الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استثمار موارد الأوقاف
(الأحباس)
إعداد
الشيخ خليل الميس
مفتي زحلة والبقاع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن الوقف ميزانية الإسلام حالا ومآلا، والحفاظ على عين الوقف في مقدمة الأولويات والضرورات، لأنه لا منفعة للوقف إلا ببقاء عينه، بلا لا يتصور منفعته، أو انتفاع الموقوف عليهم إلا ببقاء ذلك الوقف، لذلك كان أول ما ينبغي أن يفعله الناظر في غلة الوقف، البداءة بعمارة الوقف وإصلاحه وإن لم يشترطها الواقف. (1)
ثم إلى ما هو أقرب للعمارة وأعم لمصلحة كالإمام للمسجد والمدرس للمدرسة، فيصرف إليهم قدر كفايتهم. (2)
ولذلك أجمع أهل العلم على بطلان بيع عين الوقف، لأنه يعود على أصل الوقف بالإلغاء وهذا بالتالي باطل.
بل وإن احتاجت دار الوقف لعمارة ضرورية ولم يكن لها غلة تعمر بها يرفع الأمر إلى القاضي ليأمر بالاستدانة. (3)
(1) الإسعاف، ص 47.
(2)
الحاوي للقدسي.
(3)
رد المحتار، ص 580.
تحظى مسألة استغلال أموال الوقف وتنميته باهتمام بالغ من الفقهاء وعلى اختلاف مذاهبهم، وذلك تحقيقًا للقصد من مشروعية الوقف ألا وهو التصدق بالمنفعة.. واستمرار المنفعة يستلزم بقاء العين الموقوفة؛ لذلك قالوا: ويبدأ من غلته بعمارته، بل ولا يستدين القيم على الوقف إلا بأمر الحاكم، لأن ولاية الحاكم أعم في مصالح المسلمين
…
وعلل الفقهاء منع هذا التصرف بقولهم: "لأن الدين لا يجب ابتداء إلا في الذمة، وليس للوقف ذمة (1) ، وأما استبداله فكان الحظر أشد
…
ومع ذلك ضاعت آلاف عقارات الأوقاف حتى رأينا ابن نجيم يعلن النكير على عمليات الاستبدال من الفساد وما لا يعد ولا يحصى
…
فإن ظلمة القضاة جعلوه حيلة إلى إبطال أكثر أوقاف المسلمين وفعلوا ما فعلوا ". (2)
ويقصد بذلك الاستبدال بالدراهم إذا رأى القاضي مصلحة بذلك، وليس لغيره ذلك، وأما أصل الاستبدال فإن طبيعة الوقف لا تقبله حيث قال في (جامع الفتاوى) :" والأصح أنه لا يجوز استبدال الوقف ولا بيعه بعد صحته؛ لأنه لا يقبل الملك، كالحر لا يقبل الرق". (3)
هناك أساليب تعتبر تقليدية لاستثمار أموال الوقف الإسلامي
…
ولكن دخلها بعض التطور خاصة في عهد الخلافة العثمانية.. ومن خلال التطبيق العملي تبين في بعض صورها عدم تحقق الأنفعية للوقف، وهو المعيار بل والمسوغ لكل تصرف يجريه المتولي على عين الوقف
…
وعليه: فلا بد من استعراض أهم الصيغ التقليدية لاستثمار الوقف للوقف على ما هو جائز وما هو محظور في النهاية
…
والله ولي التوفيق.
* * *
(1) ابن نجيم، البحر: 5/ 227.
(2)
البحر: 5 / 224.
(3)
ابن نجيم، الفتاوى، ص 85.
فصل في الاستبدال
أطلق الفقهاء كلمة الاستبدال وأرادوا بها:
أ- بيع الموقوف عقاراً كان أو منقولاً بالنقد.
ب- وشراء عين بمال البدل لتكون موقوفة مكان العين التي بيعت.
ج - والمقايضة على عين الوقف بعين أخرى.
ثم أطلق الاستبدال فيما بعد على: شراء عين بمال البدل لتكون وقفاً بدلها.
وأطلق كلمة الإبدال على: بيع الموقوف بالنقد.
وأطلق التبادل أو البدل على المقايضة.
هذا: والاستبدال بهذا المعنى لا يشمل شراء مستغل بفاضل الريع ولا بمال البدل، ولا شراء عين الريع لتكون وقفاً طبق شرط الوقف.
وهنالك صور ثلاثة للاستبدال، قال ابن عابدين: "الاستبدال على ثلاثة وجوه:
الأول: أن يشترط الواقف لنفسه أو لغيره، أو لنفسه وغيره.
الثاني: ألا يشرطه، سواء شرط عدمه أو سكت لكن صار بحيث لا تنفع به بالكلية بأن لا يحصل منه شيئاً أصلاً، أو لا يفي بمؤنته.
الثالث: أن لا يشرط أيضاً ولكن فيه نفع بالجملة، وبدله خير منه ريعاً ونفعاً" (1) .
والذي يهمنا من هذه الصور هو الصورة الثانية والثالثة.
الصورة الثانية: وهي أن يسكت الواقف عن اشتراط الاستبدال، بأن يسكت عن ذكره، لكن صار الوقف بحيث لا ينتفع به بالكلية، أولا يفي بمؤنته.
قال ابن عابدين في حكم هذه الصورة: "الاستبدال جائز على الأصح إذا كان بإذن القاضي ورأيه لمصلحة فيه ". (2)
وقال قاضيخان في فتاويه: أما بدون الشرط، فقد أشار في السير أنه لا يملك في الاستبدال إلا القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك.
وفي قوله: إذا صار الوقف بحيث لا ينتفع به المساكين، فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره، وليس ذلك إلا للقاضي. (3)
ولكن جاء في الخلاصة: خلاف ذلك نقلا عن فتاوى النسفي قال: "بيع عقار المسجد لمصلحة المسجد لا يجوز وإن كان بأمر القاضي، وإن كان خرابا! ".
وجاء في وجه هذا القول: لأن سبيل الوقف أن يكون مؤبدا لا يباع، وإنما ثبت ولاية الاستبدال بالشرط، وبدون الشرط لا تثبت.
الصورة الثالثة: أن يسكت الواقف عن اشتراط الاستبدال، والوقف عامر إلا أن بدله أفضل منه.
(1) ابن عابدين: 3 / 535.
(2)
الحاشية: 3 / 353.
(3)
أنفع الوسائل، ص 113.
قال الكمال بن الهمام: والحاصل أن الاستبدال، إما عن شرط الاستبدال، أو لا عن شرطه، فإن كان لخروج الوقف عن انتفاع الموقوف عليهم به فينفي أن لا يختلف فيه، وإن كان لا لذلك، بل اتفق أنه أمكن أن يؤخذ بثمن الوقف ما هو خير منه - مع كونه منتفعا به - فينفي ألا يجوز.
