ويجاب عن ذلك أن الإفادة من النقود لا تكون باستهلاكها حقيقة كما تستهلك السلع الأخرى، وإنما باستعمال قوتها التبادلية وتقويمها المالي للسلع والخدمات، وهي في حد ذاتها لا منفعة فيها ولا تشبع حاجة من أكل أو شرب أو لباس أو غير ذلك.

وقصارى القول: أنه يجوز وقف النقود للقرض أو لـ لاستثمار وتوزيع العائد، وفي ذلك إشاعة للوقف وتشجيع عليه وتعديد لمصادره وقنواته، وتمش مع روح العصر ومرونة الفقه وتحقيق الصالح العام (2) .

(1) انظر: مصرف التنمية الإسلامي، رفيق المصري، مؤسسة الرسالة، ص 176- 177

(2)

انظر: بحث (وقف النقود في الفقه الإسلامي) للدكتور محمود أبو ليل، المنشور بمجلة الشريعة والقانون، عدد (12) سنة 1999 م، ص 33 وما بعدها

ص: 387

***

(1)

الفصل الثاني

طرق استثمار الأموال النقدية

هناك طرق عدة لاستثمار الأموال النقدية الفائضة عن حاجة عمارة عقارات الأوقاف بعضها قديم وبعضها حديث، من أهمها:

أولًا - الدخول في مضاربة مع الأفراد أو المؤسسات:

والمضاربة عبارة عن (عقد على الشركة بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر)(1) .

وتسمى قراضا أيضا، وهي مشروعة بالسنة التقريرية والإجماع.

فقد كان الصحابة يسافرون بمال غيرهم مضاربة، ولم ينه الرسول عن ذلك (2)

وقال الزرقاني: قال أبو عمر: (أجمع العلماء على أن القراض سنة معمول بها)(3)

وقد نقل الإجماع كذلك عن غير واحد من العلماء (4) .

وقد نوقشت طريقة استثمار أموال الوقف في سندات المقارضة أو المضاربة في الندوة التي نظمها البنك الإسلامي للتنمية بجدة حول إدارة وتنمية ممتلكات الأوقاف في محاضرة (ولي خير الله) ، ولم توصِ الندوة باستخدامها على اعتبار أن المضارب لا يضمن.

وقد أصدر المجمع الفقهي قرارا يبين فيه طريقة لجبر الخسارة المتوقعة من هذا الاستثمار، فقد جاء فيه:(ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم ليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما يتبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد)(5) .

(1) انظر: نتائج الأفكار، قاضي زاده؛ لتكملة فتح القدير لابن الهمام: 8/ 445- دار الفكر؛ حاشية ابن عابدين: 5 /64 ط 2- ط مصطفى الحلبي؛ المغني لابن قدامة: 5/ 15- دار الفكر

(2)

الفتاوى لابن تيمية: 19/ 194- 195.

(3)

شرح الزرقاني على الموطأ: 3/ 345- دار الفكر

(4)

انظر: الإجماع لابن حزم، ص91 مطبوع مع محاسن الإسلام للبخاري- دار الكتاب العربي؛ المغني لابن قدامة: 5 /16- دار الفكر؛ الهداية للمرغيناني وشرح العناية للبابرتي مطبوع مع نتائج الأفكار: 8/ 446- دار الفكر؛ بداية المجتهد لابن رشد: 2/ 36- ط مصطفى الحلبي

(5)

انظر: ندوة الوقف الخيري المنعقدة في أبو ظبي (29- 30/ 10/ 1415 هـ)، بحث الصديق أبو الحسن: مقتطفات من أحكام الوقف، ص 75- 76، نقلا عن مجلة المجمع الفقهي الإسلامي عدد (4) سنة 1408 هـ: 3/ 1261- 1265

ص: 388

وأرى أن هذا التحفظ محله أموال الوقف العامة، ولا ينطبق على خصوص الأموال النقدية الموقوفة لغرض التنمية والاستثمار وتوزيع الأرباح مادام صاحبها قد وقفها على هذا الوجه.

ولا بد من الإشارة إلى مشروعية المضاربة المشتركة التي تتولاها البنوك الإسلامية ويمكن تنمية أموال الوقف من خلالها.

هل يمكن اعتبار شهادات الاستثمار من المضاربة المشروعة؟

ذهب بعضهم إلى اعتبار شهادات الاستثمار نوعا من المضاربة المشروعة، والصحيح أنها في حقيقتها قرض جر نفعا وهو ربا محرم مهما اختلفت طريقة توزيع عائداتها أو اختلفت أسماؤها ومصطلحاتها.

وهناك فروق جوهرية بين هذه الشهادات والمضاربة المشروعة؛ أهمها:

1-

أن العلاقة بين رب المال والعامل المضارب علاقة شراكة غنما وغرما، والمضارب لا يملك المال إنما هو وكيل فيه يتصرف بإذن صاحبه.

أما علاقة صاحب شهادات الاستثمار بالجهة المصدرة- عامة كانت أو خاصة- فعلاقة دائن بمدين، وتلك الجهة مالكة للمال ولها حرية التصرف فيه.

