المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد الثالث عشر

- ‌القدس وفلسطينبين معاناة الاحتلال ومقاومته

- ‌مسارب العدوان في الفكر الصهيونيوأثرها في التعرض للمقدسات الإسلاميةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌فلسطين العربية الإسلامية

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌حقوق الإنسانبينالإعلانين الإسلامي والعالميوالدستور الإسلامي الإيراني

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام

- ‌الإسلام وحقوق الإنسانفي ضوء المتغيرات العالمية

- ‌التشريع الجنائي الإسلامي وحقوق الإنسان

- ‌حقوق الإنسان وحرياتهفي النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالأستاذ طاهر أحمد مولانا جمل الليل

- ‌حقوق الإنسان في الإسلامإعدادالدكتور محمد فتح الله الزيادي

- ‌استثمار الأوقاف في الفقه الإسلاميإعداد أ. د محمود أحمد أبو ليلأستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانونبجامعة الإمارات العربية المتحدة – قسم الدراسات الإسلاميةوالدكتور محمد عبد الرحيم سلطان العلماء

- ‌وقف النقودفي الفقه الإسلاميإعدادالأستاذ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعداد الشيخ حسن الجواهري

- ‌استثمار الوقفوطرقه القديمة والحديثةإعدادأ. د. علي محيي الدين القره داغي

- ‌الوقف النقديمدخل لتفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرةإعدادالدكتور شوقي أحمد دنيا

- ‌المؤسسة الوقفية المعاصرةتأصيل وتطويرإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌الأوقاف "الأحباس"وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفهاإعدادسماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع

- ‌استثمار موارد الأوقاف(الأحباس)إعدادالشيخ خليل الميس

- ‌تنمية واستثمارالأوقاف الإسلاميةإعدادالدكتور ناجي شفيق عجم

- ‌زكاة الزراعة - زكاة الأسهم في الشركات - زكاة الديونإعدادالدكتور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌زكاة الديونإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالدكتور أحمد الندوي

- ‌زكاة الزراعة- زكاة الأسهم في الشركات- زكاة الديونإعدادالشيخ الدكتور الطيب سلامة

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي

- ‌المشاركة المتناقصة وصورها في ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي

- ‌المشاركة المتناقصة وأحكامهافي ضوء ضوابط العقود المستجدةإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌المشاركة المتناقصةطبيعتها وضوابطها الخاصةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌المضاربة المشتركة فيالمؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة القاضيمحمد تقي العثماني

- ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

- ‌القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادأ. د أحمد الحجي الكردي

- ‌المضاربة المشتركة في المؤسسة المالية الإسلامية(حسابات الاستثمار المشتركة)إعدادد. حسين كامل فهمي

- ‌المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية الإسلامية المعاصرةإعدادأ. د قطب مصطفى سانو

- ‌التأمين الصحيوتطبيقاته المعاصرةفي ضوء الفقه الإسلاميإعدادالمستشار محمد بدر المنياوي

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعداد الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌التأمين الصحيإعدادالبروفيسور الصديق محمد الأمين الضرير

- ‌التأمين الصحيإعدادالدكتور محمد هيثم الخياط

- ‌التأمين الصحيواستخدام البطاقات الصحيةإعدادالدكتور محمد جبر الألفي

- ‌التأمين الصحيإعداد الدكتور العلي القري

- ‌التأمين الصحيإعدادالقاضي مجاهد الإسلام القاسمي

الفصل: ‌القراض أو المضاربة المشتركةفي المؤسسات المالية(حسابات الاستثمار)إعدادالدكتور عبد الستار أبو غدة

‌القراض أو المضاربة المشتركة

في المؤسسات المالية

(حسابات الاستثمار)

إعداد

الدكتور عبد الستار أبو غدة

عضو المجمع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد، فإن لأحكام المضاربة بابًا يخصها في المدونات الفقهية يحمل عنوان (المضاربة) حسب التسمية المختارة لهذه الشركة لدى الحنفية والحنابلة، وعنوان (القراض) لدى المالكية والشافعية، وليس تفصيل أحكام المضاربة مطلوبًا ـ ولا مرغوبًا ـ في هذا البحث المراد به حل المشكلات المستجدة في تطبيقات المؤسسات المالية الإسلامية من خلال حسابات الاستثمار المشتركة التي أساسها المضاربة المشتركة.

ولذا سأتقيد بالعناصر الواردة في ورقة العمل المطروحة من الأمانة العامة للمجمع، لكي يتم التركيز عليها في البحث، وكذلك في المناقشة كما يؤمل، ثم يتمخض عن ذلك القرارات المنظمة للقراض أو المضاربة بتطبيقاتها العملية التي أصبحت جزءًا أساسيًا في العمل المصرفي الإسلامي، بل من معالم الاقتصاد الإسلامي القائم بخاصة على أساس المشاركات والمضاربة، وعلى بقية أحكام المعاملات المالية بوجه عام.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

ص: 1075

خلط الأموال في المضاربة المشتركة

منع جمهور الفقهاء خلط المضارب مال المضاربة التي تعاقد عليها مع رب المال بماله هو أو بمال يتلقاه من رب مال آخر، يستوي عندهم في ذلك أن تكون المضاربة مطلقة أو مقيدة، وقد علل الفقهاء ذلك بأن هذا الخلط يوجب في مال رب المال الأول حقًا لغيره، كما علل المنع بعضهم بأنه يشغله عن العمل في مال رب المال السابق ولا سيما إن كان من مال الثاني كثيرًا.

على أنه إذا أذِنَ رب المال للمضارب بذلك، أو قال له: اعمل برأيك فإن هذا الخلط جائز، أما إن خلط بدون ذلك فإنه ينظر: إن خلط بعد الربح في المضاربتين ضمن المالين وحصة رب المال من الربح قبل الخلط، وإن كان بعد الربح في إحداهما فقط ضمن الذي لا ربح فيه.

قال ابن رشد (الحفيد) : (اختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة والليث في العامل يخلط ماله بمال القراض من غير إذن رب المال، فقال هؤلاء كلهم ما عدا مالكًا: هو تعدٍّ، ويضمن. وقال مالك: ليس بتعدٍّ)(1)

وتفصيل الاتجاهات الفقهية في المسألة كما يأتي:

منع الحنفية الخلط بدون إذن رب المال أو قوله للمضارب: اعمل برأيك.

وفصل المالكية القول بأنه إذا اشترط رب المال على المضارب خلط مال القراض بماله فإنه لا يجوز، فإن وقع الخلط وخسر المالان فضمان الخسر عليهما بقدر كل، وللعامل (المضارب) على رب المال أجرة مثله فيما عمله في مال القراض، سواء حصل ربح أو خسر أو لم يحصل واحد منهما، ويقبل قوله في الخسر والتلف وفي قدر ما تلف، بيمينه. (2)

(1) حاشية ابن عابدين: 4/ 485، 486، وفي مجمع الضمانات (309) :(لو خلط المضارب مال المضاربة بماله أو بمال غيره ليعمل بهما يضمن، إلا إذا قال له: اعمل فيه برأيك فله أن يخلطه بماله أو بمال غيره) .

(2)

الدسوقي على الشرح الكبير لمختصر خليل: 3/ 521.

ص: 1076

وقالوا بجواز خلط المضارب مال المضاربة بماله من غير شرط إن كان المالان مثليين.

وزاد الدردير اشتراط أن يكون الخلط قبل شغل أحدهما، وفيه مصلحة لأحد المالين غير متيقنة، ونصوا على تعين الخلط لمصلحة متيقنة، كما لو خاف بتقديم أحد المالين حصول رخص أحد المالين ـ وهما لغيره ـ، أما إن خاف بتقديم مال القراض رخص ماله فلا يجب الخلط، إذ لا يجب عليه تنميته ماله (1) وإذا شرط رب المال على المضارب عدم الخلط لزمه الشرط فإذا خالف كان الربح بينهما، والخسر على المضارب. (2)

وأورد الشافعية بعض الصور التي فيها الخلط دون النص على منعه (3) ومنع الحنابلة خلط مال المضاربة بمال غيره، وعند أحمد يجوز بمال نفسه. (4)

وهذا الإذن هو المتبع في المضاربة المشتركة، لأنها قائمة على هذا الأساس كما يدل على ذلك اسمها، ولو لم ينص عليه في شروطها (وهو الواقع كما يلحظ من تتبع شروط حسابات الاستثمار) فيكون علم أرباب المال بهذا الخلط عند فتحهم حساب المضاربة إذنًا دلالة أو ضمنًا، لأن المضارب وهو البنك الإسلامي قد أعد نفسه لهذا الغرض، ولا يتصور في حقه ـ بحسب طبيعة عمله ـ أن يختص بالعمل مع رب مال معين.

ويدل على اعتبار هذا الإذن الضمني قول ابن عابدين: (وهذا إذا لم يغلب التعارف بين التجار في مثله، كما في التتار خانية)(5)

(1) الدسوقي: 3/523 ـ 524.

(2)

الشرح الصغير للدردير: 3/ 693.

(3)

أسنى المطالب شرح روض الطالب: 2/ 381 ـ 383.

(4)

الفروع لابن مفلح: 4/ 383.

(5)

حاشية ابن عابدين: 4/ 485.

ص: 1077

لزوم المضاربة إلى مدة معينة

لا يخفي أن الغرض من هذا العنوان أمران:

(1)

توقيت المضاربة، بمعنى تحديد مدة للمضاربة بحيث تنتهي بانتهائها.

(2)

أن تكون لازمة خلال تلك المدة.

ولا يخفي أن كلًا من اللزوم المتعهد به، والتوقيت المتفق عليه يعتبر قيدًا على كون المضاربة في الأصل عقدًا غير لازم، وليس لها وقت تحدد به.

والجدير بالبيان أن اللزوم لا يتنافى مع التوقيت، لأن التوقيت هو لقطع الاستمرار بحيث لا يحتاج إلى الفسخ، بل يحصل الانفساخ بمضي الأجل، أما عدم اللزوم فموجبه حق كل من الطرفين في الفسخ خلال تلك المدة التي تم توقيت المضاربة بها، وأما اللزوم المشترط بينهما فموجبه امتناع أي من الطرفين عن الفسخ الذي كان يملكه كل منهما لولا الشرط.

