المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

‌التأمين الصحي

إعداد

القاضي مجاهد الإسلام القاسمي

أمين عام مجمع الفقه الإسلامي بالهند

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد.

التأمين في الشريعة الإسلامية:

إن التأمين عقد مستحدث، لم يعرفه فقهاؤنا القدامى، لذلك لم يتعرضوا لحكمه، فيتحتم على الباحث استخراج حكمه في ضوء المبادئ والقواعد الفقهية، وبما أن الحكم عن الشيء فرع عن تصوره، فنتناوله أولًا بكشف اللثام عن حقيقة التأمين وأقسامه.

ص: 1557

وهنا نجد التأمين ينقسم من حيث شكله إلى قسمين:

أ- التأمين التعاوني (Co – operative Insurance) : في هذا القسم من التأمين يتفق عدة أشخاص على أن يدفع كل منهم مبلغًا معينًا في صورة أقساط، وتصرف المبالغ المجتمعة في أداء التعويض لمن يصيبه الضرر، وإذا جاوز عوض الضرر مبلغه الذي دفعه من جانبه، فيكون الزائد في حق المصاب تبرعًا من الآخرين، ولا ترد المبالغ في هذا القسم إلى الأعضاء كما لا يقصدون بهذا التأمين إلى ربح ما، سوى تغطية الأضرار التي تصيب الأعضاء.

ب- التأمين التجاري (Commercial Insurance) :

هذا النوع الثاني من التأمين هو السائد الآن، ويكون فيه العقد بين الشركة – المؤمن – والأفراد – المؤمن لهم -، والشركة تتكون من المساهمين غير المؤمن لهم، وتقصد الشركة من التأمين تحصيل الأرباح، أما المؤمن لهم فهم يدفعون أقساطًا معينة، وإذا لم يقع الحادث فلا يحصل لهم شيء لقاء الأقساط المدفوعة، كما أن هذا النوع من التأمين يشتمل على غرر كثير، لأن أيًّا من المؤمن والمؤمن له لا يدري بالقطع القدر المعين الذي يحصل له أو يدفعه، لأنه ربما يدفع المؤمن له الأقساط، وقبل تمامها يقع الحادث فيحصل له عوض التأمين بالكامل وربما يكمل دفع الأقساط ولا يقع الحادث.

وفي الجانب الثاني تقوم شركات التأمين التجاري باستثمار أموال التأمين، وتوزع أرباحها على المستفيدين المؤمن لهم، وفي مثل بلادنا الهند لا يمكن القطع بعدم إمكانية تلوث هذه الشركات بالحرام في معاملاتها، لأنه يغلب استثمار الأموال في الطرق والمشروعات غير الجائزة، كما يوجد لهذه الشركات تعامل ربوي عن طري البنوك الربوية.

ص: 1558

هذا التقسيم للتأمين كان من حيث شكله، وهو تقسيم أساسي، وتوجد تحت القسمين تقيسمات فرعية، مثل تأمين الأشياء، تأمين ضد المسؤولية، تأمين صحي، ولكل نوع من هذه الأنواع تفاصيل كثيرة.

والذي يهمنا هنا هو تناول التأمين الصحي بالبحث والنقاش للتوصل إلى الحكم الشرعي بشأنه، وهو الموضوع الذي طرحه مجمع الفقه الإسلامي للنقاش عنه في دورة انعقاد مؤتمره الثالث عشر الذي سيعقد في الكويت.

وقد قرر المجمع عناصر الموضوع حسب التالي:

العنصر الأول: التعريف بالتأمين الصحي والبطاقات الصحية وحكمها.

العنصر الثاني: حكم الاتفاق بين المؤسسات وبين المستشفيات للتعهد بمعالجة الموظفين طيلة فترة معينة لقاء مبلغ معين مع الالتزام بالدواء والعمليات ونحوها.

العنصر الثالث: حكم ما لو كان العقد بين الشخص والمستشفى.

العنصر الرابع: حكم ما لو توسطت شركة تأمين تجارية أو تعاونية في العلاقة بين المستفيدين والجهة المتعهدة بالمعالجة.

العنصر الخامس: حكم اشتراط البرء لاستحقاق المقابل.

ص: 1559

العنصر الأول

التأمين الصحي

إن التأمين الصحي هو عقد بين شخص وشركة أو بين مؤسسة ومستشفى لتقديم خدمات طبية إلى الشخص المؤمن له، نظير اشتراكات أو أقساط يدفعها إليها.

وهذا التأمين الصحي له قسمان:

التأمين الإجباري: في بعض البلدان من العالم أصبح التأمين الصحي إجباريًّا لمواطنيها، ويلزم عليهم وفق قانون البلاد أو قانون الشركة أخذ التأمين الصحي، ولا خيار لهم في ذلك، فهذا اللزوم القانوني ينبغي أن يعتبر إجبارًا وإلزامًا، وهو الذي عبرناه هنا بالتأمين الإجباري، ومثله تأمين السيارات في بعض البلدان حيث أصبح فيها إجباريًّا قانونًا، وليس لمن يملك السيارة الخيار في الأمر.

التأمين الاختياري: والقسم الثاني لهذا التأمين الصحي هو التأمين الاختياري، ففيه يكون للأشخاص الخيار في أخذ التأمين الصحي وعدمه، وفي هذا القسم إذا قام أحد بتأمين نفسه لدى شركة أو مستشفى فذاك عمل نفسه، وليس هو ملزمًا بفعله، فهذا ما نسميه هنا بالتأمين الاختياري.

ومن الواضح أن الحكم في القسمين من التأمين يختلف، لأن الإجبار غير الاختيار، والذي نتناوله بالبحث والنقاش في الصفحات الآتية هو القسم الثاني، وهو التأمين الصحي الاختياري.

إن التأمين الصحي الذي بدأ رواجه في هذه الآونة، قد اشتدت الحاجة إليه، خاصة في البلاد التي تكون تكاليف العلاج فيها باهظة جدًّا، ولا يستطيع عامة الناس تحمل مصروفات العلاج مثل البلدان الأمريكية والأوروبية، بل بدأت أسعار العلاج في جميع البلدان والدول ترتفع، فدعت الحاجة إلى بيان حكم الشرع فيه.

ص: 1560

وإن التأمين الصحي يمكن أن يكون تعاونيًّا أو تجاريًّا:

أ- أما التأمين الصحي التعاوني: فهو كما سبق: أن يتعاقد عدة أشخاص فيما بينهم على جمع الاشتراكات في صندوق خاص، ويصرف من هذا الصندوق على من يصيبهم المرض من الأعضاء، ويعرف كل من المشتركين أنه لا يقصد من هذا التأمين أي ربح، إنما الغرض منه تغطية تكاليف العلاج لمن يصيبهم المرض حسب مواصفات محددة، ويمكن هنا أن تكون تكاليف علاج أحد المصابين أكثر من مجموع اشتراكاته، فالمبلغ الزائد عن اشتراكاته يكون في حقه تبرعًا من المشتركين الأعضاء الآخرين، كما يرى كل عضو أنه إذا لم يصبه المرض فيكون مبلغه تبرعًا من جانبه في حق الأعضاء الآخرين.

في هذا النوع من التأمين الصحي يمكن ألا تكفي الاشتركات المجتمعة لعلاج المصاب، فيقدم الأعضاء مبالغ إضافية في الصندوق، كما يمكن أن تبقى المبالغ أو الفائض بعد تغطية التكاليف فيوزع على الأعضاء.

ب- أما التأمين الصحي التجاري: فهو عقد بين الشركة – المؤمن - والمساهمين – المؤمن لهم - وهو كأنواع التأمين التجاري الأخرى تقصد فيه الشركة إيجاد الأرباح عن طريق التجارة في الأموال المجتمعة، ويوجد فيه الغرر لكلا الجانبين، لأنه ربما يدفع المؤمن له ألف روبية مثلًا ويصيبه المرض وتتكلف شركة التأمين تكاليف العلاج، ولكن التكاليف تفوق ما قدمه ذلك المؤمن له، فمثلًا تبلغ تكاليف العلاج إلى خمسمائة ألف روبية، وبالعكس من هذا ربما يدفع المؤمن له مبلغه إلى شركة التأمين ولكنه لا يصيبه مرض ما، فيبقى مبلغ المؤمن له لدى الشركة ويصبح منفعة وربحًا لها، والمؤمن له لا يستفيد شيئًا لقاء ما دفعه من المبلغ إليها.

ص: 1561

فيتخلص أن التأمين الصحي التجاري يشتمل على الغرر من الجانبين.

هذا، ونحن نعرف أن العلاج بعد ما أصبح غاليًا جدًّا وفي أغلب الأحيان تصبح مصروفات العلاج فوق مستطاع الإنسان، ففلي مثل هذه الحالة يضطرب المصاب اضطرابًا كبيرًا ويلقى حرجًا شديدًا، وإذا كان له تأمين صحي، فيجد اطمئنانًا كبيرًا، ويمكن له العلاج.

بقي أن نرى حكم الغرر الموجود في التأمين.

إنه من المعلوم أن الغرر الكثير هو الغرر المؤثر الذي يكون العقد معه غير صحيح، وذكر الشيخ الدكتور صديق الضرير ضابط الغرر المؤثر أنه) هو الغرر الكثير في عقود المعاوضات المالية إذا كان في المعقود عليه أصالة، ولم تدع للعقد حاجة) .

ثم أوضح أن الغرر المؤثر لا بد أن تتوافر فيه الشروط الآتية:

1-

أن يكون في عقود المعاوضات المالية.

2-

أن يكون كثيرًا.

3-

أن يكون في المعقود عليه أصالة.

4-

ألا تدعو للعقد حاجة.

أما الغرر اليسير فهو غير مؤثر في صحة العقد، لأن نفي جميع الغرر لا يقدر عليه، ولهذا فقد عفا الشارع عنه، وهناك قسم ثالث للغرر، وهو فوق اليسير ودون الكثير، أعني الغرر المتوسط، وفيه يوجد اختلاف بين الفقهاء، فيلحقه البعض بالكثير فيكون مفسدًا للعقد، ويلحقه الآخر باليسير فيأخذ حكم اليسير وهو صحة العقد بالرغم من وجوده.

أما الغرر الذي يتواجد في التأمين الصحي فهو كما أرى غرر متوسط، وأرجح إلحاقه بالغرر اليسير، وذلك لأن ما يوجد في هذا العقد من جهالة في مبالغ العلاج، لا تدري شركة التأمين كم تنفق على المريض، ولكن هذه الجهالة لا تكون مفضية إلى النزاع، لأن العلاج يكون وفق ما يصفه الأطباء ويكون التصريح بنوع العلاج ونوع الأدوية ومستوى المستشفى لإجراء العلاج فيه، فهذه الأمور تكون مصرحة، وبسبب هذا التصريح يوجد في العقد علم المعقود عليه إلى درجة ما.

ص: 1562

العنصر الثاني

حكم الاتفاق بين المؤسسات للتعهد بمعالجة الموظفين

طيلة فترة معينة لقاء مبلغ معين

مع الالتزام بالدواء والعمليات ونحوها

صورة التأمين الصحي التي تكلمنا عنها في الصفحات السابقة كانت صورة الاتفاق بين الشخص –المؤمن عليه- وشركة التأمين أو مؤسسة التأمين –المؤمن-، ولا يكون الاتفاق بين الشخص والمستشفى مباشرة، إنما تتحمل شركة التأمين دفع مصروفات علاج المؤمن له، أو تعطيه ورقة شيك يستطيع بها المؤمن له تغطية نفقات علاجه في أي مستشفى من المستشفيات، وقد ذكرنا حكم الشرع في تلك الصورة.

أما صورة العنصر الثاني فهي تتعلق بالاتفاق بين المؤسسات والمستشفيات، والفارق بين الصورتين أن المستشفى لا يباشر العقد في الصورة الأولى مع المريض، بل يعقد مع شركة التأمين، وشركة التأمين تعقد مع المؤمن له، أما الصورة الثانية فالمؤسسة نيابة عن المرضى تعقد مع المستشفى الذي يقدم الخدمات.

ففي هذه الصورة يحتاج النظر إلى طبيعة الخدمات المقدمة من جانب المستشفى إلى المؤسسة وعن طريقها إلى مندوبيها المرضى ليتجلى لنا حكم الشرع فيها.

ص: 1563

ومن هنا نرى أن المستشفى يقدم إلى موظفي المؤسسة ممن يصيبهم المرض أنواعًا من الخدمات والمنافع والأشياء، يمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام:

قسم أول: خدمات من الرعاية ومعالجة الطبيب والفحوصات والعمليات.

قسم ثاني: منافع السكن في الغرف والانتفاع بتسهيلات أخرى متواجدة داخل المستشفى.

قسم ثالث: أشياء وأعيان تقدم إلى المريض مثل الحبوب والأدوية.

وهذه الأقسام الثلاثة تختلف فيما بينها في التكييف الفقهي، وذلك لأن القسم الأول يشتمل على خدمات، والذي يقدمها كل من الطبيب وموظفي المستشفى هم يعتبرون أجراء كالأجير المشترك، لأنهم يقدمون خدماتهم إلى هذا المريض وإلى غيره من المرضى، فالحاصل أن هذا القسم يأخذ حكم الإجارة، ويطلب شروط الإجارة لصحتها من أن تكون الأجرة معلومة، والمنفعة معلومة، والمدة معلومة.

أما القسم الثاني فهو أيضًا يأخذ حكم إجارة المنافع، كإجارة السكن الدور، ويحتاج لصحتها إلى شروط الإجارة من كون الأجرة والمنفعة والمدة معلومة.

أما القسم الثالث ففيه تقدم الأعيان لا المنافع، فهذا لا يأتي تحت الإجارة، لأن الإجارة لا تكون على تقديم الأعيان، بل إنما تكون على تقديم المنافع، فهذا القسم يأخذ حكم البيع.

ص: 1564

وبعد هذا التفصيل حينما نلاحظ عقد الاتفاق بين المؤسسات والمستشفيات للتعهد بمعالجة الموظفين، ونستعرض تفاصيل الاتفاق بين ما تقدمه المستشفيات وبين ما تدفعه وتقرره المؤسسات؛ نجد غررًا كثيرًا وجهالة فاحشة، وذلك لأن العمل غير متعين والمدة غير معلومة في القسم الأول، وكذلك المدة غير معلومة في القسم الثاني، وقدر الحبوب والأدوية ونوعها مجهول في القسم الثالث، فهذا الغرر وهذه الجهالة يجعلان العقد غير صحيح.

العنصر الثالث

حكم ما لو كان العقد بين الشخص والمستشفى

هذا العنصر من الاتفاق بين الشخص والمستشفى لا يختلف في حقيقته وماهيته وفي تفاصيل الخدمات والأعيان المقدمة من جانب المستشفى إلى الشخص المريض لقاء ما يدفعه إلى المستشفى من مبلغ حسب الاتفاق، لا يختلف هذا العنصر الثالث في جميع هذه الأمور عن العنصر الثاني.

فنظرًا إلى هذا التجانس بين العنصرين ولاشتمال هذا العنصر الثاني كذلك على الغرر الكثير في القسم الأول والثاني مما يقدمه المستشفى، وعلى الجهالة الفاحشة في القسم الثالث منه، يأخذ هذا العنصر حكم العنصر السابق، وهو المنع.

ص: 1565

العنصر الرابع

حكم ما لو توسطت شركة تأمين تجارية أو تعاونية

في العلاقة بين المستفيدين والجهة المتعهدة بالمعالجة

هذه الصورة للاتفاق لا تتم بين المريض والمستشفى، بل يتوسط وسيط فيما بينهما، والوسيط هنا هو شركة التأمين، والشركة قد تكون تجارية وقد تكون تعاونية.

هذا العنصر قريب من الصورة التي فصلناها في العنصر الأول من عناصر الموضوع كما سبق.

فالشركة التي تعقد مع الشخص تكون المعاملة بينهما، وتعين الشروط والمواصفات فيما بينهما، ولا يدخل المستشفى في العقد الجاري بينهما، وبعد تمام العقد بين الشركة والشخص المؤمن له، تقوم الشركة بالعقد فيما بينها وبين المستشفى، وتفاصيل خدمات المستشفى تتعين فيما بينه وبين الشركة، لا بينه وبين الشخص المريض، إنما يقدم المستشفى خدماته إلى المرض وفق ما تم بينه وبين الشركة من شروط ومواصفات.

فهذه نفس الصورة التي تحدثنا عنها في العنصر الأول، نعم هناك فرق صغير بين العنصر الأول وبين العنصر الرابع هذا، وهو أن المريض المؤمن له في العنصر الأول تكون له حرية في اختيار مستشفى ما، وإجراء علاجه في أي مكان، أنه يحصل من الشركة المؤمن دفع التكاليف المترتبة على علاجه أو تقوم الشركة بدفع مصروفات علاجه إلى المستشفى الذي تم فيه علاجه، أما العنصر الرابع هذا فالشركة تعين المستشفى وتكون لها اتفاقية معها، وعلى المؤمن له المريض إجراء علاجه في ذلك المستشفى.

ص: 1566

بقي أن نرى أن الشركة إذا كانت تجارية أو إذا كانت تعاونية فالحكم يختلف في الأول عنه في الثانية أو لا يختلف.

إن شركة التأمين إذا كانت تعاونية فلا شك في جواز التأمين، وقد فرغنا من بيان أوجه الجواز، لأن الشركة التعاونية يكون العقد فيها من عقود التبرعات، وفي التبرعات يعفى الغرر.

أما إذا كانت شركة التأمين تجارية فهي مثل التأمين التجاري، يشتمل على الغرر المتوسط، ويوجد وراء هذا الغرر المتوسط اطمئنان كبير للمصابين المرضى، فإذا كان هذا التأمين إجباريًا فيكون الحكم الجواز، أما إذا كان اختياريًا ففي مثل بلادنا والبلدان التي تزيد فيها تكاليف العلاج ينبغي أن يكون الغرر المتوسط معفوًا عنه فيأخذ حكم الجواز.

ص: 1567

العنصر الخامس

حكم اشتراط البرء لاستحقاق المقابل

تكلم الفقهاء على اشتراط البرء على الطبيب واختلفوا في حكمه: ذهب الإمام مالك إلى جواز اشتراط البرء على الطبيب، ففي المدونة:(قال مالك: في الأطباء إذا استؤجروا على العلاج فإنما هو على البرء، فإن برأ فله حقه وإلا فلا شيء له) .

