الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقف النقود
في الفقه الإسلامي
إعداد
الأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الرسالة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
(1)
فإن الوقف خصيصة من خصائص هذه الأمة ومفاخرها الباذخة، فهو من أفضل وجوه البر وأشرفها بعد الفرائض، ولذلك فقد حبس الصحابة الكرام رضي الله عنهم أحباسا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرهم عليها ويظهر سروره واغتباطه بذلك (حتى روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قوله:((ما من أحد من الصحابة له مقدرة إلا وقف)) (1) .
لهذا وأمثاله كان للوقف دور كبير في صدر الإسلام في إرساء قواعد المجتمع الإسلامي الجديد الذي ولد في فجر الإسلام على يد صاحب الرسالة صلوات الله عليه ومن بعده من الأهل والأصحاب والتابعين، بل في عصر السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.
ومع هذا وذاك فإن الوقف على اتساع دائرته الفقهية ونظرته الحضارية، وما بذل فيه فقهاؤنا القدامى والمحدثون، وما قام به الواقفون من قبل يبقى مؤسسة حضارية تحتاج منا إلى كثير من الدراسة المتأنية والاهتمام الكبير، علنا نستطيع عن طريقها أن نسهم في بناء مجتمع الغد المشرق في ظل الإسلام الحنيف وفقهه الحضاري المنيف.
(1) المغني، باب الوقف، باب أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ البخاري، حديث (14) .
وأقولها بكل صراحة دون محاباة: إننا نحن رجال الفقه مسؤولون اليوم أكثر من كل وقت مضى عن تطوير مؤسسة الوقف في عالم جعل من الوقف الذي هو مبدأ إسلامي بحت، جعل منه أرقى ما توصلت إليه الإنسانية من تفكير حضاري راق جدا، يرقى بالأمة إلى ما تصبو إليه من عزة ومجد ورخاء إذا أحسنا فهمه واستغلاله لصالح الإنسان في أي مكان تحت الشمس، فمؤسسة الوقف اليوم تعد من أرقى ما توصل إليه الفكر الإنساني من نظم اجتماعية، فكيف إذا كان وراءه الإيمان والوازع الديني والخلقي الرفيع؟!
(2)
والأمر العجيب في المسلمين كيف تركوا الوقف الذي خلفه لهم أجدادهم يضمحل ويتلاشى حتى لم يبق منه إلا القليل، وأمم الغرب يتهافت أفرادهم ومؤسساتهم على إحياء الوقف والتفنن في استثماره وتطويره، حتى غدا الوقف لديهم من أبرز عناصر تقدمهم الحضاري، وأصل ذلك لدينا نحن العرب المسلمين الذين صدرنا هذا (المفهوم الحضاري الرفيع إلى الشعوب والأمم، من حيث توقف الوقف لدينا وتحجر على- ما كان الأمر عليه يوم نشوئه في صدر الإسلام) !.
إننا نحتاج اليوم إلى إعادة صياغة الوقف صياغة جديدة ومتطورة بما يتناسب مع التقدم العلمي السريع، ومع عصر المعلوماتية والحاسوب والاتصالات الحديثة، وهذا عمل الفقهاء والمجامع الفقهية العتيدة، وهو اجتهاد الجماعة، وهو أقصى ما تحتاج إليه أمتنا اليوم.
(3)
أما بعد:
فهذه الورقة بين أيدي الباحثين من الفقهاء لا أدعي فيها العصمة ولا الكمال، كما لا أدعي- أن كل ما قمت به صواب محض لا يعتوره الخطأ، بل هو محض اجتهاد، وأسأل الله أن أكون فيه مأجورا منه جل وعلا وحده، وأن يتقبله بقبوله، وأن أرجع منه بالأجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة إن شاء الله.
هذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
مخطط البحث
المدخل إلى البحث- في أهمية الوقف ودوره الحضاري
الباب الأول- الوقف في الفقه الإسلامي تجديدا وتطويرا:
1-
الفصل الأول: التعريف بالوقف عند الفقهاء.
1-
المطلب الأول: تعريف الوقف لغة واصطلاحا.
2-
المطلب الثاني: حكم الوقف.
3-
المطلب الثالث: مشروعية الوقف.
4-
المطلب الرابع: أنواع الوقف باعتبار غرضه.
2-
الفصل الثاني: مدى حاجة الناس إلى الوقف.
3-
الفصل الثالث: طرق تجديد الوقف الخيري وتطويره.
الباب الثاني- الوقف النقدي وموقف الفقه الإسلامي منه:
1-
الفصل الأول: التعريف بالوقف النقدي.
توطئة: وقف المنقول من الأموال ومذاهب الفقهاء فيه.
1-
المطلب الأول: وقف المنقول إجمالا لدى الفقهاء.
2-
المطلب الثاني: وقف المنقول تفصيلا عند الحنفية.
3-
المطلب الثالث: وقف المنقول عند الجمهور.
2-
الفصل الثاني: فقه الوقف النقدي وموقف المذاهب الفقهية منه، وترجيح العمل به لشدة الحاجة إليه.
توطئة: لزوم الأموال، الثابتة في وقف المنقول بالاتفاق.
ا- المطلب الأول: قضية وقف النقود وتخريجها لدى من أجازها من الفقهاء.
أ- البند الأول: فقه المسألة.
ب- البند الثاني: تخريج المسألة لدى القائلين بالجواز.
2-
المطلب الثاني: صور وقف النقود لدى العلماء المجيزين.
3-
المطلب الثالث: ترجيح العمل بالوقف النقدي في زماننا لشدة الحاجة إليه وللتعامل.
3-
الفصل الثالث: دور الوقف النقدي بالتنمية في هذا العصر.
الباب الثالث- مناهج استثمار الوقف النقدي:
1-
الفصل الأول: طرق استثمار الوقف النقدي في المناشط العصرية بالنظم المتطورة.
2-
الفصل الثاني: سبل إدارة الوقف النقدي وتنميته.
3-
الفصل الثالث: آثار الوقف النقدي.
خاتمة البحث- تلخص ذلك كله.
***
المدخل إلى البحث
في أهمية الوقف ودوره الحضاري
(1)
كان للوقف دور واضح في صدر الإسلام في تطور المجتمعات الإسلامية، ولا سيما في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لها، وبقي هذا الدور ينمو ويزداد باستمرار ولأسباب مختلفة مع الدول الإسلامية المتتابعة، ولا سيما منذ قيام الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية الأولى والثانية، ثم الدولة العباسية فالدولة الزنكية فالأيوبية ثم المملوكية، ووصل ذروته في الدولة العثمانية، ويختلف ذلك من منطقة إلى أخرى ومن قطر لآخر، ولكن القاسم المشترك هو تنامي نشوء المدن والمدنيات وازدياد التطور الحضاري والاجتماعي والنمو الاقتصادي بعامل الوقف.
إن مؤسسات الوقف التي أنشأتها الحضارة العربية الإسلامية الباذخة وامتدت رقعتها في أرجاء الدولة الإسلامية منذ فجر الإسلام إلى سقوط الخلافة، يمكن أن تكون دليلا واضحا على دور هذه المأثرة الإسلامية في الارتقاء الحضاري الإنساني، فقد عرف العرب المسلمون وقف المشافي التي كانت تسمى (البيمارستانات) ، ووقف الريحان للمرضى، ووقف المدارس والربط والتكايا، ووقف الكتب والمصاحف والمكتبات، إضافة إلى وقف المساجد والجوامع ودور العلم والتعليم ودور الحكمة.
(2)
إن من يستقرئ الحركة الحضارية في المجتمعات الإسلامية المتتالية لا يستطيع أبدا أن يتجاهل الوقف الإسلامي معلما حضاريًّا بارزا، بل إن مؤسسة الوقف كانت من أغنى المؤسسات الخيرية والثقافية والتعليمية وأرقاها وأشملها في حيز القطاع الوقفي المتميز من قطاعات المجتمع الإسلامي، وبفضل هذه المؤسسة أُنشئت نظامية بغداد ونظامية نيسابور، وكل واحدة منهما جامعة من أكبر الجامعات في ذلك العهد بل أكبرها على الإطلاق، وكان لا يدرس بهما إلا الأئمة العظام من فحول العلماء، ومثل ذلك المدارس الشرابية والمدرسة العمرية بدمشق، ودار الحديث الأشرفية بدمشق وغيرها، ونظرة واحدة في كتاب (الدارس في المدارس) للنعيمي تنبيك عن سر هذا الاهتمام بالمدارس في الجمعيات الإسلامية وكلها من مؤسسات الوقف، وما جامع قرطبة والمدارس المحيطة به إلا مؤسسة وقفية، وكذلك الجامع الأزهر وجامع الزيتونة وجامع القيروان وجامع سيدنا عمرو بن العاص بالفسطاط الذي كان مركزا حضاريا علميا رفيعا سبق الأزهر وكان سلفه الخير
…
وما مدارس صالحية دمشق التي بلغت المئات عنك ببعيد (1) .
