المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

الزكاة

‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديون

إعداد

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية القانون جامعة الخرطوم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وبعد:

فهذا بحث عن:

الزكاة (زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديون)

أكتبه استجابة لطلب من معالي الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، لتقديمه لمؤتمر المجمع في دورته الثالثة عشرة وسألتزم فيه بالخطة الموضوعة من الأمانة العامة، والله أسأل أن يوفقني إلى الصواب، وأن يجنبني مواطن الزلل، إنه سميع مجيب.

الموضوعات المطلوب الكتابة عنها حسب الخطة:

أولا- زكاة الزراعة:

* حسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج زكاته.

* المقصود بنفقات الزراعة.

* هل تختلف نفقات الري بالوسائل القديمة عنها بالوسائل الحديثة الباهظة التكاليف؟

*التفرقة بين ما ينفقه المزارع من ماله، وما يقترضه للإنفاق.

* هل تشمل النفقات الأدوات والآلات (الجرارات والحاصدات) ؟

* هل تشمل النفقات تكاليف النقل؟

* كيفية حسم النفقات من أعيان المحاصيل أو قيمتها.

ثانيا- زكاة الأسهم في الشركات:

زكاة الأسهم المقتناة لغرض النماء إذا لم يتمكن مالكها من معرفة ما يخص كل سهم من الموجودات الزكوية للشركة (1) .

عُرِضَ هذا الموضوع على المشاركين في الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت، ورأى أكثرهم وجوب الزكاة على هذه الأسهم على أساس ما يخصها من الموجودات الزكوية للشركة بالإضافة إلى زكاة ريعها إن وُجد، وأن جهل مالكها بما يخصها من تلك الموجودات، وعدم تمكنه من معرفة ذلك لا يعد عذرا شرعيا لإسقاط ذلك الواجب عنه، وأن زكاة ريعها لا يغني عن زكاة أصلها مادام جزء من هذا الأصل مالا زكويا.

(1) القرار المجمعي رقم: 28 (3/ 4) ، قرارات المجمع وتوصياته، ص 63

ص: 669

وقد اختلف المشاركون في كيفية أداء زكاتها على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إن يقوم المالك بالتحري في تقدير ما يخص أسهمه من الزكاة، ويزكيها بحسب ما يغلب على ظنه أنه يبرئ ذمته، وحجة هذا القول أن المالك عجز عن معرفة القدر الواجب عليه، فيكون واجبه التحري، وتكوين غلبة ظن، وإن كان ذلك بغير دليل، كمن عجز عن معرفة جهة القبلة في الصلاة.

القول الثاني: أنه يجب على أصحاب هذه الأسهم أن يخرجوا زكاتها على أساس (2.5 %) من قيمتها السوقية، كأصحاب أسهم المتاجرة، وحجة هذا القول أن هذه الأسهم لا تخلو من الصبغة التجارية، لأن أصحابها كانوا يشترونها بغرض الاستفادة من ريعها، لكن أغلبهم يدخر نية بيعها إذا ارتفعت أسعارها، أو تناقص ريعها، أو صار بيعها أجدى من الاحتفاظ بها، ولأن هذه الأسهم صار لها شَبَهٌ بالنقود من حيث إمكان الحصول على أثمانها في أي وقت، ولأن هذا هو الأحوط في الدين والأحسن للفقراء.

القول الثالث: أنه يجب على أصحاب هذه الأسهم تزكية ثمنها عند بيعها فور قبضه من غير انتظار حولان الحول عليها كبضاعة التاجر المحتكر عند الإمام مالك، ولأن ما تمثله من قيم مالية لا يقل عما تمثله الديون غير المرجوة.

ثالثا- زكاة الديون:

* تقسيم الديون بالنسبة للزكاة.

*آراء الفقهاء في زكاة الديون والترجيح بينها (كتاب الأموال. لأبي عبيد) 10 هـ.

ص: 670

** *

أولا: زكاة الزراعة

زكاة الزراعة واجبة بالقرآن والسنة والإجماع:

أما القرآن: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] .

قال الطبري في تفسير هذه الآية: ( {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} : يعني بذلك جل ثناؤه: زكوا من طيب ما كسبتم بتصرفكم، إما بتجارة وإما بصناعة.

{وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} : يعني بذلك جل ثناؤه: أنفقوا أيضا مما أخرجنا لكم من الأرض فتصدقوا وزكوا من النخل والكرم والحنطة والشعير وما أوجبت فيه الصدقة من نبات الأرض (1) .

{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} : الخبيث الرديء غير الجيد يقول: لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد) (2) .

فالمراد بـ {أَنْفِقُوا} زكوا وتصدقوا يقول الجصاص في تفسير قوله تعالى: {أَنْفِقُوا} : ولم يختلف السلف والخلف في أنه المراد به (الصدقة)(3) .

وأنفقوا: أمر، والأمر للوجوب ما لم يوجد ما يصرفه عنه.

وأما السنة: فما روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) . رواه الجماعة إلا مسلما، لكن لفظ النسائي وأبي داود وابن ماجه ((بعلًا)) بدل ((عثريا)) (4) .

وما روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشور)) . رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وقال: ((الأنهار والعيون)) (5) .

(1) ويقول الجصاص: (عموم في إيجابه الحق في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره في سائر الأصناف الخارجة منها) ، أحكام القرآن ص 544

(2)

تفسير الطبري: 5 / 555 - 557.

(3)

أحكام القرآن: 1 / 543

(4)

منتقى الأخبار مع نيل الأوطار: 4/ 149.

(5)

منتقى الأخبار مع نيل الأوطار: 4/ 149.

ص: 671

المراد بما سقت السماء: المطر، والمراد بالعيون: الأنهار الجارية التي يستقى منها دون اغتراف بآلة، (والعثري) : هو الذي يشرب بعروقه من غير سقي، ومثله الذي يشرب من الأنهار بغير مؤنة، و (النضح) السانية، و (البعل) كل نخل وزرع لا يسقى، أو ما سقته السماء، أو الأشجار التي تشرب بعروقها من الأرض، والغيم: هو المطر، والعشور: جمع عشر، والسانية: هي البعير الذي يستقى به الماء من البئر، ويقال له: الناضح (1) .

وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب الزكاة (2)، وقال ابن قدامة:(وأجمع أهل العلم على أن الصدقة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، قاله ابن المنذر وابن عبد البر)(3) .

(1) نيل الأوطار: 4/ 149.

(2)

بداية المجتهد: 2/ 244؛ والمغني: 2/ 572.

(3)

المغني: 2/ 690.

ص: 672

حسم نفقات الزراعة من المحصول فبل إخراج زكاته:

أذكر فيما يلي ما وقفت عليه من آراء الفقهاء في حسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج زكاته، كما أذكر آراءهم في حسم الدين الذي على المزارع من المحصول قبل إخراج زكاته، ثم أذكر رأيي في الموضوع:

جاء في كتاب الخراج لـ يحيى بن آدم القرشي المتوفى سنة 203 هـ:

قال يحيى: (سألت شريكا عن الرجل يزرع الأرض ببذره فيخرج له الطعام، فيرفع ما عليه ويزكي ما بقي؟ قال: لا، بل يزكي جميع ما خرج) .

عن إسماعيل بن عبد الملك قال: (قلت لعطاء: الأرض أزرعها؟ قال: فقال: ارفع نفقتك وزك ما بقي) .

قال يحيى: (سألت شريكا عن الرجل يستأجر أرضا بيضاء من أرض العشر بطعام مسمى فيزرعها طعاما؟ قال: يعزل ما عليه من الطعام، ثم يزكي ما بقي، العشر أو نصف العشر، ثم قال: كما يعزل الرجل ما عليه من الدين، ثم يزكي ما بقي من ماله. وقد سألته قبل ذلك عن الرجل يكون له المال وعليه من الدين ما يحيط بماله أيزكيه؟ قال: ما يعجبني أن يمسكه، ولا يقضي دينه، ولا يزكيه) .

قال يحيى: (وكان الحسن بن صالح يرى أن يزكي الرجل ماله وإن كان عليه من الدين أكثر منه) .

ص: 673

قال يحيى: (فالزارع في قوله بهذه المنزلة) .

وعن حماد بن أبي سليمان أنه قال: (يزكي الرجل ماله وإن كان عليه من الدين مثله، لأنه يأكل منه، وينكح فيه)

عن الحكم أن إبراهيم قال: (يزكي الرجل ماله وإن كان عليه مثله، قال: فكلمته حتى رجع عنه) . عن جابر بن زيد عن ابن عباس وابن عمر في الرجل يستقرض فينفق على ثمرته وعلى أهله، قال: قال ابن عمر: (يبدأ بما استقرض فيقضيه، ويزكي ما بقي، قال: وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة، ثم يزكي ما بقي) . وعن طاوس قال: (ليس عليه صدقة) .

وعن يونس قال: (سألت الزهري عن الرجل يستلف على حائطه وحرثه ما يحيط بما تخرج أرضه، فقال: لا نعلم في السنة أن يترك حرثا أو ثمرة رجل عليه دين، فلا يزكي، ولكنه يزكي وعليه دينه، قال: فأما الرجل يكون له ذهب وورق عليه فيه دين فإنه لا يزكي حتى يقضي الدين) .

عن سفيان بن سعيد قال: (فيما أخرجت الأرض الخراج قال: ارفع دينك وخراجك فإن بلغ خمسة أوسق بعد ذلك فزكها) .

عن السائب بن يزيد قال: (سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: إن هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضه، وزكوا بقية أموالكم) .