2-

أن شهادات الاستثمار مضمونة على الجهة المصدرة لها، ومال المضاربة لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير.

3-

لا يجوز لأحد طرفي المضاربة أن يشترط لنفسه ربحا معينا بالمقدار، وشهادات الاستثمار يشترط فيها ذلك.

ومستند هذا الشرط- أي عدم تحديد ربح معين بالمقدار- أنه يقوم على مبدأ العدل في عقود المعاوضات والمشاركات، وقياسا على النهي عن تخصيص ريع ناحية معينة في المزارعة لأحد الطرفين، وهو ثابت بالسنة النبوية (1) .

(1) انظر: بحث (وقف النقود) للدكتور محمود أبو ليل، مجلة الشريعة والقانون، ص 58- 59، عدد (12) سنة 1999 م

ص: 389

ثانيا- الاتجار بالبيع بالنسيئة وتقسيط الثمن بسعر أعلى من البيع العاجل:

والراجح جواز هذه الطريقة في الاستثمار؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، وهو داخل في عموم قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] ، والبائع حر في تحديد أسعاره بحسب الأحوال المختلفة شريطة ألا يكون غبن أو غش أو احتكار أو استغلال، كما أن المشتري حر هو الآخر في قبول الثمن الذي يريد.

والشبهة في هذا البيع تكمن في أن زيادة الثمن كانت مقابل الأجل فيما يبدو، وهذا قد يجعله من جنس ربا القروض، ولكن هذه الشبهة لا تصح أساسا للقياس لوجود اختلاف جوهري بين المسألتين:

فالقرض عمل خيري والعلاقة بين طرفيه يفترض فيها انعدام التكافؤ؛ لأن المقترض فيها طرف ضعيف فكان أساسه الرفق والتسامح، وأي زيادة فيه تنافي روحه ومقتضاه.

وأما البيع فهو عمل تجاري متكافئ الطرفين، وباب المساومة فيه مفتوح ليحقق كل منهما ما يستطيع من مكاسب.

والربح في التجارة قائم أساسا على نقل البضاعة من مكان إلى مكان ومن زمن إلى زمن، فعامل الزمن سبب من أسباب الربح، والبيع نسيئة بسعر أعلى من البيع الحال نشاط تجاري منتج تتحقق فيه المصلحة لكلا الطرفين وتتوزع فيه الأعباء والمخاطرة على كليهما، أما المرابي فليس له نشاط إلا انتظار الوقت والإفادة من أزمات الآخرين واستغلال جهودهم، وهو نشاط طفيلي عقيم (1) .

ولا بد من الإشارة إلى أنه في حالة البيع نسيئة أو بالتقسيط يجب أن يحدد الثمن من البداية، ولا تجوز الزيادة فيه بعد ذلك إذا تأخر المشتري عن السداد مهما كان السبب، كما لا يجوز شرعا التنصيص في هذا العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بـ الفائدة السائدة.

وقد أجاز هذا البيع بالضوابط السابقة المجمع الفقهي الإسلامي في جلسته المنعقدة بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان سنة 1410 هـ الموافق 14- 20 آذار سنة 1990 م.

(1) انظر: مصرف التنمية الإسلامي، د. رفيق المصري، ص 194

ص: 390

ثالثا- الاستثمار بشراء الأوراق المالية المباحة:

وذلك كشراء الأسهم في الشركات التي تزاول أنشطة مشروعة بعد دراسة جدواها الاقتصادية.

ومن المعروف أن السهم صك قابل للتداول ويمثل حصة شائعة في الشركة التى تصدره.

فإذا كانت الشركة تزاول أنشطة مباحة ولا تتعامل إلا مع البنوك الإسلامية، فأسهمها حلال قطعا وإذا كانت تعمل في الحرام في الإقراض الربوي مثلا أو في الاتجار بالخمور أو مزاولة التأمين التجاري ونحو ذلك؛ فأسهمها حرام قطعا كذلك.

وإن كانت أنشطتها الأساسية مباحة ولكنها تتعامل مع البنوك الربوية، وتضع فيها فائض سيولتها وتتقاضى عليها فوائد وتفتح فيها اعتمادات مالية، وتحصل منها على خطابات ضمان لقاء عمولات ونحو ذلك، فالمساهمة في مثل هذه الشركات محل خلاف بين علماء العصر، فمنهم من غلب في الاعتبار جانب النشاط الأساسي فأباحها بشرط التخلص من الجزء الربوي ولو تقديرا، ومنهم من حرمها لما ورد من التشديد في حرمة الربا ولعنة آكله وموكله.

وقد بحث هذه المسألة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في شعبان سنة 1415 هـ، حيث انتهى إلى تحريم هذا النوع من الأسهم.

وأرى أن الخلاف في بعض أوجه الاستثمار - كما في مثل هذه الشركات ونحوها- ينبغي أن نرجح فيه جانب الصالح العام، والأخذ بالرخصة والتيسير إذا تعلق بالمؤسسات العامة والأموال الوقفية وأموال القاصرين، ويكون القول بالجواز سائغا ومقبولا.