(1) انظر: الدارس في المدارس للنعيمي؛ ومنادمة الأطلال لبدران؛ وتاريخ الصالحية لابن طولون الدمشقي.
***
الباب الأول
الوقف في الفقه الإسلامي تجديدًا وتطويرا
* التعريف بالوقف عند الفقهاء
* مدى حاجة الناس إلى الوقف.
* طرق تجديد الوقف الخيري وتطويره.
الفصل الأول
التعريف بالوقف عند الفقهاء
تعريفه لغة واصطلاحا
ركنه- حكمته- مشروعيته- أنواعه
المطلب الأول-تعريف الوقف لغة- واصطلاحا:
ا- التعريف بالوقف لغة: الوقف لغة: الحبس (1)، ويقال له: التحبيس والتسبيل ويراد به الحبس عن التصرف، والأوقاف يقال لها عند المالكية:(الأحباس) .
ب- التعريف بالوقف اصطلاحا: الوقف عند الإمام أبي حنيفة هو: (حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة) ، وذلك بناء على مذهبه في أن حقيقة الوقف تبرع بالمنفعة دون العين غير لازم كـ العارية، وأما عند الصاحبين فالوقف هو:(حبس العين على ملك الله تعالى والتصدق بالمنفعة) . وهذا على مذهبهما أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف، سواء على اعتبار نظرية التبرع بالعين أو على نظرية إسقاط الملكية.
والخلاصة أن الوقف هو: (حبس الأصل وتسبيل الثمرة أو المنفعة)(2)
قلت: وهذا التعريف هو المتوجه.
(1) انظر: لسان العرب: 9/ 359؛ وجاء في كتاب تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي: (الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وهذه هي الصفة المعروفة) .
(2)
انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) لأستاذنا العلامة الزرقا: 1/ 25 وما بعدها؛ وكتاب (مباحث الوقف) للشيخ محمد زيد الأبياني بك، ص 10 وما بعدها. قلت: وعرف الأستاذ الدكتور العلامة الشيخ وهبة الزحيلي الوقف على الراجح المفتى به عند الحنفية وهو قول الصاحبين وقول الجمهور الشافعية والحنابلة في الأصح بقوله: (هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره، على مصرف مباح موجود، أو بصرف ريعه على جهة بر وخير، تقرُّبًا إلى الله تعالى) اهـ الفقه الإسلامي وأدلته: 8 / 153 وما بعدها.
المطلب الثاني- حكم الوقف وما يتصل به:
أ- حكم الوقف عند الحنفية هو زوال ملك الواقف عن الشيء الموقوف فلا يملكه أحد ولو الموقوف عليهم، والوقف عند الجمهور غير الحنفية سنة مندوب إليها، فهو من التبرعات المندوبة، وجمهور العلماء من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف كما ورد عن عمر وخالد (1) رضي الله عنهما، وهو من خصائص الإسلام.
وقال الحنفية: الوقف مباح، وقد يصبح واجبًا بالنذر، وقد يكون سنة إذا كان على طلاب العلم، وقد يكون نافلة إذا نوى به التقرب إلى الله تعالى، ولكن الأصل في غير المنذور منه أنه مباح عندهم.
ب- وحكمة الوقف أو سببه: في الدنيا البر والثواب بنية من أهله.
ج- وركن الوقف عند الحنفية: صيغة الوقف، عملا بقول الإمام أبي يوسف، وبه يفتى للعرف، وقد يثبت الوقف بالضرورة كـ الوصية بغلة داره للفقراء، فركن الوقف عندهم: هو الإيجاب الصادر من الواقف الدال على إنشاء الوقف.
وقال الجمهور: للوقف أركان أربعة: الواقف، والموقوف، والموقوف عليه، والصيغة. أو العقد الشرعي. أما القبول من الموقوف عليه فليس ركنا عند الحنفية والحنابلة، ولا شرطا لصحة الوقف ولا للاستحقاق عليه، ويعد القبول عند المالكية والشافعية وبعض الحنابلة ركنا إذا كان الوقف على معين إن كان أهلا للقبول، وإلا فيشترط قبول وليه كـ الهبة والوصية (2) .
(1) وقف عمر رضي الله عنه أرضا بعد أن قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) فهو من وقف العقار، انظر: صحيح البخاري: 4/ 14؛ ومسلم: 11/ 86؛ وقوله صلى الله عليه وسلم عن خالد رضي الله عنه: (قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله) فهو من وقف المنقول؛ انظر: صحيح البخاري: 2/ 151و4 /49
(2)
انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) لأستاذنا الشيخ الزرقا: 1/ 29 وما بعدها.
المطلب الثالث- مشروعية الوقف:
اتفق جمهور علماء السلف على جواز الوقف وصحته استدلالًا بالآثار المروية، وخالف في ذلك ما روي عن القاضي شريح أنه كان يرى الوقف باطلا غير جائز، ويقول: جاء محمد صلى الله عليه وسلم ببيع الحبيس، وما روي عن فقهاء الإباضية: أن الوقف منسوخ بآيات المواريث بالحديث النبوي: ((لا حبس عن فرائض الله تعالى)) أي لا منع عن المواريث المفروضة، ولا ريب أن أوقاف الصحابة المستمرة إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تنفي زعم النسخ نفيا قاطعا.
وقد ثبت عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه روايتان؛ أولاهما: ببطلان الوقف، وثانيهما: بأنه صحيح غير لازم كـ العارية، وهذا ما رجح فقهاء الحنفية أنه هو مذهب الإمام أبي حنيفة، وقد خالفه صاحباه فقالا بصحة الوقف ولزومه كسائر المجتهدين، وقيل: إن الإمام أبا يوسف خالف الإمام بعد وفاته لما ظهرت له قوة المدرك لديه.
هذا؛ وأول وقف ديني في الإسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد النبوي في المدينة، وأول وقف من المستغلات الخيرية عرف في الإسلام وقف النبي عليه السلام، وهو سبعة حوائط من النخيل بالمدينة، ثم تلاه وقف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وثم وقف سيدنا أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه.
ووقف سيدنا عمر بن الخطاب أرض (ثمغ) فيها نخيل جاء يستشيره فيها فقال له: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) (1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف)(2) ، واستمر عمل الأمة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، وانعقد الإجماع على وقف الأموال على وجوه الخير ومنع التصرف فيها من الواقف وغيره (3) .
(1) رواه الجماعة في نيل الأوطار: 6/ 20.
(2)
انظر: (أحكام الأوقاف) لأستاذنا الشيخ الزرقا: 1 /7 وما بعدها؛ وكتاب (الفقه الإسلامي وأدلته) : 8/ 155 وما بعدها
(3)
انظر: (الاختيار لتعليل المختار) للعلامة ابن مودود الموصلي: 3/ 40 وما بعدها
4 -
المطلب الرابع- أنواع الوقف باعتبار غرضه: (1) .
يتنوع الوقف باعتبارات مختلفة أنواعًا كثيرة، بلغت هذه الاعتبارات لدى بعض الباحثين المعاصرين- ثمانية، والذي يهمنا في بحثنا هذا، أنواع الوقف باعتبار غرضه، فهي أنواع ثلاثة:
1-
الوقف الذري (الأهلي) : وهو ما يوقف على الذرية من أسرة الواقف، فإذا انقرضت الذرية آل إلى خيري.
2-
الوقف الخاص (الخيري) : وهو الوقف في أول الأمر على المصالح الخيرية وجهات البر وأعمال الخير.
3-
الوقف العام (وهو الوقف في ابتداء الأمر على المصالح العامة) : كالمساجد والمشافي، ويدخل فيه الأراضي الخراجية من هذا الوجه، لأنها وقفت على الأجيال اللاحقة ولم توزع بين الفاتحين.
وأما محل الوقف: فهو المال الموجود المتقوم من عقار أو منقول، ثبت ذلك بالسنة بالإجماع.
(1) انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) لأستاذنا الشيخ الزرقا: 1/ 25 وما بعدها؛ وكتاب (الفقه الإسلامي وأدلته) : 8 /160 وما بعدها
الفصل الثاني
مدى حاجة الناس إلى الوقف الخيري
إن المجتمعات الإسلامية تعاني اليوم من أزمات مالية شديدة في شتى أصقاع العالم الإسلامي، وذلك لوجود الاحتكارات العالمية وسيادة نظام الربا وإفلاس أكثر الأنظمة الاقتصادية الوضعية، وسيطرة رأس المال على الحياة بأوجهها كلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
من هنا كانت حاجة الناس اليوم أشد ما تكون من أي وقت سبق إلى إحياء الوقف بنوعيه الخيري والذري، والأول أكثر أهميه من الثاني لأنه ألصق- أنواع الوقف بعمل الخير وبـ التكافل الاجتماعي الذي وضعه الإسلام.