عن ليث عن طاوس قال: (ليس على الرجل زكاة في ماله إذا كان عليه دين يحيط بماله) .

وعن هشام عن الحسن مثله.

وعن يزيد بن خصيفة عن سليمان بن يسار مثله (1) .

وجاء في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224 هـ:

.. عن السائب بن يزيد قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم) .

عن ميمون بن مهران قال: (إذا حلت عليك الزكاة فانظر كل مال لك، ثم اطرح منه ما عليك من الدين ثم زكي ما بقي)(2) .

عن ابن شهاب أنه سئل عن رجل تسلف في حائط له، أو في حرثه حتى أحاط بما خرج له، أيزكي حائطه ذلك أو حرثه؟ فقال:(لا نعلمه في السنة: أن يترك ثمر رجل كان عليه دين، ولكنه يتصدق وعليه دينه، فأما رجل كان عليه دين وله ورق أو ذهب فإنه لا يتصدق في شيء من ذلك حتى يقضي دينه) .

(1) الخراج، ص 161- 164.

(2)

الأموال، ص 437.

ص: 674

قال أبو عبيد: وهذا شبيه بما يروى عن ابن سيرين قال: (كانوا يرصدون العين في الدين، ولا يرصدون الثمار في الدين) .

قال أبو عبيد: (فأما الذي يروى عن ابن عباس وابن عمر فغير هذا) .

قال أبو عبيد: عن جابر بن زيد قال في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه، قال: قال ابن عباس: (يقضي ما أنفق على أرضه)، وقال ابن عمر:(يقضي ما أنفق على أرضه وأهله) .

وقالت طائفة من أهل العراق بمثل ما جاء عن ابن عمر، وعطاء، وطاوس ومكحول.

وقالوا جميعا: (أما إذا كان دينه من الذهب والورق، وعنده منهما مثله، فإنه لا زكاة عليه، فاتفقوا جميعا على إسقاطها عنه في الصامت مع الدين، واتفقوا جميعا على إيجابها عليه في الأرض مع الدين إلا من اتبع تلك الآثار) .

قال أبو عبيد: واختلفوا في الماشية فقال مالك وأهل الحجاز والأوزاعي: (الماشية مثل صدقة الأرض تؤخذ منه زكاتها، وإن كان عليه دين) .

وقال أهل العراق: (الماشية مثل الصامت لا تؤخذ منه زكاتها مع الدين) .

ص: 675

قال أبو عبيد: (والذي عندنا الأخذ بالمذهبين جميعا في الإسقاط والإيجاب، وإن كانا في الظاهر مختلفين، فنقول: إذا كان الدين صحيحا قد علم أنه على رب الأرض فإنه لا صدقه عليه فيها، ولكنها تسقط عنه لدينه، كما قال ابن عمر وطاوس وعطاء، ومكحول، ومع قولهم أيضا إنه موافق لاتباع السنة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء فترد على الفقراء، وهذا الذي عليه دين يحيط بماله ولا مال له، وهو من أهل الصدقة، فكيف تؤخذ منه الصدقة وهو من أهلها؟ أم كيف يجوز أن يكون غنيا وفقيرا في حال واحدة؟ ومع هذا إنه من الغارمين، أحد الأصناف الثمانية، فقد استوجبها من جهتين) .

قال أبو عبيد: (فهذا القول فيه إذا علمت صحة دينه، وإن كان ذلك لا يعلم إلا بقوله لم تقبل دعواه، وأخذت منه الصدقة من الزرع والماشية جميعا كقول ابن شهاب، والأوزاعي، ومالك، ومن قاله من أهل العوالي) .

ومع قولهم أيضا: (إنك إذا صرت إلى النظر وجدته على ما ذهبوا إليه، لأن صدقة الزرع والماشية حق واجب ظاهر قد لزم صاحبه، والدين الذي عليه يدعيه باطن، لا يدري لعله فيه مبطل، فليس بمقبول منه، إنما هذا كرجل وجبت عليه حقوق لقوم فادعى المخرج منها وأداءها إليهم، فلا يصدق على ذلك) .

وهذا أحب إلي من قول أهل العراق، حين شبهوا الماشية بالصامت، فجعلوا القول قوله في دعواه، فكيف يشبهه؟ وهم يقولون في صاحب الماشية:(إنه إذا ادعى أنه قد قسم صدقته في الفقراء أنها لا تجزيه، ولا يصدق على ذلك، وتؤخذ منه ثانية)، ويقولون:(إن ادعى ذلك في الصامت قبل منه) .

قال أبو عبيد: (فهذان حكمان مختلفان:

فأما الصامت فلا يختلف الناس أن القول قوله في جميع ما ادعى، وذلك أن حكمه ليس إلى السلطان، إنما هو إلى أمانات المسلمين، وصدقة الحرث والماشية إنما هي إلى الأئمة، تؤخذ من الناس على الكره والرضا) (1) . اهـ.

(1) الأموال، ص 508- 510

ص: 676

يلخص ما جاء في الخراج والأموال:

1-

أن القائلين بحسم الدين من زكاة الزروع هم:

ابن عمر في القرض الذي أنفقه الزارع على زرعه وعلى أهله، وابن عباس، فيما انفقه على زرعه فقط.

وطاوس، وعطاء، ومكحول، وميمون، والحسن، في الدين مطلقا، وطائفة من أهل العراق.

2-

أن القائلين: إن الدين لا يحسم من زكاة الزروع هم:

ابن عباس بالنسبة للقرض لغير الزرع، والزهري، وأهل الحجاز، وعامة أهل العراق بالنسبة للدين عامة.

ولم يرد شيء عن حكم النفقة على الزرع من مال المزارع إلا ما جاء في كتاب الخراج عن عطاء أنه يرى حسم النفقة، وما جاء فيه عن شريك أنه لا يحسمها، ولكنه يحسم أجرة الأرض.

واضح أنه يلزم من يقول بجواز حسم ما ينفقه المزارع من ماله أن يقول بجواز حسم ما يستدينه للنفقة على زرعه، ولكن لا يلزم من يقول بجواز حسم ما يستدينه المزارع للنفقة على زرعه أن يقول بجواز حسم ما ينفقه من ماله.

هذا وقد اقتصر يحيى بن ادم على ذكر آراء الفقهاء، أما أبو عبيد فذكر رأيه بإسهاب، خلاصته أن الدين الصحيح الثابت على رب الأرض يحسم من المحصول للأدلة التي أوردها في حديثه.

ولكن أبا عبيد ذكر حكم الدين فقط، ولم يذكر حكم النفقة على الزرع من غير استدانة، ولا يلزم من جواز حسم الدين الذي على رب الأرض جواز حسم ما أنفقه من عنده من غير استدانة، ويلزم من عدم جوازه عدم جواز حسم النفقة. والأثر الذي أورده كل من يحيى وأبو عبيد عن عثمان بن عفان خاص بزكاة النقود وعروض التجارة، ولا تدخل فيه زكاة الزروع، لأنها لا شهر لها.

ص: 677

آراء المذاهب الأربعة:

1-

الحنفية لا يحسمون النفقة والدين من المحصول:

جاء في الهداية والبداية وفتح القدير: (وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر أو نصفه لا يحتسب فيه أجر العمال ونفقة البقر، وكري الأنهار، وأجرة الحارس وغير ذلك

بل يجب في الكل، فلو رفعت المؤنة كان الواجب واحدا) (1) .

وقال الحصكفي في الكلام على موانع الزكاة: (ولا يمنع الدين وجوب عشر) .

وقال ابن عابدين: (الكلام الآن في موانع الزكاة، لكن لما كان العشر زكاة الزروع والثمار قد يتوهم أن الدين يمنع وجوبها نبه على دفعه)(2) .

2-

المالكية لا يحسمون الدين من المحصول:

قال الدردير: (ولا يسقط الدين ولو عينا زكاة حرث وماشية ومعدن لتعلق الزكاة بعينها، بخلاف العين الذهب والفضة فيسقطها الدين

) (3) .

وذكر ابن العربي اختلاف علماء المالكية في حسم المؤنة فقال: (واختلف قول علمائنا: هل يحط المؤنة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة ويكون مؤنة المال وخدمته حتى يصير حاصلا في حصة رب المال وتؤخذ الزكاة من الرأس؟) .

والصحيح أنها محسوبة، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عشره، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:((دعوا الثلث أو الربع)) ، وهو قدر المؤنة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك (4) .

. فعلى ما صححه ابن العربي فإن المالكية لا يحسمون الدين ويحسمون النفقة، وهذا مشكل، فكيف تحسم النفقة ولا يحسم الدين؟

3-

وفي مذهب الشافعي قولان في حسم الدين من الزكاة:

يقول الشيرازي:

وإن كان له ماشية أو غيرها من أموال الزكاة، وعليه دين يستغرقه، أو ينقص المال عن النصاب، ففيه قولان:

قال في القديم: (لا تجب الزكاة فيه، لأن ملكه غير مستقر، لأنه ربما أخذه الحاكم بحق الغرماء فيه) .

وقال في الجديد: (تجب فيه الزكاة، لأن الزكاة تتعلق بالعين، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر كالدين، وأرش الجناية)(5) .

(1) فتح القدير: 2/ 8؛ ومثله في ابن عابدين: 2/ 69.

(2)

الدر المختار مع رد المحتار: 2/ 7

(3)

أقرب المسالك مع الشرح الصغير وحاشية الصاوي: 1/ 647؛ والدسوقي على الشرح الكبير: 1/ 480؛وانظر: الذخيرة: 3/ 4

(4)

صحيح الترمذي بشرح ابن العربي: 3/ 143

(5)

المهذب: 1/ 142.