وجه ذلك: أولا: لأن الواجب إبقاء الوقف على ما كان عليه دون زيادة أخرى.
ثانيا: ولأنه لا موجب لتجويزه الاستبدال، لأن الموجب في الأول: شرط، وفي الثاني: الضرورة، ولا ضرورة في هذا إذ لا تجب الزيادة في الوقف بل تبقيته كما كان
…
(1) .
مخالفة اشتراط الواقف عدم الاستبدال: للحنفية في هذه المسألة رأيان: (2)
الأول ما قاله هلال الرأي: قلت: أرأيت لو قال: صدقة موقوفة لله تعالى أبدا، ولم يشترط أن يبيعها، أله أن يبيعها ويستبدل بها ما هو خير منها؟
قال: لا يكون له ذلك، إلا أن يكون شرط الواقف البيع، وإلا فليس له أن يبيع.
قلت: ولم يجوز له ذلك وهو خير للوقف؟
قال: "لأن الوقف لا يطلب به التجارة ولا تطلب به الأرباح، وإنما سميت وقفا لأنها لا تباع
…
"
إلى أن قال: "لو جاز للقيم ببيع الوقف بغير شرط كان في أصله كان له أن يبيع ما استبدل بالوقف فيكون الوقف يباع في كل يوم، وليس هكذا الوقف ".
الرأي الثاني: أنه يجوز للقاضي الاستبدال إذا كان فيه مصلحة، وإن كان الواقف نص على عدمه، وهذا رأي أبي يوسف ومن وافقه من فقهاء الحنفية.. وبالجملة: هنالك شرط الواقف.. وهنالك مصلحة الوقف، فإذا عملنا برأي الواقف فوتنا المصلحة.. وإذا عملنا برأي الحاكم فقد عملنا بالمصلحة، وبقي شرط الواقف لا فائدة فيه ولا مصلحة للوقف غير مقبول (3)
…
وبهذا يمكن القول بصحة الاستبدال مع اشتراط الواقف عدمه موافقا لقواعد الفقه الحنفي وإن لم يرد به نص.. وقد عدها ابن عابدين ضمن المسائل التي لا يصلح فيها مخالفة شرط الواقف. (4)
(1) 4 / 425.
(2)
شرح فتح القدير: 6 / 228.
(3)
ص 95.
(4)
أنفع الوسائل، ص116
واستبدال الوقف باطل إلا في رواية عن أبي يوسف إذا كان به مصلحة للوقف، وإن كان الواقف نص على أن لا يستبدل به، وعلل جواز الاستبدال بالمصلحة وإذا اجتمع نص الواقف ورأي الحاكم فيرجع الأصلح وهو رأي الحاكم.. والمعتمد أنه يجوز للقاضي بشروط ثلاثة:
1 ـ أن يخرج عن الانتفاع بالكلية.
2 ـ ألا يكون هناك ريع للوقف يعمر به.
3 ـ ألا يكون البيع بغبن فاحش.
وأضاف الطرطوسي في (أنفع الوسائل) رابعا وهو:
4 ـ أن يكون المستبدل قاضي الجنة، المفسر بذي العلم والعمل لئلا يحصل التطرق إلى أوقاف المسلمين كما هو الغالب في زماننا (1) .
وأضاف ابن نجيم شرطا خامسا حيث قال:
5 ـ وينبغي أن يزاد شرطا آخر في زماننا وهو: أن يستبدل بعقار لا بالدارهم والدنانير
…
وقال: قد شاهدنا النظار يأكلونها، وقل أن يشتري بها بدل.
وشرط في القنية: مبادلة دار الوقف بدار أخرى إنما تجوز إذا كانت في محلة واحدة، أو تكون المحلة المملوكة خيرا من المحلة الموقوفة.
ولكن هلالا والخصاف وغالب وأصحاب الأوقاف صرحوا بجوازه في أي بلد شاء فوجب المصير إلى أن الشرط أن يكون أنفع من حيث القلة وداوم المنفعة لأنهما المقصودان للواقف (2) .
(1) جامع الفصولين: 1/184
(2)
جامع الفصولين: 1/184
قول متأخري فقهاء الحنفية:
وقال ابن نجيم في فتاويه نقلا عن شرح الوقاية: "إن أبا يوسف يجوز الاستبدال إلا في الوقف من غير شرط إذا ضعفت الأرض عن الريع، ونحن لا نفتي به! وقد شاهدنا في الاستبدال من الفساد ما لا يعد ولا يحصى، فإن ظلمة القضاة جعلوه حيلة إلى إبطال أوقاف المسلمين وفعلوا ما فعلوا ".
ونقل عن جامع الفتاوى قوله: " الأصح أنه لا يجوز استبدال الوقف ولا بيعه بعد صحته.. لأنه لا يقبل الملك كالحر لا يقبل الرق ".
وانتهى ابن نجيم إلى القول: "والذي أعتقده في مسألة الاستبدال ما أفتى به شمس الأئمة السرخسي من أنه لا يجوز استبداله أصلا، والله الموفق للصواب "(1) .
(1) رسائل ابن نجيم، ص 10.
مذهب المالكية:
منع المالكية استبدال العقار الموقوف منعا باتا إلا في حال الضرورة.
أولا ـ المساجد: أجمع فقهاء المالكية على عدم جواز بيعها مطلقا (1) .
وفي المالكي نقلا عن ابن عبدوس: "لا خلاف في المساجد أنها لا تباع "(2) .
أما ما سوى المساجد: كذلك من المبدأ أنه لا يجوز بيعه
…
قال الحردلي في شرح الرسالة: وأما العقار القائم بنفسه غير المساجد إذا كانت منفعته قائمة
…
فالإجماع أنه لا يجوز بيعه (3) .
ولكن لتوسعة الطريق أو كان للمصلحة العامة فيجوز.
قال الخرشي: "إذا ضاق المسجد بأهله واحتاج إلى توسعة وبجانبه عقار حبس أو ملك
…
فإنه يجوز بيع الحبس لأجل توسعة المسجد
…
ومثل توسعة المسجد توسعة طريق المسلمين ومقبرتهم " (4) .
وقال سحنون: "لم يجز أصحابنا بيع الحبس إلا دارا جوار مسجد ليوسع بها ويشترون بثمنها دارا مثلها تكون حسبا
…
، فقد أدخل في مسجده صلى الله عليه وسلم دورا كانت محبسه " (5) .
أما إذا كان العقار منقطع المنفعة: ففي المسألة تفصيل على حالات:
الحالة الأولى: أن يكون العقار منقطع المنفعة ـ ولكن يرجى أن تعود منفعته ـ ولا ضرر في بقائه فلا يجوز بيعه باتفاق.