وإذا كان الوقف الخيري يمثل مؤسسة اجتماعية لا تنتمي إلى قطاع عام ولا قطاع خاص، بل هي قطاع قائم بذاته هو قطاع الخير والبر والمعروف والتعاون الذي نادى به الإسلام بتشريعه الإلهي:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] إذا كان الأمر كذلك فإن العالم الإسلامي اليوم يئن تحت وطأة الجوع والفقر والفاقة، ولديه ما يقارب ثلث خيرات الأرض.
قلت: وهذا وحده كاف للرجوع إلى مؤسسة الوقف الخيري الذي تنبه له الغربيون الأوروبيون والأمريكيون، فأقاموا منه صرحا شامخا وطوروه حتى بات يلبي حاجاتهم هناك بشكل مثالي في كل مناحي الحياة، وما من دولة من دولهم إلا وهي ترتع في بحبوحة الوقف وتتنعم بخيراتها وتنفق من عائداتها على شعوبها، فأكثر الجوائز العلمية لديهم بل كلها وكثير من الجامعات والمراكز العلمية هي مؤسسات وقفية بحتة لا علاقة للدولة بها إلا من حيث إصدار الترخيص فقط (1) .
(1) انظر: كتاب (الوقف الإسلامي، تطوره- إدارته- تنميته) للدكتور منذر قحف، في مواطن متعددة
قلت: ولهذا وأمثاله قال الإمام القرافي رحمه الله عن الوقف: (هو من أحسن القرب، وينبغي أن تخفف شروطه)(1) .
فعلى المسلمين أن يشجعوا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا قيام الوقف وأن يسهموا فيه، وعلى الفقهاء المعاصرين أن يوجدوا حلولا لمسائل الوقف المستجدة.
هذا والتشجيع على إقامة أوقاف جديدة يحتاج إلى جهد خاص في مجال الفقه والقانون معا لتطوير وتيسير دوافع وحوافز لإقامة الأوقاف الجديدة، إضافة إلى الدافع الروحي الديني الذي هو أبرز هذه الدوافع وأرقاها.
هذا والأموال المخصصة لأعمال الخير أضحت كثيرة، وهو القطاع الثالث تمييزا له عن القطاعين الخاص والحكومي، وهذا ما كثر في ديار الغرب ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية بشكل لم يسبق له نظير، وله دوافعه لديهم، ومن الممكن أن نفيد نحن من هذه التجارب في حقل الخير منهم على جميع الصعد الفردية والجماعية (2) ، وهو ما نصبوا إليه في نهضتنا الفقهية والقانونية المعاصرة.
(1) انظر: الذخيرة للإمام القرافي: 6 / 322.
(2)
انظر: كتاب (الوقف الإسلامي) ، ص 324 وما بعدها.
***
الفصل الثالث
طرق تجديد الوقف الخيري وتطويره
تمهيد:
الصور المستجدة للوقف أضحت أمورا ضرورية لا غنى للمجتمع الإسلامي عنها بعد تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وهي يمكن أن توجد حسب نوع الموقوف وطبيعته، فالأوقاف العينية يكون فيها مال الوقف من الأعيان عقارا أو منقولا، أما أوقاف الحقوق والمنافع فيكون فيها المال الموقوف حقا ماليا متقوما ومنفعة قابلة لانتقال ملكيتها.
مصادر تجديد الوقف الخيري:
وهذه الصور المستجدة مستقاة من ثلاث مسائل: التوقيت، والأعيان المتكررة، وشرط الانتفاع؛ وأبرزها في الوقف العيني التوقيت؛ مثل توقيت الوقف للمسجد لدى غير الحنفية من الفقهاء، وتحبيس المقبرة وقفا مؤقتا أيضا بشروطه لدى القائلين به من الفقهاء، ثم هنالك وقف الأعيان المتكررة وهو ما عرف لدى أهل دمشق من وقف غلة بستان على الفقراء يوم الجمعة من كل أسبوع أو بشهر رمضان كل عام مثلا.
وهنالك كذلك الوقف مع اشتراط المنافع للواقف كلها أو بعضها، وهو ما يسميه الحنابلة الوقف على وجوه البر مع استثناء أن تكون غلة الوقف أو استعماله للواقف طوال حياته، وهو جائز عندهم، وهو ما عليه الفتوى عند الحنفية وهو رأي أبي يوسف منهم.
وهنالك أوقاف يكون الموقوف فيها حقا متقوما أو منفعة مملوكة لغير مالك العين، والمالكية من الفقهاء تكلموا عن وقف منفعة عين مستأجرة لمدة عقد الإجارة.
ومن ذلك وقف الحقوق المعنوية، ووقف الحقوق المعنوية التراثية، وصور وقفية جديدة في حق الطريق، وصور جديدة من وقف الخدمات، وصور وقف حقوق ارتفاق أخرى، وهنالك صور جديدة في وقف المنافع، وصور للواقف شبيهة بوقف المنافع، ومن ذلك وقف كمية من الماء، وهو من وقف الأعيان المتكررة، وهو معروف في بلاد الشام واسمه (السبلان: وهي جمع سبيل) (1) .
وأما وقف النقود فقد اختلف فيه الفقهاء، فمنهم من قال بجواز ذلك، ومنهم من منع، فمن المجيزين من أجاز ذلك لاتخاذه زينة قياسا على جواز تأجيرها لذلك على خلاف فيه، ومنهم من قال بجواز وقفها لإقراضها، ومنهم من قال بوقفها لاستثمارها مضاربة ثم يوزع ربحها على أغراض الوقف. وهنالك صور جديدة لوقف النقود وما هو في مقامها فيها نظر، وسأستوفي الكلام عليها في المباحث القادمة إن شاء الله (2)
(1) انظر: (الوقف الإسلامي) ، د. قحف، ص 179 وما بعدها
(2)
انظر: (الوقف الإسلامي) ، ص 193 وما بعدها
الباب الثاني
الوقف النقدي وموقف الفقه الإسلامي منه
* التعريف بالوقف النقدي
* فقه الوقف النقدي وموقف المذاهب الفقهية منه.
* دور الوقف النقدي بالتنمية في هذا العصر
الفصل الأول
التعريف بالوقف النقدي
توطئة- وقف المنقول من الأموال ومذاهب الفقهاء فيه:
للمال الموقوف شروط بلغت لدى الفقهاء القدامى رضوان الله عليهم خمسة؛ وهي:
1-
أولها: أن يكون الموقوف مالا متقوما.
2-
وثانيها: أن يكون مملوكا في ذاته.
3-
وثالثها: أن يكون معلوما حين الوقف.
4-
ورابعها: أن يكون مالا ثابتا، وهو العقار.
5-
وخامسها: أن يكون الموقوف متميزا غير مشاع إذا كان مسجدا أو مقبرة (1) .
والذي يهمنا في هذا البحث الشرط الرابع: (أن يكون مالا ثابتا وهو العقار) .
المطلب الأول- وقف المنقول إجمالا لدى الفقهاء:
والعقار لدى الفقهاء هو الأرض، وهذا الحكم مستمد من شريطة التأبيد في الوقف، فهذا هو الأصل في محل الوقف أن يكون غير منقول، لكن هذا ليس على إطلاقه، بل في وقف المنقول تفصيل: فالحنفية يذهبون إلى أن المال الموقوف لا بد أن يكون عقارا أو منقولاً تابعا للعقار، أو ورد النص به، أو جرى العرف بوقفه.
(1) انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) : 1/ 45 وما بعدها
وعلى هذا؛ فالمال المنقول: أ- إما أن يوقف تبعا للعقار.
ب- وإما أن يوقف منفردا مقصودا.
وإذا وقف منفردا مقصودا:
- فإما أن لا يكون من الأموال التي تعارف الناس وقفها.
- أو مما لم يتعارفوه (1) .
المطلب الثاني- وقف المنقول تفصيلا عند الحنفية:
أ- فإذا وقف المنقول تبعا للعقار؛ كما لو وقفت الدار بما فيها من متاع، أو الأرض بما عليها من شجر، فالوقف صحيح في العقار والمنقول جميعا بالاتفاق (2) ؛ لأن من القواعد الفقهية المقررة أن ما لا يصح قصدا قد يصح تبعا، ويغتفر في التوابع مالا يغتفر في غيرها (3) ، وكذا ما ورد وقفه في السنة المشرفة كوقف السلاح والخيل في الجهاد فيصح اتفاقا.
ب- وأما إذا وقف المنقول وحده مستقلا مقصودا فلا يعدو: إما أن يكون وقفه متعاملا عليه. أو لا:
فإذا كان وقف المنقول وحده مستقلا مقصودا متعاملا عليه بأن كان نوعه قد اعتاد الناس وقفه وتعارفوه؛ كوقف الكتب والمصاحف ونحو ذلك مما تعارف فيه الناس عمل البر في سبل العلم؛ فوقفه صحيح على قول الإمام محمد استحسانا للعرف خلافا للإمام أبي يوسف، وقول الإمام محمد هو المختار للفتوى والقضاء؛ لأن العرف مصحح فيما لا يصادم نصا قاطعا، وأحكام الوقف اجتهادية، فالعرف فيها معتبر بناء على القاعدة الفقهية:(العادة محكمة)(4)، وقولهم:(القياس يترك بالتعامل)(5) .