وأما الإيداع في البنوك الربوية التجارية وأخذ الفوائد منها فهو حرام، وخلاف بعض علماء العصر فيه لا اعتداد به، فلا تجوز إباحته لا للأوقاف ولا لغيرها، لأن جوهره يقوم على الربا بعينه التي تعتبر حرمته من قطعيات الدين، وما ذكر في تبريره مردود، لأنه اجتهاد في مورد النص، ولا يصح اعتباره من المعاملات الحديثة التي تخضع للاجتهاد وتندرج تحت المصالح المرسلة، لأن الحداثة في الشكل فقط، وأما الجوهر والمضمون فلا يختلف عن حقيقة الربا في شيء.

ص: 391

على أنه يصح في نظري استثمار الأموال الوقفية بعد الدراسة الكافية، في البنوك الربوية التابعة لدار الحرب وأخذ الفوائد منها وفقًا لمذهب الحنفية، عملا بما جاء في الحديث:((لا ربا في دار الحرب)) (1) ، وتأسيسًا على جواز أخذ مال الحربي بأية وسيلة لا خيانة فيها ولا خداع، ومراعاة لمصلحة الوقف كما بينا.

رابعا- الاستثمار بإنشاء أنواع المستغلات الأخرى:

يمكن للأوقاف- إذا توفرت لديها السيولة الكافية- إنشاء المؤسسات المختلفة الصناعية منها والتجارية والخدمية بعد التحقق من ثبوت جدواها الاقتصادية؛ وذلك كإنشاء المصانع والمستشفيات التي تراعي في أجورها قدرات المرضى المالية، وإنشاء شركات النقل المختلقة، وتأسيس الجامعات والمعاهد العلمية التي تتفاوت رسومها بحسب تفاوت أحوال الطلبة، وفي هذه الحالات، يقتطع نسبة من صافي الأرباح قبل توزيعها لاحتياطي الاستهلاك لاستبدال الأصول الجديدة بالأصول الثابتة، اتفاقًا مع طبيعة الوقف من حيث الدوام والتأبيد (2) .

(1)(لا ربا بين المسلمين والحربي في دار الحرب)، الحديث نقله الإمام الشافعي في الأم: 7/ 326 ط الشعب، باب (بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب)، عن أبي يوسف أنه قال: وإنما أحل أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ربا بين أهل الحرب) ، وما قال أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه، ورواه البيهقي نقلا عن الإمام الشافعي في معرفة السنن والآثار) : 13 /276، وأورده الزيلعي في نصب الراية: 4/ 44 وقال عنه. غريب

(2)

انظر: بحث (الوقف الخيري الاستثماري من منظور الاقتصاد الإسلامي) ، د. علي السالوس، ص 92- ضمن أبحاث ندوة (الوقف الخيري) المنعقدة في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بإشراف اللجنة الشرعية بهيئة أبو ظبي الخيرية

ص: 392

***

الفصل الثالث

طرق استثمار العقارات الوقفية

من أهم طرق استثمار العقارات الوقفية ما يلي:

أولا - الاستثمار الزراعي:

الاستثمارالزراعي من أفضل أنواع الاستثمار وأكثرها بركة وأطيبها غلة وأنفعها للمجتمع، لما يترتب عليه من عمارة الأرض واستغلال خيراتها، وتأمين الغذاء للطير والحيوان والإنسان، والمحافظة على التربة من عوامل الانجراف، وتنقية الهواء وتجميل الحياة.

ويمكن لإدارة الأوقاف استغلال الأرض في الزراعة مباشرة إذا كانت وقفا خيريا مطلقا.

كما يمكن استغلالها عن طريق المساقاة (1) إن كانت ذات شجر، وعن طريق المزارعة إن كانت أرضا زراعية خالية من الشجر.

أما المساقاة فهي جائزة عند العلماء ولا إشكال فيها.

وأما المزارعة فضربان:

ضرب أجمع الفقهاء على فساده: وهو أن تكون حصة كل واحد من العامل المزارع ورب الأرض من زرع الأرض مفردة عن حصة صاحبه.

وضرب مختلف فيه: وهو أن يزارع رب الأرض العامل على أرضه ليكون العمل على الأجير، والأرض لربها، والبذر بينهما أو من أحدهما بحسب شرطهما، على أن ما أخرج الله تعالى من زرع كان بينهما على سهم معلوم من نصف أو ثلث أو ربع، فهذا النوع من المزارعة اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة أقوال:

أحدها: وهو مذهب الجمهور: أنها باطلة، سواء شرط البذر على الزارع أم على رب الأرض، استدلالا بقول جابر رضي الله عنه:((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة)) (2) المذهب الثاني: أنها جائزة، سواء شرط البذر على الزارع أم على رب الأرض، وهو مذهب الصاحبين من الحنفية، ودليل ذلك ما جاء عن ابن عمر:((أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج من ثمر وزرع)) (3) .

ومن المعقول أن المعاملة على الأصول ببعض نمائها يجوز؛ كـ المساقاة على النخل، والمضاربة بالمال، وكذلك المخابرة على الأرض.