الحالة الثانية: أن يكون العقار منقطع المنفعة ـ ولكن يرجى أن تعود منفعته أو أن في بقائه ضررا على الوقف ـ فللمالكية في ذلك قولان:
القول الأول: عدم جواز الاستبدال
…
قال مالك: "لا يباع العقار المحبس لو خرب، وبقاء أحباس داثرة دليل على ذلك "(6) .
والقول الثاني: فرق بين العقار منقطع المنفعة والذ يرجى عودها، وإذا كان في المدينة أو خارجها:
أـ فإن كان في المدينة فإنهم لا يجيزون بيعه ولا استبداله.
ب ـ أما إذا كان العقار خارج المدينة فمن المالكية من أجاز بيعه ويجعل الثمن في مثله (7) .
إلا أن جمهور المالكية على المنع سدا للذريعة المفضية إلى بيع الأحباس أكل ثمنها (8) ومما تقدم تبين لنا: أن المالكية أجازوا الاستبدال في العقار للضرورة العامة
…
(1) ابن جزي، القوانين الفقهية، ص 371.
(2)
رسالة الحطاب، ص 2.
(3)
شرح الرسالة، ص 10.
(4)
الحاشية على الشرح الكبير: 4 / 92.
(5)
رسالة الحطاب، ص 9.
(6)
شرح الخرشي: 7/95.
(7)
رسالة الحطاب، ص 5.
(8)
رسالة الحطاب، ص 6.
مذهب الشافعية:
تشدد الشافعية في أمر استبدال العين الموقوفة حتى أوشكوا أن يمنعوه مطلقا للحؤول دون ضياع الوقف أو التفريط فيه
…
قال الشيرازي: وإن وقف مسجدا فخرب المكان وانقطعت الصلاة فيه لم يعد إلى المالك، ولم يجز له التصرف فيه، لأن ما زال الملك فيه لحق الله تعالى لا يعود إلى الملك بالاختلال (1) .
وقال الماوردي: فإذا خربت محلة المسجد لم يبطل وقف المسجد ولم يجز بيعه (2) .
ولا يخفى ما في مذهب الشافعية من تشدد في الاستبدال هو أشد مما ذهب إليه المالكية
…
وهذا منسجم مع منهجهم الفقهي المتسم بالتحفظ والورع.
وقال الكبيسي معقبا على كل ذلك بقوله: والذي أراه: أن هذا الإفراط في التشديد قد يجر إلى بقاء الكثير من دور الأوقاف خربة لا ينتفع بها أحد، وإلى بقاء بعض الأراضي غامرة ميتة لا تنبت زرعا ولا تمد أحدا بغذاء وفي هذا من الإضرار ما فيه وهو يصطدم مع مصلحة المستحقين في الارتزاق، كما يصطدم مع مصلحة الأمة في العمارة والنماء (3) .
(1) المهذب، ص 445.
(2)
ج 7.
(3)
الكبيسي، أحكام الوقف: 2/ 432.
مذهب الحنابلة:
إن الحنابلة قد تحللوا من قيود التشديد قليلا وتساهلوا في بيع الأحباس لتحل أخرى محلها، وبذلك ساروا في طريق الاستبدال خطوة أوسع من المالكية والشافعية
…
قال ابن قدامة: إن الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه؛ كدار انهدمت أو أرض خربت وعادت مواتا ولم يمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه ولم يمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه – جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه ببيع جميعه. (1)
هذا، وقيد الحنابلة البيع والاستبدال بالضرورة والمصلحة. (2)
وقال ابن قدامة: وإن لم تتعطل مصلحة الوقف بالكلية لكن قلت، وكان غيره أنفع منه وأكثر ردا على أهل الوقف، لم يجز بيعه؛ لأن الأصل تحريم البيع
…
وإنما أبيح للضرورة صيانة لمقصود الوقف عن الضياع مع إمكان تحصيله ومع الانتفاع، وإن قل ما يضيع المقصود
…
اللهم إلا أن يبلغ في قلة النفع إلى حد لا يعد نفعا، فيكون ذلك كالعدم. (3)
والجهة التي يناط بها البيع بشروطه هي الحاكم، قال ابن النجار: ويبيعه الحاكم إن كان على سبيل الخيرات، وإلا فناظره الخاص، والأحوط: إذن الحاكم له. (4)
(1) المغني مع الشرح الكبير: 6 / 225.
(2)
الاختيارات العلمية، ص107.
(3)
المغني مع الشرح الكبير: 6 / 227.
(4)
منتهى الإرادات: 2/20.
وقسم الشيعة الإمامية الوقف إلى نوعين:
نوع عام: وهو ما أريد منه انتفاع كل الناس، كالمدارس والمساجد، وهذه لا يجوز بيعها، ولا استبدالها، حتى ولو خربت، وأوشكت على الهلاك.
ووقف خاص: هو ما كان ملكا للموقوف عليهم كالوقف الذري، وهذا لا يجوز بيعه، إذا وجدت الأسباب الموجبة لذلك. (1)
وقد يكون الاستبدال أحيانا في مصلحة الوقف، بحصول ظروف تجعل من الممكن زيادة منافع الوقف بسبب تاريخي، أو تدخل عامل خارجي، كبيع مدرسة أثرية بمبالغ كبيرة وشراء مدرسة أكبر منها تتسع لأعداد أكثر من التلاميذ وتؤدي نفس الغرض، أو بيع أراضي كانت زراعية ثم تحضرت، وشراء غيرها، ومثلها بيع المخطوطات، وشراء أعداد كبيرة من الكتب بها، والاحتفاظ بصور عنها. (2)
وفي الجملة، فالاستبدال لم يزد في القيمة الرأسمالية للوقف، وإنما التغير في الاستعمال الجديد لمال الوقف هو الذي زاد في تلك القيمة.
(1) الفقه على المذاهب الخمسة، محمد جواد، ص621 -622؛ الخولي أبو القاسم الموسوي: 26/3 -27.
(2)
الوقف الإسلامي، ص 245.
ومن طرق الاستبدال: (1)
1-
بيع جزء من الوقف لتعمير جزء آخر من هذا الوقف ذاته.
2 -
بيع وقف لتعمير وقف آخر، يتحد معه في جهة الانتفاع.
3 -
بيع بعض الأملاك الوقفية، وشراء أو إنشاء عقار جديد، يوقف لصالح الجهات التي كانت قد وقفت عليها الأملاك المباعة.
4 -
بيع عدد من الأملاك الوقفية، وشراء أو إنشاء عقار جديد ذي غلة غالية، يوزع على الأوقاف المباعة بنسبة قيمة كل منها، أو يخصص جزء من العقار الجديد لكل وقف من الأوقاف المباعة يتناسب مع قيمته.
