الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقوق الإنسان وحرياته
في النظام الإسلامي وتأصيله الشرعي
إعداد
الدكتور حسن بن محمد سفر
أستاذ نظم الحكم الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله مودع الحكم في قصص الأمم، ومزيل ظلمة الجهالة بعلماء الأمة استنارة للأفكار، وتجنبا للعثار، والصلاة والسلام على مبلغ الرسالة، والداعي إلى نبذ الجهالة وعلى آلة أكرم سلالة، وأصحابه المبرئين من الضلالة، وعلى زوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين أقمار الهدى، وأنوار التقى، وسلم تسليما كثيرا، وبعد:
فإن عظمة التشريع الإسلامي تتجلى في سمو التشريعات، وكمالها ووفائها بجميع ما تحتاجه الأمم، وما تتطلع إليه الدول والشعوب من آمال طموحات، وهذه الحقائق أمر ثابت، وحقيقة مقررة في النصوص الشرعية عملا بقوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] .
ولكم كان لهذه الشريعة العالمية من حلول لقضايا عجز العقل البشري والقانون الوضعي وساسة الفكر وجهابذة القانون عن إيجاد علاج لها، ولكم واجهت الإنسان - هذا المخلوق الضعيف - أزمات، وضغوط، وتشرد وتشتت، ومرت به ظروف وحاجات ملحة، فكان ومازال يتطلع إلى علاج شافي وبلسم يداوي جروحه وآلامه، فلم يجد قانون مشرع يشفي غليله، ولا أعرف وتقاليد تحل قضاياه، وتحفظ له إنسانيته وكراماته، حتى هدي إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم الذي وجد فيه كل بغيته وجميع ما يحتاجه ويأمن عليه حياته ويحفظ عليه ماء وجهه وعزته وكرامته.
هذا وإن من القضايا التي لشريعة الإسلام فيها قصب السبق مسألة حقوق الإنسان، وقد أحسنت الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي رعاها الله في اختيار موضوع (حقوق الإنسان) ضمن موضوعات الدورة الثالثة عشرة لمجمعنا المبارك.
فقد أضحت مسألة حقوق الإنسان شعار العصر وموضته، ودخلت في في دساتير (1) الدول وبرامج الأحزاب السياسية، وكتابات المفكرين، ووثائق الهيئات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وتثير هذه الظاهرة أسئلة حادة وانحيازية عن موقف الإسلام من هذه المسألة، وهل يقر الإسلام بوجود حقوق للإنسان بما هو إنسان أم لا؟
ومن هذا المنطلق فإنني أقدم هذا البحث الفقهي المتواضع الموسوم بـ: (حقوق الإنسان وحرياته في النظام الإسلامي، وتأصيله الشرعي في نظام الحكم في المملكة العربية السعودية) .
إلى الدورة الثالثة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهذا البحث الفقهي يتطرق بالبحث والاستقراء إلى حقوق الإنسان وحرياته، وقد اقتضت طبيعة البحث أن أقسمه إلى الترتيب المنهجي البحثي الآتي:
* * *
الأمر الأول
في مصطلحات البحث ومصدر الحقوق
في الشريعة الإسلامية
جرت عادة الباحثين والمصنفين في قديم الزمان وحديثه أن يبدؤوا بتوضيح مفهوم ومعنى ما يريدون التأليف والبحث فيه من حيث المصطلح للعلم الذي يكتبون فيه، وذلك تمشيًَّا مع القاعدة المنطقية المعروفة (الحكم على الشيء فرع عن تصوره)(2) ، وهذه ما تعرف عند الفقهاء بالحدود والتعريفات (3) .
(1) انظر: الأساس الفلسفي لنظرية الحقوق، محمد عبد الجبار - العدد (1255) - الحياة، 1418هـ.
(2)
انظر: د. علي بن عباس الحكمي، أصول الفتوى وتطبيق الأحكام الشرعية، ص 1، المكتبة المكية 1420هـ.
(3)
انظر: عبد الأمير الأعسم، المصطلح الفلسفي عند العرب، تحقيق كتاب الحدود والتعريفات للإمام الغزالي، ص 239 الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1989م؛ انظر أيضًا: كتاب المبين شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين، للإمام الآمدي، ص 39، دار المناهل - بيروت 1407هـ.
مصطلحات البحث:
أ - الحقوق: جمع حق، فلفظة (حق) لها معان كثيرة في اللغة ولكنها متقاربة ومترادفة، والحق اسم من أسماء الله تبارك وتعالى، هو الحق وغيره الباطل، والحق هو الثابت (1) .
ب - حقوق الإنسان: يراد بها الأمور الثابتة له، والتي يستحقها الإنسان بصفته إنسانًا، أو الأمور الثابتة الواجبة عليه بصفته مربوبًا، فالإنسان لمجرد كونه إنسانًا، أي بشرًا، بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته أو أصله العرقي أو القومي أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، فإنه يملك حقوقًا طبيعية له حتى قبل أن يكون عضوًا في مجتمع معين (2) .
إلا أن الإنسان بطبعه يعيش في مجتمع ما ومن ثم فلا يمكن النظر إلى تلك الحقوق نظرة مجردة فلسفية، بل يتعين النظر إليها في إطار المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان (3) .
ف حقوق الإنسان في الإسلام هي تلكم القواعد والمبادئ التي تتناولها مصادر التشريع الإسلامي من كرامة الإنسان واحترامه والمحافظة على الكليات الخمس التي جاءت بها الشريعة الإسلامية. (4)
ج - الحق في الشريعة الإسلامية: هو المصلحة الثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار، بحيث يقرره الشرع الحكيم.
(1) انظر: تفسير الكشاف للإمام الزمخشري: 206/1؛ الكاشف عن أصول الدلائل وفصول العلل، الرازي، ص 53، دار الجبل؛ الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، القاضي زكريا الأنصاري، ص 75، دار الفكر المعاصر.
(2)
انظر: دراسة لأحكام القانون الدولي وتطبيقاتها، محمد حافظ غانم، ص 76، معهد الدراسات العربية 1962 م.
(3)
انظر: القانون الدولي لحقوق الإنسان مقارنًا بالشريعة الإسلامية، محمد الحسيني مصيلحي، ص 15، دار النهضة العربية 1988م.