المذهب الثالث: إن شرط البذر على صاحب الأرض لم يجز، وإن شرطه على الزارع جاز، وهو مذهب أحمد (4)

والصحيح هو المذهب الثاني القائل بالجواز، وما ورد من نهي فمحمول على الضرب الأول من المزارعة القائم على تخصيص غلة جزء معين من الأرض لكل منهما، لما فيه من معنى المقامرة.

(1) المساقاة: هي أن يعامل إنسانا على شجر ليتعهده بالسقي والتربية على أن ما رزقه الله من الثمرة يكون بينهما

(2)

أخرجه البخاري في الشرب والمساقاة؛ ومسلم في البيوع

(3)

أخرجه البخاري في الإجارة والحرث والمزارعة والشركة والمغازي؛ ومسلم في المساقاة

(4)

انظر: الحاوي الكبير للماوردي: 9/ 286 وما بعدها

ص: 393

ثانيا- الإجارة:

استغلال العقارات الوقفية بالإجارة من أيسر طرق الاستثمار وأكثرها أمانا وأقلها مخاطرة وأوسعها انتشارا؛ وأكثرها ملاءمة لطبيعة الوقف العقاري وما يتصل به من منقولات، والوقف عبارة عن (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة)(1) ، والعقد الذي يرد على المنفعة هو الإجارة، لأنها عقد يفيد (تمليك المنافع بعوض)(2) .

وإجارة المباني مشروعة بلا خلاف بين العلماء، وأما إجارة الأرضين ففيها ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها باطلة لا تجوز بحال، وإليه ذهب الحسن البصري وطاوس.

والقول الثاني: أن إجارتها جائزة بالذهب والفضة ولا تجوز بالبر والشعير ولا بما ينبت من الأرض، وهو مذهب مالك.

والقول الثالث: تجوز إجارتها بكل معلوم من ذهب أو ورق أو عرض أو بما ينبت من الأرض من بر أو شعير أو غيره، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما (3) .

وهو الراجح لما جاء عن حنظلة بن قيس الأنصاري قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال:((لا بأس بها، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد وسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات وإقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء مضمون معلوم فلا باس به)) (4) .

ونظرا لأهمية الاستثمارالإيجاري نذكر بعض التفصيلات المتعلقة به:

(1) الشرح الكبير لابن قدامة، مطبوع على هامش المغني: 6/ 185- دار الكتاب العربي.

(2)

حاشية الجمل على شرح المنهج: 3/ 531؛ حاشية ابن عابدين: 6/ 4 ط 2، سنة 1386 هـ/،1996م.

(3)

انظر: الحاوي الكبير للماوردي: 9/ 291.

(4)

أخرجه مسلم في البيوع؛ وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي.

ص: 394

- مدة الإجارة:

إذا شرط الواقف ألا يؤجر أكثر من مدة معلومة، احترم شرطه إن لم يكن في ذلك ضرر على الوقف وأهله، أما إذا شرط مثلا ألا يؤجر أكثر من سنة، والناس لا يرغبون في استئجارها، وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فيرفع القيم الأمر للقاضي حتى يؤجرها، لأن له ولاية النظر للفقراء والغائب والميت.

وأما إذا أهمل الواقف تمديد المدة فللحنفية فيها ثمانية أقوال أشهرها قولان:

أحدهما: إطلاق الإجارة وعدم تقييدها بمدة، وهو قول المتقدمين من الحنفية، واختار بعضهم في الإجارة الطويلة أن تكون العقود مترادفة كل عقد على سنة.

والقول الثاني: تقييد المدة بسنة واحدة في الدار وبثلاث سنين في الأرض الزراعية، إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك، وهذا أمر يختلف باختلاف المواضع والأزمان وهو المفتى به عند الحنفية.

ومأخذ هذا القول أن طول المدة يؤدي إلى إبطال الوقف، إلا إذا اضطر إلى ذلك لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرة سنين مستقبلة فيؤجره الحاكم مدة طويلة؛ لأن المحذور الموهوم يزول عند وجود الضرر المتحقق (1) .

والمالكية- يرون تقصير مدة الإجارة كسنة وسنتين إذا كان الوقف على معينين، أما إذا كان على جهة عامة فيجيزون الإجارة على مدة أطول كأربع سنوات، كما يجيزونها إلى عشر سنوات إذا كانت للموقوف عليه المعين الذي يرجع الوقف له، كما يرون إطالة مدة الوقف إلى أربعين أو خمسين سنة إذا اقتضى ذلك حاجة الوقف إلى التعبير والإصلاح (2) .

والصحيح تفويض تقدير مدة الإجارة للمتولي بالتشاور مع القاضي على ضوء مصلحة الوقف وأهله.

(1) انظر: حاشية ابن عابدين: 3/ 396 وما بعدها؛ وانظر: الذخيرة للقرافي: 6/ 331.

(2)

انظر: التاج والإكليل لمواق بهامش مواهب الجليل: 6/ 47 وانظر: بحث د. خليفة بابكر (استثمار موارد الأوقاف) المقدم للمجمع الفقهي

ص: 395

- مراعاة أجرة المثل:

ينبغي أن تكون أجرة العقارات الوقفية مقاربة لأجرة المثل، ولا تصح بغبن فاحش إلا عن ضرورة، مثل أن تنوب الوقف نائبة، أو يكون عليه دين، أو كان لا يرغب أحد في استئجاره إلا بالأقل، ونحو ذلك.

