الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزكاة
زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديون
إعداد
الشيخ الدكتور الطيب سلامة
عضو المجلس الإسلامي الأعلى
الجمهورية التونسية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى الكريم وعلى آله وصحبه الأخيار الطيبين.
تقديم:
استمرت الزراعة موردا لرزق الناس على وجه البسيطة، ومصدرا لا غنى عنه لعيشهم.
وتطلبت مختلف الزراعات جهودا مضنية من الإنسان، تطلعا إلى التطور، سعيا وراء المزيد من الإنتاج، لإطعام الأفواه المتزايدة بسبب التكاثر البشري، وبسبب عدم الاكتفاء بالكفاف، وباللقمة التي تسد الرمق وتقيم الأود.
وإذا أصبح في عصرنا هذا الاكتفاء الزراعي، أو ما يعبر عنه بـ الأمن الغذائي، عاملا من عوامل القوة والتقدم لدى الأمم، فذلك لأنه بات من المسلم أنه لا رقي ولا نهضة للإنسان، إذا أصبح جائعا لا يجد الطعام.
ولا يمكن أن نتصور تطورا- بكل العصور، وبشتى مجالات السعي البشري- دون أن يسبق ذلك خروج من التخلف الزراعي من حيث الكم والكيف على السواء.
لذا تطورت الزراعة- وحق لها أن تتطور- في طليعة القافلة، وليس غريبا بالمرة أن تحدث محدثات مستجدة، تتطلب من المسلمين تكييفا لها، لتماشي أحكام شريعتهم، باعتبارها شريعة جلب المصالح ودرء المفاسد، وباعتبارها الشريعة العادلة، والحافظة على الأمة قيمها وموازين القسط، التي بها كانت خير أمة أخرجت للناس.
ثم أليس في إبانة ما طرحته للبحث أمانة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، من هذه القضايا المستجدة في فقه الزكاة؟ والتي لا نشك أن القرارات والتوصيات فيها، ستنزل راحة واطمئنانا على قلوب المزارعين المؤمنين، والله المستعان على ما تصفون.
***
المحور الأول
حسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج الزكاة
ما كان موضوع نفقات الزراعة ليثار في هذا العصر لولا التطور الكبير الذي حصل في ميدان الزراعة، وذلك خاصة في مجالين هامين:
- مجال التقنيات والطرائق العلمية التي دخلت الزراعة.
- مجال النفقات الواسعة التي حتمتها أعمال الزراعة العصرية (والمقصود الزراعة القائمة على العلم والتقنيات الحديثة) .
قبل التطور الزراعي الحديث، كان حط نصف العشر من المقدار الواجب يغطي جل النفقات والمؤن الزائدة في الزراعات السقوية، إن لم يغط كاملها ضرورة أن المساهمة بنصف العشر من أحد الشريكين، يقابلها المساهمة بنفس النسبة من الشريك الآخر، فيتجمع من المساهمتين- كل بحسب ماله من أسهم- نصف المحصول بكامله لتغطية النفقات، ولا يخفى ما في تكييف الشريعة لوعاء النفقات وجعله نسبة متطورة بتطور الإنتاج ومرتبطة بالمحصول، من حكمة بالغة، تكرر التنويه بها من طرف أعلام الفقهاء أمثال الإمام شهاب الدين القرافي إذ يقول في تعقيبه على حديث الصحاح:
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) (1) .يقول: (ومعناه: أنه متى كثرت المؤنة قلت الزكاة رفقا بالعباد، ومتى قلت كثرت الزكاة؛ ليزداد الشكر لزيادة النعم)(2) .والمراد بالمؤنة المشقة، قال في المصباح المنير:(والمؤنة وتجمع على مؤن: المشقة والثقل) .
(1)(البخاري: زكاة، باب العشر، عن ابن عمر، ومثله لمسلم، وأبي داود، وابن ماجه؛ نصب الراية: 2/ 384- 385، ط. مؤسسة الريان-جدة)
(2)
(الذخيرة: 3/ 82، ط. دار الغرب الإسلامي- بيروت)
ويقول القرافي (1) .نقلا عن الجواهر: إذا كان السيح (وهو الماء الجاري) بالكراء، ألحقه اللخيمي بالنضح، ويقول نقلا عن تهذيب الطالب: إذا عجز عن الماء فاشتراه، قال ابن حبيب:عليه العشر، وقال (القاضي) عبد الملك بن الحسن نصف العشر، قال: وهو الصواب لأن مشقة المال كمشقة البدن. وقال ابن يونس تأييدا لما ذهب إليه القاضي عبد الملك: قال بعض أصحابنا هو الأعدل (2) .، قلت: وكل ما هو أعدل هو أوفق لأحكام الشريعة وأنفذ لمقاصدها.
ومن هذا العدل المفيد القاعدة المقررة شرعا وهي: أن المشقة تجلب التيسير، والزكاة عبادة بأحد شقيها، يسعى المكلف إلى القيام بها على أكمل وجه سعيا لإرضاء خالقه واجتنابا للتقصير أو الوقوع في الخطأ.
لقد بات من المسلم بالمشاهدة، وبإخبار الموثوق بهم من أهل المهنة أن مؤن الزراعة ونفقاتها بارتفاع مستمر، وفي الحالات العادية تأتي على ما بين نصف المحصول وثلثيه، ولا تنزل على النصف إلا نادرا وقد تأتي على كامل المحصول بالجوائح والآفات، لأن الفلاح ينفق كما ينبغي له أن ينفق حسب ما يقتضيه علم الزراعة، ولا يربط إنفاقه بالمحصول، لأنه يقدر ويؤمل الخير والنماء، ولا يدري ما تقدر الأقدار من تواء (ومن له النماء عليه التواء) .
(1)(الذخيرة: 2/ 83)
(2)
(ابن راشد القفصي، لباب اللباب، ص 40، ط. المطبعة التونسية- تونس1346 هـ)
اختلاف العلماء بحسم نفقات الزراعة من المحصول على مذاهب:
الأول:
- مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية: عدم حسم النفقات من المحصول قبل إخراج الزكاة اكتفاء بما بينته السنة المطهرة في الحديث المذكور قريبا من النزول بالواجب إخراجه من العشر كاملا إلى نصف العشر فقط.
يقول الإمام أبو محمد علي بن حزم (المتوفى 456 هـ) :
(ولا يجوز أن يعد الذي له الزرع أو التمر ما أنفق في حرث أو حصاد أو جمع أو درس أو تزبيل أو جداد (بفتح الجيم وكسرها: قطع الثمرة) أو حفر أو غير ذلك: فيسقطه من الزكاة، وسواء تداين به ذلك أو لم يتداين، أتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو التمر أو لم تأت، وهذا مكان قد اختلف السلف فيه) .
ثم يقول: (أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التمر والبر والشعير الزكاة جملة إذا بلغ الصنف منها خمسة أوسق فصاعدا، ولم يسقط الزكاة عن ذلك بنفقة الزارع وصاحب النخل، فلا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سنة ثابتة، وهذا قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابنا)(1) .
وإذا حصل الاتفاق المتقدم بين ابن حزم والأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة في النفقات التي عددها، فإنه اختلف مع مالك وأبي حنيفة فيما أكل وأخذ أو تصدق به قبل التصفية وإمكانية الكيل، حيث قال:(ولا يجوز أن يعد على صاحب الزرع بالزكاة ما أكل هو وأهله فريكا أو سويقا، قل أو كثر، ولا السنبل الذي يسقط فيأكله الطير أو الماشية أو يأخذه الضعفاء، ولا ما تصدق به حين الحصاد، ولكن ما صفى فزكاته عليه، وبرهان ذلك ما ذكرنا قبل من أن الزكاة لا تجب إلا حين إمكان الكيل، فما خرج عن يده قبل ذلك فقد خرج قبل وجوب الصدقة فيه. وقال الشافعي والليث كذلك. وقال مالك وأبو حنيفة: يعد عليه كل ذلك)(2) .
(1)(المحلى: 5/ 258، رقم (357) ، ط. دار الجيل- بيروت)
(2)
(المحلى: 5/ 259، رقم (658))
- وحكى ابن رشد ما ذكره ابن حزم من الخلاف فيما نقص من المحصول قبل التصفية وإمكان الكيل أو قبل الحصاد، ولكنه بين سبب الاختلاف وأنه راجع إلى تعارض الآثار المروية عن سهل بن أبي حتمة وعن جابر مع الآية في قوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، والقياس القاضي بأن المأخوذ مال، وفيه الزكاة مثل سائر المال (1) .
- ولخص الإمام شهاب الدين القرافي (المتوفى: 684 هـ/ 1285 م) مذهب إمام دار الهجرة في المسألتين: احتساب المؤنة، وما ينقص من المحصول بالأكل منه والصدقة وغير ذلك فقال:
(قال مالك: يحسب في الزرع ما أكل منه، وما آجر به الجمال وغيرها بخلاف ما أكلت الدواب في الدراس، لأن النفقة من ماله) ثم نقل عن صاح البيان ما يلي:
(وقال ابن المواز: ويحسب ما تصدق به. وقال الليث: لا شيء عليه في ذلك بعد الإفراك وقبل اليبس، وأما ما أكل بعد اليبس فيحسب بلا خلاف، واختلف في الصدقة بعد اليبس، وعند مالك: يحسبها، وأما ما أكلت الدواب في الدراس فلا يحسب كآفات السماء)(2) .
ومن تنصيص ابن شاس: (ولا يطرح لهم ما يخرجونه من الأجرة، إذ يلزمهم تخليص حصة الفقراء)(3) .
- ويقول المرغيناني من علماء الحنفية (متوفى سنة 593 هـ) :
(وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر، لا يحتسب فيه أجر العمال ونفقة البقر، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حكم بتفاوت الواجب التفاوت المؤونة فلا معنى لرفعها)(4) .
- ولا يرى الشافعي رحمه الله مبررا للتنقيص من المحصول وعدم احتسابه في الزكاة مثل الأكل والصدقة، وأجرى ما يرفع من المحصول ما يعادل النفقة:(وما أكل من التمر بعد أن يصير في الجرين [هو للتمر كالبيدر للحنطة] ضمن عشره، وكذلك ما أطعم منه) وقال: (وإذا كان النخل يكون تمرا فباعه مالكه رطبا كله أو أطعمه كله أو أكله كرهت ذلك له، وضمن عشره تمرا مثل وسطه)(5) .
- وأما عند الحنابلة فالمؤنة لا تحتسب ولا ترفع من المحصول قبل الزكاة إلا إذا تداين صاحبها لينفق، قال ابن قدامة:(والمؤنة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال، لأن الثمرة كالماشية، ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها، والقيام عليها إلى حين الإخراج على ربها، وكذا هاهنا [أي في زكاة الحرث] )(6) . وقال: (قال أحمد: من استدان ما أنفق على زرعه، واستدان ما أنفق على أهله، احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله، لأنه من مؤنة الزرع. وبهذا قال ابن عباس)(7) .
(1)(بداية المجتهد: 1/ 395- 396، ط. دار الكتب العلمية- بيروت 1420 هـ/ 2001 م)
(2)
(الذخيرة: 3/ 82)
(3)
(عقد الجواهر الثمينة: 1/ 311، ط. دار الغرب الإسلامي- بيروت 1415 هـ/ 1995 م)
(4)
(الهداية: 1/ 110، ط. المكتبة الإسلامية)
(5)
(الأم: 2/ 35، ط. دار الفكر- بيروت 1403 هـ/ 1983 م)
(6)
(المغني: 2/ 711، ط. مكتبة الرياض الحديثة 1401 هـ/ 1981 م)
(7)
(المغني: 2/ 727)
الثاني:
مذهب عطاء بن أبي رباح (1) . وهو الرأي المخالف لرأي ابن حزم (أعلاه)
وهذا نصه كما رواه: (وعن عطاء: أنه يسقط مما أصاب النفقة، فإن بقي مقدار ما فيه الزكاة زكي، وإلا فلا)(2) .
وقول عطاء هذا هو قول أحد مشاهير السلف المعروف بفضله وعلمه، والمتقدم على أئمة المذاهب، وقد جاء مطلقا وشاملا للمؤن والنفقات: فقد جاء في رواية يحيى بن آدم في الخراج عن إسماعيل بن عبد الملك قال: (قلت لعطاء: الأرض أزرعها؟ فقال: ارفع نفقتك وزك ما بقي) . وفي مصنف عبد الرزاق (باب: لا زكاة إلا في فضل) قال ابن جريح: (قال لي عطاء: إنما الصدقة فيما أحرزت بعدما تطعم منه، وبعدما تعطي الأجر، وتنفق في دق وغيره، حتى تحرزه في بيتك، إلا أن تبيع شيئا فالصدقة فيما بعت) .
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة أن عطاء يعد البذر في الاعتبار مثل النفقة، لذا روي عنه أنه قال:(ادفع البذر والنفقة وزك ما بقي) .
فالروايات عن عطاء أكثر مما ذكرنا وهي كلها معضدة لرواية ابن حزم وتكاد تبلغ مبلغ الاستفاضة في الرواية عنه.
(1)(ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: (.. كان من سادات التابعين فقها وعلما وورعا وفضلا) ؛ وعن عطاء أنه قال: (أدركت مائتين من الصحابة)، وعن ابن عباس أنه كان يقول:(تجتمعون إليَّ- يا أهل مكة!) - وعندكم عطاء! (كان مولده سنة 27 هـ، ووفاته سنة 114 هـ؛ ابن حجر، التهذيب: 7/ 199-203، العدد (384))
(2)
(المحلى: 5/ 258، برقم (657))
- وبمذهب عطاء هذا، أخذ العلامة أبو بكر ابن العربي مدعما ما ذهب إليه بحديث عبد الرحمن بن مسعود بن نيار، الذي قال فيه الترمذي: عليه العمل عند أهل العلم في الخرص: يقول الراوي المذكور: (جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا فحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) (1) .، وكذلك بحديث ابن لهيعة وغيره عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((خففوا في الخرص فإن في المال العرية والرطبة والأكل والوصية والعمل والنوائب)) (2) .
وبين- رحمه الله الخلاف: هل يستوفى الكيل على من يخرص عليهم؟ كما قال بذلك مالك وأبو حنيفة ووافقهما الثوري، أو يترك لهم ما يأكلونه رطبا؟ كما قال بذلك الإمامان: محمد وأبو يوسف، مع رعاية ما يكفي لذلك أي في أكل الزارع وصاحبه وجاره، حتى لو كل جميعه رطبا- كما يقولان- لم يجب عليه شيء. وإنما يجب مما أوتي بالحصاد وضمه إلى الجرين، لأن الله تعالى قال:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا} [الأنعام: 141] فلم يجعل الإيتاء شرطا إلا بعد أن أذن في الأكل إباحة. ثم قال- رحمه الله في قضية النفقات التي نحن بصددها:
(وكذلك اختلف قول علمائنا: هل تحط المؤنة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة؟ أو تكون مؤنة المال وخدمته حتى يصير حاصلا، في حصة رب المال، وتؤخذ الزكاة من الرأس؟
والصحيح أنها محسوبة، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عشره، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:((دعوا الثلث أو الربع)) ، وهو قدر المؤنة، ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب، وبما يؤكل رطبا ويحتسب المؤنة يتخلص الباقي ثلاثة أرباع أو ثلثين والله أعلم) .
(1)(عارضة الأحوذي على صحيح الترمذي: 3 /140- 144، ط. دار الكتاب العربي- بيروت)
(2)
(عارضة الأحوذي على صحيح الترمذي: 3 /140- 144، ط. دار الكتاب العربي- بيروت)
ويختم القاضي أبو بكر بن العربي رضي الله عنه بحثه في الموضوع فيقول: (والمتحصل من صحيح النظر: أن يترك له [للزارع] ، قدر الثلث أو الربع كما بيناه في مقابلة المؤنة من واجب فيها، ومندوب إليها منها، والله أعلم)(1) .ويتبين لنا من كلام القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله أمران:
الأول: أنه قسم النفقات إلى قسمين: نفقات واجبة: مثل أجور العمال، وأثمان البذور والأسمدة وغيرها.. ونفقات مندوب إليها: مثل العرايا والصدقات، وما أكل الأهل والأقارب والطارقة.
الثاني: أنه ذكر إخراج العشر من الباقي بعد ترك الثلث أو الربع على تقدير أن هذا الباقي قد خلص من النفقات الداخلة في وعاء الثلث أو الربع، ولم يذكر متى يكون الحكم بوجوب نصف العشر، مع العلم أن هذا الحكم هو قسيم للعشر في المقدار الواجب في زكاة الحرث.
وتوقف النظر الفقهي المعاصر في هذه الإشكالية واحتاج إلى البحث، قصد إيجاد التكييف الشرعي المناسب، فنشأ في المسألة قول ثالث نبينه فيما يلي:
الثالث: يرى السادة الفقهاء المعاصرون أن النفقات (الواجبة والمندوب إليها كما قسمها القاضي ابن العربي) والخارجة عن مجال السقي ترفع من ثلث المحصول أو ربعه- بداءة- وما زاد على الثلث يحمله المزارع.
وهذا من باب إعمال الحديثين عن سهل وعن جابر المتقدمين والوقوف عند نص الثلث وإن زادت النفقات، خلافا لأصحاب القول الثاني وهو قول عطاء ومن معه.
وأما نفقات السقي، فلها وعاء خاص، وهو المقدر بنصف العشر المحطوط من المقدار الواجب في الزراعات البعلية، إذا صارت سقوية، وذلك بعد رفع الثلث الذي يتضمنه حديث سهل بن أبي حثمة لنفقات المزارع وأكله هو ومن معه، ولصدقاته، ولا زكاة إذا لم يكن المتبقي نصابا.
(1)(عارضة الأحوذي على صحيح الترمذي: 3 /140- 144، ط. دار الكتاب العربي- بيروت)
القول المرجح:
في تكييف الحكم المناسب للمستجدات الزراعية، فيما يخص النفقات: نفضل الأخذ بمذهب عطاء والقاضي أبي بكر بن العربي لأنهما لم يخالفا ما ورد في السنة من قول كما في حديث سهل بن أبي حثمة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) وحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خففوا في الخرص فإن في المال العرية والرطبة، والأكل والوصية، والعامل والنوائب)) (1) .
ولم يخالف السنة العملية، من ذلك ما روي عن مكحول قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص، قال:((خففوا، فان في المال العرية - النخلة يهب ثمرتها إلى الغير - والوطية (2) . - وهم المارة والسابلة - يطؤون المزارع فيأكلون ولا يحملون معهم شيئا)) .
وفي حديث أصحاب السنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التمر المعلق قال: ((من أصاب بفيه (بفمه) من ذي حاجة غير متخذ خبنة (ما يحمل في الحضن) فلا شيء عليه)) .
وعن الأوزاعي قال: (بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: (خففوا على الناس في الخرص، فإن في المال العرية والأكلة (أرباب الثمار وأهليهم)) (3) .
- حسم النفقات ثم تزكية الباقي إن كان نصابا هو ما وصفه القاضي ابن العربي رحمه الله بالصحيح وبالمتحصل من صحيح النظر.
- وبعد طول الإمعان تبين لنا أن العمل بهذا المذهب القائل باحتساب النفقات وحسمها من رأس المحصول ثم تزكية الباقي إن كان نصابا، هو المستجيب لأغراض الشريعة في تقدير المصالح وتحقيق ما يتعلق به غرض صحيح منها.
(1)(عارضة الأحوذي على صحيح الترمذي: 3 /140- 144، ط. دار الكتاب العربي- بيروت)
(2)
(أبو عبيد: الأموال، ص 435- 436، برقم (1452))
(3)
(أبو عبيد: الأموال، ص 436، برقم (1453))
من هذه الأغراض والمقاصد المشروعة:
1-
العمل بجد على ازدهار الزراعة، كي تتوفر أقوات الأمة، ويتحقق ما يسمى بـ الأمن الغذائي للشعوب، ويتوقف ذلك على أمرين: الأول: المزارع الحاذق لعلم الزراعة، والثاني: الأخذ بالتقنيات المتطورة.
2-
سلوك مسلك التيسير مع المزارعين، ورفع الحرج عنهم ما دام ذلك مقصدا عاما في شريعة الله السمحة، وما دام ذلك يقوي من عزائمهم على الاستمرار في حقولهم وأراضيهم، ولا يهجرونها إلى صنائع أقل مشقة وأوفر كسبا.
3-
عدم رفع النفقات من رأس المحصول- كما ذهب إلى ذلك الجمهور- يؤول إلى نتيجة عكسية، لأن التنقيص من الإمكانيات المالية للمزارع تنعكس على عمله، ويعود بنقص الإنتاج، وبالنقص من نصيب الفقراء والمساكين، وهذا مردود لا يرضاه أحد.
4-
المال المدفوع من طرف المزارع في نفقات الزراعة هو مال عين في الغالب- تحول إلى منتوج زراعي، وهذا المال قبل التحول وقبل الإنفاق هو مال مزكّى إذا حال عليه الحول وبلغ النصاب، وحتى لو كان غير مزكّى فالواجب فيه ربع العشر، فكيف إذا أدمج هذا المال يصير الواجب فيه إما العشر أو نصفه؟ فدل هذا على أن القول بعدم حسم النفقات من المحصول غير مراد للشارع الحكيم، وقد جاء في السنة المطهرة قوله صلى الله عليه وسلم:((لا ثني في الصدقة)) (1) .
مقترح في صيغة القرار:
1-
ترفع النفقات على الزراعة (في غير السقي) من المحصول قبل إخراج الزكاة في حدود الربع، وإن زادت ففي حدود الثلث.
2-
يزكي الباقي بعد رفع النفقات، إن كان نصابا، وإلا فلا زكاة.
3-
القدر الواجب إخراجه هو العشر في الزراعات البعلية، وما في حكمها مما لا تكثر فيه المؤن، ونصف العشر في الزراعات السقوية.
4-
لا عبرة بمصدر المال سواء كان من حر مال المزارع أو من اقتراض واستدانة.
(1)(أبو عبيد: الأموال، ص 342 برقم (982))
***
المقصود بنفقات الزراعة
ليست نفقات الزراعة سوى ما يبذله الزارع لأرضه كي تدر عليه من خيراتها وبركاتها بإذن ربها الرزاق الكريم.
وتشبه هذه النفقات على الزراعة- إلى حد كبير- ما يقدمه مربي الماشية من علف ورعاية لحيواناته كي تترعرع وتتكاثر.
إن مسمى النفقات الزراعية- في العرف الفلاحي- ما ينفق ويبذل ليستهلك في الأرض وفي الزراعات، وهذا النوع من النفقات- غير نفقات السقي- هو الذي يعنينا هنا، لأنها نفقات تعوض على صاحبها من رأس المحصول قبل إخراج الزكاة، كما أسلفنا، وأما النفقات فيما يؤسس ليبقى ويزيد في قيمة الأرض؛ مثل بناء مستودع أو إسطبل أو بركة ماء، أو حفر بئر ونصب شبكة المجاري، أو غرس الأشجار، فليست في الحقيقة نفقات وإنما هي منشآت ومبالغها وقيمها مثل عروض القنية.
وفيما يخص نفقات السقي فليست فيما نحن فيه؛ لأن لها وعاء خاصا وتكييفا عادلا جاءت به السنة المطهرة، وقد اعتبر دورها المحوري من بين سائر أعمال الزراعة، فقد روى البخاري بسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) .
- المراد هنا: نفقات الزراعة الراجعة لتحسين الزرع والمزروع من تسميد وتزبيل وأدوية وعقاقير لمكافحة الآفات والحشرات.
- والنفقات التي تخص البذر والغراسة من اقتناء البذور المختارة والمشاتل الممتازة لضمان محصول مرضي.
والنفقات الراجعة لجمع المحصول من حصاد ودراس وتصفية ومن جني للثمار وتصنيفها لتعرض في السوق، ومن قطاف للكروم، ثم ما يتبع ذلك من تشذيب للأشجار لتخليصها من حمل الأغصان التي لم تعد نافعة.
وبالجملة فإن النفقات الراجعة لثلاث مراحل في الزراعة هي المرادة والمقصودة، وهي:
أ- مرحلة إعداد الأرض.
ب- مرحلة البذر أو الغرس والرعاية.
جـ- مرحلة جمع المحصول وتسويقه أو خزنه.
***
وسائل الري بين القديم منها والحديث
قبل دخول المحرك الآلي كان السقي يقوم على جهد المزارع مستعينا ببعض الحيوانات لاستخراج الماء من الآبار، وآلته في ذلك (الغرب) وهي الدلو العظيمة، يجرها (الناضح أو السانية) البعير أو غيره.
وقد تكون آلته في وقت لاحق (الدالية) وتجمع على الدوالي وهي الناعورة يحركها تيار الماء إذا كانت على نهر، أو تديرها الحيوانات إذا كانت على بئر.
وبعد استعمال الحيوان في النضح تفطن الإنسان إلى ما حوله من رياح قوية فاتخذ (دولاب الريح) ؛ وهو عبارة عن عجلة ذات مراوح يصدمها الريح فتدور حول نفسها وتحرك مضخة (تضخ الماء أي تمتصه وتدفعه إلى الخارج) .
والمستعمل اليوم مضخات دقيقة تحركها محركات مختلفة منها التي تشغل بالطاقة المستخرجة من النفط، ومنها التي تشغل بالطاقة الكهربائية.
وأصبحت للمضخات تقنية عالية، من ذلك (المضخات الغارقة) أي المضخات الكهربائية التي توضع في قعر الآبار مهما كان العمق، وهي ذات نجاعة، ولكنها ذات تكلفة عالية.
كما أن مجاري الماء والقنوات الموصلة إلى المزروعات تطورت من وقت لآخر، وأصبحت اليوم قنوات مختومة بآلات الرش (وهي آلات تدور ذات اليمين وذات الشمال وترش الماء إلى أعلى لينزل على المزروعات نزول المطر) .
وهنالك قنوات تعرف بقنوات (القطرة قطرة) ، وهي عبارة عن قنوات صغيرة القطر تمر كل قناة منها قريبا من الجذوع وأصول المزروعات وتغذي الأرض بالماء الكافي قطرة بعد أخرى، خلافا لما كان معتادا من تعبئة الأحواض التي حول المزروعات بكمية من الماء قد لا تدعو إليها حاجة. ويستلزم جهاز السقي (قطرة قطرة) جملة من المعدات الخاصة لتصفية الماء وضغطه وتعديل خروجه بالقدر المطلوب.
بين ما ذكرنا من وسائل الري القديمة والحديثة نلاحظ التطور الكبير الذي حصل في تقنيات الزراعة، ولا وجود لتطور بالمجان، بل لكل شيء ثمنه، ونتج عن ذلك أن ارتفعت النفقات الراجعة لمجال السقي وحده، فكانت على بابين:
1-
باب المقادير المالية المبذولة في شراء المحركات والمضخات والقنوات والمعدات الأخرى وفي بناء الخزانات والبرك والأحواض اللازمة. والأموال المدفوعة في هذه الآلات أو البناءات ليست معدودة من نفقات السقي ولا من نفقات الزراعة، وإنما هي نفقات تجهيز وثمن منشآت جديدة قيمتها باقية غير مستهلكة وغير ضائعة، بل تزيد في قيمة الضيعة أو الأرض التي جهزت بها.
2-
باب المقادير المالية التي تنفق في الصيانة والإصلاح وتعويض القطع التي أفسدها الاستعمال، وما إلى ذلك من النفقات التي محلها ما يستهلك ويتطلب التجديد أو التعويض أو الإصلاح كما قلنا، فهذه النفقات وما أشبهها معتبرة من مؤن السقي التي تنقل الواجب من العشر إلى نصف العشر تخفيفا على المزارع.
وفي هذا التفصيل يقول الإمام الخطابي (1) . رحمه الله مستعملا أمثلة من واقع عصره:
(وأما الزرع الذي يسقى بالقنى (2) . فالقياس على هذا أن ينظر، فإن كان لا مؤنة فيها أكثر من مؤنة الحفر الأول، وكسحها في بعض الأوقات، فسبيلها سبيل النهر، والسيح في وجوب العشر فيها، وإن كانت (أي القنى المبنية التي حلت محل المحفورة في التربة) تكثر مؤنتها بأن لا تزال تتداعى وتنهار، ويكثر نضوب مائها، فيحتاج إلى استحداث حفر: فسبيلها سبيل ماء الآبار التي ينزح منها بالسواني) (3) .، فقد رأينا أن الخطابي لا يعتبر وضع القنوات في حد ذاتها نفقة ثقيلة، وإنما الثقيل كثرة مؤنة إصلاحها عند التداعي والانهيار والنضوب.