(4)
انظر: الإسلام مقاصده وخصائصه، محمد عقلة، ص 136، الأردن - عمان، مكتبة الرسالة، 1405هـ، ط 1.
والحق عبارة عن نوعين:
1 -
عام: وهو النوع من الحق يشمل كل عين أو مصلحة تكون للشخص بمقتضى الشرع، بحيث يغدو له سلطة المطالبة بها، أو منعها عن غيره أو بذلها له، أو التنازل عنها، فالحق هنا يعني الملك بأنواعه (1) .
2 -
وخاص: وهذا النوع من الحق يطلق عليه ما يقابل الأعيان المملوكة، والمنافع والمصالح، أي الحقوق الاتفاقية، ويراد بها المصالح الاعتبارية في عرف الشرع كحق الشفعة وحق القصاص، وحق الخيار، وحق المرأة في حبس نفسها عن زوجها حتى يؤدي لها معجل صداقها.
وقد تناولت تشريعات الإسلام كثيرًا من واجبات الإنسان على أخيه الإنسان، وقد سميت حقوقًا، وذلك مثل حق المسلم على المسلم، وحقوق الرعية على الراعي، وحقوق الراعي على الرعية (2) .
وقد أوضحت كتب السياسة الشرعية والفقه الإسلامي والأحكام السلطانية هذه المفاهيم، وعلى مقتضى التوسع يشتمل مفهوم الحق في الإسلام أشياء كثيرة ويتضمن الأوامر والنواهي، وهي في الواقع مصالح للناس أو مصالح وحقوق لأطراف معنيين.
والحق ذلك الأمر الثابت (3) ، وفي عرف الفقهاء هو ما ثبت في الشرع للإنسان أو لله على الغير بحكم الطبيعة الإنسانية، ضمانًا لحريته في الاعتقاد والتصرف والاجتماع والتنقل وطلب المأوى، لتحفظ له كرامته وشخصيته باعتباره إنسانًا له حق الحياة الكريمة والشرف والعلو، انطلاقًا مما منح إياه الله جل وعلا، حيث أشار الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل في قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء:70]، وقوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8] .
(1) انظر: الحق والذمة، الشيخ علي الخفيف، ص 36.
(2)
انظر: حقوق الإنسان في الإسلام، عبد العزيز خياط، ص 5؛ السياسة الشرعية، ابن تيمية، ص 80.
(3)
انظر: نظرية الحق، استاذي أحمد فهمي أبو سنة، ص 15؛ مصادر الحق في الفقه الإسلامي: 1/14.
د - مصدر الحقوق في الإسلام: ومما تقدم يتضح لنا أن مصدر الحقوق هو الشريعة الإسلامية (1) ، وذلك لأن الشريعة الإسلامية بحكم كونها تشريعًا سماويًّا فإنها تنظر إلى الحقوق نظرة دينية أساسها أن الإنسان باعتباره عبدًا مخلوقاًً لله جل شأنه، فإنه لا يملك حقًّا من الحقوق، ولكن شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يمنحه بعض الحقوق نعمة منه وفضلًا لتكريمه، وعلى هذا فالحق في الشريعة الإسلامية هو منحة يمنحها الخالق جل وعلا للأفراد وفق ما يقضي به صالح الجماعة، ومن ثم فقد قيدت الشريعة استعمال الأفراد لحقوقهم بمراعاة مصلحة الغير وعدم الإضرار بالجماعة، فليس للفرد مطلق الحرية في استعمال حقه بحيث لا يحد من سلطاته شيء، بل هو مقيد في ذلك بمصلحة الجماعة وعدم الإضرار بالغير (2) .
(1) انظر: حقوق الإنسان بين الشريعة والفكر القانوني الغربي، محمد فتحي عثمان، ص 16 دار الشروق - القاهرة 1402هـ.
(2)
انظر: مصادر التشريع (المستصفى)، للإمام الغزالي: 1/29.
فالحق إذن يستلزم واجبين:
أولهما: واجب على الناس أن يحترموا حق الشخص وألا يتعرضوا له في أثناء تمتعه به واستعماله.
وثانيهما: واجب على صاحب الحق نفسه هو أن يستعمل حقه بحيث لا يضر بالآخرين، ويستوي في هذا سائر الحقوق، لا فرق في ذلك بين الحق العام والحق الخاص (1) ، عملًا بالقاعدة الفقهية (لا ضرر ولا ضرار)(2) .
ولهذا فإن ل حقوق الإنسان في النظام الإسلامي طابع الضرورة والمصلحة للفرد والجماعة والمؤسس على العقيدة، وهو طابع يرتكز على ضمان معنى الإنسانية من الرحمة، والعدل، والشفقة والاحترام، والمبادئ التي حرصت الشريعة الإسلامية على احترامها يمكن تطويرها في التطبيق العملي، لكي تواجه وتشمل كل التطورات التي تسفر عنها الأبحاث العلمية الحديثة ومتطلبات الحضارة في مراحلها المختلفة، فالمهم إظهار هذه الصفات التي اشتملت عليها الشريعة الإسلامية وإبرازها، لأنها تتفق مع تطلعات الإنسان في سائر أنحاء العالم وإبراز قابليتها للتطبيق على المستوى العالمي ل حقوق الإنسان، وذلك لأن الشريعة الإسلامية في طليعة الشرائع الدينية، والنظم القانونية من حيث الاعتراف بكرامة الإنسان والحقوق المتساوية لكل فرد، وعدم إمكان التنازل عن الضمانات التي تحفظ على الإنسان آدميته وكرامته.
(1) انظر: المجتمع الإسلامي وحقوق الإنسان، محمد الصادق عفيفي، ص 13؛ المدخل في الفقه الإسلامي، عيسوي أحمد، ص 29؛ الفقه الإسلامي، أحمد الحصري، ص 8؛ ومصادر الحق في الفقه، للفقيه عبد الرزاق السنهوري: 1/ 5.
(2)
انظر: القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية: 1/298، دار البيان - الطائف سنة 1422هـ ط 1؛ درر الحكام: علي حيدر: 1/32؛ شرح القواعد الفقهية، أحمد الزرقا، ص 165؛ الموافقات، للإمام الشاطبي: 2/352؛ مجلة الأحكام العدلية مادة (19) .