وقد جرى العمل في المؤسسات المالية الإسلامية بمعرفة هيئات الفتوى والرقابة الشرعية فيها، على أنه إذا حدد وقت للمضاربة يلتزم به الطرفان، فإن هذا الالتزام إما أن يكون على سبيل الشرط فيترتب عليه اشتراط ما يخالف مقتضى العقد، وإما أن يكون من قبيل التعهد وهو إنما يصح على أساس التعهد الملزم من طرف رب المال صاحب الحساب فقط.

ص: 1078

أما البنك فالشأن فيه الاستمرار، ومع هذا فلا يصدر منه هذا التعهد بل يُنص في شروط الحساب على عكسه، وهو أنه يحق له في أي وقت إغلاق الحساب بدون بيان السبب، وبذلك يكون الوعد ملزمًا من طرف واحد ولا تحصل المواعدة الملزمة المنصوص في قرارات المجمع على منعها. (1) ومع هذا فإن إدارات المؤسسات المالية الإسلامية تستجيب غالبًا لطلب صاحب الحساب بإنهاء المضاربة لظروف طارئة عليه، وهذا رجوع إلى الأصل، أو هو فسخ اتفاقي رضائي وهو قائم حتى في العقود اللازمة.

وإعطاء صفة اللزوم للتعهد بعدم الفسخ للمضاربة بالنسبة لصاحب الحساب هو من قبيل الوعد اللازم، لأن الواعد (صاحب الحساب) أدخل الموعود (المؤسسة) في أمر لم تكن لتدخل فيه لولا الوعد وهو استثمار المال طيلة المدة المحددة، فلو علمت المؤسسة أن المضاربة يمكن فسخها خلال تلك المدة لما دخلت في استثمار لتلك المدة، ولما كان للتوقيت كبير جدوى، إذ الفائدة المرجوة إنما تحصل من الجمع بين التوقيت واللزوم خلاله.

والكلام عن لزوم المضاربة إلى مدة معينة، أو توقيت المضاربة إلى مدة معينة، مبني على أن الأصل في المضاربة عدم اللزوم.

قال ابن رشد (الحفيد) : (أجمع العلماء على أن اللزوم ليس من موجبات عقد القراض، وأن لكل واحد منهما فسخه ما لم يشرع العامل في القراض. واختلفوا إذا شرع العامل، فقال مالك: هو لازم وهو عقد يورث، فإن مات وكان للمقارض بنون أمناء كانوا في القراض مثل أبيهم، وإن لم يكونوا أمناء كان لهم أن يأتوا بأمين، وقال النخعي وأبو حنيفة: لكل واحد منهم الفسخ إذا شاء، وليس هو عقد يورث؛ فمالك ألزمه بعد الشروع في العمل لما فيه من ضرر، ورآه من العقود المورثة

، والفرقة الثانية شبهت الشروع في العمل بما بعد الشروع في العمل) (2)

أما توقيت المضاربة بزمن معين فيرى الحنفية والحنابلة في المذهب صحته، لأن المضاربة تصرف يقبل التقييد بنوع من المتاع فجاز تقييده بالوقت. وهي توكيل فيحتمل التخصيص. (3)

وذهب المالكية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين إلى أن المضاربة تفسد بالتوقيت، لإخلاله بمقصودها وهو الربح، فقد لا يتحقق في المدة المؤقتة.

وللشافعية تفصيل جيد وهو أنه: (لو ذكر مدة ومنعه التصرف بعدها فسد (العقد) ، وإن منعه الشراء بعدها فلا يفسد في الأصح، لحصول الاسترباح بالبيع الذي له فعله بعد المدة) (4)

(1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، القرار رقم 40 و 41 بشأن الوفاء بالوعد.

(2)

بداية المجتهد: 2/ 240

(3)

فتح القدير (التكملة) : 7/ 67؛ البدائع: 6/ 99؛ ابن عابدين: 4/ 508 وفي مجمع الضمانات (305) : (ولو وقت للمضاربة وقتًا بعينه يبطل العقد بمضيه، لأنه توكيل فيتوقف بما وقته) .

(4)

الموسوعة الفقهية: 38/ 65 نقلًا عن الشرح الصغير للدرير: 3/ 687؛ ومغني المحتاج 2/ 312، والإنصاف 5/ 430 وغيرها.

ص: 1079

وقال المنهاجي الأسيوطي: (ولا يجوز القراض على أنه إذا انتهت المدة يكون ممنوعًا من البيع والشراء عند مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك)(1)

وقال ابن شاس: (ولو ضيق بالتأقيت إلى سنة ـ مثلًا ـ ومنع من التصرف بعدها فهو فاسد، مثل أن يقول: قارضتك سنة)(2)

وأما لزوم المضاربة إلى آخر المدة التي جرى توقيتها بها على قول من يجيز التوقيت فالجمهور على خلاف ذلك، أي يمنعون اشتراط اللزوم، قال المنهاجي الأسيوطي:(ولا يجوز القراض إلى مدة معلومة ولا يفسخها قبله)(3)

وللشهيد الثاني من الإمامية عبارة دقيقة في إبراز الفرق بين اشتراط لزوم المضاربة واشتراط الأجل فيها بحيث تنفسخ بانتهائه، وتحقيق التفاوت بين الشرطين، وهو أن اشتراط اللزوم منافٍ لمقتضى العقد، بخلاف اشتراط الأجل فله وجه من خلال استخدام رب المال حقه في الإذن وعدمه، حيث يقول شارحًا لعبارة الشهيد الأول، ما نصه.

(ولا يصح اشتراط اللزوم أو الأجل فيها، بمعنى أنه لا يجب الوفاء بالشرط، ولا تصير لازمة بذلك، ولا في الأجل، بل يجوز فسخها فيه، عملًا بالأصل، ولكن اشتراط الأجل يثمر المنع من التصرف بعد الأجل إلا بإذن جديد، لأن التصرف تابع اشتراط الأجل يثمر المنع من التصرف بعد الأجل إلا بإذن جديد، لأن التصرف تابع للإذن، ولا إذن بعده، وكذا لو أجل بعض التصرفات، كالبيع أو الشراء خاصة، أو نوعًا عامًا.

ويفهم من تشريكه بين اشتراط اللزوم والأجل، تساويهما في الصحة وعدم لزوم الشرط، والمشهور أن اشتراط اللزوم مبطل، لأنه مناف لمقتضى العقد، فإن فسد الشرط تبعه العقد، بخلاف شرط الأجل، فإن مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاص، وهو غير مناف، ويمكن أن يريد المصنف ذلك، وإنما شرط بينهما في عدم صحة الشرط مطلقًا) . (4)

(1) جواهر العقود والشروط، للمنهاجي الأسيوطي: 1/ 243.

(2)

عقد الجواهر الثمينة لابن شاس: 2/ 795، نشر مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

(3)

جواهر العقود والشروط، للمنهاجي: 1/ 243.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية، للشهيد الثاني: 1/ 381، نشر دار التقريب بين المذاهب الإسلامية.

ص: 1080

الاسترداد والتخارج

إن قضيتي (الاسترداد والتخارج) من القضايا الأساسية في العمل المصرفي الإسلامي، لأن معظم الأوعية الاستثمارية تقوم على أساس المضاربة المشتركة المستمرة، من خلال حسابات الاستثمار أو الوحدات الاستثمارية في الصناديق، أو الصكوك، أو أسهم الشركات، وهي تشكل وعاء استثماريًّا مشتركًا ينتظم فيه أكثر من مستثمر، وهم يتعاقبون دخولًا وخروجًا، ولا يحصل التوافق بين مدة الوعاء والمدد التي تمكث فيها استثمارات المستثمرين، ومن العسير، بل المتعذر، إيجاد صفقات تتوافق مع رغبات وظروف جميع المستثمرين.

ولمعالجة طابع الاشتراك والاستمرار الذي يتعارض مع الحالات المشار إليها من حيث توقيت الانضمام إلى وعاء الاستثمار أو الخروج منه، كان لا بد من إمكانية كل من (الاسترداد) و (التخارج) باعتبارهما من صور التداول الذي لا تخفى أهميته للصناديق الاستثمارية، حيث تفتقر ساحة العمل المصرفي الإسلامي إلى السوق الثانوية، فكان البديل التعهد الصادر من إدارة الصناديق بالاسترداد، وكذلك التخارج بحلول مستثمر جديد محل مستثمر سابق.

ص: 1081

أولًا: التخارج

تعريف التخارج:

التخارج: خروج الشريك من شركته عما يملكه إلى آخر بالبيع، ومنه تصالح الورثة على إخراج بعضهم عن نصيب في التركة بشيء معلوم، ويمكن تعريفه بأنه بيع حصة في أعيان مشتركة على سبيل التسامح في تكافؤ المبيع مع الثمن.

حكم التخارج

يجوز التخارج إذا خلا عن المحرمات في محل التخارج، أو في طريقته، واستدل له بعمل الصحابة، وهو أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما طلَّق في مرض الموت إحدى زوجاته الأربع (تماضر بنت الأصبغ) ثم مات وهي في العدة ورثها عثمان رضي الله عنه، فصالحها بقية الورثة عن ربع ثمنها على ثلاثة وثمانين ألف ينار، وهذا قد وقع بمحضر من الصحابة دون نكير، فهو من الإجماع السكوتي (1) .

تكييف التخارج:

التخارج من قبيل الصلح، والصلح ـ كما هو مقرر ـ يأخذ حكم العقد الذي تتوافر فيه مقوماته، وكذلك التخارج فإنه يأخذ حكم عدد من العقود بحسب البدل المصالح عنه:

- فهو عقد بيع إن كان البدل المصالح عليه من خارج التركة (أو الوعاء المستثمر فيه) .

- وهو عقد قسمة ومبادلة، إن كان البدل المصالح عنه من مال التركة، أو من الوعاء المستثمر فيه.

- وهو عقد هبة أو إسقاط جزئي إن كان البدل المصالح عنه من النصيب المستحق.

وهذا في الجملة، ويشترط في كل حالة شروطها الخاصة

(1) فتوى ندوة البركة العاشرة (فتاوى وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي، ص 178) .

ص: 1082

أهلية المتخارجين:

بما أن التخارج ـ في أغلب أحواله ـ من زمرة المعارضات فإنه تشترط له الأهلية الكاملة كبقية المعارضات.