(1) انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) : 1/ 47 وما بعدها
(2)
انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) : 1/ 47 -48وما بعدها
(3)
انظر: مجلة الأحكام العدلية م /54، وشرحها للشيخ خالد الأتاسي، ج 1.
(4)
انظر: مجلة الأحكام العدلية م /36، وشرحها للشيخ خالد الأتاسي، ج 1.
(5)
انظر: رد المحتار: 3/375
وأما المنقول (1) الذي لم يتعارف الناس وقفه فإن وقفه لا يصح عملا بالقياس وعملا بالأصل لأنه بمال ثابت (2) ، ولأن من شرط الوقف التأبيد، والمنقول لا يدوم.
ومن المنقول الذي تعارف الناس وقفه مستقلا مقصودا الدراهم والدنانير.
المطلب الثالث- وقف المنقول عند الجمهور (3) : أجاز جمهور الشافعية والحنابلة والمالكية وقف المنقول بلا قيد ولا شرط مطلقا في الراجح لديهم، سواء أكان الموقوف مستقلا بذاته، ورد به النص أو جرى به العرف أو تبعا لغيره من العقار، إذ لم يشترطوا التأبيد لصحة الوقف لديهم، فيصح كونه مؤبدا أو مؤقتا، خيريًّا أو أهليا.
المطلب الرابع- ترجح قول الجمهور (4) :
والذي يترجح لدي بعد النظر في أدلة الطرفين رجحان قول الجمهور من جواز وقف المنقول مطلقا، ولا حاجة بنا إلى تقييد جواز وقف المنقول بالعرف أو بالتعامل، لأن العرف أو التعامل لا أثر لهما في تغيير الحكم الشرعي من الحظر إلى الإباحة في قضية كهذه تعتمد قوة المدرك، ولا تعتمد على العرف ولا على غيره، والمدرك هنا يشير إلى الجواز، ولا سيما في عصرنا هذا الذي أضحى الناس فيه محتاجين إلى التوسع، ولا سيما الوقف الخيري الذي هو من أعظم القربات إلى الله عز وجل (5)
(1) انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) لأستاذنا الشيخ الزرقا: 1/ 47 وما بعدها
(2)
هذا إذا وقف الإنسان ذات المنقول غير المتعارف، أما إذا وقف وقفًا صحيحا وشرط في وقفتيه أن يُشترى من غلته منقولات توزع على الفقراء فلا شبهة في صحة ذلك ولزومه لأنه صرف لا وقف. اهـ. انظر: كتاب (أحكام الأوقاف) لأستاذنا الشيخ الزرقا، ص 48
(3)
الوقف لا يصح عند الحنفية خلافًا لجمهور الفقهاء إلا في العقار، أما المنقول فلا يصح وقفه عند الحنفية إلا تبعًا للعقار كوقف أرض وما عليها من آلات وحيوان، أو ورد بصحة وقفه أثر عن السلف كوقف الخيل والسلاح، أو جرى العرف بوقفه كوقف المصاحف والكتب وأدوات الجنازة، ويصح عند غير الحنفية وقف العقار والمنقول على السواء. انظر: الدر المختار ورد المحتار: 3/ 408، 411؛ وفتح القدير: 5/ 48 وما بعدها.
(4)
وعلى هذا فرع الفقهاء من الجمهور يصح كون الموقوف عقارا كأرض أو شجر، أو منقولا كالحيوان مثل وقف فرس على المجاهدين، وكالأثاث مثل بساط يفرش في مسجد ونحوه، وكالسلاح، مثل سيف ورمح أو قوس على المجاهدين، وكالمصحف وكتب العلم ونحوها.
(5)
قلت: وقد أجاز وقف المنقول من المعاصرين الشيخ أحمد إبراهيم، وممن أجاز وقف المنقول أستاذنا أبو زهرة وأستاذنا الزرقا؛ وانظر: الفقه الإسلامي وأدلته: 8/ 163 وما بعدها.
الفصل الثاني
فقه الوقف النقدي وموقف المذاهب الفقهية منه
وترجيح العمل به لشدة الحاجة إليه
توطئة- لزوم الأموال الثابتة في الوقف بالاتفاق:
تكاد المذاهب الفقهية تتفق على وجوب كون الموقوف من الأموال الثابتة أو ما يسمى بالأصول الثابتة، وهي القيميات دون المثليات، والقيميات أو الأموال الثابتة هي العقار والمنقول أي هي الأموال التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها.
جاء في مواهب الجليل للحطاب؛ (لا يصح وقف ذوات الأمثال لأن منفعته باستهلاكه)(1) .
المطلب الأول- قضية وقف النقود وتخريجها لدى من أجازها من الفقهاء:
1-
البند الأول- فقه المسألة:
اختلفت أنظار المذاهب في هذه المسألة؛ (وقف الدراهم والدنانير) :
أ- فذهب المالكية (المتأخرون منهم) إلى جوازه، وذكره الإمام مالك، وخرجه من أجازه من بعض المالكية، كما خرجه من أجازه من الحنفية المتأخرين على إقامة البدل أو المثل مقام العين في الحبس.
ب- وأما الحنابلة فيصرحون بعدم جواز وقف الدراهم والدنانير في القول الراجح لدى المتقدمين منهم، وأجازه بعض المتأخرين من مجتهدي الحنابلة منهم العلامة ابن تيمية رحمه الله وتبعه آخرون منهم.
(1) 6/21.
ج- وأما الشافعية فقد ذكر الإمام الشيرازي الخلاف فقال: (واختلف أصحابنا في الدراهم والدنانير؛ فمن أجاز إجارتها أجاز وقفها، ومن لم يجز إجارتها لم يجز وقفها)، قلت: وروى الخلاف صاحب تكملة المجموع ولم يرجح، وأجاز الأصحاب وقف الدراهم والدنانير حليًّا وللعارية، والظاهر لديهم ترجيح المنع ولا سيما لدى المتأخرين (1) ، وهكذا نجد وقف النقود منعه جمهور الفقهاء، وأجازه بعض المالكية وبعض الشافعية وقليل من الحنابلة (2) .
د- وأما الحنفية، فلديهم نقطة اتفاق ونقطة اختلاف في تخريج هذه المسألة على أصول مذهبهم:
1-
فأما نقطة الاتفاق: لا خلاف بين الحنفية في أن وقف المنقول تبعا للعقار جائز بلا خلاف عند الصاحبين وهو المفتى به في المذهب، كما أنه لا خلاف في صحة وقف السلاح والكراع (أي الخيل) ، للآثار المشهورة.
2-
وأما نقطة الخلاف: فهي في وقف ما تقدم ذكره، فعند الإمام أبي يوسف لا يجوز، وعند الإمام محمد يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات، واختاره أكثر فقهاء الأمصار كما في الهداية، وهو الصحيح كما في الإسعاف، وهو قول أكثر المشايخ كما في الظهيرية لأن القياس يُترك بالتعامل.
(1) انظر: المهذب للشيرازي: 2 /323، وشرحه: 16/ 247 وما بعدها.
(2)
انظر: الدسوقي: 4/ 77، وفي فتاوى العلامة ابن تيمية: (مذهب مالك: صحة وقف الأثمان للقرض، الفتاوى: 31 /234؛ وانظر: الاختيارات الفقهية له، ص 171: (لو قال الواقف وقفت هذه الدراهم على قرض المحتاجين لم يكن جواز هذا بعيدا اهـ.
وعلى هذا؛ فوقف الدراهم والدنانير فيه أقوال ثلاثة عند الحنفية:
1-
القول الأول: جواز وقف الدراهم والدنانير مطلقا عند الإمام زفر من الحنفية سواء أجرى التعامل بوقفها أم لا، عزاه في الخلاصة إلى الأنصاري (1) ، وكان من أصحاب زفر، وعزاه في الخانية إلى زفر، وهذا ما ذهب إليه العلامة ابن نجيم زين الدين صاحب البحر ولم- يحكِ خلافا.
2-
القول الثاني: وهو المنع مطلقا وهو قول الإمام أبي يوسف من الحنفية، أخذا بأن وقف المنقول تبعا للعقار غير جائز إلا فيما ورد فيه نص كالسلاح والكراع.
3-
القول الثالث: وهو الراجح المفتى به في المذاهب؛ وخلاصته جواز وقف الدراهم والدنانير إذا تُعُورِفَ ذلك وجرى به التعامل بين المسلمين، وهو تخريج على قول الإمام محمد بن الحسن من الحنفية.
وخرج الحنفية ذلك بأن الدراهم لا تتعين بالتعيين (أي مثلية) ، فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها فكأنها باقية، ولا شك في كونها من المنقول، فحيث جرى فيها تعامل دخلت فيما أجازه محمد، ولهذا لما مثل محمد بأشياء جرى فيها التعامل في زمانه زاد بعض المشايخ من الحنفية أشياء من المنقول على ما ذكره محمد، لما رأوا جريان التعامل فيها، وعلى هذا فتلحق بالمنقول المتعارف على قول الإمام محمد المفتى به، وإنما خصوها بالنقل عن زفر لأنها لم تكن متعارفة إذ ذاك، ولأنه هو الذي قال بها ابتداء.