وإذا استعرضنا أهم المبادئ والمقومات الوضعية التي تبنى عليها الآن مبادئ القانون الدولي المعاصرة لـ حقوق الإنسان يتضح لنا أسبقية الشريعة الإسلامية من حيث الزمن ومن حيث أحكام النص وشموله (1) ، كما أن ارتباط الحق بالشارع يزيد من ضمانه وتوثيقه وتأكيده، فهو مقرر من قبل الله، وحمايته واجب المؤمنين فردًا، وجماعة، ودولة، وتفريط أي منهم في كفالة (2) الحق الذي قرره الشارع وحراسته والدفاع عنه يمس حقيقة الإيمان وأصل الاعتقاد:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] .
وكون مصدر الحقوق في الإسلام الشريعة الإسلامية التي هي تشريع الشارع الحكيم في حد ذاته كفل التقرير المتوازن لحق الفرد وحق الجماعة وحق الدولة وحقوق الإنسان في أروع صورة وأجمل تحقيق لحاجيات الإنسان وما يتطلع إليه في تكوين شخصيته وذاتيته.
* * *
(1) بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين تظهر أهم مقومات القانون الدولي الوضعي خصوصًا حقوق الإنسان، متمثلة في بعض نصوص ميثاق الأمم المتحدة، انظر: الإطار القانوني لحقوق الإنسان في القانون الدولي، ص 66، باريس سنة 1987م.
(2)
حقوق الإنسان بين الشريعة والفكر القانوني الغربي، ص 38.
الأمر الثاني
حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية
منحت الشريعة الإسلامية للإنسان حقوقًا، انطلاقًا من تكريمها له من ذلك:
أولًا - الإسلام وكرامة الإنسان:
تناول الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان في مقدمته التأكيد على الاعتراف بكرامة الإنسان، وهذا المبدأ تناوله القرآن الكريم وسبقه الإعلان عنه قبل هذا، فالله أكرم الإنسان بنعم لا تحصى وفضائل لا تعد وفضله على كثير من المخلوقات تفضيلًا، فقال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70] .
ومن مظاهر الرعاية والتكريم لهذا الإنسان أن خالقه أحسن صورته فقال تعالى: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [التغابن:3] .
ثم توالى التكريم لهذا الإنسان وتجلى في صور متعددة منها عدم إهانته أو تحقيره أو السخرية منه أو تنابذه بألقاب ممقوتة، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] .
وقد أخرج الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)) .
وعلى ضوء هذه الثوابت فإن الإسلام أعز الإنسان وأكرمه وطالبه بأن يكون مرفوع الرأس لا ينحني لأحد غير الله جل وعلا، ولا يعبد غيره ولا يشرك به أحدًا، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163] .
كما أن الله تعالى جعل العبادة مقصورة عليه وحده فلا عبودية (1) إلا لله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] .
وأكد جل وعلا على أن وظيفة الإنسان الأٍساسية العبادة فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
وهكذا نجد ترسيخ القرآن الكريم لتكريم الإنسان قبل أربعة عشر قرنًا من صدور الإعلان العالمي الذي يؤكد في مادته الأولى أن جميع الناس يولدون أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق. (2)
(1) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، العلامة عبد الرحمن بن سعدي، ص 40، مؤسسة الرسالة، سنة 1421هـ.
(2)
انظر: القانون الدولي وحقوق الإنسان، د. وحيد رأفت، ص 13، سنة 1977م - القاهرة؛ أركان حقوق الإنسان، صبحي المحمصاني، ص 40، دار العلم للملايين - بيروت، سنة 1979.
ثانيًا: الإسلام ومبدأ المساواة وعدم التميز:
جاءت ثمار ترسيخ حقوق الإنسان في الإعلان العالمي ومبادئ القانون الإنساني بعد حروب دامية مدمرة خاضها العالم، مورست فيها أبشع الجرائم وأخطر القرارات، الأمر الذي حدا بالمصلحين الخائفين على انهيار المجتمعات الإنسانية إلى إعلان تلك المبادئ وتبنيها في الهيئات والمنظمات الدولية (1) مع أن بعض هذه الهيئات واللجان المنادية ب حقوق الإنسان تنتهك حرمات وإنسانية الإنسان، وتكيل بمكيالين، وتحتضن الدعوة ل حقوق الإنسان إذا كان ثمة تحقيق لمصالحها، أما إذا تعارضت مع مصالحها فإنها تقف ضدها وتستخدم حق النقض، والأمثلة كثيرة والمتناقضات في هذا العالم ترى العجب العجاب، فهذه إسرائيل وهذا الانتهاك الصارخ والسافر لحقوق الشعب الفلسطيني المسلم، فأين حقوق الإنسان في النظم الغربية؟
إن تعاليم الشرع الحنيف ومبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية جاءت لتأصيل وتأكيد كرامة الإنسان وعدم التميز، وأن أكرم الناس عند الله جل وعلا أتقاهم، انطلاقًا من قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] .
وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع التي اتخذها المسلمون دستورًا وهدى ونبراسًا يسيرون عليه من بعده صلى الله عليه وسلم ما جمعه فيها من أسس الدين الإسلامي ومبدئية المساواة (2) وعدم التميز، حيث قال عليه الصلاة والسلام:((أيها الناس إن ربكم واحد، وأباكم واحد، وكلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر، ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى)) .
وهكذا نجد أن المقياس الذي وضعه الإسلام للتفاضل بين البشر هو حسن علاقتهم بالله، وهذا ما عرفه القرآن بالتقوى، ومن هنا فمن مبدأ المساواة في الإسلام التمتع بالحقوق والتكاليف بالواجبات، فالإنسان خليفة الله في أرضه أكرمه بتلك الخلافة (3) .
(1) انظر: حقوق الإنسان والتميز العنصري، د. خياط، دار السلام- القاهرة، سنة 1409 هـ
(2)
الإسلام وبناء المجتمع الفاضل، أستاذنا يوسف عبد الهادي الشال، ص 310، المكتبة العصرية، سنة 1392هـ.
(3)
انظر: نشوء الفكر السياسي الإسلامي خلال صحيفة المدينة، خالد الحميدي، ص 59، دار الفكر اللبناني، سنة 1994م.