ويقول الشبراملسي من الشافعية:

(ثم ينبغي أن يقال: إن جعل الشفاء غاية لذلك كتداويني إلى الشفاء أو ترقيني إلى الشفاء، فإن فعل ووجد الشفاء استحق الجعل، وإن فعل ولم يحصل الشفاء لم يستحق شيئًا، لعدم وجود المجاعل عليه)(1) .

وقال ابن قدامة الحنبلي:

(ويجوز أن يستأجر طبيبًا ليداويه، والكلام فيه كالكلام في الكحال سواء، إلا أنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب، لأن ذلك إنما جاز في الكحال على خلاف الأصل للحاجة إليه، وجرت العادة به فلم يوجد ذلك المعنى ههنا، فثبت الحكم فيه على وفق الأصل)(2) .

ولكن محشي المقنع يقول:

((فائدة) لو قال: من داوى لي هذا حتى يبرأ من جرحه أو مرضه أو رمده فله كذا، لم يصح مطلقًا على الصحيح في المذهب) (3) .

أما الحنفية فإنهم لم ينصوا على ذلك.

(1) نهاية المحتاج: 5/463.

(2)

المغني: 5/ 542.

(3)

حاشية على المقنع: 2/293.

ص: 1568

فالحاصل من اختلاف الفقهاء في اشتراط البرء على الطبيب، أن الإمام مالكًا جوز المشارطة على البرء إذا كانت بصيغة الإجارة.

وجوزها الشافعية كما قال الشبراملسي إذا كانت بصيغة الجعالة، أما الحنابلة فجوزها ابن قدامة، ومنعها محشي المقنع.

والذي أرى في اشتراط البرء على الطبيب لاستحقاقه الأجرة هو عدم الجواز، وذلك لعدة وجوه:

إن هذا العقد يقترن بشرط يوجد فيه غرر، لأن الشرط -وهو برء المريض- يحتمل وجوده وعدمه، ربما يبرأ المريض ربما لا يبرأ، فلا يمكن الوقوف على وجود الشرط في الحال.

يشتمل هذا العقد على غرر في محله كذلك لأن محل العقد هو العلاج حتى البرء، ولا يدري الطبيب ولا المريض مدة العلاج التي يحصل فيه برؤه، ربما يبرأ المريض من علاج يوم واحد، وربما يبرأ بعد مدة من العلاج، كما لا يمكن القطع بحصول البرء، والمعقود عليه مجهول ومحتمل للوجود والعدم.

ويحتوي العقد كذلك على أمر غير مقدور التسليم قطعًا، لأن الطبيب يعقد الإجارة على أمر لا يقدره، إذا سلمنا أن هناك إجارة كما يقول المالكية، لأن البرء عن المرض هو بيد الله تعالى، لا بيد الطبيب، والإجارة على ما لم يقدر عليه هي إجارة غير صحيحة، كما أن شخصًا عقد الإجارة على أنه يأخذ النجم من السماء أو مثل ذلك، فالإجارة تكون غير صحيحة.

ص: 1569

وقبل الختام أود التنبيه على أمر مهم جدًّا، وهو أنه إذا لم تكن حرمة شيء منصوصة ومصرحًا بها، بل تكون حرمته مظنونة ويوجد فيه الجانبان، ولو كان جانب الحرمة غالبًا، ففي مثل هذا الشيء لا يصح أن تصدر فتوى تقرر السكان جميعًا آثمين، والتأمين الصحي اليوم كذلك، إن الناس يضطرون إلى اختياره، المسلم الأمريكي مضطر إلى التأمين الصحي، لأن كل أمريكي ملزم بالتأمين الصحي، ولا فرق فيه بين المسلم وغيره، ففي مثل هذه الحالة، والأمر غير منصوص على حرمته، إذا جاءت فتوى تحرم التأمين الصحي على الإطلاق فيكون السكان بأجمعهم مرتكبي الحرمة وآثمين.

فهذا أمر وددت التنبيه عليه، والله أعلم بالصواب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

* * *

ص: 1570

العرض – التعقيب والمناقشة

العرض

المستشار محمد بدر المنياوي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.

شكرًا للمنصة الكريمة على جميل ثقتها، وللأمانة على حُسن تنسيقها، وحمدًا لله على شفاء رئيس مجمعنا الموقر، مع الدعاء له ولنا بالصحة والتوفيق.

البحوث التي أتشرف بعرضها هي عن التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية. وعناصر البحث على نحو ما حددته الأمانة العامة هي:

* التعريف بالتأمين الصحي، وحكمه الشرعي.

* التعريف بالبطاقات الصحة، وحكمها الشرعي.

* استظهار الحكم الشرعي لبعض التطبيقات التي يجري العمل بها في التأمين الصحي.

* استظهار الحكم الشرعي في اشتراط البرء لاستحقاق المقابل، أو حكم المشارطة على البرء.

وقدمت في هذا الموضوع سبعة بحوث:

أحدها: من إعداد فضيلة آية الله الشيخ محمد علي التسخيري.

والثاني: إعداد فضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير.

والثالث: إعداد فضيلة الدكتور محمد علي القري بن عيد.

والرابع: من إعداد سعادة الدكتور محمد جبر الألفي.

والخامس: من إعداد سعادة الدكتور محمد هيثم الخياط.

والسادس: من إعداد سعادة القاضي مجاهد الإسلام القاسمي.

والسابع: من إعداد العارض المستشار محمد بدر المنياوي.

ص: 1571

وأستأذن الجمع الكريم في أن أتناول هذه البحوث؛ عنصرًا عنصرًا، مع محاولة المقارنة بين الآراء التي قدمت فيها، فقد يكون ذلك أجدى في الإلمام بها. وأستميح السادة الباحثين عذرًا فيما قد أقع فيه من خطأ في الفهم، أو تقصير في العرض، كما أستميحهم في اختصار ألقابهم، مع التأكيد على الاحترام الكامل لكل منهم.

1-

فأما عن التعريف بالتأمين الصحي: فإن البحوث لم تختلف في أنه نوع من التأمين بالمعنى القانوني، ولذلك فقد استرشد بعضها بتعريف القانون للتأمين عامة، ومنه نص المادة (747) من القانون المدني المصري التي تنص على أن التأمين (عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه، مبلغًا من المال أو إيرادًا مرتبًا أو أي عوض مالي آخر، في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المعين في العقد، وذلك نظير أقساط أو أية دفعة مالية يؤديها المؤمن له للمؤمن) .

وقد أفاض الباحث الدكتور محمد علي القري –حفظه الله- في التعريف بالتأمين عامة وأطرافه وطبيعته وصلته بالقمار، ورأي هيئة كبار العلماء بالسعودية، مع المقارنة بينه وبين عقد العلاج الطبي عامة.

وانطلاقًا من أن المقصود هو التعريف بالتأمين الصحي وليس تعريفه، فقد حدد بحث العارض العناصر الرئيسية المكونة له وأوجزها في أمرين: أولهما أن يكون المستقبل هو محور النظر فيه، والثاني أن يسهم الفرد المؤمن عليه في نفقات الرعاية الصحية، فلا يستقل بها وحده، ولا يتحملها عنه غيره تحملًا كاملًا، إلا في ظروف استثنائية، كما إذا كان في حاجة إلى التأمين، ويعجز عن أداء القسط لفقره.

ص: 1572

2-

أما عن حكم هذا التأمين: فقد اتجهت البحوث –بصورة عامة- إلى جوازه، واستند الدكتور محمد علي القري إلى أن النظر الصحيح للتأمين الصحي ينبئ عن أن الغرر فيه ليس بالكثير، كسائر عقود العلاج الطبي، وأن غاية ما يقال فيه إنه عقد جعالة، وهذه الصيغة أجازها جمهرة من العلماء.

وأقام الدكتور الصديق ذلك الجواز على أنه نوع من التأمين الاجتماعي الذي ترعها الدولة، وتتولى إدارته هيئة عامة، وأنه إلزامي بالنسبة للعاملين في الدولة وفي القطاع الخاصة وأرباب المعاشات.

وقال آية الله التسخيري: إن التأمين الصحي وإن احتوى على غرر، إلا أنه ليس من الغرر المنهي عنه، ثم إنه يلبي حاجة اجتماعية ملحة، خصوصًا للطبقات الفقيرة. والمنع منه يشكل حالة حرجة، تلقي بثقلها الكبير على عاتق أفراد المجتمع.

وبمثل هذا قال القاضي مجاهد الإسلام القاسمي.

وقال الدكتور هيثم الخياط: إنه نوع من التعاون على البر والتقوى، بدرء المفاسد عن الأخ المؤمن وحمايته من الشرور، وعونه في تخفيف مغبة هذه الشرور والنكبات إن وقعت، وأنه مطلوب حيث يحقق المبادئ الأساسية التي ترعاها منظمة الصحة العالمية وهي: العدالة، والجودة، والكفاءة، والوقاية.

وقسم الدكتور الألفي التأمين الصحي إلى أنواع خمسة: فمنه الاجتماعي، الذي تقوم به الدولة، ويكون إجباريًا في الغالب، ومنه التجاري أو التعاوني، الذي يلتزم في كل منهما المؤمن بدفع نفقات العلاج إذا مرض المستفيد خلال فترة محددة، ويفترق النوعان في أنه إذا فاضت الاشتراكات عن مصاريف العلاج، فاز بها المساهم في التأمين التجاري، وأعيد توزيعها على المشتركين في التأمين التعاوني، ثم هناك نوع من أنواع التأمين الصحي ما يطلق عليه التبادلي، وهو يقوم على اتفاق جماعة من الناس على الإسهام في نفقات علاج من يمرض منهم أو أصيب خلال فترة محددة، ومنه أيضًا التأمين الصحي المباشر، وهو يكون حين يلتزم المؤمن بعلاج المشترك الذي يمرض خلال الأجل المحدد في العقد.

وانطلاقًا مما أقرته المجامع الإسلامية من ربط بين نوع التأمين وحكمه، فقد رأى العارض أن الوصول إلى حكم التأمين الصحي يقتضي استظهار الأنواع التي أوضحت المجامع حكمها؛ وهي التأمين التجاري، والتأمين التعاوني، والتأمين الاجتماعي والوقوف على الخصائص المميزة لكل منها؛ من حيث الهدف أو العلاقة التي تربط أطرافها، ومدى استقلال كل طرف عن الآخر، ومدى حق كل منهم في تعديل مقدار القسط أو مقدار المزايا التأمينية، ومدى ما يتصف به التأمين من اختيار أو إجبار، ثم إسباغ هذه الخصائص على التأمين الصحي ليأخذ النوع الذي تحققت فيه خصائصه.

وقد انتهى الباحث إلى بيان ما يعد من التأمين الصحي تجاريًا وما يعتبر تعاونيًا أو اجتماعيًا، وأتبع ذلك بنبذة عن التطورات التي طرأت على كل نوع منها، مؤكدًا أن الدول الحديثة تسعى إلى تثبيت أقدامها في هذا النوع من التأمين على أوسع مدى، جريًا على ما تراه نظرية الضمان الاجتماعي – في قمة تطورها- من ضرورة أن يكون أداء خدمات الضمان الاجتماعي، ومنها التأمينات الاجتماعية، عن طريق وسيلة عامة، وأنه لا يجوز إسنادها إلى هيئات خاصة تستهدف الربح بالدرجة الأولى.

ص: 1573

3-

وأما عن البطاقات الصحية، فقد قدم الدكتور الصديق نماذج منها، وقال آية الله التسخيري: إنه لن يدخل في تحليلها، لأنها قد تختلف من بلد إلى بلد آخر ومن مؤسسة لأخرى.

وقال الدكتور الألفي: إن البطاقة الصحية ليست إلا وسيلة لإثبات شخصية المريض المؤمن له أمام الجهة التي تتولى علاجه، ولذلك فإن حكمها هو حكم التأمين الذي تستخدم فيه، وهو جميعه حال، ما عدا التأمين التجاري.

وقال الدكتور القري: إن هذه البطاقات قد توصف بأنها ذهبية أو فضية حسب نوعية التغطية التي توفرها (1) .

(1) انظر: ص 579.

ص: 1574

4-

أما عن تطبيقات التأمين الصحي المعروضة على بساط البحث، فإنه يمكن القول بأن مؤدى بحث الشيخ التسخيري والدكتور القري والدكتور الخياط والدكتور الألفي، هو اختيار أن جميع هذه الصور حلال.

وكان هذا استنادًا من الشيخ التسخيري على أن عقد التأمين الصحي في صوره المعروضة، وإن احتوى على غرر، إلا أنه ليس الغرر المنهي عنه، فهو لا ينطبق على عقد التأمين عامة وعلى التأمين الصحي خاصة، وبمثل ذلك يقول الدكتور القري.

أما الدكتور هيثم الخياط فلم يجد حجرًا في التعامل بأي صورة من الصور المعروضة، وقد فصل الأمر في حالة ما إذا اشترك مع المنتفعين بالتأمين الصحي، طرف آخر، فقال: إنه إذا كان هذا الطرف هو الدولة، فإن عددًا كبيرًا من العلماء يرحبون بذلك، أما إذا كان مجموعة من الأفراد يؤلفون شركة تأمين ينتفعون في مقابل دعمهم المالي بما تربحه الشركة، فإن العلماء يختلفون في ذلك، وقد اختار هو جواز هذه الصورة، وأضاف أنه قد يكون غيرها أفضل منها، إذا حقق نفعًا أكبر للمستأمنين، وضمن العدالة والجودة والكفاءة والوقاية في الخدمات الصحية على أحسن وجه، مما يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة، ويكون متروكًا إلى ولي الأمر، يختار ما فيه مصلحة الناس عامة (1) .

أما الدكتور الألفي فيرى أن اتفاق غير المؤمن مع الجهة التي تتولى العلاج، اتفاق صحيح، لأنه اشتراط لمصلحة الغير، والغرر فيه من النوع اليسير الذي يغتفر، ولا أثر له في المعقود عليه. (2) على أنه إذا توسطت شركة تأمين في العلاقة بين المستفيدين والجهة المتعهدة بالعلاج، فإن العقد لا يكون صحيحًا إذا كانت هذه الشركة تجارية وليست تعاونية.

أما بالنسبة لبحث القاضي مجاهد الإسلام، فمع اتجاهه عامة إلى إجازة جميع التطبيقات المعروضة إلا انه نص على اختياره عدم جواز اتفاق المؤسسات مع المستشفيات أو الشخص، لما فيه من غرر وجهالة فاحشة.

وبالنسبة للبحثين الآخرين، فإن الأمر قد يحتاج إلى تفصيل أكثر بالنسبة للتطبيقات المعروضة، ذلك لأنه مع اتفاق هذين البحثين في كثير من النتائج، فإن المنهج يبدو مختلفًا بعض الشيء، فبحث العارض ينطلق من تحديد خصائص كل نوع من أنواع التأمين الصحي، ثم تكييف الصورة المعروضة، ثم إعطائها حكم النوع من التأمين الذي تنتمي إليه، فإذا كانت تنتسب إلى تأمين مختلط وجب ترجح العنصر الغالب وإعطاء حكمه.

أما الأستاذ الدكتور الصديق فيحلل كل صورة، ويزن ما فيها من غرر أو جهالة، لينتهي إلى النتيجة التي يؤدي إليها هذا التحليل.

(1) انظر: ص 456 وما بعدها.

(2)

انظر: ص 480.

ص: 1575

وعلى هدي ذلك توصل كل من البحثين إلى الأحكام الآتية في التطبيقات المعروضة:

أ- ففي حالة اتفاق شخص مع مستشفى على أن يتعهد بمعاجلته طيلة فترة معينة، لقاء مبلغ معين، مع التام المستشفى بالدواء والعمليات، اتفق البحثان على المنع.

وكان أساس ذلك – في بحث العارض- أن هذا الاتفاق نموذج من التأمين التجاري بخصائصه المعروفة التي أوضح البحث انطباقها على التفصيل الوارد به.

وأسند الدكتور الصديق سبب المنع إلى ما في الصورة من غرر ناشئ عن الجهل بمقدار الدواء، ونوعه، والجهل بالمدة التي يمكثها المريض بالمستشفى، والجهل بحصول العلاج أو عدم حصوله في المدة المحددة، وأن ذلك كله ينطوي على ارتكاب للغرر من غير حاجة، إذ في إمكان الشخص أن ينتظر إلى أن يحتاج العلاج، ثم يذهب إلى المستشفى ويتعاقد بالطريقة المشروعة.

ب- وفي حالة اتفاق المؤسسات مع المستشفيات للتعهد بعلاج الموظفين أو العمال طوال فترة معينة، ولقاء مبلغ محدد، مع الالتزام بالدواء والعمليات ونحوها، فقد اختلف البحثان في النتيجة.

فرأي الدكتور الصديق أن هذا الاتفاق يأخذ حكم إجارة الأجير المشترك بالنسبة للمستشفى، ويأخذ حكم إجارة منافع الأعيان بالنسبة لاستعمال الأسرة والحجرات، ويأخذ حكم البيع بالنسبة لتقديم الدواء. وانتهى فضيلته إلى منع هذه الصورة، لأن الغرر يحيط بها كثيرًا في عقد البيع الذي ورد فيه النهي خاصة؛ فالدواء مجهول النوع والمقدار، ثم هو يدخل المعقود عليه أصالة فيعقد الإجارة، فالعلاج غير معلوم قدره، وكذلك عدد من سيحتاجون إليه، وقدر المنفعة يداخلها الجهل، لعدم العلم، وعدم تحديد مدتها وقت التعاقد، فقد يمكث المريض في المستشفى يومًا، وقد يمكث أكثر، ولا حاجة تدعو إلى هذا الاتفاق لأن العلاج يمكن الوصول إليه بطريق آخر مشروع.

ص: 1576

أما بحث العارض، فقد قال في هذه الصورة: إن كلمة (مؤسسة) اصطلاح قانوني، يطلق على المؤسسة العامة التي تدير مرفقًا عامًا، ولا تسعى أساسًا إلى الربح، وقد تنصرف إلى المؤسسة الخاصة التي ليست مملوكة للدولة، وأن هذه المفارقة لها أثرها على الحل والحرمة، كما أن اشتراط تقديم المستشفى للدواء قد يؤثر في الحكم الشرعي. ومن ثم فقد قسم بحث العارض هذه الصورة إلى ثلاث صور.

الصورة الأولى: حيث تكون المؤسسة عامة أو تابعة للدولة أو تنفذ التزامًا مفروضًا عليها من الدولة، ففي هذه الحالة يكون التأمين الذي يجري على موظفي هذه المؤسسة –في حقيقته- نظامًا تفرضه المؤسسة بوصفها هيئة من هيئات الدولة أو منفذة لأوامرها، وبالتالي يكون التأمين الصحي هنا من قبيل التأمينات الاجتماعية التي تقدمها الدولة أو المؤسسات الخاضعة لها، وهو –باتفاق المجامع الدولية- حلال لا شية فيه.