(1) جاء في حاشية ابن عابدين: (عن الأنصاري وكان من أصحاب زفر فيمن وقف الدراهم أو ما يكال أو ما يوازن أيجوز ذلك؟ قال: نعم.)، اهـ. رد المحتار: 3/ 374.
وعلق العلامة ابن عابدين على ذلك بقوله: (نعم، وقف الدراهم والدنانير تعورف في الديار الرومية)(1) . اهـ. ثم قال: (فوقف الدراهم متعارف في بلاد الروم دون بلادنا، ووقف الفأس والقدوم كان متعارفا في زمن المتقدمين ولم نسمع به في زماننا، فالظاهر أنه لا يصح الآن، ولئن وجد نادرا لا يعتبر لما علمت من أن التعامل هو الأكثر استعمالا فتأمل (2) .
وعلى هذا فحيث تعورف وقف الدراهم والدنانير وجرى به التعامل في بلد بصورة أغلبية جاز وقفه لدى المتأخرين من فقهاء الحنفية كما العرف اليوم في بلادنا (3) .
2-
البند الثاني- تخريج المسألة لدى القائلين بالجواز:
1-
النقود أموال مثلية: أي تقرض ويرد مثلها لا عينها، أو تدفع قراضا (أي مضاربة) ولا ترد بعينها، لذلك نزل الفقهاء رد المثل أو البدل منزلة بقاء العين، بذلك أفتى العلامة أبو السعود في رسالته (وقف النقود)(4)، وقال العلامة ابن عابدين في ذلك نقلا عن الرملي في فتوى العلامة أبي السعود:) لكن إذا حكم به حاكم ارتفع الخلاف) (5)، وقال الحصكفي في الدر قبله:(كما في معروضات المفتي أبي السعود)(6) .
وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار:
(قلت: إن الدراهم لا تتعين بالتعيين، فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها، لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها فكأنها باقية)(7) .
قلت: ولعلهم رأوا أن النقود من الأصول السائلة، فإذا وقفت صارت ملحقة بالأصول الثابتة من حيث حبس أصلها وتسبيل منفعتها أو ريعها، وإذا انتقل أصلها بالقرض فإن بدلها قائم في الحبس مقام عينها وهو (المثل) .
(1) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار: 3/ 374.
(2)
انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار: ص375.
(3)
انظر: الفقه الإسلامي وأدلته: 8/ 163 وما بعدها.
(4)
انظر: رسالة (وقف النقود) للعلامة أبي السعود العمادي الحنفي المشهور بمفتي الثقلين، ط دار ابن حزم، بيروت 1997 م
(5)
انظر: حاشية رد المحتار: 3 /374 وما بعدها.
(6)
انظر: حاشية رد المحتار: 3 /374. وقد قال العلامة أبو السعود في رسالته (وقف النقود) ما نصه: (أقاموا رد المثل في ذلك مقام رد عين المأخوذ، فيكون حبس أمثال النقود بمنزلة حبس أعيانها، وبقاء أمثالها في حكم بقاء أعيانها (. اهـ، ص 31؛ وقال:) ومعلوم أن القرض والقراض يذهب عينه، ويقوم بدله مقامه، وجعل البدل به قائما مقامه لمصلحة الوقف) . اهـ مجموع في المناقلة والاستبدال بالأوقاف.
(7)
حاشية رد المحتار: 3 /374، ومجموع الرسائل للعلامة ابن عابدين: 2/ 59 وما بعدها
هذا هو خلاصة تخريح متأخري الحنفية المجيزين لوقف النقود مأخوذا من كتبهم.
هذا؛ ولعل من المستحسن تغطية مخاطر هذا القرض بالضمانات كالرهن والكفالة وما شابه، وإن كان هذا قد يكون غير متيسر للفقراء، مع ملاحظة خطر تضخم العملة وكسادها.
2-
وثانيها القراض أو المضاربة: وذلك بدفع المال النقدي الموقوف قراضا إلى من يتجر به على حصته من الربح تصرف إلى مصارف الوقف صدقة أو تسبيلا.
والأصل في ذلك ما ورد عن الزهري قال: (فيمن جعل ألف دينار في سبيل الله دفعها إلى غلام له تاجر يتجر بها، وجعل ربحه صدقة للمساكين والأقربين)(1)(جاء في حاشية ابن عابدين: (وعن الأنصاري، وكان من أصحاب زفر،فيمن وقف الدراهم أو ما يكال أو ما يوزن أيجوز ذلك؟ قال: نعم، قيل: وكيف؟ قال: بدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه)(2) .
وجاء في الدر المختار للحصكفي ما نصه: (فيباع ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة) أي المكيل والموزون.
قال العلامة ابن عابدين في رد المحتار: (وكذا يفعل في وقف الدراهم والدنانير، وما خرج من الربح يتصدَّق به في جهة الوقف)(3) .
قلت: وهذا لا يخلو من مخاطر الخسائر التجارية التي قد تعوض وقد لا تعوض، فلا بد من الحيطة والحذر والتوقي من التفريط مع استعمال الورع. والله أعلم.
(1) انظر: صحيح البخاري: 4/ 14.
(2)
حاشية رد المحتار: 3/ 374 وما بعدها.
(3)
حاشية رد المحتار: 3/ 375 وما بعدها.
المطلب الثاني- صورة وقف النقود لدى العلماء المجيزين:
تبين أن وقف الدراهم والدنانير في البلاد التي تعورف وقفها صحيح عند متأخري الحنفية.
هذا؛ ولما كان الغرض من الوقف استمراره بقدر الإمكان، والدراهم والدنانير لا ينتفع بها إلا بالاستهلاك، فقد أوجد الحنفية طريقة لاستغلالها مع البقاء، وهي أن تعطى الدراهم الموقوفة لشخص يتجر فيها ويكون له جزء من الربح حسب الاتفاق (مضاربة) ، أو لا يأخذ شيئا من الربح (بضاعة) ثم يعطى الربح كله أو بعضه للموقوف عليهم، وإذا كانت النقود تفي لشراء عقار يستغل ويعطى ريعه للموقوف عليهم اتبع ذلك، لأن العقار أبقى من النقود ولو اتجر فيها (1) . وبالجملة: فلقد ذكر الفقهاء المجيزون لوقف النقود ثلاث صيغ هي:
ا- أولها: القرض أو السلف؛ فتقرض النقود لمحتاجيها ثم تسترد منهم وتقرض لآخرين وهو المنقول عن بعض فقهاء الحنابلة كالإمام ابن تيمية رحمه الله، ونقل هو عن الإمام مالك صحة وقف الأثمان للقرض (2) .
2-
وثانيها: طريقة استغلال الدراهم والدنانير إذا تعورف وقفها، بأن تدفع لمن يعمل فيها على سبيل شركة المضاربة مثلا، وما يخرج من الربح يتصدق به في جهة الوقف.
3-
وثالثها: الإبضاع (3) وهو المقصود بقول صاحب الدر وحاشيته (بضاعة) ، وهو دفع المال النقدي لمن يتجر به على أن يكون الربح كله لرب المال، وللعامل حصته من الربح أو يكون متبرعا بها (4)، ومع هذا وذاك فإن أستاذنا العلامة الشيخ الزرقا يقول:(التصرف في مال الوقف يستمد أحكامه من التصرف في مال اليتيم)(5) ، فلا بد إذًا من ضمان رأس مال الوقف كرأس مال اليتيم احتياطا، والعلامة ابن قدامة من الحنابلة يقول في المغني (6) :(روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر، ويحتمل أنها جعلته من ضمانه عليها، إن هلك غرمته)(7) .
(1) انظر: مباحث الوقف للشيخ محمد زيد الأبياني بك، ص 20 وما بعدها.
(2)
انظر: الاختيارات الفقهية للإمام ابن تيمية، ص 171؛ والفتاوى الكبرى: 31/ 234
(3)
الإبضاع: مصدر، وهو إعطاء شخص آخر رأس مال على كون الربح تماما عائدا له، فرأس المال البضاعة، والمعطي المبضع، والأخذ المستبضع؛ انظر: مجلة الأحكام العدلية م/ 1059؛ والقاموس الفقهي للعلامة الأستاذ سعدي أبو جيب، ص 27
(4)
انظر: فتح القدير: 5/ 51.
(5)
انظر: أحكام الأوقاف: 1/ 16.
(6)
انظر: المغني لابن قدامة: 4/293.