ثالثًا - الإسلام ووحدة الأسرة الإنسانية:
اهتم الإسلام بالوحدة الأسرية الإنسانية، وأبرزت الشريعة ذلك، فخير بني الإنسان عند خالقه تبارك وتعالى هو أكثرهم نفعًا لهذه الأسرة، عملًا بقوله صلى الله عليه وسلم:((الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله)) فالقيمة الإنسانية للناس جميعًا أنهم كلهم سواء، والتفاضل في الإسلام بحسب الأعمال، كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأحقاف: 19] .
وقد حمى الإسلام هذه الوحدة وشخصية المسلم، فلا يجوز التعرض لخطر أو ضرر يتعرض له، عملًا بالحديث النبوي الشريف:((المسلمون تتكافأ دماؤهم)) رواه الإمام أحمد. لهذا فإن كل فكر أو تشريع أو تقنين يسوغ التفرقة بين الأفراد على أساس الجنس أو المعرفة أو اللون أو الدين إنما هو مصادرة مباشرة لهذا المبدأ الإسلامي الخلقي العظيم الذي منح للإنسان وتجلت فيه صور التكريم من الشارع الحكيم جل وعلا (1) .
(1) انظر: حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، د. الشيباني، ص 122؛ دستور التسامح في الإسلام، للشيخ محمد المكي الناصري، ص 10، منشورات دار البريس، سنة 1990م، الدار البيضاء - المغرب.
رابعًا - الإسلام وحقوق المرأة:
بإلقاء نظرة واستقراءات سريعة حول حقوق المرأة قبل الإسلام يتضح لنا أنه لم يكن يعترف بأن لها حقوقًا، إذ كانت محتقرة حبيسة الجدران عند اليونان، ومحرومة من حق اختيار زوجها، ومن الإرث، فلم يعترف لها الرومان بأية حقوق، فهي تحت وصاية الأب حتى يتم زواجها، فإذا تزوجت كانت تحت وصاية الزوج. وفي المجتمع اليهودي فالمرأة عندهم نوع من اللعنة، لأنها أغوت آدم فأخرجته من الجنة (1) . أما عن وضع المرأة في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام فكانت أسوأ من ذلك، إذ تعتبر عارًا يجب التخلص منه، وقد أوضح ذلك القرآن الكريم فقال تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58 - 59] .
وفي النظم الفرنسية كانوا يشكون في إنسانية المرأة، إذ قد عقدوا مؤتمرًا عام 1586م لبحث موضوع المرأة وما إذا كانت تعد إنسانًا أو لا تعد إنسانًا، وبعد النقاش والحوار قرروا بالإجماع أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل (2) ، وهكذا أثبت الفرنسيون المنادون ب حقوق الإنسان إنسانية المرأة، تلك الإنسانية المشكوك فيها حتى عام 1586م، وإن لم يتبنوها كاملة بل جعلوها تابعة خادمة للرجل (3) .
أما عن الحقوق المدنية للمرأة في الغرب، ففي إنجلترا بقيت النساء حتى عام 1850م غير معدودات من المواطنين، وظلت المرأة حتى عام 1882 م وليس لها حقوق شخصية، فلا يحق لها التملك، وإنما كانت المرأة ذائبة في أبيها وزوجها، وفي مجال الحقوق في الأكاديميات العلمية والجامعات العريقة سلبت حقوق الطالبات، ذلك أن جامعة أكسفورد لم تسوِّ بين الطالبات والطلاب في الحقوق، وعلى وجه الخصوص في مجال الأندية واتحاد الطلبة، وما تم ذلك إلا بقرار صدر في 26 يوليو 1964م (4) .
أما في النظام الإسلامي فقد كرمت المرأة أيما تكريم، وتجلت في صور متعددة من آيات الذكر، وفي أكثر من عشر سور أبانت تقرير مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام من حيث القيمة الإنسانية المشتركة والمساواة في الحقوق، كما صان عرض المرأة وشرفها وشرع عقوبات رادعة لمن يسيء إليها، وأكد على دورها الاجتماعي ومسؤوليتها تجاه الزوج والبيت والمجتمع (5) .
(1) انظر: الإسلام والأسرة، ص 22، مطبوعات المؤتمر العالمي لتطبيق الشريعة الإسلامية - الخرطوم، سنة 1984م.
(2)
انظر: الإسلام في قفص الاتهام: شوقي أبو خليل، ص 207.
(3)
انظر: نظام الأسرة في الإسلام، د. حسن بن سفر، ص 5، 6 - جدة، سنة 1420هـ.
(4)
انظر: حقوق الإنسان في الإسلام، د. علي عبد الواحد وافي، ص 60.
(5)
انظر: نظام الأسرة في الإسلام، ص 40.
هذه هي الصور المشرفة للمرأة في النظام الإسلامي مكتملة الشخصية مستوفاة الحقوق وأهل لأداء الواجبات، ولم يسلم لها بذلك إلا حديثًا على أيدي النهضات النسائية، وبعد الإسلام بما يزيد على عشرة قرون، وإن كان هناك من الأجيال من تنكر لها، واغتصب حقوقها، وحد من حريتها، واعترض نشاطها، وهذا بطبيعة الحال لم يكن من الدين في شيء، بل من جراء عدم فهم الخصوصية والتركيبة التكوينية للمرأة.
فمنذ فجر النهضة الأوروبية التي جمحت إلى الإفلات من القواعد والأصول والأعراف والتقاليد الاجتماعية وتمردت عليها، حاول المصلحون استدراك وضع المرأة وخروجها من النفق المظلم، وما لحق بها طوال سنون وقرون من إنكار لكيانها الإنساني وانتقاص لقيمتها، وانتهاك لحقوقها، كانت تأمل في الغد المشرق والأمل المبلسم لجرحها وانتهاك كرامتها وحقوقها، لكن مع ظهور الثورة الصناعية والحركة الآلية في أوروبا ودخولها في عالم المشاركة الوظيفية فاجأتها مشكلات، فهي مضطرة لضيق اليد والحيلة في الخروج مع الرجال والشباب إلى المدن وميادين العمل، وهناك تعرضت إلى مشاق الشغل، إضافة إلى زهادة الأجر، ومع ذلك ساومها الرجل على الأجر والمرتب الشهري، واستغل ذلك في قيامها بصرف ذلك على النفقات، ناهيك عن تعرضها للابتزاز الجنسي والمضايقة أثناء العمل، وترتب على هذا الإقدام الاضطراري انتشار البغاء وتضاعف عدد المومسات وفقدان العذرية، ولقد بلغ العدد التراكمي لحالات مرض نقص المناعة بناء على الإحصائية لمنظمة الصحة العالمية نحو (4.5) مليون حالة في مطلع 1995م، وفي إحصائية الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1979م ولد مليون طفل غير شرعي، ومليون حالة إجهاض، وارتفعت نسبة الطلاق إلى (40 %) من عدد الزيجات (1) .