وكل ذلك إذا توافر شرطان:
1-
عدم وجود بديل آخر.
2-
إمكانية الاستعانة بتمويل الغير، ولكن بشروط غير مجزية لا ترضى بها إدارة الأوقاف.
* * *
(1) إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف، ص 4450.
مسألة أموال البدل
مال البدل: المراد بها ما استحق لجهة الوقف عوضاً عن عين موقوفة أو جزء منها، أو هو في حكم الجزء ولم يرد استبقاؤه ليكون موقوفاً بدلاً منها، ثمناً كان أو قيمة لما انتزع جبراً، أو تعويضاً عما أتلف منه، حالاً كان ذلك أو ديناً في الذمة، أو بعرض من العروض.
- أما إذا بيعت بعقار فلم يجز العرف تسمية ذلك مال بدل.
- ومنه قيمة ما ينتزع جبراً للمنافع العامة ولم يجز بشأن تعاقد.
- ومنه ثمن ما يباع من نقص البناء الذي ورد عليه الوقف، أو صار موقوفاً كأن اشترى لجهة الوقف
…
فالحكم الفقهي يقضي باعتباره وقفاً
…
وكذلك ما يقابل حقوق الارتفاق
…
فإن الحقوق المجردة والجودة والسلامة وأشباهها، وإن كانت أوصافاً أو في أحكام الأوصاف وليست أعياناً حقيقة؛ لها حكم الأعيان في باب المفاوضات.
- ومن هذا القبيل: التأمينات التي يودعها راغبوا الشراء إذا عدلوا عنه بدون عذر وترتب على مسلكهم انخفاض قيمة العين عما كان يمكن أن تباع به لولا هذا المسلك.
وجاء في الخانية: إن أرض الوقف إذا بيعت يكون ثمنها قائماً مقامها في الحكم (1) .
وليس من مال البدل: ما جمع من ريع الوقف، ولا ثمن المستغل الذي اشتري بفاضل الريع، لأن الصحيح من مذهب أبي حنيفة أنه ليس موقوفاً وإن كان ملكاً لجهة الوقف (2) .
ولا ثمن الماشية والآلات التي اشتريت من الريع للحاجة إلى الاستغلال، فجميع هذه الأموال لا يطبق عليها الأحكام الخاصة بأموال البدل (3) .
* * *
(1) الخانية: 3/305.
(2)
أنفع المسائل، ص 228.
(3)
السنهوري، قانون الوقف: 1/239.
فصل في الاستدانة على الوقف
تفسير الاستدانة: أن يشترى للوقف شيء وليس في يده شيء من غلة الوقف ليرجع بذلك فيما يحدث من غلة الوقف.
أما إذا كان في يديه شيء من غلات الوقف واشترى له شيئاً ونقد الثمن من مال نفسه، ينبغي أن يرجع بذلك في الغلة وإن لم يكن ذلك بأمر القاضي.
وخلاصة القول: إن الاستدانة ألا يكون للوقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة.
هذا؛ والاستدانة متوقفة على إذن القاضي.. ونحصره في الاستقراض وفي الشراء بالنسيئة، إذا لم يكن للوقف ولي واحتاج إلى ما لا بد منه (1) .
التكييف الفقهي للاستدانة على الوقف: وليس معنى الاستدانة على الوقف أن يكون الدين متعلقاً برقبة العين الموقوفة كما يتعلق دين الرهن بالمرهون، والثمن بالمبيع
…
- وإنما معنى الاستدانة على الوقف: أن تكون جهة الوقف مطالبة بأداء هذا الدين من غلة الوقف فحسب، أما رقبة الوقف فلا تعلق له بها.
الوجه في ذلك: أن ما يستدان للوقف ليس واجباً في الرقبة بل واجب في الغلة، فيتعلق الدين الذي استدانه القيم ومن أجل الوقف وبمحمل وجوبه وهو الغلة، ولا يتعلق بغيره وهو الرقبة
…
وقال الناطفي: إن القاضي لا يملك الاستدانة على الموقوف (2) .
ومتى يجوز الاستدانة على الوقف؟
قال الزاهدي: وللقيم الاستدانة على الوقف لضرورة العمارة لا لتقسيم ذلك على الموقوف عليهم.
وفي القنية: الاستدانة لضرورة مصالح الوقف تجوز لو أمر الواقف، وإلا فالمختار أن يرجع القاضي ليأمر بها.
وما هي الضرورة؟
ذكر في الحاوي: يجوز للمتولي إذا احتاج الوقف إلى العمارة أن يستدين على الوقف ويصرف ذلك فيها، والأولى أن يكون بإذن الحاكم (3) .
هذا؛ والمعتمد في المذهب: إن كان له منه بد لا يستدين مطلقاً. وإن كان لابد له: فإن كان برأي القاضي جاز، وإلا فلا.
والعمارة لا بد لها فيستدين بأمر القاضي.
وأما غير العمارة: فإن كان للصرف على المستحقين لا تجوز الاستدانة ولو بإذن القاضي، لأن له منه بدًّا.
هذا والاستدانة أعم من القرض والشراء بالنسيئة. والوقف لا ذمة له، والاستدانة من القيم للوقف لا تثبت الدين في الوقف إذ لا ذمة له، ولا يثبت الدين إلا على القيم ويرجع به إلى الوقف (4) .
(1) ابن نجيم: 5 / 227.
(2)
الخانية: 3 / 298؛ أنفع الوسائل، ص 106؛ وجامع الفصولين: 2/ 221.
(3)
ابن نجيم، البحر: 5 / 228.
(4)
الفتاوى الهندية: 2 / 506.
الاستدانة على الوقف (1) :
واعلم أنه إذا لم يكن في يد القيم ما يعمر به الوقف أي ليبقى على الصفة التي وقفها الواقف دون زيادة في الأصح
…
أو كانت أرضاً سبخة؛ له أن يبدأ بإصلاحها.
- وفي ذلك كله لا يستدين إلا بأمر القاضي.
والاستدانة على الوقف إن لم يكن بد منه فلا بد من إذن القاضي، ولا بد من كونه بأمر القاضي فيما لا بد منه.. وليستدين القيم بنفسه فيما فيه ضرورة كخشية الانهدام وأكل الجراد الزرع، ويحتاج لنفقته ليجمعه، ومطالبة السلطان بالخراج، والقياس يترك بالضرورة.
* * * *
(1) مجمع الأنهر: 2 / 584.
فصل الحكر
تعريف الحكر:
الحكر أو الاحتكار: هو عقد إجارة يقصد بها استيفاء الأرض الموقوفة المقررة للبناء أو للغرس أو لأحدهما.