شروط صحة التخارج

لصحة التخارج شروط تتعلق بكل من المحل (المتخارج عنه) وبدل التخارج، ونوعية البدل بالنسبة للمحل وفيما يأتي هذه الشروط:

1-

أن يكون محل التخارج، أي الحصة المتخارج عنها، معلومًا، فلا يصح التخارج على محل مجهول، إلا إذا تعذر الوصول إلى معرفته، ومع هذا فالمشهور في مذهب الحنابلة جواز التخارج عن المجهول مطلقًا، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم لرجلين اختصما في مواريث درست (أي نسيت مقاديرها) :(اقتسما، وتوخيا الحق، ثم استهما، ثم تحالَّا)(1)

وأجاز الحنفية التخارج على محل مجهول إذا كان لا يحتاج إلى القبض، كالحق لدى الغاصب، لأنه مقبوض فعلًا فلا تفضي الجهالة هنا إلى التنازع.

2-

أن يكون بدل التخارج (أي المقابل) مالًا متقومًا معلومًا منتفعًا به مقدورًا على تسليمه.

3-

أن يقع التقابض لكل من المحل والبدل إذا كانا مما يجب فيهما التقابض، كالتخارج عن أحد النقدين بالآخر.

4-

أن تتوافر شروط بيع الدين إذا كان محل التخارج دينًا على الغير وهذا عند من يجيز الدين لغير من هو عليه، وهم المالكية والشافعية، وكذلك الحنفية إذا وقع بصيغة الإبراء أوالحوالة (2) .

(1) أخرجه أبو داود وسكت عنه، وأقره المنذري (عون المعبود: 3/ 329) .

(2)

الموسوعة الفقهية: 11/ 806.

ص: 1083

ما لا يشترط في التخارج

وبعد هذه النبذة عن أحكام التخارج فإن من الواضح أنه لا يتوقف التخارج على تقويم محل التخارج (التنضيض الحكمي) حتى عند من اشترط معلومية محل التخارج، لأن المعلومية هنا حاصلة بتحديد حصته الشائعة في الشركة أو الصندوق أو الصكوك، وهذا القدر من المعلومية يكفي ولا يطلب المعرفة بالموجودات التي تمثلها الحصة، لأن ملكية البائع (الخارج) لم تزد عن هذا القدر فيحل المشتري (الداخل) محله فيما كان يملكه ويصح التخارج.

لكن هناك متطلبًا شرعيًا هو المعلومية بطبيعة تلك الموجودات ما بين أعيان ومنافع ونقود وديون لتحقيق شرط التداول في أصول يجب في تداولها التماثل أو التقابض، وهذا الموضوع سيأتي الكلام عليه فيما بعد.

جريان التخارج في غير التركات:

مع أن التخارج أورده الفقهاء بخصوص التركات فإنه ينطبق على أي وعاء مالي أو استثماري مشترك. وقد صدرت بهذا الشأن فتوى من ندوة البركة العاشرة نصها:

(التخارج عبارة عن بيع حصة في أعيان مشتركة على سبيل التسامح في تكافؤ المبيع مع الثمن، وهو من قبيل الصلح، ومع أن الأصل تطبيقه في التركات فإن الحاجة تدعو إلى تطبيقه في الشركات، فيجوز التخارج بين الشركاء في الحسابات الاستثمارية أو الصناديق، كما يجوز التخارج بين صاحب الحصة والمؤسسة أو شخص غير شريك، مع مراعاة الضوابط الشرعية المطلوبة في بيع النقود والديون، فإذا كانت الحصة المتخارج عنها تمثل أعيانًا مع النقود والديون التابعة لها جاز التخارج عنها بأي بدل ولو بالآجل، إذ يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا) .

ص: 1084

التخارج في الأوعية الاستثمارية

التخارج في الحسابات الاستثمارية:

التخارج في الحسابات الاستثمارية هو بيع لحصة صاحب الحساب في الوعاء الاستثماري المشترك، وهذا البيع يخضع لما يتراضى عليه الطرفان (أي للعرض والطلب) ، ولا يجب على المتخارج أن يبيع حصته بثمن المثل أو بالقيمة الصافية لما يخصه من موجودات الوعاء، ويسري هذا المبدأ على التخارج في حالة وجود ربح أو عدم وجوده، كما سيأتي، وكذلك لو وقع التخارج بين صاحب الحساب وصاحب حساب آخر أو مدير الاستثمار (البنك) أو شخص آخر لا علاقة له بالحسابات.

وهذا الموضوع عرض في ندوة البركة العاشرة وصدر بشأنه الفتوى التالية: (التخارج في الحسابات الاستثمارية بسحب صاحب الحساب حصته ـ في حال السماح له بذلك ومراعاة الضوابط الشرعية ـ يؤدي تلقائيًا إلى سحب الربح مع الأصل إن تخارج ببدل يزيد عن الأصل (رأس المال) .

لو تم التخارج بين صاحب الحساب وبين شخص غير شريك آخر (ضمنيًا دون سحب المبلغ مع الحساب) ، مع مراعاة الضوابط الشرعية وانتفاء الربا بشراء الدين بالحسم، فإن المتخارج ينحصر حقه في البدل المتفق عليه، سواء أدى إلى ربح أو خسارة، ويحل محله المتخارج معه (الداخل) عند انتهاء الحساب فيما كان يستحقه المتخارج سواء تضمن ربحًا أم خسارة، مع مراعاة ما جاء في آخر الفقرة السابقة) (1)

(1) فتاوى ندوات البركة، رقم (10/ 8) ص 179.

ص: 1085

التخارج في الصناديق الاستثمارية:

يجوز شرعًا خروج صاحب حصة في صندوق استثماري بالقيمة التي يعرضها الصندوق ويقبلها الخارج، بصرف النظر عن الطريقة المحاسبية التي يصل إليها الصندوق في تقييم هذه الحصة (1) .

على أن هناك حاجة ماسة إلى التقويم في الصناديق الاستثمارية، ليس للتخارج ـ كما سبق البيان ـ بل من أجل تحديد مستحقات مديري الصناديق إذا كانت هذه المستحقات محددة بنسبة من صافي تقويم الأصول، إذ لا بد في هذه الحالة من اللجوء إلى التنضيض الحكمي، لأن الصناديق مستمرة طيلة مدتها لسنوات.

التخارج في التمويل المجمع:

يجوز تخارج أحد العملاء أو أحد المصارف في التمويل المصرفي المجمع قبل تصفية العمليات بالقيمة التي يتفق عليها، إذا كانت النقود والديون قليلة بحيث تعتبر تابعة للأصول، وأما إذا كانت النقود والديون كثيرة بحيث لا تعتبر تابعة للأصول فلا يجوز التخارج إلا بمراعاة أحكام الصرف وأحكام بيع الديون (2) .

التخارج في الشركات ومن يستحق ربح السهم المتخارج عنه:

صدر في شأن التخارج في الشركات فتوى عن ندوة البركة العاشرة ونصها: (التخارج ببيع السهم وبمراعاة الضوابط الشرعية إذا وقع خلال السنة المالية وقبل ظهور نتائجها ينتقل به إلى المشتري جميع حقوق السهم؛ ومنها الحق في أرباحه في حالة ظهور قرائن على أن هناك ربحًا ـ وذلك على اعتبار أن الأرباح تابعة لأصل السهم كامنة فيه، فإذا وقع بيع السهم بعد تقرير الجمعية العمومية توزيع ربح عليه فلا يستحق المشتري ربحه، لأن تبعية الربح للسهم تنقطع بعد صدور قرار التوزيع، ويكون الربح حقًا للبائع ما لم يتفق الطرفان عند التعاقد على أن يكون للمشتري فيشمله حينئذ عقد البيعه) .

علاقة التخارج بالتقويم:

إن التنضيض الحكمي (التقويم) ليس له علاقة بالتخارج في حسابات الاستثمار والشركات والصناديق والصكوك، وإنما هو مجرد مؤشر لمساعدة المشتري والبائع وتعريفهما بقيمة ما يتبادلانه حتى لا يقع أحدهما في غبن فاحش، مع أن الغبن الذي لا يقارنه تغرير أو تدليس لا أثر له، وفي الحديث:((لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) .

وبعبارة عصرية: فإن التخارج يخضع للعرض والطلب ولرغبات المتعاملين، ولا يشترط أن يتم بثمن المثل أو بالقيمة التي يكشف عنها التنضيض.

(1) فتوى ندوة البركة السابعة، رقم (7/5) ص 123

(2)

فتاوى ندوات البركة التاسعة، رقم (9/2) ، ص 153.

ص: 1086

ثانيًا: الاسترداد

تعريف الاسترداد:

الاسترداد لغة: طلب الرد، كما تدل عليه الصيغة المستخدمة للطلب، والمراد به: شراء الحصة الاستثمارية (أو الوحدة أو الصك أو السهم) من المستثمر، وردها إلى الوعاء، وخروج المسترد منه.

ولا يختلف الاسترداد عن التخارج إلا بكونه يحصل داخليًّا، في حين أن التخارج ـ كاسمه ـ فيه تصرف خارجي، بانضمام المستثمر الجديد (الداخل) إلى الوعاء، وحلوله محل المستثمر (المتخارج) .

فالاسترداد:

يتم بين المضارب وأحد المستثمرين في الوعاء المشترك سواء كان البدل مقدمًا من مال المضارب أو من السيولة المتاحة في الوعاء وهي مملوكة لمجموع المستثمرين فيه وقد يكون فيهم المضارب، وهذا الاسترداد إما أن يكون متوقفًا على الاتفاق، مبنيًا على تعهد من المضارب، وهو أيضًا إما متاح دائمًا كما في معظم الصناديق الاستثمارية، أو مربوط بقيود وأوقات محددة، وسيأتي مزيد من بيان أحكام الاسترداد.

أهلية الاسترداد، وشروطه

لا يختلف الاسترداد عن التخارج من حيث إنه تشترط له أهلية المعاوضة، وكذلك من حيث الحكم والشروط المطلوبة في كل من الحصة موضوع الاسترداد وبدل الاسترداد من حيث نوعيته. أما من حيث كميته فسيأتي الكلام عنها.

تكييف الاسترداد:

الاسترداد إما أن يكون ببدل من خارج الوعاء الاستثماري، وهو ما يقدمه الوعاء (المضارب أو وكيل الاستثمار) من أمواله الذاتية، فيكون تكييف الاسترداد أنه بيع، وإما أن يكون البدل جزءًا من السيولة المتاحة في الوعاء، فيكون عقد قسمة ومبادلة، كما سبق بيانه في التخارج.