ص: 678

4-

مذهب الحنابلة:

جاء في المقنع: (ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب إلا في المواشي والحبوب في إحدى الروايتين) .

قال شارحه: (لأنه عليه الصلاة والسلام كان يبعث سعاته فيأخذون الزكاة مما وجدوا من المال الظاهر من غير سؤال عن دين صاحبه، بخلاف الباطنة، وكذا الخلفاء بعده

) .

والرواية الثانية: (تمنع، اختاره القاضي وأصحابه

والمذهب لا زكاة عليه مطلقا) (1) .

وذكر ابن قدامة الروايتين عن أحمد ثم قال: (وروي عن أحمد أنه قال: قد اختلف ابن عمر وابن عباس: فقال ابن عمر: (يخرج ما استدان أو (2) أنفق، على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي) ، وقال الآخر:(يخرج ما استدان على ثمرته ويزكي ما بقي) وإليه أذهب ألا يزكي ما أنفق على ثمرته خاصة، ويزكي ما بقي) .

وعلق ابن قدامة على هذا بقوله: (فعلى هذه الرواية: لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للإنفاق عليها خاصة، وهذا ظاهر قول الخرقي)(3) اهـ.

أقول: فتكون على هذا الروايات عن أحمد ثلاثا.

رأي ابن رشد: لابن رشد كلام مفيد ورأي في حسم الدين من الزكاة أنقله بنصه:

قال: (وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أموالهم أو تستغرق ما تجب فيه الزكاة من أموالهم، وبأيديهم أموال تجب فيها الزكاة من أموالهم، وبأيديهم أموال تجب فيها الزكاة، فإنهم اختلفوا في ذلك.

فقال قوم: لا زكاة في مال، حبا كان أو غيره، حتى تخرج منه الديون، فإن بقي ما تجب فيه الزكاة زكي، وإلا فلا، وبه قال الثوري وأبو ثور، وابن المبارك وجماعة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه: الدين لا يمنع زكاة الحبوب، ويمنع سواها.

(1) المقنع: 1/ 292-293

(2)

هكذا في النسخة التي عندي (أو) ولعلها (و) .

(3)

المغني: 3/ 42؛وانظر أيضا: 2/ 687.

ص: 679

وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناض فقط إلا أن يكون له عروض فيها وفاء من دينه فإنه لا يمنع.

وقال قوم بمقابل القول الأول، وهو أن الدين لا يمنع زكاة أصلا.

والسبب في اختلافهم: هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين؟ فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدين، لأن حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين، لا الذي المال بيده.

ومن قال: هي عبادة، قال: تجب على من بيده مال، لأن ذلك هو شرط التكليف وعلامته المقتضية للوجوب على المكلف، سواء كان عليه دين أو لم يكن، وأيضا فإنه قد تعارض حقان: حق لله وحق للآدمي، وحق الله أحق أن يقضى. والأشبه بغرض الشارع إسقاط الزكاة عن المدين لقوله عليه الصلاة والسلام فيها:((صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) ، والمدين ليس بغني.

وأما من فرق بين الحبوب وغير الحبوب، وبين الناض وغير الناض، فلا أعلم له شبهة بينة) (1) .

(1) بداية المجتهد: 1/246.

ص: 680

رأيي في حسم نفقات الزراعة:

نفقات الزراعة نوعان:

النوع الأول: يتعلق بسقي الزرع، وكل ما يحتاج إليه من أجرة العمال، ونفقة البقر، وكري الأنهار، ونحو ذلك.

والنوع الثاني: يتعلق بما عدا السقي من شراء البذر، والسماد، وتكاليف الحرث والحصاد.

وما ينفقه الزارع قد يكون من ماله المملوك له، وقد يكون من مال استدانه، وما استدانه قد يكون أنفقه على الزرع وحده، وقد يكون أنفقه على الزرع وعلى أهله، ولكل حكمه.

فأما ما استدانه الزارع فإنه يحسمه من المحصول قبل إخراج الزكاة، سواء أنفقه على الزراعة وحدها، للسقي أو لغيره، أم أنفقه على الزراعة وعلى أهله، شريطة أن يكون الدين ثابتا، وأن يكون الزارع في حاجة إلى الاستدانة، وهذا هو ما اختاره أبو عبيد القاسم بن سلام للأدلة التي ذكرها، وهو رأي ابن عمر، وطاوس، وعطاء، ومكحول، وإن لم يصرحوا باشتراط ثبوت الدين كما فعل أبو عبيد.

وأما ما أنفقه الزارع على الزرع من ماله فإن كان من النوع الأول الذي يتعلق بالسقي فإنه لا يحسمه من المحصول، ويزكي المحصول كله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سُقِيَ بالنضح نصف العشر)) فحكم بتفاوت الواجب لتفاوت النفقة، فلو حسمت النفقة لم يكن لتفاوت الواجب معنى، وكان الواجب واحدا (1) .

ولا اعتبار لاختلاف نفقات الري بالوسائل القديمة عنها بالوسائل الحديثة الباهظة التكاليف، لأن نفقات الري الحديثة الباهظة التكاليف ينتج عنها محصول أكبر مما ينتج من نفقات الري بالوسائل القديمة، فلا حاجة إلى اعتبارها، لأن الزارع لا يناله ضرر من زيادة التكاليف.

وإن كان ما أنفقه الزارع من ماله على الزرع من النوع الثاني أي مما لا يختص بالسقي فإنه يحسمه من المحصول، ويستوي في هذا ما يجب فيه العشر وما يجب فيه نصف العشر، وهذا الرأي متفق في الجملة مع رأي عطاء (2) الذي يقول بحسم النفقة مطلقا، ومتفق أيضا مع رأي ابن العربي (3) .

وتشمل النفقة التي تحسم أجرة الأدوات والآلات التي يستعملها الزارع في غير الري، وإذا كانت الأدوات والآلات مملوكة للمزارع، فإنه يحسم ما يساوي الأجرة عن كل محصول، وتشمل النفقات تكاليف النقل لكل ما يحتاج إلى نقل ما عدا ما يحتاج إليه في السقي.

(1) انظر: ص197.

(2)

انظر: ص 198، 204

(3)

انظر: ص 198، 204

ص: 681

دين السلم:

كان المزارعون عندنا في السودان إذا لم يكن عندهم ما ينفقونه على الزراعة يقترضون من البنوك بالفائدة أو من الأفراد، ولما منعت الدولة البنوك من الإقراض بالفائدة لجأت البنوك إلى البديل الشرعي للإقراض بالفائدة، وهو عقد السلم الذي يصير فيه الزارع مدينا بكمية من الحبوب هي في الغالب من نوع المحصول الذي يزرعه، فهل يحسم الزارع المقدار الذي في ذمته من محصوله قبل زكاته؟

نعم يحسمه، بل إن الحكم بالحسم هنا أوضح مما لو كان الدين نقودا.

والله أعلم.

كيفية حسم النفقات من أعيان المحاصيل، أو قيمتها

الأصل في النفقة على الزراعة أن تكون نقودا، والأصل في إخراج زكاة الزروع أن تكون من أعيانها، والطريقة المثلى لحسم النفقات هي أن يحسم من المحصول ما يساوي المبلغ الذي استدانة المزارع، أو أنفقه من عنده على غير السقي بعد معرفة ثمن الوحدة، ويزكي الباقي.

مثال: المحصول (100) إردب ذرة ثمن الإردب (50) دينارا، ومبلغ الدين أو النفقة (500) دينار تساوي ثمن (10) أرادب (500 دينار النفقة= 10 أرادب) .

(50)

دينار ثمن الإردب.

تحسم من إلى (100) إردب، ويزكى الباقي (90) إردبا.

ص: 682

***

ثانيا

زكاة الأسهم في الشركات

صدر في زكاة الأسهم في الشركات قراران: قرار من مجمع الفقه الإسلامي بجدة، وقرار من الهيئة الشرعية العالمية للزكاة- الكويت، وفيما يلي نص القرارين:

أولا- قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة:

قرار رقم (3) د 4/ 08/ 88

بشأن

زكاة الأسهم في الشركات

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18- 23 جمادى الآخرة 1408 الموافق 6- 11 فبراير 1988 م بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع زكاة أسهم الشركات.

قرر ما يلي:

أولا: تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.

ثانيا: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذا بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال.

ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة: ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين.

ثالثا: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار، لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.

وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك:

فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة المستغلات، وتمشيا مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة، وانتفاء الموانع.

وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه زكى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.

رابعا: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته، أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق (1) .

(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع: 1/ 181- 282.

ص: 683

ثانيا- قرار الهيئة الشرعية العالمية للزكاة:

المادة (19) الاستثمارات في الأسهم:

كيفية زكاة الأسهم

أ- إذا قامت الشركة المشتراة أسهمها بتزكية موجوداتها فلا تجب على المساهم- فردا كان أو شركة- إخراج زكاة أخرى عن أسهمه منعا للازدواج، هذا إذا لم تكن أسهمه للتجارة، أما إذا كانت أسهمه للتجارة فإنه يحسب زكاتها على النحو المبين في المادة (22) ، ويحسم منه ما زكته الشركة،. ويخرج الباقي إن كانت القيمة السوقية أكثر مما أخرجته الشركة عنه، وإن كانت القيمة السوقية أقل فله أن يحتسب الزائد في زكاة أمواله الأخرى،. أو يجعلها تعجيلا لزكاة قادمة.