ولكن تصح الإجارة بنقصان يسير يتغابن الناس فيه، ولا ينبغي السكوت على المستأجر بغبن فاحش- بلا مسوغ- بل يجب على كل من علم بذلك رفعه إلى الحاكم ليأمر بأجرة المثل وتسليم زائد السنين الماضية.

وقيل: يضمن الناظر النقص لأنه متصرف في مال غيره على وجه الحظ، فضمن ما نقص بعقده (1) .

والصحيح هو القول الأول، ولكن إن تعذر استيفاء النقص من المستأجر ضمنه الناظر جزاء إهماله له.

ولو رخصت الأجرة بعد العقد لا ينفسخ العقد، ولو زاد أجره على أجر مثله زيادة فاحشة وكانت الزيادة قد حصلت عفوًا لكثرة الحاجة إلى عقار الوقف فللعلماء قولان:

أحدهما: لا يفسخ العقد؛ لأن العبرة في بداية العقد وقد دفع المستأجر فيها أجرة المثل، وكما لا يجاب طلب المستأجر في إنقاص الأجرة لو نقصت أثناء العقد، اقتضت العدالة ألا يفسخ العقد لمصلحة الوقف إذا زادت عن أجر المثل بعد العقد.

والقول الثاني: يفسخ العقد تغليبا لمصلحة الوقف، ولأن المستأجر لا يطالب إلا بأجر المثل ولا ضرر عليه من ذلك (2) .والصحيح أن يفرق بين الأجرة المديدة والقصيرة، فإن كانت الأجرة مديدة فسخ العقد إلا أن يعدل إلى أجرة المثل، وإن كانت قصيرة كالسنة والسنتين لا يفسخ، وفي ذلك نوع من الموازنة بين مصلحة المستأجر ومصلحة الوقف، ولا يجوز للمتولي أن يؤجر لنفسه أو لابنه الصغير، لأنه هو الذي يتولى العقد بالولاية عنه، ولكن يجوز ذلك عن طريق القاضي.

وفي قول أن للمتولي أن يؤجر لنفسه بشرط الخيرية، أي أن يأخذ ما يساوي عشرة بخمسة عشر، ويجوز له أن يؤجر لابنه الكبير أو لأبيه بأكثر من أجرة المثل عند أبي حنيفة خلافا للصاحبين (3) .

(1) انظر: حاشية ابن عابدين: 3/ 893، 429؛ وانظر: معونة أولي النهى لابن النجار: 5/ 822؛ والذخيرة للقرافي: 6 /330.

(2)

انظر: الوقف في الشريعة والقانون، زهدي يكن، ص 98؛ وانظر: حاشية ابن عابدين: 3/ 398؛ فتح العزيز للرافعي: 9/ 294؛ التاج والإكليل لمواق: 6/ 46 مطبوع بهامش مواهب الجليل لحطاب.

(3)

انظر: حاشية ابن عابدين: 3/ 429؛ وانظر: الوقف في الشريعة والقانون، زهدي يكن، ص 95.

ص: 396

- هل تنفسخ الإجارة بموت المؤجر؟

ينفسخ عقد الإجارة بموت أحد العاقدين إذا كان عقدها لنفسه، فإن عقدها لغيره، كالواقف أو متولي الوقف، لا ينفسخ العقد بموته إلا في حالتين:

الأولى: ما إذا آجرها الواقف ثم ارتد ثم مات؛ لبطلان الوقف بردته فانتقلت إلى ورثته.

والثانية: فيما إذا آجر أرضه ثم وقفها على معين ثم مات، تنفسخ الإجارة (1) .

- أنواع من إجارة الأوقاف استحدثها الفقهاء:

1-

حق الحكر:

نقل ابن عابدين عن فتاوى خير الدين الرملي تعريف عقد الاستحكار بأنه (عقد إجارة الأرض مقررة للبناء والغرس)(2) ، فهو عبارة عن حق القرار المرتب على الأرض الموقوفة بعبارة مديدة تعقد بإذن القاضي، يدفع فيها المستحكر لجانب الوقف مبلغا معجلا يقارب قيمة الأرض، ويرتب مبلغا آخر ضئيلا يستوفى سنويًّا لجهة الوقف من المستحكر أو ممن ينتقل إليه هذا الحق، على أن يكون للمستحكر حق الغرس والبناء وسائر الانتفاع (3) .

والحكر من أقدم الحقوق العينية المنشأة على الأوقاف، وقد سمي بعد في القوانين العثمانية باسم- (المقاطعة) ، وللمحتكر حق القرار والاستمرار بعد انتهاء عقد الإجارة مادام يدفع أجرة المثل بالنسبة للأرض خالية من البناء والغرس الذي أحدثه فيها.

وأجرة المثل للأرض المحتكرة لا تبقى على حال واحدة، بل تتغير زيادة ونقصانا بحسب الزمان والمكان والعوامل الاقتصادية، وقد سبق بيان الحكم في ذلك تفصيلا.