ص: 1087

التعهد بالاسترداد:

سبق أن الاسترداد إما أن يتم باتفاق مرتجل بين المستثمر ومدير الوعاء الاستثماري، وإما أن يسبقه تعهد من المدير باستجابته لأي طلب استرداد، سواء طيلة عمر الوعاء أو في فترات محددة، أو في حدود سقف معين لطلبات (كميات الاسترداد) ، وهذا التعهد بمثابة إيجاب من المدير مؤقت بالمدة والظروف المبينة في الشروط، ولا يحتاج إلا للقبول بإبداء المستثمر رغبته في الاسترداد، وفي جميع الحالات قد يكون المتعهد بالاسترداد طرفًا خارجيًا عن المدير والمستثمر في الوعاء.

وقد اشتمل قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي على فقرة تؤكد مشروعية هذا التعهد وإعطائه الإيجاب الموجه للجمهور، وفيما يلي نصها.

(يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقًا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع، كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه)(1) .

تحديد كمية بدل الاسترداد:

إذا كان الاسترداد من غير المدير أو المستثمر فإنه لا يتقيد بالقيمة السوقية (أو القيمة العادلة) بل يكون بما يتراضى عليه الطرفان، لأنه تعهد بالشراء بمثل الثمن الأول (التولية) وكما يصح التعهد بالشراء بالمساومة أو بسعر السوق يوم الشراء يصح أن يكون بسعر الشراء الأصلي دون مراعاة تغير القيمة (2) .

وهذا من حيث المبدأ، وإن كان الطرفان يستأنسان بما يقع من تقويم للحصص أو الوحدات أو الصكوك أو الأسهم، وهو تقويم غير ملزم للطرفين، لكنه يحقق العدالة ويسهل عملية الاسترداد، إذ يتم في ضوئه بمثل التقويم أو أقل أو أكثر حسب العرض والطلب.

أما إذا كان الاسترداد من مدير الوعاء أو أحد المستثمرين في الوعاء فإنه إذا كان بتعهد سابق فلا يجوز أن يقع التعهد بالقيمة الاسمية، لأن ذلك يؤدي إلى ضمان المدير أو الشريك لحصة شريكه، وهو ممنوع شرعًا. ولكن يجوز أن يكون التعهد بالقيمة السوقية العادلة (صافي قيمة الأصول) أو بأي قيمة يتم الاتفاق عليها في حينه، حتى لو كانت هي القيمة السوقية ما دامت لم يتعهد بها سابقًا (3) .

(1) قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، القرار: 30 (4/5) ؛ وانظر: ندوة البركة الثانية فتوى رقم (3) ونصها: (يجوز للبنك الإسلامي أن يعرض إيجابًا عامًا بشراء هذه الحصص أو الأسهم ما لم يكن ذلك وسيلة إلى محرم) وفي الفتوى رقم (4) جواز إشراك البنك المتعهد بالشراء بنوكًا أخرى شريطة الإعلان عن انضمامها إليه من الإيجاب.

(2)

الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية: 1 رقم 46.

(3)

انظر: فتوى الهيئة الشرعية لشركة التوفيق بمجموعة دلة البركة، الاجتماع الثاني، وقد جاء فيها:(فإن كان الشراء لنفسها فلها الخيار بأن تشتري بالقيمة السوقية المنخفضة عن القيمة المكتتب بها، أو بالقيمة المكتتب بها. . . على ألا يكون الاسترداد بالقيمة المكتتب بها مشترطًا على الشركة عند الاكتتاب، ولا معلنًا للجمهور، حتى لا يكون من قبيل ضمان المضارب لرأس المال، وهو ممنوع شرعًا) .

ص: 1088

عمولة الاسترداد:

درجت بعض الصناديق الاستثمارية على تقاضي عمولة عن الاسترداد بنسبة مئوية من بدل الاسترداد وهذا لا يجوز، لأنها مقابل عن حق التعاقد، وهو يتم بين الطرفين، فكل منهما عاقد، ولا يحق للصندوق أن يأخذ عمولة، وهذه العمولة تختلف عن المصروفات الفعلية للاسترداد أو التسجيل إن وجدت.

على أنه إذا روعي في سعر الاسترداد أي تخفيض للبدل يرضى به الطرف الآخر فلا مانع منه، لأنه لا يؤخذ بمقتضى العمولة وإنما يكون تعديلًا للسعر زيادة أو نقصًا وهو أمر متروك للاتفاق (1) .

ثالثًا: ضوابط التخارج والاسترداد وطرقهما

يختلف حكم التخارج والاسترداد بحسب مكونات الأوعية الاستثمارية هل هي نقود أو ديون أو أعيان أو منافع؟

فالنقود يجب التقيد في التعامل فيها بأحكام الصرف التي سبقت الإشارة إليها، وأحكامها مما وردت فيها النصوص الصحيحة الصريحة، ولكنها وردت في حالة الانفراد، فبقى حال اجتماعها مع غيرها محل اجتهاد.

والديون؛ للتعامل فيها أحكام خاصة من حيث الجواز وعدمه، ولها صور متعددة بحسب نوع الدين ونوع البدل والحلول والتأجيل، وبيع الدين للمدين أو لغيره وهي كذلك متعلقة بحالة الانفراد.

والأعيان - وتلحق بها المنافع - يسوغ التعامل فيها بالثمن أو البدل المتراضى عليه، ويجوز ذلك بالثمن الحال أو المؤجل، والأجرة المعجلة أو المقسطة أو المؤجلة.

(1) انظر: الأجوبة الشرعية في التطبيقات المصرفية: 1 رقم 38.

ص: 1089

التخارج والاسترداد إذا كانت الموجودات نقودًا.

لا أثر للتنضيض الحكمي على الموجودات النقدية في الحاسبات أو الصناديق، وأن النقود لا تقويم فيها.

وإنما تكون تلك الموجودات نقودًا كلها في بداية فتح الحسابات أو إنشاء الصناديق، وكذلك في نهايتها عند القيام بالتنضيض الحقيقي للموجودات العينية ببيعها بثمن حال أو إذا كان النشاط هو الصرافة.

في حالة اقتصار موجودات الحسابات أو الصناديق على نقود لا يجوز التخارج أو التداول أو الاسترداد إلا مع التقابض، وإذا كانت الموجودات النقدية من عملة واحدة فيجب أيضًا التماثل، وإذا كانت من عملات مختلفة، فيجوز التفاضل لكن لا بد من التقابض.

التخارج والاسترداد إذا كانت الموجودات ديونًا.

إذا كانت موجودات الحسابات والصناديق الاستثمارية في المؤسسات المالية الإسلامية ديونًا فإنه يجب اعتبار الحساب أو الوحدات في الصندوق غير قابلة للتداول الحر (أي مغلقة)، إذ يجب أن تراعى في التعامل بها أحكام الديون وضوابطه التي منها: ألا يؤدي إلى الربا أو الغرر أو أي محذور شرعي آخر.

وإنما تكون موجودات الحسابات أو الصناديق كلها ديونًا إذا كانت تعاملها مقتصرًا على البيوع الآجلة كالمرابحات وشركات البيع بالتقسيط أو التسهيلات المشروعة، ففي هذه الحالة لا يجوز التخارج أو التداول أو الاسترداد في تلك الحسابات أو الصناديق الاستثمارية إلا بالمثل، تجنبًا للوقوع في حسم الكمبيالات.

ص: 1090

التخارج والاسترداد في حال تنوع مكونات الأوعية

الحسابات الاستثمارية والوحدات الاستثمارية والأسهم حصص شائعة في موجودات الوعاء الاستثماري، فإذا كان في الوعاء الاستثماري أنشطة مختلفة، وموجوداتها بسبب ذلك مختلطة، فإن من المقرر أن للخلطة تأثيرًا في حكم ما وقعت فيه، وفي ذلك جاءت قاعدة:(يغتفر في الجمع ما لا يغتفر في التفريق) ، وقد طبقها شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة تضمين الثمار، لأنه بيع لها مع كراء الأرض (1) . ومثال ذلك الزكاة؛ فإن المال المختلط (بضوابط الخلطة التي حددها الفقهاء القائلون بمبدأ الخلطة) تتغير أحكامه في النصاب والقدر الواجب فيه (2) .

هذا، ويظن أن الصورة التي تكلم عنها الفقهاء بشأن حالة التركيب هي الاختلاف بين مكونات المبيع؛ وهو ما أطلق عليه (الجمع بين شيئين في الصفة الواحدة) لكن الواقع أنهم تكلموا أيضًا عن اشتمال التركة على مكونات مختلفة، والتركة وعاء مالي مشترك تتحقق فيه شركة الملك، ويمكن أن تستمد منه أحكام التركيب في مكونات الأوعية الاستثمارية المشتركة التي هي من شركة العقد، مثل الشركات المساهمة وصناديق الاستثمار والصكوك الاستثمارية، ولا يخفى أنها قائمة على الخلط الذي يجعل المكونات المختلطة غير قابلة للفصل أو التمييز ما دامت المشاركة قائمة، لأن ذلك ينافي مقتضاها، ومن هنا كان لا بد من البحث عن حكم هذا التركيب في مكونات الأوعية الاستثمارية والمبادئ التي تحكمه.

(1) القواعد النورانية، لابن تيمية، ص 90.

(2)

فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوى: 1/ 217؛ مغني المحتاج: 1/ 377.

ص: 1091

وهناك اتجاه فقهي آخر وهو استبقاء الحكم الأصلي لمكونات الوعاء الاستثماري، فإذا لم يمكن الفصل بينها ليطبق على كل نوع حكمه فإنه يمتنع التداول والتخارج والاسترداد، ودليل هذا المبدأ الحديث الوارد فيما أطلق عليه (قلادة خيبر) :

عن فضالة بن عبيد الأنصاري قال: أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الذهب بالذهب وزنًا بوزن)) ، وفي رواية أخرى عن فضالة قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تباع حتى تفصل)) (1) .

وهذه الحادثة لفضالة تكررت بينه وبين أحد التابعين، كما في الخبر التالي الذي يبين آلية التعامل في هذا المبيع المختلط.