الصورة الثانية: حيث تكون المؤسسة مؤسسة خاصة غير ملزمة من الدولة بالتأمين الصحي، ويكون المستشفى غير ملزم بتقديم الدواء، ففي هذه الصورة انتهت دراسة العارض إلى أن هذا الاتفاق يدخل تحت ما يسمى (بعقد التأمين الاجتماعي) وفق مصطلحات الدراسات القانونية؛ فهو ليس بعقد تأمين تجاري، لأن المؤسسة ليس لها مصلحة ذاتية، وإنما تهدف إلى التكافل، ولأن الترابط بين المؤمن عليهم واضح من ذات العقد ولا يستقي من خارجه. وهذا الاتفاق ليس كذلك عقدًا تعاونيًا خالصًا، لأنه ليس قائمًا على التبرع البحت، ولأن شخصية المؤمن تختلف عن شخصية المؤمن له، ثم هو في ذات الوقت ليس عقد تأمين اجتماعي، لأن المؤسسة التي أبرمته لا تمثل الدولة ولا تعقده امتثالًا لأوامرها، وإنما هو عقد تأمين مختلط، يغلب عليه الهدف الاجتماعي، ويقترب كثيرًا من التبرعات، ومن ثم فإن الأولى به أن يفوز بالمشروعية، تغليبًا للجانب الاجتماعي فيه، وتحقيقًا لما يوفره من خير عميم، ومن تسوية العاملين في المؤسسات الخاصة بموظفي المؤسسات العامة، لتحقيق مناط هذه التسوية فيهم جميعًا.

على أن بحث العارض قد اشترط للحكم بالمشروعية في هذه الصورة أن يتحقق الهدف من جماعية العقد، فيكون المقصود منه مصلحة الجماعة، ويكون العلاج جاريًا وفقًا للمجريات العادية للأمور، وواقعًا بالقدر الذي لا يتنافر مع المبلغ المدفوع من المؤسسة، وهذا إنما يكون إذا كان عدد العاملين من الكثرة بحث تتضمن ذلك قوانين الإحصاء وقانون الأعداد الكبيرة، ويكون من حق أطراف التعاقد تعديل مقدار المبلغ الذي تلتزم به المؤسسة، وتعديل المزايا التأمينية التي يتمتع بها المستفيدون، على هدى ما قد يطرأ من ظروف أو يكون قد وقع من خطأ في البيانات التي كانت أساس التأمين، وهذا كله على نحو ما استقر عليه عرف التعامل، التزامًا بجماعية العقد.

ص: 1577

الصورة الثالثة: حيث تكون المؤسسة خاصة، ويكون المستشفى ملزمًا بتقديم الدواء مع العلاج. وفي هذه لصورة أشار بحث العارض إلى اختلاف الفقهاء، ورجح الرأي الذي يجيزها، تطبيقًا لما روي عن بعض الحنابلة والشافعية مما هو مفصل في البحث، ولأن هذا الرأي لا يصطدم مع أي نص، ويستجيب للمصلحة في أمر يجوز أن يكون لصالح الناس أثر في الحكم عليه، لا سيما والمروي عن مالك وأحمد بن حنبل أنه يجوز أن يكون الدواء من عند الطبيب لضرورة الناس.

جـ- أما في الحالة المعروضة من تطبيقات التأمين الصحي التي تتوسط فيها شركة تأمين تجارية أو تعاونية في العلاقة بين المستفيدين، والجهة المتعهدة بالعلاج، فقد اتفق رأي الباحث العارض وبحث الدكتور الصديق مع رأي الدكتور الألفي، على أنه إن كانت الشركة الوسيطة من شركات التأمين التجارية، فالصورة غير جائزة، وإن كانت من شركات التأمين التعاونية التي لا تسعى إلى الربح، فإن الصورة تكون جائزة.

وقد مثل فضيلة الدكتور الصديق الضرير بالشركة السودانية (شيكان) التي تقوم بالتأمين وإعادة التأمين، وأوضح أن التأمين الصحي يتم فيها عن طريق التكامل الجماعي الصحي الذي يصحح مسيرتها.

ص: 1578

0

5 ـ بقي بعد ذلك من تطبيقات العلاج الطبي المعروضة للبحث؛ اشتراط البرء لاستحقاق المقابل.

وقد رأى الدكتور الخياط أنه لا حرج فيه، وقال الشيخ التسخيري: إن من الأمراض ما يمكن للطبيب الماهر أن يطمئن فيها إلى النتيجة بإذن الله، وبالتالي فإن تصحيح هذا الاشتراط يراعى فيه نوع المرض، وقدرة المعالج، فإذا تخلفت النتيجة، فله الإمضاء، فإذا اختار الفسخ يعود إلى أجر المثل.

وقال الدكتور الألفي: إنه إذا كان غير البرء مقدر للطبيب، فالشرط فاسد والعقد صحيح، فيستحق الطبيب المقابل المتفق عليه، إذا بذل العناية، أما إذا جرى العرف الطبي على أن بذل العناية الكافية إزاء الحالة يؤدي (عادة) إلى البرء، فإن الشرط يكون صحيحًا، ويكون العقد كذلك صحيحًا فهذا التزام بنتيجة، فإذا لم يتحقق البرء لاستحق المقابل (1) وإذا جعل الاشتراط مع الطبيب على البرء جعالة، فيرى مالك وبعض المالكية والشافعية أنه إن شفي استحق الطبيب الجعل، وقال الحنابلة في ذلك ومنهم الإمام ابن تيمية: إنه إذا جعل للطبيب جعلًا على شفاء المريض، جاز، كما حدث لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين قبلوا قطيع الغنيم إن شفي سيد الحي بالرقية على أيديهم.

أما الدكتور الصديق فقد نقل ـ مشكورًا ـ في المسألة نقولًا كثيرة من المذاهب الأربعة، بعضها يجيز الاشتراط على البرء، إجارة، أو جعالة، والبعض الآخر يمنعها، ثم رجح فضيلته منع المشارطة مطلقًا، سواء أكانت في عقد إجارة أم عقد جعالة، وسواء اشترط الدواء على الطبيب أم كان على العليل، وذلك استنادًا من فضيلته على أنه إن كانت في عقد إجارة، فإن الغرر يكون في محل العقد (وهو العلاج حتى البرء) وهو غرر ناشئ عن الجهل بمدة العلاج، هذا إلى جانب أن اشتراط البرء على الطبيب شرط في وجوده غرر؛ لأن البرء قد يحصل وقد لا يحصل، والشرط الذي في وجوده غرر من الشروط الفاسدة المفسدة للعقد، ومثل ذلك في الحكم اشتراط البرء في عقد الجعالة؛ لأن الجعالة في القياس غرر لما فيها من جهالة العمل، وجهالة الأجل، وإنما جازت استثناء للحاجة إليها، في رد البعير الشارد ونحوه، ولا حاجة تدعو إلى مجاعلة الطبيب على البرء. ثم إن البرء كما يقول المانعون، غير مقدور للطبيب ولا يقدر عليه إلا الله.

(1)(انظر: ص 485)

ص: 1579

وقد رجح بحث العارض ما يراه فريق من الشافعية والمالكية من أن المشارطة على البرء تخرج من باب الإجارة وتدخل في باب الجعالة، وقدم ما يراه مؤيدًا لذلك التكييف الشرعي من طبيعة التعامل وقيامه على الثقة والطمأنينة المتبادلة بين الطبيب والمريض، واستقلال الطبيب في مواجهة المريض، الذي قد يجهل الأمور الطبية الدقيقة، بل إنه قد يجهل حقيقة الحالة الصحية التي يمر بها، وكل ذلك يتجانس بصورة أفضل مع طبيعة الجعالة لا طبيعة الإجارة.

كما رجح بحث العارض أن يكون حظر الاشتراط على البرء عند بعض الفقهاء مرتبطًا بحالة الطب والأطباء على عصرهم، حين كان العلاج يقوم على تجارب لم يصقلها العلم بعد، كما كان يرتبط بعرف لا يجمع بين التطبيب والشفاء برباط وثيق، مما كان يقتضي التحوط، ومن ثم فإنه تجانسًا مع العرف الطبي الذي تغير بسبب التقدم العلمي المذهل في العلوم الطبية وما يتصل بها، وبسبب الإشراف الحازم على الأطباء: ترخيصًا وتدريبًا ومتابعة، وبسبب الرقابة الصارمة على العقاقير الطبية، قبل طرحها للتداول وبعد طرحها له، فإن الأمر تجاوبًا مع العرف الذي تغير يقتضي تعزيز الثقة في الطب والأطباء ووسائل العلاج، وبعد أن أصبح التنبؤ بالشفاء أمرًا مقبولًا في حالات كثيرة ولا يتعارض مع كون الشافي هو الله وحده؛ لأن اكتساب الأسباب أمر لا بد منه شرعًا وعادة.

ومن ناحية أخرى فإنه إذا ارتضى الطبيب ألا يطالب بشيء إلا عند البرء والشفاء، حتى يدفع بالطمأنينة إلى نفس المريض، ويعزز الثقة فيه وفي علاجه، فإنه يكون له ما اتفق عليه، تطبيقًا لمبدأ أن المؤمنين عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرَّم حلالًا.

هذه خلاصة موجزة لما وفقني الله إلى فهمه من الأبحاث الجيدة المثرية، أرجو أن أكون قد وفقت في عرضها.

وقد أعددت مشروع قرار مستخلص من هذه الأبحاث، ليتسنى تقديمه إلى لجنة الصياغة إن شاء الله لتدرسه، وتقر ما تراه منه أو من غيره.

والله من رواء القصد، وهو نعم المولى ونعم النصير.

ص: 1580

مشروع القرار والتوصيات

نخلص من مجموع البحوث السابق عرضها إلى التوصيات التالية:

1 ـ التأمين الصحي معاملة تهدف إلى معاجلة شخص معين أو أشخاص محددين بأسمائهم أو صفاتهم، من الأمراض أو الإصابات التي تحدث مستقبلًا في أجل محدد نظير مبالغ أو اشتراكات أو أقساط تدفع مقدمًا. ويظهر ـ عادة ـ في شكل تأمين اجتماعي ترعاه الدولة، وقد يظهر في شكل تأمين تجاري أو تعاوني، أو في شكل خاص يختلف عن ذلك كليًا أو جزئيًا إن تكاملت فيه خصائصه، فهو حلال إن تكاملت فيه خصائص التأمين الاجتماعي أو التعاوني، وحرام إن تكاملت فيه خصائص التأمين التجاري، فإن لم يكن متحمضًا لنوع معين في صورة منه، وجب تطبيق القواعد الكلية والأحكام العامة في الفقه الإسلامي لمعرفة حكمها وعلى الأخص ما يتصل بالغرر والجهالة الفاحشة.

2 ـ البطاقة الصحية هي بطاقة تمنح للمؤمن له ليتاح له الاستفادة من مزايا التأمين الصحي الذي يظله، وتأخذ هذه البطاقة حكمها من حكم التأمين الصحي الذي تقوم تنفيذًا له.

3 ـ اتفاق مؤسسة عامة مع مستشفى للتعهد بمعالجة موظفيها طوال فترة معينة، لقاء مبلغ معين، مع الالتزام بالدواء والعمليات، من التأمين الاجتماعي الذي يتغيا الصالح العام، والذي تفرضه الدولة أو إحدى المؤسسات التابعة لها بهدف اجتماعي، ومن ثم فهو حلال.

ص: 1581

4 ـ اتفاق مؤسسة خاصة، باختيارها، مع مستشفى لمعالجة العاملين بها، طيلة فترة معينة، لقاء مبلغ محدد، هو تأمين مختلط، تغلب عليه خصائص التأمين الاجتماعي، لبعده ـ في مجمله ـ عن المصالح الذاتية، واستظلاله لهدف اجتماعي وشبهه بالتبرعات، ومن ثم فهو مشروع بشرط أن يتحقق به الهدف من جماعية العقد، وأن يكون من حق أطرافه تعديل المبلغ الذي التزمت به المؤسسة وتعديل المزايا التأمينية على هدى ما قد يطرأ، أو يكون له وقع من أخطاء في البيانات التي كانت أساس التأمين. ولا يغير من هذا الحكم التزام المستشفى بتقديم الدواء أخذًا بما روي عن الإمام مالك وأحمد بن حنبل، ولما فيه من تيسير بإعمال مصالح الناس.

5 ـ توسط شركة التأمين بين العاملين في مؤسسة وبين المستشفى الذي يتعهد بعلاجهم، هو معاملة مشروعة إذا كانت الشركة تعاونية لقيامها على التبرع أساسًا، وهو معاملة محرمة إذا كانت الشركة تعاونية لقيامها على التبرع أساسًا، وهو معاملة محرمة إذا كانت الشركة تجارية، لبعد المعاوضة عن التبرع، وقيامها على تحقيق المصالح الذاتية، والسعي إلى الربح على غير ما شرعه الله.

6 ـ مشارطة الطبيب على البرء سائغة لعدم تعارضها مع النص ولارتباطها بالمصلحة المشروعة، وتجانسها مع العرف الطبي المستحدث، وتحقيقها لضرورات الناس وشروطهم التي يرتضونها في معاملاتهم. غير أنها على خلاف الأصل، فلا يجوز افتراضها، ولا التوسع في تفسيرها.

7 ـ ينبغي أن يكون للدولة دورها في جميع أشكال التأمين الصحي المشروع وعلى الأخص التأمين الاجتماعي، وعليها أن تقوم بدفع أقساط التأمين كليًا أو جزئيًا لمن لا يستطيع أداءها مع حاجته للتأمين من الفقراء، لما في ذلك من تحقيق للعدالة الاجتماعية التي هي هدف للدولة الإسلامية؛ ولأن الرعاية الصحية تدخل في باب الضرورات التي تؤثر في الحاجيات والتحسينيات، وتوجب على ولي الأمر أن يعمل على ضمان وجودها وفعاليتها.

وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1582

التعقيب والمنافشة

الشيخ محمد علي القري:

شكرًا سيدي الرئيس:

إن الحمد لله نحمده ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن عقد العلاج الطبي بشكل عام، أي العقد المعتاد الذي يتعامل به الناس بين المريض والمستشفى، أو بين المريض والطبيب، هذا العقد يختلف عن عقود المعاوضات الأخرى، فأنا عندما أذهب لشراء سيارة ـ على سبيل المثال ـ فإني أعرف بالضبط ما أريد فأبحث عنه وأشتريه من بائعه، أما إذا ذهبت إلى المستشفى وأنا مريض فإني لا أعرف ماذا أريد وإنما لسان حالي يقول: يا أيها المستشفى بع إليَّ ما ترى أنني أحتاج إليه من العلاج، فهو يحدد ما إذا كنت أحتاج إلى فحوص أو تحاليل أو عمليات أو علاج طبيعي أو أدوية وما إلى ذلك، وهذا يعني أن مقصد الإنسان من العقد عندما يشتري سيارة هو نفسه محل التعاقد وهو تلك السيارة المحددة المعروفة للمشتري. أما في العلاج عند الطبيب فإن مقصود المرض هو الشفاء، ولكن محل العقد ليس هو البرء والشفاء، وإنما هي خدمات لا يحددها المشتري وإنما يحددها البائع؛ لأن البرء أمر يصعب أن يكون محلًا لعقد معاوضة، وقد أوردت في بحثي أمثلة على هذا الوضع في العلاج الطبي وغيره، عندما يعجز الناس على جعل ما يريدون محلًا للعقد فإنهم يهرعون إلى أقرب شيء إليه ويجعلونه هو محل التعاقد، من هذا الباب فإن الغرر موجود في كل عقود العلاج الطبي، ولا يزيد الغرر في عقد التأمين الصحي عن الغرر الموجود في عقود العلاج الطبي الأخرى.

ومن جهة أخرى فإن التأمين الصحي مختلف عن أنواع التأمين الأخرى، فالتأمين على الحياة ـ على سبيل المثال ـ تعويض مرتبط بوقوع حادثة هي في علم الغيب وهي الموت، والإنسان لا يكون: إلا حيًا أو ميتًا، وليس بينهما درجة، أما التأمين الصحي في أكثر صوره انتشارًا فإنه عقد رعاية صحية، ولا يكاد الإنسان يستغني خلال مدة العقد عن الرعاية الصحية، لما يصيبه من عوارض المرض وما يحتاج إليه من أنواع العلاج الخفيفة أو الثقيلة التي لا يكاد يسلم منها إنسان، ولذلك فإن الغرر فيه أقل بكثير من الغرر الموجود في عقد التأمين على الحياة، ولا يختلف في درجته عن عقود العلاج الطبي الأخرى، فالمريض عندما يذهب إلى المستشفى فإنه يتعاقد مع مؤسسة هي المستشفى، ولا يرتبط بعقد مباشر مع من يعالجه، والناس يحتاجون إلى التأمين الصحي؛ لأن تكاليف العلاج في يوم الناس هذا، وبخاصة وقد بدأت الخدمات الحكومية تنحسر في أكثر البلدان، هذه التكاليف للعلاج باهظة، وهي تقصم ظهر الإنسان العادي إذا ابتلي بمرض عضال فتأتي على كل مدخراته وثروته وتحمله الديون الكثيرة، ثم إذا قضى عليه مولاه الموت ترك ذرية مشتغلة ذممها بهذه الديون، ولو كان مشتركًا ببرنامج للتأمين الصحي لحصل تشتيت لهذه التكاليف الصحية على مجموع المشتركين في برنامج هو من أرقى أنواع التعاون.

ص: 1583

أما القول: لا بأس بالتأمين الصحي إن كان تأمينًا تعاونيًا؛ فالواقع أن الفرق بين التأمين التعاوني بصورته القائمة المطبقة وبين التأمين التجاري فرق غير مؤثر في الحكم عليهما، كما بينت في بحثي. وهذا لا يعني أن الصيغة التي وردت في فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية أن تلك الصيغة غير قابلة للتطبيق بل مطبقة بالفعل، ولكن في بعض البلدان الغربية فيما يسمى بالتأمين التبادلي ـ كما بينت في بحثي ـ والذي هو بعيد عن الاسترباح، والذي هو صورة من صور التعاون، وتشتيت المخاطر، ويحسن الرجوع إليها في بحثي فقد فصلت فيها.