وكما لا يخفى ما تعرضت له المرأة من معاملات قاسية وتشريد وقتل واغتصاب ورق وحمل قسري وإجهاض في القرن العشرين وذلك في بقاع كثيرة من العالم منها البوسنة والهرسك والشيشان.
(1) انظر: البحث القيم لشيخنا العلامة الدكتور محمد الحبيب ابن خوجة الموسوم (مجتمع الأسرة، مبادؤه وقيمه) ، والمقدم للأكاديمية المغربية سنة 2001م، ص 15.
ولمواجهة هذه الأفعال المشينة والمخزية دعا الساسة والمفكرون والإصلاحيون والمنظمات والهيئات النسائية ومنظمة الأمم المتحدة إلى رفع المظالم والأوجاع والجروح الواقعة على كاهل المرأة، وتحريرها من الأنظمة الظالمة المعتدية، والمطالبة بحقوقها المشروعة من حرية ومساواة وأمن وسلم وعدل، وحاولوا ويحاولون (1) .
كما انتقدت الأوساط العلمية والمؤسسات الأكاديمية وبعض الدول الإسلامية والمنظمات العالمية ما تمخض عنه من نتائج في مؤتمرات، كالإسكان الذي انعقد بالقاهرة، ومؤتمر بكين حول وضع المرأة، وكيف أن هذه المؤتمرات وللأسف الشديد لم تراع تركيبة المرأة وخصوصياتها، وفقدان الطابع الديني والخاصية الاجتماعية لمجتمعات المسلمين، وعدم الالتفات إلى عنصر الدين والجنس، ولهذا كانت النتائج والمقترحات والتوصيات لهذه المؤتمرات في واد وبحث الوضع الأساسي للمرأة في واد آخر، الأمر الذي حدا إلى تشتيت أجزاء القضية الأساسية إلى مشاكل ونوازل ومدلهمات زادت الطين بلة.
فالحمد لله، إن ما حققه الإسلام للمرأة وما رسخه لها من حقوق وما نادى به من المحافظة عليها واحترام كرامتها لم تحققها أي أمم سابقة ولا لاحقة ولا هيئات ولا منظمات ولا حكومات (2) .
(1) انظر: حقوق الإنسان والإشكالية الاجتماعية في الوطن العربي، فهيمة شرف الدين، ص 188، شؤون عربية، العدد (106) سنة 2001م.
(2)
انظر: حقوق النساء في الإسلام: محمد رشيد رضا، ص 74، 75؛ وحقوق الإسان بين الشريعة والقانون الدولي، ص 80.
خامسًا - الإسلام وحق الحياة:
الحياة للإنسان شيء ثمين لا يعادله شيء، لذا اعتبرت حقًّا أساسيًّا من حقوق الإنسان الذي أكرمه الله جل وعلا بخلافته في الأرض للتعمير والتدبر والتأمل في مخلوقات الله وبديع صنعه (1) ، ومن هنا جاء تحذير الإسلام من اقتراف الجرم من قتل الإنسان بغير حق شرعي (2) ، فأحاط حرمة حياته بسور وسياج من الزجر والتنفير والوعيد، ولقد ضجت الملائكة وخشيت من وقوع القتل في الأرض التي خلقها الله وخلق الإنسان عليها لعمارتها، ومن هنا فزعوا عندما علموا بأن خلق الله الإنسان وجعله خليفة له في الأرض فقال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] .
فجعلوا سفك الدماء معادلًا للفساد كله (3) . ثم بين الحق سبحانه وتعالى مثلًا لمن يقتل النفس وآخر لمن يتسبب في إحياء النفس فقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:32] .
وأوقع جل جلاله وتعالت عظمته وسلطانه أشد العقوبات على من يقتل مؤمنا متعمدًا (4)، فقال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93] .
وعليه فلا يجوز الاعتداء على حياة الناس إلا بسلطان الشريعة ولا تقتل إلا بالحق (5) . قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام:151] .
(1) انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للإمام البيضاوي: 2/147، مؤسسة شعبان - بيروت.
(2)
انظر: الجرائم في الفقه الإسلامي، أحمد فتحي بهنسي، ص 196 مكتبة الوعي العربي - القاهرة، سنة 1388هـ.
(3)
انظر: الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، للإمام الشيخ محمد أبو زهرة، ص 28، دار الفكر العربي سنة 1977م.
(4)
انظر: العقوبة في الفقه الإسلامي، د. رشدي عكاز، ص 68؛ العقوبة في التشريع الإسلامي، محفوظة فرج، ص 98، دار الاعتصام.
(5)
حماية الحياة الخاصة في الشريعة الإسلامية، محمد الدغمي، ص 44، دار السلام - حلب، سنة 1405هـ.
سادسًا - الإسلام وجريمة الانتحار:
حافظ الإسلام على الكليات الخمس، ومنها حفظ النفوس (1) ، واعتبر جريمة الاعتداء على النفس كجريمة الاعتداء على شخص آخر بالقتل (2)، فقد روى الإمام البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًّا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)) رواه الأربعة، فقد أفاد الحديث النبوي الشريف أن من ألقى بنفسه من شاهق أو أكل سمًّا أو قتل نفسه بسلاح أو غير ذلك فهذا مصيرها (3)، ويدخل النهي عن هذه الجرائم والإقدامات على قتل النفس في عموم قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:29] ، فالنهي عن قتل النفس يتناول قتل الإنسان نفسه وقد حملها عمرو بن العاص على ذلك، ولم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) .