ب- أما إذا لم تقم الشركة بإخراج الزكاة فإنه يجب على مالك الأسهم تزكيتها بحسب الغرض منها على النحو المبين في المواد التالية:

المادة (20) الاستثمارات في الأسهم بغرض الاحتفاظ (النماء) :

إن الأسهم إذا لم تتخذ بغرض المتاجرة وإعادة بيعها في أسواق الأوراق المالية، بل تقتنى لأجل تنميتها والحصول على عائدها فزكاتها كما يلي:

ا- إذا أمكنه أن يعرف عن طريق الشركة أو غيرها مقدار ما يخص كل سهم من الموجودات الزكوية للشركة، فإنه يخرج زكاة ذلك المقدار بنسبة ربع العشر (2.5 %)

ب- إذا لم يعرف ما يخص كل سهم من الموجودات الزكوية للشركة فقد قررت الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة تأجيل البت في هذا الموضوع لحين ورود الجواب من مجمع الفقه الإسلامي بجدة

ص: 684

المادة (22) الاستثمارات في الأسهم بغرض المتاجرة:

إن الأسهم إذا اشتريت بغرض المتاجرة بها تعامل معاملة عروض التجارة، وتقوم بسعر السوق يوم وجوب الزكاة مع ملاحظة ما ورد في المادة (19)(1) .

يتبين من قراءة هذين القرارين أن الاختلاف بينهما يرجع إلى اعتبار نية المساهم من المساهمة في الشركة، وعدم اعتبارها؛ هل هي بغرض المتاجرة في الأسهم، أم بغرض اقتناء الأسهم والاستفادة من ربحها؟

فقرار المجمع لم يعتبر نية المساهم في الحالة التي تخرج فيها الشركة الزكاة، ولا في الحالة التي لا تخرج فيها الزكاة إذا علم المساهم مقدار ما يجب عليه لو أخرجت الشركة الزكاة، واعتبر نية المساهم فقط في الحالة التي لا تخرج فيها الشركة الزكاة ولا يستطيع المساهم أن يعرف مقدار ما يجب عليه لو أخرجت الشركة الزكاة، ولهذا اعتبر إخراج الشركة الزكاة كافيا ومبرئا لذمة المساهم من غير اعتبار لنيته، أما قرار الهيئة فإنه اعتبر نية المساهم في الحالة التي تخرج فيها الشركة الزكاة، وفي الحالة إلي لا تخرج فيه الزكاة، فأوجب عليه أن يزكي أسهمه زكاة عروض التجارة إذا كانت نيته المتاجرة بها سواء أخرجت الشركة الزكاة أم لم تخرجها على النحو المبين في المادة (19) والمادة (22) ، وخالف بهذا المجمع في الحالة التي تخرج فيها الشركة الزكاة مخالفة واضحة (2) .

أما إذا كانت نية المساهم اقتناء الأسهم للاستفادة من ريعها، فإن قرار الهيئة وافق قرار المجمع في الحالة التي تخرج فيها الشركة الزكاة، وتوقف في الحالة التي لا تخرج فيها الشركة الزكاة، لأن آراء الأعضاء اختلفت فيه، وأحال الموضوع إلى المجمع، وهذا هو المطلوب من أعضاء المجمع إبداء الرأي فيه، أي إن المطلوب بحثه ينحصر في الأسهم المقتناة لغرض النماء إذا كانت الشركة لا تخرج الزكاة، ولم يستطع مالك الأسهم معرفة ما يخص أسهمه من الزكاة.

(1) دليل الإرشادات لمحاسبة زكاة الشركات، الدورة الحادية عشرة 1422 هـ- 2001 م.

(2)

هذه المخالفة غير معروضة للبحث فلن أتعرض لها.

ص: 685

قرار المجمع هو أن المساهم يزكي ريع الأسهم فقط قياسا على زكاة المستغلات، والعلة الجامعة بينهما هي أن الغرض في كل منهما هو الاستفادة من الريع، وزكاة المستغلات- العقارات المعدة للإجارة- صدر فيها قرار من المجمع بأن (الزكاة غير واجبة في أصل العقار، وإنما تجب الزكاة في الغلة

) (1) .

وتقول الورقة المعدة من الأمانة العامة:

عرض هذا الموضوع على المشاركين في الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت، ورأي أكثرهم وجوب الزكاة على هذه الأسهم على أساس ما يخصها من الموجودات الزكوية للشركة بالإضافة إلى زكاة ريعها إن وجد.

أقول: رأي الأكثرية هذا يخرج هذه الأسهم من كونها معدة للاستغلال، ويجعلها معدة للتجارة.

ويعلل الأكثرية رأيهم هذا بالآتي:

أ- إن جهل مالكها ما يخصها من تلك الموجودات، وعدم تمكنه من معرفة ذلك لا يعد عذرا شرعيا لإسقاط ذلك الواجب عنه.

أقول: لم يسقط الواجب عن مقتني الأسهم لاستغلالها، وإنما لم تجب في أسهمه الزكاة، كما لم تجب الزكاة في أصل العقار المعد للأجرة المستغلات.

ب- إن زكاة ريعها لا يغني عن زكاة أصلها مادام جزء من هذا الأصل مالا زكويا.

أقول: أصل السهم المعد للاستغلال ليس مالا زكويا، كما أن أصل العقار المعد للأجرة ليس مالا زكويا، ولم نقل: إن زكاة الريع تغني عن زكاة أصله، وإنما قلنا: إن الأصل لا تجب فيه زكاة.

هذا هو رأي الأكثرية في الندوة بالنسبة لعدم موافقتهم على قرار المجمع، وردي عليه.

ثم إن هذه الأكثرية لم تتفق على رأي واحد في كيفية أداء الزكاة في هذه الحالة، واختلفت على ثلاثة أقوال كما تقول ورقة الأمانة العامة:

القول الأول: أن يقوم المالك بالتحري في تقدير ما يخص أسهمه من الزكاة، ويزكيها بحسب ما يغلب على ظنه أنه يبرئ ذمته. وحجة هذا القول أن المالك عجز عن معرفة القدر الواجب عليه، فيكون واجبه التحري، وتكوين غلبة ظن، وإن كان ذلك بغير دليل، كمن عجز عن معرفة جهة القبلة في الصلاة. اهـ.

أقول: هذا القول قريب من قرار المجمع، ومتفق مع القرار في أن الأصل أن تخرج الشركة الزكاة نيابة عن المساهمين، وأنه لا اعتبار لنية المساهم في هذه الحالة، ولهذا ألزم أصحاب هذا القول المساهم بالتحري في معرفة ما يخص أسهمه بحسب غلبة ظنه، وقرار المجمع لا يأبى هذا التحري المبني على غلبة الظن، ويعتبر المساهم بهذا التحري مستطيعا لمعرفة قدر ما يجب عليه، ولكن الاختلاف بين هذا القول وقرار المجمع هو أن أصحاب هذا القول يعتبرون التحري ممكنا وواجبا في جميع الحالات، ويقيسونه على التحري في معرفة القبلة، وهذا القياس غير سليم في نظري، لأن المصلي الذي لا يستطيع معرفة القبلة لا بديل له عن الصلاة الواجبة، فعليه أن يصلي بحسب غلبة ظنه، ولو بغير دليل، أما المساهم الذي لا يستطيع معرفة ما يخص أسهمه من الزكاة بحسب الأصل، فله بديل هو إخراج الزكاة بحسب نيته، وهو بديل مقبول شرعا.

ومما يؤخذ على أصحاب هذا القول الأول أنهم اعتبروا النية في الحالة التي تكون فيها المساهمة بغرض المتاجرة، ولم يعتبروها في الحالة التي تكون فيها المساهمة بغرض الاقتناء.

(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي- جدة، العدد الثاني: 1/198.

ص: 686

القول الثاني: أنه يجب على أصحاب هذه الأسهم أن يخرجوا زكاتها على أساس (2.5 %) من قيمتها السوقية كأصحاب أسهم المتاجرة.

وحجة هذا القول أن هذه الأسهم لا تخلو من الصبغة التجارية، لأن أصحابها كانوا يشترونها بغرض الاستفادة من ريعها، لكن أغلبهم يدخر نية بيعها إذا ارتفعت أسعارها أو تناقص ريعها، أو صار بيعها أجدى من الاحتفاظ بها، ولأن هذه الأسهم صار لها شبه بالنقود من حيث إمكان الحصول على أثمانها في أي وقت، ولأن هذا هو الأحوط في الدين والأحسن للفقراء اهـ.

أقول: يفهم من هذا القول وحجته أن القائلين به لا يرون أن هناك أسهما معدة للاستغلال، وأن جميع أسهم الشركات عروض تجارة، لأن الحجة التي ذكروها تنطبق على جميع أسهم الشركات.

وهذا خلاف الواقع، وهو أيضا خلاف ما قررته الهيئة ووافقوا هم عليه في المادة (19) و (20) من تقسيم الأسهم إلى أسهم متخذة بغرض التجارة، وأسهم متخذة بغرض الاحتفاظ (النماء) .

القول الثالث: أنه يجب على أصحاب هذه الأسهم تزكية ثمنها عند بيعها فور قبضه من غير انتظار حولان الحول عليها كبضاعة التاجر المحتكر عند الإمام مالك، ولأن ما تمثله من قيم مالية لا يقل عما تمثله الديون غير المرجوة. اهـ. أقول: هذا القول أضعف الأقوال الثلاثة، لأنه أراد أن يقيس زكاة الأسهم المعدة للاقتناء على زكاة بضاعة التاجر المحتكر عند مالك، وعلى زكاة الديون غير المرجوة، وكل من القياسين غير مقبول عندي.