ولكن تطبيق الصيغة التي وردت في فتوى هيئة كبار العلماء يحتاج إلى قوانين صارمة تمكن من تحقيق التعاون الحقيقي البعيد عن الربح.

فمن قال بجواز صيغة التأمين التعاوني بالصورة المطبقة، فمن لوازم قوله هذا أن يقول بجواز التأمين التجاري؛ لأنه لا فرق مؤثر بينهما، ولذلك فإننا يحسن أن نخرج بقرار واضح فيما يتعلق بالتأمين الصحي، آخذين في الاعتبار ما ذكرت.

والله أعلم. وشكرًا.

ص: 1584

الشيخ وهبة الزحيلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فأعتقد أن عرض هذا الموضع يعد من الضرورات الماسة والحساسة في العصر الحاضر لننتقل بدولنا ومجتمعاتنا إلى نوع من القفزة الحضارية التي تريح الفرد والدولة والأمة والمجتمع.

فكل ما ذكر من هذا الموضوع إنما يعد ترقيعًا لصور التخلف التي تعاني منها الأمة الإسلامية والعربية، لا فرق بين دولة غنية أو فقيرة، وهذا التقسيم الذي شاهدناه من خلال هذا العرض الجيد للدكتور المنياوي: في الواقع عرض ممتاز وهو قياس على أنواع التأمين الأخرى، وتقسيمه ما بين تأمين تعاوني وتجاري، نقلت تلك الصورة إلى هذا الميدان، والفرق واضح وكبير بين التأمين على السيارات وضد الحريق وضد الحوادث وعلى الحياة، وبين هذا التأمين على الصحة التي تعد من أساسيات الإنسان، ففي وقتنا الحاضر وجدت أمراض كثيرة بعضها مستعصي وبعضها بسبب تلوث البيئة وغير ذلك، فالواجب على الدولة أن تقوم برعاية هذا الموضوع الأساسي لمواطنيها قبل أن تؤمن لهم القوت والطعام والشراب، يعد الدواء والعلاج مقدمًا بالنسبة للمرضى على الطعام والشراب، كثير من المرضى يقول:(دوني، أنا لا أريد طعامًا ولا شرابًا، أريد أن أعود إلى شيء من الصحة والتحسن الذي يجعلني أحس بأنني حي وعضو في هذا المجتمع أو مواطن من المواطنين الذي يريدون جميعًا أن يحيوا حياة إن لم تكن كريمة فهي أقرب إلى شيء من الكرامة) .

ص: 1585

التأمين التعاوني لا شك أننا كلنا نقره قياسًا على التأمين في جوانب أخرى أو التبادلي. وأما التأمين التجاري فنظرًا لوجود غلبة الربح والاتجار من قبل المؤسسات والجمعيات، فهذا واضح المعالم، لكن اليوم اختلفت المعايير، فالدخل في أغلب الدول العربية والإسلامية لا يتكافأ إطلاقًا مع المصاريف والنفقات التي قد تضطر الإنسان لبيع كل ما يملك حبًا في الحياة، فهذه الدول حينئذ ينبغي أن تنظر في موضع التأمين نظرة شاملة دون هذا الترقيع، فاليوم أصبحت معالجة المريض ضرورة من الضرورات أو حاجة عامة من الحاجات، وكل ذلك يحقق الحد الفاصل بين حياة وموت، وخصوصًا الأحداث التي نتعرض لها والأزمات والمشكلات التي تمر بالأمة العربية من هذه التحديات التي تمس جسد الأمة وكرامتها وعزتها ووجودها. يريدون أن يفرغوا الساحة كلها من شيء اسمه (الإسلام) فأن أهيب بجرأة بعض الدول أو كلها ليقلد بعضها بعضًا من معالجة هذه المشكلة على أساس أن يكون التأمين عامًا لجميع المواطنين، وأن الدولة تقوم بهذا الواجب الذي يعد من أساسيات وجودها وضرورة من ضرورات بقائها واستقرارها وحماية مواطنيها، فكما تدفع لهم تأمينات تقاعدية، فينبغي أن ننقذ أنفسنا من هذه الورطة ونحاول أن نكون في شيء من الجرأة وندفع بهذا المجمع إلى أن يعلن كلمته لتأخذ الدول بهذه المسيرة التي سبقنا إليه المسلمون في السابق، واليوم يقلدنا بها بلاد الغرب حيث لا توجد مشكلة في هذا الموضوع. في أوروبا وأمريكا: التأمين شامل ولا قلق ولا اضطراب ولا معاناة لا من العامل ولا من الموظف، حتى إن التردد على العيادات الخاصة أيضًا مشكلة التأمين تحقق له هذا الأمر، فلا فرق بين مشافي الدولة والعيادات الخاصة.

نحن دائمًا ننظر إلى الناحية التجارية في تطلعاتنا وأهدافنا، وهذه المشكلة انتهت في الغرب، فيجب أن نعود إلى ما كان يقرره فقهاؤنا في الماضي، وسارت عليها بعض الدول الإسلامية.

هذا شيء أساسي أرجو أن نكون صريحين فيه وأن تكون لنا كلمة فاصلة في هذا الموضوع، فالضرورة توجب علينا أن نحقق المصلحة لجميع المواطنين.

هذا شيء.

الشيء الثاني: إذا كانت الدولة مسؤولة عن رعاياها فأنا لا أفهم أن عنصر الرحمة والمساعدة تفرق بعض الدول بين المواطنين وغير المواطنين، حتى غير المواطنين تفرق بين زيد وعمرو وبين عربي وغير عربي وبين آسيوي وغير آسيوي، والبطاقة الصحية يدفعون التكاليف الباهظة ثم يدفعون حين التردد على المشافي أيضًا رسومًا أخرى، ثم للعمليات، ويميزون بين مشافي للمواطنين كأنهم هم الأشراف وغيرهم هم الدون والتبع، كل هذا يحقق قلقًا في المجتمع العربي والإسلامي.

ص: 1586

الشيخ عبد اللطيف آل محمود:

.. لكن للوصول إلى الحكم الشرعي أرى أن الأمر يحتاج للنظر إلى العلاقة بين الأطراف على النحو التالي:

العلاقة بين المؤمن عليه وبين مؤسسة التأمين: فإذا كان التأمين تجاريًا فإن العلاقة هي عقد معاوضة بين الفرد والشركة، وبين الشركة والمؤسسة العلاجية لتقديم الخدمات الطبية للمستأمن وفيه غرر كبير، وبالتالي فإن هذه الصورة لا تجوز شرعًا.

وإذا كان التأمين تبادليًا فإن العلاقة بين الأفراد المستأمنين بين بعضهم البعض هي علاقة تكافل وتعاون وهو جائز شرعًا، وهو ما أقرته مجامع الفقه الإسلامي.

والعلاقة بين المستأمنين وشركة التأمين التبادلي علاقة عقدية تقوم على الإجارة أو الوكالة بأجر وهي علاقة جائزة، لكن العلاقة بين شركة التأمين التبادلي وبين الطبيب أو المؤسسة العلاجية تعتمد على كيفية احتساب الكلفة العلاجية.

فإن كانت الكيفية تقوم على أساس تقديم مبلغ مقطوع للطبيب أو الجهة العلاجية لعلاج من يأتيها من عدد محدد من المرضى المؤمن عليهم؛ فإن هذه الكيفية لا تجوز شرعًا لأن هذه العلاقة فيها الغرر الكثير، والعلاقة بين شركة التأمين والجهة العلاجية هي علاقة معاوضة.

وإن كانت الكيفية تقوم على أساس دفع التكاليف العلاجية من شركة التأمين للطبيب أو للجهة نظير علاج المؤمن عليهم؛ فإن هذه الكيفية جائزة شرعًا حيث ينتفي الغرر.

وقد عرض الدكتور محمد جبر الألفي في بحثه ملحقًا عن التأمين الصحي التعاوني المطبق في المملكة العربية السعودية، يقوم النظام على دفع التكاليف من شركة التأمين إلى الطبيب أو المستشفى. لكن لا بد من إرجاع الفائض إلى المستأمنين وتطبيق قواعد التأمين التبادلي الشرعية الأخرى.

وأحب أن أشير إلى التحايل الذي يقوم به بعض المؤمن عليهم صحيًا بإدخال غير المشمولين في التأمين الصحي بأسمائهم، أو أخذ الدواء على حسابهم، وهذا أمر لا يجوز شرعًا، وأحب أن تشير قرارات المجمع إلى هذا النوع وهذا الحكم.

والله تعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 1587

الشيخ علي السالوس:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

شكرًا لهذه الأبحاث القيمة وهذا العرض المتميز من سعادة المستشار.

أقول هنا: نحن لسنا أمام موضوع جديد نبحثه لأول مرة وإنما أمام تطبيق لفرع من موضوع بحثناه.

موضوع التأمين بحثه المجمع من قبل وانتهى إلى جواز التأمين التعاوني أو التبادلي وعدم جواز التأمين التجاري، ولذلك ما سمعناه اليوم من القول بأنه لا يوجد فرق مؤثر بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني هذا القول يهدم ما انتهت إليه المجامع الفقهية من جواز التأمين التعاوني وعدم جواز التأمين التجاري.

فالأمر إذن يتعلق بالتطبيق، وبحثنا موضوعًا مشابهًا في جانب ومختلفًا عنه في جانب آخر وهو موضوع عقد الصيانة، لكن عقد الصيانة على الجماد وهنا عقد الصيانة على الإنسان. وأهمية الموضوع هنا أنه يتعلق بالضرورات التي تأتي بعد الدين مباشرة وهو الإنسان. ولذلك ما أراه هنا أننا نبحث في الصور التطبيقية فما كان منها ينتمي إلى التأمين التعاوني (التبادلي) فهو حسب قرار المجمع جائز، وما كان منها ينتمي إلى التأمين التجاري فهو بحسب قرار المجمع غير جائز، ويبقى عندنا (الضرورات تبيح المحظورات) و (الضرورة تقدر بقدرها) فإذن هنا الضرورة بالنسبة للتأمين الصحي تختلف عن أنواع التأمين الأخرى، مثل التأمين على الأموال والممتلكات، فإذن هنا نحاول في الصور التطبيقية التي عرضها الإخوة السادة الباحثون أن ننظر إلى أي صورة، الصورة هذه تنطبق تحت بند التأمين التعاوني أم التأمين التجاري؟ ثم نطبق القاعدة الأصلية التي انتهينا إليها.

وشكرًا لكم، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

ص: 1588

الشيخ راشد العقروبي:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

جزى الله العارض خيرًا على عرضه للبحوث، وأكثرهم على حسب ما ذكر لنا أنهم يرون بالنسبة للتأمين الصحي الضرورة، وهذا الواقع الذي تعيشه الأمة الآن، وذلك مثل ما ذكر الشيخ وهبة ـ جزاه الله خيرًا ـ هذه الأمة الإسلامية التي لا تعيش الواقع الإسلامي، لا بد أن نساير الواقع الذي نعيش فيه؛ لأن أي إنسان يريد أن يعمل في مؤسسة حكومية أوخاصة لا بد له من التأمين ومن الفحص الطبي.

وكذلك لا يستطيع أي إنسان أن يدخل في شركات لأعمال البناء أو المشاريع أو غيرها، إلا ويطلب منه أن يكون مؤمنًا على العاملين لديه في المؤسسة التي يعمل فيها هذا الشخص أو الشركة التي تريد أن تأخذها هذا المشروع، سواء كان هذا المطلب عن طريق الاستشاريين أو عن طريق الحكومة أو البلديات. ولهذا جزى الله المجمع خيرًا لمناقشته هذه القضية، وأرجو أن يتوصل فيها إلى حل كما ذكر بعض المشائخ، وقد ذكر القاضي مجاهد الإسلام القاسمي في بحثه:(إذا جاءت فتوى تحرم التأمين الصحي على الإطلاق فيكون السكان بأجمعهم مرتكبي الحرمة وآثمين) . وهذا صحيح فجميع الناس الآن بحاجة إلى هذا التأمين، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش في هذه الحياة إلا أن يكون له التأمين الصحي.

وذكر الشيخ التسخيري ـ جزاه الله خيرًا ـ في خلاصة بحثه مشروع قرار مقترح من أن عقد التأمين الصحي جائز، وكذلك ذكر التعليلات التي أوردها في بحثه.

ومثلًا في دولة الإمارات العربية المتحدة الآن بالنسبة للصحة وللكشف الصحي: إن الإنسان لا يستطيع أن يتزوج إلا بعد استخراجه لما يفيد أنه قد تم فحصه طبيًا سواء بالنسبة للذكور أو الإناث.

إذن هذه الخطوة يتطلبها المجتمع وتتطلبها الحياة اليومية.

وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1589

الشيخ علي محيي الدين القره داغي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه.

الشكر موصول للإخوة الكرام أصحاب البحوث الجيدة وللعارض في عرضه المتميز، فجزاهم الله خيرًا.

أنا أعتقد أنه لا بد أن يفصل بين عقد التأمين من حيث هو عقد التأمين وبين ما يترتب على عقد التأمين مما يجري من العقود بين شركات التأمين أو حامل الوثيقة وبين المستشفى أو الطبيب، فنفصل بين الأمرين، مسألة المشارطة وما أشبه ذلك مسألة جانبية، بينما أصل العقد هو الأساس، وأنا أعتقد أن ما تفضل به معظم الإخوة الكرام من الباحثين والمداخلين في التفرقة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري ضروري جدًّا ولا سيما أن هذه التفرقة تنسجم مع القرارات السابقة كما تفضل فضية الشيخ علي السالوس، هذا صحيح. فنحن الآن لا يمكن أن نهدم ما بنيناه وإنما نبني على ما بنيناه، وإذا أريد فلا بد أن نعود إلى الأصل، وبالتالي المجمع الموقر وكذلك المجامع الأخرى أقرت هذه التفرقة. والفروق جوهرية ولا يسع المجال لبحثها، يكفي أن نذكر من أن أساس التأمين التعاوني يكون على التبرع، وأن أموال حملة الوثائق لا تذهب إلى المساهمين أو الشركة المساهمة وإنما منهم وإليهم، إلى غير ذلك، إضافة إلى أن الغرر ليس مؤثرًا في التبرعات بينما مؤثر في المعاوضات، إضافة إلى أكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك. فالقضية لسنا الآن بصددها وإنما الفروق جوهرية ولا نعود إليها. هذا من جانب.

وبالتالي فنقر أن التأمين الاجتماعي أو التأمين التعاوني جائز بشروطه وضوابطه، نحن هنا لسنا مسؤولين عن التطبيق، فإذا كان هناك خطأ في التطبيق فالذين يطبقونه هم الذين يتحملون المسؤولية، ولا ينبغي لنا ـ خوفًا من هذا التبطيق السيئ ـ أن نحرم شيئًا، وهذا لا ينبغي حقيقة. الأحكام الشرعية تجري على حسب ضوابطها وتأصيلاتها الشرعية، وبالتالي فالتأمين التعاوني أو التبادلي صحيح من حيث المبدأ، والتأمين الصحي التجاري إن كان إلزاميًا فالإنسان ملزم قانونيًا فلا حرج عليه وذلك من باب الضرورات، ثم حتى ولو لم يكن إلزاميًا كما هو الحال في بعض الدول الغربية، بل إن الدول الغربية والمسلمين الذين يعيشون فيها، الشركات والحكومات تفرض على كل إنسان يعمل أن يكون مؤمنًا تأمينًات صحيًا. فحينئذ أصبح نوعًا من الاضطرار، وحتى لو كان في حاجة ماسة إليه فالحاجيات تنزل منزلة الضروريات في مثل هذه القضية التي أشار إلى أهميتها فضيلة الدكتور الزحيلي وغيره. التأمين الصحي ليس من نافلة القول وليس من المحسنات ولا من الحاجيات العادية إنما هو من الضروريات أو الحاجيات الملحة فتنزل منزلة الضرورة إذا لم يستطع. ولذلك أطلب هنا تأكيدًا لما قيل في هذا المجمع الموقر توصية إلى الدول الإسلامية بتبني التأمين الصحي وشموليته لكل من يعيش على أرضها دون تفرقة بين شخص وآخر، لما يترتب على عدم التأمين من أضرار للجميع فالأمراض إذا عمت تعم الجميع.

ص: 1590

وبالنسبة للشروط أو العقود التي تتم بين المستشفى أو بين الشخص الذي هو حامل الوثيقة أو حامل البطاقة، هذا ما يشترط فيه من المشارطة لا أرى أن هذه المشارطة تجعل العقد باطلًا، وخاصة كثير من الفقهاء قالوا بجواز المشارطة على البرء، والبرء الآن أصبح شيئًا واضحًا وإن كان نسبيًا لكنه يمكن الاتفاق عليه في أسسه فلا يؤدي إلى هذه الجهالة التي تجعل العقد باطلًا، ولا سيما إذا اشترط البرء فإن العقد يكون جعالة. والجعالة مسموح فيها الغرر؛ لأن الجعالة أساسًا تقوم على جهالة العمل وجهالة الأجل، وقد استثنيت هذه الجهالة للحاجة. هذا من جانب.

ومن جانب آخر أعتقد أن الغرر الموجود في بعض أنواع التأمين وخاصة التأمين التعاوني أو التبرعي مسموح به، والشريعة الإسلامية تتسامح في الغرر أكثر مما تتسامح في قضايا أخرى، كما فصل ذلك بعض المحققون منهم شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: الغرر يسامح فيه على عكس الربا، فالربا الشريعة تشددت فيه، أما الغرر فمبناه على الحاجة ـ كما قال العلماء ـ استثناء للحاجة إليها. وكذلك مبناه على ألا يؤدي إلى النزاع بين الطرفين. ومثل هذه الأشياء لا تؤدي إلى النزاع. وبالتالي فالقضية أنا أعتقد في الأساس هي قضية التأمين الصحي، والمشارطة هي قضية جزئية حتى لو لم تذكر في القرار لن تؤثر في القرار وإنما تترك هذه القضايا العامة أو لما ورد في المذاهب الفقهية في هذا المجال.

وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1591

الشيخ محمد علي التسخيري:

بسم الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه.

الحقيقة النقطة التي ركزت عليها في بحثي هي التأمين الصحي الذي يركز على دفع المؤسسة التأمينية أو القيام بالنفقات لقسط معين مما يتطلبه العلاج.

يعني (80 %) أو (60 %) أو ما أشبه ذلك ولا يسرى دفع كل العلاج؛ لأنه في العادة يجعلون هناك قسطًا لئلا يتساهل أو يتمارض أو ما إلى ذلك، لكي يتحمل هو قسطًا. وهو أمر بعيد عن التأمين على المرض، أو التأمين على الموت وأمثال ذلك، هذا انتهينا من بحثه.