وهذا الحق قابل للبيع والشراء وينتقل إلى ورثة المستأجر، والغرض من هذا العقد حماية الأوقاف من الضياع والإهمال والاستفادة من عائداتها إذا لم تكن مصلحة الأوقاف قادرة على عمارتها واستثمارها.

ولفظ الحكر يطلق في اصطلاح الفقهاء على ثلاثة معان:

أحدها: الأجرة المقررة على العقار المحبوس في الإجارة الطويلة.

والثاني: العقار المحتكر ذاته.

والثالث: الإجارة المديدة، ويسمى التحكير أو الإحكار، ويكون الحكر غالبًا في الأوقاف العامة، وقد يكون في الأملاك الخاصة.

والإجارة الطويلة أعم من الاحتكار؛ لأن الاحتكار يقصد به استئجار الأرض لمدة طويلة لخصوص البناء والغرس أو لأحدهما، بينما الإجارة الطويلة فقد تكون للزرع وسائر أنواع استعمالات الأرض.

وأكثر العلماء على جواز التحكير بشروط ثلاثة:

أحدها: خراب الأرض الموقوفة وتعطيل الانتفاع بها.

والثاني: ألا يكون لدى مصلحة الوقف غلة أو سيولة نقدية لعمارته.

والثالث: أن يتعذر اقتراض القدر المحتاج إليه لاستثمار الأرض بأقل من أجر تلك المدة (4) .

(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم، ص 201.

(2)

حاشية ابن عابدين: 3/ 390- 391.

(3)

انظر المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، مصطفى الزرقا، ص 41- ط 1، سنة1946م.

(4)

انظر: بحث (استثمار موارد الأحباس) كمال الدين جعيط، بحث مقدم للمجمع الفقهي بجدة.

ص: 397

ومن البديهي أن يشترط لصحة التحكير كذلك أن يكون عقد الإجارة الذي تضمنه العقد صحيحا، فإذا وقع فاسدا، كما إذا تم العقد ابتداء بغبن فاحش، أو كانت مدة الإجارة غير معينة، أو كانت الأجرة مجهولة ونحو ذلك - لا يصح التحكير، ويعامل المستأجر حينئذ معاملة من بنى أو غرس في أرض الوقف بغير وجه حق (1) .

ومما يتصل بلفظ الحكر الخلو، وهي المنفعة التي يملكها المحتكر لعقار الوقف لقاء ما دفعه من الأجرة المعجلة، فلا يملك متولي الوقف بعد ذلك إخراجه مادام يدفع أجرة المثل.

2-

حق الإجارتين:

وهو نمط استثماري أحدثته الدولة العثمانية في القرن الحادي عشر الهجري إثر انتشار حرائق كبيرة في إستانبول وغيرها من مدن الأناضول، وقد خربت الكثير من عمارات الأوقاف وسببت تشويه المدن، وعجزت غلاتها عن إصلاحها وترميمها، فابتكرت هذه الطريقة لتشجيع استئجار عمائر الأوقاف وترميمها.

وهو عبارة عن عقد إجارة مديد بإذن القاضي الشرعي على عقار الوقف المتصدع الذي عجز الوقف عن إصلاحه، ولم يوجد من يستأجره بأجرة واحدة كالمعتاد فيؤجر بأجرة معجلة تقارب قيمته ليعمر بها، وأجرة مؤجلة ضئيلة سنوية يتجدد العقد عليها ودفعها كل سنة.

والهدف من الأجرة المؤجلة الإعلام بأن الموقوف مؤجر، وحتى لا يدعي المستأجر ملكيته له مع مرور الزمن.

وهذه الطريقة مخرج من عدم جواز بيع الوقف ولا إجارته مدة طويلة عند بعض العلماء كما قدمنا.

وحق الإجارتين قريب من حق الحكر، إلا أن الفرق بينهما أن الحكر مختص بالأرض وما يقام فيها من بناء أو يغرس من شجر فملك للمحتكر؛ لأنه أنشأهما بماله الخاص بعد أن دفع إلى الوقف ما يقارب قيمة الأرض المحكرة باسم أجرة معجلة.

أما عقد الإجارتين فيرد على العقارات المتوهنة التي تعمر بالأجرة المعجلة نفسها التي دفعت لجانب الوقف، فيكون البناء والأرض ملكًا للوقف (2) .

3-

المرصد:

وهو ما يدفعه المستأجر من ماله الخاص على عمارة العقار المأجور بإذن المتولي أو القاضي عند عجز الوقف عن ذلك، ثم يؤجر منه بأجرة منخفضة لقاء هذا الدين، وإذا أراد المتولي إخراج صاحب المرصد لزمه أن يدفع له ما صرفه في البناء (3) ، وهو في الحقيقة نوع من الحكر.

(1) انظر: الوقف في الشريعة الإسلامية، زهدي يكن، ص 102.

(2)

انظر: المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، مصطفى الزرقا، ص 42.

(3)

انظر: المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، مصطفى الزرقا، ص 42؛ وانظر: حاشية ابن عابدين: 3/ 398.