عن عامر بن يحيى المعافري عن حنش أنه قال: كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق (فضة) وجوهر، فأردت أن اشتريها، فسألت فضالة بن عبيد فقال: انزع ذهبها فاجعله في كفة، واجعل ذهبك في كفة، ثم لا تأخذن إلا مثلًا بمثل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلًا بمثل)) (2) .

وتأويل ذلك الحديث وهذا الأثر أنهما يتعلقان بالحالة التي يكون فيها الذهب (أو النقود) هو المقصود بالشراء، ويكون ما عداه تبعًا، فكان شرط التماثل والحلول واردًا سدًّا للذريعة إلى تعطيل أحكام ربا الفضل وربا النسيئة.

أما إذا كان التعامل من خلال وعاء مشترك لا يتجه فيه القصد إلى الأصول السائلة (النقود أو الديون) فإن هذه حالة مستجدة مختلفة عن تلك، ولا يتناولها النص المشار إليه، لأنه لم تكن في صدر الإسلام أمثال هذه المؤسسات المالية التي تقوم على أساس تكوين أوعية استثمارية مشتركة مستمرة يقع فيها دائمًا التخارج والاسترداد، وهي حالة تقتضي استخراج أو استنباط حكم يلائمها من مقررات الفقه، تطبيقًا للمبدأ الشرعي بأن تصرفات المسلم تصان عن الإلغاء ما أمكن ذلك، وفيما يلي تفصيل القول في هذا الموضوع.

(1) أخرجه مسلم: 5/ 46 ـ 47، طبع العامرة

(2)

المغني، لابن قدامه: 4/ 32 ـ 33.

ص: 1092

ضابط نسبة الأصول السائلة

في الأوعية الاستثمارية المشتركة

المراد بالأصول السائلة: النقود، وتلحق بها الديون لأنها تشترك مع النقود في وجوب التماثل عند المبادلة في الجنس الواحد. والأوعية الاستثمارية المشتركة ـ كما سبق ـ تشتمل على أعيان (أصول أو موجودات عينية) ومنافع (خدمات) ونقود وديون.

ففي حالة التركيب هذه لا تراعى أحكام النقود والديون إذا كانت المنافع والأعيان هي الأغلب، بمعنى ألا تتجاوز نسبة (50 %) من مكونات الوعاء الاستثماري المسموح فيه التداول وبالتبادل بالأجل. ومبدأ الغلبة هذا هو المنصوص على اعتباره في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي الوارد بشأن سندات المضاربة، والمنطبق على بقية الأوعية الاستثمارية القابلة للتداول.

ومبدأ (مراعاة الغلبة في الأعيان والمنافع) يقوم على أساس النظر إلى العنصر الغالب في مكونات الوعاء الاستثماري، وتطبيق حكمه على جميع الوعاء، فإذا كانت الأعيان والمنافع هي الغالبة جاز التداول والتخارج والاسترداد بأي بدل وبالحلول أو بالأجل، وهذا المبدأ هو الذي أفصح عنه قرار المجمع كما سبق، في حين أنه أرجأ البحث في حالات عدم الغلبة (1) .

ولكن هذا الضابط السائد وهو عدم تجاوز الأصول السائلة (50 %) إن أمكن توافره في الشركات التجارية والصناعية والخدمية، أو في الصناديق الاستثمارية التي نشاطها أسهم تلك الشركات، فإن من النادر تحققه في المؤسسات المالية، لأن معظم نشاطها هو التمويلات الآجلة بالمرابحة والبيع المؤجل، ولهذا اكتفت بعض المؤسسات بنسبة الثلث (تطبيقًا لمبدأ اعتبار الكثرة) .

ومع هذا فإن نسبة (34 %) لم تتحقق في معظم المؤسسات المالية الإسلامية، للسبب المشار إليه، مع أنها تتداول أسهمها بمعرفة هيئاتها الشرعية، ولذا كان لا بد من البحث عن مبادئ أخرى يسوغ بمراعاتها التداول والتبادل الآجل لو تجاوزت الأصول السائلة النصف (50 %) أو الثلث (64 %) ، وفيما يلي بيان هذه المبادئ.

(1) انظر: قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، قرار رقم: 30 (5/4) بند: أولًا.

ص: 1093

المبادئ المقترحة لمعالجة تجاوز الأصول

السائلة للنصف أو الثلث

لقد تبين من البحث في الأبواب الفقهية ذات الصلة بهذا الموضوع والفروع التي عرضها الفقهاء؛ أن هناك أكثر من مبدأ فقهي في التعامل مع حالة التركيب أو الخلط في مكونات الأوعية الاستثمارية، بالرغم من عدم الاتفاق بين الاجتهادات الفقهية على تلك المبادئ، ولا يخفي أنه لا مطمع في هذا الاتفاق، ولا يسوغ التمسك به في مواجهة المستجدات في مجالات التعامل المالي.

عدم التعارض بين المبادئ المطروحة وقرار المجمع:

إن الاستناد إلى المبادئ الشرعية المطروحة، خارج مبدأ الغلبة الذي صدر بشأنه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، لا يتعارض مع ذلك القرار، لأنه تناول أمرين.

الأول: بيان مشروعية التداول وفقًا للسعر المتراضى عليه إذا كان الغالب أعيانًا ومنافع.

الثاني: حالة عدم تحقق هذه الغلبة، وقد أحيل حكمها في القرار إلى الأحكام الشرعية، وهذا نص الجزء الأخير من الفقرة (ج) من العنصر الثالث المنظم لأحكام التداول في الصكوك:(أما إذا كان الغالب نقودًا وديونًا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة)(1) .

وحتى الآن لم توضع اللائحة التفسيرية الموصى بوضعها وعرضها على المجمع، مما يجعل البحث في الحالة المسكوت عن حكمها مفيدًا في تيسير وضع تلك اللائحة.

(1) القرار: 30 (5/ 4)، بند: أولًا (قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي) .

ص: 1094

وقد انتهى البحث إلى استحضار المبادئ الشرعية التالية للنظر في إمكانية تطبيقها في التعامل في الأوعية الاستثمارية التي تختلط مكوناتها، وهذه المبادئ التي ليست للحصر هي:

مبدأ (مراعاة الكثرة في الأعيان والمنافع) :

وهو أن يعطى للوعاء حكم العنصر الكثير. ومعيار الكثرة نسبة الثلث، استئناسًا بالتطبيقات العديدة التي اعتبر فيها الثلث كثيرًا، ومن أشهرها حديث الوصية الذي فيه:((الثلث كثير)) .

مبدأ (التداخل بين الثمن النقدي والنقود التي في مكونات الوعاء) :

ويقصد به أن يكون البدل النقدي (أي ثمن الحصة المتخارج عنها من الوعاء) زائدًا على مقدار النقود (والديون التي تقاربها في الحكم) في مكونات الوعاء. أي يكون بحيث يحصل التقابل بين النقود التي في الوعاء وما يماثلها عددًا من النقود المقدمة ثمنًا وتكون الزيادة في مقابلة الأعيان التي في الحصة، فلا يقع محظور الربا.

وقد صدرت فتوى عن هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي (1) تؤكد الأخذ بهذا المبدأ نصها:

السؤال:

إن الشركات من بين موجوداتها نقود سواء بالبنوك أو لديها بالصندوق، فهل يجوز تداول أسهمها بالشراء والبيع الآجل؟ .

الجواب:

إنه لا مانع من شراء وبيع أسهم هذه الشركات بالأجل إذا كان مبلغ الثمن أزيد من النقد الذي لدى الشركة، فيعتبر النقد بمقابلة النقد، وما زاد فهو بمقابلة الأعيان) .

ولتيسير الأخذ بهذا المبدأ ينبغي للمؤسسات المالية، والجهات الموكول إليها التقييم، أو التعهد بالشراء أو الاسترداد، تقديم بيان بنسبة النقد إلى السلع، بحيث يزيد المقابل النقدي عن (الحصة النقدية في محل التخارج) .

(1) فتوى رقم: 344 (3/ 324) ، فتاوى بيت التمويل الكويتي.

ص: 1095

مبدأ (التخالف بين الجنسين) :

وهو صرف أحد الجنسين في محل المبادلة (بالتخارج أو الاسترداد) إلى غير جنسه في البدل، وتسمى هذه المسألة (مُد عجوة ودرهم) ففي بيع صاع تمر ودرهم، بصاعي تمر ودرهم، حيث يصرف التمر لمقابلة الدرهمين، ويصرف الدرهمان لمقابلة التمر، فينتفي ربا الفضل.

مبدأ (مراعاة التبعية للأعيان والمنافع) :

وهذا المبدأ هو الجدير بالاعتبار، ويحتاج إلى تفصيله فيما يأتي:

المقصود بهذا المبدأ تبعية النقود والديون للأصول مهما كانت نسبتها في الوعاء الاستثماري أو الحصة محل التخارج.

وقد يقال: كيف تختلط النقود والديون بالأعيان؟ ولِمَ اعتبرت النقود والديون تبعًا ولم يكن العكس باعتبار النقود هي الأصل في رأس مال المشاركات؟

والجواب عن النقطة الأولى هو أن الأوعية الاستثمارية المشتركة تقوم على أساس الخلط التام بين الموجودات المقدمة من الشركاء من النقود أو الأعيان، ويقع الشيوع وعدم التمييز فيما آل إليه رأس المال النقدي أو فيما عاد إلى الوعاء الاستثماري أو اندرج فيه من نقود أو ديون.

أما النقطة الثانية فجوابها أن غرض المشاركة في وعاء استثماري واحد هو الاسترباح بتحويل النقود إلى أعيان وبيعها وتقليبها، فإن حكم النقود والديون يتبع حكم الموجودات من الأعيان، لأنها هي الأصل في نشاط المشاركات، فلو بقي رأس المال نقدًا لما حصل الاسترباح الذي هو الغرض من المشاركات (1) .

وتتحقق التبعية بألا يكون الشيء مقصودًا، بل يدخل في التعاقد تبعًا، إما لأنه لا يمكن إيقاع العقد عليه وحده، أو لأنه لا يقصد بالعقد وحده.