المشكلة الأساسية كما أشار العلماء هي الغرر، ورغم أن النص الوارد في الغرر هو نص يختص بالبيع، ولكن العلماء قد تم بينهم على التعميم لباقي العقود، والتسامح في عقود التبرع والتعاون.

أذكر أنني في بحث التأمين كنت من القائلين بجوازه أصلًا واعتبرته عقدًا عرفيا مشبوهًا بـ (أوفوا بالعقود) وقواعد الصلح والهبة والضمان، ولكن قرر المجمع منع التأمين، ومع البناء على قرار المجمع أقول: هنا خصوصية وأخاطب بها شيخنا العزيز علي السالوس، هنا خصوصية دعت المجمع لبحث هذا التطبيق، هذا التطبيق طبيعته حتى لو كانت مع مؤسسة تجارية، طبيعته تعاونية، وطبيعته تجري لخدمة الأمة والأفراد حتى كما قلت: لو كان مع مؤسسة تجارية فهذا المصداق ليس تكرارا، وليس تطبيقًا لقاعدة انتهينا منها في بحثنتا للغرر؛ وأعتقد أن هناك نوعًا من قلة البحث في مسألة الغرر، والغرر قاعدة ضخمة تمشي معنا في مختلف العقود وخصوصًا المستحدثة، ولذلك دعوت إلى البحث فيها أكثر.

الغرر المنهي عنه ليس كما تصور البعض مطلق الجهالة، وإنما ما انتهينا إليه إنما هو نوع فاحش منها متجاوز للحدود الطبيعية يجعل العقد كالقمار، ويؤدي للنزاع في المعاملة ـ كما أشار الدكتور القره داغي وأكد الحنفية على ذلك الغرر المؤدي للنزاع في المعاملات هو الغرر الذي انتهيت إليه. والحالة هنا ليست كذلك، بمعنى أنها لا تؤدي للنزاع في المعاملة خصوصًا بعد دراسة الحالة والدقة ووضع الشروط اللازمة وإبقاء

وهنا ذكرت بحثًا أصوليًا أرجو التركيز عليه.

يعني علماء الأصول يقولون: لو فرضنا جاءنا أمر عام: أكرم العلماء، وجاءنا أمر مخصص: لا تكرم الفساق منهم، وشككنا في أني الفسق هل هو حالة عامة يشمل مرتكبي الكبيرة والصغيرة، أو أنه يقتصر على مرتكبي الكبيرة؟ هنا لو أن عالمًا ارتكب قضية صغيرة، ذنبًا صغيرًا فماذا نفعل؟ هل يشمله (أكرم) ، أو يشمله (لا تكرم) ؟ هنا يقول العلماء بجواز التسمك بالعام في الشبهة المفهومية للخاص المنفصل عن العام. هذه قاعدة؛ لأن العام انعقد له ظهوره فهو مقتض في كل مصاديقه، الذي يخرج من هذه المصاديق يجب أن يكون دليلًا متيقنًا، والخاص إذا كان هناك شبهة في مفهوم إنما يخرج بمقدار القدر المتيقن، ويبقى غير المتيقين على عموم العام، هنا عندنا عموم {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، هذا العموم محكم في كل العقود العرفية، وهذا العقد عرفي. وعندما خاص منفصل، هذا الخاص يخرج العقود الغرورية، ونحن نشك في الغرر بين الغرر الكثير ومطلق الغرر، يعني بين قدر متيقن وبين قدر أوسع، الذي يؤثر في مورد الشك هو القدر المتيقن من الغرر يستطيع أن يمنع شمول {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} لذلك العقد. والغرر هنا لا نراه فاحشًا وعلى الأقل نشك في شمول حكم الغرر له. وحينئذ تأتي القاعدة الأصولية.

ص: 1592

الشيء الآخر أن التأمين الصحي كما قلت له طبيعة تعاونية بلا ريب خصوصًا إذا تم بين مؤسسة لها موظفون ومستشفى، وتتأكد هذه الحالة إذا قارنا بين مجتمع يقوم على السماح بالتأمين وآخر يمنع منه، ولا مانع كما قلت في المجتعات التي تمنع التأمين ولا تقوم الدولة بالتأمين فماذا يحدث؟ يعني لو أن الدولة لا تستيطع أن تؤمن ولكن كانت هناك شركات تجارية تستطيع أن تؤمن تأمينًا صحيًا، نقول: لا، ليس لك ذلك لأن لك قصدًا تجاريًا، مع أن المجتمع بحاجة إلى هذه الحالة اليوم، ورأينا أن البعض من السادة يصلون به إلى حد الضرورات.

واضح عندنا أن القصد أحيانًا لا يغير، وهنالك أمثلة ضربتها في البحث.

ومن هنا أقول: إن قبولنا بالتأمين حتى لو كان تجاريًا لا يعني فسخًا لما عقدناه في قرارنا السابق؛ لأن التأمين بطبيعته عملية تعاونية.

بقيت مسألة اشتراط القدرة، اشتراط البرء؛ لأن العاملين بقاعدة (المؤمنون عند شروطهم) يشترطون القدرة على الشرط، وهنا الشفاء بيد الله تعالى، في هذه الحالة أعتقد أن اشتراط البرء يمكن نقله من شرط نتيجة إلى شرط فعل. بهذا المعنى بحيث إن الطبيب يقول: سوف أبذل أقصى جهدي لأحقق هذا البرء، ويمكن تصور هذا الأمر مقدورًا بعد تقدم الطب والدراسات الطبية، ورأينا كيف أن العلماء على مر التاريخ ـ طبعًا بعض العلماء وبعضهم رفضوه ـ قبلوا هذا الاشتراط. فإذا تحقق البرء استحق الثمن، وإلا فلا. ولذلك لا أرى مانعًا في اشتراط البرء، وبالتالي أؤكد ما قاله العلماء ولا أريد أن أكرر بأن مسألة التأمين الصحي مسألة قائمة اليوم وحاجية وقد طبقت قاعدة (لا حرج) على أمور صغيرة، على جرح يأتي في أصبع تطبق عليه قاعدة:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فكيف والحالة حالة اجتماعية كبيرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1593

الأستاذ عبد اللطيف الجناحي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

هذا الموضوع من أهم المواضيع التي نالت اهتمامي، فأنا في هذا المجال على مدى أربعين سنة، ولا أملك إلا أن أشكر الباحثين الكرام على استيعابهم للموضوع استيعابًا شاملًا وكاملًا بحيث لم يتركوا زيادة لمزيد.

ما خلصنا به في هذا المجمع وفي مجامع أخرى أن التأمين التعاوني جائز، أما التأمين التجاري فلم يجوز، لأسباب: لم نجد التأمين التجار أنه يخلو من الغرر، ولم نجد أنه يخلو من الربا، ولم نجد أنه بطبيعته تعاونيًا، هو أنشئ لغرض تجاري.

ولذلك أود أن أذكركم بقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في أوائل الثمانينات عندما بحثنا هذا الموضوع في اجتماعه في مكة وتحفظ عليه الدكتور مصطفى الزرقا ـ رحمه الله تعالى ـ والذي أجاز التأمين التجاري، ولكنه في مجتمعنا هذا بعد عام نوقش هذا الموضوع مرة أخرى، وكان لي شرف حضور تلك الجلسة، ودار حوارس اخن اشترك فيه الدكتور مصطفى الزرقا والعبد الفقير لله والدكتور زكريا البري، وأنا أذكره؛ لأن الموضوع يهمني، وخلص مجمعكم إلى هذا إلى إجازة التأمين التعاوني، وعدم إجازة التأمين التجاري، ولم يتحفظ الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله على القرار. وخلصنا إذن إلى أن التأمين التعاوني هو الجائز ولا نريد أن نخرج عن هذه الدائرة، ولكن عندما نزلنا إلى واقع التطبيق هل من الممكن أن نبدأ شركة بأسلوب التأمين التعاوني النمطي؟ هناك فيه صعوبة؛ لأنك عندما تأتي في البداية تجمع أقساطًا، والأقساط هذه قليلة، حادثة واحدة قد تستغرق الأقساط جميعها، وتحتاج إلى أضعاف أضعافها فتعجز الشركة عن الدفع. هنا قدمت مشروعًا طلبت فيه من المؤسسات ذات العلاقة التي تهمها أن تؤسلم السوق مثل البنوك الإسلامية التي تدفع ما سميته الاحتياطي المجهول ـ مبلغ من المال تضعه في صندوق كاحتياطي مجهول ـ يحل محله الاحتياطي المكتسب: الشركة عندما تعمل تربح في أول سنة، فإذا كان الاحتياطي المدفوع مليون دينار فأول سنة ربحت الشركة مائة ألف، إذن تحل هذه المائة ألف محل الاحتياطي المدفوع بهذا القدر، وبالتالي يصبح الاحتياطي المدفوع تسعمائة ألف والاحتياطي المكتسب مائة ألف، إلى أن يحل الاحتياطي المكتسب محل الاحتياطي المدفوع بالكامل، فتصبح الشركة تعاونية صرفة وملك لحملة الوثائق جميعهم. طبعًا هذه الصورة لم نستطع تطبقها فلذلك لجأت الشركات إلى إقامة شركات مساهمة، هذه الشركات المساهمة تقوم بإدارة عمل التأمين التعاوني مقابل رسوم للإدارة. هذا هو واقع الحال.

ص: 1594

الحقيقة التأمين الصحي إذن نحن الآن أين ننسب تحت أي هيئة يكون هذا التأمين الصحي؟ لا مشاحة أن التأمين التعاوني هو الوعاء العام الذي يجب أن يحتضن التأمين الصحي.

الباحثون ـ جزاهم الله خيرًا ـ تطرقوا للتأمين بشكل موضوعي وبفهم عام، وبالتالي لا أرى مسوغًا؛ لأن أتحدث في الموضوع.

بقيت نقطتان رئيسيتان: أنه لا يوجد تأمين مطلق، أي لا سقف له، اذهب للطبيب وليقل ما شاء ويستغرق علاجك ما استغرق، لا يوجد هذا. شركات التأمين تحدد وحتى تستطيع أن تحدد الرسم لا بد أن يكون لها سقوف، فتحدد سقفًا أعلى، وهذا ما يجب أن نركز عليه، ألف دينار للفرد في السنة أو مائة ألف دينار للمجموعة وهو ما يسمى بالتأمين للجماعة، شركة من الشركات تأخذ مجموعة من عمالها، وتعالجهم لدى جهة معينة وشركة التأمين تقول: نعم هذه المجموعة أنا أؤمن عليها بحد أقصى مائة ألف دينار أو مليون دينار. فدائمًا توجد حدود للفرد أو للمجموعة.

ثم إن هناك أمرا آخر هو التحمل؛ شركة التأمين لا تدفع من أول فلس حتى نهاية المبلغ، هناك تحمل، العشرة دنانير الأولى يتحملها المريض أو الشركة، أو (10 %) من الفاتورة، أي فاتورة تقدم لشركة التأمين تخصم (10 %) يتحملها المؤمن له سواء كان شركة أو أفراد، هذا هو المناط وهو ما يجب أن نحقق فيه في الموضوع. أما باقي الأمور فهي تندرج تحت التأمين التعاوني، وقد أفتى المجمع فيها وانتهينا من جوازه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 1595

الشيخ جاسم الشامسي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.

التأمين الصحي كما ذكر أصحاب الفضيلة كما عرض العارض أصبح ضرورة ملحة سواء لعلاج العاملين في المؤسسات المهنية، وكذلك كمثال للمؤسسات التي تريد استقطاب أيدي عاملة ماهرة وذات مستوى عالٍ. فالعامل هنا أو الخبير أو غير ذلك لا يرضى أن يأتي إليك إلا إذا جعلت له تأمينًا صحيًا ومن ذلك أساتذة الجامعات. المتبع حقيقة في أغلب الدول العربية أن التأمين الصحي يتم في شكل تعاقد المؤسسات المهنية مع شركات التأمين التجاري التي تؤمن على غير ذلك من المسائل. والعادة أن يكون لدى هذه الشركات نماذج معدة سلفًا حول التأمين الصحي.

طبعًا اطلعت على العديد من هذه البحوث وصياغتها، فالمؤسسة المهنية تطلب التخفيف من التزاماتها في مواجهةعمالها بـ التأمين الصحي، وشركات التأمين تحاول أن تستفيد ماليًا فقط بهذا النوع من التعاقد وتنظر له نظرة تجارية.

وهي في العادة كما اطلعت على أن الشركات المحلية تقوم بإعادة التأمين لدى شركات دولية ويكون العقد بينها وبين شركات التأمين المحلية تجاري بحت، وهي في العادة تصرح شركات التأمين بذلك للشركات المهنية التي تؤمن على المستفيدين وهم عمالها.

شركات التأمين عادة ما تحصر كذلك أنواع الأمراض التي لا تدخل ضمن المؤمَّن منه، أي المرض، وهي في كثير من الأحيان تضع سقفا لمبلغ التغطية فإذا ما تجاوز امتنعت عن الدفع باعتبار أنها وضعت شرطا في العقد.

أنا حاولتُ في المؤسسة التي أعمل فيها وقد أدخلت على عقد شركة التأمين والمؤسسة التي أعمل بها شرطًا مكتوبًا، بأن يكون من حق ـ إذا كان هنالك سقف للتغطية ـ المؤسسة بأنه لو كان هناك فائض من المبلغ المدفوع من المؤسسة إلى شركة التأمين باعتبار العقد سنويًا أن تسترد المؤسسة التي تؤمن على عمالها على الأقل مبلغًا معينًا كعشرين في المائة من المتبقي كنوع من تقريبه للتأمين التبادلي، وقد استطعنا فعل ذلك.

الأمر الذي أتمناه ـ خاصة أن الأمر ليس بجديد على مجمعكم المبارك ـ أن يكون هناك دراسة لنماذج العقود التي تتم حقيقة في مجال التأمين الصحي، ووضع الفتوى التي على ضوئها يتم تصحيح هذه العقود، وبالتالي يعنينا التطبيق حقيقة هنا خلاف ما ذكره الدكتور القره داغي كما قال في مداخلته، وإذا انتهينا إلى صحة عقود التأمين الصحي فما هو الحكم لإعادة التأمين لدى شركات تأمين دولية تقوم بالتأمين الصحي، خاصة أن المؤسسات تؤمن بمبالغ كبيرة تعد بملايين الدراهم؟ وشكرًا.

ص: 1596

الشيخ قطب مصطفى سانو:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته:

فضيلة الرئيس، أصحاب الفضيلة والمعالي:

النظر في هذه الأبحاث القيمة التي أعدها أصحاب الفضيلة، وعرضها صاحب الفضيلة الدكتور المنياوي بصورة علمية مركزة يجد المرء أن هنالك جهدًا مباركًا بذل في إعدادها ولم يشذ عن هذا الموضوع، فالشكر لهم جميعًا على هذا الجهد المبارك إن شاء الله. غير أن التأمل في جزئية من الجزئيات الأساسية التي ينبغي أن يبنى عليه الحكم يحتاج إلى مزيد من التحرير، وتلكم الجزئية تتمثل في تحرير محل النزاع أو في المنطقة التي يسميها أهل العلم بالأصول (بالمحكوم فيه) في هذه المسألة التأمينية، أو بلغة الفقهاء (المعقود عليهم) لهذا العقد.

يرى الدكتور القري ـ حفظه الله ـ على أن المعقود عليه هنا أو محل العقد في هذه العلمية هي الخدمات الطبية التي يحتاج إليها من ابتلي من الأمراض. فإذا كان المعقود عليه هو الخدمات فإن مسألة الغرر وملابساته مستبعدة في هذه الحالة؛ لأنه من واجب المؤسسات، ومن الممكن اليوم أن تتعرف هذه المؤسسات على سائر الخدمات التي يحتاج إليها الإنسان في حالة ابتلائه بمرض من الأمراض، ولكن إذا كان محل العقد في عقد التأمين الصحي هو البرء أو الشفاء فإن مسألة الغرر مفترضة في هذه الحالة، وهي ورادة خاصة وأن البرء بالنسبة للمسلمين عامة بيد الله جل جلاله، وأنه هو الشافي وليس الطبيب أو هذه الخدمات الطبية، ولكن هذه الخدمات الطبية تعتبر وسائل يحتاج الإنسان أن يستعين بها بعد الله جل جلاله.

ص: 1597

يخيل إلي أنه ينبغي التنصيص في عقود التأمين الصحي الذي يكون تأمينًا صحيًا مشروعًا على أن المعقود عليه إن كان هو الخدمات فليس هنالك من ضير في مشروعية هذا التأمين بل بضرورته في هذا الواقع، أما إذا كان المعقود عليه هو البرء يخيل إليَّ حتى لو كان ذلك وهو لا ينبغي أن يكون بالنسبة للمسلمين إنما ينبغي قبوله في هذه الحالة حتى لو قيل: إن المعقود هو البرء، وهذا البرء فيه غرر وخاصة أن ليس بإمكان الطبيب أن يوفر أو أن يسلم أو يقدم هذا الجانب في هذا المجال.

لذلك أرى أنه ينبغي الاعتداد بالتأمين الصحي واعتباره أمرًا مشروعًا سواء كان المعقود عليه هو الخدمات أو كان المعقود عليه هو البرء، ويجب العمل بهذا التأمين في هذا العصر الذي تموج فيه هذه الحياة الإنسانية بشتى صنوف الأمراض والأدواء التي تأتي من مصادر مختلفة. ويتم تطبيق عادة التقصير في هذه الحالة إذا كان هو البرء فينظر إليه في المحكوم عليه هنا؛ هل هو مقدور عليه أم ليس مقدورًا عليه؟ أي هل الأمراض مستعصية على العلاج أم ليست مستعصية على العلاج؟ الأمراض المستعصية على العلاج لا شك أن الطبيب الذي يوصي أو يقول: إنه سيقدم العلاج الصافي، في هذه المسألة تحتاج إلى مراجعة جذرية في هذا المجال.