ص: 398

4-

حق الكدك:

والكدك كلمة تركية الأصل تطلق على ما ينشأ في الحوانيت الموقوفة على سبيل القرار والدوام من أنوع التأسيسات التي تقتضيها ضرورة العمل فيها؛ كالمصاطب والرفوف ونحوها، وذلك بإذن المتولي.

وقد أقر الفقهاء بحق القرار لصاحب الكدك مادام يدفع للوقف أجرة المثل خاليًا عنه، لأن في إخراجه ضررًا يلحقه بما صرف عليها، ولا ضرر على الوقف من بقائه.

وأقر الفقهاء كذلك ملكية الكدك للمستأجر يهبه ويبيعه ويورث عنه، وإذا خرج صاحبه من عقار الوقف وأجر لغيره وزعت الأجرة بينه وبين الوقف كل بما يخصه من أجرة المثل (1) .

وهناك حقوق أخرى لها أسماء مختلفة وتعتبر في حقيقتها أنواعًا متفرعة من حق الحكر وحق الكدك.

ثالثًا: طرق استثمارية حديثة:

هناك صيغ معاصرة لاستثمار عقارات الوقف المعطلة لعجز دائرة الوقف عن إعمارها لعدم توافر السيولة النقدية اللازمة لها، ومن أشهر ذلك ثلاث صيغ:

الصيغة الأولى- سندات المقارضة:

والمقارضة عند الفقهاء هي المضاربة، وقد سبق أن تحدثنا عنها في استثمار الأموال الوقفية النقدية.

ويمكن الإفادة منها في استغلال عقارات الوقف المعطلة كما حصل في الأردن، وذلك بأن يقدر رأس مال المشروع من الأرض والمباني، ويقسم إلى أجزاء متساوية، ويصدر سندات بعددها، ويمثل كل سند ملكية جزء من المشروع، ويكون لجانب الوقف سندات بما يناسب قيمة الأرض، ويعرض الباقي للبيع، وتقوم دائرة الوقف ببناء المشروع، ومن ثم تأجيره وتوزيع الأجرة على أصحاب السندات كل بما يخصه، ولها من الأجرة بمقدار سندات الأرض، ثم تقوم بصفة دورية بشراء عدد من السندات ليؤول المشروع كله في النهاية لها (2)

(1) المدخل إلى نظرية الالتزام، مصطفى الزرقا، ص 44؛ وانظر: حاشية ابن عابدين 3 /391

(2)

.انظر: بحث الوقف الخيري والاستثمار من منظور الاقتصاد الإسلامي، د. علي السالوس، ص91 - ضمن أبحاث ندوة الوقف الخيري بأبو ظبي.

ص: 399

الصيغة الثانية - المشاركة المتناقصة:

وذلك كأن تشترك دائرة الوقف مع ممول في إقامة مبان للتأجير على أرض موقوفة بحيث يساهم الوقف بالأرض، ويتحمل الممول كلفة البناء ويصبح المشروع ملكا للجانبين: الأرض للوقف، والمنشآت للممول، ثم يتم تأجير المبنى ويأخذ كل ما يخصه بقدر مساهمته، ثم يقوم الوقف بشراء البناء من الممول تدريجيًّا بجزء من نصيبه من الربح إلى أن تؤول كامل ملكية البناء للوقف (1) .

الصيغة الثالثة: عقد الاستصناع:

عقد الاستصناع هو التعاقد على عمل شيء معين في الذمة بعوض معين، وهو جائز استحسانا لجريان العرف بالتعامل فيه، والقياس عدم الجواز، لأنه من بيع المعدوم.

وهو من العقود المعروفة قديما، والجديد فيه أنه يمكن تطبيقه في استغلال أراضي الوقف المعطلة؛ بأن تتفق دائرة الأوقاف مع جهة تمويلية بأن تقيم مبنى على أرض الوقف بمواصفات معينة لقاء ثمن محدد مؤجلا كله أو منجما على أقساط معلومة تقوم الدائرة بتوفيره من دخل المشروع أو من عوائد أخرى لها، ويعتبر المشروع كله للوقف، وذلك مع مراعاة الضوابط التي أقرها المجمع لـ للاستصناع.

(1) انظر: بحث مقتطفات من أحكام الوقف، الشيخ الصديق أبو الحسن، ص 76 - ضمن أبحاث ندوة الوقف الخيري بأبو ظبي.

ص: 400

***

التوصيات

فيما يلي أهم التوصيات المستخلصة من البحث:

1-

تجوز مخالفة شرط الواقف إذا اقتضى ذلك مصلحة استثمار الوقف على أفضل وجه.

2-

ينبغي أن يتخير من الآراء الفقهية أقربها إلى مصلحة الوقف وأهله وحسن استثمار موارده وإن كانت أضعف دليلا.

3-

ينبغي أن يراعى في استثمار الوقف الجدوى الاقتصادية للمشروع الاستثماري، ومدى إسهامه في خدمة المجتمع وتوفير مصالحه الضرورية والحاجية.