أما القياس على زكاة بضاعة التاجر المحتكر فغير مقبول، لأن تقسيم مالك التجار إلى تاجر مدير وتاجر محتكر هو بالنسبة لعروض التجارة التي تكون نية صاحب البضاعة المتاجرة بها، والأسهم التي نتحدث عنها نية صاحبها الاستفادة من ريعها، فليس هنالك جامع بينهما.

وأما القياس على زكاة الديون غير المرجوة فهو قياس غريب، إذ كيف نقيس مالا مملوكا مستثمرا يدر ربحا في الغالب على دين غير مرجو السداد؟.

ثم إن أصحاب هذا القول لم يتعرضوا لزكاة الربح الذي قد يأتي من هذه الأسهم.

بناء على هذا التحليل للأقوال المخالفة لقرار مجمع الفقه الإسلامي بالنسبة لزكاة الأسهم المقتناة بغرض النماء، إذا كانت الشركة لا تخرج الزكاة، ولم يستطع مالكها معرفة ما يخص كل سهم من الموجودات الزكوية للشركة، فإني أرى الإبقاء على القرار كما هو، لأنه أعدل الآراء، وأيسرها تطبيقا. والله أعلم.

ص: 687

ثالثا

زكاة الديون

اختلف الفقهاء اختلافا كثيرا في زكاة الدين: هل يزكى أم لا يزكى؟ وإذا كان يزكى فمن الذي يزكيه، الدائن أم المدين؟ وكيف يزكى؟

وسبب اختلافهم عدم ورود نص في القرآن والسنة (1) في زكاة الدين؛ فقال كل فقيه فيه باجتهاده، وسأذكر فيما يلي ما وقفت عليه من آراء فقهاء الصحابة والتابعين، وأراء المذاهب الأربعة، ثم تعقيب أبي عبيد القاسم بن سلام وابن حزم على هذه الآراء، وما أراه راجحا منها.

رُويت عن فقهاء الصحابة والتابعين أقوال مختلفة عن زكاة الدين أحصيت منها تسعة أقوال.

القول الأول- لا زكاة في الدين:

قال بعض الفقهاء: (لا زكاة في الدين مطلقا، لا على الدائن ولا على المدين، وإن كان على ثقة مليء) . وهو قول عكرمة (2) ، وعطاء (3) ، وعائشة (4) ، والحكم بن عتبة (5) ، وابن عمر (6) .

وروى أبو عبيد وابن حزم عن عكرمة قوله: (ليس في الدين زكاة)(7) .

وروى أبو عبيد وابن حزم عن عطاء أنه قال: (لا يزكي المال الذي عليه الدين، ولا يزكيه صاحبه حتى يقبضه)(8) . وروى أبو عبيد عن عطاء أنه قال لمن سأله: (لا تزكه حتى تقبضه)، وقال:(أما نحن أهل مكة فنرى الدين ضمارا)، قال ابن كثير:(يعني أنه لا زكاة فيه)(9) .

وروى ابن حزم عن عطاء قوله: (ليس على صاحب الدين الذي هو له، ولا على الذي هو عليه زكاة)، وقوله:(ليس في الدين زكاة)، وقوله لمن سأله:(السلف يسلفه الرجل: ليس على سيد المال، ولا على الذي استسلفه زكاة)(10) .

وروى ابن حزم عن عائشة قولها: (ليس في الدين زكاة)(11) .

وروى عن الحكم بن عتبة (قوله: خالفني إبراهيم في الدين. كنت أقول: لا يزكى، ثم رجع إلى قولي)(12) .

وقال ابن قدامة: روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: (ليس في الدين زكاة)(13) .

(1) جاء في البحر الزاخر: 2/ 153: لا يزكى دين لما مضى مطلقا إذ لا يمكن، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(ليس على من أقرض مالا زكاة)، وقال في الحاشية: حكاه في أصول الأحكام. أقول: ورد هذا الحديث في جامع الأحاديث للإمام السيوطي: 5/ 493، الحديث رقم (18250) قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس على من أسلف مالا زكاة)(ابن منده عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عن سهل بن قيس المزني، وقال: غريب) .

(2)

الأموال لأبي عبيد، ص430 - 433؛ والمحلى لابن حزم: 6/ 133؛ والمغني لابن قدامة: 3/ 46

(3)

الأموال، ص 433، والمحلى: 6/ 133- و 134.

(4)

المحلى: 6/ 133، والمغني: 3/ 46.

(5)

المحلى: 133/6.

(6)

المغني: 46/3.

(7)

الأموال، ص 433، والمحلى: 6/ 133

(8)

المغني: 46/3؛ والمحلى: 6/ 134: (ولا يزكيه الذي هو له) بدل (ولا يزكيه صاحبه) .

(9)

الأموال، ص 433.

(10)

المحلى: 133/6.

(11)

المحلى: 133/6، وجاء مثله في المغني: 46/3.

(12)

المحلى: 133/6، وجاء مثله في المغني: 46/3

(13)

المغني:46/3.

ص: 688

ويلحظ في أقوال عطاء أنه ورد في بعضها: (لا يزكيه صاحبه حتى يقبضه) ،وينبغي حملها على أنه يزكيه بعد قبضه لما يستقبل، لا لما مضى، لكي تتفق مع الروايات الأخرى.

واستدل لهذا الرأي:

1-

بأنه ناقص الملك (1)

2-

بأنه غير تام فلم تجب زكاته كعروض القنية (2) .

القول الثاني- يزكيه المدين:

ذكر أبو عبيد في زكاة الدين خمسة أوجه من الفتيا؛ منها: أن تجب زكاته على الذي عليه الدين، وتسقط عن ربه المالك له. ونسبه إلى إبراهيم وعطاء، وروى عنهما قولهما:(في الدين الذي يمطله صاحبه ويحسبه (هكذا) : زكاته على الذي يأكل مهنأه) (3)

وذكر ابن حزم هذا القول أيضا منسوبا إلى إبراهيم وعطاء وروى عن إبراهيم النخعي في الدين يكون على الرجل فيمطله، قال:(زكاته على الذي يأكل مهنأه) .

وروى عن عطاء أو غيره نحوه (4) .

ونسب ابن حزم هذا القول إلى عمر والحسن بن حي أيضا.

وروى عن عمر قوله: (إذا حلت- يعني الزكاة- فاحسب دينك وما عندك، واجمع ذلك جميعا ثم زكه) .

وروى عنه أيضا أن رجلا قال له: (يجيء إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضي ديني)، قال عمر:(لا تبادر بها، واحسب دينك، وما عليك، وزك ذلك أجمع)(5) ولم يرو شيئا عن الحسن بن حي.

ونسبة هذا القول إلى إبراهيم وعطاء غير دقيقة، لأن ما روي عنهما يدل على أنهما يريان أن المدين الذي يزكي الدين هو المدين المماطل، وليس كل مدين ونسبته إلى عمر محل نظر؟ لأن الرواية الأولى التي نقلتها عن ابن حزم أوردها أبو عبيد مستدلا بها على أن عمر يرى أن زكاة الدين على الدائن، وأورد معها رواية أخرى عن عمر أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد (6) .

وكلمة (دينك) تحتمل المعنيين: الدين الذي له، والدين الذي عليه، والخبر الثاني الذي رواه أبو عبيد عن عمر يؤيد المعنى الأول، والخبر الثاني الذي رواه ابن حزم عن عمر يؤيد المعنى الثاني، ولكن يترتب عليه أن عمر يرى أن الدين يزكيه الدائن والمدين معا، وهذا غير مقبول.

(1) بداية المجتهد: 1/ 245.

(2)

المغني: 46/3.

(3)

الأموال، ص 430- 432.

(4)

المحلى: 6/ 132، ومهنأه- بفتح الميم والنون وبينهما الهاء ساكنة: هو ما يأتي بلا مشقة، وأكل هنيئا.

(5)

المحلى: 6/ 131.

(6)

الأموال، ص 432.

ص: 689

أما رأي الحسن بن حي فقد علق عليه ابن حزم بقوله: (أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له (1) ، وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين نصف العشر، وفي خمس من الإبل شاتان، وكذلك ما زاد) (2) . ولم يذكر من أورد هذا الرأي دليلا عليه.

والذي يترجح عندي أن هذا الرأي لا تصح نسبته إلى أحد من الصحابة أو التابعين.

القول الثالث- يزكيه المدين المماطل:

هذا الرأي يستفاد من أقوال إبراهيم النخعي، وعطاء، وإن كان من روى أقوالهما؛ وهما أبو عبيد وابن حزم جعلاهما مع من يرى وجوب زكاة الدين على المدين من غير تقييد بكونه مماطلا، وقد تقدم ذكر أقوالهما.

ويلحظ أن الروايات عن عطاء وإبراهيم فيها شيء من الاختلاف.

القول الرابع- يزكيه الدائن من ماله الحاضر:

روي هذا القول عن عمر وجابر بن عبد الله (3) وابن عمر والحسن، ومجاهد (4) .

فقد روى أبو عبيد عن عمر: أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد (5) .

وروي عن جابر بن عبد الله أنه قيل له في دين لرجل على آخر: أيعطي زكاته؟ قال: نعم (6) ،

هذان الخبران يدلان على أن الدائن يزكي ماله من دين من ماله الحاضر، ولكن أبا عبيد ذكرهما مع الرأي القائل بأن الدائن يعجل زكاة الدين مع المال الحاضر إذا كان على الأملياء (7) .