(7)
ذكر بعض الباحثين المعاصرين لونًا من ألوان وجوه وقف النقود وهو وقف النقود وتسبيل فوائدها الربوية. قلت: وهو ربا محض وحرام باتفاق الأمة، ولا يجوز بحال من الأحوال فليعلم
المطلب الثالث- ترجيح العمل بالوقف النقدي في زماننا لشدة الحاجة إليه وللتعامل:
أجاز المالكية ومتأخرو الحنابلة والمتأخرون من الحنفية كما ذكرنا وقف النقود، وأما المذهب الشافعي (1) فأبطل الوقف المؤقت إلا في أشياء استثناها المتأخرون من الشافعية كـ الرملي؛ فأجاز وقف ما تحصل منه فائدة مع بقائه مدة.
والإمامية الإثنا عشرية اشترطوا في الموقوف صحة الانتفاع به مع بقاء عينه؛ جاء في المختصر النافع للعلامة الحلي (2)(ويشترط أن يكون الموقوف عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها) وكذلك جاء في عيون الأزهار للإمام المرتضى (3) . قلت: والذي يتضح من الأدلة أن القول بجواز وقفها في هذا العصر هو الراجح، وذلك لأسباب وجيهة اقتضت هذا الترجيح:
1-
أولها: لأن النقود لم يعد لها المفهوم السابق من حيث إنها أموال سائلة وغير ثابتة، فالنقود باعتبار بقاء قيمتها في أمثالها أموال ثابتة من هذا الوجه.
2-
وثانيها: لأن النقود مثلية، ومثل الشيء ذاته، ولا تتعين بالتعيين، وبدلها يقوم مقامها تماما، ومع التسليم بأن الاستفادة الصحيحة تقتضي تقليبها، فإن ذلك لا يقتضي أبدا إهلاك عينها وذهابها بالكلية، فهي باقية بشكل دائم (4) .
3-
وثالثها: إنما قصد من قال بوقف النقود اعتبار النقد أصلا قائما يستغل أو ينتفع به مع بقائه، وهذا معنى قولهم:(الوقف تحبيس الأصل مع تسبيل الثمرة) .
فلا فرق بين وقف النخل ووقف النقد فكلاهما عينه من وجه، وتبقى هذه العين من وجه آخر ألا وهو بقاء الثمرة واستمرارها، ولذلك قال الحنفية المتقدمون، لا بد من شراء فسائل وغرسها حتى يظل النخل قائما مستمرا (5) ، فأين الفرق بين هذا وذاك؟! فلئن صح في وقف النخل، فوقف النقود يخرج عليه إذ لا فرق بينهما في التحقيق، وهو وجه الاستحسان (6) .
وبهذا يتبين رجحان القول بجواز وقف النقود بشروطه المعتبرة شرعا كما قررها الفقهاء المجيزون استحسانا، والله أعلم.
(1) انظر: الرملي: 5/ 373 وما قبلها، وذلك كوقف الريحان للشم مزروعا لبقائه مدة لا محصورا لسرعة فساده. اهـ
(2)
المختصر النافع، ص 180 وما بعدها.
(3)
عيون الأزهار للإمام المرتضى، ص 359.
(4)
انظر: حاشية رد المحتار: 3/ 374؛ والدسوقي:77/4.
(5)
انظر: أحكام الوقف لهلال، ص 20 وما بعدها.
(6)
جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للعلامة الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله ما نصه: (ويجوز استحسانًا وقف ما جرت العادة بوقفه- استثناء من وقف المنقول مقصودا- كوقف الكتب وأدوات الجنازة ووقف المرجل لتسخين الماء ووقف المَرّ- أي المسحاة التي يحفر بها- والقدوم في الماضي لحفر القبور لتعامل الناس به، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) : 8/ 185 وما بعدها
الفصل الثالث
دور الوقف النقدي بالتنمية في هذا العصر
تمهيد:
عبر المذهب الحنفي عن مرونة كبيرة في التعامل، فقد كان الإمام أبو حنيفة لا يقول بوقف المنقول، لكن الإمام أبا يوسف أجاز وقف بعض المنقول كالسلاح والكراع، والإمام محمد بن الحسن أجاز وقف المنقول فيما لو تعارفه الناس، وعلى هذا إذا تعارف قوم في بلد على وقف الدراهم والدنانير أصبح الوقف صحيحا لدى الإمام محمد، وعلى قوله الفتوى في المذهب الحنفي، بل إن الحصكفي يقرر ذلك في الدر المختار فيقول:(قلت: بل ورد الأمر للقضاة بالحكم به كما في معروضات المفتي أبي السعود)(1) وكان من المؤيدين لذلك الملاخسرو شيخ الإسلام في كتابه (درر الحكام في شرح غرر الأحكام) وتلميذه ابن جنيد في كتابه (ذخيرة العقبى)(2) .
في ضوء هذا التطور في الوقف النقدي في العصر العثماني بالرغم من الظروف التي كان يمر بها المسلمون آنذاك، فإننا نستطيع أن نتهدى بهؤلاء الفحول من الفقهاء مثل العلامة ملاخسرو والعلامة أبي السعود في معرفة أحكام جديدة لوقائع مستجدة تخريجا على ما قاله أولئك الفقهاء العظام.
(1) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار: 3/ 374 وما بعدها.
(2)
انظر: كتاب (دور الوقف في المجتمعات الإسلامية) للدكتور محمد موفق الأرناؤوط، ص 16 وما بعدها
وسأتحدث هنا في هذه العجالة باختصار عن أمثلة جديدة للتطوير الفقهي للوقف النقدي مع نقدها:
1-
أولها: وقف النقود في محافظ استثمارية وتقوم على فكرة المضاربة، وقد تبناها بعض الفقهاء المعاصرين، ولكني أجد فيها نظرا من حيث اختلاط مفهوم المضاربة بالإجارة، وهذا فيه شبهة لدى الحنفية وجمهور الفقهاء.
2-
وثانيها: وقف الإيراد النقدي دون وقف أصله، وقد أجازه بعض الفقهاء المعاصرين، ولم يطمئن القلب إليه لعدم حبس الأصل.
3-
وثالثها: وقف احتياطي شركات المساهمة، وهذا لا يخلو من شبه اختلاط رؤوس الأموال بالفائدة مما يكاد يصبح بلاء عاما قل من يتخلص من شروره وآثامه بكثير من الحذر والاحتياط، فلئن تخلصت هذه الرساميل الاحتياطية من الفائدة والربا لا أرى مانعا من وقف احتياطيها والله أعلم (1) .
هذا؛ وإني أرى أن على فقهائنا المعاصرين أن يشمروا عن ساعد الجد ليوجدوا أشكالا وقفية جديدة للنقود غير ما ذكرت، بحيث تخلو عن شبهة الربا أو الجهالة الفاحشة وما شابه، وأن يكلفا بذلك بعض الباحثين بأبحاث مستجدة ينالون بها درجات علمية عالية وعليا عسى أن يسهم ذلك في تطوير الوقف النقدي مع مراعاة حرمة الشريعة وأحكامها.
(1) انظر كتاب: الوقف الإسلامي، ص 194 وما بعدها إلى ص 199.
***
الباب الثالث
مناهج استثمار الوقف النقدي
* طرق استثمار الوقف النقدي في المناشط العصرية بالنظم المتطورة.
* سبل إدارة الوقف النقدي وتنميته.
* أثار الوقف النقدي.
الفصل الأول
طرق استثمار الوقف النقدي
في المناشط العصرية بالنظم المتطورة
يرى بعض الباحثين المعاصرين أن التجديد في الوقف يأتي في النماذج القانونية التي يقدمها الفقه، وفي إعمال النظر لتأطير أنواع من الصدقات الجارية الجديدة وطرق معالجتها القانونية، كما يكون في الأهداف التفصيلية التي تتولد عن حاجات ورغبات خيرية وذرية محددة يتطلب الوفاء بها تغييرًا في الشكل القانوني الذي ينظم الوقف، وهكذا بنوا أربع صور وقفية جديدة على أربعة أهداف تفصيلية ضمن إطاري الوقف الخيري والوقف الأهلي:
1-
أولها: صور وقفية جديدة تهدف لتنمية رأس مال الوقف.
2-
وثانيها: وقف لتأمين دخل دوري للموقوف عليه لفترة محددة.
3-
وثالثها: وقف يهدف إلى دفعات متساوية لمدة محددة.
4-
ورابعها: وقف الشيخوخة والورثة (1) .
وهذه نظم حديثة وُجدت غالبا لدى الأوروبيين والأمريكيين، والسادة الباحثون من علمائنا المعاصرين يريدون أن يوجدوا لها محلا في فقهنا ولو لم يمكن ذلك لاختلاف صيغ الفقه الإسلامي عن صيغ القانون الوضعي.
والذي أراه أن نصرف النظر عن هذه المناشط ذات المنشأ الغربي لما يلابسها ويعتورها من مشكلات فقهية تحتاج إلى كثير من التخريح.