4-

تجوز الاستعانة بفائض السيولة النقدية لوقف على جهة لعمارة واستغلال وقف آخر على ذات الجهة.

5-

ينبغي أن ينظر إلى أوقاف المسلمين نظرة موحدة واعتبارها وقفا واحدًا في دار الإسلام، ومن ثم التنسيق والتكامل والتعاون بينها في استثمار الأموال الوقفية على أكمل وجه، من خلال النظرة الشاملة لمصلحة الأوقاف والمجتمع الإسلامي في الوطن الإسلامي الكبير.

6-

لتوفير السيولة النقدية لعمارة الوقف واستثماره يجوز الاستقراض من خزانة الدولة ومن المؤسسات والأفراد، والتأجير بأجرة معجلة لمدة طويلة ولو بأقل من أجر المثل.

7-

يجوز اتباع الطرق الحديثة المشروعة لاستثمار الوقف وعمارته؛ كـ المشاركة المتناقصة وسندات المقارضة وعقد الاستصناع وغيرها.

8-

يجوز بيع الوقف منقولًا كان أو عقارًا إذا خرب وصار لا ينتفع به، ويشترى بالثمن وقفا مشابها له.

9-

يجوز وقف النقود والأسهم والسندات وتوظيف عوائدها في وجوه البر.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 401

***

قائمة بالمراجع

أولا - التفسير:

ا- تفسير الطبري، الحلبي.

2-

غرائب القرآن للنيسابوري.

ثانيا- الحديث:

1-

صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الولاء.

2-

شرح الزرقاني على الموطأ، دار الفكر.

3-

السنن والآثار.

4-

نصب الراية للزيلعي.

5-

صحيح مسلم.

ثالثا- الفقه الحنفي:

1-

بدائع الصنائع للكاساني.

2-

فتح القدير لابن الهمام.

3-

حاشية ابن عابدين.

4-

الأشباه والنظائر لابن نجيم، ط دار الكتب العلمية، بيروت.

5-

نتائج الأفكار، قاضي زاده، تكملة فتح القدير لابن الهمام، دار الفكر.

6-

الهداية للمرغيناني وشرح العناية للبابرتي مطبوع مع نتائج الأفكار- دار الفكر.

ص: 402

رابعًا- الفقه المالكي:

1-

المعونة على مذهب عالم المدينة للقاضي عبد الوهاب.

2-

بداية المجتهد لابن رشد، ط مصطفى الحلبي.

3-

الذخيرة للقرافي.

4-

الشرح الصغير للدردير، ط دار المعارف بمصر 1393 هـ.

5-

التاج والإكليل لمواق بهامش مواهب الجليل.

خامسا- الفقه الشافعي:

1-

المهذب للشيرازي، ط الحلبي.

2-

الحاوي الكبير للماوردي.

3-

مغني المحتاج لمحمد الشربيني الخطيب.

4-

فتح العزيز للرافعي.

5-

روضة الطالبين للنووي.

6-

كتاب الأم، الإمام الشافعي، ط الشعب.

7-

حاشية الجمل على شرح المنهج.

سادسًا- الفقه الحنبلي:

1-

معونة أولي النهى لابن النجار.

2-

شرح الزركلي على الخرقي، للزركشي.

3-

فتاوى ابن تيمية.

4-

الشرح الكبير لابن قدامة مطبوع على هامش المغني، دار الكتاب العربي.

ص: 403

سابعا- الفقه العام:

1-

الإجماع لابن حزم مطبوع مع محاسن الإسلام للبخاري، دار الكتاب العربي.

ثامنا- مراجع اللغة:

ا- لسان العرب وتاج العروس.

2-

المعجم الوسيط.

تاسعًا- المراجع الحديثة:

1-

الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية.

2-

الاستثمار، أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي، د. قطب مصطفى سانو، دار النفائس، الأردن.

3-

المدخل إلى نظرية الالتزام العامة، مصطفى الزرقا، ط 1 سنة 1946 م.

4-

مصرف التنمية الإسلامي، رفيق المصري، مؤسسة الرسالة.

5-

بحث (وقف النقود في الفقه الإسلامي) للدكتور محمود أبو ليل المنشور بمجلة الشريعة والقانون، عدد (12) ، سنة 1999 م.

6-

ندوة الوقف الخيري المنعقدة في أبو ظبي (29- 30/ 10/ 1415 هـ) .

7-

بحث الصديق أبو الحسن: مقتطفات من أحكام الوقف نقلا عن مجلة المجمع الفقهي الإسلامي عدد (4) سنة (1408 هـ) .

8-

الوقف الخيري الاستثماري من منظور الاقتصاد الإسلامي، د. علي السالوس، ضمن أبحاث ندوة (الوقف الخيري) المنعقدة في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بإشراف اللجنة الشرعية بهيئة أبو ظبي الخيرية.

9-

(استثمار موارد الأوقاف) بحث مقدم من د. خليفة بابكر للمجمع الفقهي.

10-

الوقف في الشريعة والقانون، زهدي يكن.

11-

بحث (استثمار موارد الأحباس) كمال الدين جعيط، بحث مقدم للمجمع الفقهي بجدة.

ص: 404