ومن هنا فإن كيان الإنسان المادي والمعنوي وشخصيته الإسلامية محل حماية، حيث تحميه الشريعة الإسلامية في حياته وبعد مماته، ومن حقه الترفق والتكريم في التعامل مع جثمانه، لأن الموت له حرمته، كما سيتم تفصيله لاحقًا.
(1) انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، للعلامة سيدي محمد الطاهر بن عاشور، ص 8، الشركة التونسية، سنة 1978م.
(2)
انظر: حقوق الإنسان في الإسلام وأثرها في المجتمع، ص 34.
(3)
انظر: السياسة الجنائية في الشريعة الإسلامية، أحمد فتحي بهنسي، ص 269 - بيروت، دار الشروق، سنة 1403هـ.
(4)
انظر: التسهيل لعلوم التنزيل: 1 / 139.
سابعًا - الإسلام وحق الحرية:
تعتبر حرية الإنسان في النظام الإسلامي مقدسة ومحترمة ومصانة كحياته سواء بسواء، حيث دعا الإسلام إليها وقررها حقًّا ثابتًا للإنسان منذ ولادته، فرفع بذلك كرامته وأعلى قيمته (1)، وهي الصفة الطبيعية الأولى التي يولد الإنسان بها تأكيدًا للحديث النبوي الشريف الذي رواه الشيخان:((ما من مولود إلا يولد على الفطرة)) (2) ، وهي مستصحبة ومستمرة وليس لأحد أن يعتدي عليها، ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقيدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة وبالإجراءات التي تقرها (3) .
وإذا قارنا بين ما جاء في الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان حول هذا الحق وبين ما جاء في القرآن الكريم، نجد أن نصف الإعلان العالمي ل حقوق الإنسان يشير إلى الحرية تحت رؤوس موضوعات جزئية، مثل حرية التنقل وحرية التعبير وحرية الفكر، وحرية العقيدة وما إليها، ولكن القرآن لم يشر إلى هذه الحريات فحسب وإنما شملها ضمن مسائل أخرى في إعلان شامل ومتكامل، وهو لم يبح لكائن من كان أن يستعبد شخصًا آخر بأي صورة بسبب العنصر أو اللون أو الحسب أو النسب، امتثالًا لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] .
فالميزة الوحيدة في الإسلام هي ميزة التقوى، وقد أرسى الإسلام دعائم الحرية الشخصية بأن كفل لكل إنسان رجلًا أو امرأة حرية التصرف في أموره الخاصة شخصية أو مالية، وأكد أن لكل إنسان إرادة وشخصية مستقلة، بحيث يكون له حرية التملك والبيع والشراء والهبة والوصية والزواج، فيتصرف جميع التصرفات التي تحقق مصلحته الشخصية ومصلحة المجتمع، والحرية الشخصية في الإسلام هي من أقدس الحقوق، وتشمل إلى ما سبق الحرية السياسية والحرية الفكرية والحرية المدنية وغيرها، وكلها كفلها الإسلام وخطا بها خطوات لا تزال تعجز الحضارة الحديثة عن اللحاق بها (4) .
(1) انظر: الحريات العامة وحقوق الإنسان، محمد المجذوب، ص 15 - طرابلس، بيروت، سنة 1986م.
(2)
رواه الشيخان.
(3)
انظر: الحرية في الإسلام، للعلامة سيدي محمد الخضر حسين، ص 22.
(4)
انظر: الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام، عبد الحكيم العيلي، ص 177؛ مشكلة الحرية في الإسلام، جميل ميمنة، ص 18 - 19، دار الكتاب اللبناني - بيروت، سنة 1974م.
ثامنًا - الإسلام وحرمة الميت وتكريمه:
لقد من الله تبارك وتعالى على بني آدم وأكرمه إكرامًا كبيرًا وفضله على كثير من مخلوقاته وسخرها له نعمة وفضلًا فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] .
وشمل هذا التكريم بني آدم أحياء وأمواتًا كما قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 25 - 26]، وكما قال تعالى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] .
وقص علينا القرآن العظيم تطوع نفس قابيل بن آدم على قتل أخيه فقتله وارتبك بعد قتله لأخيه، ولم يعرف ماذا يفعل به (1) فأكرمه الله عز وجل لرؤية مواراة الغراب لدفن أخيه، وهو مظهر من مظاهر التكريم يأخذ الإنسان فيها العبرة والعظة، قال تعالى:{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 31] وهي تكريم للإنسان جعل الإسلام دفن الميت فريضة على الكفاية، لأن في تركه دون دفن هتكًا لحرمة الميت وتفريطًا بكرامة الإنسان وحقوقه، وقد تناول الفقهاء رحمهم الله أمر تكفينه وقبل ذلك غسله فجعلوا لمن يتولى هذا الأمر قيمًا سمي بمنصب غاسل الموتى، فقد جاء في كتاب نقد الطالب لزغل المناصب للإمام شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي 880 - 953هـ.
أن عليه "استيعاب البدن بالماء بعد أن يزيل ما عليه من النجاسة، ويستحب أن يغسل في موضع مستور لا يدخله سواه، وسوى من يعينه وولي الميت إن شاء، ويكره أن ينظر إلى شيء من بدنه إلا لحاجة، يضع قميصًا باليًا أو سخيفًا فيدخل يده من تحته ويغسله، وغسل الميت فيه بر وإكرام"(2) .
وكره التشهير بالميت لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سباب الموتى فقال صلى الله عليه وسلم: ((ساب الموتى كالمشرف على الهلكة)) (3)، وقال صلى الله عليه وسلم:((لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء)) (4)، وقال صلى الله عليه وسلم:((اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم)) (5) . أتوجد هذه التوجهات والنصوص والآداب المرعية في القانون العلمي ل حقوق الإنسان؟ إنها صور من تكريم الإنسان حيًّا وميتًا.
(1) انظر: التيسير في أحاديث التفسير، للعلامة سيدي محمد المكي الناصري: 2 / 48، دار الغرب، سنة 1405هـ.
(2)
نقد الطالب لزغل المناصب، ص 188، دار الفكر المعاصر - بيروت، سنة 1412هـ، مطبوعات مركز جمعة الماجد - دبي.
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر.