والنقود أو الديون في الوعاء الاستثماري المشترك هي جزء منه ولا يمكن إيقاع العقود عليها وحدها، بل يقع العقد على حصة منه أو عليه كله في حال الاختلاط التام بين موجوداته، لأن الفضل أو التمييز بينها ينافي مقتضى الشركة، وإذا حصل فإنه ينهيها عن طريق القسمة وإزالة الشيوع بالتقويم للموجودات واختصاص كل من الشركاء بما يقع الاتفاق على اختصاصه به.

(1) انظر: فتوى الهيئة الشرعية الموحدة رقم 1/1 (فتاوى الهيئة الشرعية الموحدة، ص 12) وقد سبقت في ص 51 وما بعدها من هذا البحث وهي تشير إلى مبدأ التبعية.

ص: 1096

القياس على بيع العبد الذي له مال المطبق فيه مبدأ التبعية:

الأصل أن العبد إذا باعه سيده أو أعتقه وكان له مال فماله للسيد (البائع أو المعتق) ، وهو ما ذهب إليه الجمهور (الشافعي وأحمد وفقهاء الكوفة) ، وهو قول مالك والليث أيضًا في البيع لا في العتق، وهذا كله إذا لم يشترطه المشتري، فإذا اشترط المشتري لنفسه مال العبد تكون الصفقة عبارة عن عبد ونقود في مقابل نقود.

واستدلوا بحديث ابن عمر الذي رواه البخاري ومسلم وأحمد وأصحاب السنن: ((من باع عبدًا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع)) (1) .

والمسألة مبنية على كون العبد يملك، وهو يتصور في العبد المأذون أيضًا. قال مالك في الموطأ: الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع (المشتري) إذا اشترط مال العبد فهو له، نقدًا أو عرضًا أو دينًا

، قال ابن رشد الحفيد: ويجوز عند مالك أن يشتري العبد وماله بدراهم وإن كان مالك العبد دراهم، أو فيه دراهم، وخالف في ذلك الشافعي، واستدل مالك بإطلاق الحديث (2)

قال ابن حجر: وكأن العقد إنما وقع على العبد خاصة، والمال الذي معه لا مدخل له في العقد (3) .

وقال ابن قدامة ـ بعد تقريره المسألة ودليلها والقائلين بها على نحو ما سبق عن المالكية ـ: وقال الخرقي: إذا كان قصده للعبد لا للمال. . . ومعناه: أنه لا يقصد بالبيع شراء مال العبد، إنما يقصد بقاء المال لعبده وإقراره في يده، فمتى كان كذلك صح اشتراطه ودخل في البيع به، سواء كان المال معلومًا أو مجهولًا، من جنس الثمن أو غيره، عينًا كان أو دينًا، وسواء كان مثل الثمن أو أقل أو أكثر، وذلك لأنه دخل في البيع تبعًا غير مقصود.

وقال القاضي: هذا ينبني على كون العبد يملك أو لا يملك، فإن قلنا: لا يملك؛ فاشترط المشتري ماله صار مبيعًا معه فيشترط فيه ما يشترط في سائر المبيعات، وهذا مذهب أبي حنيفة. وإن قلنا: يملك؛ احتملت فيه الجهالة وغيرها مما ذكرنا من قبل، لأنه تبع في البيع لا أصل، واحتملت الجهالة منه لكونه غير مقصود (4) ، وقد صحح ابن قدامة أن العبد يملك إن ملكه سيده، وهي إحدى الروايتين في المذهب.

هذا، وإن التمسك بالإطلاق ـ كما أشار المالكية ـ يقتضي جواز البيع بالرغم من عدم التماثل بين النقد الذي مع العبد والنقد المدفوع ثمنًا للعبد، إذ لم يشترط الحديث أن تكون النقود التي مع العبد أقل من قيمة العبد لمراعاة مبدأ الغلبة، كما أن الحديث لم يشترط التقابض، فدل على جواز هذا البيع بثمن مؤجل.

(1) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، وفي رواية:(من ابتاع.) فتح الباري للحافظ ابن حجر: 5/ 32.

(2)

بداية المجتهد، لابن رشد: 2/ 190.

(3)

فتح الباري: 5/ 34.

(4)

المغني: لابن قدامة: 4/ 154 ـ 155، وقد تعقب ابن قدامة قول الشافعي بأنه خلاف نص أحمد والخرقي في أن العبرة بقصد المشتري.

ص: 1097

القواعد الكلية في تأصيل مبدأ التبعية:

ومبدأ التبعية مبدأ أصيل في الفقه بحيث أدى إلى صياغة عدد من القواعد الفقهية الكلية التي استمدت من التطبيقات الشرعية التي سبق نموذج عنها من السنة وهو بيع العبد وله مال، وقد أصبحت تلك القواعد مستندًا لتطبيقات فقهية كثيرة. وفيما يأتي بيان القواعد المتعلقة بمبدأ التبعية.

قاعدة: (التابع تابع)(1) .

وقاعدة: (التابع لا يفرد بالحكم ما لم يصر مقصودًا) .

هاتان القاعدتان من القواعد الكلية المشهورة، وهما من القواعد التي صدرت بها مجلة الأحكام العدلية.

وقد أورد الزركشي لفظ الأولى منهما بقوله: (التابع لا يفرد) .

وأورد بعدها قواعد أخرى هي: (التابع يسقط بسقوط المتبوع) و (التابع لا يتقدم على المتبوع) . (والتابع هل يكون له تابع؟) .

والمقصود بالأولى منهما أن التابع لغيره حقيقة أو حكمًا ينسحب عليه حكم المتبوع، إذ إن التابع لا يحتمل وجودًا مستقلًا وهو غير منفك عن متبوعه.

والمقصود بالقاعدة الثانية (التي هي بمثابة تتمة للأولى) أن التابع لا يستقل بنفسه بل يسري عليه ما يسري على متبوعه من أحكام إذا كان جزءًا أو كالجزء من الأصل، ولا يصلح أن يكون محلًا في العقود بل وجوده يستتبع وجود متبوعه.

هذا، وقد صدر من الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة دلة البركة فتوى تؤكد الأخذ بمبدأ التبعية، ونص فتوى الهيئة الشرعية الموحدة التي صدرت في هذا الشأن (2) .

(لا يؤثر على مشروعية الاكتتاب في الإصدار أو تداول أسهمه أو استردادها كون بعض موجودات الإصدار نقودًا أو ديونًا نشأت عن مرابحات أو بيوع وقعت قبل الاكتتاب، ما دامت تلك النقود أو الديون تابعة للأعيان الكثيرة التي اشتمل عليها الإصدار والنقود، والديون هنا غير مقصودة) .

(1) قواعد مجلة الأحكام العدلية، المادة/ 47 و 48، وشرح قواعد المجلة للشيخ أحمد الزرقا، ص 253 ـ 256 للقاعدة الأولى، وص 257 ـ 259 للقاعدة الثانية، والمنثور في القاعدة للزركشي: 1/ 234 ـ 239.

(2)

الفتوى رقم: 1/1 ص 12 فتاوى الهيئة الشرعية الموحدة.

ص: 1098

أثر اشتراط وجود الأعيان في الوعاء الاستثماري:

إن اشتراط اشتمال الوعاء الاستثماري على عروض مهما قلت نسبتها إلى النقود والديون في وعاء الاستثمار يحول دون الاستثمار في الأوعية الاستثمارية التي يقوم فيها التعامل على موجودات مقتصرة على النقود والديون وحدها.

وذلك لأن الاستثمار في أوعية تقتصر على النقود دون مراعاة أحكام الصرف فيه تعطيل أحكام شرعية صحيحة صريحة، كما أن الاستثمار في أوعية كلها ديون يفتح باب الربا، إذ تستباح بذلك سندات القرض أو سندات الخزانة وخصم الكمبيالات مع أنه صريح الربا.

فوضع شرط الخلطة يحول دون ما سبق، كما أنه يحول دون تداول سندات الديون، وهو من التطبيقات التي حصل فيها الالتباس، لكونها تجري على الديون المتولدة عن عمليات بيع الأجل أو بيع المرابح.

ص: 1099

توزيع الربح بطريقة النمر

المراد بطريقة النمر: النظر إلى المبالغ المستثمرة وإلى المدد التي مكثتها في وعاء الاستثمار، وطريقة النمر أحد عنصريها الأموال، والعنصر الآخر هو الزمن.

ومن الواضح أن توزيع الربح بطريقة النمر (أو النقاط) إنما هو بالنسبة للربح المستحق لأرباب المال (أصحاب حسابات الاستثمار المشتركة) . وكذلك ما يستحقه المضارب عن المال المقدم منه (المخلوط مع أموال أصحاب الحسابات) . أما ربح المضارب عن عمله فهو نسبة شائعة يجب تحديدها مباشرة، لأنه ـ من حيث هو عامل ـ لا علاقة له بالأموال المستثمرة بالمضاربة.

والإجراء العملي لاستخدام طريقة النمر أن يحتجز نصيب المضارب من الربح أولًا، ثم ينظر إلى ما بقي فيوزع بين أرباب المال (أصحاب حسابات الاستثمار المشتركة) بمن فيهم المضارب إذا قدم مالًا، وذلك بالنسبة والتناسب بحسب مقادير مبالغهم، والمدد التي أمضتها في الاستثمار، فهذه الطريقة لا تعدو أن تكون أساسًا يحقق المعلومية، لأن ذلك يعرف بالحساب فضلًا عن شيوع النسبة.

فمثلًا: من له (400) دينار وأمضى (15) يومًا يعطي النمر أو النقاط التالية (400× 15= 6000) نقطة ومن له (240) دينارًا وأمضى (30) يومًا يعطي من النمر (240× 30= 7200) نقطة، وتجمع النقاط لجميع أصحاب الحسابات ثم يوزع الربح بينهم بحسب نسبة نقاطهم.

وهذه الطريقة ـ كما هو ظاهر ـ لا تؤدي إلى قطع المشاركة في الأرباح، لأنها نسب شائعة، وهي تحقق العدالة والتوازن بين من قدم مبالغ أكثر من غيره، أو مكثت مبالغه مدة أكثر من مبالغ غيره.

ص: 1100

وتوزيع الربح بقدر الحصص في رأس المال لا غرابة فيه، وقد انضم إليه مراعاة الزمن بسبب طبيعة المضاربة المشتركة التي لا يتزامن فيه دخول وخروج أصحاب حسابات الاستثمار، فكان لا بد من مراعاة تفاضلهم في زمن المشاركة، بالإضافة إلى تفاوتهم في مبالغ المشاركة.