(1)(هو حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي المتوفى سنة 388 هـ، الإمام الحجة في الفقه والحديث واللغة من أهل بست (بلاد كابل) ومن نسل زيد بن الخطاب (أخو عمر بن الخطاب) ؛ الذهبي، التذكرة: 3 /1018، عدد (950))
(2)
(القنى: مفرده قناة (مثل: حصى وحصاة)، انظر: المصباح المنير، مادة:(قنو))
(3)
(معالم السنن: 2/ 207، مطبعة أنصار السنة مع مختصر سنن أبي داود)
***
الفرق بين ما ينفقه المزارع من ماله وما يقترضه للإنفاق
ما ينفقه المزكي من ماله:
قد ينفق المزارع من ماله إذا كان ميسور الحال، ولا يحتاج إلى اقتراض، وليس الأمر كذلك في أغلب الأحوال.
وقد أسلفنا الحديث على ما ينفقه هذا المزارع، وما جاء من أقوال في مختلف المذاهب التي حددت ما رأته من أحكام في مسألة (حسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج الزكاة) ، وقد رجحنا هنالك ما بدا لنا أنه أوفق الأقوال لحاجة العصر وأكثرها استجابة لما يتطلبه وضع المزارعين من عون وتيسير وتشجيح على المواصلة، وهو قول الإمام عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه ومن معه من مشاهير العلماء أمثال: الحسن وسليمان بن يسار، وميمون بن مهران، والنخعي، والليث، والثوري، وإسحاق، كما عددهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) .
ومذهب عطاء هذا القائل: برفع النفقات من المحصول- بإطلاق- ثم إخراج الزكاة من الباقي إن بقي نصاب، وإلا فلا؛ هو الذي ارتضاه القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله، ووصفه بأنه الصحيح حين قال:(اختلف قول علمائنا: هل تحط المؤنة من المال المزكى وحينئذ تجب الزكاة؟ أو تكون مؤنة المال وخدمته حتى يصير حاصلا في حصة رب المال، وتؤخذ الزكاة من الرأس؟ والصحيح: أنها محسوبة، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عشره)(2) .
وكان هذا المذهب لعطاء والفقهاء الذين معه، والذي صححه القاضي ابن العربي هو ما رجحه الفقهاء المعاصرون في أحد مجامعهم العلمية (3) .
(1)(مجموع الفتاوى، ص25، 27 ط. مكتبة المعارف- الرباط- المغرب)
(2)
(عارضة الأحوذي: 3/ 143)
(3)
(بلغنا ذلك مشافهة عن إحدى ندوات (البركة) ؛ وإننا نرجو أن ترسل منشوراتها إلى خبراء مجمع الفقه الإسلامي للإعلام والإفادة، والله الموفق)
ما يقترضه المزارع للأنفاق:
إذا أنفق المزارع من اقتراض دعت إليه حاجته، وكان دينا صحيحا (كما هو الشأن في التعامل مع المؤسسات الحكومية والتعاونية أو مع المصارف المالية) فهل يجوز له أن يحسم ما عليه من دين من المحصول قبل الزكاة؟
الرأي المعتمد:
الذي يدعمه المنقول والمعقول- وإن خالفه العديد- هو ما نقله أبو عبيد عن ابن عمر، وطاوس، وعطاء، ومكحول، إذ قال:(إذا كان الدين صحيحا، قد علم أنه على رب الأرض فإنه لا صدقة عليه فيها، ولكنها تسقط عنه لدينه، كما قال ابن عمر، وطاوس، وعطاء ومكحول، ومع قولهم أيضا أنه موافق لاتباع السنة، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سن أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء فترد في الفقراء؟ وهذا الذي عليه دين يحيط بماله ولا مال له، هو من أهل الصدقة، فكيف تؤخذ منه الصدقة وهو من أهلها؟ أم كيف يجوز أن يكون غنيا فقيرا في حال واحدة؟ ومع هذا إنه من الغارمين: أحد الأصناف الثمانية، فقد استوجبها من جهتين)(1) .
وعلى هذا درج ابن قدامة حيث قال: (والرواية الثانية: لا تجب الزكاة فيها، ويمنع الدين وجوب الزكاة في الأموال كلها من الظاهرة والباطنة. ثم قال:.. لأن المدين محتاج، والصدقة إنما تجب على الأغنياء لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا صدقة إلا عن ظهر غنى)) ) (2) .
والظاهر أن الحكم يعم الدين سواء أنفقه على الزرع أو على الأهل؛ لأن المانع للزكاة والرافع لصفة الغنى هو مطلق الدين، لا خصوص الدين الذي ينفقه المدين على المزروعات، دون ما ينفقه على الأهل.
(1)(الأموال، ص 454- 455، برقم (1552))
(2)
(المغني:2 /687.)
- روى أبو عبيد عن جابر بن زيد قال: (في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه؟ قال: قال ابن عباس: (يقضي ما أنفق على أرضه وقال ابن عمر: يقضي ما أنفق على أرضه وأهله)(1) .
ونظيره ما رواه ابن قدامة عن الإمام أحمد حيث قال: (من استدان ما أنفق على زرعه واستدان ما أنفق على أهله، احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله، لأنه من مؤنة الزرع، وبهذا قال ابن عباس، وقال عبد الله بن عمر: يحتسب بالدينين جميعا ثم يخرج مما بعدهما)(2) .
أقول: إن سكوت ابن عباس رضي الله عنه عن حكم الدين ينفقه المدين على الأهل، قد لا يكون من باب المخالفة في الحكم في نفقة المدين على الأهل لما يراه ابن عمر، بل هو من باب الوقوف عند ذكر ما به الحاجة، أو من باب التوقف في الحكم لا المخالفة فيه.
وعند الإمام الخطابي رضي الله عنه قد يستدل من لا يرى على المديون زكاة بقوله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ لما بعثه إلى اليمن: ((
…
فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم
…
)) (3) . وذلك إذا لم يفضل بعد حسم الدين قدر نصاب، لأنه ليس بغني، إذ إخراج ماله مستحق للغرماء (4) .
قلت: وما ذهب إليه الخطابي من اعتبار مال الدين مستحق للغرماء، مخالف لمن يرون تقديم إخراج الواجب في الزكاة لأنه حق لله تعالى، على قضاء الدين الذي هو حق للعباد.
وكأن قضاء المدين دينه ليس فيه امتثال لأمر الله ووفاء بحقه على عباده فيما يأمرهم به، وقد أمرهم تعالى فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا} [المائدة: 1] .
(1)(الأموال، ص 453، برقم (1544)) )
(2)
(المغنى: 2 / 727)
(3)
(هو طرف من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، رواه الجماعة)
(4)
(الشوكاني؛ نيل الأوطار: 4 / 171، ط. دار الجيل- بيروت 1973 م)
في المذهب الحنبلي:
يحكى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه لا يرى وجوب الزكاة في مال المدين، وجاء عنه قول ابن قدامة (وحكي عن أحمد: أن الدين كله يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة، فعلى هذه الرواية يحسب كل دين عليه، ثم يخرج العشر مما بقي أن بلغ نصابا، وإن لم يبلغ نصابا فلا عشر فيه، وذلك لأن الواجب زكاة فمنع الدين وجوبها كزكاة الأموال الباطنة، ولأنه دين فمنع وجوب العشر) (1) .
والملاحظ أن هذه الرواية عن الإمام احمد توافق ما ذهب إليه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من أن المدين يحتسب بالدينين جميعا (أي ما أنفقه على زرعه، وما أنفقه على أهله) ثم يخرج مما بعدهما (أي إن كان فيما فضل بعدهما نصاب) .
وحكى الفخر ابن تيمية روايتين في ذلك، قال:
(من عليه دين حال، إذا لم يفضل له بعد الدين نصاب، لا زكاة عليه (2) . وهل يختص ذلك بالأموال الباطنة، أو تثبت فيها وفي الظاهرة؟ على روايتين- وإن كان الدين من ثمنها أو نفقتها، منع رواية واحدة) (3) .يعني: إن كان الدين ترتب بسبب نفقة أو ثمن ما وجبت فيه الزكاة من ماشية أو حرث: فإنه يمنع الزكاة رواية واحدة.
(1)(المغني: 2/ 727)
(2)
(بلغة الساغب، س 108، تحقيق د. بكر أبو زيد، ط. دار العاصمة- الرياض 1417هـ /1997 م)
(3)
(بلغة الساغب، س 108، تحقيق د. بكر أبو زيد، ط. دار العاصمة- الرياض 1417هـ /1997 م)
في المذهب الحنفي:
جاء في الفتاوى الخانية ما نصه:
(الدين يمنع الزكاة إذا كان مطالبا من جهة العباد، كالقرض، وثمن المبيع، وضمان المتلف، وأرش الجراحة، ومهر المرأة، سواء كان الدين من منقود أو من مكيل، أو موزون، أو الثياب أو الحيوان، وجب بنكاح، أو خلع، أو صلح، عن دم عمدا، وهو حال أو آجل.
فإن كان المال فاضلا عن الدين، كان عليه زكاة الفاضل إذا بلغ النصاب) (1) .
- ولا يبعد عن ذلك ما جاء في الفتاوى الهندية إذ تقول:
(ومنها (أي من شروط الزكاة) الفراغ عن الدين
…
) ثم يقول: (كل دين له مطالب من جهة العباد يمنع وجوب الزكاة، سواء كان الدين للعباد كالقرض، وثمن البيع
…
إلخ) . ثم يبين الدين الذي لا يمنع الزكاة فيقول:
(وكل دين لا مطالب له من جهة العباد، كديون الله تعالى من: النذور والكفارات، وصدقة الفطر، ووجوب الحج، لا يمنع، كذا في محيط السرخسي)(2) .
وليس يختلف صاحب الهداية عما جاء في كتب الفتاوى، إذ يقول: (من كان عليه دين يحيط بماله فلا زكاة عليه، وقال الشافعي رحمه الله: تجب بتحقق السبب وهو ملك نصاب تام.
ولنا: أنه مشغول بحاجته الأصلية، فاعتبر معدوما كالماء المستحق بالعطش، وثياب البذلة والمهنة، وإن كان ماله أكثر من دينه زكى الفاضل إذا بلغ النصاب، لفراغه عن الحاجة.
(1)(الفتاوى الخانية: 1 /254 على هامش الهندية، ط. دار صادر- بيروت 1411هـ / 1991)
(2)
(الفتاوى الهندية:11/ 173 (نفس الطبعة))
والمراد به دين له مطالب من جهة العباد، حتى لا يمنع دين النذور والكفارة، ودين الزكاة مانع حال بقاء النصاب، لأنه ينتقص به النصاب) (1) .
وجاء في الموطأ (رواية محمد) : أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري عن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان كان يقول:(هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه، حتى تحصل أموالكم، فتؤدوا منها الزكاة) .
قال محمد: (وبهذا نأخذ، من كان عليه دين، وله مال، فليدفع دينه من ماله، فإن بقي بعد ذلك ما تجب فيه الزكاة، ففيه الزكاة، وتلك مائتا درهم أو عشرون مثقالا ذهبا فصاعدا، وإن كان الذي بقي أقل من ذلك بعدما يدفع من ماله الدين، فليست فيه الزكاة. وهو قول أبي حنيفة)(2) .
وخلاصة المذهب الحنفي: أن الدين يمنع زكاة المال لا الحرث، بعلة ما روي أن السعاة من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده كانوا يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون صاحبها هل عليه دين؟ فدل ذلك على أن الدين لا يمنع زكاتها، ولذا قال أبو حنيفة، كما حكاه التهانوي:(إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة في الزرع والثمار عند أبي حنيفة، فإن السعاة كانوا يأخذون زكاة ما يجدون، ولا يسألون عما على صاحبها من الدين، فدل على أنه لا يمنع زكاتها)(3) .
(1)(المرغيناني، الهداية)
(2)
(موطأ الإمام مالك، برواية محمد بن الحسن الشيباني، ص 114، برقم (323) ، ط. دار القلم- بيروت)
(3)
(إعلاء السنن: 9/ 11، منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية- كراتشي)
(وخالف الصاحبان إمامهما: فجعلا ما على المزكي من دين في كل ما تجب الزكاة، ونسب هذا القول لغيث بن سعد وسفيان الثوري، وخالف زفر إذ قال: لا يجعل دين الزرع إلا في الزرع، والماشية إلا في الماشية، والعين إلا في العين. حكى ذلك ابن حزم)(1) .
قلت: ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يدعو إلى التوقف، إذ كيف لا يمنع الدين زكاة الزرع والثمار، بعلة: أن السعاة لا يسألون المزكي هل عليه دين؟ ويمنع الدين عنده زكاة الماشية مع قيام نفس العلة فيها.
في المذهب الشافعي:
يرى الإمام الشافعي أن المقدار المخرج في الزكاة هو مال مستحق للغير، لا يجوز لمن تحت يده هذا المال التصرف فيه، مثل قضاء دينه منه، لذا نجده يقول: (إذا أوجب- عز وجل عليه الزكاة في ماله، فقد أخرج الزكاة من ماله إلى من جعلها له، فلا يجوز عندي- والله أعلم- إلا أن يكون كَمَالٍ كان في يده، فاستحق بعضه، فيعطي الذي استحقه ويقضي دينه من شيء إن بقي له
…
(ويضيف- رحمه الله) : وهكذا هذا في الذهب والوَرِق والزرع والثمرة والماشية كلها، ولا يجوز أن يخالف بينها بحال، لأن كلا مما قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في كله إذا بلغ ما وصف صلى الله عليه وسلم الصدقة) (2) .
وفصَّل الإمام أبو إسحاق الشيرازي مذهب الإمام الشافعي فقال: (
…
إن كان له ماشية أو غيرها من أموال الزكاة، وعليه دين يستغرقه أو ينقص المال على النصاب ففيه قولان:
قال في القديم: لا تجب الزكاة فيه، لأن ملكه غير مستقر، ولأنه ربما أخذه الحاكم بحق الغرماء فيه.
وقال في الجديد: تجب فيه الزكاة، لأن الزكاة تتعلق بالعين، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع أحدهما الآخر) كالدين وأرش الجناية) (3) .
(1)(المحلى: 6/ 102، برقم (695))
(2)
(كتاب الأم: 2/ 54، ط. دار الفكر- بيروت سنة 1403 هـ/ 1983 م)
(3)
(المهذب: 1 / 149، ط. دار المعرفة- بيروت سنة 1379 هـ/ 1959 م)
في المذهب الظاهري:
لا يختلف المذهب الظاهري عما ذهب إليه الشافعي في (الجديد. قال الإمام ابن حزم:) إسقاط الدين زكاة ما بيد المدين، لم يأت به قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا إجماع، بل جاءت السنن بخلاف ذلك) (1) .
في المذهب الإباضي:
يرى بعض فقهاء الإباضية ما يراه الشافعي في (الجديد) ، معللين بأن الدين والزكاة حقان واجبان لا يسقط أحدهما الآخر، وبأن الزكاة بمنزلة الشريك، والشريك أولى من الغريم، وبالإجماع لا حق للغريم في نصيب الشريك.
وذهب أكثر فقهاء الإباضية إلى أن الدين يرفع الزكاة مطلقا، سواء كان من جنسها أو من غيره، والقول بهذا هو الذي نسبه ابن المنذر إلى: سليمان بن يسار، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وميمون بن مهران، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وغيرهم (2) .
ويحكي الشيخ محمد أطفيش نفس الخلاف بين علماء مذهبه (3) .
في المذهب المالكي:
لا يمنع الدين الزكاة عند مالك وأصحابه في الحرث والماشية، ويمنع في الناض فقط، بشرط ألا يكون له عروض فيها وفاء بدينه، ومثل العروض المقتناة التي يجعل فيها الدين قبل جعله في الناض الحيوانات المقتناة، والعقار، كما جاء عن بعض المالكية منهم عبد الله بن أبي زيد القيرواني (4) .
(1)(المحلى: 6/ 102، برقم (695))
(2)
(عبد الله السالمي، معارج الآمال، ص 15، 61، 63، ط. وزارة التراث- عمان سنة 1404 هـ/1984 م)
(3)
(الشيخ أطفيش، شرح النيل، ص 3، 12، 13، ط. مكتبة الإرشاد-جدة سنة 1405 هـ/ 1985م)
(4)
(المدونة، ص 1، 271، 272، 282، ط. دار الفكر- بيروت سنة 1398 هـ/ 1978م؛ الرسالة، ص 167، ط. دار الغرب الإسلامي- بيروت سنة 1406هـ/ 1986 م؛ الذخيرة: 3/ 42، ط. دار الغرب الإسلامي- بيروت سنة 1994م؛ أقرب المسالك (الشرح الصغير) : 1 / 647، ط. دولة الإمارات سنة 1410هـ/ 1989 م)
ولخص ابن رشد - رحمه الله تعالى- رأي المذاهب في المسألة، وعقَّبَ على ذلك بذكر ما يراه الأقرب والأشبه بمقصد الشرع وغرضه في الموضوع فقال:
(وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أموالهم، أو تستغرق ما يجب فيه الزكاة من أموالهم، وبأيديهم أموال تجب فيها الزكاة، فإنهم اختلفوا في ذلك:
فقال قوم: لا زكاة في المال حبا كان أو غيره، حتى تخرج منه الديون
…
وبه قال الثوري، وأبو ثور، وابن المبارك، وجماعة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: الدين لا يمنع زكاة الحبوب، ويمنع سواها.
وقال مالك: الدين يمنع زكاة الناض فقط، إلا أن يكون له عروض فيها وفاء من دينه، فإنه لا يمنع.
وقال قوم بمقابل القول الأول وهو: أن الدين لا يمنع الزكاة أصلا.
وسبب اختلافهم: هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين؟
من قال: حق للمساكين، قال: حق صاحب الدين مقدم لأنه الأسبق.
ومن قال: عبادة فيها حق الله، قال: هو المقدم على حق العباد، وحينئذ لا يمنع الدين الزكاة، وحق الله أحق أن يقضى) .
ثم قال ابن رشد: (والأشبه بغرض الشرع: إسقاط الزكاة عن المدين لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم)) (أخرجه الشيخان وغيرهما) والمدين ليس بغني) .
ويضيف ابن رشد رحمه الله : (وأما من فرق بين الحبوب وغير الحبوب وبين الناض وغير الناض، فلا أعلم له شبهة بينة)(1) .
(1)(بداية المجتهد: 1/ 336- 367، ط. دار الكتب العلمية- بيروت سنة 1420هـ / 2000م)
هل تشمل النففات الأدوات والآلات (مثل الجرارات والحاصدات) ؟:
عند بيان المقصود من نفقات الزراعة- فيما تقدم- اخترنا أن يكون التفريق بين ما يدخل في النفقات الزراعية وبين ما لا يدخل، قاعدة التمييز بين ما هو مجعول من الأدوات والآلات للاستهلاك ويتجدد شراؤه بتجدد الاستعمال (ولا يزيد شيئا في قيمة الأرض ولا في قيمة التجهيزات التي عليها) مثل: قطع الغيار والحبال والأكياس وأدوات التشذيب ورش العقاقير وغيرها، وبين الآلات والمعدات ذات القيمة والتي يدوم استعمالها لعدة سنوات، وقد يكون لعشرات السنين، ووجودها في الضيعة يضيف قيمة على قيمتها الأصلية، فهذه لا تدخل في النفقات، وإنما هي من التجهيزات التي تتطلب نفقات لتجديد بعض قطعها وصيانتها، فثمنها ليس من النفقات، بخلاف ما ينفق في الصيانة والإصلاحات والمحروقات التي تشغل بها، فإنها من النفقات، وباعتبار هذه الآلات من التجهيزات وليست من النفقات فإنها لا تحسم من المحصول قبل إخراج الزكاة، هذا إذا دفع المزارع ثمنها من ماله نقدا، وأما إذا اقتناها من قرض اقترضه، فإن المسألة ترجع لما أسلفا قريبا في حكم الدين هل يسقط الزكاة عن المدين؟
هل تشمل النفقات تكاليف النقل؟
بدون النقل يبقى كل شيء في مكانه وتتوقف الحياة، ولا نقل بدون أجر ونفقات يحتسبها أحد الأطراف في ثمن الكلفة، هذا عند توصيل البضاعة إلى المستهلك أو إلى التاجر القريب منه، وعند تولي نقلها من مصدرها الأول مثل: المصنع أو الحقل أو المنجم أو غير ذلك، ولا بد من نفقات، ولا تشذ الزراعة عن ذلك أبدا.
والنقل منها أو إليها واقع في الاتجاهين: ينقل الزارع محصوله إلى المروج أو إلى المستهلك، وينقل إلى مزرعته ما يلزم من بذور وأسمدة وأدوية وغيرها، مستعملا في ذلك وسائله الخاصة، وفيها نفقات لا يستهان بها، أو وسائل على ملك الغير بأجور متفق عليها، وبالجملة فإن تكاليف النقل معتبرة في كل المجالات - وبصورة عادية - من النفقات، فلا يستثنى من ذلك مجال الزراعة. وفي مجال الزراعة، لا خصوصية لتكاليف النقل بين سائر التكاليف الأخرى، بل ما جرى على المثل يجري على المماثل، وإلا وقعنا في التحكم المرفوض.
وقد سبق أن رجحنا العمل بحسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج الزكاة، ونضيف هنا بكل اختصار: إن تكاليف النقل معدودة من النفقات، ولا وجه للخلاف في ذلك.
***
كيفية حسم النفقات من أعيان المحاصيل أو قيمتها
العادة في الإنفاق أن يكون من النقود، والأصل في الزكاة أن تكون من أعيان الأموال الواجبة فيها، والمراد بالإنفاق هنا، غير نفقات السقى. وإذا سرنا على المذهب الأيسر والأشبه بغرض الشارع والذي يرى حسم النفقات والديون من المحاصيل قبل إخراج الزكاة، يتعين التتبيه إلى أمر مهم يتعلق بالتداخل الذي يحصل أحيانا بين النفقات والديون.
فقد ينفق المزارع من ماله ولا ديون عليه، وحينئذ يرفع ما أنفق من كامل المحصول ويزكي ما بقي إن كان نصابا.
وقد ينفق من دين ولم ينفق من سوى الدين، وعندها يستوي الأمران يعني رفع الدين ورفع النفقات، لأنهما شيء واحد.
وإذا أنفق من دين، وأنفق من ماله أيضا، هنا يقع التداخل، ويتعين الضبط والتجديد، لئلا يقع تكرار الحسم لشيء واحد تحت اسمين مختلفين، فيتعين هنا حسم النفقات وحسم الدين باستثناء ما تعلق منه بالنفقات، وبعد تحديد النفقات والديون (دون تكرار ولا تداخل) تأتي كيفية الحسم على النمط الآتي:
يحول المبلغ المالي للنفقات والديون إلى وحدات من جنس المحصول، مثلا: إذا كانت النفقات والديون- على سبيل الفرض- مجموعها يساوي ألف دينار (1000 د) ، وقنطار القمح من المحصول يساوي عشرين دينارا (20 د)، أدركنا أن (الألف دينار) يقابلها من المحصول: 1000 / 20 = 50 قنطارا، فيحسم من المحصول كاملا:(50) قنطارا من القمح (مقابل الدين ونفقات غير السقي) ، والباقي هو المقدار الصافي الذي تجب فيه الزكاة إن كان نصابا.
إذا تم ما ذكرنا وجاء دور إخراج الزكاة ننظر هنا فقط- وليس قبل الآن- إلى نفقات السقي، فإن كانت ثقيلة وذات بال كما هو الشأن في الزراعات السقوية، يكون الواجب إخراجه: نصف العشر (5 %) ، وإن كان غير ذلك، فالواجب هو العشر (10 %) .
هذا إذا كان الإخراج من عين المحصول، ورفع النفقات والدين كذلك.
أما القيمة: سواء في إخراج الواجب بعنوان الزكاة أو في حسم ما أجمله من المؤن والنفقات والديون، فقد أفتى بها الفقهاء قديما وحديثا:
قال سحنون في مسألة (ما أخذ الساعي في قيمة زكاة الماشية) قال: أو سمعت مالكا قال في رجل أجبر قوما- وكان ساعيا- على أن يأخذ منهم دراهم فيما وجب عليهم من صدقتهم؛ (فقال) : أرجو أن تجزئ عنهم، إذا كان فيها وفاء لقيمة ما وجب عليهم، وكانت عند محلها، وإنما أجزأ ذلك لأن الليث بن سعد ذكره عن يحيى بن سعيد، أنه كان يقول: مِنَ الناس من يكره اشتراء صدقة ماله، ومنهم من لا يرى به بأسا (قال سحنون: فكيف بمن أكره؟!) (1) .
وفي البخاري: قال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس (2) . في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة (3) .
ومن الفتاوى المعاصرة ما أجاب به شيخ الإسلام محمد الطاهر بن عاشور التونسي عن سؤال ورد عليه ومفاده:
هل يجزئ إخراج الدراهم نقدا عن المقدار الواجب في زكاة الحبوب؟ فأجاب رحمه الله :
إن الأصل هو أن تدفع الزكاة من عين ما وجبت فيه، لكن إذا المزكي دفع القيمة، كما هو واقع في دفع العشر عندنا بتونس، فذلك مجزئ، كما في (المدونة) .
على أن ابن القاسم روى عنه صاحباه: أبو زيد بن أبي الغمر، وعيسى بن دينار أنه يجزئ إخراج الثمن نقدا بدلا عن الحبوب والأنعام، دون العكس، ولو بدون جبر، إلا أنه رآه مكروها.
وفي هذه الرواية توسعة على الناس اليوم (4) .
(1)(المدونة الكبرى: 1/ 282-283)
(2)
(العرض: ما سوى العين. الخميصة: كساء أسود مربع له علمان، فإن لم يكن معلما فليس خميصة (كما جاء به لسان العرب)، وإن لم يكن من خز وصوف فليس خميصة كذلك (كما جاء في المصباح المنير) ؛ واللبيس: الثوب يلبس كثيرا)
(3)
(انظر: كتاب الزكاة، باب (33) الغرض في الزكاة، الأموال، ص 387، برقم (1199))
(4)
(مجلة: الهداية، سنة 3، عدد (1) ، ص 20، تونس: رمضان سنة 1395 هـ/ أكتوبر 1975 م)
المحور الثاني
زكاة الأسهم
تحت هذا العنوان عرضت أمانة المجمع المحترمة قضية (زكاة الأسهم في الشركات) احتسابا لما صدر عن الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة، وذلك في الكويت.
وما صدر عن هذه الندوة هو مسبوق بما صدر عن المجمع الموقر في القرار رقم: 28 (3/ 4) بشأن زكاة الأسهم في الشركات.
ورغم أن أمانة المجمع المحترمة لم تطلب من الباحثين ولم تحدد رغبتها في الموضوع المعروض إلا أن الأمر لا يخرج عن المراجعة والتأمل وإبداء الرأي في حصيلة القرارين.
وبالتأمل في القرار العلمي المجمعي نجده يشتمل على:
الفقرة الأولى:
في وجوب إخراج زكاة الأسهم، وأمر تولي الشركات القيام بذلك.
الفقرة الثانية:
في كيفية إخراج زكاة الأسهم من طرف الشركات كما لو تولاها أشخاص طبيعيون، مع الأخذ بمبدأ الخلطة (عند من عممه من الفقهاء في جميع الأحوال) مع طرح الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة.
الفقرة الثالثة:
في تولي المساهمين زكاة أسهمهم إذا لم تزكها الشركات، ويتطلب ذلك وقوف المساهمين على الحسابات التي تخص أسهمهم ليؤدوا زكاتها كما كانت الشركة تفعل.