صورة المسألة:
أ - في البناء: إذا خربت دار الوقف وتعطل الانتفاع بها بالكلية - ولم يكن للوقف ريع تعمر به، ولم يوجد أحد يرغب باستئجارها مدة مستقبلية بأجرة معجلة تصرف في تعميرها ولم يمكن استبدالها - جاز تحكيرها بأجر المثل (1) .
ب- في أرض الوقف: وكذلك الأرض الموقوفة إذا ضعفت عن الغلة وتعطل انتفاع الموقوف عليهم بالكلية - ولم يوجد من يرغب باستئجارها لإصلاحها أو من يأخذها مزارعة - جاز تحكيرها (2) .
وجاء في حكم هذا البناء والغراس: أنه ملك خالص للمحتكر فيصح بيعه للشريك وغيره وهبته، بل ووقفه ويورث عنه، ويلزم بأجرة مثل الأرض مادام أسس بناءه قائم فيها، ولا يكلف المحتكر برفع بنائه ولا بقلع غراسه ما دام يدفع أجرة المثل المقررة على مساحة الأرض المحتكرة (3) .
وحق الحكر هذا قابل للبيع والشراء وينتقل إلى ورثة المحتكر.
تقييم هذا العقد من الناحية الاقتصادية: إذا تأملنا هذا العقد نجد أن الأوقاف أخذت بموجبه مبلغاً كبيراً نسبيًّا من المال يساوي تقريباً قيمة الأرض، وهذا المبلغ يؤخذ مقدماً، لكن لقاء ذلك باعت الأوقاف حق الانتفاع من الأرض عمليا إلى هذا المستحكر لفترة طويلة جدًّا في المستقبل، أما الأجرة المستحقة لمدة الحكر فهي ضئيلة جدًّا ورمزية
…
والسؤال المطروح: ما الباعث على هذا العقد؟ المبرر لهذا العقد حاجة الوقف إلى مبالغ كبيرة للاستثمار إما في قسم آخر من أرض الوقف، أو إنشاء مشروع على أرض أخرى..
وعليه: إن طريقة تحكير عقارات الوقف ينبغي أن تعتبر أيضاً طريقة استثنائية لا يصح اللجوء إليها إلا في حالات الضائقة المالية الشديدة التي تقتضي الحصول على سيولة لتمويل مشاريع اقتصادية للوقف ولم يتوافر أي طريقة أخرى.
* * *
(1) رد المحتار: 5 / 27.
(2)
رد المحتار: 5 / 27.
(3)
تنقيح الحامدية والدر المختار ورد المحتار، ص 541.
فصل في المزارعة في أرض الوقف
ومن أوجه استثمار أرض الوقف: المزارعة، وجاء في صورها الآتي:
1-
تصح المزارعة في أرض الوقف بحصة من المحصول الخارج من الزراعة بشرط بيان مدة المزارعة ومقدار الحصة.. ومراعاة سائر شروط المزارعة (1) .
2-
الصورة الثانية: تصح الإجارة بأجر المثل أو دفعها مزارعة بالحصة.
3-
وفي بيان مدة المزارعة قالوا: إذا دفع القيم الأرض مزارعة سنين فهو جائز، إذا كان أنفع وأصلح في حق الفقراء، فيجوز المزارعة سنين معلومة من غير تغير بثلاث سنين (2) .
إجارة الوقف:
إن من أوجه استثمار الوقف هو الإجارة، ويراعى شرط الواقف فيها، لذلك فإذا عين الواقف مدة الإجارة اتبع شرطه إلا إذا كانت إجارتها أكثر من تلك المدة أنفع للوقف وأهله يرفع المتولي الأمر إلى القاضي ليؤجرها المدة التي يراها أصلح للوقف (3) . هذا من حيث المبدأ
…
أما من حيث المدة فشرط الفقهاء أن تؤجر الدار والحانوت سنة، والأرض ثلاث سنين، إلا إذا كانت المصلحة تقتضي الزيادة في إجارة الدار والحانوت (4) فإنه يعقد عقوداً مترادفة كل عقد على كل سنة فيكتب في الصك: استأجر فلان ضيعة كذا أو أرض كذا أو دار كذا ثلاثين سنة بثلاثين عقداً كل سنة بكذا من غير أن يكون بعضها شرطاً لبعض (5) . فيكون العقد الأول لازماً لأنه منجز والثاني غير لازم لأنه مضاف (6) .
* * *
(1) الإسعاف، ص 58؛ والخانية.
(2)
الهندية، ص 333.
(3)
رد المحتار، ص 548.
(4)
رد المحتار، ص 549.
(5)
الحاوي للقدسي، ص 209.
(6)
الإسعاف، ص 64.
فصل عقد الإجارتين
جاء في المقدمة: إن جميع الأوقاف كانت في العصور السالفة تجري إدارتها طبق ما تقضي به أحكام الفقه فقط، إلى أن كان ما بعد سنة 1020هـ وضع قانون باسم (الإجارتين) تحرى واضعوه أن يكون موافقاً للقواعد الشرعية على قدر استطاعتهم.
وجاء في هامش، ص 125 - 126 ما نصه (1) :
الباب السادس في المسقفات والمستغلات الموقوفة ذات الإجارتين
زمن حدوث معاملة الإجارتين وأسباب ظهورها:
المسقفات والمستغلات القديمة الجاري بها التصرف الآن على طريق الإجارتين في استانبول والبلاد الثلاث وبعض البلدان الكبيرة من الأناضول والرومللي، كانت ومن ثلاثة قرون سنة 285 يؤجرها المتولون عليها بإجارة واحدة، ويصرفون أجرتها على الوقف، ويدفعون منها جميع نفقات ترميم ما خرب منها، وتجديد ما تهدم أو ما احترق، ثم كثرت الحرائق في استانبول والبلاد الثلاث، فاحترق أكثر الأوقاف المذكورة المرة بعد المرة عجزت غلاتها عن تجديدها ولم يوجد لها راغب يستأجرها واحدة بأجرة ويعمرها من أجرتها، فافتقر كثير من المؤسسات الخيرية وصعب القيام بأمورها وزال بها البلاد
…
فاهتمت الدولة في هذه الحالة واضطرت للبحث عن طريق تتكفل بقاء المؤسسات الخيرية واستمرار نظامها، وتجديد خرابات المستغلات المذكورة وتعمير البلدة.. فرأت الدولة أن ذلك لا يتأتى أن يتم لها إلا بجعل التصرف بتلك الأوقاف على طريق الإجارتين، فوضعت هذه الطريقة وقررت لها أحكام وضوابط مستندة في ذلك كله على مفهوم القاعدتين الفقهيتين وهما:
تنزل الحاجة منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، والضرورات تبيح المحظورات، فجوزت الإجارة الطويلة في الأوقاف خلافاً للقياس لمسيس الحاجة، وسومح المستأجرون لتلك الأوقاف بكثير من المنافع والفوائد.. ترغيباً وتشويقاً لهم على تعمير المسقفات.