لذلك أرى وأثنى وأكرر ما قاله فضيلة الشيخ الدكتور العلامة وهبة الزحيلي في هذا المجال، أنه لا بد من تعميم العمل بهذا التأمين. فحري بهذا المجمع الموقر عن طرق فضيلة الرئيس وأصحاب السماحة والفضيلة والمعالي أن يناشدوا أولياء الأمور في الديار الإسلامية بتعميم هذا الأمر، وعدم حصره على ذوي اليسار في المجتمعات الإسلامية، فالناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وينبغي أن تكون الخدمات الطبية في المستشفيات العامة والعيادات العامة أرقى منها من الخدمات التي تكون في المستشفيات والخدمات الخاصة. وهذا الذي أقصده دائمًا الذي يلجئ الناس للتأمين الصحي وغير الصحي، ذلك أن الخدمات التي تقدم للناس وللمرضى في المستشفيات العامة خدمات تشكو لربها ظلم العباد. وإني لواثق بمشيئة الله وفضله ثم فضل أصحاب الفضيلة أن مناشدة كريمة من لدن أصحاب السماحة والفضيلة وأصحاب المعالي لأولياء الأمور سوف يتحقق ذلك الحلم الذي نصبو إليه جميعًا، فلن يبقى هنالك إنسان إلا وهو مؤمن طيبًا في جميع البلاد الإسلامية.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

ص: 1598

الشيخ عكرمة صبري:

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

شكرًا للإخوة أصحاب الأبحاث القيمة، وشكرًا للعارض على عرضه الدقيق، ولي ثلاث ملاحظات:

الملاحظة الأولى: ملاحظةعامة وهي ما أشار إليها الإخوة الكرام الأفاضل: الدكتور وهبة، والدكتور علي، والدكتور قطب. فإن هذه النقطة مهمة ونؤكد عليها، وإن على ولي الأمر أن يحقق الرعاية الصحية لجميع المواطنين وجميع العرايا من مسلمين وغير مسلمين، حتى أهل الذمة كما هو معروف يشملهم ذلك، وأن الرعاية الصحية ليس بموضوع جديد بل أقره الإسلام العظيم كما أقر التعليم، فالصحة والتعليم من القضايا المهمة والقضايا الأساسية والقضايا الجوهرية والضرورية في المجتمع الإسلامي، فينبغي على أولي الأمر أن يعمموا الرعاية الصحية، وأن يعمموا أيضًا التربية والتعليم.

أما النقطة التي أثارها الأخ الفاضل الشيخ عبد الليطف آل محمود بأن بعض الناس يزيفون أسماءهم أو يأخذون بطاقة الصحة لغيرهم

هذا يحصل، والسبب لأن بعض المواطنين أو بعض البشر محرومون من الرعاية الصحية، فالإثم لا يقع على الذي زيف البطاقة الصحية، الإثم يقع على ولي الأمر، وأن بعض المواطنين يلجؤون إلى الشركات التأمينية والتجارية للصحة، الإثم لا يقع عليهم بل يقع على ولي الأمر أيضًا لأنه ملزم، ولا مناحة ولا مجال للاستغناء عن الرعاية الصحية.

وعليه نحن نؤكد ونطالب بإلحاح مجمعنا الموقر على أن يعطي هذه النقطة الأولوية في مطالبة أولي الأمر في العالم الإسلامي بالتأمين الصحي لجميع المواطنين وغير المواطنين حتى المتجنسين وغير المتجنسين إن صح التعبير.

هذا أمر فعلًا يخالف الشريعة الإسلامية في التمييز، نحن نرى أن كل إنسان بغض النظر عن ديانته وجنسيته ما دام في بلد ما ينبغي أن يؤمن له الصحة والتعليم. هذا من جهة.

ص: 1599

من جهة أخرى قد تأتي دول وتقول: إن إمكانياتها المالية لا تستطيع أن تعطي تأمينًا شاملًا للمواطنين، نقول: وأرى من الناحية الشرعية لا مانع أن تستوفي الدولة من جميع الناس اشتراكات شهرية أو اشتراكات سنوية بهدف التأمين الصحي، حتى تغطي هذه الاشتراكات جزءًا من النفقات الصحية. هذه الملاحظة العامة.

الملاحظة الثانية: هي ملاحظة جزئية بالنسبة لاشتراط البرء. أرى أن هذا شرط باطل لا يجوز أن يوضع في أي شركة، ولا يجوز للمريض أن يشترطه أصلًا، لأن ـ كما قال الإخوة الأفاضل ـ أولًا الشفاء بيد الله.

شيء آخر: أن المريض يحرص أن يشفى بطبيعة الحال، الطبيب هو أمين وهو قد حلف القسم ولا يمكن للطبيب أن يقصد الإساءة للمريض، هذا واضح في التعامل مع البشر كلهم، مع جميع الأطباء بمختلف دياناتهم إن الطبيب هو أمين، إن حصل بعض التقصير يمكن أن يحصل في حالات استثنائية وحالات شاذة، فهذا الشرط باطل ولا يجوز أن يوضع فيه.

الملاحظة الثالثة: وهي ملاحظة شكلية: كلمة (التأمين) كتأمين. . الناس تنفر منها، مجرد تسمع كلمة تأمين يقول لك: حرام سلفًا، دون البحث في الحقيقة. وأرى أن تستبدل هذه الكلمة بـ (التكافل الصحي) على سبيل المثال، أو (الضمان الصحي) أو (الرعاية الصحية) لنتجنب هذه الكلمة في جميع أبحاثنا أو نعمم ذلك في جميع أحكامنا.

والله تعالى أعلم، وشكرًا لكم، والسلام عليكم.

ص: 1600

الشيخ عبد السلام العبادي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين.

هنا لا بد من أن أقول: من نخاطب نحن بهذه القرارات وبهذه البحوث وبهذه الأحكام؟ نخاطب الحكومات، الشركات، والمؤسسات بما فيها المستشفيات والأفراد؛ لأن الكل يحرص ـ إن شاء الله ـ على معرفة الحكم الشرعي، لكن لا بد من أن ننتبه إلى الاصطلاحات التي أصبح لها مداليل في الواقع العام عندما نبين الأحكام الشرعية حتى يكون الحكم على الشيء فرع عن تصوره. % % % % % % %

فيما يتعلق بالعلاج الصحي في الدول هو في الواقع على نوعين: النوع الأول ما يدخل تحت مفاهيم الضمان الاجتماعي، يعني أن الدولة تقوم بمسؤولياتها تجاه رعاياها فتوفر لهم العلاج من خلال مستشفياتها التابعة لوزارة الصحة، فهي من باب مسؤولية الدولة عن رعايها، وهذا حقيقة يتطلب في النهاية موارد للدولة تغطي هذه الرعاية؛ لأن هذه الرعاية باتت مكلفة أمام التقدم الطبي وأمام كلفة العمليات الكبيرة، لذلك كل زيادة في هذا الأمر تتطلب زيادة في الموارد التي يجب أن تحصل من الرعايا.

في الدولة الإسلامية كما تعلمون هنالك موارد عديدة تغطي هذا الأمر، ومن أهمها الزكاة؛ لأن الزكاة تصرف ـ كما نص علماؤنا ـ على علاج المرضى الفقراء.

أما موضوع التأمين الصحي فيما تقدمه الدولة لموظفيها وبعض من رعاياها هو تأمين اجتماعي يقوم على تغطية النفقات من حصيلة الاشتراكات وليس من مسؤولية الدولة العامة.

وحقيقة مؤسسة التأمين في وزارة الصحة تتعهد للمستشفيات بأن تقدم لهم نفقات العلاج وفقًا لفواتير ومتابعات، وكثيرًا ما تقل حصيلة الاشتراكات عن المطلوب من المستشفيات فيدفع من موازنة الدولة الأخرى، أو يؤجل للسنة التالية، أو يزيد فتحول الزيادة للسنوات التي تليها، فكأن هنالك تعهد من مؤسسة التأمين الصحي للمستشفيات التي تحدد، مستشفيات وزارة الصحة وبعض المستشفيات الخاصة أو غيرها، كأن هنالك تعهد من هذه المستشفيات لهذه الجهات بان تدفع نفقات علاج المرضى الذين يراجعونها والذين يحملون بطاقات التأمين مهما بلغت لكلفة وفق الشروط المبينة بالتأمين، حيثق تغطي بعض أنواع الأمراض ولا تغطي أنواع أخرى وهكذا.

فمن هنا هذا النوع بالذات هو واضح الحكم فيه؛ لأنه عبارة عن التقاء هؤلاء بعمل صندوق ليغطي نفقات علاجهم ولا ضير في ذلك، وأي جهالة أو غرر في هذا مغفترة أمام المصلحة العامة التي تتحقق للمجموعة.

ص: 1601

وكذلك الحال عندما لا تقوم الدولة بذلك لبعض فئات المواطنين كموظفي الشركات الخاصة أو غيرها فهنا قامت شركات التأمين، ونحن فصلنا في المجمع على الخلاف الذي حصل بين شركات التأمين التعاوني وبين شركات التأمين التجاري، فإذا كانت الشركة شركة تأمين تأمين تعاوني فلا مانع أن تتولى هذا الأمر. لكن لا بدمن إضافة فيما يتعلق بقيام شركة معينة بعملية التأمين قياسًا على ما فعلت الدولة ـ إذا كانت خاصة ـ وقيام المستشفى نفسه بعملية التأمين. لا بد في الواقع من الانتباه إذا كانت الأقساط تدخل في مفهوم تأسيس صندوق تعاوني لا حرج، أما إذا كانت تدخل في إطار التجارة كأن تريد المستشفى أن تزيد من مراجعة المرض لها فتضع نظامًا للتأمين فيها، وما يزيد من الأقساط يحول كأرباح للمستشفى، فإننا في الواقع يجب أن ننتبه لأننا نقترب عند ذلك مما يسمى بالتأمين التجاري، وهي استغلال حاجة الناس للعلاج لتحقيق الربح.

هنا إذا كان الأمر من قببيل الضرورة كلنا متفقون على أن الضرورات تبيح المحظورات، يعني إذا كان هنالك مريض معين يحتاج. . فإذا كان هنالك في هذا الأمر نوع من التوجه إلى الاسترباح فيجب أن يُحظر وأن توضع شروط لتمنع من ذلك لأننا عند ذلك نقترب من حقيقة الشركة التجارية.

أما في موضوع الضرورة فحيقة لا خلاف إذا كان ضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات.

فلذلك أستخلص أو أستنتج بأن الممنوع هو التأمين الصحي إذا كان من شركات التأمين التجاري أو المستشفيات لغرض الاسترباحن وكذلك من الشركات الخاصة إذا كانت هذه الأقساط تأخذها لمزيد من تحقيق المصلحة الخاصة، أما إذا التزمت الشركة الخاصة ـ وهنا أخرج حالة من حالات التحريم ـ التزمت لموظفيها بأن تقوم بعلاجهم على حسابها فلا حرج في ذلك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1602

الشيخ حسين كامل:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أقتصر بكلامي فقط على عقد التأمين الصحي الواقع بين كل من الأفراد أو المؤسسات الخاصة وبين مراكز العلاج أو المستشفيات الخاصة أيضًا. وأقول وبالله التوفيق: إن هذا العقد هو عقد معاوضة محض ويندرج تحت عقود الإجارة وليس الجعالة، ويشوبه الغرر الكبير في محل العقد نظرًا للجهالة في نوع الخدمة التي ستقدم وكذا بالتكلفة الإجمالية لها، وإخضاع العائد على هذه الخدمات لنظرية الأعداد الكبيرة معناه إخضاعه لنظرية الاحتمالات، وهو نفس الأسلوب المستخدم في تحديد قيمة الأقساط والتعويض في حالة التأمين على الحياة.

لذلك أضم صوتي إلى كل من يرى بسريان الفتوى الصادرة من المجمع الفقهي الإسلامي بشأن عقد التأمين على الحياة على هذا النوع من العقود بالذات وهو المنع.

والله أعلى وأعلم.

ص: 1603

الشيخ خليل الميس:

بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني، لا شك أنه في أول هذا المجلس ليس من قبيل المصادفة بل هي الموافقة أن أقدم لها بمبحث الوقف، والوقف كما نعلم هو ميزانية الإسلام الكبرى. والوقف كما تعرفون كان يدًا ممدودة دون منة من الولي للفقير والقوي للضعيف، وهذه غرة تشريعنا الإسلامي.

ثم أمر أخر يعرفه الجميع وهو أن المولى عز وجل، تحفظون سورة قريش:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3 ـ 4] ، فمن حق المواطن الذي أعطى الولاء أن يُعطى الوفاء. مقابل الولاء كلكم تعرفونه أعطية المشرع، ضمن المشرع أندر أمرين في الجزيرة العربية وهما: الإطعام من جوع، والأمن من الخوف. هذا من وجه.

إذن نحن في تشريعنا صحيح نحن هنا بمثابة الأطباء أو المحامين، يعرض عليه قضية فينظر فيها ولكن يعطي توصية، ونحن من هذا القبيل نعطي توصية مقدمة قبل أن يصدر هذا البيان نرجو أن نلفت الانتباه إلى عظمة التشريع الإسلامي لمشروعية الوقف. فالآن المؤسسات في الإسلام لا تغني عن الدولة ووجود الدولة لم يلغ المؤسسات، والوقف ما أغلى الدولة ولكن لا تستغني عنه الدولة.

ففي فكرنا الإسلامي تأتي المؤسسات لتعطي، وفي الفكر العالمي تأتي المؤسسات لتأخذ، تأخذ ممن؟ من القادر ولا تعطي الضعيف، إن أمكن بين يدي هذا الكلام أن نجعل مقدمة نحن نصدر الفتوى. عضوا لا نقول متجنين، لا نصير رحمًا مستعارًا لقضايا تولد خارج مجتمعنا وتقذف في مجتمعنا وأتوا لها بحكم شرعي. ينبغي أن يكون رحمنا رحم أم منه تصدر التوجيهات والتعليمات السابقة، أقول (السابقة) حبذا لو قدم لكل ما تفضلتم به بالإشارة إلى تاريخنا الإسلامي وإلى تاريخ الوقف والتعاون، وهنا نعيد إلى ذاكرة المسلمين هذا الأمر.

وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1604

الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قبل أن أعلن الاقتراح بتأليف اللجنة فإن الأستاذ جاسم الشامسي أبدى وجهة في نظري جيدة وفيها إبراء للذمة واستكمال للتصور، وهي استحضار عدد من العقود التي تعد للتأمين الصحي وتجري دراستها حتى يجري الحكم ويكون عن تصور، فهل ترون هذا وتؤجل لهذه الوجهة؟

الدكتور حسين كامل:

بسم الله الرحمن الرحيم

يسعدني أن أعلن أن المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بجدة ـ بمشيئة الله ـ بعد أسبوعين بالضبط سيناقش جميع عقود التأمين ومنها التأمين الصحي وخلافه.

الرئيس:

هل ترون أن يستحضر عدد من العقود وتجري الأمانة بواسطة لجنة أو تعرض على المجلس في جلسة آتية؛ لأن هذا الموضوع ليس بالسهل وله صفة العموم، والتعجيل فيه إثقال إلى الذمم، والأناة فيه خير؟ هل ترون هذا مناسبًا.

إذن يؤجل هذه الوجهة، وترفع الجلسة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 1605

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 123 (6/13)

بشأن موضوع

التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422ـ، الموافق 22 – 27 ديسمبر 2001 م، بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية) ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء.

قرر ما يأتي:

تأجيل النظر في موضوع (التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية) لإصدار القرار الخاص به إلى دورة قادمة من أجل مزيد من الدراسة والبحث، وبخاصة ضبط الصيغ والشروط.

والله الموفق.

ص: 1606

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 118 (1 /13)

بشأن

استثمار الأوقاف ومواردها

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من (7 إلى 12) شوال 1422 هـ، الموافق (22- 27) ديسمبر 2001 م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (استثمار الأوقاف ومواردها) الواردة إلى المجمع في دورته الثانية عشرة وفي هذه الدورة، وبعد الاطلاع على قرار المجمع بخصوص الوقف في دورته الرابعة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.

قرر ما يأتي:

تأجيل النظر في موضوع (استثمار الأوقاف ومواردها) لإصدار القرار الخاص به إلى دورة قادمة من أجل مزيد من الدراسة والبحث.

والله الموفق

ص: 1607

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 119 (2/ 13) بشأن زكاة الزراعة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422 هـ، الموافق 22- 27 ديسمبر 2001 م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (زكاة الزراعة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.

قرر ما يأتي:

أولا: لا يحسم من وعاء الزكاة النفقات المتعلقة بسقي الزرع؛ لأن نفقات السقي مأخوذة في الشريعة بالاعتبار في المقدار الواجب.

ثانيا: لا تحسم من وعاء الزكاة نفقات إصلاح الأرض وشق القنوات ونقل التربة.

ثالثا: النفقات المتعلقة بشراء البذور والسماد والمبيدات لوقاية الزرع من الآفات الزراعية ونحوها مما يتعلق بموسم الزروع؛ إذا أنفقها المزكي من ماله لا تحسم من وعاء الزكاة، أما إذا اضطر للاستدانة لها لعدم توافر مال عنده فإنها تحسم من وعاء الزكاة، ومستند ذلك الآثار الواردة عن بعض الصحابة، ومنهم ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وهو أن المزارع يخرج ما استدان على ثمرته ثم يزكي ما بقي.

رابعا: يحسم من مقدار الزكاة الواجبة في الزروع والثمار النفقات اللازمة لإيصالها لمستحقيها.

والله أعلم.

ص: 1608

***

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 120 (13/3)

بشأن زكاة الأسهم المقتناة بغرض الاستفادة من ريعها

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422 هـ، الموافق 22- 27 ديسمبر 2001 م.

بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (زكاة الأسهم المقتناة بغرض الاستفادة من ريعها) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.

وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم 28 (3/ 4) بشأن زكاة الأسهم في الشركات، الذي جاء في الفقرة الثالثة منه ما نصه: (إذا لم تزكِّ الشركة أموالها، لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أموالهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة، لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكَّى أسهمه على هذا الاعتبار، لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.

وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع السهم السنوي، وليس بقصد التجارة، فإنه يزكيها زكاة المستغلات، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر، بعد دوران الحول من يوم قبض الريع، مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع) .

قرر المجمع ما يأتي:

إذا كانت الشركات لديها أموال تجب فيها الزكاة كنقود وعروض تجارة وديون مستحقة على المدينين الأملياء ولم تزك أموالها ولم يستطع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الموجودات الزكوية فإنه يجب عليه أن يتحرى، ما أمكنه، ويزكي ما يقابل أصل أسهمه من الموجودات الزكوية، وهذا ما لم تكن الشركة في حالة عجز كبير بحيث تستغرق ديونها موجوداتها.

أما إذا كانت الشركات ليس لديها أموال تجب فيها الزكاة، فإنه ينطبق عليها ما جاء في القرار رقم 28 (3 /4) من أنه يزكي الريع فقط، ولا يزكي أصل السهم.