هذا؛ ولعل من أحسن الطرق الاستثمارية للوقف النقدي اليوم وطبقا لمعطيات العصر إقامة مؤسسات وقفية جديدة على أسس اسمية تسمى (المؤسسات الوقفية الاستثمارية) ، تقوم المؤسسة فيها بدور الممول بلا فائدة، وتجمع الأموال من الهبات والزكاة والصدقات، وهو ما يسمى في الفقه الإسلامي:(في سبيل الله) ، وتمول هذه المؤسسات مشاريع استثمارية يصرف ريعها في وجوه البر وتحبس أصولها في المؤسسة، ويؤخذ من كل متبرع إذن خطي بذلك قبل الدفع، حتى إذا أدت المؤسسة أغراضها حلت وصرفت رؤوس الأموال على الجمعيات الخيرية والتعليمية؛ لأنها إنما وضعت لذلك، ويشرف على هذه المؤسسات وزارة الشؤون الاجتماعية في الدولة حصرا.
(1) الوقف الإسلامي، ص 204 وما بعدها.
* * *
الفصل الثاني
سبل إدارة الوقف النقدي وتنميته
المطلب الأول- إدارة الوقف النقدي:
الوقف النقدي قد يكون فرديًّا أو جماعيا، فالوقف النقدي الفردي أمر إدارته يسير، لكن الوقف النقدي الجماعي يحتاج إلى مؤسسات وقفية تشرف عليها الدولة وتنظم شؤونها، وتكون من مجموعة الواقفين أو من وكلائهم أو من ينصبونه من الأشخاص لذلك، ويتم ذلك عن طريق إنشاء صناديق وقفية من مجموعة من المؤسسات والجمعيات الوقفية.
وصفوة القول: إن إدارة الوقف النقدي كإدارة أموال اليتامى؛ يقول أستاذنا العلامة الشيخ مصطفى الزرقا: (إن مسؤولية نظار الوقف وواجباتهم تستمد من مسؤولية الأوصياء وواجباتهم، والتصرف في مال الوقف يستمد أحكامه من التصرف في مال اليتيم الذي تحت الوصاية)(1) . اهـ.
المطلب الثاني- تنمية الوقف النقدي واستغلاله:
يقصد بالتنمية: زيادة في رأسمال الوقف كإصلاح أرض سبخة لزراعتها أو البناء على أرض وقفية معطلة الفائدة. أما استغلال الوقف واستثماره فهو استعمال مال الوقف في تحقيق أغراضه كتحضير المسجد للصلاة والمشفى للتمريض، ومن الصور التي تحدث عنها الفقهاء من صور تنمية الوقف صورة حفر بئر في أرض الوقف الزراعية لإصلاحها، فكانت تسقى بعلا بالمطر فأصبحت تسقى بالسانية، ومن ذلك عدم إضافة وقف جديد بزيادة رأس مال الوقف إلا بموافقة الموقوف عليهم لأن حصتهم متعلق بها كلها إلا ما استثني من ذلك للضرورة أو للحاجة أو للتعامل أو لعموم البلوى (2) .
لذلك بقي من طرق تنمية الوقف الزيادة المطلقة من غير إيرادات الوقف من الواقفين أنفسهم أو من غيرهم.
(1) أحكام الأوقاف: 1/ 16 وما بعدها.
(2)
الوقف الإسلامي، ص 218 وما بعدها.
***
الفصل الثالث
آثار الوقف النقدي
تتجلى آثار الوقف النقدي ومنافعه في الأمور التالية (1) لدى الباحثين المعاصرين:
1-
إقامة دور المؤسسات الخيرية، مثل مؤسسة الملك فيصل الخيرية (مكتبة فخمة وجائزة دولية) .
2-
رصد جوائز للعلوم والدراسات الأساسية والتطبيقية والدراسات الإسلامية والعربية، مثل مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (جائزة الكويت) .
3-
إقامة المراكز العلمية، كالمعهد العالمي للفكر الإسلامي (أسلمة) المعرفة، وذلك في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية.
4-
إقامة وقفية مكتبة وجائزة، مثل وقفية آل ثاني في قطر.
5-
ثم الصناديق الوقفية وهي تجربة كويتية ناجحة، وهي تجربة تحتاج إلى كثير من الدعم والتأييد في البلاد الأخرى.
هذه هي الآثار المرصودة من الباحثين في الوقف النقدي جزاهم الله خيرا.
ولكني أرى آثار الوقف النقدي بخاصة وآثار الوقف التنموي بعامة تتجاوز ذلك إلى ما تحتاجه الأمة اليوم في عصرنا هذا من الأمور التالية الثلاثة:
1-
أولا: دور الوقف في نشوء المدن وتطورها، ونأخذ مثالين على ذلك للمقارنة:
وقف سنان باشا ووقف كاتشانيك (2) .
2-
ثانيا: دور الوقف في تنمية الثقافة، التراث، الواقع، المستقبل، ولا سيما في وقف النقود الذي يسهم في نشر الوعي الثقافي، ومن ذلك كرسي سمير شما لتاريخ المسكوكات والحضارة الإسلامية بجامعة اليرموك بالأردن (3) .
3-
ثالثا: إقامة مؤسسات جديدة اسمها مؤسسات الوقف النقدي تسهم في كثير من مناشط الثقافة والعلم والتقنية، وهو ما تصبو إليه البلاد العربية والإسلامية.
(1) انظر: الأوقاف فقها واقتصادًا، ص 116 إلى 136.
(2)
انظر: (دور الوقف) ، ص 35 إلى 56.
(3)
انظر: (دور الوقف) ، ص 78 إلى 90
***
ملخص البحث
كان للوقف دور واضح في تطور المجتمعات الإسلامية ولا سيما في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالوقف لغة الحبس، واصطلاحا:(حبس الأصل وتسبيل الثمرة أو المنفعة) ، وحكمه (زوال ملك الواقف عن الموقوف) ، وهو عند الحنفية مباح وقد يصبح واجبا بالنذر، وعند الجمهور سنة مندوب إليها، وأركانه أربعة: الواقف والموقوف والموقوف عليه والصيغة. واتفق جمهور علماء السلف على جواز الوقف وصحته استدلالا بالآثار المروية، وانعقد الإجماع على وقف الأموال على وجوه الخير. ونرى أنواعه باعتبار غرضه ثلاثة: الوقف الذري (الأهلي) ، والخاص (الخيري) ، والعام (المصالح العامة) .
واليوم أضحت حاجة الناس شديدة إلى الوقف الخيري والذري لوجود الاحتكارات العالمية وسيادة نظام الربا، وإفلاس أكثر النظم الاقتصادية الوضعية. وطرق تجديد الوقف الخيري وتطويره مستقاة من ثلاث مسائل هي:
التوقيت، والأعيان المتكررة، وشرط الانتفاع.
ثم ننتقل إلى الوقف النقدي وموقف الفقه الإسلامي منه، والتعريف به، ووقف المنقول من الأموال ومذاهب الفقهاء فيه، من حيث وقفه إجمالا لدى الفقهاء، ووقفه تفصيلا عند الحنفية، ووقفه عند الجمهور، ولكل دليله.
ثم يصادفنا فقه الوقف النقدي وموقف المذاهب الفقهية منه، وترجيح العمل به لشدة الحاجة إليه، ولزوم الأموال الثابتة في وقف المنقول، ويتفرع عن ذلك قضية وقف النقود وتخريجها لدى من أجازها من الفقهاء، فنرى فقه المسألة وتخريجها لدى القائلين بالجواز. يتبع ذلك صور وقف النقود لدى العلماء المجيزين مع أدلتهم، وترجيح العمل بالوقف النقدي في زماننا لشدة الحاجة إليه وللتعامل، ودوره بالتنمية في هذا العصر، ومناهج استثماره وطرقه المرتبطة بالنظم المتطورة، وسبل إدارته وتنميته وآثاره.
هذا؛ وأبرز النتائج التي توصلنا إليها تتجلى فيما يلي:
1-
دراسة جديدة ومقارنة في مذاهب الفقه الإسلامي مدارها ومحورها الوقف بعامة تعريفا وتأصيلا، مع مدخل إلى البحث ولمحة عن وقف المنقول من الأموال الثابتة وأقاويل الفقهاء فيه، وترجيح العمل لدى الجمهور تبعا لترجيح قول المالكية بعدم اشتراط التأبيد في الوقف.
2-
قضية لزوم الأموال الثابتة أو (الأصول الثابتة) في الوقف باتفاق، ثم قضية وقف النقود وتخريجها لدى من أجازها من الفقهاء، وتحدثت عن فقه المسألة وتخريجها لدى القائلين بالجواز، ثم تحدثت عن صور وقف النقود ما صح منها شرعا، ثم رجحت العمل بالوقف النقدي بأدلته، وكان خاتمة البحث الحديث عن دور الوقف النقدي في التنمية.
3-
طرق استثمار الوقف النقدي بأساليب العصر، فذكرت الصور التقليدية التي ذكرها الباحثون المعاصرون، ووضعت مشروع البديل ورقة عمل للمناقشة، ثم تحدثت عن سبيل إدارة الوقف النقدي وتنميته واستغلاله، ثم عن آثار الوقف النقدي ومنافعه لدى الباحثين المعاصرين، ثم ما توصلت إلينا بفضل الله وبتوفيقه من آثار ومنافع.