(4)
أخرجه الإمام أحمد والترمذي عن المغيرة.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن عن ابن عمر.
الأمر الثالث
التأصيل الشرعي ل حقوق الإنسان وحرياته في نظام الحكم
في المملكة العربية السعودية
قدمت المملكة العربية السعودية منذ نشأتها وتطورها نموذجاً رائعاً يحتذى به في مجال الحكم والتنظيم الإداري، إذ ارتبط نظام الحكم في الدولة السعودية بالشريعة الإسلامية قولاً وفعلاً وسلوكاً وتطبيقاً، حيث جعلت التقنين لجميع أنظمة الدولة ومؤسساتها قائمة على الشريعة الإسلامية، إذ تشكل الركيزة الأساسية للتشريعات والتنظيمات في المملكة، كما تعتبر المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المرجع الأساسي لجميع أنظمة الدولة السعودية.
يقول ولي أمر الدولة ورئيسها خادم الحرمين الشريفين أيده الله بنصره وتوفيقه: "إن نظام المملكة العربية السعودية السياسي يقوم على العقيدة الإسلامية التي ترسم القوانين والدساتير والقواعد، فالإسلام يضمن ممارسة الديمقراطية، وينقض الجمود، ويستبعد التقليد"(1) .
فامتزاج السلطة بالقاعدة الشرعية المستمدة من الشريعة الإسلامية هو مبدأ ثابت وأكيد منذ بداية تأسيس الدولة السعودية (2) ، واستمر ذلك عبر التاريخ ولا يزال يتواصل برؤية تتفق ومعطيات الحاضر والمستقبل ومتطلبات القرن الحادي والعشرين (3) .
(1) انظر: التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية، محمد عبد الجواد محمد، ص 44، منشأة المعارف الإسكندرية، سنة 1977م؛ عكاظ، العدد (9887) بتاريخ 11/3/1414هـ دراسات، ص 10.
(2)
انظر: الأحكام الدستورية للبلاد العربية، إعداد نخبة من رجال القانون، بإشراف نبيل الصائغ، ص 112، منشورات دار الجامعة - بيروت، سنة 1970م.
(3)
انظر: رسائل أئمة دعوة التوحيد، فيصل بن مشعل بن سعود، ص 132، مكتبة العبيكان سنة 1422هـ.
الاهتمام بالإنسان وحقوقه:
وعلى ضوء هذا العطاء المتميز القائم على النزعة الإنسانية والرحمة الربانية وتطبيق الأحكام الشرعية؛ فإن الاهتمام بالإنسان وحقوقه ورعايته يمثل الركيزة الأساسية للمنهج الذي سارت وتسير عليه المملكة العربية السعودية، وأكبر دليل على ذلك العطاء المتميز والمتمثل في صدور أنظمة الحكم والشورى والمناطق عام (1412هـ - 1992م)(1) .
وقد حملت هذه الأنظمة في طياتها حماية الإنسان ورعايته والحفاظ عليه، انطلاقاً من تكريم الشريعة الإسلامية له {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء:70] .
وبإلقاء نظرة استقرائية سريعة على النظام الأساسي للحكم الصادر بموجب الأمر الملكي الكريم ذي الرقم أ /90، والمؤرخ في 27/8/1412هـ نجد أنه قد انفرد باب خاص يوضح معالم وحقوق الإنسان وواجباته، وقد نصت المادة السادسة والعشرون فيه على حماية الدولة ل حقوق الإنسان بصفة عامة ورعايته والاهتمام به بصفة خاصة (2) .
(1) انظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الثالث عشر، السنة الرابعة سنة 1412هـ، ص 213.
(2)
انظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الثالث عشر، السنة الرابعة سنة 1412هـ،، ص 214.
الإشادة بحقوق الإنسان في المملكة والمنظمات الدولية:
وعملاً بما قامت به الدولة وقدمته في مجال حقوق الإنسان قولاً وفعلاً وتطبيقاً، انطلاقاً من تطبيقها لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن المنظمات الدولية المهتمة ب حقوق الإنسان أشادت وأثنت على تبني النظام السعودي الشريعة الإسلامية نهجاً يطبق في أمورها الدنيوية والدينية (1) ، وبالذات في مجال حقوق الإنسان، حيث أعلنت اللجنة الدولية ل حقوق الإنسان والمكونة من (53) دولة برفع ما يسمى (حالة حقوق الإنسان في السعودية) ، ووعدت بعدم طرح هذا الموضوع في الاجتماعات اللاحقة وذلك بعد استماعها للحقائق المقدمة، ومن خلال احترام السعودية لمواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة وخصوصية حقوق الإنسان المستمدة أساساً من الشريعة الإسلامية الغراء، فالحقوق في النظام الإسلامي ليست منحة، وإنما هي ذاتية يكتسبها الإنسان من إنسانيته، ولذلك فهي ملزمة بحكم مصدرها الإلهي، وإذا كان الإنجليز يعتزون كثيرًا بوثيقة (الماجنكارتا) والتي عبرها استقرت في المجتمع مفاهيم حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إلا أنهم يرونها مرحلة مهمة في عصر النهضة الأوروبية، وكان قد ظهر في بدايات القرن السابع عشر مذهب فلسفي سمي بالإنسانية الذي دعا إلى احترام الإنسان، غير أن الحدث الأبرز، والذي أحدث انقلاباً فكرياً في أوروبا هو عندما جاءت الثورة الفرنسية عام 1789م بإعلان حقوق الإنسان والمواطن، حيث نص الإعلان على سبع عشرة (2) مادة تضمنت مبادئ وقواعد استنبطت من أن الناس يولدون ويعيشون أحراراً متساوين في الحقوق، في حين سبق إلى هذا الإسلام وأوضحه أمير المؤمنين والخليفة الثاني سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه (40 ق. هـ - 23هـ) في مقولته الشهيرة:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ". كان ذلك قبل أربعة عشر قرناً (3) .
وهكذا يتضح أسبقية الشريعة الإسلامية إلى إقرار تلك الحقوق حيث ربطت حقوق الإنسان بالشريعة الإسلامية.