(1) إتحاف الأخلاف في أحكام الأوقاف، لعمر حلمي أفندي، رئيس محكمة تمييز الحقوق، رئيس مسودي جمعية مجلة الأحكام.
وهاك بيان حقيقة معاملة الإجارتين بحسب وضعها الأصلي، فنقول وبالله التوفيق:
إذا خرب مكان من المسقفات الموقوفة وتحقق شرعاً عدم وجود غلة بالوقف بعمارته ولم يظهر له راغب يستأجره بإجارة واحدة يعمره من أجرته، وتبين أن إيجاره بالإجارتين أنفع لجهة الوقف، فيصدر الإذن الشرعي بتحويله إلى الإجارتين، ثم يؤخذ من طالب استئجاره نقداً في الحال يقرب قدره من قيمة المكان المؤجر باسم إجارة معجلة، ويرتب عليه مبلغ آخر كل سنة باسم إجارة مؤجلة.
فيصرف المتولي المبلغ الأول على تعمير المكان المؤجر، ثم يسلمه للمستأجر بالإجارتين، على أن يتصرف به بحسب الأحكام المقررة.
فإذا لم يعش المستأجر غير مدة قليلة ومات بلا ولد قبل أن يستوفي المبلغ المعجل؛ فورثته يستردون من جهة الوقف القدر الذي لم يستوف من المبلغ المذكور.. على أن طريقة تخصيص المبلغ السنوي باسم المؤجلة مبنية على غرضين مشروعين:
أحدهما: إعلام الناس وإطلاعهم بأخذ الأجرة من المستأجر آخر كل سنة.
وإعلامهم أيضاً بأن المأجور هو حق الوقف، وبذلك لا يبقى للمتصرف بالإجارتين مجال أن يدعي بسبب مرور الزمن بأن المكان الذي يتصرف به هو ملكه.
ثانيهماً: دفع المستأجر للمتولي في ختام كل سنة الأجرة المؤجلة وتجديد عقد الإجارة بينهما.
- هذا هو المخلص الذي لا يوجد في الإمكان غيره إلا الإجارة الطويلة التي لا يجوزها أئمة الحنفية في الوقف
…
وحفظاً لهذين الأصلين تقرر في الإجارتين بأن المستأجر إذا امتنع عن دفع الإجارة المؤجلة مدة طويلة، فللمتولي أن يفسخ الإجارة
…
هذا وبعد إحداث طريقة الإجارتين وقف بعض الناس مسقفات ومستغلات، وشرط بعضهم في وقفيتها إيجارها على طريقة الإجارتين.
ومنهم لم يرغب هذه الطريقة فنص في وقفيته بأن تؤجر مسقفاته ومستغلاته على طريق الإيجارة الواحدة احترازا من طريق الإجارتين.
فتبين مما قدمناه أن طريقة الإجارتين التي جوزت في وقتها هي عبارة عن معاملة لم يركن إليها إلا للضرورة مقيدة بنوع من الشرط.
وجاء في سبب وقف العمل بهذا العقد: ومعلوم أن أنفع قانون وقاعدة إذا استعملا على غير استقامة فإنه يحصل منهما أشد النتائج ضرراً، كما هو مستفاد من التجربة.. ثم توالت الأزمان وصار بعض الناس يستعملها على غير استقامة فحصل منها نتائج قبيحة مضرة.
ومن ذلك: إن مسقفات معمرة كالخان والحمام المبنيين بالحجارة حولت إلى الإجارتين طلباً لمنافع متوليها وأصحاب السطوة.. مع أنها حين التحويل كانت باقية على ما بناها عليه الواقف، الأمر الذي يخالف القاعدة الفقهية وهي:(تقدر الضرورات بقدرها)، والقاعدة الأخرى وهي:(ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه)(1) .
* * *
(1) عمر حلمي أفندي، الإتحاف، ص 121.
لماذا استحدث نظام عقد الإجارتين لعقار الوقف؟
فإن عقد الإجارتين هو في الحقيقة عقد إجارة مديدة بإذن القاضي، على عقار الوقف المتوهن الذي يعجز الوقف عن إعادته إلى حالته العادية التي كان عليها من العمران، ويكون ذلك: بأجرة معجلة تقارب قيمته تؤخذ لتعميره.. وأجرة مؤجلة ضئيلة سنوية يتجدد العقد عليها وتدفع كل سنة
…
وبهذه المناسبة يطرح التساؤل: لماذا إجارتين وليس إجارة واحدة؟
الجواب: يعتبر هذا العقد مخرجاً من عدم جواز بيع الوقف، هذا من وجه.
ومن وجه آخر: لا يجوز إجارة الوقف إجارة طويلة خوفاً من ظن المستأجر لطول المدة مالكاً
…
ومن هنا سميت بالإجارتين.
والسؤال المطروح ثانياً: ما الفرق بين هذين العقدين والحكر؟
الجواب: إن البناء والشجر في الحكر ملك للمستحكر لأنهما أنشئا بماله الخاص بعد أن دفع إلى جانب الوقف ما يقارب قيمة الأرض المحتكرة باسم أجرة معجلة.
- أما في عقد الإجارتين فإن كلًّا من البناء والأرض ملك للوقف لأن عقدها إنما يرد على عقار مبني متوهن يجدد تعميره بالأجرة المعجلة نفسها التي استحقها الوقف (1) .
* * *
فصل في الكدك
جاء في تعريف الكدك: ما هو ثابت بالحوانيت ومتصل بها اتصال قرار، ولا ينقل ولا يحول، كالبناء يبنيه المستأجر من ماله لنفسه بإذن المتولي، ويطلق على ما يضعه المستأجر في الحوانيت من الآلات الصناعية والعطارة ونحوها، مما هو مال للحانوت لا على وجه القرار.
- والأول يسمى سكنى في الحوانيت.
- وكرداراً في الأرض الزراعية.
- والكدك المبني أو المركب تركيباً على وجه القرار (2) .
واستحدث هذا في العقد الثاني عشر للهجرة، ولكن هذه الصيغة كانت سبباً في ضياع ما لا يحصى من حقوق الأوقاف القديمة ومنافعها.
على أن الأشنع من هذين الأمرين (الكدك والكردار) سواء استعمال ظهر جديداً سنة 1300هـ في المسقفات والمستغلات ذات الإجارتين الموقوفة في وقتها وقفاً صحيحاً على مؤسسات إسلامية.. فإنها منذ زمن بعيد أصبحت تضاف إلى مؤسسات غير إسلامية بتأويلات باطلة (3) .
* * *
(1) الزرقاء، نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي، ص 48 - 49.
(2)
تنقيح الفتاوى الحامدية: 4 / 440.