وإذا لم يستطع معرفة ما يخص أسهمه، فالحكم في التفصيل الآتي:
إنْ ساهم بقصد استثمار الأسهم والاستفادة من ريعها السنوي فإنه يزكيها (أي الأسهم التي على ملكه) زكاة المستغلات (طبقا لما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية: قرار رقم: 2 (2/ 2) بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية) .
فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع في مقدار (2.5 %) بعد مرور الحول، ومع توفر الشروط وانتفاء الموانع.
وإذا كان ساهم بقصد التجارة بالأسهم، زكاها كزكاة عروض التجارة، يعني إذا حال الحول يقوم ما يملك من الأسهم قيمة السوق أو قيمة الخبراء إن لم تكن قيمة سوقية، ويضيف الأرباح، ويخرج من الكل نسبة (2.5 %) .
الفقرة الرابعة:
من باع ما يملك من الأسهم، يضم ثمنها إلى ماله ويزكي الكل.
من اشترى أسهما يزكيها إذا حال عليها الحول على نحو ما سلف.
- ما أستخلصه من قرار المجمع المحترم رقم: 28 (3/4) الذي نحن بصدده، الملاحظات التالية:
1-
إن أسهم الشركات على نوعين:
أ- أسهم يقصد منها الاستغلال والاستفادة من ريعها.
ب- وأسهم يقصد منها أساسا الاتجار وبيعها عند ارتفاع الأسعار، وإن كانت لا تخلو هي من ريع غير مقصود.
وكلا النوعين لم يرد إلا في الفقرة الثالثة من قرار مجمعنا المحترم دون الفقرتين الأولى والثانية، وإن تحدثنا على زكاة الأسهم التي تتولاها الشركات بالوكالة من المساهمين فيها.
التخريج كما أراه: لا أعتبر ما خلت منه الفقرتان الأوليان من تقسيم للأسهم إلى قسمين (أسهم بقصد الانتفاع، وأخرى بقصد التجارة) نقصا في صياغة القرار ولا إجحافا بالبيان، وإنما هو من حمل المجمل السابق في الفقرتين الأوليين على المبين اللاحق في الفقرة الثالثة من القرار.
وأساليب التقنين كما هو معلوم تعتمد الإشارة وترفض الإطالة، لأنها من شأن الشروح والدروس.
2-
تقسيم الموجودات التي تتكون منها الأسهم المقتناة بقصد الاستفادة إلى موجودات غير زكوية، وإلى موجودات زكوية، أخاله أمرا مستحدثا ومكتشفا جديدا جاءت به الندوة الحادية عشرة بالكويت لقضايا الزكاة المعاصرة.
وكان من الحق على الشركات الحريصة على التكييف الشرعي لمختلف أنواع المعاملات التي تمارسها، أن تقدم البيانات الكافية من الواقع المطبق، أو المنتظر أن يدخل حيز التطبيق حتى يتمكن المجمع المحترم من إصدار قراراته التي تغطي المستحدثات، وتسد حاجة المتشوفين إلى الالتزام بأحكام الشرع الإسلامي.
تبقى قضية (تكييف الحكم في الموجودات الزكوية ضمن الأسهم المقصودة للانتفاع دون التجارة) تحتاج إلى بيان وتصوير وتمثيل، وستأتي بعد استعراض ما صدر عن الندوة الحادية عشرة.
ما أسفرت عنه الندوة الحادية عشرة بالكويت:
وبالتأمل فيما أسفرت عنه الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت، نجد ما يلي:
أ- أنها تفطنت إلى ما سمته (الموجودات الزكوية) التي ترجع إلى أسهم الاستفادة (التي نص القرار المجمعي على تزكية ريعها دون الأصل) .
ب- وأن هذه الموجودات لا إشكال في تزكيتها إن كانت معلومة ومحددة وهذا لا ينافيه القرار المجمعي وإن لم ينص عليه بالمنطوق.
جـ- وأن أمر تزكية هذه الموجودات الزكوية يتوقف على معرفتها من بين حسابات الشركة، وحينئذ فالأمر واضح إذا قدمت الشركة لحرفائها مقادير هذه الموجودات جملة، والمقدار الذي ينوب كل سهم من الأسهم، فتكون زكاتها بنسبة ربع العشر (2.5 %) .
د- وإن التوقف الذي حصل، وترتب عليه اختلاف في الاجتهاد، كان في صورة ما إذا جهل مالك الأسهم ما يخص أسهمه من تلكم الموجودات الزكوية، وجهله بما ينوب أسهمه منها لا يقوم عذرا شرعيا تسقط بموجبه الزكاة، كما أن تزكية الريع لا تغني عن تزكية هذه الموجودات.
هـ- وأن الندوة حين توقفت في زكاة الموجودات الزكوية المذكورة اجتهدت رأيها فلم تتفق، وكانت الأقوال الثلاثة الآتية:
القول الأول:
يرى أصحابه اللجوء إلى التحري لتقدير ما يخص الأسهم من هذه الموجودات.
والعمل بغلبة الظن عند تعذر اليقين، وإخراج الزكاة بما يبرئ الذمة ولو بغير دليل، قياسا على من عجز عن معرفة جهة القبلة.
قلت: لا أرى هذا، لأن فيه قياس الزكاة (وهي ركن) على شرط استقبال القبلة في الصلاة، وهو شرط ساقط مع عدم القدرة، ومن جهل القبلة فصلى بالاجتهاد فلا إعادة عليه ولو تبين يقين الخطأ (1) .، وإنما لم يطالب بالإعادة لأنه فعل ما ينبغي في حقه ولم يترك التوجه بصلاته إلى الخالق تعالى وهو القائل:
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] .
بخلاف الزكاة فليس لها بديل، والتحري لا يرفع مسؤولية المزكي، بدليل أنه لو تبين خطؤه لوجب إكمال الناقص الذي لم يؤده.
(1)(رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، ص 28؛بلغة الساغب، ص 66)
وبالجملة لا أرى في هذا القياس وصفا جامعا ولا علة مشتركة بين المقيس والمقيس عليه.
القول الثاني:
يرى أصحابه اعتبار (أسهم الاستفادة) مثل (أسهم الاتجار) وإخراج ربع العشر من قيمتها السوقية، بناء- في رأيهم- على أن أصحاب هذه الأسهم يدخر أغلبهم نية بيعها إذا ارتفعت أسعارها، وبناء أيضا على أن هذا هو الأحوط في الدين والإحسان للفقراء.
قلت: لا أرى هذا تكييفا للمسألة، بقدر ما هو لجوء إلى رفع الإشكال بمثله، ألا يفضي هذا إلى جعل القسمين من أسهم الشركات قسما واحدا؟ وهو أسهم الاتجار لا غير، كما يفض إلى إدخال الزكاة فيما لا زكاة فيه من العقارات وأراضي الإيجار، ولا أحب أن أزيد من بيان غرابة هذا القول.
القول الثالث:
يرى أصحاب هذا القول أنه يجب على أصحاب هذه الأسهم تزكية ثمنها عند بيعها فور قبضه من غير حولان الحول عليها، كبضاعة التاجر المحتكر عند الإمام مالك، ولأن ما تمثله من قيم مالية لا يقل عما تمثله الديون غير المرجوة.
قلت: الذي يقوم مقام الحول في العروض المحتكرة (المخزونة) هو النض، أي بداية بيع العروض بالمال، وإنهاء عملية الخزن بالنسبة لتلك البضاعة.
وتبقى عروض المحتكر ما بقيت تحت الخزن، لا تجب فيها الزكاة، للقاعدة المطبقة في الزكاة وهي أنه لا زكاة فيما لا نماء فيه مثل عروض القنية، فهي للاستعمال والاستهلاك، وكلاهما للنقص وليس للنماء.
ولا شبه للأموال الراجعة للأسهم بعروض المحتكر، لأن أموال الأسهم لم تجمد ولم تعطل بالاحتكار والخزن.
فالقول بتزكية ثمن الأسهم عند بيعها فور قبض الثمن قياسا على زكاة عروض المحتكر عند مالك رحمه الله ليس قياسا ولا تشبيها، لانعدام وجه الشبه.
والقول بأن ما تمثله الأسهم من قيم مالية لا يقل عما تمثله الديون غير المرجوة أو الظنونة أو الضمار هو تشبيه الموثوق بالمشكوك، لإلباس الموثوق حكم المشكوك، وهذا غير جائز.
والذي أراه:
أولأ: أن قضية (الموجودات الزكوية) الراجعة إلى أسهم الاستفادة تبدو وكأنها من فقه الأرأيتيين الذي يبدأ السؤال فيه عادة بقول السائل: (أرأيتم لو حدث كذا
…
إلخ؟) وكان الإمام مالك (رحمه الله تعالى) يجيب أصحابها دون انتظار: دعها حتى تقع.
وهل حدث بالفعل أن شركة من الشركات المعاصرة تجهل ما في حوزتها من موجودات زكوية وغير زكوية، وأن شيئا مما يرجع لأسهم المساهمين فيها قل أو أكثر لا تمسكه دفاتر المحاسبات، أو قوائم الموازنات أو الوثائق المسجلة؟
وهل حدث بالفعل أن سأل أحد المساهمين عن النصيب الراجع إليه من الشركة التي يمتلك بعضها، فقالوا له: الله اعلم!؟
هل يصدق الواقع في هذا العصر- الذي انتشرت فيه الأجهزة الإعلامية حتى أضحت لعبة عادية بين أيدي الأطفال- أن يقف المريد لزكاة أمواله الموثقة حيران أسفا لأنه يجهل ما ينوب أسهمه من (الموجودات الزكوية) في الشركة؟ ويستمر على جهله دون حيلة سوى التوجه إلى مجمع من المجامع الفقهية طلبا للفتوى وللتكييف الشرعي.
ثانيا: وعلى فرض حدوث هذا الأمر- الذي يحمل على الاستغراب- وجهل مالك الأسهم ما ينوب أسهمه من (الموجودات الزكوية) في الشركة: فإن الحل لا يدعو إلى تأصيل حكم مستنبط أو مقيس، وإنما إلى ما يركن إليه بداءة، وهو التطبيق لما هو موجود من القواعد والأحكام:
أ- الجاهل لنصيبه من (الموجودات الزكوية) لا تسقط الزكاة في حقه ما دام مسلما، وما دامت الشروط العامة المشترطة في المال الذي تجب فيه الزكاة هي متوفرة في ماله هذا، وهي على الإجمال: الملك التام- بلوغ النصاب- الفضل عن الحوائج الأصلية- السلامة من الدين- حولان الحول.
ب- شرط الملك التام إذا اختل، قد يختل بلا رجعة مثل تلف المال بعامل طبيعي كالذي أكلته النار، فلا زكاة فيه إلا إن كان ما حصل سببه تفريط من صاحب المال فعليه غرم نصيب الزكاة.
وقد يختل الملك التام ببقاء المُلك وفقدان التصرف كالذي أقرض المال أو قارض به، كَمَالِ الدين، ومال المضاربة، ومال الأسهم في الشركات.
وما نحن فيه من (موجودات زكوية) هو من مال الأسهم في الشركات: الملك باق لا منازع فيه، والتصرف بيد الشركة.
جـ- لا أحد يقول بانتفاء الزكاة عن مال القرض أو القراض أو الدين المضمون أو الأسهم في الشركات.
وكل ما في الأمر إذا حصل مانع من المبادرة إلى إخراج الواجب إخراجه في المال كالجهل بالمقدار (في صورتنا هذه) فإن الأداء يتأخر إلى ما بعد زوال المانع ولو بعد موت المزكي؛ إذ يطلب من ورثته أداء هذا الحق.
وعليه، بدل البحث على البديل المظنون، والظن لا يغني من الحق شيئا، نبحث عن اليقين الذي بين أيدينا وهو الأيسر والأدعى إلى اطمئنان النفس فيما أرى، والله أعلم.
المحور الثالث
زكاة الديون
1-
تقسيم الديون بالنسبة للزكاة:
لو استعرضنا جملة المذاهب الفقهية، لوجدناها تقسم الديون إلى أقسام عدة باعتبارات مختلفة، لا مجال لتفصيلها هنا، وإنما نجملها فيما يلي:
أ- تقسيم الدين باعتبار وقت الوفاء به:
- دين حال.
- دين مؤجل.
- دين ترتب من قرض (ويعتبر عند الجمهور دينا حالا، وهو عند فقهاء المالكية دين مؤجل إذا شرط فيه الأجل)(1) .
ب- تقسيم الدين باعتبار قدرة المدين على الوفاء:
- الدين الذي يرتجى قبضه.
- الدين غير المرجو (ويسمى الظنون والمشكوك والضمار) .
جـ- تقسيم الدين باعتبار قوته وضعفه (وهو تقسيم للحنفية) :
- دين قوي (ما كان بدلا من مال زكوي مثل: القرض العين، وثمن عرض التجارة) .
- دين وسط (ما كان بدل عرض قنية، ثمن دار أو متاع لا زكاة فيه، لأنه مستغرق بالحاجة الأصلية) .
(1)(ابن شاس، عقد الجواهر الثمينة: 2/ 565)
- دين ضعيف (مثل المهر والدية) .
د- تقسيم الدين باعتبار تجارة التاجر (وهو تقسيم اختص به فقهاء المالكية) :
- دين عن تجارة التاجر المدير.
- دين عن تجارة التاجر المحتكر.
وفي طليعة هذه التقاسيم المبثوثة في كتب المذاهب الفقهية، نجد التقسيم الذي اختاره أبو عبيد رحمه الله في كتابه الأموال: حيث تكلم على الدين سواء كان من تجارة أو من غير تجارة باعتبار ما صدر عن السلف من أوجه الفتيا التي جمعها في خمسة أوجه:
أولها: أن زكاة الدين إذا كان على الأملياء مع الدين الحاضر.
ولأبي عبيد في هذه الفتيا مرويات من عمل عمر، ومن أقوال عثمان، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وجابر بن زيد، ومجاهد، ويختم بما يرويه عن ميمون بن مهران أنه قال:(إذا حلت عليك الزكاة فانظر إلى كل مالك، وكل دين في ملاءة فاحسبه، ثم ألق ما عليك من الدين، ثم زك ما بقي)(1) .
الثاني: أن تؤخر زكاته حتى يقبض، ثم يزكى بعد القبض، لما مضى من السنين.
وفي ذلك يروي أبو عبيد بسنده عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي في الدين الظنون قال: (إن كان صادقا فليزكه إذا قبضه لما مضى)، وعن ابن عباس قال في الدين:(إذا لم ترجُ أخذه فلا تزكه حتى تأخذه، فإذا أخذته فزك عنه ما عليه)(2) .
الثالث: أن يزكى الدين بعد قبضه زكاة واحدة. وهذا القول هو المروي عن الحسن قال: (إذا كان للرجل دين حيث لا يرجوه فأخذه بعد؛ فليؤد زكاته سنة واحدة) وبمثله كتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران (3) .
الرابع: أن يزكي المدين ما عليه من دين، ولا يزكي رب الدين المالك له، فعن إبراهيم، في الدين الذي يمطله صاحبه ويحبسه، قال:(زكاته على الذي يأكل مهنأه)(4) .
الخامس: وهو القول الذي يرى إسقاط الزكاة في الدين البتة، فلا تجب على واحد منهما، وإن كان هذا الدين على ثقة مليء.
فقد روى أبو عبيد بسنده عن عكرمة قوله: (ليس في الدين زكاة)، وعن عطاء:(لا يزكي الذي عليه الدين، ولا يزكيه صاحبه حتى يقبضه) .
(1)(الأموال، ص 389- 390، برقم (1211- 1219)
(2)
(الأموال، ص 390، برقم (1220- 1222)
(3)
(الأموال، ص390، برقم (1223- 1226))
(4)
(الأموال، ص 391، برقم (1229- 1232))
2-
آراء الفقهاء في زكاة الديون:
تعددت الأقوال المروية عن فقهاء المذاهب في زكاة الدين، ونحاول تلخيصها فيما يلي:
القول الأول: وهو ما سبقت الإشارة إليه في الفتاوى الخمس التي ذكرها أبو عبيد في كتابه الأموال، وهو القول القائل:(لا زكاة في الدين مطلقا على كل من الدائن والمدين)(1) .
والعلة المعتمدة في ذلك هي:
أ- أن الدين غير نامٍ فلا زكاة فيه مثل عروض القنية.
ب- أن ملكية الدين غير تامة سواء بالنسبة للدائن أو المدين، ولا زكاة في مال لا يملكه صاحبه ملكا تاما.
القول الثاني: إذا كان الدين على مليء غير منكر له، فيجب على الدائن أن يعجل زكاته مع بقية ماله، فهذا الدين بمثابة الوديعة (2) .
القول الثالث: تجب الزكاة على الدائن في الدين المؤجل مطلقا لجميع السنوات الفائتة، ويكون الإخراج عند القبض، وقيل: يستأنف به الحول بعد القبض (3) .
القول الرابع: تجب الزكاة في الدين المؤجل على المليء الباذل له، ولا يلزم بإخراجها حتى يقبض الدين، وهو المروي عن علي رضي الله عنه وبه قال الثوري وأبو ثور والحنفية، وقيل: عليه إخراج الزكاة في الحال دون انتظار القبض، لأنه قادر على أخذه والتصرف فيه، فلزمته زكاته كما تزكى الوديعة، وبه قال عثمان وابن عمر، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم وطاوس، والنخعي، وجابر بن زيد، والحسن، وميمون بن مهران، والزهري، حماد بن أبي سلمة، والشافعي، وإسحاق، واختاره أبو عبيد (4) .
(1)(الأموال، ص 1227، 1232؛ المحلى: 6/ 101، برقم (694) ؛ المغني: 3/ 46)
(2)
(نفس المصدر؛ الأموال، ص 392، برقم (1236))
(3)
(المحلي: 6 / 103، برقم (696) ؛ المغنى: 3 / 46)
(4)
(المغنى: 3 / 46)
القول الخامس: إذا كان الدين على معترف به غير مانع له، يزكيه صاحبه لسنة واحدة فقط، وإن أتت عليه سنون، ونسب هذا القول لـ سعيد بن المسيب، والعطاءين، وأبي الزناد، ونسبه أبو عبيد للحسن ولعمر بن عبد العزيز (1) . والعلة عند القائلين بهذا أن وجود الزكاة متوقف على إمكان الأداء، ولم يوجد هذا الإمكان في ماضي السنوات.
وقد أنكر كل من أبي عبيد وابن رشد أن يكون عرف لهذا القول وجها ولا مستند (2) .
القول السادس: وهو القول بأن لا زكاة في الدين إذا كان المدين مماطلا. ذكره الغزالي في الوسيط.
القول السابع: أن زكاة الدين تجب على المدين المماطل لا على الدائن، وهو الرأي الذي نسبه أبو عبيد لإبراهيم النخعي ولعطاء (3) .
القول الثامن: ويتعلق بالدين الظنون، وهو الذي لا يدري صاحبه أيحصل عليه أم لا؟ فلا يزكيه صاحبه إلا إذا قبضه. وهو القول المروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما (4) .
القول التاسع: وهو التفصيل الذي درج عليه المذهب المالكي، وملخصه كالتالي:
قال ابن راشد: ((السادس) يختص بالدين: - فإن كان قرضا لم يقومه (أي لم يزكه لعدم النماء عن كل سنة، بل عن عام واحد عند قبضه)(5) .
- وإن كان (أي الدين) من بيع قومه على المشهور، فتجب قيمته إن كان عرضا، وعدده إن كان عينا حالا على مليء، وقيل: قيمته.
- وإن كان مؤجلا على موسر، قومه على المشهور، وقيل: لا يقومه حتى يقبضه، ويزكيه لعام واحد.
- وأما المعدم فلا يزكي ما عليه عينا كان أو عرضا، وفي تقويم طعام له من سلم قولان) (6) .
(1)(الأموال، ص 390، برقم (1223- 1224))
(2)
(الأموال، ص 393، برقم (1238) ؛بداية المجتهد: 1/ 03 4)
(3)
(الأموال، ص 391، برقم (1227- 1228))
(4)
(الأموال، ص 390، برقم (1220، 1222))
(5)
(الشرح الصغير على أقرب المسالك: 1/ 641)
(6)
(ابن راشد القفصي، كتاب لباب اللباب، ص35)
الترجيح بين هذه الآراء:
1-
من الوجيه أن نأخذ بما جرى عليه المذهب المالكي من زكاة الدين السلف زكاة واحدة لما مضى من السنين عند قبضه كما ذهب إليه عمر بن عبد العزيز في المال الضمار، وعلة ذلك:
أ- أن الزكاة لو وجبت لكل عام لاستهلكت الدين كله أو جله، ولهذه العلة لم تطلب الزكاة في أموال القنية.
ب- أن الزكاة في واقعها مواساة تجب في الأموال الممكن تنميتها حتى لا تفنيها الزكاة.
2-
أن نأخذ في ديون التجارة للتاجر المدير باحتساب ماله من ديون حالة على الموسرين وتزكيتها مع باقي أمواله بشروط ذلك من نصاب ومرور الحول.
3-
في الدين المؤجل على الموسر لغير المدير، إذا بلغ عنده من ذلك نصابا أدى زكاته.
4-
لا زكاة في دين المعدم والغاصب والمنكر حتى يقبضه فيزكيه لمرور الحول كزكاة الفوائد، والله أعلم بالصواب.
***
ملخص البحث
في المحور الأول: حسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج الزكاة:
*المقصود بنفقات الزراعة: هي نفقات فيما يستهلك ويتطلب التجديد للقيام بأعمال الزراعة بداية من إعداد التربة إلى الحصاد أو الجذاذ وما إليهما.
ولا يعد من النفقات ما يبذل من مال في تأسيس المنشآت التي تزيد من قيمة الأرض؛ مثل حفر الآبار ومد قنوات السقي وبناء المساكن والإسطبلات.
(ما ينفقه الفلاح: قد يكون من ماله، وقد يكون من سلف (قرض) وحينئذ تدخل هذه النفقات تحت طائلة الخلاف: هل يمنع الدين الزكاة؟
وانتهينا إلى ما اعتبرناه الأوفق بوضع الزراعة المعاصرة، ورجحنا القول بأن الدين يُقضى ثم تخرج الزكاة إن بقي نصاب، بناء على أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء، والمدين غارم وفقير يستحق الزكاة.
(كيفية حسم النفقات: تحسم كل النفقات الراجحة لإصلاح الأرض والمزروعات وإصلاح الآلات وصيانتها واليد العاملة والنقل، تحسم كل هذه وما شاكلها من النفقات الاستهلاكية التي تتجدد ولا تزيد في قيمة الضيعة من رأس المحصول (من الأعين أو من القيمة) إلى الثلث، غير داخل في ذلك نفقات السقي.
) أما نفقالت السقي: فقد جعلت السنة المطهرة مقابلها في المقدار الواجب إخراجه، فإن قَلَّتِ النفقات- كما يجري عادة في الزراعات البعلية- كان الواجب العشر، وإن زادت النفقات- كما في الزراعات السقوية- كان الواجب نصف العشر.
في المحور الثاني- زكاة الأسهم:
انتهينا إلى أن الأسهم على نوعين:
1-
أسهم يقصد منها الاتجار وترصد الأسواق بها، وحكمها حكم عروض التجارة، تقوم قيمة السوق أو قيمة الخبراء، ويضم إليها فوائدها وتزكى بمقدار ربع العشر (2.5 %) .
2-
أسهم يقصد منها الانتفاع والاستفادة من ريعها السنوي، وليس بقصد التجارة، فإنها تزكى زكاة المستغلات، أي لا زكاة في أصل السهم وإنما تجب الزكاة في الريع بعد دوران الحول من يوم قبضه بمقدار (2.5 %) .
3-
قد يقوم المالك للأسهم بإخراج الزكاة عن أسهمه بحسب ما يقصده منها إما التجارة، أو الاستفادة من ريعها، كل بحسب حكمه المقرر، وقد تتولى الشركات ذلك.
4-
عرضت الندوة (11) لقضايا الزكاة المعاصرة بالكويت قضية الموجودات الزكوية ضمن أصول الأسهم المقصودة للانتفاع بريعها، وخرجت الندوة بأقوال ثلاثة في تكييف الحكم الشرعي لهذه الموجودات الزكوية.
والذي ترجح لدينا أن المسألة لا تحتاج إلى ما جاءت به هذه الأقوال من فتاوى وأقيسة، لأنها بعيدة الحصول في هذا العصر الذي يدخل فيه الحاسوب في كل شيء، ولا تزيد عن نقرة زر أو أزرار لتحصل على ما تروم، وليحل المعلوم محل المجهول. وكيف تصنع الشركات إذا تولت أمر زكاة الأسهم بالوكالة عن الشركاء الحرفاء لها؟
في المحور الثالث- زكاة الديون:
(تقسيم الديون: ذكرنا أقسام الديون بالنظر إلى عدة اعتبارات:
1-
باعتبار وقت الأداء.
2-
باعتبار القدرة على قضاء الدين.
3-
باعتبار قوة الدين وضعفه.
4-
باعتبار نوع التجارة لصاحب الدين.
. آراء الفقهاء في تقسيم الديون: وقفنا من خلال كتب المذاهب على عدة آراء في زكاة الديون وعددنا منها تسعة آراء، ورجحنا ما بدا الأوجه، وهو الرأي السابق ذكره قبل هذا الملخص.
العرض- التعقيب- المناقشة
العرض
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قبل الشروع في موضوع هذه الجلسة الصباحية رؤي تأليف لجنتين، إحداهما لمشروع حقوق الإنسان، والثانية لموضوع فلسطين. ورؤي أن يكون تأليف اللجنة لمشروع حقوق الإنسان من كل من المشايخ: نزيه كمال حماد، حسن الشاذلي، أحمد الكردي، عبد الرحمن الأطرم، حمزة الفعر، تقي العثماني، محمد إمام، وأن يكون تأليف اللجنة لـ فلسطين: عكرمة صبري، يوسف القرضاوي، وهبة الزحيلي، عبد الله بن منيع، عبد السلام العبَّادي. وإنما عرضت في وقت مبكر حتى تعد وتكون مناقشة المشروع الذي يعد في جزء من الجلسة الصباحية أو المسائية يوم الأربعاء بإذن الله تعالى.
أما موضوع اليوم فهو: زكاة الزراعة، زكاة الأسهم في الشركات، وزكاة الديون.
والعارض هو الشيخ عجيل النشمي، والمقرر الشيخ علي الندوي.
الشيخ عجيل النشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد قدم في مواضيع- زكاة الزروع- زكاة الأسهم والشركات- زكاة الديون عدة أبحاث:
بحث لفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير.
بحث لفضيلة الدكتور علي أحمد الندوي.
بحث لفضيلة آية الله محمد علي التسخيري.
بحث لفضيلة الشيخ الطيب سلامة.
ونبدأ ببحث فضيلة الشيخ الصديق الضرير:
أولا- زكاة الزروع:
والمطلوب بحثه هو نفقات الزراعة؛ بَيَّنَ فضيلته أن زكاة الزرع واجبة بالقرآن والسنة والإجماع، ثم تكلم عن حكم حسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج زكاته، ولخصها بعد العرض فيما يلي:
أولا: إن القائلين بحسم الدين من زكاة الزروع هم:
ابن عمر رضي الله عنهما في القرض الذي أنفقه الزارع على زرعه وعلى أهله، وابن عباس رضي الله عنهما فيما أنفقه على زرعه فقط، وطاوس وعطاء ومكحول وميمون والحسن في- الدين مطلقا، وطائفة من أهل العراق رضي الله عنهم أجمعين.
ثانيا: إن القائلين: إن الدين لا يحسم من زكاة الزروع هم:
ابن عباس رضي الله عنهما بالنسبة للقرض لغير الزرع، والزهري وأهل الحجاز، وعامة أهل العراق بالنسبة للدين عامة.
وأما المذاهب الفقهية: فالحنفية والمالكية لا يحسمون النفقة والدين من المحصول، وللشافعي قولان، وعند الحنابلة ثلاثة أقوال:
أ- إن استدان الزارع فإنه يحسم من المحصول قبل إخراج الزكاة سواء أنفقه على الزراعة وحدها، للسقي أو لغيره، أم أنفقه على الزراعة وعلى أهله، شريطة أن يكون الدين ثابتا، وأن يكون الزرع في حاجة إلى الاستدانة.