والله أعلم.

ص: 1609

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 121 (13/4)

بشأن

المشاركة المتناقصة في ضوء العقود المستجدة

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422 هـ، الموافق 22- 27 ديسمبر 2001 م.

بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (المشاركة المتناقصة في ضوء العقود المستجدة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.

قرر ما يأتي:

تأجيل النظر في موضوع (المشاركة المتناقصة في ضوء العقود المستجدة) لإصدار القرار الخاص به إلى دورة قادمة من أجل مزيد من الدراسة والبحث.

والله الموفق.

ص: 1610

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 122 (5/13)

بشأن

القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية

(حساب الاستثمار)

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422هـ، الموافق في 22 – 27 ديسمبر 2001م.

بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية (حساب الاستثمار)) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.

قرر ما يأتي:

أولًا:

أ- المضاربة المشتركة: هي المضاربة التي يعهد فيها مستثمرون عديدون – معًا أو بالتعاقب- إلى شخص طبيعي أو معنوي، باستثمار أموالهم، ويطلق له غالبًا الاستثمار بما يراه محققًا للمصلحة، وقد يقيد بنوع خاص من الاستثمار، مع الإذن له صراحة أو ضمنًا بخلط أموالهم بعضها ببعض، أو بماله، أو موافقته أحيانًا على سحب أموالهم كليًا أو جزئيًا عند الحاجة بشروط معينة.

ب- المستثمرون بمجموعهم هم أرباب المال، والعلاقة بينهم –بما فيهم المضارب إذا خلط ماله بمالهم – هي المشاركة، والمتعهد باستثمار أموالهم هو المضارب، سواء أكان شخصًا طبيعيًا أم معنويًا، مثل المصارف والمؤسسات المالية، والعلاقة بينه وبينهم هي المضاربة (القراض) ، لأنه هو المنوط به اتخاذ قرارات الاستثمار والإدارة والتنظيم. وإذا عهد المضارب إلى طرف ثالث بالاستثمار فإنها مضاربة ثانية بين المضارب الأول وبين من عهد إليه بالاستثمار، وليست وساطة بينه وبين أرباب الأموال (أصحاب الحسابات الاستثمارية) .

جـ- هذه المضاربة المشتركة مبنية على ما قرره الفقهاء من جواز تعدد أرباب الأموال، وجواز اشتراك المضارب معهم في رأس المال، وإنها لا تخرج عن صور المضاربة المشروعة في حال الالتزام فيها بالضوابط الشرعية المقررة للمضاربة، مع مراعاة ما تتطلبه طبيعة الاشتراك فيها بما لا يخرجها عن المقتضى الشرعي.

ص: 1611

ثانيًا: ومما تختص به المضاربة المشتركة من قضايا غالبًا ما يأتي:

أ – خلط الأموال في المضاربة المشتركة:

لا مانع من خلط أموال أرباب المال بعضها ببعض أو بمال المضارب، لأن ذلك يتم برضاهم صراحة أو ضمنًا، كما أنه في حالة قيام الشخص المعنوي بالمضاربة وتنظيم الاستثمار لا يخشى الإضرار ببعضهم لتعين نسبة كل واحد في رأس المال، وهذا الخلط يزيد الطاقة المالية للتوسع في النشاط وزيادة الأرباح.

ب – لزوم المضاربة إلى مدة معينة، وتوقيت المضاربة:

الأصل أن المضاربة عقد غير لازم، ويحق لأي من الطرفين فسخه، وهنالك حالتان لا يثبت فيهما حق الفسخ، وهما:

(1)

إذا شرع المضارب في العمل حيث تصبح المضاربة لازمة إلى حين التنضيض الحقيقي أو الحكمي.

(2)

إذا تعهد رب المال أو المضارب بعدم الفسخ خلال مدة معينة فينبغي الوفاء، لما في الإخلال من عرقلة مسيرة الاستثمار خلال تلك المدة.

ولا مانع شرعًا من توقيت المضاربة باتفاق الطرفين، بحيث تنتهي بانتهاء مدتها دون اللجوء إلى طلب الفسخ من أحدهما، ويقتصر أثر التوقيت على المنع من الدخول في عمليات جديدة بعد القوت المحدد، لا يحول ذلك دون تصفية العمليات القائمة.

جـ – توزيع الربح بطريقة (النمر) في المضاربة المشتركة:

لا مانع شرعًا حين توزيع الأرباح من استخدام طريقة النمر القائمة على مراعاة مبلغ كل مستثمر ومدة بقائه في الاستثمار؛ لأن أموال المستثمرين ساهمت كلها في تحقيق العائد حسب مقدارها ومدة بقائها، فاستحقاقها حصة متناسبة مع المبلغ والزمن هو أعدل الطرق لإيصال مستحقاتهم إليهم، لأن دخول حصة المستثمرين في المضاربة المشتركة بحسب طبيعتها موافقة ضمنًا على المبارأة عما يتعذر الوصول إليه، كما أن من طبيعة المشاركة استفادة الشريك من ربح مال شريكة، وليس في هذه الطريقة ما يقطع المشاركة في الربح، وهي مشمولة بالرضا بالنسب الشائعة الناتجة عنها.

د – تأليف لجنة متطوعة لحماية حقوق أرباب المال (لجنة المشاركين) :

حيث إن للمستثمرين (أرباب الأموال) حقوقًا على المضارب تتمثل في شروط الاستثمار المعلنة منه والموافق عليها منهم بالدخول في المضاربة المشتركة، فإنه لا مانع شرعًا من تأليف لجنة متطوعة تختار منهم لحماية تلك الحقوق، ومراقبة تنفيذ شروط المضاربة المتفق عليها دون أن تتدخل في قراراته الاستثمارية إلا عن طريق المشورة غير الملزمة للمضارب.

ص: 1612

هـ – أمين الاستثمار:

المراد بأمين الاستثمار أي مصرف أو مؤسسة مالية ذات درجة عالية في التصنيف وخبرة وملاءة مالية يعهد إليه تسلم الأموال والمستندات الممثلة للموجودات ليكون مؤتمنًا عليها، ولمنع المضارب من التصرف فيها بما يخالف شروط المضاربة. ولا مانع من ذلك شرعًا بشرط أن يكون ذلك مصرحًا به في النظام (المؤسسة أو المضاربة) ليكون المساهمون على بينة، وبشرط ألا يتدخل أمين الاستثمار في القرارات، ولكن يقتصر عمله على الحفظ والتثبت من مراعاة قيود الاستثمار الشرعية والفنية.

و– وضع معدل لربح المضاربة وحوافز للمضارب:

لا مانع شرعًا من وضع معدل متوقع للربح، والنص على أنه إذا زاد الربح المتحقق عن تلك النسبة يستحق المضارب جزءًا من تلك الزيادة، وهذا بعد أن يتم تحديد نسبة ربح كل من الطرفين، مهما كان مقدار الربح.

ص: 1613

ز – تحديد المضارب في حال إدارة المضاربة من قبل الشخص المعنوي (المصرف أو المؤسسة المالية) :

في حال إدارة المضاربة من قبل شخص معنوي، كالمصارف والمؤسسات المالية، فإن المضارب هو الشخص المعنوي، بصرف النظر عن أي تغيرات في الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية، ولا أثر على علاقة أرباب المال بالمضارب إذا حصل تغير في أي منها، ما دام متفقًا مع النظام المعلن والمقبول بالدخول في المضاربة المشتركة، كما لا تتأثر المضاربة بالاندماج بين الشخص المعنوي المدير لها مع شخص معنوي آخر. وإذا استقل أحد فروع الشخص المعنوي وصارت له شخصية معنوية مغايرة فإنه يحق لأرباب المال الخروج من المضاربة ولو لم تنته مدتها.

وبما أن الشخص المعنوي يدير المضاربة من خلال موظفيه وعماله فإنه يتحمل نفقاتهم، كما يتحمل جميع النفقات غير المباشرة، لأنها تُغطى بجزء من حصته من الربح.

ولا تتحمل المضاربة إلا النفقات المباشرة التي تخصها، وكذلك نفقات ما لا يجب على المضارب عمله، مثل من يستعين بهم من خارج جهازه الوظيفي.

ح – الضمان في المضاربة، وحكم ضمان المضاربة:

المضارب أمين، ولا يضمن ما يقع من خسارة أو تلف إلا بالتعدي أو التقصير، بما يشمل مخالفة الشروط الشرعية أو قيود الاستثمار المحددة التي تم الدخول على أساسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية والمشتركة، ولا يتغير بدعوى قياسها على الإجارة المشتركة، أو بالاشتراط والالتزام. ولا مانع من ضمان الطرف الثالث طبقًا لما ورد في قرار المجمع رقم 30 (5/4) فقرة (9) .

والله أعلم.

ص: 1614

القرار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: 123 (6/13)

بشأن موضوع

التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422ـ، الموافق 22 – 27 ديسمبر 2001 م، بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية) ، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء.

قرر ما يأتي:

تأجيل النظر في موضوع (التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية) لإصدار القرار الخاص به إلى دورة قادمة من أجل مزيد من الدراسة والبحث، وبخاصة ضبط الصيغ والشروط.

والله الموفق.

ص: 1615

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان مجمع الفقه الإسلامي بشأن أحداث فلسطين وغيرها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن مجمع الفقه الإسلامي بأعضائه وخبرائه في دورة مؤتمره الثالثة عشرة المنعقدة في الكويت في الفترة من 7 ـ 12 شوال 1422هـ الموافق 22 ـ 27 ديسمبر 2001م، وهو يتابع واقع الأمة الإسلامية وأحوالها العامة، وواقع العالم المعاصر، ويرصد جهود الأعداء والاعتداءات الموجهة ضد الإسلام والمسلمين هادفة أمرين:

1 ـ تشويه حقيقة الإسلام بالطعن في عقيدة المسلمين، والتشكيك في أحكام شريعته.

2 ـ انتهاك حرمات المسلمين، واحتلال أراضيهم، وسفك دمائهم، والاستيلاء على ثروات بلادهم، وتخريب اقتصادهم.

وإن الواجب الشرعي يحمل فقهاء مجمع الفقه الإسلامي مسؤولية بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بأحوال المسلمين، وألا يكتم علماؤه الشهادة بما علموا مما يجب إظهاره، فهذا ما أخذ الله به العهد والميثاق على أهل العلم في وجوب بيان الحقائق والحكم الشرعي، وتحريم كتمانه، وتوعد على ذلك فقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 140] ولقد استحق علماء بني إسرائيل اللعنة والطرد من رحمة الله لكتمانهم العلم، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159] . وقد جاء حكم هذه الآية عامًا، ليشمل كل من يكتم علمًا وجب إظهاره، وقال صلى الله عليه وسلم:((ما من رجل يحفظ علمًا فكتمه، إلا أتي به يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار)) رواه ابن ماجه بسند صحيح.

ص: 1616

كما أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقته إذا آن أوان الحاجة إليه، فإن من قضايا الأمة الملحة التي تحتاج إلى بيان وتوضيح: قضية فلسطين، وما يجري مجرى ذلك في بعض البلدان الإسلامية.

إن أرض فلسطين أرض المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، وهو معراج النبي صلى الله عليه وسلم وأرض فلسطين أرض الأنبياء هي حق للمسلمين.

وهذا الحق يقابله واجب النصرة، بكل صورها وفق الاستطاعة، مهما تخاذل المرجفون واستسلم دون الحق المستسلمون؛ فالحجة تبقى مع الحق وأهله، وعلى الظلم وأهله.

ولقد انعقد إجماع فقهاء الأمة على حرمة إقرار العدو الغاصب على أي جزء اغتصبه من أرض المسلمين؛ لما فيه من إقرار الغاصب المعتدي على غصبه وظلمه، وتمكين العدو من البقاء على عدوانه، وأوجب الإسلام على المعتدى عليهم مقاومة ومحاربة الغاصب المحتل حتى يخرج مخذولاً.

فواجب الحكومات والشعوب الإسلامية العمل على أن يعيدوا الأرض الإسلامية إلى أهلها، ويصونوا المسجد الأقصى من تدنيس اليهود المحتلين الذين نصبوا العداء للإسلام وأهله منذ فجر دعوة الإسلام، وما يزالون يكيدون لهم كيدًا، ولهم اليوم قوة وشوكة.

ص: 1617

وإن مجمع الفقه الإسلامي ليدعو جميع المسلمين كل حسب استطاعته أن يساندوا الشعب الفلسطيني بأنفسهم وأموالهم للدفاع عن أرضه وحرماته ومقاومة الجبروت الصهيوني الذي استباح سفك الدماء، وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء، وهدم المنازل، مستخدمًا أسلحة الحرب الفتاكة من الصواريخ والدبابات، والمروحيات والطائرات المقاتلة، إلى جانب الحرب الاقتصادية من تخريب الأراضي الزراعية، وقلع ما فيها من أشجار، ومنع دخول المؤن إلى الأراضي الفلسطينية المحاصرة.

وهذه المساندة واجب الأمة الإسلامية كلها شعوبها واجب الأمة الإسلامية كلها شعوبها وحكوماتها، فالمسلمون يد واحدة، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا.

ويدعو الحكومات في البلدان الإسلامية إلى بذل كل جهد من خلال المنظمات الدولية، والعلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها، لوقف الدعم الخارجي الذي يتلقاه العدو سياسيًا وعسكريًا.

وإن من حق الشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة على كامل أرضه وعاصمتها القدس، وأن يدافع عن نفسه ويقاوم العدو بكل الوسائل المشروعة، وشرف للمسلم وغنيمة له أن يموت شهيدًا في سبيل الله.

وإن المجمع يوصي الأمة الإسلامية حكامًا وشعوبًا بالآتي:

ص: 1618

أولاً: الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة:

إن ما حلَّ بالأمة الإسلامية داخليًا وخارجيًا من مصاعب، وأزمات، وحروب، سببه الابتعاد عن العقيدة والشريعة وهي هدي الله وذكره، قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] . وإن طول الأمد باستبعاد الشريعة الإسلامية يزيد من الفجوة بين الحكومات وشعوبها، ويزيد من الاجتهادات الخاطئة، والانحرافات الفردية والجماعية في الفكر والسلوك.

ويؤكد المجمع في توصيته في الدورة السابعة بدعوات الحكومات في البلاد الإسلامية للذود عن العقيدة الإسلامية، وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب، والتحذير من كل ما يؤدي إلى هدمها، والتشكيك في أصولها، ويقسم وحدة المسلمين ويجعلهم مختلفين متنابذين.

كما يؤكد ما جاء في هذه التوصية بدعوة الحكومات في البلدان الإسلامية إلى: (العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، واتخاذها منهجًا في رسم علاقاتها السياسية: المحلية والعالمية) .

ص: 1619

ثانيًا ـ نصرة المسلمين:

السملمون حيثما كانوا أمة واحدة جمعتهم عقيدة التوحيد، وربطتهم الشريعة والقبلة الواحدة، وهم كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لذا فإن النصرة واجبة في كل مكان إذا اعتدى عليهم، أو انتهكت أرضهم، أو نزلت بهم نازلة قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] . وقال صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها كربة من كرب يوم القيامة)) (1) .

والنصرة إنما تكون بالنفس والمال والتأييد المعنوي والسياسي ونحوه، بما يتناسب والإمكانات والأحوال والظروف المتغيرة.

ويؤكد المجمع توصيته في دورته السابعة التي ناشد فيها الدول العربية والإسلامية مناصرة المسلمين الذين يتعرضون للاضطهاد في شتى بقاع الأرض، ودعم قضاياهم، ودرء العدوان عنهم بشتى الوسائل المتاحة.

(1)(مسلم: 1830)

ص: 1620

ثالثًا ـ تحريم العدوان في الإسلام:

إن الإسلام يحرم الاعتداء بغير حق، ومن ذلك ترويع قلوب الأبرياء الآمنين ممن عصمت دماؤهم، فأي عدوان من هذا النوع هو إرهاب محرم.

وإن إعداد العدة والقوة لإرهاب العدو مطلوب شرعًا، وهو الذي ورد فيه قول الله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] .

ولا ريب أن من يدافع المغتصب لأرضه المحتل لوطنه بكل ما يمكنه من إعداد وقوة عمل مشروع وواجب، وهذا هو حال مقاومة الشعب الفلسطيني للصهاينة المحتلين المنتهكين لكل الحقوق.

وإن من الظلم والمؤسف أن بعض الدول الكبرى تكيل بمكيالين في القضية الفلسطينية، وتعتبر صاحب الحق في الأرض المدافع عن نفسه وعرضه وأرضه إرهابيًا، والمعتدي الظالم المنتهك لكل القيم الإنسانية مع ما يستخدمه من أسلحة دمار، وما يستبيحه من دماء، الضارب بعرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية هو المدافع عن نفسه المغلبوب على أمره!!

كما أن من الظلم وأبشع الإرهاب إلباس الإسلام اسم الإرهاب، بل هو دين الاعتدال والوسطية، ومن الظلم أيضًا محاربة عدد من الجمعيات الدعوية والخيرية والمؤسسات المالية الإسلامية باسم الإرهاب دون أن يقوم دليل على ذلك.

ص: 1621

رابعًا ـ الأخلاق الإسلامية:

إن العالم اليوم في أمس الحاجة إلى أخلاق الإسلام في السلم والحرب، ليسود ميزان العدالة الذي قامت عليه السماوات والأرض، ولنبذ ما يسود العالم اليوم من الظلم والاستكبار والإفساد، فإن سبب الثورات والفتن تقسيم العالم إلى طبقات واستئثار الدول الغنية بالقوة والثروة والعلم الذي أوجبه الله تعالى وأرسل به الرسل وأنزل به كتبه ليقوم الناس بالحق والقسط، قال الله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] .

هذا وإن مجمع الفقه الإسلامي يقدر لمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي كلمته الضافية المهمة التي ألقاها نيابة عنه معالي الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والأقليات الإسلامية التي جاء فيها: (إن دورتكم الموقرة تنعقد في ظروف بالغة الدقة والحساسية، تفاقم فيها التحدي لوجودنا أكثر من أي وقت مضي؛ لأن العدوان الواقع علينا اليوم يهدد أسس مصيرنا، ويضعنا في واقع كالح، مما يحتم علينا الوقوف صفًا واحدًا متراصًا عاقدين العزم على الذود عن مقدساتنا وتراثنا دولاً وشعوبًا.