(3)
عمر حلمي أفندي، الإتحاف، ص 131.
فصل في الكردار
والكردار: هو أن يحدث المزارع في الأرض بناء أو غراساً أو كبساً بالتراب.
وفي البزازية: وقف الكردار بدون الأرض لا يجوز كوقف البناء في أرض.
والحاصل: أن مستأجر أرض الوقف إذا بنى فيها ثم زادت أجرة المثل زيادة فاحشة؛ فإما أن تكون الزيادة بسبب العمارة والبناء، أو سبب زيادة أجرة الأرض في نفسها:
ففي الأول: لا تلزمه الزيادة لأنها أجرة عمارته وبنائه، وهذا إذا كانت العمارة ملكه.
أما لو كانت العمارة للوقف، كما لو بنى بأمر الناظر ليرجع على الوقف تلزمه الزيادة، ولهذا قيده بالمحتكرة.
وفي الثاني: تلزمه الزيادة أيضاً.
وبالجملة: إن المعيار الوحيد لصحة التصرفات والعقود التي تجري على الوقف
…
إنما هي تحقق الأنفعية.. ليس هنالك عقد ثابت ودائم، بل هناك منفعة دائمة، فحيث تحقق المنفعة فثمة مشروعية التصرف.
وهنالك ملاحظة تتحصل مما ذكره ابن نجيم الحنفي سواء في كتابه (البحر) أو في رسائله حول الوقف، وهي حيث أشار إلى أن يتولى القاضي بدلاً عن القيم شؤون الوقف وخاصة في الاستبدال، ثم سرعان ما رفع الصوت عالياً في وجه القضاء، ورفع الأمر إلى الحاكم في هذا الشأن صيانة لأموال الأوقاف، عقارات كانت أو منقولات
…
لذلك فالمصلحة تقضي أن يكون استبدال الوقف أقرب إلى الحظر منه إلى الإباحة، مهما كانت الشروط التي وضعها الفقهاء، لأنه بالتجربة رأينا أوقافاً كثيرة ضاعت ولا تزال عبر الاستبدال، ولا يخفى ما في ذلك من مناقضة لأصل مشروعية الوقف
…
* * *
الأساليب المعاصرة لاستثمار أموال القف
من نافلة القول بأن الغاية من الوقف إيصال المنفعة إلى الجهات الموقوف عليها وعلى وجه الدوام والاستمرار، ولاشك أنه كلما زاد الريع يزيد في المنفعة.
كما أنه بات مسلماً عند جميع الفقهاء الحفاظ على عين الوقف، لذلك إذا قضت المصلحة أن يوقف نصيب المستفيدين من الوقف إذا احتاج عين الوقف إلى الأجرة، تصرف تلك الأجرة أولاً في انتفاع الوقف.
وبعد استعراضنا الصور التقليدية لاستثمار أموال الأوقاف والتطور الذي طرأ عليها وبخاصة في أواخر عهود السلطنة العثمانية يتبين لنا أنه كلما استحدثت صورة وتبين عدم جدوى ما وصلت إليه عبر التطبيق سرعان ما يفتي العلماء بمنعها، كل ذلك حفاظاً على عين الوقف، ولأن كل تصرف قد يؤول بالضرر على أصل الوقف يبادر فقهاء تلك العصور إلى تحريمها وصرف القضاة والقيمين على الوقف منها.
ولما كانت أساليب استثمار الأموال لا تقف عند حد، كذلك الشأن فالأولى بالقائمين على إدارة الأوقاف الأخذ بها بشرط الحفاظ على عين الوقف.
وأساس ذلك كله أن متولي الوقف بمثابة ولي اليتيم، بل أشد حرصاً، لأن مال اليتيم قد ينفذ بالنفقة، بينما لا يجوز ذلك في مال الوقف
…
فولي اليتيم مثلاً له بيع المنقول في نفقة اليتيم، وإذا نفذ المنقول قد يباع العقار وبشروط يرجع إليها في محالها لتوفير النفقة على اليتيم، بينما لا يجوز مطلقاً بيع العقار للصرف على المستحقين ومهما قل ريعه؛ لأن حق الموقوف عليهم إنما هو منفعة العقار في الحقيقة، هذا وإن مال الوقف بمثابة الحر من بني آدم لا يجري عليه الملك.
إن الأوقاف عموماً بها الكثير من عنصر معين؛ هو المال غير السائل
…
أي العقارات، ولديها ربما القليل من عنصر آخر وهو النقود السائلة، ولديها القليل أيضاً من العنصر الهام جدًّا وهو العمل
…
ونخلص من ذلك إلى القول: بأن إحدى الخصائص البارزة في الأحوال الوقفية أنها قليلة السيولة
…
وهنالك عقبات بل واجتهادات تحول دون تسبيل عقار الوقف.
ويبقى أن نقول: إن الهدف الاقتصادي المباشر لاستثمار أموال الوقف هو توليد دخل نقدي بقدر الإمكان فتتمكن الأوقاف بواسطته من تقديم الخدمات المنتظرة منها للمجتمع
…
وعلى الأوقاف أن تبحث في دائرة مشروعات الحلال فقط التي تولد لها أكبر عائد مالي.
* * *
من صور صيغ الاستثمار الحديثة
الصيغة الأولى - الاستثمار بأموال الغير:
عقد الاستصناع: إن الاستصناع في صورته الأولى منذ نشأته هو أن يقول إنسان لصانع خفاف أو صفار: اعمل لي خفًّا أو آنية من أديم من عندك بثمن كذا (1) ....
وقال صاحب الاختيار: إنما يجوز فيما جرت به العادة من أواني الصفر والنحاس والزجاج والعيدان والخفاف والقلانس والأوعية.. ولا يجوز فيما لا تعامل فيه كالجياب ونسج الثياب.. لأن المجوز له هو التعامل بين الناس من غير نكير فكان إجماعاً.
وجاء في توصيف هذا العقد: والأصح أن الاستصناع معاقدة (لا مواعدة) لأن فيه قياساً واستحساناً، وفرق بين ما جرت به العادة وما لا، وذلك من خصائص العقود، قال:"وينعقد على العين دون العمل "(2) .