ب- أما ما أنفقه الزارع من ماله على الزرع مما لا يختص بالسقي فإنه يحسمه من المحصول.
ج- دين السَّلَم يحسم، وفيه يصير الزارع مدينا بكمية من الحبوب هي في الغالب من نوع المحصول الذي يزرعه.
ثم تكلم فضيلته عن كيفية حسم النفقات، وهي أن يحسم من المحصول ما يساوي المبلغ الذي استدانه المزارع، أو أنفقه من عنده على غير السقي بعد معرفة ثمن الوحدة، ويزكي الباقي.
وأما فضيلة الشيخ علي الندوي فقد أظهر نصوص المذاهب في المسألة واستخلص:
أ- رأي جمهور الفقهاء أن مؤونة الزراعة على رب المال.
ب- الرأي الآخر الذي يتجه إلى طرح النفقة من الوعاء الزكوي، وهو قول عطاء، وإليه ذهب أبو بكر بن العربي المالكي.
جـ- رأي لبعض المعاصرين ويتجه إلى حسم كلفة الزرع، بشرط ألا تزيد عن الثلث، ورجح هذا الرأي، وعلل لذلك بأنه يتلاءم مع قاعدة العدل والتوازن بوجه عام.
ولقد حدد في بحثه بشكل واضح المقصود بنفقات الزراعة، ثم تكلم عن نفقات الري بالوسائل القديمة ورأى كما رأى الشيخ الصديق الضرير أن الحكم واحد لا يتغير بسبب اختلاف الوسائل.
ثم ختم بحثه ببيان كيفية حسم النفقات من أعيان المحاصيل أو من قيمتها، وفيها قولان للفقهاء ورأى أن الأصلح هو أن تؤخذ الزكاة من الأعيان، إذ الأسهل والأوفق بالمصلحة ألا تجعل الزكاة إلا من جنس تلك الأموال إلا في مواضع الحاجة وتحقق المصلحة فحينئذ يصار إلى القيمة.
ثانيا- زكاة الأسهم في الشركات:
ليس المقصود من عرض هذه المسألة النظر في أحكام الأسهم في الشركات، فهذه مما قد تم الفراغ منه، ولكن المطلوب عرضه هو جزئية واحدة، وهو حكم زكاة الأسهم المقتناة لغرض النماء إذا لم يتمكن مالكها من معرفة ما يخص كل سهم من الموجودات الزكوية للشركة، وسبب عرض ذلك أن الهيئة العالمية لقضايا الزكاة المعاصرة في ندوتها الحادية عشرة المنعقدة في الكويت انتهت إلى رأي يخالف رأي مجمع الفقه الإسلامي. فعلقت رأيها في هذه الجزئية ريثما تنظر في دورة المجمع هذه، وهذه سنة حسنة من الهيئة العالمية في تحاشي الخلاف في الأحكام ذات الأثر الكبير على واقع المسلمين من مثل هذه المسألة المتعلقة بالشركات والمتعاملين بالأسهم، وأثرها لا يخفى. وفيما يلي عرض المسألة وتحريرها: نَصَّ قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: (28)(3/41) في الفقرة ثالثا على الآتي:
إذا لم تزكِّ شركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة، لو زكَّت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار، لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.
وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك- وهذا هو بيت القصيد في المسألة- فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة المستغلات، فلا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ريع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع، مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.
وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه زكى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر (2.5 %) من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.
ورأت الهيئة العالمية لقضايا الزكاة وجوب الزكاة على الأسهم المقتناة بقصد الاستفادة من ريعها على أساس ما يخصها من الموجودات الزكوية للشركة بالإضافة إلى زكاة ريعها إن وجد.
ومحل النظر: أن المجمع اعتبر عدم استطاعة المساهم معرفة ما يخص أسهمه من الزكاة مبررا لزكاة الريع فقط كزكاة المستغلات، بينما رأت الهيئة أن جهل مالك السهم لما يخص الأسهم من الموجودات وعدم تمكنه من معرفة ذلك لا يعد عذرا شرعيا لإسقاط ذلك الواجب عنه. وأن زكاة ريع الأسهم لا يغني عن زكاة أصلها ما دام جزء من هذا الأصل مالا زكويا.
وبعد تحرير المسألة نعرض لرأي فضيلة الشيخ الدكتور الصديق الضرير وفضيلة الدكتور علي أحمد الندوي.
فضيلة الشيخ الدكتور الصديق الضرير بَيَّنَ وجه الاختلاف بين رأي المجمع وما عليه أكثر أعضاء الهيئة في الآتي:
إن الاختلاف بينهما يرجع إلى اعتبار نية المساهم من المساهمة في الشركة وعدم اعتبارها، هل هي بغرض التجارة في الأسهم، أم بغرض اقتناء الأسهم والاستفادة من ربحها؟
فقرار المجمع لم يعتبر نية المساهم في الحالة التي تخرج فيها الشركة الزكاة، ولا في الحالة التي تخرج فيها الزكاة إذا علم المساهم مقدار ما يجب عليه لو أخرجت الشركة الزكاة، واعتبر نية المساهم فقط في الحالة التي لا تخرج فيها الشركة الزكاة ولا يستطيع المساهم أن يعرف مقدار ما يجب عليه لو أخرجت الشركة الزكاة، ولهذا اعتبر إخراج الشركة الزكاة كافيا ومبرئا لذمة المساهم من غير اعتبار لنيته.
أما قرار الهيئة فإنه اعتبر نية المساهم في الحالة التي تُخرج فيها الشركة الزكاة وفي الحالة التي لا تُخرج فيها الزكاة، فأوجب عليه أن يزكي أسهمه زكاة عروض التجارة إذا كانت نيته المتاجرة بها، سواء أخرجت الشركة الزكاة أم لم تخرجها، وخالف بهذا المجمع في الحالة التي تخرج فيها الشركة الزكاة مخالفة واضحة.
أما إذا كانت نية المساهم اقتناء الأسهم للاستفادة من ريعها، فإن قرار الهيئة وافق قرار المجمع في الحالة التي تُخرج فيها الشركة الزكاة، والمطلوب من أعضاء المجمع إبداء الرأي في هذا، أي إن المطلوب بحثه ينحصر في الأسهم المقتناة لغرض النماء إذا كانت الشركة لا تخرج الزكاة، ولم يستطع مالك الأسهم معرفة ما يخص أسهمه من الزكاة. قرار المجمع هو أن المساهم يزكي ريع الأسهم فقط قياسا على زكاة المستغلات، والعلة الجامعة بينهما هي أن الغرض في كل منهما هو في الاستفادة من الريع.
ثم ناقش فضيلته. رأي الهيئة أو رأي الأكثرية بها فقال: إن رأي الأكثرية يخرج هذه الأسهم من كونها معدة للاستغلال، ويجعلها معدة للتجارة.
ويعلل الأكثرية رأيهم هذا بالآتي:
أ- إن جهل مالكها ما يخص الأسهم من تلك الموجودات، وعدم تمكنه من معرفة ذلك لا يعد عذرا شرعيا لإسقاط ذلك الواجب عنه. قال فضيلته ردا على هذا: لم يسقط الواجب عن مقتني الأسهم لاستغلالها، وإنما لم تجب في أسهمه الزكاة، كما لم تجب الزكاة في أصل العقار المعد للأجرة (المستغلات) .
ب- إن زكاة ريعها لا يغني عن زكاة أصلها ما دام جزء من هذا الأصل مالا زكويا.
قال فضيلته ردا على هذا: أصل السهم المعد للاستغلال ليس مالا زكويا، كما أن أصل العقار المعد للأجرة ليس مالا زكويا، ولم نقل إن زكاة الريع تغني عنه زكاة أصله، وإنما قلنا: إن الأصل لا تجب فيه الزكاة.
ثم ناقش فضيلة الشيخ الدكتور الصديق الضرير رأي الهيئة في الآراء الثلاثة المطروحة في كيفية أداء الزكاة في حالة وجوبها. ولما كانت هذه المناقشة مبنية على القول بوجوب الزكاة في الأصل والريع، والمطروح على المجمع هو أصل المسألة، فمن المناسب تأجيل النظر في المناقشة عند الموافقة على اصل الموضوع كما رأته الهيئة. وانتهى فضيلته إلى ترجيح رأي المجمع فقال: إنه يرى الإبقاء على قرار المجمع كما هو لأنه أعدل الآراء وأيسرها تطبيقا.
أما فضيلة الشيخ الدكتور علي الندوي فقد خرج هذه المسألة على مسألة زكاة الحلي إذا كانت قلادة بها جواهر، بناء على ما قرره العلامة ابن شاس حيث قال: حيث أوجبنا في الحلي الزكاة وكانت منظوما بشيء من الجواهر، فإن كان مما يمكن نزعه من غير فساد، زكي ما فيه من الذهب أو الفضة زكاة العين، وما فيه من الأحجار زكاة العروض، وإن لم يكن نزعه إلا بفساد: فهل يُغَلَّب حكم الجواهر التي فيه فيزكي زكاة العروض أو يراعى الأكثر ويعطى الحكم له؟ أو يعطى لكل نوع حكمه، فيتحرى ما فيه من العين فيزكي، وما فيه من الحجارة يجري على حكم العروض؟ ثلاثة أقوال.
ويفهم من كلامه أنه يرى رأي الحنفية في زكاة الأصل والريع بطريقة التحري، فقد قال: إن الطابع التجاري هو الغالب في هذه الأسهم المقتناة بغرض الحصول على نمائها، لأن الذي اقتناها ورصدها إنما يترقب تقلبات السوق غالبا فيتاجر فيها، ويظل مساهما فيها إلى حين تصفية الشركة فيغلب عليها حكم العروض التجارية وتأخذ حكم زكاتها.
ثالثا-زكاة الديون:
تعرض الشيخان لزكاة الديون، وبينا آراء فقهاء الصحابة والتابعين، وتلخصت في تسعة أقوال ذكرها الشيخ الصديق الضرير:
الأول: لا يرى زكاة الدين مطلقا لا على الدائن ولا على المدين.
الثاني: يزكيه المدين.
الثالث: يزكيه المدين المماطل.
الرابع: يزكيه الدائن من ماله الحاضر.
الخامس: يزكيه الدائن إذا كان على مليء من ماله الحاضر.
السادس: يزكيه إذا كان على معترف به ثم باذل له إذا قبضه لما مضى من السنين.
السابع: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له إذا قبضه لسنة واحدة.
الثامن: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء عند قبضه لما مضى من السنين.
التاسع: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء إذا قبضه لسنة واحدة.
كما تعرض لآراء المذاهب الفقهية في زكاة الديون وتقسيماتها، وهي كثيرة ومتشعبة.
وانتهى الشيخ الصديق الضرير إلى أن زكاة الدين تجب على الدائن، ولكن لا يطالب بإخراجها مع زكاة ماله الحاضر إلا إذا كان متمكنا من قبض الدين، كأن يكون الدين حالا على مليء معترف به باذل له، لأنه يكون في هذه الحالة بمنزلة المال الذي في يده أو منزلة الوديعة.
أما إذا لم يكن الدائن متمكنا من قبض دينه، كأن يكون الدين على معسر أو جاحد أو مماطل أو يكون الدين مؤجلا، فإن الدائن يطالب بإخراج زكاته عند قبضه أو التمكن من قبضه بحلول أجله، فإذا قبضه أو حل أجله زكَّاه لما مضى من السنين، لأنه ماله عاد إليه فيجب عليه إخراج زكاته.
ثم قال فضيلته: إن زكاة الدين مسألة اجتهادية اختلفت الآراء فيها اختلافا واسعا، وما رأيته لا يخرج عن هذه الآراء وهو أعدلها وأيسرها تطبيقا.
وأما فضيلة الشيخ علي الندوي فرجح الآتي:
أ- إن الذي له على غيره دين إذا كان قادرا على أخذه فهو كـ الوديعة يزكيه لكل عام، لأن تركه له وهو قادر على أخذه كتركه له في بيته، وهذا في الدين الذي يكون على مليء مقر باذل.
ب- إذا كان الدين على مدين معسر، أو أصبح الدين من قبيل المال الضمار الذي تضاءل الأمل في تحصيله؛ فحينئذ يزكيه الدائن بعد قبضه لمدة عام واحد.
جـ- القرض المدفوع للمحتاجين للأغراض الاستهلاكية أو لسداد الديون المترتبة في ذممهم أو لتلبية الحاجات الأساسية في معايشهم، يسري عليه حكم الدين على المعسر المذكور آنفا، ولو حصل عائد من هذا الصنف من القرض وبلغ النصاب، فتجب زكاته- بعد حولان الحول على المقترض المستفيد منه.
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار ألا يكون الباعث على الاقتراض هو النكوص عن أداء الزكاة أو التخفيف من أعبائها، فإنما الأعمال بالنيات، ولذا في حالة عدم سلامة النية فإن المقرض يعامل بنقيض مقصوده.
د- الدين الذي على المدين المماطل الجاحد، لا تجب زكاته على الدائن إلا بعد قبضه لمدة عام واحد، ولكي لا تهدر زكاة المال نفسه حفظا لحق الفقراء لا بأس بأن يقال: إن زكاة المال على المدين المماطل نفسه، لأنه يأكل منه، هذا بغض النظر عن الوزر الذي يحمله بسبب المماطلة.
أما الشيخ محمد علي التسخيري والشيخ مرتضى الترابي فقد عرضا في بحثهما حكم زكاة الديون عند الإمامية؛ وهو عدم ثبوت الزكاة في الدين مطلقا وهو المشهور عندهم، وعليه إجماع المتأخرين، وهناك رأي آخر بالتفصيل بين صورة قدرة الدائن على استيفاء دينه، فتجب فيه الزكاة، وبين عدم قدرته فلا تجب الزكاة. وهذان القولان لهما ما يماثلهما فيما سبق ذكره من أقوال في بحث الشيخ الصديق الضرير.
وتعرض الشيخان بعد ذلك للمذاهب الفقهية الأربعة في زكاة الديون وقد سبق الإشارة لها فلا نعيده، اختصارا.
وقد بينا منشأ الخلاف في المسألة بين الإمامية؛ وغيرهم من المذاهب في أن الإمامية ذهبوا إلى عدم وجوب الزكاة إلا في الأعيان المخصوصة أي الأنعام الثلاثة والغلات الأربع والنقدين، والآخرون ذهبوا إلى كون متعلق الزكاة أعم من الأعيان المذكورة ومال الزكاة، ثم فصلا القول مع ذكر الأدلة لمذهب الإمامية في عدم وجوب الزكاة في الدين إذا لم يكن الدائن قادرا على استيفائه، وما إذا كان الدائن قادرا على استيفائه، وانتهى البحث بذكر أن الصحيح هو مشهور المذهب من عدم وجوب الزكاة في الديون مطلقا، وإن كان تأخير استيفائه من جهة الدائن بأن كان الدين على موسر وكان الدائن قادرا على استيفائه. ولم يتطرق بحثهما لزكاة الأسهم في الشركات ولا زكاة الزراعة.
وأما بحث الدكتور الطيب سلامة فيتلخص في الآتي:
قسم البحث إلى محاور ثلاثة، في المحور الأول: حسم نفقات الزراعة من المحصول قبل إخراج الزكاة.
وبين المقصود بنفقات الزراعة، ثم تكلم في كيفية حسم النفقات: تحسم كل النفقات الراجعة لإصلاح الأرض والمزروعات وإصلاح الآلات والصيانة واليد العاملة والنقل، من النفقات الاستهلاكية التي تتجدد ولا تزيد في قيمة الضيعة من رأس المحصول.
أما نفقات السقي: فقد جعلت السنة المطهرة مقابلها في المقدار الواجب إخراجه، فإن قلَّت النفقات- كما يجري عادة في الزراعات البعلية- كان الواجب العشر، وإن زادت النفقات- كما في الزراعات السقوية- كان الواجب نصف العشر.
في المحور الثاني: زكاة الأسهم. انتهى إلى أن الأسهم على نوعين:
1-
أسهم يقصد منها الاتجار وترصد الأسواق بها، وحكمها حكم عروض التجارة، تُقوَّم قيمة السوق أو تقييم الخبراء، ويضم إليها فوائدها وتزكى بمقدار ربع العشر (2.5 %) .
2-
أسهم يقصد منها الانتفاع والاستفادة من ريعها السنوي، ولا يقصد منها التجارة، فإنها تزكى زكاة المستغلات، أي لا زكاة في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع بعد دوران الحول من يوم قبضه بمقدار ربع العشر (2.5 %) .
3-
قد يقوم المالك للأسهم بإخراج الزكاة عن أسهمه بحسب ما يقصده منها، إما التجارة، أو الاستفادة من ريعها، كل بحسب حكمه المقرر، وقد تتولى الشركات ذلك.
بالنسبة للموضوع المطلوب أبدى رأيه فيه وقال: والذي ترجح لدينا أن المسألة لا تحتاج إلى ما جاءت به هذه الأقوال من فتاوى وأقيسة، لأنها بعيدة الحصول في هذا العصر الذي يدخل فيه الحاسوب في كل شيء، ولا تزيد عن نقرة زر أو أزرار لتحصل على ما تروم، وليحل المعلوم محل المجهول وكيف تصنع الشركات إذا تولت أمر زكاة الأسهم بالوكالة عن الشركاء الحرفاء لها؟
في المحور الثالث: زكاة الديون.
تقسيم الديون: ذكر أقسام الديون بالنظر إلى عدة اعتبارات:
1-
باعتبار وقت الأداء.
2-
باعتبار القدرة على قضاء الدين.
3-
باعتبار قوة الدين وضعفه.
4-
باعتبار نوع التجارة لصاحب الدين.
ثم ذكر آراء الفقهاء في تقسيم الديون، وهي كما أشرنا متشعبة ويطول البحث فيها.
هذا ما استطعت تلخيصه في هذه الأبحاث.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
***
التعقيب والمناقشة
التعقيب والمناقشة
الشيخ تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
في الواقع فإنني أشكر جميع الباحثين الذين قدموا هذه الأبحاث القيمة في هذا الموضوع، كما أشكر فضيلة الشيخ الدكتور عجيل النشمي، حيث لخص لنا هذه الأبحاث بعرض وافٍ، وإني أريد أن أركز على قضية واحدة من هذه القضايا الثلاث التي طرحت في هذه الأبحاث وهي قضية زكاة الأسهم.
إن موضوع (زكاة الأسهم) وإن كان قد صدر فيه قرار من المجمع، ولكن أحسنت الأمانة العامة في طرح هذا الموضوع مرة أخرى، وذلك نظرا لما ذهب إليه غالبية أعضاء هيئة الزكاة. والواقع أن ما ذهبت إليه هيئة الزكاة وجيه من الناحية الفقهية، ولا أرى أي غضاضة في الرجوع إلى الحق، وكنت قد تحفظت في هذا الموضوع عندما درس في الدورة السابقة، والنقطة المهمة في هذا الموضوع هي أن قرار المجمع قد فصل بين حالتين: الحالة الأولى: حينما يمكن لحامل السهم معرفة ما يخص ذلك السهم من أصول الزكاة، وحينئذ فإن المجمع قد أوجب الزكاة على هذه الأصول الزكوية، فإنه قد جعله في المستغلات، فهذا نوع من التعارض.
المسألة الأساسية: هل الأصول التابعة للسهم هي خاضعة للزكاة أم هي تعتبر من المستغلات؟ فلا نستطيع أن نقول: إنها في الأصول الزكوية عند معرفة مقدار تلك الأصول، وإذا لم يتمكن حامل السهم من معرفة الأصول إنها حينئذ تُعَدُّ من المستغلات ولا تجب الزكاة إلا على الريع.
فالذي ذهبت إليه هيئةُ الزكاة في الواقع هو الراجح في نظري. والتكييف الشرعي للسهم في الشركات كما اتفق عليه العلماء المعاصرون هو أن حامل السهم يتملك حصة شائعة من أصول الشركة، والشركة إنما تقام لأغراض تجارية وفيها بضائع للتجارة، فحامل السهم يحمل حصة شائعة من هذه الأموال التي تعتبر من أموال التجارة. فلا يمكن أن تعفى هذه الأصول من التجارة. فما ذهبت إليه هيئة الزكاة هو القول الراجح في نظري، وينبغي أن نرجع إلى ما ذهبنا إليه في الزكاة، وأظن أنه لا غضاضة في ذلك، لأن هذه المسألة مسألة مهمة جدا وتتعلق بركن من أركان الإسلام، فينبغي أن نتخذ هذا القرار.
هذه هي النقطة الوحيدة التي كنت أريد أن أركز عليها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ عبد اللطيف الجناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
يقول الله سبحانه وتعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] وهذا تكليف عظيم بإعمار الكون، ولن يعمر الكون إلا إنسان سَوِيٌّ يعيش في مناخ اقتصادي سليم، والمناخ الاقتصادي ثبت أنه لن يكون سليما إلا إذا طبقنا الاقتصاد الإسلامي، وهذا الاقتصاد يعتمد على محورين أساسيين:
المحور الأول: ترك الربا ومحاربته، لأنه معول هدم للاقتصاد العالمي، ويكفي أن نعلم أن من إفرازات الربا في الاقتصاد الوضعي أن ثلث سكان العالم يعيش على دولار واحد في اليوم، وربع سكانه يتعيشون على وجبة واحدة في اليوم. وثروة العالم كلها يتم تناولها في أيدي (12 %) من سكان العالم، وهنا ندرك معنى قول الله سبحانه وتعالى:{كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] .
المحور الثاني: هو الزكاة، والزكاة قاعدة أمن اجتماعي، حيث لا يتحقق الأمن الاجتماعي إلا بتطبيق هذه الفريضة بصفة شمولية وبقوة القانون.
الأمور لا تمشي هكذا بدون استراتيجيات، فلا بد من أن نضع استراتيجيات نخرج فيها من قضية المداولة في المواضيع من الناحية الشرعية والفقهية- وهذا أمر جيد طبعا- إلى أن نقوم بالتطبيق. فبالنسبة للمحور الأول وهو محاربة الربا قدمت ورقة سنة 1983 م للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية حددت فيها استراتيجية لمحاربة هذا البلاء العظيم، وتتلخص الاستراتيجية في ثلاث نقاط:
أولا: رفع بلوى الربا عن الجمهور وذلك بإنشاء المصارف الإسلامية وشركات الاستثمار وشركات التأمين والشركات التجارية وبطاقات الائتمان وغيرها من آليات السوق حتى يجد الفرد المسلم بدائل شرعية لاستثمار أمواله وبدائل متنوعة من الخدمات المالية الإسلامية.
ثانيا: رفع بلوى الربا عن الحكومات بما أن حكوماتنا تقترض بالربا فلا بد أن نوجد لها بدائل شرعية. وبفضل الله في هذا العام أصدرت دولة البحرين صكوك إسلامية شرعية لفترات قصيرة ومتوسطة.
ثالثا: تدويل الاقتصاد الإسلامي، أي إخراجه من الإقليمية إلى العالمية حتى نؤدي رسالتنا كمسلمين ونعمم نعمة الإسلام على العالم.
بقي المحور الثاني للاقتصاد الإسلامي وأعني به الزكاة. وهذه الفريضة الهامة إذا لم ننظمها فسوف يشوبها الكثير من الخلل، فلا بد من تنظيم هذه العملية.
وأتمنى على هذا المجمع الموقر أن ينظر فيما يلي:
1-
حث حكوماتنا الإسلامية على إصدار قانون للزكاة تنشئ بموجبه الدولةُ مؤسسة أو دارا للزكاة تقوم استنادا إلى القانون بجمع الزكاة وتوزيعها على المسلمين، واستثمار أموال الزكاة وذلك بإنشاء المشاريع التي تعود ملكيتها لمؤسسة الزكاة وهو طبعا حق للفقراء.
2-
إخضاع هذه المؤسسة للتدقيق القانوني.
3-
إخضاع هذه المؤسسة لديوان المحاسبة حفاظا على أموال الزكاة.
4-
استصدار معيار محاسبي للزكاة تكلف به هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
أرجو ونحن في هذا البلد الطيب أن تتبنى الدولة أو الطيبون من أعضاء البرلمان فيها باستصدار قانون الزكاة فيكون لهم ذلك السبق المأجور بإذن الله. وأصلي وأسلم على سيد المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
الشيخ نصر فريد واصل:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه أما بعد:
شكرا لمعالي السيد الرئيس، وشكرا لأصحاب البحوث المقدمة لجلسة اليوم على ما قدم فيها من جهد علمي نستفيد منه بعون الله سبحانه وتعالى، وشكرا للدكتور النشمي على عرضه الطيب وهذا التلخيص الموجز، وأوضح أنني لم يكن عندي من الوقت ما أطلع بطريقة تفصيلية على ما في هذه البحوث نظرا لأنها وصلتني في وقت متأخر بعد جلسة أمس.
وفي هذا المقام أريد أن أبدي بعض المساهمات في مجال التوضيح بالنسبة لزكاة الزراعة، وزكاة الأسهم والشركات، وزكاة الديون.
فما لاحظته من خلال العرض أن زكاة الزراعة المعروف منها هو ما تكلم عنه الفقهاء وبخاصة الجمهور في الزراعة أو الثمار التي تصل إلى درجة الجفاف، أي لها نصاب التقويم، فقد غفلت هذه البحوث عن الزراعات المستحدثة الآن، وفي عصرنا الحاضر اتجه الاستثمار في مجال الزراعة إلى أن الكثير منها يراد منه استغلال بطريقة لا تحقق ما يمكن أن نتكلم عنه في مجال الزكاة. ومن هنا فهل الزراعات المستغلة التي لا يصل في تقويمها إلى النصاب المقدر بالنسبة للزروع والثمار والذي تكلم الفقهاء عنه، هل تم ذلك في بحث سابق وهو ما نطلق عليه بحث المستغلات
…
؟ أنا لا علم لي بهذا ولذلك هو مجرد توضيح، لأن هناك بحث يتعلق بزكاة المستغلات وهي العقارات والمصانع ووسائل النقل المختلفة وأسهم الشركات، وهذا بحث كنت قد أعددته وتقدمت به إلى مجمع الفقه الإسلامي بالقاهرة، وكان محالا على لجنة البحوث الفقهية وتم الموافقة عليه في المجلس، ومن خلال البحوث المقدمة لم أر هذه الجزئيات المتعلقة بزكاة الزراعة، هل هي من الناحية الشخصية أو شركات زراعية على سبيل المثال؟ وكذلك أسهم الشركات وما أخذ من قرار المجلس، المجمع الإسلامي بجدة، في القرار السابق. ما أثبت فيه من البحث توافق مع قرار المجلس السابق، وهنا يجب أن نفرق بين أسهم الشركات العينية المراد بها الاقتناء كجزء من الشركة، وبين الأسهم التي تعتبر عروض تجارة والتي تعرض في الأسواق الآن، وما وصل إليه قرار المجلس هو أن السهم المتعلق بالملكية في العين يؤخذ من العائد عنها وهو المستغل بنسبة (2.5 %) ، أما بالنسبة لعروض التجارة فتقوم هذه الأسهم باعتبار أنها أساسا معروضة للتملك وليس بعينها إنما بقيمتها السوقية التي يتم التداول فيها حسب البورصات المستحدثة الآن.
ولا أعلم بالنسبة لقرار المجلس السابق هل كانت هذه البورصات فيما يتعلق بأسهم الشركات المتداولة والمعروضة للتداول تحت نظر المجلس عند المناقشة أم أن هذه البورصات المستحدثة جدت فيما بعد؟.
بالنسبة للمستغلات في العمارات ووسائل النقل والمواصلات أعتقد أن البحوث قد أغفلتها أيضا.
وبالنسبة لزكاة الديون الآراء تعددت فيها، وأعتقد أن كل الآراء التي وردت اجتهادية، وما يتعلق بهذه الآراء نحن نرجح أن الدين غير الحال وغير المقبوض لا يزكي عنه الدائن باعتبار أن المال يجب زكاته على من تحت يده، لأن المال في الأصل أن الإنسان لا يملك المال، وإنما الإنسان هو مستخلف فيه، فإذا كان المال تحت يد المالك سواء كان مالكه الحقيقي فإنه يزكي عنه إذا بلغ النصاب، أما إذا لم يكن تحت يده وكان تحت يد المدين فإن كان المدين قادرا على أداء الدين ولم يزكه صاحبه فإن الدين يزكى من المدين، باعتبار أنه هو القادر عليه وأنه هو المستخلف فيه، أي أنه في معنى المالك الذي ملكه الله سبحانه وتعالى عليه. وطبعا هذا الذي أرجحه من خلال ما رأيته من البحوث المقدمة.