وقد عرضت طريقة النقاط (النمر) في ندوة البركة الحادية عشر وصدرت بشأنها الفتوى التالية:

(يجوز استخدام طريقة النقاط (النمر) لحساب توزيع الأرباح بين المشاركين في حسابات الاستثمار العامة، وذلك بالنظر إلى المبلغ والزمن لموجودات كل حساب.

والتوجيه الشرعي لذلك أن أموال المشاركين في وعاء استثماري واحد قد ساهمت كلها في تحقيق العائد حسب مقدارها ومدة بقائها في الحساب، فاستحقاقها حصة متناسبة مع المبلغ والزمن (بحسب طريقة النمر) هو أعدل الطرق المحاسبية المتاحة لإيصال مستحقات تلك الحسابات من عائد الاستثمار لأصحابها.

وإن دخول المستثمرين على هذا الأساس يستلزم المبارأة عما يتعذر إيصاله لمستحقه بهذه الطريقة، ومن المقرر أن المشاركات يغتفر فيها ما لا يغتفر في المعاوضات، وإن القسمة ـ في صورتها المشتملة على تعديل الحصص ـ تقوم على المسامحة) (1) .

(1) ندوة البركة الحادية عشرة للاقتصاد الإسلامي، فتوى رقم (11/ 4) ، ص 190.

ص: 1101

تشكيل هيئة لأرباب المال (لجنة المشاركين)

حيث إن المضاربة المشتركة تضم العديد من أرباب المال فإن من المتبع تشكيل لجنة منهم، يتم اختيارها بالنظر إلى حجم مساهمتهم، واختيار بضعة أشخاص يعقدون اجتماعات مع المضارب بغرض المتابعة والمراقبة أولًا بأول، بالإضافة إلى المهمة الرئيسية لهم، وهي وضع القيود أو الإعفاء منها.

ولا يجري وجود لجنة المشاركين إلا في الصناديق الاستثمارية وإن كان المبدأ قابلًا للتطبيق في حسابات الاستثمار المشتركة أيضًا.

هذا من حيث التنظيم والإجراءات، أما من الجانب الشرعي فإنه لا يجوز للجنة المشاركين التدخل في قرارات الاستثمار التي يتخذها المضارب، لأن ذلك يخل بمقتضى المضاربة من حيث إنها شركة بين المال والعمل الذي يختص به المضارب، وبعبارة أخرى: إن مهمة لجنة المشاركين استشارية غير ملزمة للمضارب.

وإذا كان الغرض من لجنة المشاركين وضع بعض القيود على المضارب فهناك تفصيل أورده الحنفية؛ وهو التمييز بين التقييد الصادر قبل الشروع في العمل، والتقييد الصادر بعده، أي شراء العروض برأس مال المضاربة.

قال الحصكفي (1) : (المضاربة تقبل التقييد المفيد ولو بعد العقد، ما لم يصر المال عرضًا، لأنه حينئذ لا يملك عزله فلا يملك تخصيصه) .

هذا إذا وضعت اللجنة قيودًا، أما إذا قامت بإلغاء بعض القيود السابقة فلا حرج من ذلك، لأنه مما يلائم المضاربة المطلقة.

وجدير بالبيان أن المضاربة بالرغم من وجود لجنة المشاركين تظل مطلقة، لأن ما تقدمه من التعليمات وما تقوم به من المهام لا يحول المضاربة من مطلقة إلى مقيدة، وقد صرح في تكملة فتح القدير أن المضاربة المطلقة هي (ما لم تقيد بزمان، ولا بمكان، ولا بنوع من التجارة، ولا بشخص من المعاملين)(2) .

وقد صدر عن ندوة البركة العاشرة توصية بشأن لجنة المشاركين نصها:

(توصي اللجنةُ المؤسساتِ المالية المتعاملة بالمضاربة بإيجاد لجان تمثل المودعين، مع إعطائهم حق اختيار ممثلين لهم في الجمعية العمومية ومجلس إدارة وذلك للمتابعة والمراقبة)(3) .

(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 4/ 486.

(2)

تكملة فتح القدير: 7/ 64

(3)

ندوة البركة العاشرة للاقتصاد الإسلامي، فتوى رقم (10/ 10) ص 181 ـ 182.

ص: 1102

أمين الاستثمار (ترستي)

أمين الاستثمار هو من يتسلم الأموال للاستثمار، ويكون مؤتمنًا عليها فلا يدفع منها شيئًا يطلب المضارب إلا بعد التأكد من استيفاء المتطلبات المحددة للدفع، أي من وجود بضاعة فعلًا، ومشروعيتها، وكونها تنطبق عليها شروط الاستثمار المحددة للمضارب كما يتسلم أمين الاستثمار مستندات ما يتم شراؤه، كشهادات الأسهم ونحوها لحفظها من الضياع، أو لمنع استخدامها في غير مصلحة المضاربة، وكذلك يتسلم الأموال التي يتم الحصول عليها من بيع الموجودات أو من أرباح الاستثمار.

ولا يتدخل أمين الاستثمار في عمل المضارب ما دام متفقًا مع الشروط المحددة في اللوائح، وهو ـ بالرغم من قيامه بحماية حقوق أصحاب الوحدات الاستثمارية في الصناديق أو الصكوك ـ ليس وكيلًا من المشاركين، بخلاف لجنة المشاركين بل إن وجوده تنفيذ لما التزم به المضارب (مدير الصندوق) تجاه المشاركين، من حيث الفصل بين الجهة القائمة بالإدارة، والجهة المنوط بها إحراز المال والتأكد من سلامة استخدامه، كما يقع الفصل عادة بين المحاسب وأمين الصندوق.

ويستأنس للمتبع في تخصيص أمين للاستثمار بما هو مقرر في باب الرهن من تخصيص (العدل)(1) : المؤتمن على الرهن، حيث لا يقبل الراهن (المدين) بوضعه في يد المرتهن (الدائن) فيوضع في يد عدل يحفظه ولا يفك الرهن إلا بأداء الدين، وإذا تعذر الأداء يشرف على بيع الراهن وسداد الدين وتسليم الزيادة للمدين إن وجدت.

(1) جمهور الفقهاء على تجويز وضع الرهن على يدي عدل خلافًا للظاهرية (بداية المجتهد 2/ 274) .

ص: 1103

وضع معدلات لربح المضارب (حوافز)

الربح الذي يستحقه المضارب هو ما ينص عليه في عقد المضاربة بتحديد نسبة شائعة له من الربح الذي يتحقق، وقد يرغب رب المال في تشجيع المضارب على حسن الأداء ليزيد الربح عما هو متوقع، فما حكم بيان الربح المتوقع؟ وما حكم تخصيص زيادة المضارب فوق ما يستحقه بأصل العقد؟

أما الإشارة إلى النسبة المتوقعة من الربح، وهي نسبة من رأس المال فلا مانع منها، لأن ذلك ليس على سبيل استحقاق أحد الطرفين للنسبة التي تؤول إلى مبلغ ثابت، بل هو توقع لحصول تلك النسبة دون إخلال يربط استحقاق الطرفين بنسبة شائعة من الربح المتحقق فعلًا، ولا بد أن يستند التوقع إلى أساس، مثل دراسة الجدوى، أو النسبة المحققة في الماضي. . إلخ، مع تجنب المبالغة التي تؤدي إلى إيقاع رب المال في الغرور بتوريطه بالدخول في المضاربة.

وقد عول بعض الباحثين على أثر دراسة الجدوى وأنها إذا تخلف ما توقع فيها فإنه يضمن المضارب تلك النسبة، ولا يخفى ما في ذلك من مأخذ شرعي، لكن لو قيل بترتب ضمان رأس المال إن وقعت خسارة فربما كان له وجه، لأنه تضمين للضرر الفعلي، وهو مبدأ مقرر شرعًا وقد تم تطبيقه في نكول الواعد عن إبرام المرابحة وغيره.

ص: 1104

وأما تخصيص حوافز للمضارب بأن ينص على أنه إذا تحققت زيادة عن النسبة المتوقعة فللمضارب ـ بالإضافة إلى نصيبه ـ حصة من تلك الزيادة فلا مانع منه. وقد صدر بشأن ذلك فتوى من ندوة البركة الأولى نصها.

السؤال:

هل يجوز أن يتفق رب المال مع المضارب على أنه إذا زاد الربح عن نسبة (15 %) مثلًا في السنة عن رأس المال فإن الزيادة تكون من نصيب المضارب؟

الفتوى:

هذا الشرط جائز شرعًا، طالما أن الربح مقتسم نتيجة المحاسبة طبقًا للنسبة الشائعة المتفق عليها، وأن رب المال يتحمل الخسارة إذا تبين وقوعها (1) .

والتكييف الشرعي لاشتراط الحوافز أنه وعد بالهبة، وهو شرط لا يؤدي إلى قطع المشاركة في الربح، وليس فيه تحديد لمبلغ ثابت من الربح، بخلاف ما لو ربط استحقاق المضارب بحصول النسبة المتوقعة أو الزيادة عليها فإنه لا يجوز، لأن ذلك المؤشر قد يؤدي إلى قطع مشاركته في الربح.

ولا مانع أيضًا من وضع معدلات متعددة لربح المضارب على سبيل وعده بالحوافز، مثل أن ينص أولًا على حصة من الربح يستحقها إذا تحقق أي ربح، ثم ينص على أنه إذا تحققت نسبة كذا فله من الربح نسبة كذا، وإذا تحققت نسبة أكبر فله من الربح نصيب معلوم أكبر، وهكذا.

أو يقال: للمضارب في السنة الأولى نسبة كذا، وفي السنة الثانية نسبة معينة أكبر، وفي الثالثة أكبر مما سبق. . فلا مانع من تلك المعدلات المختلفة بحسب السنين، لأنها لا تنقطع بها المشاركة من الطرفين في الربح، وهي تشكل حافزًا بتزايدها.

(1) ندوة البركة الأولى للاقتصاد الإسلامي، رقم (1/ 4) ، ص 17

ص: 1105

وقد صدرت عن ندوة البركة الحادية عشرة فتوى بشأن تغير نسبة ربح رب المال بين سنة وأخرى، والأمر ينطبق على ما إذا كان التغير لنسبة ربح المضارب لحفزه على حسن الأداء، ونص تلك الفتوى.