وبما أن النظام السياسي السعودي يستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية الراعية والمدافعة عن حقوق الإنسان، مما يؤكد سلامة المنهج التطبيقي لرعاية الإنسان وكفالة حقوقه التي تنسجم مع روح الشريعة وتتماشى مع الأنظمة المطبقة في المملكة العربية السعودية.
* * *
(1) انظر: حقوق الإنسان في السعودية مزاعم أم حقائق، زهير بن فهد، قضايا ودراسات، ص 7، الشرق الأوسط.
(2)
انظر: الحريات والحقوق العامة للإنسان، محمد المجذوب، ص 198 - طرابلس؛ حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، إبراهيم بدوي، ص 34؛ حقوق الإنسان في التاريخ وضماناتها الدولية، عز الدين فودة، ص 34 - القاهرة، المؤسسة المصرية سنة 1969م.
(3)
انظر: تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء، صبحي محمصاني، ص 97، دار العلم للملايين - بيروت، سنة 1982م؛ ابن عبد الحكم، فتوح مصر والمغرب، ص 225 - القاهرة، سنة 1961م.
الخاتمة
من خلال ما سبق عرضه في هذا البحث تبين لنا سبق الإسلام في ترسيخه لمفاهيم حقوق الإنسان وعمق أصالته ودقة شموله لرعاية الإنسان وتكريمه وسعة تفكيره في النظر إلى جميع ما يحتاجه الإنسان ويتطلع إليه كما يظهر لنا واضحاً وجلياً تمايز نظامه في مجال الحقوق ونظرته إليها عن كل ما عرفته النظم القديمة والمعاصرة مما يبرهن على عظمته ويدل على صدقه ويؤكد شموليته وعطفه عليه وذلك واضحاً فيما يلي:
أولاً: يقدم الإسلام منظوراً للحقوق تنطلق من تكريمه للإنسان واستخلافه له في الأرض.
ثانياً: ترتكز مفاهيم حقوق الإنسان في النظام الإسلامي على عقيدة الإنسان المسلم التي يعتقنها والتي تمنحها من خلال توجيهات وأخلاقيات الإسلام حقوقاً شمولية عامة، ولا تقارن ولا تشابه الحقوق الطبيعية، أو الوطنية، أو القومية الممارسة في الغرب.
ثالثاً: يقدم النظام الإسلامي في مجال حقوق الإنسان عطاء ومنحاً ومزايا تنسجم مع الفطرة الإنسانية ومتطلبات الإنسان في مراحله المختلفة.
رابعاً: يكفل الإسلام للإنسان في مجال الحقوق ما يحقق كرامته الإنسانية ويتلاءم مع ما جاء به هذا النظام العادل من عدالة، وإنصاف، وسماحة، ومساواة.
خامساً: الاعتراف مع العطاء بأن لهذا الإنسان المخلوق الضعيف حقوقاً وحريات كفلها لها النظام الإسلامي وفق الشريعة الإسلامية الغراء.
سادساً: اعتبر الإسلام المساواة حقاً من حقوق الإنسان وحارب التميز العنصري والممارسة العنصرية، انطلاقاً من النظرة إلى تكريم الإنسان وكرامته ولا فضل لعرق أو لجنس إلا بالعمل الصالح.
سابعاً: قامت دعوة الإسلام على أسس العدل والمساواة، إذ إن بعثته صلى الله عليه وسلم ودعوته عالمية لجميع الناس، فهو ليس رسولاً إقليمياً ولا عنصرياً، فقد بعث صلى الله عليه وسلم إلى الأحمر والأسود من الناس:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] .
ثامناً: إيماننا من تشريعنا الإسلامي وتعليمات شريعتنا السمحة الغراء، فإننا ندعو إلى مقاومة التميز العنصري ونشجبه وندعو إلى العدل والمساواة بين الشعوب والأفراد، وإعطائها حقوقها المغتصبة، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة، وتحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من دنس الصهاينة والغاصبين المحتلين.
تاسعاً: استنكار الممارسات العنصرية التي تدعو إليها خفية وعلانية الحكومات والمنظمات العنصرية في أنحاء العالم كالموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية (1) ، وإسرائيل، والشيشان، ومقدونيا، وجنوب أفريقيا.
عاشراً: قدم نظام الحكم في المملكة العربية السعودية نموذجاً رائعاً في مبدأ التطبيق العملي في مجال حقوق الإنسان القائم على الشريعة الإسلامية في تكريمها للإنسان ورعايته ومساواته، وقد ورد ذلك فيما نصت عليه المادة السادسة والعشرون في النظام الأساسي للحكم وفي باب خاص يوضح معالم وحقوق الإنسان وواجباته، وهو مبدأ يعتبر رائداً في هذا المجال من الدول الحديثة التي تطبق الشريعة الإسلامية، وتتضمن نظمها ودساتيرها على استمداد هذا الحق وتأصيله شرعياً.
(1) خسرت الولايات المتحدة الأمريكية مقعدها وأبعدت من المفوضية العامة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهو المقعد الذي ظلت تشغله منذ عام 1947م بسبب العمل الضعيف واستياء بعض الأطراف تجاه مواقف الولايات المتحدة إزاء العديد من قضايا حقوق الإنسان. انظر: الشرق الأوسط، العدد (8197) ، 14/2/1422هـ.
حادي عشر: المناداة إلى أن تحذو الدول الإسلامية الأخرى تطبيق الشريعة الإسلامية وتنفيذ الأحكام الشرعية التي تكفل كرامة وحقوق الإنسان، والمسارعة إلى ذلك التطبيق حتى تكون عقد المنظومة الإسلامية كاملة تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي.
ثاني عشر: على مجمع الفقه الإسلامي الدولي تبني إعداد وثيقة فقهية حقوقية يطلق عليها: (وثيقة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ل حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية) .
ثالث عشر: في ظل غياب لجان وقوانين ومحاكم مستقلة تسهر على احترام حقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي فإن من مقتضيات الضرورة الحث في مسارعة الخطى نحو إنشاء محاكم ولجان وهيئات في الدول الإسلامية مهمتها متابعة وتنفيذ ما نصت عليه تعاليم الشريعة الإسلامية في مجال حقوق الإنسان، والتنديد بمن يخالف ذلك، ويكون هذا تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي (محكمة العدل الإسلامية) .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم، والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الدكتور حسن بن محمد سفر.