بالنسبة لزكاة الزراعة والديون أو النفقات التي تنفق عليها: وجدت بعد النظر ومن خلال البحث الذي قدمته في ذلك أن كل الديون التي تنفق على الزراعة إنما تحسم من النصاب فإذا بلغ النصاب يزكى عنه، أما إذا استغرقت الديون التي أنفقت على هذا المال ولم يصل النصاب، فإنه لا تجب فيه الزكاة، إلا إذا كان تطوعا، وأعتقد أن ذلك يعتبر وسيلة لتشجيع المستثمرين في مجال الزراعة على أن ينموا زراعاتهم في مدى الإنفاق عليها، لأن الإنفاق سيؤدي إلى عائد أكثر من المال، وهذا بطرق غير مباشرة سيؤدي إلى زيادة نصاب المال، وبالتالي زيادة قيمة الزكاة، يعني ليس العكس، لأنه عندما يحجم الإنسان عن الإنفاق على الزراعة خوفا من أن كل ما ينفقه قد لا يحسم من وعاء الزكاة، فبالتالي يكون الإحجام سببا في خسارة هذه المزروعات، ونحن من خلال التجارب العملية أو ما نلاحظه أو نشاهده نرى أن الذين يستثمرون أموالهم وينفقون عليها بطريقة علمية سليمة، مهما زاد الإنفاق، فإن الأموال تتضاعف، وإنتاج المزروعات يتضاعف وهذا فيه مصلحة للفقير وليس العكس.
فنحن عندما نرى التيسير ونأخذ بالرأي الذي ييسر على المزكي من حيث الظاهر فإن ذلك تشجيع على أن يتجه وينفق على الاستثمارات الزراعية أو الصناعية بما يحقق عائدا، وبالتالي يحقق ربحا فيزيد نصاب الزكاة، وبالتالي تزيد الأموال التي تنفق وتخرج عن الزكاة. وأعتقد أن المؤتمر الكريم هذا- إن شاء الله- يمكن أن يأخذ بالوسطية والتيسير في هذا الموضوع، وأعتقد أننا في حاجة إلى أخذ قرارات حتى يمكن أن نستفيد من خلال الفتوى ومن خلال التطبيق العملي في البلاد الإسلامية باعتبار أن هذه ستكون فتوى جماعية.
وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وشكرا للإخوة الكرام الباحثين والمعقبين.
بالنسبة لنفقات زكاة الزراعة، معلوم أن مقدار الزكاة يختلف تبعا للنفقات المعروفة، لكن النفقات التي جَدت في عصرنا هل تخصم أم لا تخصم؟ هذه هي النقطة التي تبحث.
وأريد أن أفرق بين أمرين: نفقات طلبها الزارع وأنفقها على زراعته، هو مكلف بأن يرد الديون وليس مكلفا بزكاتها، ونفقات أنفقها من ماله الخاص التي لو لم ينفقها لزكاها مع ماله. أرجو أن نفرق بين الأمرين.
بالنسبة للنفقات التي استدانها الزارع فهذه يمكن أن نقول بأنها تحسم أولا ثم يزكي الباقي، أما النفقات التي أنفقها من ماله الخاص لو قلنا بأنها تحسم فهذا يعني أنها خرجت من وعاء الزكاة النقدي وخرجت من وعاء الزكاة الزراعي، أي أنها لا تزكى، لا نقدا ولا زراعة، ولا خير في مال لا يزكى. ولذلك ما أنفقه من مال خاص يعتبر تبعا للنفقات التي جعلت المقدار يقل من العشر إلى نصف العشر، أما الديون فإنه يؤديها أولا، هذا بالنسبة لزكاة الزراعة والنفقات التي تنفق على الزراعة.
كذلك النقطة التي تبحث في زكاة الأسهم، في الواقع أنا ألتزم تماما بقرار المجامع الفقهية، وجميع قرارات المجامع الفقهية الثلاثة نشرتُها في كتاب من كتبي لأنني أعتز بها وألتزم بها، لكن في النفس شيء من قرار المجمع الأخير الخاص بأن مالك السهم إن لم يعرف الأموال الزكوية يزكي الريع فقط، وتبعا لهذا توسع كثيرون في الإفتاء فقالوا: بأن مالك السهم إن لم يعرف الأموال الزكوية يزكى الريع فقط، دون أن يفرقوا بين أن يعرف أو لا يعرف، فأخرجوا الأموال الزكوية التي تقام للسهم من الزكاة، ولذلك فلعل الرأي الآخر أولى، ورجوع المجمع عن هذا الرأي أعتقد أنه أولى، بحيث أصبح الآن معرفة الأموال الزكوية التي تقابل السهم أمرا يسيرا، لأن كل شركة تعلن ميزانية، والميزانية فيها بيان بالأموال الزكوية والأصول الثابتة غير الزكوية. وكل ميزانية شركة موجودة على الحاسب الآلي يمكن أن تعرف، فأصبح باب المعرفة الآن سهلا ميسورا، وإن لم تتم المعرفة فعندنا الخرص، وهو مبدأ مقرر في الزكاة، فيمكن إذن التحري، كما قال فضيلة الدكتور علي الندوي، يمكن بالتحري أن نعرف ما يقابل السهم من أموال زكوية وهو الذي يزكى، بغض النظر عن الربح أو الخسارة، لأنه ما دام بلغ النصاب وحال الحول فإنه يزكيه حتى ولو خسر، فربط هذا بالربح فقط أو جعلها على زكاة المستغلات أمر أرى أنه بعيد، وأن القياس غير محكم، لأنني هنا كيف أقيس أموالًا زكوية على العقارات وعلى المستغلات، كيف نقيس هذا على هذا؟.
بالنسبة لزكاة الديون، فإن للمجمع قرار سابق فلا أدري لماذا أعيد بحثه؟
والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا: نشكر الباحثين والأخ العارض على هذه المباحث القيمة، ولكن عندما يتكلم الإخوة الباحثون في زكاة الزروع ينصرف ذهنهم فقط إلى ما تكلم عنه الفقهاء في السابق، علما بأن الأرض الآن تستثمر مثلا بالرياحين، وتستثمر بزروع مستحدثة وهي تنتج أكثر مما تنتجه المزروعات السابقة التقليدية. يا ترى، لِمَ لَمْ يتعرض الإخوة الباحثون على ما سمعنا: هل يجب في هذه الزروع المستحدثة زكاة أم لا؟ وهل يشترط لها النصاب أم لا؟ وكيف نقدر هذا النصاب علما بأن في مذهب أبي حنيفة كل ما تستنبت به الأرض تجب فيه الزكاة ولم يشترط نصابا؟ .
أمر آخر: الأراضي المستأجرة: نعلم أنه كان استئجار الأرض بالخارج منها أما الآن استئجار الأرض اختلف، يستأجر رجل الأرض ويدفع الثمن أو ما يسمى بضمان الأرض أو أجرة الأرض، وهذا المحصول هل هو يزكيه أم يزكيه مالك الأرض؟ وكيف يزكي كل منهما نصيبه؟.
أمر آخر: الدين: الحقيقة هناك تقسيمات للدين، دين له مطالب من جهة العباد، ودين ليس له مطالب من جهة العباد، ودين منشؤه مال، ودين ليس منشؤه مال، وضرب الفقهاء مثلا بالكفارات والديات، هذا دين ولكن هل يجتزأ من ماله أم لا؟ كيف نحسم هذا الدين؟.
على أي حال، كنا نتمنى على الإخوة أن يضيئوا هذه الزاوية في المباحث الثلاثة.
أقول: الدين من حيث المنشأ ومن حيث المطالب، وكما نعلم أن التجارة الدولية تتكلم حول الرياحين والزهور، وهناك تدخل ضمن الاتفاقيات الدولية كيف يزكي، علما بأن كل مباحث الفقهاء تقريبا خلت من الإشارة إلى هذا النوع من الزراعة؟. والله أعلم، وشكرا.
الشيخ على محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الشكر موصول للباحثين الكرام وكذلك لفضيلة الدكتور عجيل على تلخيصه الجيد، وأنا لو كنت أحد الباحثين لما كنت أطالب بأي قراءة لبحثي.
أبدأ بما هو الأسهل وهو مسألة الديون: مثل ما قيل صدر به قرار الهيئة وأظن كذلك قرار المجمع، والقراران مبنيان على بناء الزكاة وعدم الزكاة على الدين المرجو وغيره، إذا كان الدين مرجوا- أي إذا كان على شخص قادر على الأداء- فهذا طبعا تجب فيه الزكاة، وإذا لم يكن مرجوا فلا تجب فيه الزكاة إلا إذا عاد الدين إلى صاحبه، وحينئذ يدفع زكاة ماله عند الجمهور عن كل السنوات، وعند المالكية عن سنة واحدة، فأعتقد أن هذا القرار السابق يغطي الحاجة، ولا نحتاج إلى إعادة النظر في مسألة الديون.
بالنسبة لديون الله سبحانه وتعالى فأنا أعتقد أنها لا تدخل في هذا المقام، لأن هذا حق الله سبحانه وتعالى، ودائما حقوق العباد مقدمة على حق الله سبحانه وتعالى، وحق الله متعلق بذمته، فإذا لم يُؤدَ هذا الشيء فهو آثم، أما الزكاة فتجب في أمواله، فلا تحسم هذه الديون ما دام صاحبها لم يؤديها.
أما مسألة الأسهم فحقيقة أضم صوتي إلى صوت الإخوة الكرام الذين قالوا بوجوب إعادة النظر في قرار المجمع، لأنه ليس هناك شيء في الحقيقة يبنى على المعرفة أو عدم المعرفة، ولا سيما قد اضطربت أقوال المعاصرين في هذه المسألة، فمنهم من يقول: إنه لا تجب عليه الزكاة، ومنهم من يقول: إنه تجب عليه الزكاة في الريع بنسبة (2.5 %) ، ومنهم من يقول (5 %)، ومنهم من يقول:(10 %) ، ونسمع هذه الفتاوى في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ولذلك ينبغي أن يصدر في هذا الموضوع قرار.
أنا أقول: لا بد أن ننظر إلى السهم باعتبار ما يمثله، وكما لا يخفى على حضراتكم هناك خلاف بين تعريف السهم، منهم من يقول- وهم الفقهاء المعاصرون وقرار المجمع-: إن السهم عبارة عن حصة شائعة من الشركة وأعتقد أن هذا المنهج هو الصحيح، على عكس ما ذهب إليه الإخوة الفضلاء حيث قالوا: بأن السهم عبارة عن حق قانوني فقط، وقد رد على ذلك في ندوات علمية في هذه المسألة، فالسهم حصة شائعة من الشركة، وما دام السهم حصة شائعة من الشركة إذن لا بد أن ننظر إلى طبيعة هذه الشركة، وإلا فيكون هناك خلل في التأصيل الفقهي، فإذا كان السهم حصة شائعة، فلنفرض إذا كانت الشركة تجارية أو مدنية أو صناعية أو زراعية فلا بد أن ينظر إلى طبيعة هذه الشركات، فلو أنشأنا شركة للاستصلاح الزراعي والزراعة فماذا تكون الزكاة؟ هل تكون الزكاة مثل زكاة بقية الأموال؟ أنا أعتقد أنه لا بد أن ينظر إلى هذا الجانب.
وإذا كان السهم يمثل مصنعا، فالمصنع لا تجب فيه الزكاة إلا في ريعه، ويمكن أن نختلف في زكاة ريع المصنع هل هي على العشر أو نصف العشر أو على (2.5 %) (ربع العشر) ؟ هذه المسألة أعتقد أنها تحتاج إلى نوع من التأصيل. وإذا قلنا: إن السهم حق قانوني فحينئذ يقدر بالقيمة دائما
…
ما دمنا نحن تركنا هذا الرأي وأن السهم حق قانوني وذهبنا إلى أن السهم حصة شائعة من الشركة لا بد أن ننظر إلى طبيعة الشركة، فمعظم الشركات هي شركات تجارية، فرأي الهيئة العلمية للزكاة رأي وجيه، لكن مثل الشركات الزراعية والمصانع أنا أعتقد أنه لا بد من التفصيل والاستثناء لهذين النوعين بالنسبة للشركات، حتى بالنسبة لشركة مصانع في الحقيقة ربما لا يتأثر القرار كثيرا، لماذا؟ لأنه ينظر إلى الموجودات الثابتة ليس من الموجودات الزكوية، لكن القضية فيما إذا كانت الشركة زراعية فلا بد أن ينظر فيها نظرة تأصيلية وتفصيلية في هذه المسألة.
أما بالنسية لمؤونة الزراعة: فكما لا يخفى على حضراتكم أن هناك أنواعًا كثيرة من هذه المؤن، مؤونة الزرع نفسه، مثل قيمة الحبوب والزرع وما يخص الحرث والدياسة والنقل والحصاد، هذا نوع من المؤونة. والنوع الآخر قيمة الكري والري ونحو هذه المسائل، هذه ملحوظة في أصل الإيجاب حيث تنتقص الزكاة من العشر على نصف العشر إذا كان الري مختلفا، إذا كان من ماء السماء أو إذا كان من ماء يحتاج فيه إلى المؤونة والجهد، كذلك أجرة الأرض كما قال بعض الإخوة الكرام، وأجرة العمال، ونفقة المالك على نفسه إذا لم يكن له وسيلة للعيش منها، فهل تخصم كل هذه المؤن من الموجودات الزكوية في الزراعة؟
ومن جانب آخر حينما ننظر إلى التجارة على الرغم من أن الزكاة في التجارة هي ربع العشر نجد أن التاجر ينفق من ماله على نفسه وعلى عياله، وتخصم كل هذه النفقات ولا ينظر إلى الربح إلا بعد الربح الصافي، والربح الصافي هو ما يتخلص بعد كل هذه النفقات، رغم أن الزكاة ربع العشر، في حين أن زكاة الزرع إما العشر أو نصف العشر.
أنا أعتقد- والله أعلم- أن في الحديث النبوي اختلافًا بين زكاة الزرع إذا كان يسقى بماء السماء، أو يسقى بماء فيه مؤونة، فيه إشارة إلى ملاحظة هذه النفقات، ولكن كل ما يخص الزرع في اعتقادي ينبغي أن يخصم، وكل ما يخص الشخص نفسه ربما الراجح ألا يخصم. ولو وضعنا معيارا مثل ما ذهب إليه أخونا الدكتور علي الندوي في إلا يتجاوز الثلث أعتقد أيضا أنه معيار مناسب في هذه المسألة.
أما الفرق بين الاستدانة أو من ماله الخاص لا أرى تأصيلا شرعيا لهذا الفرق، هذا صرف ماله سواء كان دينا أو غير دين لا أرى أن الزكاة تختلف إذا كان الإنسان يستدين أو إذا كان الإنسان ينفق من ماله الخاص في بقية أنواع الزكاة مثل التجارة، وأعتقد أن تلاحظ لجنة الصياغة كل تلك الاعتبارات وتجد لها حلولا مناسبة وتأصيلات شرعية في هذه المسألة.
وأشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ علي الندوي:
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك بعض الإشكالات المثارة لا بد من رفعها لكي يسير البحث في مساره الصحيح.
في الواقع عندي ثلاث ملاحظات: أبدأ بالملاحظة المتعلقة بمسألة زكاة الأسهم كما يأتي:
في القرار الصادر من المجمع الموقر بشأن زكاة الأسهم في الشركات تطرق القرار إلى معالجة الحالة التي لم تُزَكِّ فيها الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، ووجب على المساهم أن يزكي أسهمه، ولكن لم يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه، ونص القرار في هذه الصورة على أنه إن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي وليس بقصد التجارة فإنه يزكيها زكاة المستغلات.
وتمشيا مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية.. وفي الحقيقة لا اعتراض عندي على مفاد القرار من حيث الأصل، ولكن الإشكال في عدم تحديد هوية الأسهم التي تكون صالحة للاستغلال بقصد الاستفادة من ريعها سنويا بحيث تكون نية المساهم محل الاعتبار، لأن النية لا بد أن تصادف محلها الصحيح، فإذا كانت تمثل أسهم العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية فالقياس سليم إذ لا وجود فيها لنقود وديون مستحقة على العمليات، أما إذا كانت الأسهم لشركات أخرى تمثل مردوداتها ديونا ونقودا فتجب فيها الزكاة بحكم الشرع لا محيص عنها، إذ لا عبرة لنية مكلفيها، فإذا لم يكن غرض المساهم المتاجرة فيها فهو شريك مساهم فيها، واحتفاظها بإيراد لا يعفيه من زكاة الموجودات الزكوية فيها، كما هو شأن زكاة أموال الشركة والمضاربات، فكان الواجب تحديد نوعية الأسهم التي تصلح للقنية، فهذا مكمن الخلل عندي في هذا الموضوع، لأن الأسهم لا تمثل في ذاتها سلعا، وإنما ينظر فيها دائما إلى مقوماتها وموجوداتها، لأن السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، ولذلك عند تداول هذه الحصة بيعا وشراء ينظر إلى موجوداتها ويحكم بالجواز وعدم الجواز في ضوئها.
ففي حالة ديون ونقود في السهم وهي تراعى في حالة البيع والشراء، فكذلك في حالة الزكاة لا بد من مراعاتها من حيث إعطاء الأحكام حسب المقتضيات الشرعية.
ويمكن أن تنقسم الأسهم إلى ثلاثة أقسام:
1-
أسهم قصد منها المساهم المتاجرة فيها، فهذه لا خلاف فيها أنها تكتسب سمة العروض التجارية، بشرط ألا تكون فيها غلبة الديون والنقود، وفي كل الأحوال جميع موجوداتها تعتبر زكوية.
2-
أسهم قصد منها المساهم المشاركة، أي أنه يظل شريكا في شركة ما لمدة معينة أو إلى حين التصفية، ويسري على هذا النوع حكم زكاة أموال المشاركة والمضاربة، فقد تكون هناك أصول ثابتة لا تخضع للزكاة، وهي ربما تدخل في مرحلة إنشاء الشركة فقط.
3-
أسهم قصد منها المساهم الحصول على الريع فقط، بمعنى أن نشاط الشركة المساهمة يدور في العقارات والأراضي المأجورة، وفي هذه الصورة لا زكاة إلا في ريعها إذ لا يتصور في الغالب أن تكون هناك موجودات زكوية أخرى في مثل هذه الأسهم.
ولا مانع من دمج القسمين الأخيرين تحت مسمى الأسهم المقتناة بغرض الحصول على نمائها، ولكن في هذه الحالة لا بد من ملاحظة ما سبق ذكره وهو أنه في حالة اشتمال الأسهم على موجودات زكوية لا بد من أداء زكاتها.
وهنا بمناسبة الأخذ بالتحري في المسألة المثارة يسترعى النظر إلى أن فضيلة الشيخ أستاذنا الجليل الصديق الضرير- حفظه الله تعالى- اعترض على القائمين باعتبار التحري لأنهم يقيسونه على التحري في معرفة القبلة، وقال: (إن هذا القياس غير سليم، لأن المصلي الذي لا يستطيع معرفة القبلة لا بديل له عن الصلاة الواجبة، وعليه أن يصلي بحسب غلبة ظنه ولو بغير دليل، أما المساهم الذي لا يستطيع معرفة ما يخص أسهمه من الزكاة بحسب الأصل وله بديل هو إخراج الزكاة بحسب نيته وهو بديل مقبول شرعا.
أقول: هذا البديل المقبول شرعا في الأسهم التي تحتمل نية اعتبار المكلف وهي التي تكون على حكم زكاة الأراضي المأجورة فقط، أما إذا كان فيه موجودات زكوية فعلا بالنسبة للنقود فلا عبرة للنية،.. أخذ بمبدأ التحري فهو أيسر سبيل لمعرفة ما يخص السهم، وثانيا: ذِكْرُ القبلة هنا ليس من باب القياس وإنما من باب ضرب مثال للتحري للتنظير الأصولي، وهناك فرق بين الأمثال والأشباه والنظائر، ويكفي التنظير أن يكون مطابقا ولو في وجه واحد فقط.
كما أن الرجوع إلى الظن الغالب وبراءة الذمم بناء عليه أمر مجمع عليه في الشرع متى ما تعذر الوصول إلى حالة التيقن، فهنا يقوم الظن الغالب مقام اليقين، ومن المقرر في القاعدة المتفق عليها في المذاهب الأربعة:(إن ما قرب من الشيء يأخذ حكمه) .
ملاحظة أخرى حول ما آثار الشيخ من إشكال في رأي المالكية حيال طرح النفقة من المحصول الزراعي؛ فذكر فضيلة الشيخ في بحثه رأي المالكية ثم قال: (وعلى ما صححه ابن العربي فإن المالكية لا يحسمون الدين ويحسمون النفقة وهذا مشكل، فكيف تحسم النفقة ولا يحسم الدين؟) .
أقول: إن المالكية لا يجيزون حسم الدين من الزروع والثمار صراحة، كذلك لا يجيزون حسم النفقة المترتبة في نفس إصدار محل الزكاة كما يستفاد من كلامهم في هذه المسألة.
أما الاختلاف الذي أشار إليه الإمام ابن العربي فلم أقف عليه مع محاولة البحث عنه، وفعلا إذا أخذ ما أورده في الاعتبار فهذا مشكل في ظاهر الأمر كما ذكر الشيخ، ولكن إذا ثبت ما ذكره الشيخ ابن العربي ألا يزول هذا الإشكال إذا قيل: إن المالكية لا يحسمون الدين من المحصول إلا فيما استدانه في الإنفاق على الزرع والثمار خاصة، كما هو وجه عند الحنابلة أيضا والمختار عند ابن قدامة وظاهر الرأي عند الخرقي.
هناك نقطة أخرى بصدد التعليق حول النفقة من المحصول وينبغي أن يشار إليها، وهي أن فضيلة الشيخ الطيب سلامة- سلمه الله تعالى- ذكر مذهب عطاء بن رباح وهو أن ترفع النفقة كلها ما عدا السقي قبل إخراج الزكاة من المحصول.
ثم ذكر كذلك أن عددا من المشاهير أمثال الحسن وسليمان بن يسار وميمون يرون رأي الإمام عطاء عازيا إلى فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي الحقيقة شيخ الإسلام ذكرهم بصدد عرض مسألة حكم الزكاة إذا كان على مالك الزرع والثمار دين، فالزكاة ساقطة عند هؤلاء الأئمة المذكورين في هذه الصورة.
وهناك أمر آخر: وهو أنه لم يثبت عن السلف القول بطرح مقدار الثلث صراحة، وأما رجوع الإمام ابن العربي إلى الحديث الذي نص فيه على أن يترك ثلث المحصول أو ربعه فهو في معرض الاستنباط فقط، ولكن لا حرج في اعتبار الرأي المعاصر كما ذكر.
هناك نقطة أخيرة في الموضوع: فقد ختم الشيخ الضرير- حفظه الله- رأيه في الدين بأن الدائن يطالب بإخراج الزكاة عند قبضه أو التمكن من قبضه لما مضى من السنين وإن كان الدين على جاحد أو مماطل، إلى آخر ما هو معروف في هذا الرأي، وهو رأي المجمع ورأي كثير من الفقهاء، وفي الواقع هذا الإفتاء مبني على الاحتياط ولكن قد يكون فيه عسر لكثير من الحالات، ولذلك لا مانع من أن يُفكر في هذه الحالة في رأي الإمام إبراهيم النخعي رحمه الله الذي يخلص إلى أن الزكاة فيها على المدين المماطل الذي يأكل الحقوق وهذا لا سيما للأفراد لأنهم لا يملكون أساليب التصيد إذا صح التعبير مع احترامي للمؤسسات المالية. وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن منيع:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
…
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله لجباية الزكاة من الخارج من الأرض ومن بهيمة الأنعام، وكان عماله لا يسألون المزكي هل عليه دين أم لا؟ فكانوا يأخذون الزكاة مما هو موجود مما هو مال زكوي، ومع ذلك لم أجد أحدا من إخواني المعلقين والمناقشين تعرض لهذه النقطة وهي ذات أهمية. والعلماء رحمهم الله بحثوا وقالوا: إن الأموال لا يخلو أمرها إما أن تكون باطنة.. وقال بعض أهل العلم: يجب أن تحسم الديون من الأموال الزكوية من الأموال الباطنة ويزكى الباقي، كما وجه بذلك أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه وأرضاه.
وأما الأموال الظاهرة فما كان عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون المزكي هل عليه دين أم لا.
فيجب أن يكون هذا محل ملاحظة، ثم إن الديون لا يخلو أمرها إما أن تكون ديونًا على أملياء باذلين أو على مماطلين أو على معسرين. فإن كانت على أملياء باذلين فتجب الزكاة في ذلك عن كل عام، وإذا كانت على مماطلين أو على معسرين فقد اختلف العلماء- رحمهم الله هل تجب الزكاة في هذه الديون، أو تجب عند قبضها لسنة واحدة، أو لا تجب إلا بعد مرور حول على قبضها؟ هذه أقوال ثلاثة للعلماء وقد اتجهت الفتوى لدينا في المملكة العربية السعودية على أن الديون التي هي على معسرين أو مماطلين لا تجب فيها الزكاة إلا بعد قبضها ومرور عام عليها. هذا فيما يتعلق بهذا الموضوع، وفي نفس الأمر كذلك ما يتعلق إذا كان للإنسان أو على الإنسان دين تحدثنا عن هذا على أساس أنه إذا كانت الأموال باطنة فله حق أن يحسمها مما عليه ثم يزكي الباقي.
ما يتعلق- حفظكم الله- بموضوع زكاة الأسهم، فنحن في الواقع أمام زكاة الشركات وزكاة الأسهم التي هي تمثل الشركات. فالشركة لا يخلو أمرها إما أن تكون صناعية أو أن تكون تجارية، فإن كانت شركة صناعية فلا يخفى أن الأجهزة والأصول الثابتة لا زكاة فيها، وأن حكم زكاتها حكم المستغلات أشبه بما يكون عقارات معدة للغلة فتجب الزكاة في صافي دخلها، إما إذا كانت شركات تجارية فالزكاة واجبة في رأس مالها وفي جميع ما هو خاضع للزكاة فيها من مخصصات محتملة ونحو ذلك، وفي نفس الأمر كذلك ما يتعلق بالربح وما يتعلق بالاحتياطيات، كل ذلك وعاء زكوي يجب أن تخرج الزكاة منه، هذا ما يتعلق بالشركة نفسها.
فإذا كانت الشركة لا تُخرج الزكاة وإنما وكلت أمر إخراجها إلى المساهم نفسه فالمساهم لا يخلو أمره من حالين: إما أن يكون غرضه في تملك هذه الأسهم استغلالها دون المتاجرة فيها، فإن كانت الشركة تُخرج الزكاة فلا تتكرر الزكاة عليه، وإن لم تكن تخرج الزكاة فإن كانت الشركة شركة تجارية فيجب أن يُخْرَجَ زكاتُها وفق قيمتها الدفترية، قيمتها الحقيقية أو قيمتها في افتراض تصفيتها، وأما إن كان غرضه من ذلك هو المتاجرة فيها فيجب عليه أن يخرج زكاتها كعروض تجارة.
وفي نفس الأمر أنا أؤيد ما اتجه إليه مجموعة من إخواني المعلقين والمداخلين في أنه يتعين على المجمع أن يعيد النظر في إغفاله نية المساهم، لأن نية المساهم لا شك أنه يترتب عليها أمور لها أهميتها في الزكاة، فإن كان قصده التجارة فتجب الزكاة عليه وفق قيمتها السوقية، وإن كانت نيته الاستغلال فتجب قيمتها وفق نوعية هذه الشركة؛ إن كانت شركة صناعية فمن صافي ناتجها، وإن كانت شركة تجارية فتجب الزكاة في جميع ما يتعلق برأس مالها واحتياطياتها ومخصصاتها الاحتمالية، ونحو ذلك مما هو خاضع للزكاة.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور نظام يعقوبي:
بسم الله الرحمن الرحيم
نتقدم بشكرنا الجزيل إلى الإخوة الباحثين وإلى فضيلة الشيخ العارض على عرضه الجيد وتلخيصه للموضوع.