أما بعد، فهذا أقصى ما توصلت إليه من نتائج في بحثي المتواضع هذا، فإن يك صوابا فمن الله وله الفضل والمنة، وإن يك فيه غير ذلك فمني وأستغفر الله وأستقيله.
على أني لا أقطع أبدا أن ما توصلت إليه هو حكم الله في هذه المسألة بل ولا أزعم ذلك، بل هو جهد إنساني أرجو أن أكون فيه من أصحاب الأجرين، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
***
فهرس الآيات القرانية والأحاديث النبوية والآثار
(1)
الآيات القرآنية: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]
(2)
الأحاديث النبوية والآثار
1-
[عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قوله: ما من أحد من الصحابة له مقدرة إلا وقف] .
تخريج الحديث: المغني في باب الوقف.
2-
((- إن شئت حبَّست أصلها وتصدقت بها)) .
تخريج الحديث: روى هذا الحديث البخاري في كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف؟ ومسلم في الوصية، باب الوقف؛ وابن ماجه في السنن، باب من وقف؛ ورواه الترمذي في باب ما جاء في الوقف؛ والنسائي في كتاب الخيل؛ وأبو داود في سننه، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف؟ والإمام أحمد في مسنده في مسند سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وانظر: كنز العمال م 16، كتاب الوديعة من قسم الأموال؛ ونصب الراية للزيلعي، كتاب الوقف، ولفظ البخاري:[عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فماذا تأمر به؟ قال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) ، قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها للفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول، قال: فحدثت به ابن سيرين فقال: غير متأثل مال] . اهـ. ومعنى المتمول: مدخر مالا، ومعنى متأثل: جامع المال.
وجاء هذا الحديث في نصب الراية للزيلعي بلفظ: [قال عليه السلام لعمر حين أراد أن يتصدق بأرض له تدعى (ثمغ) : ((تصدق بأصلها لا تباع ولا توهب ولا تورث)) ] . اهـ.
3-
[ورد عن الزهري قال: فيمن جعل ألف دينار في سبيل الله دفعها إلى غلام له تاجر يتجر بها، وجعل ربحه صدقة للمساكين والأقربين] .
تخريج الحديث: البخاري: 4/ 14.
4-
((بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)) . اهـ.
تخريح الحديث: روى هذا الحديث البخاري عن أنس رضي الله عنه ولفظه: (كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [ال عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)) ، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة بين أقاربه وبني عمه) . اهـ. تابعه روح، وقال يحيى بن يحيى، وإسماعيل عن مالك:(رايح) .
5-
((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)) .
تخريج الحديث: روى هذا الحديث الإمام مالك في الموطأ مرفوعا بلفظ: ((ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح)) .
وقد أقر برفعه العلامة اللكنوي من طريق ابن مسعود رضي الله عنه، وجاء كذلك موقوفا عنه، وأخرجه أبو نعيم في الحلية عنه؛ والبيهقي كذلك؛ والإمام أحمد في كتابه (المسند) عنه؛ وأخرجه البزار والسخاوي في المقاصد الحسنة؛ والزيلعي مرفوعا وموقوفا بلفظ:((ما رآه المسلمون)) ؛ ورواه الطاليسي والطبراني، واللفظ المذكور أعلاه لـ البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه، لكن له حكم المرفوع كما هو ظاهر.
6-
((وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) .
تخريج الحديث: روى هذا الحديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
ولفظ مسلم: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة. فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله، وأما خالد، فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها معها)) الحديث.
7-
((لا حبس عن فرائض الله)) .
تخريج الحديث: أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة؛ وأخرجه الدارقطني في سننه كذلك عن علي مرفوعا وفي سنده ضعف، وروي موقوفا على سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه، ولفظ الحافظ ابن أبي شيبة موقوفا:(لا حبس عن فرائض الله إلا ما كان من سلاح أو كراع) وانظر: نصب الراية، كتاب الوقف، ج 3.
8-
(أول وقف في الإسلام وقف النبي صلى الله عليه وسلم وهو سبعة حوائط من النخيل بالمدينة) .
تخريج الحديث: أورده ابن هشام الكلبي في السيرة النبوية [فذكر قصة مخيريق اليهودي الذي وفَّى عهده مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما هوجمت المدينة يوم أحد، فقاتل مع المسلمين دفاعا عن المدينة، وقال حين خرج: (إن أُصبت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراه الله عز وجل ، وكانت سبعة حوائط، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعزل منها قوت أهله سنة، ويجعل الباقي في السلاح والكراع ومصالح المسلمين،. اهـ. انظر: سيرة ابن هشام، غزوة أحد.
9-
(أبضعت عائشة مال محمد بن أبي بكر) .
تخريج الحديث: أورده العلامة ابن قدامة من الحنابلة في المغني: (روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أبضعت مال محمد بن أبي بكر، ويحتمل أنها جعلته من ضمانه عليها إن هلك غرمته) .
***
مسرد المصادر والمراجع
أ- المصادر والمراجع القديمة:
الأتاسي، خالد، (شرح المجلة) ، ط حمص.
البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل بن بردذبة، (الجامع الصحيح) .
ابن تيمية، الإمام المجتهد تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني، (الفتاوى) ط السعودية/ الرياض 1398 هـ؛ (الاختيارات الفقهية) ط السعودية.
جودة باشا وجماعة من العلماء، (مجلة الأحكام العدلية) .
الحطاب المالكي، (مواهب الجليل شرح مختصر خليل) في فقه المالكية.
الحِلِّي، العلامة المحقق من فقهاء الإمامية (المختصر النافع) .
الدسوقي المالكي، في فقه المالكية، (حاشية على الشرح الكبير) ، دار الفكر- بيروت.
الزيلعي، (نصب الراية) .
الشيرازي، الإمام أبو إسحاق، (المهذب) في فقه الشافعية.
الشوكاني، (نيل الأوطار) ، البابي الحلبي- القاهرة.
ابن طولون الصالحي الدمشقي، (تاريخ الصالحية) ت: محمد أحمد دهمان.
ابن عابدين، العلامة محمد أمين، (حاشية رد المحتار على الدر المختار) المعروفة بحاشية ابن عابدين، ط بولاق الأميرية 1272 هـ؛ (مجموع الرسائل) ط إستانبول 1325 هـ؛ (العقود الدرية) دار المعرفة- بيروت.
العمادي، العلامة أبو السعود، رسالة في (وقف النقود) ط دار ابن حزم- بيروت 1997 م.
ابن قدامة المقدسي، (المغني شرح مختصر الخرقي) في فقه الحنابلة.
ابن قاضي الجبل، (المناقلة بالأوقاف) ت: دهيش- مطابع الصفا- مكة المكرمة.
القشيري، الإمام مسلم بن الحجاج، (الجامع الصحيح) .
القرافي، (الذخيرة) في فقه المالكية.
المرتضى، (عيون الأزهار) في فقه الإمامية.
ابن منظور، أبو المكرم، (لسان العرب) دار صادر- بيروت.
الموصلي، ابن مودود، (الاختيار لتعليل المختار) ت: محمود أبو دقيقة.
هلال الرأي، (أحكام الوقف) .
ابن الهمام، المحقق الكمال، (فتح القدير) شرح الهداية في فقه الحنفية.
ابن هشام، الكلبي، (سيرة ابن هشام) .
النووي، الإمام محيي الدين يحيى بن شرف، (المجموع شرح المهذب؛ تهذيب الأسماء واللغات) .
النعيمي، (الدارس في المدارس) ت: محمد أحمد دهمان.
ب-المراجع الحديثة:
أبو زهرة، العلامة الشيخ محمد، (محاضرات في الوقف) ط دار الفكر العربي- مصر.
الأرناؤوط، د. محمد موفق، (دور الوقف في المجتمعات الإسلامية) ،دار الفكر بدمشق، الطبعة الأولى 1421 هـ.
الأبياني بك، العلامة محمد زيد، كتاب (مباحث الوقف) الطبعة الثانية، مطبعة علي سكر أحمد- مصر 1330 هـ/ 912ام.
أبو جيب، العلامة سعدي، (القاموس الفقهي) ط دار الفكر- دمشق.
الزرقا، العلامة مصطفى أحمد، (أحكام الأوقاف) جزءان، مطبعة الجامعة السورية 1946 م.
الزحيلي، العلامة الأستاذ الدكتور وهبة، (الفقه الإسلامي وأدلته) ط دار الفكر- دمشق- الطبعة الأولى.
الفرفور، د. محمد عبد اللطيف، (الوجيز في أصول استنباط الأحكام في الشريعة) الطبعة الأولى (نظرية الاستحسان في التشريع الإسلامي وصلتها بالمصالح المرسلة) ط دار دمشق.
القحف، د. منذر، (الوقف الإسلامي، وتطوره، إدارته، تنميته) ط، دار الفكر- دمشق، 1421 هـ.
المصري، د. رفيق يونس، (الأوقاف فقها واقتصادا) دار المكتبي ط 1- دمشق 1420 هـ.