ص: 1622

إنكم ترون مدى الصلف والغرور لدى العدو الصهيوني، واستفحال غريزة العدوان الجنونية لديه، هذا العدو الذي يضع المنطقة كلها على شفير انفجار مدمر مستمر في حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني الباسل ظلمًا وجورًا، مستندًا في غروره وعربدته إلى ما يتمتع به من دعم أجنبي أعمى غير مشروط، عسكريًا، واقتصاديًا، وسياسيًا.

وإلى جانب فلسطين دار قتال شرس وحرب ضبابية الأهداف على أرض أفغانستان الإسلامية المنكوبة، اكتوى بنارها من لا ناقة له فيها ولا جمل من شيوخ ونساء وأطفال.

وعليه فإن تحصين الذات الإسلامية أمام العوامل الخارجية التي أفرزتها تطورات السياسة الدولية يدخل في صميم عملكم العلمي المتخصص، لما له من دور هام في تشكيل الرأي العام، وتأصيل الفكر وتعميق قوة الانتماء إلى الحضارة الإسلامية الأصيلة التي لا سبيل إلى اقتلاع جذورها مهما عظم عنف الضربات الموجهة إليها، ذلك أن إرشاد الإنسان عقديًّا وعلميًا قضية محورية تعلو فوق كل القضايا، لارتباطها بمصير الأمة ارتباطًا وثيقًا، وهي بهذا الاعتبار تعد قضية جديرة بأن تعطي ما تستحقه من عناية، وإبرازها في صورة عمل جدي ومنتج؛ يعتبر إنجازًا حضاريًّا هامًا ضمن الأسس التي تقوم عليها نهضة المسلمين) .

وفي الختام يدعو علماء المجمع الله تبارك وتعالى أن يوفق ولاة أمور المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن ييسر لهم طريق تطبيق شريعته، فهي حبل الله المتين، ونوره المبين، وصراطه المستقيم، لا نجاة ولا عزة لهم إلا بالتمسك به.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

ص: 1623

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان مجمع الفقه الإسلامي في دورته المنعقدة في الكويت

حول حقوق الإنسان في الإسلام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن مجمع الفقه الإسلامي إيمانًا منه بأن الباري جل وعلا هو الذي وهب للإنسان الكرامة التي هي أساس الحقوق والواجبات، وأوجب على الإنسان حقوقًا لربه وحقوقًا لنفسه، وحقوقًا لأبناء جنسه وحقوقًا لمكونات البيئة من حوله، وإن نظرة متعمقة وشمولية ومحايدة للتشريع الإسلامي تجعل المرء يجزم بصلاحيته للمجتمع البشري وانسجامه مع طبيعة الإنسان والكون، وهذا ما جعل الإسلامي يسمى بدين الفطرة، كما يشهد لذلك قول الله تبارك وتعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] .

وحقوق الإنسان في الإسلام هي عبارة عن المزايا الناشئة عن التكريم الإلهي الذي وهبه الله للإنسان وألزم الجميع باحترامها طبقًا للضوابط والشروط الشرعية.

وإيمانًا بما أجمعت عليه الأمة الإسلامية من أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وإيمانًا بحق الشعوب في الاحتفاظ بخصائصها الثقافية والدينية المميزة لها، وحق كل مجتمع، وكل أمة في أن تحكم بالنظم والتشريعات التي ترتضيها لنفسها، وانطلاقًا من كل ما تقدم فإن المجمع يؤكد على ما تضمنه إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام والصادر عن وزارء خارجية الدول الإسلامية بتاريخ 14 محرم 1411 هـ الموافق أغسطس 1990 م، وما صدر عن ندوة حقوق الإنسان التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة بتاريخ 8 ـ 10 محرم 1417 هـ الموافق 25 ـ 27 مايو 1996 م.

ص: 1624

وحيث إن الشعوب المسلمة التزمت نظم الإسلام وتشريعاته برغبة ذاتية لا لبس فيها في الأحوال الشخصية وشؤون المرأة والروابط الأسرية وغيرها من المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وقد اتفق معها في كثير من جوانبها مع أهداف ومضمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 م عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في مضمونه وأهدافه في بعض وتختلف معه في بعض الجوانب التي تعود أساسًا إلى مسألة الأخلاق ونظام المجتمعات المستند إلى الدين الإسلامي، فإن المجمع يؤكد في هذا الخصوص على ما يلي:

أولًا: أن الشريعة الإسلامية قررت الأحكام التي تضمن حفظ مقاصدها في الخلق والتي من أهمها ما يعرف بالكليات الخمس، وبذلك ضمنت الحقوق الأساس للإنسان في نفسه ودينه وماله وعرضه وعقله.

وقد عالجت الشريعة الإسلامية أنواع الانحراف المختلفة باتخاذ إجراءات وقائية، وزجرية بقصد حماية المجتمع وإصلاح الانحراف علمًا بأن الإجراءات الردعية الزجرية موجودة ومعتمدة في كل تشريع وفي كل زمان ومكان.

ثانيًا: أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على حق كل دولة في بسط سيادتها في إطار رقعتها الجغرافية ومنع التدخل في شؤونها الداخلية.

ثالثًا: 1- على المنظمات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان على اختلاف مواثيقها ونظمها أن تمتنع عن التدخل في المجالات التي تحكمها الشريعة الإسلامية في حياة المسلمين، وليس من حقها إلزام المسلمين بنظمها وقيمها التي تخالف شرائعهم وقيمهم، ولا يجوز أن تحاسبهم على مخالفتهم لقوانين لا يرتضونها ولا يحكمون بها.

ب- يؤكد المجمع على أن التشريعات الخاصة في الدول ذات السيادة لا تخضع للنظم والمواثيق الأجنبية عنها.

رابعًا: أن كثيرًا من الهيئات والمؤتمرات العالمية قد أقرت صلاحية التشريع الإسلامي لحل مشكلات البشرية، مما يحتم على عقلاء البشر أن يأخذوه بعين الاعتبار وأن يفيدوا مما فيه.

ص: 1625

خامسًا: يدعو المجمع الدول والهيئات العالمية والإنسانية للعمل على احترام حقوق الأقليات المسلمة في مختلف بلاد العالم وإنصافها، خاصة في هذا الوقت العصيب، تحقيقًا لمبدأ العدالة وإعطاء كل ذي حق حقه.

سادسًا: يقرر المجمع إنشاء مركز لحقوق الإنسان تابع له وتتخذ الترتيبات اللازمة لإنشائه ووضع النظام الخاص به.

سابعًا: يعبر المجمع عن استعداده للتواصل مع رجال القانون والهيئات والمؤسسات العلمية والعالمية الرسمية والشعبية من كل الآفاق والاتجاهات لدراسة سبل التفاهم والتعاون في مجال حقوق الإنسان، بما يكفل الأمن والعدل والرخاء والحياة الكريمة، ويدرأ الفساد، ويقيم التعايش بين الناس، ووفقًا للأسس التي سبق ذكرها.

وليكن شعارنا في ذلك قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] .

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أعلنه في حجة الوداع: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) .

والحمد لله أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 1626

البيان الختامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حق حمده، جلت حكمته وعز سلطانه دعانا إلى الخير، وأمرنا به، وهدانا إليه، وحثنا عليه، فانطلقت الأفراد والجماعات والشعوب والأمم راجين الظفر به، وقد رسم الله سبحانه لهم الطريق، وبين لهم الحق، وأنزل عليهم الكتاب ليتوجوا أهداف آياته بما أكمل به الشرائع وختمها به، وبالنعمة المهداة التي اختارها سبحانه ورضيها لهم بما أعلنه من قوله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] .

وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلق كافة رسولًا أمينًا، مبلغًا رسالة ربه، حفيظًا عليها داعيًا إلى مبادئ الإسلام وأصوله، سننه وقواعده.

فشرح بذلك صدرنا وأزال عن قلوبنا الغفلة. فصلوات الله وسلامه متجددان ومطردان عليك يا سيدنا يا رسول الله.

معالي الأستاذ أحمد يعقوب باقر العبد الله.

وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت.

سماحة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

حضرات العلماء من أعضاء وخبراء

أيها الملأ الكريم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد قضينا أسبوعًا مليئًا بالمراجعة والدروس، والبحث والنظر، وكانت حصص العمل تمتد في الغالب بين التاسعة والثانية عشرة صباحًا، وبين الخامسة والثامنة مساء.

ص: 1627

وكانت جملة الموضوعات المطروحة للنظر في هذه الدورة هي:

• استثمار موارد الأوقاف.

• زكاة الزراعة وزكاة الأسهم في الشركات، وزكاة الديون.

• المشاركة المتناقصة في ضوء العقود المستجدة.

• القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية (حسابات الاستثمار) .

• التأمين الصحي واستخدام البطاقات الصحية.

• فلسطين العربية الإسلامية.

• حقوق الإنسان في الإسلام

وقد بلغ عدد الدراسات العلمية الفقهية المقدمة من طرف ثلة من الأعضاء والمستكتبين خمسًا وأربعين دراسة.

وبعد مناقشة هذه العروض للموضوعات المطروحة تكونت لجان لجمع الآراء والأفكار المتولدة عن البحث والدرس، وأستعين بعدد من الأعضاء والخبراء لصياغة القرارات، وصدرت عن المجمع في هذه الدورة قررات تختص بالموضوعات من الأول إلى الخامس.

وخص الموضوعان الأخيران ببيان لكل واحد منهما.

وعلى هامش أعمال هذه الدورة انعقد اجتماع مكتب المجمع بإشراف الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي السفير الأستاذ عزت كامل مفتي. وإثر هذه المراجعة لما وقع الاتفاق عليه في الاجتماع السابق الذي كان بمدينة الرياض خلال انعقاد الدورة الثانية عشرة للمجمع، قام المكتب بدراسة موضوعات جديدة، وقع التعرض إليها وحظيت بالاتفاق من طرف أعضائه.

1-

اقتراح طرق جملة من الموضوعات الاجتماعية تعطى ما تستحقه من وقت لبحثها.

2-

التركيز على الندوات الصغيرة والاهتمام بها.

3-

التأكد على وضع ضوابط لكتابة البحوث ومراجعتها، قبل العرض على مجلس المجمع، للإفادة والانتفاع منها.

4-

السعي إلى توفير الدعم المالي المناسب.

وقد قرر المكتب إثر دراسة هذه الأوضاع العلمية والمالية عقد اجتماعه الثاني لهذه السنة بطهران (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) في الأسبوع الأخير من شهر ربيع الأول 1423 هـ.

ص: 1628

ونحن إذ نهنئكم بهذا الجهد المتواصل وما أمدكم الله به من قوة وطاقة، للإتيان على هذه الموضوعات كلها، يشرفني أن أتقدم من جديد بمزيد الشكر والعرفان لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح، كان الله له، وطوقه بمزيد من الصحة والعافية، وحفظه الله للإسلام وأهله، ولبلده وشعبه.

وأتقدم لمعالي وزير العدل والأوقاف الأستاذ أحمد يعقوب باقر العبد الله بما علينا قبله من ثناء وشكر على حسن رعايته، وجميل عنايته بالمؤتمر وأهله، وعلى مشاركته الفعلية في بحث شتى الموضوعات بما أولاها من تحليل وعمق نظر وحسن صياغة للتمكن من إعداد جملة من القرارات والتوصيات خلال أعمالنا في هذا الأسبوع.

كما أتقدم بالتقدير الفائق إلى موظفي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ما قاموا به من تعاون يدل على رغبتهم وحرصهم في تحقيق النتائج المرجوة لهذه الأيام الدراسية.

وأرى لزامًا عليَّ في ختام أعمال المؤتمر أن أقدم لسماحة الشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد من الشكر أوفاه، ومن الدعاء أخلصه، راجيًا من الله أن يكلأه بعنايته ويسبغ عليه تمام رعايته.

وأتوجه بالتقدير إلى الإخوة الكرام العلماء من أعضاء وخبراء وهم الذين منحونا من ثمين أوقاتهم وسخروا كل جهودهم، ويرجع الفضل إليهم في التوصل إلى ما انتهينا إليه من نتائج لأشغالنا.

وأخص بالذكر والتنويه والشكر الأستاذ الدكتور عجيل جاسم النشمي المقرر العام للدورة الذي عمل في صمت وصبر وجلد وسهر على إنجاح مؤتمرنا بما وهبه الله من حكمة، ورصانة وقدرة وهمة.

ولا أنسى في هذا المقام وأنا أعود إلى ذكر اعتزازنا بما قدمته لنا المؤسسات والمنظمات العلمية والمالية الحكومية والشعبية من مساعدة، أن أخص بالذكر هنا وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة التي استضافت دورتنا التاسعة بأبي ظبي، ومصرف أبو ظبي الإسلامي على ما قدما ويقدمانه من دعم وتعاون بناء على مجمع الفقه الإسلامي.

وبناء على ما بشرنا به صاحب الفضيلة الشيخ ثقيل بن سائر زيد الشمري، ممثل دولة قطر، أتقدم بكامل الاعتراف والامتنان والشكر والتقدير إلى حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر، رئيس القمة الإسلامية التاسعة، على مبادرته الكريمة بالموافقة على استضافة الدورة الرابعة عشر لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي في الدوحة خلال السنة القادمة، فالله يحفظ كماله، ويمده بتوفيقه في جميع أعماله.

وفي ختام هذا البيان أريد أن أشكر الموظفين الإداريين والفنيين بالمجمع الذين سخروا أنفسهم لخدمة هذا المؤتمر وبذلوا أقصى الجهد لإنجاحه، كما أوجه التحية لأجهزة الإعلام من صحافة وتلفزيون، والى موظفي الفندق على ما خصونا به من معاملة كريمة وعناية كبيرة.

والله يسدد خطانا وخطاكم، ويؤيدنا ويؤيدكم في القيام بما أوجبه علينا سبحانه وهو من وراء القصد، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

الأمين العام للمجمع

الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة

ص: 1629

كلمة فضيلة الشيخ الدكتور

بكر بن عبد الله أبو زيد

رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ونحمد الله تعالى ونشكره ونثني عليه الخير كله، إذ نأتي اليوم على تمام اتخاذ مائة وثلاثين قرارًا يصدرها هذا المجمع من دورته العملية الثانية عام 1405هـ إلى دورته العملية الثالثة عشرة هذه التي تنعقد في دولة الكويت، ويستضيفها صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير دول الكويت، جعله الله ناصرًا للحق وأهله، وشكر الله له ولسمو ولي عهده، ورجال حكومته هذا الجهد المبارك وهذا الاستقبال، ونشكر صاحب المعالي وزير العدل والأوقاف، والشؤون الإسلامية الأستاذ أحمد بن يعقوب بن باقر العبد الله، على رعايته الكريمة لهذه الدورة بالإنابة عن صاحب السمو أمير البلاد.

كما نشكر لأصحاب السعادة وكلاء وزارة العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية جهودهم المتتابعة في إدارة هذه الدورة والعمل على إنجاحها وراحة أعضائها وخبرائها.

وأبدي الشكر خالصًا لإخواني رجال هذا المجمع وخبرائه وباحثيه والعاملين فيه، ومعالي الأمين العام على جهودهم المخلصة وعملهم الدؤوب، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد فيما نأتي ونذر من الأقوال والأعمال، إنه على كل شيء قدير.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 1630

كلمة معالي وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية

الأستاذ أحمد بن يعقوب بن باقر العبد الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد؛ شيوخنا الأفاضل، إخواني الأعزاء، العلماء الأجلاء.

يسرني في ختام هذه الحلقات المباركة من هذا الاجتماع الثالث عشر لمجمع الفقه الإسلامي الذي عقد في الكويت أن أنقل لكم تحيات صاحب السمو أمير البلاد شفاه الله، وولي عهده الشيخ سعد العبد الله، ورئيس الحكومة بالإنابة الشيخ صباح الأحمد، وتقديرهم الكامل لدوركم العظيم الذي قمتم به في هذه الندوة، حيث أنرتم الطريق أمام المسلمين في العالم بأسره في بعض المعاملات المستجدة التي استلزمتها حياة الناس وتطور الأحداث.

ولا شك أن جهودكم وفتاويكم وآراءكم التي سطرتموها في هذا اللقاء ستكون نبراسًا ـ إن شاء الله ـ لكل المسلمين على وجه هذه البسيطة.

كما يسرني ما شاع من أجواء صحية عظيمة في هذا المؤتمر، وما رافقه من ندوة أقامتها الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية من قاعدة عظيمة أشيعت في الكويت وستشاع ـ إن شاء الله ـ في العالم كله وهي قاعدة إسلامية قديمة، أن دين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والتدين محمود والترطف مذموم، وهذا هو عبارة عن رسالة نوجهها للمسلمين ولغير المسلمين أيضًا، وهناك من حاول تشويه تعاليم الدين الإسلامي ويصف التدين كله بأنه مذموم ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالتدين محمود، والتطرف مذموم، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه.

فحيَّاكم الله، وأخيرًا أرجو المغفرة والسماح عن أي قصور شاب ترتيبات هذا اللقاء وهذا المؤتمر، وسوف نرحب ـ إن شاء الله ـ بأي آراء من شأنها أن تجعل لقاءاتنا في المستقبل أفضل وأقوى من هذا اللقاء.

وجزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1631

كلمة

الشيخ ثقيل الشمّري

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.

معالي الأستاذ أحمد بن يعقوب باقر العبد الله ـ وزير العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية.

صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

أصحاب الفضيلة العلماء والخبراء.

ونحن نختتم دورة مجمعنا الثالثة عشرة بدولة الكويت ـ يسعدنا أن نتوجه بالشكر الجزيل إلى دولة الكويت، حكومة وشعبًا على استضافتها لهذه الدورة المباركة، كما نتوجه إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ما قامت به من عناية ورعاية وحسن تنظيم.

ونسأل الله تعالى أن يحفظ الكويت حكومة وشعبًا وأن يسبغ على أميرها ثوب العافية والصحة.

كما أتوجه بالشكر والتقدير لسماحة رئيس المجلس على حسن إدارته لجلسات المجمع مما كان له الأثر الطيب على اتخاذ القرارات المناسبة.

كما أتوجه إلى أصحاب الفضيلة العلماء من الأعضاء والخبراء على ما يبذلونه من جهد في خدمة الفقه الإسلامي.

وإنني أتشرف بإبلاغكم قرار حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، الرئيس الحالي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بدعوة سموه لمجمعكم الموقر لعقد دورته الرابعة عشرة في دولة قطر في العام القادم فأهلا وسهلاً بكم.

ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 1632