النقطة الأولى التي أريد أن أتكلم فيها: أن الأبحاث لم تتعرض إلى المقدار الواجب إخراجه في زكاة الأسهم إذا اقتنيت بغرض الاستثمار عند من يقول: إن الزكاة من الريع، أي تزكى زكاة المستغلات، فيبدو أن الإخوة الباحثين اكتفوا بما جاء في قرار المجمع ولم يخرجوا عنه، وحيث إن الموضوع يعاد بحثه والنظر فيه، فكنت أرغب لو أن أصحاب الفضيلة ذكروا الأقوال الواردة في المسألة وخاصة أن كثيرا من أهل العلم يفتي بها في هذا العصر وهيئات الفتوى كما تفضل الشيخ السالوس والشيخ القره داغي، فلو أنهم تعرضوا لذلك وبينوا، وهناك رأي يقول: إن الريع يزكى بنسبة (5 %) وهناك (10 %) وهناك (2.5 %) وهكذا. فلو أن الأبحاث تعرضت لذلك ثم رجحت ما تراه مناسبا في هذا الباب.
النقطة الثانية: مسألة الشركات المساهمة المعاصرة وخاصة إذا نظرنا إلى الأسواق العالمية. هذه الشركات أصولها معقدة جدا، فالإخوان يقولون ننظر هل هي زراعية أو تجارية أو غير ذلك، هناك شركات تجمع كل هذه الأمور، فيها زراعة وفيها صناعة وفيها تجارة وفيها أموال وتمويل وغير ذلك. فإعلان المقدار الواجب في الأصول من الزكاة هذا خاص بالشركات الإسلامية، وحتى الشركات الإسلامية القليل منها يعلن ويترك الأمر إلى المساهمين في غالب الأحيان، وعموم الناس يقتنون الأسهم، وخاصة الأسهم العالمية التي كثر الآن التعامل فيها، هؤلاء يُشْكِلُ عليهم أمر البحث في تفاصيل مكونات الأسهم، إذا عقدنا الأمور عليهم قلنا: يجب عليكم أولا عندما تقتنون السهم لا بد أن تنظروا في نشاط الشركة مقدار النقد والدين ونسبة الربا، وهذه الآن الحمد لله أصبحت هناك وسائل لمعرفتها، ثم تُعَقَّدُ عليهم المسألة مرة أخرى ونقول: إذا أردت أن تقتنيها فأيضا لازم تنظر في زكاتها، وهل هي زراعية أو صناعية؟ وكم زراعية وكم صناعية، وكم تجارية، وكم مالية؟ فعند ذلك لن يُخرج الناس الزكاة عن هذه الأسهم لأنهم يقولون هذا أمر معقد ولا نستطيع. فلا بد من النظر أيضا في الأمور العلمية، كيف يمكن أن نسهل الأمر للناس في إخراج زكوات الأسهم؟ وإلا فإنه سيحبطون ولن يخرجوا الزكاة إلا بمقادير يقدرونها وقد تكون أقل وقد تكون أكثر.
الطيب سلامة:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم:
الزكاة كما هو معلوم ركن من أركان الإسلام وبنيت أحكامها على مقاصد شرعية، لم يجعل الإسلام الزكاة ركنا إلا لما لها من دور عظيم يجب أن نلحظه دائما وأبدا، ولا يجوز أن ننفك عن النظر إلى هذه المقاصد الشرعية، فالزكاة عبادة، وكونها عبادة ليكون فيها الإنسان مسئولا أمام ربه، لأن في الزكاة أمورا وفي الزكاة أموالا غير ظاهرة، ولذلك قسم الفقهاء أموال الزكاة إلى ظاهرة وخفية. السيولة من الذهب والفضة من يطلع عليها من الحكام أو ممن يقومون على أمر الزكاة، ولذلك لم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم جباة في الزكاة إلا في أمرين: في الزراعة وفي الأنعام.
رَبْطُ الزكاة بالخالق سبحانه وتعالى الذي أوجبها فيه ضمان لتجري هذه الزكاة في الحياة ولتقوم بدورها. دور الزكاة دور اجتماعي، ولذلك من حاول من الفقهاء أن يقف بالزكاة عند حد العبادة أو عند حد المعاملات فقط لم يفلح
…
حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء وحتى يعيش الفقراء والعُجَّزُ ومَن ذُكروا في الأصناف الثمانية الذين تصرف إليهم الزكاة. من الفقهاء في المذاهب الفقهية من حرص على نصيب الفقير ويكاد يكون أغفل حق معطي الزكاة المزكي أو من وجبت عليه الزكاة، حتى إن بعض المذاهب يذهب إلى القول بأن ما أكلته الدابة من الزرع والحبوب فعلى المزارع إخراج زكاته لأنه فرط في ذلك، في حين أن الحديث الذي أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك الثلث للمزارعين فإن لم يترك الثلث فالربع، وفي هذا مندوحة لما يأكله المزارع وما تأكله دوابه ولما يأكله جيرانه وعماله، إلى غير ذلك.
الزكاة إذا أردنا أن نحرص على مقدارها الذي يستحقه الضعيف والفقير والأصناف الثمانية لا يكون الحرص مباشرة في أن يكون المقدار مدققا فيه، وإنما يكون الحرص بالتشجيع على من يعطي الزكاة. إذا كنا نحرص على المقدار ولا نحرص على الإبقاء على قدرة المزارع نكون قد أخطانا خطأ كبيرا. المزارعون اليوم الذين يحرصون على أن يقوموا بحقهم نحو خالقهم ونحو الفقير المسكين المستحق لهذه الأموال المزارعون اليوم في حيرة، يشتكون ويطلبون الفتوى. بعد بحث وبعد اتصال بكثير من المزارعين من الثقات ومن الناس الذين يخافون ربهم والذين يمسكون بدفاتر المحاسبة ويعرف ماذا أنفق وماذا أنتج، تتراوح النفقات بين (40- 60 %) من المنتوج، وهذا بالطبع يختلف باختلاف وفرة الإنتاج في العام السابق، ويختلف باختلاف قلة الإنتاج في سنوات الجائحة، وفي بعض السنوات ما أنفقه لا يستطيع أن يسترجع عشر معشاره، ولذلك تكون الخسارة كاملة.
فالفلاح اليوم يقول لك: كيف الحل؟ أنا بين أمرين، ما بين أن يجد لي الشرع حلا وأستمر في عملي الذي هو عمل آبائي وأجدادي والذي هو أصل الزراعة التي هي أصل الحضارة وأصل الاقتصاد، معروف عند علماء الاقتصاد أن الانتقال إلى التجارة والصناعة لا يكون إلا بعد طور الزراعة، وبعد أن نجتاز طور الزراعة بعد تأمين الزراعة وبعد تأمين الغذاء للأمة، ولذلك نحن اليوم في عالم الذرة، ولكن الذرة لا تستطيع أن تفعل ما يفعله الأمن الغذائي، والأمم القوية اليوم التي تدير العالم في أصبعها كالخاتم مدركة لهذا، إلى جانب كونها تملك الذرة وتملك الأسلحة والأموال والعتاد هي تملك الأمن الزراعي، هي تعطي من القمح والحبوب للشعوب وتمسك عليهم الحبوب لتلزمهم بما تحب وتريد، هنا إذن أهمية الزراعة لا شك فيها ولا خلاف فيها، وأعتقد أنه من الواجب الشرعي أن نعين المزارعين وأن نشجعهم ليبقوا، لأن الزراعة فيها أتعاب، والأتعاب الموجودة في الزراعة لا توجد لا في التجارة ولا في الصناعة، فإبقاء المزارعين في حقلهم وميدانهم هو متأكد، هو واجب شرعي ديني وواجب وطني، حينئذ أرى في بعض الأحيان في المذهب المالكي الحرص على نصيب الفقراء ما يبعث على الدهشة.
نحرص على الفقير، الفقير من أين سيأكل؟ إذا كانت تدعو المزارع إلى الإفلاس وتدفع به إلى الإفلاس أو إلى الهروب من الزراعة، ما هذا الحل؟ ولذلك يتأكد العمل
…
نحن لا نشرع شرعا جديدا، في شرعنا وفي النصوص الموجودة ما يكفي لإيجاد الحلول للمسائل القائمة المعاصرة. دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم الخارصين ليتركوا الثلث، فإن لم يتركوا الثلث فيتركوا الربع، هذا كيف؟ ولذلك قلت في بحثي: نبدأ بطرح النفقات وحسمها من المنتوج العام مما ينتجه الزارع، بشرط أن تكون تلك من النفقات، لأن النفقات على نوعين ينفق المزارع لينمي ثروته وليحدث إحداثات وأساسات تزيد في قيمة الأرض، الأرض إذا حفر فيها بئرا تزيد قيمتها فهذا لا يعد من النفقات، ووضعت شبه قاعدة وقلت: كل النفقات التي تسمى نفقات استهلاكية والتي تتكرر لتكرر العمل الزراعي هذه نعتبرها نفقات، وكلها داخلة في كلمة نفقات وداخلة في الحسم، الأدوية تتكرر، العمل يتكرر، الآلات الصغيرة مثل المحاريث والمعاول وما أشبه ذلك، واليوم الفِلَاحَةُ صارت معملا فيها مختبر لتحليل الأرض، ومختبر لتحليل الأمراض والمزروعات، وفيها ورشة لإصلاح الآلات
…
إلى آخره، بحيث عندما تدخل مزرعة من المزارع الموجودة اليوم وتسمى زراعات كاملة تجد فيها كل شيء، وهي عبارة عن قرية صغيرة بعمالها وورشها ومختبراتها ومساكنها إلى آخره، هذه النفقات لا يستطيع الفلاح أن يتحملها إذا كانت لا تحمل على المنتوج، لأنها هي التي تنمي المنتوج، فلا يمكن أن يدفع الفلاح النفقات من جيبه ومن أين يدفعها؟ لا يمكن أن تدفع إلا من المنتوج.
النفقات التي لا دخل للمنتوج فيها، أو لا ترجع على المنتوج العاجل، مثل مد قنوات للمياه وبناء البرك وحفر الآبار، كل هذه لا تدخل ولا تحسم من المنتوج لأنها تعيش سنوات وتزيد من قيمة الأرض، وقلنا أيضا: من الآلات المرتفعة الثمن التي تعيش لسنوات عديدة، مثل الجرارات وآلات الحصاد وهي غالية الثمن، قلنا أيضا: تزيد هذه من قيمة المزرعة ولكن الصيانة لهذه الآلات هي داخلة في النفقات. قلنا: وسائل النقل؟ حيث ينقل الفلاح المواد التي يستعملها ولينتقل هو بدوره.. لأن أصل رأس المال باق. حينئذ هذه النظرة للزراعة بعد ما يحسم الفلاح هذه النفقات باستثناء النفقات الراجعة لقضية الري، لأن قضية الري فيها نص، لا يمكن أن نترك النص ونشرع تشريعا جديدا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) .
نحن قلنا: إذا كانت الزراعات التي تسمى اليوم زراعات بعلية والتي لا تحتاج إلى سقي وإلى قنوات ممدودة وإنما هي تسقى من السماء، مثل الزيتون عندنا في تونس.. فهذه النصاب فيها إذا كان لا توجد نفقات أخرى، وقلنا: تطرح من جانب آخر وهو وعاء النفقات، أما وعاء السقي خاصة إما العشر إذا كانت الزراعات بعلية، أو نصف العشر إذا كانت الزراعات سقوية، وبذلك أحببت أن أنص على هذا لأن ما ذكرته أنا لم يقع التنصيص عليه وأحببت أن أبين وجهة النظر فيه.
قضية الأسهم: أنا لا أرى أن الإنسان يمتلك سهما في شركة غير إسلامية وإذا كانت الشركة إسلامية فأمورها واضحة، كل الشركات اليوم أعتقد أن أمورها واضحة، ولا شيء من الموجودات التي تحت يدها غير مضبوط وغير معروف، ولذلك القضية التي أثارتها الهيئة في ندوتها الحادية عشرة في كون موجودات زكوية بالنسبة للأسهم المقصود منها الاستثمار غير الأسهم التجارية لم أستطع أن أتصورها.
وفتاوى ثلاثة أيضا لا أدري ما هو السبب لهذا؟ إذا وجد شيء مجهول نتجاهل الشركة، وكل شيء مضبوط عند الشركة نطلع عليه ونعرف ما عندنا ونزكي بحسب ما هو موجود، وإذا كان تأخر العلم فلا ضير في هذا، الإنسان قد يكون له مال غائب فلا يزكيه، وهذا مثل المال الغائب فلا يزكيه حتى يحضر ماله، وفي بعض الأحيان تكون الزكاة حتى بعد وفاته
…
، بحيث إن الزكاة ليست على الفور، إذا كانت وجدت الأمور التي توجب التعجيل بالزكاة نزكي وأما إذا كان أمر دعا إلى تأخير إخراج الزكاة حتى نعلم، فأفضل من أن نلجأ إلى التحري أو إلى التقديرات أو أقيسة لا أعتقد أنا شخصيا مع كامل احترامي للإخوة ولنظرهم لا أعتقد أنها تتماشى مع الموضوع.
وشكرا.
الشيخ صالح المرزوقي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
بالنسبة للدكتور الأخ علي الندوي أورد في زكاة الأسهم ثلاثة أقوال:
الأول: أن يقوم المالك بالتحري ويزكيها بما يغلب على ظنه أنه يبرئ ذمته.
الثاني: يجب أن يخرج (2.5 %) من قيمتها السنوية.
الثالث: يجب عليه تزكية ثمنها عند بيعه فور قبضه من غير انتظار حولان الحول.
ثم نقل كلاما عن ابن شاس بشأن زكاة الحلي إذا كان منظوما بشيء من الجواهر مفاده التحري. وأورد الباحث نقولا عن العلماء في إعمال التحري ليخلص إلى ترجيح الرأي القائل بزكاة الأسهم، بناء على تحري قيمتها وإخراج ذلك بناء على تحريه. وقد رجح الباحث هذا القول.
وقد رد على الرأي الثالث معترضا عليه، ولا نخالفه في اعتراضه ولكننا نلاحظ عليه أنه لم يناقش الرأي الثاني القائل: تزكَّى (2.5 %) بناء على قيمتها السوقية، حيث إنه لم يعترض عليه ولم يناقشه ولم يرجحه.
وملاحظة ثانية: لماذا لم ترجح الأخذ بالتحري وتدع القائل بالزكاة بناء على القيمة السوقية؟ لماذا ندع اليقين ونأخذ بالظن؟ فالقيمة السوقية يقين أو شبه يقين في تقدير الأسهم وأما التحري فهو ظن ولا ينبغي العدول عن اليقين إلى الظن. وما دمنا قلنا: تزكى زكاة عروض التجارة؛ أليست عروض التجارة تُقَوَّم بما تساويه في يوم تقديرها؟ والقيمة السوقية تفصح عما تساويه الأسهم من قيمة في يوم تقديرها عند تمام الحول.
والشيخ الدكتور الطيب سلامة يفرق أيضا بين النوعين، يرى أن الأسهم التي يقصد منها عدم المتاجرة فيها بالبيع والشراء إن ساهم بقصد استثمار الأسهم والاستفادة من ريعها السنوي فإنه يزكيها زكاة المستغلات، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم إنما تجب الزكاة في الريع وهذا حسب رأيه، والذي أميل إليه ألا نفرق بين نوعين من الزكاة بالنسبة لما يراد أن يقتنى وما يراد أن يباع ويتاجر فيه، كلها أمور تجارية، والتجارة الزكاة فيها ربع العشر (2.5 %) . وهذا ما أردت أن أقوله، وأسال الله سبحانه وتعالى لنا وللجميع التوفيق والسداد وأن يبصرنا بالحق ويوفقنا إليه جميعا إنه الهادي لأقوم سبيل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
الشيخ أحمد الحداد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد أبي القاسم الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
شكرا معالي رئيس الجلسة والأمين العام ولجميع الحاضرين والباحثين.
أريد أن أتحدث في مسألة خصم تكاليف نفقات زكاة الزراعة.
من المعلوم أن هذه المسألة قد قدَّرها الشارع وقد خصم لها ما هو معلوم لديكم، حيث جعل لما فيه كُلفة نصف العُشر، وجعل لما ليس فيه كلفة العشر. وإذا أردنا بعد هذا أن نخصم كل التكاليف التي يتكلفها الزارع سنخلص إلى إسقاط الزكاة عن المزارعين في أغلب الأحوال. فإنني أعرف أو كل من عرفته من المزارعين في الإمارات العربية المتحدة لا يكاد أحد يذكر بأنه يحصل على ريع وإنما التكاليف أكثر من ريع المزارع، هذا هو واقع المزارع اليوم. فإذا أردنا أن نقول: يا مزارعون اخصموا التكاليف، سيخصم المزارع ما يحفره من آبار وقنوات الري والمعدات الزراعية وأجرة الحارس والعمال وما أشبه ذلك، هذه كلها تكاليف. الناتج أنه سنخرج بأن تكاليف المزرعة أكثر من ريعها بكثير. نقول لهم: إذا لماذا تتخذون المزارع طالما أنكم لم تحققوا جدوى اقتصادية منها؟ الجواب هو بأن يكون للإنسان مزرعة يعيش ويأنس فيها ويأخذ من ثمارها وإن كلَّفَته كثيرا.
فلذلك القول بخصم التكاليف الزراعية هذا فيه افتئات على الشارع في نظري، حيث إن الشارع قدر هذه التكاليف وخصمها مسألة توقيفية.
فلذلك أرى أن يعاد النظر في هذه المسألة في ضوء الواقع وضوء النصوص الشرعية.
والله تعالى أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد علي القري بن عيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، أحمده، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فأريد أن أتحدث عن عدد من النقاط:
النقطة الأولى: قد صدر عن المجمع قرار يتعلق بزكاة الأسهم، وقد بين لنا الأخ العارض في عرضه المتميز الباعث على طرح الموضوع مرة أخرى، وكذلك زكاة الديون فقد صدر فيها قرار من المجمع، ولكن الأخ العارض لم يبين لنا الباعث على إعادة طرح الموضوع، ولو كان فعل لتوجه النقاش إلى غرضه المطلوب.
النقطة الثانية: تعلمون حفظكم الله أن استثمار أكثر الناس بالأسهم في يوم الناس هذا إنما هو عن طريق المشاركة في صناديق الاستثمار، أي تلك المحافظ التي يقوم على إدارتها وعلى اتخاذ القرارات الاستثمارية فيها مدير متخصص، ويبلغ حجم صناديق الاستثمار في بلد كالمملكة العربية السعودية قريبا من عشرين ألف مليون ريال. وما يملكه المستثمر في الصناديق إنما هو وحدات في صندوق استثماري ولا يمتلك الأسهم التي يحتويها الصندوق، والصندوق بحد ذاته هو شركة مساهمة، والوحدات التي يمتلكها المستثمر هي وإن سميت وحدات فهي في حقيقتها أسهم في شركة موجوداتها من الأسهم، وهنا تثور أسئلة لم يتعرض لها أحد من الذين كتبوا في زكاة الأسهم، وهي:
هل الزكاة عندئذ هي على هذه الوحدات في الصناديق أم هي على الأسهم التي يضمها ويحتويها الصندوق؟
ومنها إذا كانت نية المستثمر القُنْيَةَ والاحتفاظ بالوحدات لا لغرض المتاجرة بل للغرض الاستثماري الطويل الأجل، فهل يؤثر ذلك على زكوية وحداته إذا كان مدير الصندوق يبيع ويشتري الأسهم الموجودة في الصندوق؟
ومنها إذا لم يكن لوحدات هذا الصندوق من سوق، ليس لها سوق تباع وتشترى فيه الوحدات كأكثر الصناديق المفتوحة، فهل يترتب على هذا أن تخرج من عروض التجارة وتصبح عروض قنية؟
ومنها أن الصناديق لا تدفع للمستثمر الذي يمتلك وحدات فيها ريعا سنويا وإنما يظهر ربحه في اختلاف القيمة الصافية للأسهم في الصندوق والتي تعكس القيمة السوقية لتلك الأسهم، ولا يتحقق له العائد فعلا إلا عندما يسترد قيمة وحداته في الصندوق، فكيف تكون الزكاة إذا قلنا: إن هذه الوحدات من عروض القنية وإنها تزكى زكاة المستغلات؟ هل تكون على الفرق في القيمة السوقية لأنه ليس لها عائد أو ريع؟
هذه مسائل تحتاج إلى النظر وإلى بيان أحكامها وهي من أشد ما يحتاج إليه الناس اليوم.
وقد قال بعض الباحثين حفظهم الله: إنه من الميسور على المستثمر معرفة وعاء الزكاة. فقال بعضهم: (بضغطة مفتاح على الكمبيوتر) وهذا ليس صحيحا بل إنه من أصعب الأمور، وهو عسير حتى على المتخصصين ناهيك عن المسلم العادي. والمعلومات غير متوفرة، وإذا توفرت له فإنها لا تتوفر في الوقت المطلوب، والحصول عليها مكلِّف وبخاصة عندما لا يكون للمستثمر إلا عددا من الأسهم.
هذا يحتاج إلى نظر.
ولم يعد هناك شركات تشتغل في الصناعة فقط أو في الزراعة فقط وإنما الشركات مختلطة تعمل في نشاطات كثيرة ومتعددة وتتبدل وتتغير ويصعب على المستثمر متابعة ذلك. وكيف له أن يعرف القيمة السوقية والقيمة الدفترية وهي مما يعسر حتى على المتخصصين في المحاسبة.
إن الزكاة ركن من أركان الإسلام ويجب أن تتسم بالوضوح والبساطة التي هي صفة كل ما أوجبه الله على العبد، أما أن تكون طلاسم ومعادلات رياضية يعجز عنها حتى المتخصص فهذا ليس من سمات تكاليف العبادة. وإنه يجعل القيام بهذا الركن أمرا عسيرا غير متيسر للمسلم العادي.
أيها الأفاضل:
لقد اتجه المجمع إلى تكييف السهم بأنه حصة مشاعة في موجودات الشركة، فحامل السهم يمتلك حصة من تلك الموجودات، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى إعادة نظر، لأنه لو كان مالكا للموجودات لظهر لهذا الملك آثار في التصرف وهذا لا يوجد. والقوانين المنظمة لعمل الشركات حتى في الدول الإسلامية لا تثبت ملكية حامل السهم لموجودات في الشركة.
ولذلك إذًا اتجه النظر إلى إعادة طرح المسألة فيحسن أن يكون هذا متضمنا في إعادة النظر والتأمل في هذا الجانب لما يترتب عليه من اختلاف في أحكام الزكاة.
إن حامل السهم يمتلك حصة في الشركة وليس في موجوداتها، وبينهما فرق من الناحية العملية والقانونية، ويترتب على المفهوم اختلاف في أحكام زكاة الأسهم.
وفيما يتعلق بزكاة الديون تعلمون- وفقكم الله- أن الديون اليوم لا تقتصر على الديون الفردية بل تتضمن ديون البنوك الإسلامية وديون شركات التقسيط وما أكثرها، وقد اتجه نظر المجمع إلى القول بوجوب الزكاة على الدين المرجو، وهذا ما تعمل به جهات كثيرة ومنها مصلحة الزكاة في المملكة العربية السعودية. يأتي الرجل فيشتري سيارة مقسطة عليه لمدة خمس سنوات مثلا، فيثبت في ذمته دين لهذه الشركة، هذا الدين تدفع الشركة زكاته لمدة الخمس سنوات المذكورة بمقدار الوعاء في كل سنة، ولكن الشركات في يوم الناس هذا يختلف عملها عن التجار في القديم، فهذه الشركات تزيد ربحها في البيع الآجل بمقدار تلك الزكاة حتى يبقى لها صافي ربحها لم يتغير، فتزيد التكلفة على مشتري السيارة لأنها تكرر هذه الزكاة على المشتري وهو أحوج ما يكون إلى المساعدة. ما أحسن رأي من قال: ليس على الدين زكاة حتى يقبض. إنها نقطة تستحق التأمل.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظات تنحصر في موضوع زكاة الأسهم، حيث إن هذا الموضوع هو الذي تجاذبه رأيان أو اتجاهان: أحدهما ما جري عليه المجمع وصدر في قراراته، والآخر ما تقترحه الهيئة الشرعية العالمية للزكاة، ورفعت أمره إلى المجمع لكي يكون هناك تناسق وتنظيم لهذا الأمر بشكل ليس فيه تناقض.
كنت أود أن يكون فضيلة الشيخ تقي هنا لأنه أسرع في الترجيح، ورأى أن ما جاء في قرار المجمع فيه غرابة لأنه تغير الحكم بين المعرفة بحساب الزكاة أو الجهل بها، والحقيقة أنه ليس منوطًا بهذا الجهل وإنما هو منوط بموضوع النية، لأن زكاة عروض التجارة لا بد فيها من النية، وهذه النية ينبغي أن توجد عند التملك، فإذا تملك سلعا وبضائع بنية المتاجرة صارت من عروض التجارة، وإذا تملكها بنية الاقتناء كانت من عروض القنية، وإذا لم تصدر له نية أو لم تتبين نيته كان مترددا بين الأمرين لم ينو التجارة فإنها أيضا لا تكون من عروض التجارة، وإذا تغيرت هذه النية من القنية إلى التجارة إلى القنية كان لهذا التغير أثره، أما إذا تغيرت من القنية إلى التجارة بعد أن تملكها بنية عروض القنية لم يكن لهذا التغير أثر. فأسهم الشركات كما هو مقرر عند الفقهاء المعاصرين تمثل موجودات الشركة، وموجودات الشركة هذه فيها سلع اشترتها إدارة الشركة بنية المتاجرة، وفيها سلع اشترتها إدارة الشركة لتكون أصول قنية (أصول ثابتة) ، وفيها أيضا موجودات اشترتها لاستغلالها. إذًا هناك أموال الشركات- يا فضيلة الشيخ تقي- ليست متمحضة كعروض تجارة، فيها عروض تجارة، وفيها عروض قنية (أصول ثابتة) ، وفيها مستغلات، وهذا تقرر عند شراء هذه السلع، فيجري التساؤل الآن: هذا الذي اشترى السهم انتقلت إليه هذه الحصة المشاعة بهذه الخلطة فهل يطلب منه أن يجدد النية الآن، أم أنه تسري عليه نية المؤسس أو الذي اشترى هذه السلع في البداية؟.
هذا تساؤل ينبغي أن نأخذه بالاعتبار لأن الأمر ليس كما جاء.. هو جاء في قرار المجمع في الصياغة التالية: (إذا لم يتمكن المساهم من معرفة حساب الزكاة فإنه يزكي ما اشتراه بنية الغلة ويزكي ريعها)، فليس الأمر مسألة أنه عرف أو لم يعرف وأن الحكم تغير بالعلم أو بالجهل حتى نقول: إن الإنسان لا يعذر بالجهل، ولكن الأمر يختلف بطبيعة هذه الأشياء وهي الموجودات في الشركة، هذه موجودات كما أشرت هي خلطة ما بين أصول ثابتة وعروض تجارة ومستغلات، وفيها الديون والنقود، فقرار المجمع ربما لحظ هذا الأمر لأن هذه الموجودات ليست كلها محلا للتجارة، فكان المصير إلى أن ينظر إلى نية هذا الشخص عند اقتناء هذا السهم، لتسري هذه النية على تلك الموجودات، وإن كانت هذه الموجودات فيها ما هو عروض تجارة وفيها ما هو عروض قنية ومستغلات، فيكون هذا من باب التغليب، كأنه غلب الأمر الذي فيه الاحتياط للمزكي لأنه إذا لم توجد نية التجارة لم تكن هذه السلع وهذه البضائع محلا للزكاة. هذا هو الذي بدا لي أن أنبه إليه وينبغي أن يؤخذ في الاعتبار، فقرار المجمع يبدو أنه سليم، لأن الأمر بيِّن، يعني ليس كل موجودات السهم والتي يمثلها السهم موجودات تجارية خاضعة للزكاة، وليست كلها معافة منها، إنما فيها هذا وذاك.