وليس في الخبرين تقييد.

(1) ذكر ابن حزم الحسن بن حي مع من يوجبون زكاة الدين على الدائن. المحلى: 6/ 136 -137.

(2)

المحلى: 138/6.

(3)

الأموال، ص 430-431

(4)

المحلى: 6 / 132

(5)

الأموال، ص 430

(6)

الأموال، ص 431.

(7)

الأموال، ص 430.

ص: 690

وروى ابن حزم عن ابن عمر أنه ولي مال يتيم فكان يستلف منه، يرى أن ذلك أحرز له، ويؤدي زكاته من مال اليتيم (1) .

وروي عن الحسن قوله: (إذا كان للرجل على الرجل الدين فالزكاة على الذي له الدين)(2) .

وروي عن مجاهد قوله: (إذا كان عليك دين فلا زكاة عليك، إنما زكاته على الذي هو له)(3) .

القول الخامس- يزكيه الدائن إذا كان على مليء من ماله الحاضر:

هذا قول عثمان، وابن عمر، وجابر بن زيد، والحسن، وميمون بن مهران (4) ، وإبراهيم النخعي (5) ، ومجاهد (6) ، وسفيان (7) ، ووكيع (8) ، وطاوس، والزهري، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وإسحاق (9) .

وروى أبو عبيد عن عثمان أنه كان يقول: (إن الصدقة تجب في الدين الذي لو شئت لقاضيته من صاحبه، والذي هو على مليء، تدعه حياء أو مصانعة، ففيه الصدقة)(10) .

وروي عن ابن عمر أنه قال: (كل دين لك ترجو أخذه فإن عليك زكاته كلما حال الحول)(11) .

وروي عن جابر بن زيد أنه قال: (أي دين ترجوه فإنه تؤدى زكاته)(12) .

وروي عن مجاهد أنه قال: (ذَكِّ ما ترى أنه يخرج)(13) .

وروي عن الحسن وإبراهيم أنهما كانا يقولان: (يزكى من الدين ما كان في ملاءة)(14) .

(1) المحلى: 6 / 132.

(2)

الأموال، ص 430، 431، والمغني: 3 / 46.

(3)

الأموال، ص 430، 431، والمغني: 3 / 46، والمحلى: 6 / 133.

(4)

الأموال، ص 431.

(5)

المحلى: 6 / 133، والمغني: 3 / 46.

(6)

المحلى: 6 / 133.

(7)

المغني: 3 / 46

(8)

الأموال، ص 430- 431.

(9)

المغني: 3 / 46.

(10)

الأموال، ص 430- 431

(11)

الأموال، ص 430- 431

(12)

الأموال، ص 430- 431

(13)

الأموال، ص 430- 431

(14)

الأموال، ص 430- 431

ص: 691

وروي عن ميمون بن مهران قوله: (إذا حلت عليك الزكاة فانظر إلى كل مال لك، وكل دين في ملاءة فاحسبه، ثم ألق منه ما عليك من الدين، ثم زك ما بقي)(1) .

وروى ابن حزم عن إبراهيم النخعي أنه قال: (زك ما في يديك من مالك، وما لك على المليء، ولا تزك ما للناس عليك)(2) .

واستدل ابن قدامة لهذا الرأي بأن الدائن قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة (3) .

ويلحظ أن ابن قدامة يعبر بأن الدين على معترف به، باذل له.

القول السادس- يزكيه الدائن إذا كان على معترف به، باذل له إذا قبضه لما مضى من السنين:

نسب ابن قدامة هذا الرأي إلى علي، والثوري، وأبي ثور.

ولم يرو شيئا عمن نسبه إليهم، وهو مذهب الحنابلة (4) .

القول السابع- يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له ذا قبضه لسنة واحدة:

نسب ابن قدامة هذا الرأي إلى سعيد بن المسيب، وعطاء الخراساني، وأبي الزناد. ولم يرو عمن نسبه إليهم شيئا (5) .

(1) الأموال، ص 430- 431

(2)

المحلى: 6/ 133

(3)

المغني:3 / 46

(4)

المغني:3 / 46

(5)

المغني:3 / 46

ص: 692

القول الثامن- يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء عند قبضه لما مضى من السنين:

وهو قول علي، وابن عباس (1) ، والثوري (2) .

روى أبو عبيد عن علي في الدين الظنون، قال:(إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى)(3) .

وروي عن ابن عباس قوله في الدين: (إذا لم تَرْجُ أخذه فلا تزكه حتى تأخذه، فإذا أخذته فزك عنه ما عليه)(4) .

يفهم من هذا مع ما تقدم في القول السادس أن عليا والثوري لا يفرقان بين الدين الذي على مليء، أو على غير مليء، ففي الحاليين يزكيه الدائن عند قبضه لما مضى من السنين.

القول التاسع- يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء إذا قبضه لسنة واحدة:

وهو قول الحسن، وعمر بن عبد العزيز (5) ، وميمون بن مهران (6) ، والليث،والأوزاعي (7) .

وروى أبو عبيد عن الحسن قوله: (إذا كان للرجل دين حيث لا يرجوه فأخذه بعد؛ فليؤد زكاته سنة واحدة) .

وروي عن ميمون بن مهران قال: (كتب إليَّ عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل فأمرني أن آخذ منه زكاة ما مضى من السنين، ثم أردفني كتابا: إنه كان مالا ضمارا فخذ منه زكاة عامه)(8) .

(1) الأموال، ص 430؛ والمغني: 3/ 46.

(2)

المغني: 3 / 46

(3)

الأموال، ص 431- 432، والظنون: هو الذي لا يدري صاحبه أيصل إليه أم لا

(4)

الأموال، ص 432؛ والمغني: 3/ 47

(5)

الأموال، ص 432

(6)

المغني: 47/3

(7)

الأموال، ص 432

(8)

الأموال، ص 432

ص: 693

مذهب الحنفية:

أقسام الدين:

قسم أبو حنيفة الدين إلى ثلاثة أقسام: قوي، ووسط، وضعيف (1) .

فالدين القوي: هو الذي ملكه الدائن بدلا عما هو مال الزكاة كالدراهم والدنانير وأموال التجارة، كما يقول السمرقندي، أو هو بدل القرض ومال التجارة كما يقول الكمال بن الهمام (2) .

والدين الوسط: هو الذي وجب بدل مال لو بقي عند الدائن حولا لم تجب فيه الزكاة، كثياب البذلة كما يقول السمرقندي، أو هو بدل مال ليس للتجارة كثمن ثياب البذلة، ودار السكنى، كما يقول الكمال (3) .

والدين الضعيف: هو ما وجب وملك لا بدلا عن شيء، كالميراث، أو وجب بدلا عما ليس بمال كـ الدية على العاقلة، والمهر، وبدل الخلع، والصلح عن دم العمد (4) . وزاد الكمال: الوصية، وبدل الكتابة والسعاية (5) .

وقسم الصاحبان الديون قسمين: ديون مطلقة وديون ناقصة، فالناقصة هي بدل الكتابة، والدية على العاقلة، وما سواهما فديون مطلقة (6) .

فالدين المطلق عند الصاحبين يقابل الدين القوي والوسط وأكثر أفراد الدين الضعيف.

(1) تحفة الفقهاء: 1/ 456؛ وفتح القدير: 1/ 491.

(2)

تحفة الفقهاء: 1/ 456؛ وفتح القدير: 1/ 491.

(3)

تحفة الفقهاء: 1/ 456؛ وفتح القدير: 1/ 491

(4)

تحفة الفقهاء: 1/ 457؛ وذكر الكمال جميع الأمثلة ما عدا الميراث فقد قال عنه: ولو ورث دينا على رجل فهو كالدين الوسط، ويروى عنه أنه كالضعيف: 1/ 491

(5)

فتح القدير: 1/ 491

(6)

تحفة الفقهاء: 458/1

ص: 694

حكم الدين الضعيف، والدين الناقص:

الدين الضعيف لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض الدائن منه نصابا، ويحول عليه الحول بعد القبض (1) ، هذا عند أبي حنيفة.

وعند الصاحبين لا تجب الزكاة في الدين الناقص، وهو بدل الكتابة والدية على العاقلة فقط، ما لم يقبض النصاب ويحول عليه الحول (2) .

حكم الدين الوسط:

في الدين الوسط روايتان عن أبي حنيفة: رواية أنه كالدين الضعيف، ورواية أنه تجب فيه الزكاة، ولكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض مائتي درهم، فإذا قبضها يزكي بقدر ما قبض (3) .

حكم الدين القوي:

الدين القوي تجب فيه الزكاة إذا كان نصابا وتم الحول، لكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض أربعين درهما، فيؤدي منها درهما، وكذلك يؤدي من كل أربعين عند القبض درهما، وإذا قبض أقل من أربعين لا يزكي عند أبي حنيفة، وعند الصاحبين تجب الزكاة في الكسور فيزكي الدائن ما قبضه من الدين قل أو كثر.

قال السمرقندي: والصحيح قول أبي حنيفة لأن في اعتبار الكسور حرجا بالناس، والحرج موضوع (4) .

الدين مقر به والمدين موسر:

وجوب الزكاة في الأحوال السابقة مقيد بما إذا كان الدين مقرا به والمدين موسرا، لأن الوصول إلى الدين ممكن في هذه الحالة (5) .