(أـ يجوز الاتفاق في المضاربة على تحديد حصة رب المال بنسبة معينة من الأرباح في بداية المضاربة، وإن هذه النسبة تتغير إذا وصلت أرباحه إلى نسبة معينة من رأس ماله عندما يتبين ذلك بالمحاسبة المستندة إلى التنضيض الحكمي.

مثلًا: الاتفاق على أن تكون حصة رب المال (90 %) من الأرباح، وحصة المضارب (10 %) وأنه إذا بلغت أرباح رب المال (5 %) من رأس ماله تنعكس النسبة بينهما أو تتغير على نحو محدد، وذلك لأن هذا الاتفاق لا يقطع الاشتراك في الربح.

ب ـ. . . . . . . . .

جـ- لا بد أن يراعى في هذا الاتفاق ـ وغيره من صور المضاربة ـ عدم ضمان المضارب (البنك) لرأس المال، ولا لنصيب من الربح بنسبة من رأس المال) . (1) .

(1) ندوة البركة الحادية عشرة للاقتصاد الإسلامي، فتوى رقم (11/ 8) ص 194.

ص: 1106

تحديد المضارب في حال إدارة المضاربة

من قبل الشخصيات المعنوية: المؤسسات والشركات

هذه المسألة من المسائل المستجدة تمامًا، إذ ليس لها ـ حسب علمي ـ جذور في الفقه المدون، وذلك لأن وجود المؤسسات المالية واتصافها بالشخصية المعنوية هو من القضايا العصرية.

وقد طرحت هذه المسألة في إحدى ندوات البركة وحظيت بمزيد من المناقشة، وصدرت بشأنها فتوى مفصلة تتناول ـ بالإضافة إلى أصل الموضوع ـ ما قد يطرأ على المؤسسات ذات الشخصية المعنوية من تغير في مالكيها أو مجالس إدارتها، وكذلك حالة الاندماج بين مؤسستين وأثر ذلك على تحديد المضارب ومصير حسابات الاستثمار القائمة على أساس المضاربة، وكذلك حالة استقلال أحد فروع الشخص المعنوي بعد أن كان ذلك الفرع هو المضارب في حسابات الاستثمار، وذلك من حيث أثر الاستقلال على العلاقة بين أصحاب تلك الحسابات والمضارب بصفته فرعًا للشخص المعنوي.

ص: 1107

وفيما يلي نص هذه الفتوى:

(أـ إن المضارب في المؤسسات المالية ذات الشخصية الاعتبارية التي تتسلم الأموال لاستثمارها على أساس المضاربة هو الشخص المعنوي نفسه (البنك والشركة) لأنه هو الذي تناط به الذمة المالية المستقلة التي بها يحصل الوجوب له أو عليه ـ وليس (الجمعية العمومية) التي تملك المؤسسة، ولا (مجلس الإدارة) الذي هو وكيل عن المالكين، ولا (المدير) الذي هو ممثل للشخص المعنوي.

ب – لا تتأثر العلاقة بين أرباب المال والمضارب في المؤسسة المالية ذات الشخصية الاعتبارية بالتغير الكبير في مالكي المؤسسة (الجمعية العمومية) أو التبديل الكلي أو الجزئي في أعضاء (مجلس الإدارة) أو تغيير (المدير) وأعوانه، لأن ذلك الحق مقرر في النظام الأساسي للمؤسسة، وإذا حصل بعد التغيير إخلال بالتعدي أو التقصير فإن في أحكام المضاربة ما يحمي أرباب الأموال بتحميل المسؤولية لمن وقع منه التعدي أو التقصير.

وهذا ما لم يكن هناك قيد صريح من رب المال بأن استمراره في المضاربة رهين ببقاء من كانوا في المؤسسة عند دخوله في المضاربة من الأشخاص الطبيعيين كلهم أو بعضهم في الجمعية العمومية أو المجلس والإدارة فتكون مضاربة مقيدة، ويملك حق الخروج بالإخلال بذلك القيد.

جـ ـ إذا تم الاندماج بين الشخص المعنوي القائم بالمضاربة وبين شخص معنوي آخر بحيث يصير الشخص المعنوي الموحد متضمنًا لهما فلا تتأثر المضاربة بذلك، لبقاء الشخص المعنوي القائم بالمضاربة ضمنًا.

د ـ إذا كانت المضاربة مع أحد فروع الشخص المعنوي فاستقل وصارت له شخصية معنوية أخرى مغايرة للشخصية المعنوية السابقة التي كانت للفرع بالتبعية فيكون حينئذ لأرباب المال حق الخروج) (1) .

(1) ندوة البركة العاشرة للاقتصاد الإسلامي، فتوى رقم (10/ 10) ص 181 ـ 182.

ص: 1108

الضمان في المضاربة، ضمان المضارب

عقد المضاربة من عقود الأمانات، ورأس المال أمانة في يد المضارب

قال الكاساني: (المال في يد المضارب بمنزلة الوديعة، لأنه قبضه بإذن رب المال لا على وجه البدل والوثيقة)(1) .

وعليه، فلا يضمن المضارب ما يحصل من خسارة في رأس المال المضاربة إلا بالتعدي أو التقصير أو مخالفة شروط المضاربة، وإنما كان تحمل المضارب ضمان رأس المال ممنوعًا شرعًا، لأنه يخالف مقتضى عقد المضاربة الذي هو عقد على المشاركة في الربح، فإذا لم يحصل ربح ووقعت خسارة فإنها تربط بالمال، تطبيقًا للقاعدة العامة في المشاركات بأن الخسارة بقدر الحصص في رأس المال، وإذا كان المضارب لا حصة له فيه فإن خسارته تنحصر في ضياع جهده.

فإذا شرط على المضارب ضمان ما يقع من خسارة أو تلف في رأس المال فالشرط باطل، وأما العقد فهو صحيح عند الحنفية والحنابلة، وفاسد عند المالكية والشافعية، وفيه عند المالكية قراض المثل، وليس الربح المسمى في عقد القراض (2) .

ولا مانع من اشتراط الضمان في حالات التعدي أو التقصير أو مخالفة الشروط. قال الصاوي من المالكية: (إن دفع رب المال للعامل المال واشترط عليه أن يأتيه بضامن يضمنه فيما يتعلق بتعديه فلا يفسد بذلك، لأن هذا الشرط جائز، وأما إن شرط عليه أن يأتيه بضامن يضمنه مطلقًا تعدى في التلف أم لا فسد القراض ولو كان الضامن بالوجه، ولا يلزم، كما أفتى به الأجهوري)(3) .

إن وصف المضاربة بأنها مشتركة أو مستمرة لا يقتضي جواز اشتراط الضمان حسبما ذهب بعض الباحثين متذرعًا بالضمان في الإجازة المشتركة، لأن هذا الوصف لا يغير من جوهر المضاربة بأنها من المشاركات، واشتراط الضمان فيها يجعلها تعاملًا ربويًا بضمان المال والحصول على ربح المشاركة، أما الإجارة فهي من المعاوضات ويصح الضمان فيها إذا كانت مشتركة، للإجماع على تضمين الصناع، أما المضاربة فالإجماع على منع الضمان فيها.

(1) بدائع الصنائع: 6/ 87.

(2)

البدائع: 6/ 87؛ القوانين الفقهية، ص 280، المجموع: 5/ 152؛ المغني: 5/ 152.

(3)

بداية المجتهد، لابن رشد: 2/ 243؛ والشرح الصغير، للدردير: 3/ 687 ـ 688.

ص: 1109

ضمان الطرف الثالث في المضاربة:

إذا كان الضمان من طرف ثالث (أي عنصر غير المضارب ورب المال) فإنه جائز، لأنه من قبيل التبرع من ذلك الطرف، أي الهبة، ويتعلق هذا التبرع بمقدار ما يحصل من نقص في رأس المال، والجهالة في التبرعات مغتفرة.

وهذا الالتزام بالتبرع ليس ضمانًا بمعنى الكفالة، لأنها لا تكون إلا في دين صحيح ثابت حاضرًا أو مستقبلًا فيكون هناك مدين أصيل وكفيل بالدين، وهنا الأصيل (المضارب) ليس مدينًا لأنه بطيبعة المضاربة لا تصح مسؤوليته. فالضمان هنا يراد به التحمل للتبعة وليس الكفالة.

ولا يتناول ضمان الطرف الثالث الربح المتوقع الذي فات (الكسب الفائت أو الفرصة الضائعة) بل يقتصر على أصل المال، لأن هناك حاجة بالنسبة لبعض الناس بالمحافظة على أصل المال ولتشجيعهم على استثماره، وليست هناك حاجة تدعو إلى ضمان حصة من الربح، كما أن مثل هذا الضمان يشابه المراباة التي تقوم على أساس ضمان الأصل مع زيادة. وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة في جده (1) على ضمان الطرف الثالث، ونصه:

(ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث، منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد، بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزامًا مستقلًا عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطًا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد) .

(1) القرار رقم: 5، بشأن سندات المقارضة في البند التاسع.

ص: 1110

تطوع المضارب بالضمان:

المقصود من ذلك هو تبرع المضارب بالتزام الضمان بعد عقد المضاربة والشروع في العمل بالمال، ومفاد هذه الصيغة أن يخلو عقد المضاربة من شرط الضمان ثم يصدر من المضارب التزام مستقل بهذا الضمان.

والمستند الفقهي لهذه الصيغة ما جاء عند المالكية منقولًا عن فقهاء ثلاثة منهم وهم: ابن زاب، وابن بشير، وتلميذه ابن عتاب.

• قيل لابن زاب: أيجب الضمان في مال القراض إذا طاع (تطوع) قابضه بالتزام الضمان؟ فقال: إذا التزم الضمان طائعًا بعد الشروع في العمل فما يبعد أن يلزمه.

• ونقلوا عن ابن بشير أنه أمضى عقدًا بدفع الوصي مال السفيه قراضًا إلى أجل على جزء معلوم وأن العامل طاع بالتزام ضمان المال وغرمه.

• وقد صحح ابن عتاب مذهب شيخه ابن بشير، ونصره بحجج كثيرة وفي (رسم الجواب من سماع ابن القاسم من المدونة) ما يفيد صحة الاعتراض عليه وهو ما وقع من بعض الشيوخ) (1) .

والحمد لله رب العالمين

(1) كتاب إعداد المهج، ص 161

ص: 1111