فقرار المجمع لاحظ أمر هذه النية التي ينبغي أن تتوافر في الموجودات التي تمثلها هذه الأسهم. فإذا لم نتأكد من وجود هذه النية نبقى على الأصل. الأصل أنها تعتبر غير خاضعة للزكاة، ولكن الريع (نقود) فإذن هي تزكى زكاة النقود، يأخذ ريع السهم ويضمه إلى موجوداته ويزكيه في حوله.
هذا هو التكييف الذي يبين أن قرار المجمع سليم، وإن كان في اقتراح الهيئة الشرعية العالمية للزكاة ما هو الأحوط لمصلحة الفقير، والفقهاء مختلفون إذا تردد الأمر بين ما هو أحوط للمزكي أو لمصلحة الفقير أيهما يؤخذ؟ فبعضهم يقول للمزكي، لأن الأصل أنه لا تثبت الزكاة إلا بدليل، وبعضهم يقول: إنه يرجح جانب الفقير، حرصا على مواساته ومساعدته.
والله أعلم.
الشيخ تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لإتاحة هذه الفرصة.
في الواقع إني أشكر فضيلة الدكتور عبد الستار- حفظه الله تعالى- حيث شرح التكييف الذي نحا إليه المجمع السابق، ولكنه ركز على أن نية صاحب السهم عند الحصول على هذا السهم هو الاستغلال، فإذا كان هذا هو المنحى فلماذا التفرقة بين أن يكون يعرف الأصول المتعلقة بذلك السهم وبين إلا يعرف؟ فإذا كان محط الأمر على نيته في الاستغلال فهذه النية موجودة عندما يعرف ما هي الأصول وراء هذا السهم. فلا مبرر إذن في التفرقة بين المعرفة وبين عدم المعرفة. هذا أولا.
ثانيا: ذكر فضيلته أن صحة السهم تمثل في بعض الأحيان أعيانا، وهذه الأعيان إما زكوية أو غير زكوية من مستغلات ونقود وديون، وقرار المجمع مكيفا على أساس التغليب، ولكن هل تكون المستغلات في جميع الشركات هي الغالبة؟ الغالب في الشركات هي التجارة إذا كانت شركات تجارية، أما إذا كانت شركات صناعية مثلا وليس فيها عروض التجارة فالأصل فيها هو التجارة.
ولذلك في الواقع أن ما ذكره فضيلته لا يبرر المسألة كما تصدرها المجمع في قراره السابق. وأرى أن يُفسر قرار المجمع بأنه ينصب على الشركات التي ليس فيها عروض تجارة وإنما فيها مستغلات وما إلى ذلك.
والله أعلم.
الدكتور شوقي دنيا:
بسم الله الرحمن الرحيم
بإيجاز شديد هذه بعض النقاط التي أود طرحها على حضراتكم، بعضها نقاط منهجية وبعضها موضوعية وهي للاستيضاح والتوضيح أكثر منها أي شيء آخر.
النقطة الأولى: نقطة منهجية.
أُثير أن سبب عودة المجمع لطرح موضوع الزكاة ما ذهبت إليه جهة علمية أخرى من رأي يختلف مع ما سبق أن أقره المجمع.
السؤال الذي أطرحه للتوضيح: لماذا؟ هل بالضرورة لا بد من إجماع فقهي من كل الهيئات حول كل المسائل المثارة؟ أعتقد أنه لا، إذن طالما أن للقرار السابق متجها جيدا ولقرار هيئة الفتوى متجها جديدا هو الآخر فلِمَ لا يبقى عليهما معا؟ وفي ذلك ما فيه من التيسير ورفع الحرج وعلى هذا صار الفقه الإسلامي في مختلف أبوابه وفروعه؟
النقطة الثانية:
تعلمنا من كتب فقهائنا- رحمهم الله أن الفقه الجيد والفتوى الجيدة ما راعت النص من جانب والواقع من جانب آخر حتى درجت أسماعنا على فقه النص وفقه الواقع وضرورة مراعاتهما. أقول ذلك تمهيدا للتذكير بما عليه الواقع الاقتصادي المعاصر من تعقيدات بالغة تستعصي- كما قال الأخ الكريم الدكتور القري اليوم لا فُضَّ فوه وإن كنت أختلف معه في بعض الجزئيات لكن لا بأس- تستعصي على المختص بالشؤون الاقتصادية والمالية ناهيك عن غيرها.
وبالتالي فمن الضروري حرصا على جودة الفقه والفتوى أن تراعي المجامع الفقهية ذلك في كل ما تقول به وتذهب إليه حتى لا تكون في واد والمخاطبون بهذه الأحكام في واد آخر.
قيل اليوم: إن الشركات كل بياناتها أصبحت تحت السمع والبصر. هذا كلام أبعد ما يكون عن الحقيقة، ونحن نعاني شدة المعاناة على المستوى الشخصي والمستوى القومي وكل المستويات من عدم الوضوح والشفافية. بيانات الشركات تخفى حتى على الكثير من كبار المساهمين، بعض المساهمين يمتلك مئات بل ألوف الأسهم ولكن لا يدري عن الشركة شيئا وإذا أراد لا يمكن، لأن الإدارة اليوم منفصلة عن المساهمين.
قيل أيضا: هناك شركات تجارية وهناك شركات صناعية، هذا كلام نظري صحيح لكن الواقع المعار أن الشركات اليوم أصبحت متعددة الهوية ومتعددة النشاطات والأغراض وليست وحيدة النشاط حتى يمكن تمييزها بشركة صناعية أو تجارية.
النقطة الثالثة:
زكاة الأسهم في أي شركة أو مشروع، الزكاة قد تنصرف إلى المالك للسهم أو إلى الشركة. إذا انصرفت إلى الشركة أو حتى إلى المالك، كل شركة، لا أتصور أن هناك شركة تمتلك أصولا متداولة ولا تمتلك أصولا ثابتة، ولا أتصور العكس. ليس هناك في الحياة الاقتصادية شركة لها أصول ثابتة وليست لها أصول متداولة أو عروض لتجارة، وأيضا ليس هناك العكس. وإن تفاوتت الشركات في النسب الممزوجة بينهم.
إذن توجد هناك أصول ثابتة والتي هي أصول القنية بالتعبير الفقهي، وأصول متداولة والتي هي- عروض التجارة بالتعبير الفقهي أيضا، وليس هناك شركة تتخصص في الصناعة للصناعة. الصناعة مآلها التجارة وتنتج لكي تبيع ولكي تحقق أرباحا، والتجارة عرفت بأنها شراء الرخيص، وبيع الغالي حتى في التعبير القديم والتعبير الحديث لا يخرج عن هذا، تكلفة وإيراد، وإلا تكلفة فقط، أو إنتاج لذات الإنتاج يبقى سوف نرجع إلى القهقرى وليس هو النشاط الاقتصادي المعاصر.
النقطة الرابعة:
الزكاة متعددة الجوانب لكنها ذات روح واحدة، إذا جاز التعبير ذات فلسفة واحدة وذات أسس واحدة. فهي متنوعة، هناك زكاة عروض التجارة وكذا وكذا، لكنها في جملتها تحت عباءة روح معينة وأسس معينة ومقصد معين.
تقطيع الخصوصيات والوظائف مرفوض، وجعل كل زكاة بمفردها نائية عن الزكوات الأخرى ولها كل أحكامها مرفوض، وجعلها زكاة واحدة والخروج عن الخصوصية التي وضعها الشرع لكل زكاة هي الأخرى مرفوضة.
أقول ذلك بمناسبة الحديث عن نفقات الزراعة ومحاولة الذهاب في ذلك إلى الخروج عن الروح العامة للزكاة. كل نشاط اقتصادي له نفقات؛ الزراعة ليست فقط هي التي لها نفقات. التجارة لها نفقاتها والصناعة لها نفقاتها والخدمات لها نفقاتها، فإما أن يسري الحكم على الجميع بخصم هذه النفقات أو تعفى هذه النفقات. أما أن هذا النشاط تُعفى نفقاته والنشاط هذا لا تعفى نفقاته ممكن هذا في الضرائب الشرعية أما في الزكاة فالزكاة مشمولة بروح واحدة.
قيل: إن النفقات نفقات استهلاكية ونفقات رأسمالية ونفقات طويلة الأمد. هي نفقات جارية- بالتعبير الجاري المعروف- ونفقات رأسمالية. الأهم من هذا أنه قيل اليوم: إنه تطرح النفقات الاستهلاكية لمن يقول بطرحها أما النفقات الرأسمالية أو الاستثمارية فلا تطرح. هذا كلام أيضا بعيد عن الحياة المالية والاقتصادية والنشاط الإنتاجي المعروف. المعروف- وعلماء المحاسبة موجودون- أن الأصول الرأسمالية في أي شركة لها استهلاكاتها وكل عام تعتبر هذه الاستهلاكات وليس نفقة الأصل ككل، وإن نفقة الأصل ككل لا تحمل على عام واحد، هم توصلوا إلى أشياء جلية وواضحة في هذا المجال، فإذ قيل بخصم النفقات الاستهلاكية فهذا صحيح وتخصم معها الاستهلاكات للأصول الثابتة. هناك الأخ عبد الستار طرح ثلاثة أنواع من الأصول في الشركات، عروض قُنْيَة والتي هي الأصول الرأسمالية، وعروض تجارية وهي الأصول المتداولة، والمستغلات. هذا التقسيم الثلاثي غير معهود عندنا في العلوم المالية والاقتصادية، المعهود عندنا أن كل شركة لها أصولها الثابتة التي لا تتاجر فيها، وإنما تتاجر بها ومن خلالها ولها أصول متداولة والتي هي محل التجارة.
بقيت نقطة واحدة اسمحوا لي فيها، لأنها تمثل جانبا اقتصاديا هاما وهي زكاة الديون. الديون اليوم غيرها بالأمس، الديون اليوم من حيث الحجم بالغة الضخامة، هناك مديونية بالمليارات على بعض الشركات ولبعضها، الديون اليوم معظمها ديون إنتاجية وليست ديونا استهلاكية كما كان الحال في الماضي. ينبغي عندما نبحث زكاة الدين اليوم ينبغي أن نراعي هذه الحقيقة وهذا الواقع، لا أن يستغرق في هل هو دين مرجو أو غير مرجو، أو دين حال أو دين مؤجل، هذا الكلام لا أقول إنه غير مهم، ولكنه واضح ومحسوم فقهيا حتى في الفقه القديم، أما الذي ليس موجودا في الفقه القديم فهو الصورة الحاضرة للديون المعاصرة.
الديون المعاصرة بملايين الدولارات والريالات والجنيهات، من الذي يزكي هذه الديون؟ هل تزكى؟ إذا حكمنا الآراء أو الديون القديمة (إن الدين لا يزكى إلا عند قبضه ولسنة واحدة) ، هنا يضيع الفقراء لأن معظم ثروات الأمم والشعوب في شكل ديون وقد تكون طويلة الأجل ولعشرات السنين، خلال هذه المدة هل هذا الدين تسقط عنه الزكاة؟ وإذا لم تسقط عنه الزكاة فمن الذي يؤديها هل هو الدائن؟ والحال أن الدائن لا يملكه الآن ولا يستفيد منه ولا ينتفع به، وأن المدين الشركة التي تأخذ الديون، وتأخذها من بنوك وغير بنوك تستفيد منها وتستغلها وتستثمرها وتنتح بها، يعنى تأكل مهنأها بالتعبير الفقهي الجميل الجيد القديم، من الذي يكلف بهذا هل هو الدائن أيضا، أم المدين هو الذي يتحمل هذا طبقا لرأي قلة من علمائنا القدامى حيث كانت لهم بعد بصيرة في مثل هذا الموضوع؟.
وشكرا جزيلا.
الدكتور عبد السلام العَبَّادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، واصلي وأسلم على رسوله الكريم.
حقيقة ونحن نتعرض لهذه الموضوعات الحيوية الخاصة بالزكاة لا بد من أن ننبه إلى بعض الأمور الأساسية:
الأمر الأول: نظرا لكون الزكاة ركنا من أركان الإسلام فقد اهتم العلماء السابقون والمعاصرون بقضاياها، ومن هنا تعددت الآراء وتنوعت في المسائل المبحوثة وبخاصة في عصرنا هذا فيما يسمى بالأموال المستحدثة، والتي أصبحت تقوم عليها الحياة الاقتصادية المعاصرة مثل النقود وأسهم الشركات التي نحن بصددها، وغير ذلك من الأموال المستحدثة، أما هذا التعدد في مجامعنا ومجالسنا الفقهية غالبا ما نتوجه إلى عملية الترجيح بين الآراء، لأن الأمر في إطار الأموال المستحدثة أمر اجتهادي، وواضح أن الاستقصاء هو للأدلة ومحاولة بنائها على قواعد مقررة في الشريعة بالنسبة لموضوع الزكاة خاصة في الأموال الأصلية
الترجيح كما نعلم لا يرفع الخلاف، فالخلاف موجود، ولكن قد نختلف أيضا حتى في الترجيح لاختلاف الظروف والأحوال واختلاف الأنظار، وأساس الترجيح كما نعلم هو استعراض أدلة جميع الأقوال ومناقشتها ثم الانتهاء إلى رأي راجح بالدليل القوي أو بمعايير عامة، إذا لم نمسك بالدليل القوي فالمعايير مثل القول: إنه الأصلح للفقير، وهذا حدث في كثير من ترجيح الآراء بالنسبة لموضوع الزكاة، أو الأيسر في التطبيق، أو الأعدل بين المكلفين، أو الأكثر تحقيقا لمصلحة المجتمع، ونادرا حقيقة ما يلجا إلى المعيارين الأخيرين: معيار الأعدل بين المكففين والأكثر تحقيقا لمصلحة المجتمع، وسنرى كيف أن مثل هذين المعيارين سينفعان في الترجيح في بعض المسائل المطروحة علينا في هذا اللقاء، لكن لا بد من التنبيه هنا ما دام أننا في مجال الترجيح فلا بد من احترام جميع الآراء ولا يقسو بعضنا على بعض فيما نتبناه من آراء بل نترك المجال رحبا وواسعا لتعدد أنماط الترجيح وآفاقه ليكون الأمر في يسر وليس في تضييق، ولذلك أنا مع الإخوة الذين أشاروا إلى أنه ما الضير في أن الهيئة توجهت إلى رأي في هذا المجال والمجمع توجه إلى رأي في ذلك، خاصة ونحن لسنا أمام تشريع إنما نحن أمام فتوى وبيان الرأي لعامة المسلمين وليختر بعد ذلك المسلم ما يراه مناسبا، الأمر يختلف إذا كنا أمام عملية تشريعية لأحكام الزكاة عند ذلك لا بد من تبني من أجل التطبيق الإلزامي بقوانين تصدر لهذه الغاية، فمن هنا يعتبر عملنا المجمعي وعمل الهيئة وعمل أي جهة فقهية تتصدى لمثل هذه القضايا ثروة توضع بين يدي الذين سيقومون بعملية التشريع وإصدار القوانين للاستفادة منها في عملية التقعيد التي نسعى إليها لتصبح عملية جمع الزكاة في جميع بلاد المسلمين عملية إلزامية تنفيذا لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] .
وأظن أن دور المجمع دور رئيس في هذا المجال أن يدفع بهذه العملية للتطبيق أمام المعاناة الكبيرة التي نعيشها في بلاد المسلمين بالنسبة لانتشار الفقر ومظاهر التخلف وغيرها.
أنا أعرف أن هذا الموضوع ليس معروضا على الجميع، إنما أحببت أن أشير إلى اختلاف طبيعة الترجيح عن عملية التشريع، وفيما نحن بصدده باستعراض الآراء وخاصة في هذه الثلاثة المسائل المهمة.
كنت أتمنى أن نبحث الموضوعات الثلاثة المعروضة في مجال الزكاة، كل موضوع على حدة، حتى لا تتداخل المناقشات وتصعب المتابعة كما لاحظتم، حيث يضطر المعلق أن يعلق على الموضوع الأول ثم الثاني ثم الثالث وهكذا، فلو عرضت كل قضية على حدة لتنتهي منها ومن ثم ننتقل إلى الموضوع الآخر لكان هذا أفضل.
بالنسبة لموضوع خصم النفقات في زكاة الزروع والثمار كتعليق بسيط لا بد من التمييز بين أنواع النفقات كما أشار بعض الإخوة، فالنفقات في مجال الري والسقي لا ينظر إليها، لأن الشارع قد لاحظها فيما قرره من نِسَبٍ مختلفة على الأراضي البعلية والأراضي المروية، أي التي تسقى من غير مؤنة والتي تسقى بمؤنة، أما النفقات الأخرى، فهي أيضا على نوعين، فبعضها يدخل فيما يمكن أن نسميه بنفقات الموسم من سماد وحرث وحصاد وصيانة لآليات الزراعة الحديثة، وبعضها الآخر يدخل في استصلاح الأرض وتهيئتها للزراعة وتيسير أمر زراعتها على مواسم عدة، ومثال ذلك شراء آليات الزراعة ووسائل نقل المحصول، فالنوع الأول يخصم كنفقة، والآخر لا بد من طريقة لخصمه على عدة مواسم، وهي النقطة التي أشار إليها الآن أخونا الدكتور شوقي والتي هي عملية التوزيع على عدة
…
وسائل النقل ليس من المعقول من موسم واحد أخصم قيمة وسائل النقل، لن يكون هنالك شيء للفقير، لكن وسائل النقل تستهلك على عدة سنوات، (فيخصم ما يعادلها فيما يسمى بالمعدل الاستهلاكي السنوي، هذا هو الذي يخصم، لأنه ليس من المعقول: هو جاء بهذه الآليات للزراعة؛ فكيف نقول له هذا: لا تخصم وعليك أن تزكي، وبخاصة أننا الآن في بلاد المسلمين، والزراعيون يعانون معاناة شديدة، وكثير من دول العالم مثل السوق الأوروبية تدعم المزارعين والزراعة، فنحن إذا قلنا بأنه لا بد أيضا أن تزكوا ولا تخصم لكم النفقة، يعني معنى ذلك نهاية الموضوع الزراعي في البلاد العربية والإسلامية، فلذلك على الأقل أن نأخذ بهذه الأنظار التي تقيم وزنا في خصم النفقة، لكن ضمن معايير يقف عليها اقتصاديون واعون متقون لله سبحانه وتعالى ويضعون من التفاصيل المحاسبية لهذا الأمر ما يضمن في الواقع عدالة الأمر وسلامته.
وهنا أشير إلى معيار ما هو أصلح للمجتمع وأدوم لاستقراره وأكثر عزة للأمة في موضوع الأمن الغذائي وتوفير الحاجات الأساسية للأمة كما أشار بعض الإخوة.
أما بخصوص شركات المساهمة فنحن أمام تعدد الآراء في هذا المجال، والاتفاق على قضية ظهرت في معظم البحوث، ومن معظم التعليقات والملاحظات أن الشركة المساهمة شخصية اعتبارية مستقلة، وما دام أنها شخصية اعتبارية مستقلة تمتلك أموالا فعليها أن تزكي هذه الأموال، وهذا واضح في أصل طبيعة الشركة، ويخطئ من يظن بأن القضية يمكن أن نعالجها بمنظارين، منظار المساهمين ومنظار الشركة، لا بد في الواقع من وحدة النظر في هذا المجال وبالتالي الأصل أن تزكي الشركة.
أنا أعرف أن القضية المبحوثة ليست في حالة تزكية الشركة، وإنما في حالة عدم تزكية الشركة، لكن في الواقع لا بد من مدخل حيث نقول: إن المسؤولية فيما يتعلق بالزكاة هي على الشركة المساهمة، وإن المساهمين يقصدون الربح والنماء من مشاركتهم، وعند ذلك لا زكاة على المساهمين، بمعنى الأصل أن هؤلاء المساهمين.. أسست الشركة من أجل قصد الربح والنماء من هذا النوع من أنواع النشاط الاقتصادي، وبالتالي إذا كان هذا هو حالهم قصد النماء لا زكاة عليهم إذا زكت الشركة، وأما إذا لم تزك الشركة أو قام هؤلاء بالدخول في شراء الأسهم ليس لغرض قصد النماء وإنما لغرض التجارة بالأسهم نفسها فواضح قرار المجمع في أنه في الحالة التي يكون القصد التجارة الأسهم تصبح عروض تجارة، وبالتالي يحكم بالنسبة للزكاة بخصوصها ما يتعلق بزكاة عروض التجارة وهي كما تعلمون (2.5 %) من رأس المال، وإذا تحققت أرباح أيضا يدخل في ذلك، أما إذا لم تقم الشركة بدفع الزكاة وكان المزكي يقصد النماء فأنا أقترح بأننا بدلا من أن نتهم المجمع في الشق الثاني من قراره قد خالف الشق الأول ولذلك نلح على تغيير الشق الثاني، أنا أقترح اقتراحا قد تستغربونه؛ وهو أن نغير الشق الأول لينسجم مع الشق الثاني حتى ننسجم مع طبيعة الشركة، يعني بمعنى أننا فيما يتعلق بالشركة إما زكاة مستغلات أو قياس على زكاة المستغلات.
وبالتالي إذا قصد الربح سواء تمكن من معرفة ما يخصه من زكاة في تفاصيل الشركة أو لم يتمكن ففي الحالين الزكاة التي تجب عليه هي من الدخل الذي يتأتى له ليس بنسبة (2.5 %) إنما رجح كثير من العلماء نسبة (5 %) ، فعند ذلك تكون الزكاة في الحالين ولا نرهق المساهم في أن يبحث في تفصيلات الشركة وما يخضع من أموالها للزكاة وما لا يخضع وهي من قبيل الشركات الصناعية أو من قبيل شركات التجارة أو أي شيء فيه عروض تجارة أو أي شيء فيه أصول وغير ذلك، نحسم القضية على هذا الأساس، وقد تبنت بعض القوانين أو مشاريع القوانين الآن هذا الرأي ورأت أنه في الشركات المساهمة الأصل أن تدفع الشركة، وإذا لم تدفع الشركة ينظر إذا قصد البيع والشراء في الأسهم نحن أمام عروض تجارة، لكن إذا قصد النماء يدفع (5 %) مما يتحقق من دخل، ولهذا فإن الأمر في غاية الأهمية، لأن المهم ما هي نتائج أعمال هذه الشركات، ونتائج أعمال هذه الشركات حقيقة أصبحت في كثير من بلاد المسلمين مشكلات، بمعنى أنها لا تعي التفاصيل، لأن هنالك فصلا بين ملكية رأس المال وبين الإدارة، وهنالك مشاكل في التلاعب والتسويق، وقد يأتي ذلك في آخر لحظة من مسيرة الشركة ويكون الإنسان قد زكى ولا يتحقق له من نشاطه هذا أي نفع.
لا أطيل إنما أكتفي بإشارة إلى الدين، أخيرا أنا أرى أن نظل في قرار المجمع الذي تحدث عن موضوع الدين وهو قائم على دراسة مستفيضة لهذا الموضوع وفيه ورع واحتياط أيضا، ولا ضرورة لاستصدار قرار خاص بموضوع الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد اللطيف آل محمود:
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حديثي حول زكاة الأسهم فحسب، ومحل النقاش زكاة الأسهم التي لا تخرج الشركة زكاة أموالها ولا يستطيع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة؛ أرى أن ننظر إلى أسهم الشركة السوقية إما أن تكون أعلى من القيمة الاسمية أو تكون مساوية للقيمة الاسمية أو أقل منها، فإن كانت القيمة السوقية للأسهم أعلى من القيمة الاسمية، فإن الزكاة تجب على القيمة الاسمية مع الربح، وهذا الرأي مبني على أساس أن للشركة من الاحتياطيات النقدية ما يمكن أن يكون في مقابل الأصول الثابتة التي لا تجب فيها الزكاة، باعتبار أن المقصود من اقتناء الأسهم هو جانب التجارة، لذلك يؤخذ من الربح زكاة بالإضافة إلى القيمة الاسمية، وإن كانت قيمة الأسهم السوقية مساوية للقيمة الاسمية أو أقل منها ستكون الزكاة على الريع. والعبرة فيما دار من نقاش هو في اعتبار التجارة ينبغي أن يكون بالنظر إلى نشاط الشركة، فالشركات ذات الأسهم التي يكون نشاطها للتجارة فإن حامل السهم يعامل على أساسها، وتعتبر الأسهم نصيبا في أموال تجارية، غير أن المساهم قد يشتريها ويتملكها إما للحصول على الريع أو للتجارة، وبالتالي فيتم معاملة كل واحد من مالكي الأسهم بنيته، وبالتالي فلا أرى أن يتم حساب الزكاة لحامل السهم بحسب مقتنيات الشركة بين أصول ثابتة وأصول تجارية كما أشار إليه الدكتور شوقي دنيا، والدكتور العبادي.
ومن أجل الوصول إلى قول يعتمد على الواقع أرى أن يكلِّف مجمع الفقه الإسلامي الدولي هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية القيام بعمل دراسة مقارنة لميزانيات عدد كبير من الشركات المختلفة الاختصاصات والنشاطات الصناعية والتجارية والزراعية لمعرفة ما يجب فيها من الزكاة، ثم تقدم هذه الدراسة للمجمع للاستفادة منها في قرارات المجمع واتخاذ الحكم.
ولقد تم تطبيق معيار الزكاة الذي أصدرته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية على شركات مالية إسلامية فكانت النسبة قليلة، وإجراء دراسة المقارنة يعين الإخوة الفقهاء والاقتصاديين في الحكم على القضية. والله أعلم.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الرحمن الأطرم:
بسم الله الرحمن الرحيم
لعل كثيرا مما كنت أود أن أقوله قد ذكر، لذا أختصر.
المسألة الأولى في زكاة الأسهم والحاجة إلى إعادة النظر في قرار المجمع في نظري ليس لوجود قرار من الهيئة مخالف بل الحاجة إلى أن ينسجم القرار، وقد وضحت تلك الإشكالية من خلال العرض الذي ذكر خاصة في كلام الشيخ تقي العثماني وأنا معه في ذلك.
المشكلة في قرار المجمع هو التفريق بين حالة ما إذا استطاع المساهم أن يعرف أو لا يعرف، وفي الحالة الثانية قال القرار: لا تجب الزكاة إلا في الريع، وليس عند تسلم الريع بل إذا حال عليه الحول، فالنتيجة هي القول بسقوط الزكاة في تلك الحالة، وهذا أمره محل نظر وقياسها في تلك الحالة على الأصول المؤجرة أيضا محل نظر، أو على المستغلات. لأن موجودات الشركة تشتمل على نقود، وهذه النقود يحول عليها الحول قطعا، وتشتمل على ديون، وإذا قيل بوجوب الزكاة في الدين كما هو قرار المجمع فإنها تجب فيها الزكاة قطعا. ويشتمل على عروض تجارة حتى لو كانت صناعية أو زراعية أيضا، وهذه تجب فيها الزكاة قطعا.
فالقول بأنه (في حالة عدم علمه تسقط الزكاة) يؤدي إلى القول بسقوط الزكاة في تلك الحالة.
فالأمر فعلا بحاجة إلى إعادة النظر في تلك الفقرة من القرار.
زكاة الديون. طبعا جرت أسئلة عديدة عن سبب إعادة طرح هذا الموضوع مرة أخرى مع أن فيه قرارا، وما دام الموضوع قد أعيد للعرض فإن قرار زكاة الديون يحتاج الأمر إلى إضافة القرار السابق تتعلق بدين السَلَم ودين الاستصناع والأجرة التي ثبتت ولم يتسلمها المؤجر، فهذه أنواع من الديون توجد في الشركات كثيرا فكيف يكون الأمر فيها؟ وهل يقال: إنها ديون مستقرة أو غير مستقرة؟ ثم في دين الاستصناع كل واحد من الطرفين يعد دائنا ومدينا في نفس الوقت، خاصة إذا تأجل الثمن في الاستصناع، فهل يقال: إن هذا يُسقط هذا أم ماذا؟ هذه مسألة تتعلق بالديون.