أما إذا كان الدين مقرا به، والمدين معسرا، أو كان الدين مجحودا به، ففيه تفصيل.

(1) فتح القدير: 1/ 491، تحفة الفقهاء: 458/1

(2)

تحفة الفقهاء: 1 /458

(3)

تحفة الفقهاء: 1 /458

(4)

تحفة الفقهاء: 1/ 457-417؛ وانظر فتح القدير: 1 / 520

(5)

تحفة الفقهاء: ا/ 460

ص: 695

الدين مقر به والمدين معسر:

إذا كان الدين مقرا به، ولكن المدين معسر، ومضى عليه أحوال ثم أيسر فقبض الدائن دينه فإنه يزكي لما مضى عند أئمة الحنفية الثلاثة، وقال الحسن بن زياد:(إنه لا زكاة فيه) .

وحجة الحنفية: أنه دين مؤجل شرعا فصار كما لو كان مؤجلا بتأجيل صاحبه، والتأجيل لا يمنع وجوب الزكاة؛ لأن الوصول إلى الدين ممكن تحصيله (1) .

هذا إذا كان معسرا لم يقض عليه بالإفلاس.

المدين المفلس:

المدين الذي قضي عليه بإفلاس إذا أيسر وقبض الدائن منه دينه يزكيه لما مضى عند أبي حنيفة، كما هو الحال في المدين المعسر، لأن الإفلاس لا يتحقق في حال الحياة عند أبي حنيفة، والحكم به باطل عنده.

وقال محمد: لا تجب على الدائن زكاة، لأن القضاء بالإفلاس صحيح عنده، ويصير الدين تاويا به، وقال أبو حنيفة:(لا يتوى الدين لأن المال غاد ورائح، ويبقى الدين في ذمة المفلس مثله في المليء) .

وأما أبو يوسف فإنه مع موافقته ل محمد في صحة الإفلاس بتفليس القاضي، فإنه وافق أبا حنيفة في وجوب الزكاة، رعاية لجانب الفقراء، كما يقول المرغيناني، ولم يرتض الكمال تعليل المرغيناني، وقال:(الأولى ما قيل: إن التفليس وإن تحقق لكن محل الدين الذمة، وهي والمطالب باقيان حتى كان لصاحب الدين حق الملازمة، فبقاء الملازمة دليل بقاء الدين على حاله، فإذا قبضه زكاه لما مضى)(2) .

(1) تحفة الفقهاء: 1/ 162، وفتح القدير: 1/ 490.

(2)

تحفة الفقهاء: 1/ 462؛ قتح القدير: 1/ 492

ص: 696

مذهب المالكية:

يقول ابن رشد: قال مالك: (إذا قبض الدائن الدين يزكيه لحول واحد، وإن أقام عند المدين سنين إذا كان أصله عن عوض، وأما إذا كان عن غير عوض، مثل الميراث، فإنه يستقبل به الحول، وفي المذهب تفصيل في ذلك)(1) .

وفيما يلي تفصيل المذهب مستخلصا من الشرح الكبير وحاشية الدسوقي:

الدين كما يستفاد من عبارة ابن رشد قد يكون أصله عن عوض، وقد يكون أصله عن غير عوض، فالدين الذي أصله عن عوض هو دين القرض، ودين البيع، مثل أن يكون عنده مال فيسلفه لرجل، أو يشتري به سلعة ثم يبيعه بدين، والدين الذي أصله عن غير عوض هو ما كان عن ميراث، بيد الوصي على تفرقة التركة، أو هبة بيد واهبها، أو صدقة بيد متصدقها، أو أرش جناية بيد جانيه، أو مهر بيد الزوج، أو خلع بيد دافعه، أو صلح عن دم خطأ أو عمد بيد المصالح. ولكل من هذين النوعين من الدين حكمه.

حكم الدين الذي أصله عن غير عوض:

هذا الدين لا زكاة فيه على الدائن حتى يقبضه ويحول عليه حول من قبضه، ولو أخر الدائن قبضه فرارا من الزكاة (2) .

(1) بداية المجتهد: 1/ 247

(2)

الدسوقي في الشرح الكبير: 1 / 466

ص: 697

حكم الدين الذي أصله عن عوض:

هذا الدين قد يكون أصله قرضا وقد يكون أصله ثمن عرض تجارة، أو ثمن عرض قنية، وعرض التجارة قد يكون بائعه محتكرا (1) وقد يكون مديرا (2) . ولكل حكمه.

الدين الذي أصله قرض:

هذا الدين يزكي الدائن المقبوض منه لسنة فقط، ولو أقام عند المدين سنين بشرط أن يكون المقبوض نصابا بنفسه، أو مع مال عند الدائن جمعهما حول، وكأن يقبض عشرين دينارا جملة، أو عشرة ثم عشرة، فيزكيها عند قبض العشرة الثانية، أو يكون عنده عشرة دنانير حال عليها الحول، واقتضى من دنيه الذي حال عليه الحول عشرة دنانير، فإنه يزكيهما.

وتبدأ السنة من يوم زكى أصل الدين إن كان قد زكاه، ومن يوم ملك أصله إن لم تجب الزكاة فيه، بأن لم يقم عنده حولا.

ومحل زكاة هذا الدين لعام واحد، إذا لم يؤخر الدائن قبضه فرارا من الزكاة، وإلا زكاه لكل عام مضى (3) الدين الذي أصله ثمن عرض قنية:

إذا كان أصل الدين عرضا من عروض القنية لم يقصد به التجارة باعه صاحبه بدين، فلا زكاة في الدين إلا بعد حول مِنْ قبضه، مثل الدين الذي أصله عن غير عوض (4) .

(1) المحتكر: هو الذي يرصد بعرض التجارة السوق، أي ينتظر ارتفاع الأثمان. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 1 / 474

(2)

المدير: هو الذي يبيع بالسعر الواقع ولو كان فيه خسر، ويخلفه بغيره. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 1 / 474

(3)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 1/ 466-468

(4)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 1/ 466-468

ص: 698

الدين الذي أصله ثمن عرض تجارة لمحتكر:

هذا الدين حكمه كحكم الدين الذي أصله قرض، أي لا يزكيه الدائن إلا بعد قبضه لعام واحد على النحو الذي ذكرناه.

ولا ينظر في هذه الحالة إلى سبب ملك المحتكر لعروض التجارة، فلا فرق بين ملكها بالشراء، أو الهبة، أو الميراث ما دام قصد بها التجارة.

وإذا قبض المحتكر عرضا عوضا عن دينه فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يبيعه، فإذا باعه زكى ثمنه لحول من يوم قبض العرض، لا من حول الأصل (1) .

الدين الذي أصله ثمن عرض تجارة لمدير:

هذا الدين يزكى زكاة عروض التجارة، فيزكى عدده إذا كان نقدا حالا ومرجوا، فإن لم يكن نقدا حالا، بأن كان عرضا، أو نقدا مؤجلا مرجوين، قوم بما يباع به على المفلس، العرض بنقد، والنقد بعرض ثم ينقد، وتزكى القيمة. وأما إذا كان الدين غير مرجو، بأن كان على معدوم أو ظالم، فلا يقومه صاحبه ليزكيه حتى يقبضه، فإن قبضه زكاه لعام واحد (2) .

(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 1 /467

(2)

الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 2 /474

ص: 699

مذهب الشافعية:

الدين الحال على مقر مليء:

الدين إذا كان حالا، وكان المدين مقرا به ومليئا تجب زكاته على الدائن في الحال، ولو لم يقبضه لأنه مقدور على قبضه، فهو كـ الوديعة (1) .

وفي القديم: لا زكاة في الدين لعدم الملك فيه حقيقة (2) .

الدين الحال على مليء جاحد:

الدين إذا كان حالا، وكان المدين مليئا، ولكنه جاحد للدين، فإن كان للدائن بينة وجبت عليه زكاته في الحال، وإن لم يقبضه لقدرته على قبضه فأشبه المودع.

وفي حكم البينة على القاضي بالدين في الحالة التي يقضى فيها بعلمه (3) .

وإن لم تكن للدائن بينة ففيه قولان: قال في القديم: (لا تجب فيه الزكاة، لأنه خرج عن يده وتصرفه فكان ملكه فيه ناقصا)، وقال في الجديد:(تجب عليه، لأنه مال له، يملك المطالبة به ويجبر على التسليم إليه، فوجبت فيه الزكاة كالمال الذي في يد وكيله، وقال في المنهاج: (إنه الأظهر) .

ولا يجب دفع الزكاة حتى يعود الدين المجحود لعدم التمكن قبله، فإذا عاد زكاه للأحوال الماضية، ولو تلف قبل التمكن سقطت الزكاة (4) .

الدين الحال على مقر معسر:

الدين إذا كان حالا، والمدين مقر، ولكنه معسر، فإن حكمه كحكم الدين الحال على المدين الجاحد الذي لا بينة عليه، لا تلزم الدائن زكاته قبل أن يرجع الدين إليه، فإن رجع إليه ففيه قولان، قول بعدم وجوب الزكاة، وقول بالوجوب عن الأعوام الماضية (5) .

وذكر الرملي أن المطل والغيبة حكمهما حكم الإعسار (6) .

الدين المؤجل:

الدين إذا كان مؤجلا على مليء حكمه كحكم الدين على المدين المعسر على الأصح (7) . وقال النووي: إنه المذهب (8) . وقيل: يجب دفع الزكاة عند حلول الأجل ولو لم يقبض الدين (9) .