أما القول بإسقاط الزكاة، كما ورد في صباح اليوم في الديون، فهي في الحقيقة نظرة خطرة، لأن معظم تنمية المال في هذا الزمان قائم على الديون، وقد وضح الدكتور شوقي هذا الجانب، معظم المتاجرات في البيوع الآجلة وفي بيوع التقسيط.
والذي يظهر لي- والله أعلم- أن الزكاة تجب في الديون حالَّة كانت أو مؤجلة في حالة التأجيل الاختياري الإداري الذي يكون عن تعاقد أو يكون عن رضا من الدائن، أما في حالة الديون المؤجلة تأجيلا جبريا وذلك في حالة الإعسار وفي حالة المماطلة فإنها لا تجب فيها الزكاة كما ذهب إلى ذلك المجمع، وفي الحالة التي يختلط فيها الأمران في حالة بيوع التقسيط أو في حالة البيوع الآجلة إذا طرأ إعسار أو مماطلة في أثناء المدة فيخصم ما يتعلق الزمن المتعلق بفترة المماطلة أو الإعسار فقط، أما المدة الأصلية فلا يخصم منها شيء وتكون قد وجبت فيها الزكاة، أما متى يزكي.. أو إذا قبضه لما مضى فهذا الأمر فيه جائز، كما هو معلوم لجميع الإخوة المشاركين.
فيما يتعلق بالنفقات في الحقيقة أنا تعجبت من الحماس عند بعض الأعضاء في المجمع والحاضرين بإسقاط النفقات، مع أن النفقات كانت موجودة حتى في عهد النبوة، وما من زراعة إلا وفيها نفقات، فنفقات البذر ونفقات العمالة.. إلى آخره، وتختلف من زمن إلى زمن، ومع هذا لم يفرق الشارع إلا في نفقات السقي. فالأمر سيؤدي إذا قيل بخصم النفقات إلى تخفيض القدر الواجب شرعا للزكاة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
الشيخ عبد العزيز الخياط:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أنا لا أريد أن أطيل- عليكم لكن هنالك نقطة لم يشر إليها أحد من إخواني المعقبين والباحثين وأشكرهم جميعا. وهي بعد سماعي للمناقشات وهي زكاة الأسهم. زكاة الأسهم على أي معنى من معاني الأسهم نستطيع أن نزكي سواء كانت زكاة (2.5 %) أو (5 %) مع اختلاف الآراء في ذلك.
هل تكون على القيمة السوقية وهي قيمة السهم في السوق بحسب العرض والطلب وبحسب المضاربات وبحسب الظروف الاقتصادية والسياسية؟ أما هذه القيمة السوقية فهي مهزوزة تختلف من سوق مالي إلى سوق مالي آخر، وفي بلد آخر، أو بحسب القيمه الاسمية، وهى التي قُيِّدت وبُيِّنت في صك الشركة، أو بقيمة الإصدار وهي القيمة التي صدر بها السهم عند التأسيس أو عند زيادة رأس المال، نريد أن نحدده، أو بالقيمة الحقيقة وهي النصيب الذي يستحقه السهم في صرف الأموال عند تصفية الشركة، أو بعد أخذ ديونه.
فإذن نحن نريد أن نحدد أي نوع من أنواع الأسهم يكون حساب زكاتها عليها، ثم يجب النظر في هذه الأسهم، هل هي أسهم عادية تتساوى قيمتها بين المساهمين وعند جميع المساهمين، أو أسهم ممتازة، وهذه الأسهم الممتازة التي يختص بعض، المساهمين بها، ومن جملة هذا الامتياز أن يستوفي فائدة سنويه ثابثة، سواء ربحت الشركة أو خسرت، وفي رأيي وقد بينته في كتابي (الشركات) أن هذا السهم حرام، وزيادة على هذا أن صاحب السهم الممتاز يمكن عند تصفية الشركة أن يأخذ سهمه بقيمته الاسمية التي وضعها، وهذا أيضا لا يجوز، لأنه في حالة خسارة الشركة ينبغي أن يخصم ذلك من قيمة السهم، ثم هل يقام على سهم التمتع؟ وإخواننا الاقتصاديين يعرفون أن سهم التمتع إنما هو سهم تسقط قيمة السهم بالقرعة ويعطى سهما زائدا يسمى سهم التمتع أي يتمتع به، وهذا السهم بينتُ الرأي فيه وهو أنه لا يجوز.
ولذلك أرجو تعقيبا على هذه المناقشات كلها عند بيان حساب الزكوات أن نبين على أي نوع من أنواع السهم، وأؤيد أخي الكريم الأستاذ عبد اللطيف أن يرجع في هذا إلى المختصين الماليين في هذا الأمر.
وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور أحمد حجي الكردي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنبياء والمرسلين وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما يتعلق بقرار المجمع الفقهي السابق في بعض الأمور أنا أُسَلِم بها لصحة ما جاء في القرار. وعندي بعض الملاحظات:
1-
إذا أخرجت الشركة الزكاة فإنها تخرج الزكاة عن القسم المتحرك أو الزكوي من المال بعد حساب ذلك، أعتقد أن الشركة عندما تخرج هذا المقدار تخرجه بالنيابة عن المساهمين، فلماذا نفرق بين الوكيل والموكل؟ ما يجري على الوكيل يجري على الموَكِّل. فينبغي أن نسوي بينهما فنقول: الشركة إذا أخرجت الزكاة بالوكالة أو بالنيابة عن المساهمين، فإنها تخرجها بنفس المقدار الذي تجب به على المساهمين.
فالمساهمون إما أن يشتروا الأسهم
…
يجب عليهم زكاتها الاسمية عن كامل قيمة السهم سواء أخرجوه هم أو أخرجوه في الشركة عنهم، بمعنى الشركة تخرج عنهم بالوكالة والحكم واحد.
وإذا كانت الأسهم من أجل الاقتناء فالأسهم بدون شك تمثل أجزاء من أموال الشركة، والشركة تنقسم أموالها إلى قسمين: قسم يخضع للزكاة وهو القسم المتحرك، وقسم لا يخضع للزكاة وهو القسم الثابت المستهلك.
فينبغي أن نقول. تجب الزكاة في هذه الحالة على القسم المتحرك فقط، أما القسم الثابت فلا، هذا سواء أخرجته الشركة أو أخرجه المساهمون أنفسهم بالأصالة عن أنفسهم، الحكم واحد في نظري، فإذا استطاع المساهم أو الشركة أن تعرف مقدار نسبة رأس المال السائل المتحرك الزكوي من كامل رأس المال فإنها تخرج عن هذا القسم المتحرك، فإذا لم تعلم فلا بد من الاجتهاد، والاجتهاد في هذا الموضوع له نظائر كثيرة في، الفقه الإسلامي، فإن غلبة الظن تقوم مقام اليقين في الأحكام العملية في سائر أبواب الفقه، وفي الزكاة، خاصة ما نعلم جميعا في باب زكاة الزروع يقوم عامل السلطان بخرص الزروع وتبيُّن مقدارها على سبيل الظن والحزر،- فإذا علم ذلك بهذا الطريق أخذ الزكاة بهذا المقدار، وتسقط عن صاحبها إذا فعل ذلك.
إذن يجب في نظري على الأقل وربما أكون مخطئا والأساتذة يصوِّبون ذلك، وما ينتهي في المجمع يكون هو الأقرب إلى الحق إن شاء الله، أقول: يستوي أن تخرج الزكاة الشركة أو المساهم- حالهما سواء- إذا كانت الأسهم للتجارة، فيجب إخراج الزكاة عن كامل قيمتها الاسمية في كل عام، وإن كانت من أجل الاقتناء وأخذ أرباحها عاما بعد عام فالواجب عند ذلك إخراج الزكاة عن كامل قيمتها الاسمية المتعلقة بنسبة رأس المال السائل أو المتحرك أو الزكوي أو المعروض للتجارة، أما القسم الآخر الذي هو محل الاستهلاك فلا تجب الزكاة والله تعالى أعلم.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أريد أن أتناول بسرعة وإن كنت لم أحضر لظروف خاصة في ندوة أخرى بعض النقاط التي استمعت إليها
أولا: فيما يتعلق بالنية فهذه النية تؤدي إلى مقارنة بين الثمن وبين المثمن، أي بين ما يشترى، فلا نقول وجبت الزكاة في العرض الذي اشتري بالنية وجبت الزكاة في الثمن الذي تحول إلى عرض، فالثمن الذي بين يديك إذا كان ذهبا أو فضة وهو غير مزكى فإن النية تنقله مباشرة إلى مال زكوي، وإذا كان غير ذلك فإن النية لا تنقله إلا بفعل، هذا الفعل هو الشراء أو البيع، فالقول: إن اشتراء هذا بالنية يجعله زكويا فيه تجوز، الأصل أن نقول: إن هذا الثمن تحول زكويا بسبب الفعل الذي حصل مع النية، هذا هو تحرير المسألة من الناحية الفقهية، لأن النية تنقل إلى الأصل ولا تنقل عن الأصل إلا بفعل يصحبها، هكذا قرره العلماء وهي عبارة واضحة يجب أن نقولها بدلا من أن ندور حولها.
ثانيا: ترجيح المصلحة هذا هو إجراء العمل بالضبط فيما يسميه المالكية بإجراء العمل، وهو ترجيح العلماء المعتدلين في زمن معين ومكان معين لمصلحة معينة، يعني خمسة شروط يجب أن تتوفر ليكون العمل صحيحا: الزمان، والمكان، والتاريخ الذي جرى فيه، وأن يكون المنفعة له أهلا لتَرْجُحَ قولا وعملا، وأن يكون ذلك بسبب معين، وإذا لم تثبت هذه الخمس ما العمل اليوم كمثل الأمس، كما قال أبو قليح.
الذي نعمله في المجمع في رأيي أنه من باب إجراء العمل، إذا لم يكن هذا المجمع يجري العمل فمن يجري العمل؟ فهو من باب إجراء العمل الذي يلزم الجميع أدبيا لا أقول قضائيا، لكن يلزم العلماء والشركات أدبيا أن تتماشى مع ترجيحات هذا المجمع الذي يجب عليه أن يبين المصلحة التي من أجلها رجح القول الضعيف أو القول المرجوح.
ثالثا- النفقات: النفقات في رأيي لا تخصم، لأننا يجب أن نتذكر دائما أن الزكاة هي من النوع الدائر بين التعبد والمعبود؛ يعني الزكاة هي دائرة بين التعبدية وبين المصلحية أو معقول المعنى، والتعبدي يغلب عليها، وسماه ابن رشد: العبادي، وهو ما كان لزكاة النفس، كما يقول ابن رشد الحفيد، لأن علته غير معقولة، لا شك أن علة الزكاة هي توزيع المال على الفقراء وإنعاش الفقراء والتكافل الاجتماعي، كل هذه أمور باهرة ظاهرة لكن مقادير الزكاة وأوقات الزكاة هذه كما يقول العلماء- رضي الله عنهم من باب التعبد، ولذلك وجبت فيها النية، لأن النية لا تجب إلا في التعبدي للبس، ما سوى ذلك كقضاء الديون ونفقات الأقارب والزوجات هذا لا تجب فيه النية، فلما وجبت النية في الزكاة عرفنا أنهم رجحوا فيها جانب التعبد، ولهذا فالنفقات لا تحسم، لأنها كانت موجودة ولم تحسم. إذا كان على شخص ديون يمكن أن تراعى ديونه في غير المال الزكوي، تسقط عنه ديون العين التي عليه، ثم إن هناك شيء آخر يجب أن نتنبه إليه: الفقير يجب أن يأخذ المال من أصله (من مصدره) ، حصد هذه الزروع اليوم
…
فإذا هو نقلها فإنه نقلها إلى ضمانه وعلى نفقته. إذن يجب أن نتحرز من هذا.
رابعا- الديون: يقول البعض: إنها لم تكن موجودة، بلى كانت موجودة، ديون الزبير يمكن أن تكون ملايين أو مليارات، فيجب أيضا إلا نحدث فيها شيئا.
الزكاة أمرها معروف جدا عند العلماء وبالتالي قد أحاطوها بحثا وتنقيبا، حتى لم يبق فيها شيء إلا من باب تحقيق المناط فيما يتعلق بأسهم الشركات.
والله أعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد رواس قلعجي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لن أطيل إن شاء الله تعالى.. بالنسبة لأموال الشركات، نحن نتصور أن الشركات كل المساهمين فيها هم من المسلمين، مع أن الشركات أسهمها يحملها المسلم ويحملها النصراني ويحملها المجوسي وأصحاب الأديان الأخرى الذين لا تجب عليهم الزكاة، فإذا كلفنا الشركة بإخراج الزكاة باعتبارها شخصية اعتبارية نكون قد كلفنا النصراني بدفع الزكاة، وهذا أعتقد أنه لا يقول به أحد، ولذلك فإني أرى الذي يكلف بدفع الزكاة إنما هو حامل السهم وليس الشركة.
بالنسبة لزكاة الديون. الديون إذا كانت استهلاكية فلا إشكال فيها، أما إذا كانت ديونا إنتاجية، وأكثر الشركات تتعامل بأضعاف رأسمالها ولكن تسجل هذه كلها على أنها ديون، فـ إبراهيم النخعي رحمه الله من الفقهاء الذين قالوا بأن الدين يدفع زكاته من يأكل مهنأه، يعني الذي يستفيد من هذا الدين ويستثمر هذا الدين هو الذي يدفع هذه الزكاة، وأنا أميل إلى ترجيح هذا الرأي إذا رأيتم فيه نفعا إن شاء الله، وهذا يشجع على القرض الحسن لأننا إذا قلنا للإنسان ديني، وادفع أنت الزكاة فقليل من الناس من تقبل على هذه التضحية، وخاصة في عالمنا الحاضر الذي أصبحت فيه الآلة الحاسبة هي المسيطرة، والآلة الحاسبة لا يوجد فيها شيء اسمه الثواب وشيء اسمه البركة، وإنما فيها زائد وناقص وما شابه ذلك. الأمر الثالث: هو انقلاب المال من قنية إلى تجارة، أنا أتساءل هل ينقلب المال من مال قنية إلى مال تجارة بمجرد النية أم أنه لا بد من ممارسة التجارة به فعلا؟ ولذلك أنا أرى أن مجرد النية لا تكفي لأن ينقلب بها المال من مال قنية إلى مال تجارة ولكن لا بد من الممارسة الفعلية لهذا المال.
أقول هذا وأستغفر الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ أحمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فكثير مما كان يدور في خلدي سمعت الإخوة المتكلمين تعرضوا له، ولا أريد أن أطيل الحديث، وإنما أولا أذكر نقطة نظام لعل المجمع يحافظ عليها، وهي أن ما انتهى المجمع فيه إلى قرار معين لا ينبغي أن يعاد الحديث فيه إلا مع وجود ثغرة يعاد بحثه لأجل سد تلك الثغر.
وزكاة الديون أمر انتهى المجمع فيه إلى قرار منذ سنين، هذا من ناحية.
أما من ناحية زكاة الأسهم فإن هذه الأسهم قد تختلف يين أسهم شركة تجارية أو شركة صناعية أو غير ذلك، فإن كانت أموال الشركة تجارية فالسهم غير ذلك، فإما أن يكون هذا الذي شارك- أي صاحب الأسهم- أراد أن يتاجر بأسهمه، ككثير من الناس الذين يترقبون ارتفاع سعر الأسهم، فإذن هذا يعامل ما يملكه معاملة ما هو معدود من عروض التجارة، وان كان بخلاف ذلك فلا زكاة في أصله ولا يزكى إلا ريعه.
وأما بالنسبة للنفقات التي ينفقها المزارعون فهذه قضية ينبغي أن تدرس دراسة مستفيضة، ذلك لأن الوقت اختلف عما كان من قبل، ففي وقتنا هذا قد يكون من المزارعين من يملك ضيعة، هذه الضيعة تكلفه الكثير من المال من أجل المحافظة على أصلها، لا من أجل الوصول إلى شيء من الغلة فيها، إنما يحافظ على الأصل، وهو ليس من أولئك الذين يميلون إلى الترفيه وإنما ورثها من آبائه وأجداده، وهي تكلفه الكثير ينفق فيها أكثر مما يسترد منها، وبطبيعة الحال قلنا بأن مثل هذا لا تحسم نفقاته ويجب عليه أن يزكي كل ما يخرج من هذه الضيعة يكون في ذلك تكليف صعب عليه، والصدقة إنما هي عن ظهر غنى، أو خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، كما ثبت عن النبي، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام.
أما إن كان اتخذ هذه الزراعة لأجل الترفيه على النفس فهذا من الأثرياء الذين ينبغي أن يواسوا الفقراء بما أتاهم الله تعالى من فضل، فإن قيل بأن الزكاة تجب فيما يخرج من الزراعة لأجل مردودها الاقتصادي، وإنما قصد الزراعة لأجل الترفيه فهذا له شأن آخر.
فهذه القضية ينبغي أن تدرس دراسة مستفيضة على أن الله تعالى في جميع ما كلف عباده إنما كلفهم يسيرا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] .
والله تعالى ولي التوفيق، وهذا ما أردت ذكره، وشكرا لكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد علي القري بن عيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أولا: مسألة التفريق بين القيمة الاسمية والقيمة السوقية بين زكاة عروض التجارة تكون سلعا وعروض تجارة وتكون أسهما، فقد قال بها البعض: لماذا عندما يكون عندي سيارات- على سبيل المثال وهي عروض تجارة- أقوِّمها بقيمتها السوقية، بينما عندما تكون عندي أسهما عروضا للتجارة أزكي بحسب قيمتها الاسمية؟ نريد أن نعرف ما هو مستند التفريق بين هذين النوعين من عروض التجارة؟
إن القيمة الاسمية مفهوم محاسبي ليس موجودا في الواقع ولا أهمية له، ولا أحد يبيع أو يشتري بـ القيمة الاسمية، فلماذا نزكي بـ القيمة الاسمية؟
أما القول: إن القيمة السوقية في الأسهم تتأثر بالمضاربات وتختلف باختلاف الأسواق، فهذا صحيح حتى في السلع، فانظر إلى البترول كيف يتأثر باختلاف الأسواق وبالمضاربات وما إلى ذلك، ولم يقل أحد: نزكي البترول بـ القيمة الاسمية أو من غيره من السلع الأخرى.
النقطة الثانية: يجب أن ندرك أهمية الأسهم وأهمية الشركات المساهمة في يوم الناس هذا، إن الشركات المساهمة هي الاقتصاد الوطني وبخاصة والعالم كله يتجه اليوم إلى ما يسمى بـ اقتصاديات السوق، حيث ينهض القطاع الخاص بتحقيق التنمية وبتوليد الوظائف وإنتاج السلع والخدمات، وهذه الشركات هي ثروة البلاد الحقيقية، والاقتصادات متجهة إلى أن تكون أكثر ثروات أفراد الناس إنما هي في الأسهم وامتلاك الشركات.
وقد اجتمع في هذا المجلس الموقر صفوة علماء الأمة واذكياؤها، ومع ذلك فإننا لا نكاد نتفق على الأشياء الأساسية المتعلقة بعمل الشركات ودقائق أمورها المالية كما ظهر في النقاش لكم جميعا، فكيف نتوقع من الإنسان العادي أن يعرف كل ذلك وأن يخرج زكاته بناء على هذه المفاهيم الغامضة التي لم نتفق عليها؟
لا يجب أن نتصور أن جميع المسلمين يحملون شهادات الدكتوراه، ومع ذلك فإن كثيرا من المسلمين - بما فيهم من يكون أميا - يملك أسهم الشركات بصفة يحتاج فيها إلى أن يخرج الزكاة.
إننا أحوج ما نكون إلى مسح ميداني نسأل فيه الناس العاديين المستثمرين في الشركات عن مدى فهمهم للشركة، وعن فهمهم لمفاهيم كـ القيمة الاسمية والحقيقية والسوقية والأصول الثابتة والمتداولة.
لا أحد يفهم هذه الأمور، ولو كانت الصلاة أو الصيام أو الحج بهذا التعقيد بحيث لا يكاد يفهمه إلا من حمل شهادة الدكتوراه أَتُرَى الناس يقيمون أركان الدين؟ نحن نحتاج إلى نظر جديد للأسهم، وأن يكون التطبيق مطلبا لما نحن بصدده. ننظر إلى المقاصد العامة ثم نسلك أبسط وأسهل الطرق وأيسرها بدون أن نخالف الدليل أو نخرج عن الإجماع، ويجب أن ندرك أن كل هذا الذي وقعنا فيه إنما هو راجع إلى تكييفنا السهم أنه حصة مشاعة في موجودات الشركة، وهذا تعريف غير صحيح، وهو الذي أدى إلى كل هذه الإشكالات، إن إعادة طرح الموضوع مطلوبة، ولكن هذه الإعادة يجب أن تكون شاملة وأساسية.
ولكم الشكر.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم
عندي نقطتان:
النقطة الأولى: أن ما جاء في قرار المجمع بأن المزكي إذا لم يعلم يكون الحكم كذا، وإذا علم يكون كذا، هذا أمر واضح، لأنه إذا علم بحساب الزكاة الذي قدمته الشركة معناه أنه أخذ في الاعتبار طبيعة الموجودات، لأن الشركة حينما تحسب زكاتها تعمل ميزانية زكوية خاصة تفصل بين المستغلات، فتضيف ريعها للزكاة وبين عروض التجارة وتستبعد الأصول المتداولة، وتنظر في الديون ما بين مشكوك وغير مشكوك فيها، هذا إذا علم، أما إذا لم يعلم فهذا لا بد منه، لأن هذه حيلة المضطر، فالتفرقة هذه تفرقة منطقية، لأنه إذا علم تكون الزكاة كذا، لأنه تم تصنيف هذه الموجودات وأعطي كل موجود حكمه الزكوي، وإذا لم يعلم، حينئذ لا بد أن يصار إلى حل، وما جاء في صياغة جواب الهيئة الشرعية (بأن الجهل ليس عذرا) ، الجهل بالأحكام الشرعية ليس عذرا، ولكن الجهل بالوقائع عذر، وأي عذر، إذا جهل الإنسان الواقعة كيف لا يعذر!! هذا من تكليف ما لا يطاق، يتحرى ويبحث ومن أجل هذا وُجِدَ التحرى، إذن لا بد من أن نقدر هذا الجهل، وهذا الجهل هو الغالب وهو الأصل، لأن هذه الشركات حتى الشركات الإسلامية تمتلك أسهما في شركات عالمية، والشركات العالمية لا تعنى بهذا الأمر ولا تعطي له بالا لعدد الأسهم ورأس المال والديون إلى آخره.
فإذن لا بد من الإبقاء على قرار المجمع، لأنه لأجل أن يزكى ولا نقول لن نزكي، إنما زكينا، الذي لديه مستغلات وزكى الغلة نقول: لم يزكِّ! لا، لقد زكَّى.
هذا الذي أحببت أن أوضحه، والله أعلم.
الرئيس:
أحب أن أسال الشيخ عبد الستار: إذا تغيرت النية من القنية إلى التجارة كأني سمعتكم تقولون لا زكاة فيه.
الشيخ عبد الستار:
تبقى هذه العروض كأنها عروض قنية، ولا تزكى إلى أن تباع، أما إذا تغيرت من التجارة إلى القنية....
الرئيس:
هذا واضح، القسمة الرباعية التي ذكرتها واضحة؛ إذا كان للقنية، وإذا كان للتجارة، وإذا كان من التجارة للقنية، هذه لا إشكال فيها وهي الأحكام التي ذكرتها، لكن إذا كان من القنية للتجارة؟
الشيخ عبد الستار:
لا تصلح عروض تجارة إلا إذا باع فحينئذ الثمن الذي قبضه يزكيه.
الرئيس:
يعني النية لا عبرة بها؟
الشيخ عبد الستار:
لا عبرة بها في نقلها من عروض قنية إلى عروض تجارة، لأنه يجب أن توجد نية التجارة عند التملك، وهنا لم توجد نية التجارة عند التملك، وإنما وجدت خلال التملك، ونية التجارة أحيانا مفترضة، يعني أي إنسان يشتري شيئا للقنية إذا وجد ثمنا جيدا يبيعه.
الرئيس:
كيف نخرج هذا من حديث أنس رضي الله عنه قال: ((كنا نخرج الزكاة مما نعده للبيع)) ؟
الشيخ عبد الستار:
(نعده) يعني من البداية أعدَّهُ للبيع.
الرئيس:
هو من نيته أعده للبيع.
الشيخ عبد الستار:
أن يعده عند تملكه.
الرئيس:
ومن هو سلفك في هذا حتى نستفيد؟
مناقش:
السادة الشافعية يشترطون الزكاة في التجارة أن يُشترى العرض لقصد التجارة، فإذا اشتراه للقنية وعَنَّ له أن يبيعه هذا شأن كل المقتنيات، ما من قنية إلا وهي عرضة للبيع، ولا تكون تجارة إلا بشرط اشترائها بنية التجارة وعندئذ يصبح عرضا تجاريا، لا تتغير النية، شرطه عند التملك، وهذا منصوص عليه فقها في مختصرات المتون.
نائب الرئيس:
شكرا، وتشكل اللجنة مع العارض والمقرر من المشائخ التالية أسماوهم: الشيخ تقي العثماني، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ عبد الستار أبو غدة، الشيخ عبد الله بن بيه، الشيخ علي الساليوس، الدكتور شوقي دنيا.
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 119 (2/ 13) بشأن زكاة الزراعة
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422 هـ، الموافق 22- 27 ديسمبر 2001 م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (زكاة الزراعة) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.
قرر ما يأتي:
أولا: لا يحسم من وعاء الزكاة النفقات المتعلقة بسقي الزرع؛ لأن نفقات السقي مأخوذة في الشريعة بالاعتبار في المقدار الواجب.
ثانيا: لا تحسم من وعاء الزكاة نفقات إصلاح الأرض وشق القنوات ونقل التربة.
ثالثا: النفقات المتعلقة بشراء البذور والسماد والمبيدات لوقاية الزرع من الآفات الزراعية ونحوها مما يتعلق بموسم الزروع؛ إذا أنفقها المزكي من ماله لا تحسم من وعاء الزكاة، أما إذا اضطر للاستدانة لها لعدم توافر مال عنده فإنها تحسم من وعاء الزكاة، ومستند ذلك الآثار الواردة عن بعض الصحابة، ومنهم ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وهو أن المزارع يخرج ما استدان على ثمرته ثم يزكي ما بقي.
رابعا: يحسم من مقدار الزكاة الواجبة في الزروع والثمار النفقات اللازمة لإيصالها لمستحقيها.
والله أعلم.
***
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 120 (13/3)
بشأن زكاة الأسهم المقتناة بغرض الاستفادة من ريعها
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي (المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي) المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت في الفترة من 7 إلى 12 شوال 1422 هـ، الموافق 22- 27 ديسمبر 2001 م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (زكاة الأسهم المقتناة بغرض الاستفادة من ريعها) وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.
وبعد الاطلاع على قرار المجمع رقم 28 (3/ 4) بشأن زكاة الأسهم في الشركات، الذي جاء في الفقرة الثالثة منه ما نصه: (إذا لم تزكِّ الشركة أموالها، لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أموالهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة، لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكَّى أسهمه على هذا الاعتبار، لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.
وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع السهم السنوي، وليس بقصد التجارة، فإنه يزكيها زكاة المستغلات، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر، بعد دوران الحول من يوم قبض الريع، مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع) .
قرر المجمع ما يأتي:
إذا كانت الشركات لديها أموال تجب فيها الزكاة كنقود وعروض تجارة وديون مستحقة على المدينين الأملياء ولم تزك أموالها ولم يستطع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الموجودات الزكوية فإنه يجب عليه أن يتحرى، ما أمكنه، ويزكي ما يقابل أصل أسهمه من الموجودات الزكوية، وهذا ما لم تكن الشركة في حالة عجز كبير بحيث تستغرق ديونها موجوداتها.
أما إذا كانت الشركات ليس لديها أموال تجب فيها الزكاة، فإنه ينطبق عليها ما جاء في القرار رقم 28 (3 /4) من أنه يزكي الريع فقط، ولا يزكي أصل السهم.
والله أعلم.