(1) المهذب: 1/ 158، ونهاية المحتاج: 3/ 130

(2)

نهاية المحتاج: 3 /130

(3)

نهاية المحتاج: 3 /130

(4)

المهذب: 1/ 142- 158؛ ونهاية المحتاج: 3/ 128- 130

(5)

المهذب: 1/ 142- 158، ونهاية المحتاج: 3/ 128- 130

(6)

نهاية المحتاج: 3/ 130

(7)

المهذب: 1/ 158

(8)

نهاية المحتاج: 3/ 135

(9)

نهاية المحتاج: 3/ 130

ص: 700

مذهب الحنابلة:

الدين على مليء:

إذا كان الدين على مليء كما يعبر الخرقي، وابن قدامة في المقنع، أو على معترف به باذل له، كما يعبر ابن قدامة في المغني، فعلى صاحبه زكاته، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه، فإذا قبضه زكاه لما مضى من السنين (1) .

واستدل له ابن قدامة في المغني بأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، كما لو كان على معسر، ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، وفرق بينه وبين الوديعة، بأن الوديعة بمنزلة ما في يده، لأن المستودع نائب عنه في حفظه ويده كيده، وإنما يزكيه لما مضى، لأنه مملوك له يقدر على الانتفاع به، فلزمته كسائر أمواله (2) . وذكر محشي المقنع رواية عن الإمام أحمد أنه يجب إخراج الزكاة في الحال قبل قبض الدين (3) .

الدين على غير مليء:

إذا كان الدين على غير مليء أو كان مجحودا كما يعبر ابن قدامة في المقنع، أو كان على معسر، أو جاحد، أو مماطل، كما يعبر ابن قدامة في المغنى ففيه روايتان:

إحداهما: يزكيه الدائن إذا قبضه لما مضى، أي لا فرق بينه وبين الدين على المليء المعترف به الباذل له، وهو المذهب، كما يقول محشي المقنع.

واستدل له ابن قدامة في المغني بما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس في الدين الظنون، قال:(إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى، ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء) .

والرواية الثانية: لا تجب فيه الزكاة، واستدل له في المغني بأنه غير مقدور على الانتفاع به، واستدل له محشي المقنع بأنه غير تام، وهو خارج عن يده وتصرفه (4) .

(1) المغني: 3/ 46، المقنع: 1/ 292

(2)

المغني: 46/3-47

(3)

المقنع: 1 / 292

(4)

المغني: 3 /46- 47؛ والمقنع: 1 /292

ص: 701

الدين المؤجل:

يذكر ابن قدامة في المقنع الدين المؤجل مع الدين على غير المليء والدين المجحود.

ويعطيه حكمهما، ويقول في المغني:(وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن البراءة تصح من المؤجل، ولولا أنه مملوك لم تصح البراءة منه لكن يكون في حكم الدين على المعسر، لأنه يمكن قبضه في الحال)(1) .

تعقيب أبي عبيد القاسم بن سلام:

أورد أبو عبيد آراء عدد من فقهاء الصحابة والتابعين ذكرتها كلها في هذا البحث ثم عقب عليهما بقوله:

(وأما الذي أختاره من هذا فالأخذ بالأحاديث العالية التي ذكرناها عن عمر وعثمان، وجابر، وابن عمر، ثم قول التابعين بعد ذلك: الحسن، وإبراهيم، وجابر بن زيد، ومجاهد، وميمون بن مهران أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين على الأملياء المأمونين، لأن هذا حينئذ بمنزلة ما بيده وفي بيته) . وإنما اختاروا- أو من اختار منهم- تزكية الدين مع عين المال، لأن من ترك ذلك حتى يصير إلى القبض لم يكد يقف من زكاة دينه على حد، ولم يقم بأدائها، وذلك أن الدين ربما اقتضاه ربه متقطعا كالدراهم الخمسة والعشرة، وأكثر من ذلك وأقل، فهو يحتاج في كل درهم يقبضه فما فوق ذلك إلى معرفة ما غاب عنه من السنين والشهور والأيام ثم يخرج من زكاته بحساب ما يصيبه، وفي أقل من هذا ما تكون الملالة والتفريط، فلهذا أخذوا له بالاحتياط فقالوا:(يزكيه مع جملة ماله في رأس الحول) .

وهو عندي وجه الأمر، فإن أطاق ذلك الوجه الآخر مطيق حتى لا يشذ عليه منه شيء فهو واسع له، إن شاء الله، وهذا كله في الدين المرجو الذي يكون على الثقات.

(1) المغني: 3 /46- 47؛ والمقنع: 1 /292

ص: 702

فأما إذا كان الأمر على خلاف ذلك، وكان صاحب الدين يائسا منه، أو كاليائس؛ فالعمل فيه عندي على قول علي في الدين الظنون وعلى قول ابن عباس في الدين لا يرجوه: أنه لا زكاة عليه في العاجل، فإذا قبضه زكاه لما مضى من السنين (1) .

قال أبو عبيد: (وهذا أحب إلى من قول من لا يرى عليه شيئا، ومن قول من يرى عليه زكاة عامة، وذلك لأن هذا المال وإن كان صاحبه غير راج له ولا طامع، فإنه ماله وملك يمينه، متى ما ثبته على غريمه بالبينة، أو أيسر بعد إعسار، كان حقه جديدا عليه، فإذا أخطأه ذلك في الدنيا فهو له في الآخرة، وكذلك إن وجده بعد الضياع كان له دون الناس، فلا أرى ملكه زال عنه الوجدان، فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، وملكه لم يزل عنه؟ أم كيف يكون أحق به إن كان غير مالك له؟ فهذا القول عندي داخل على من رآه مالا مستفادا.

وأما الداخل على من رأى عليه زكاة عام واحد فأن يقال له: ليس يخلو هذا المال من أن يكون كالمال يفيده تلك الساعة على مذهب أهل العراق فيلزمك من ذلك ما لزمهم من القول، أو أن يكون كسائر ماله الذي لم يزل له فعليه الزكاة لما مضى من السنين، كقول علي وابن عباس.

فأما زكاة عام واحد فلا نعرف لها وجها، وليس القول عندي إلا على ما قالا، يزكيه لما مضى، وإنما يسقط عنه تعجيل إخراجها من ماله في كل عام، لأنه كان يائسا منه، فأما وجوبها في الأصل فلا يسقطه شيء ما دام لذلك المال ربا (2) .

(1) الأموال: 434- 435

(2)

الأموال، ص 435

ص: 703

رأي ابن حزم وتعقيبه على الآراء المخالفة:

يرى ابن حزم أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرا عنده منه ما يبلغ النصاب، وأتم عنده حولا، ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين.

ويعلل هذا بقوله:

(إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده، ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء، وعما لا يملك، وعن شيء لو سرقه قطعت يده، لأنه في ملك غيره)(1) .

أما الدائن فلا زكاة عليه حتى يقبض الدين ويتم عنده حولا:

يقول ابن حزم:

(ومن كان له على غيره دين؛ فسواء كان حالا أو مؤجلا، عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء، ولا زكاة فيه على صاحبه، ولو أقام عنده سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، لا حينئذ ولا بعد ذلك، الماشية والذهب والفضة في ذلك سواء)(2) .

وأيد مذهبه بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: (ليس في الدين زكاة) ، وبأن لصاحب الدين عند غريمه عددا في الذمة وصفة فقط، وليس عنده عليه مال أصلا، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد، والفضة تراب بعد، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته؟! (3) .

وذكر ابن حزم آراء القائلين بأن الدائن يزكي الدين وعقب عليها بقوله: (أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له، وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين العشر، وفي خمس من الإبل شاتان) .

(وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد، إلا عن عمر بن عبد العزيز، وقد صح عنه خلاف ذلك، ومثل قولنا.

وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد، وقوله تخليط لإخفاء به) .

وقال في موضع آخر: (إن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما، لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين)(4) .

ولم يعلق ابن حزم على ما أورده من آراء الصحابة والتابعين القائلين بأن الدائن يزكي الدين.

(1) المحلى: 6 /131-134

(2)

المحلى: 6/ 136

(3)

المحلى: 6/ 138- 140

(4)

المحلى: 6/ 138- 140

ص: 704

الرأي الراجح عندي:

الرأي الراجح عندي بعد عرض ما تقدم من آراء الفقهاء هو أن زكاة الدين تجب على الدائن، ولكن لا يطالب بإخراجها مع زكاة ماله الحاضر إلا إذا كان متمكنا من قبض الدين، كأن يكون الدين حالا على مليء معترف به باذل له، لأنه يكون في هذه الحالة بمنزلة المال الذي في يده، أو بمنزلة الوديعة.

أما إذا لم يكن الدائن متمكنا من قبض دينه، كان يكون الدين على معسر، أو جاحد، أو مماطل، أو يكون الدين مؤجلا، فإن الدائن يطالب بإخراج زكاته عند قبضه أو التمكن من قبضه بحلول أجله، فإذا قبضه أو حل أجله زكاه لما مضى من السنين، لأنه ماله عاد إليه فيجب عليه إخراج زكاته. والله أعلم

هذا بحث كتبته ورأي سجلته قبل عشر سنين، ومازلت على ذلك الرأي، لأن زكاة الدين مسألة اجتهادية اختلفت الآراء فيها اختلافا واسعا، وما رأيته لا يخرج عن هذه الآراء، وهو أعدلها وأيسرها تطبيقا في نظري، والله أعلم.

30 رجب/ 1422هـ

17 / 10 / 2001 م.

الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

أستاذ الشرعية الإسلامية بكلية القانون

جامعة الخرطوم

ص: 705