هذا في صورته التقليدية منذ نشأته وتعامل الناس فيه، ولكن جاءت في صورته المعاصرة لدى فقهاء القانون ما يلي:
أن تتفق الأوقاف مع جهة تمويلية بأن تبني على أرض الوقف بناءً أو أكثر ويكون ملكاً للجهة التي بنته، وبالمقابل تتعهد الأوقاف بشراء الأبنية بعد اكتمالها وعلى أقساط سنوية أو شهرية.. وبنتيجة هذه المعاملة تنتقل ملكية الأبنية إلى الأوقاف، ويسمى هذا العقد قانوناً (بعقد المقاولة) ويدخل في ذلك حق الحكر وهو الإيجار الطويل المدى لمن يشيد العقار أو لغيره بمبلغ كبير دفعة واحدة، ولكن لهذه المعاملة محاذير يمكن أن تذهب بأرض الوقف
…
لما يترتب من حق للطرف الذي بنى على أرض الوقف، وربما لا تتمكن الإدارة المشرفة على الوقف توفير المبالغ المطلوبة لشراء الأبنية
…
وغالباً ما يكون، لذلك نرى عدم جدوى هذه الصيغة حتى لا تكون منفذاً جديداً لترتب الحق على الوقف، لأنه لا محالة سيصار إلى مصالحة الجهة التي بنت على أرض الوقف بدفع التعويض عن ثمن الأرض ويسلم لها البناء والأرض.
(1) البدائع: 5 / 2.
(2)
الاختيار: 2 / 38.
الصيغة الثانية- الكدك والكردار:
أو تكون هنالك صيغة ثانية وهي التي تعرف (بالكدك - والكردار) وهذه الصيغة أضاعت ما لا يحصى من حقوق الأوقاف القديمة
…
لذلك ثبت عدم جداوها، ولا تتحقق الأنفعية للوقف وهو الشرط الأول لمشروعية كل تصرف يجريه المتولي بحيث يترتب بعض المستحقات على الوقف.
الصيغة الثالثة - ما يعرف ب الإجارة التمويلية لبناء الوقف:
وصورتها: أن تؤجر الأوقاف أرضها لجهة معينة تبني على أرض الوقف وتحسب الأجرة من ثمن الأرض، وعند انتهاء المدة المتفق عليها تؤول ملكية هذا البناء للوقف بحيث لا يترتب على إدارة الوقف أي حق مالي ولكن لابد أن تمضي سنون وسنون حتى تؤول الملكية إلى الوقف، وهذا التصرف لا يشكل خطراً على ملكية الوقف
…
ولكن لا يعتبر مغريًّا لأرباب الأموال، وعلى الجملة إنها صورة يترتب عليها محاذير شرعية (1) .
الصيغة الرابعة - سندات المقارضة:
وهو الاستثمار بتمويل الغير، وصورتها: أن تقوم إدارة الأوقاف بدراسة اقتصادية للمشروع
…
ثم تقوم عبر هيئة متخصصة بإصدار سندات قيمتها الإجمالية مساوية للتكلفة المتوقعة للبناء.. ثم تعرض على حاملي السندات (الممولين للبناء) اقتسام عائد الإيجار بنسبة تحددها على ضوء الدراسة الاقتصادية
…
على أن يخصص جزء من العائد - الذي تملكه الأوقاف - لإطفاء السندات - أي شرائها من حامليها شيئاً فشيئاً.. حتى تعود الملكية الكاملة للبناء بعد فترة من الزمن إلى إدارة الأوقاف.
وقد جاءت قرارات الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في جدة 18 - 23 جمادى الآخرة 1408 هـ (6- 11 فبراير شباط 1988م) ما نصه:
سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القرض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة، ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه بنسبة ملكية منهم.. ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة) .
ومما جاء في حكمها الشرعي: ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب، ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.
وليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية على طرفي العقد بالتبرع دون مقابل مبلغ مخصص ليجبر الخسران في مشروع معين
…
على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه.
(1) أنس الزرقا، الوسائل الحديثة للتمويل والاستثمار.
من وجوه الاستثمار الجائز شرعاً:
إن الاستثمار الجائز شرعاً إنما يكون عن طريق التجارة الجائزة شرعاً، كجعله رأس مال للمضاربة، وإعطائه لمن يتجر فيه على نصيب معين من الربح مع اتخاذ الضمانات الكافية للمحافظة على مال الوقف، وكجعله حصة في رأس مال يستغل في تجارة، أو جعله رأس مال للسلم في الحبوب وغيرها، أو استعماله في شراء الكتب والقراطيس المالية ذات الربح الحلال وبيعها.
أو دفعه كتأمين وأجرة عاجلة في استئجار أرض أو دور جملة لتؤجر مجزأة، أو لإنفاقه في زراعة أرض تستغل بطريق الاستئجار، إلى غير ذلك (1) .
واستثمار الأموال بهذه الوجوه - وإن كان بطريق الشراء - هو استثمار مؤقت لا يراد به استبقاء ما يشترى ليكون وقفًا، وإنما هو أمر دعت إليه المصلحة العاجلة لئلا يبقى المال معطلاً، فهو لهذا لا يتدرج تحت الاستبدال.
وهذا الاستثمار المؤقت له شروط:
أحدها: ألا يكون من الميسور شراء عين من الأعيان تستبقى موقوفة، أو إنشاء مستغل جديد على أعيان الوقف.
والثاني: أن يوجد الضمان الكافي لصيانة أموال الوقف وحفظها من الضياع، وهو أمر تقضي به القواعد العامة في أحكام الوقف.
هذا وإن إضافة مال جديد يوقف إلى مال وقفي قديم هي صيغة تنموية، لأنها تعني زيادة رأس مال الوقف ونماؤه.
ومما يشبه الشراء ببدل الوقف وليس منه: إنشاء مستغل جديد على أعيان الوقف لم يكن من قبل، كإنشاء طبقة جديدة فوق طبقات الدار الموقوفة، أو إنشاء دور أو حوانيت على أرض الوقف، أو شراء غراس لتغرس في أرض الوقف، وإنما جعل بهذا الحق على سبيل الجواز ليكون الأمر منوطاً بما يظهر لها من المصلحة.
ويعتبر هذا الاستبدال بمثابة الإنفاق للوصول في النهاية إلى بدل يقوم به نيابة عن المحكمة.
(1) السنهوري، قانون الوقف: 1 / 247.
الاستثمار الذاتي للوقف:
وصورته: أن يباع جزء من الوقف لتعمير جزء آخر من الوقف نفسه، أن يباع وقف لتعمير وقف آخر يتحد معه في جهة الانتفاع، للحاجة والمصلحة الراجحة (1) .
ومن الأساليب المعاصرة التي حصلت في مفهوم أعيان الوقف في بعض البلدان الإسلامية على ضوء تطور الأوضاع الاقتصادية:
أ- تخصيص الواقف في إشهار وقفه مبالغ نقدية يودعها في أحد المصارف للصرف من عوائدها على جهة البر التي يراها (2) .
ب- إصدار الأسهم والسندات - سندات المقارضة - وقد ناقشها مجمع الفقه الإسلامي في ندوات ومؤتمرات، وقرر: أن الصيغة المقبولة لتعريف هذه السندات هي أنها أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس المال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة، ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة، وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه، وفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية بـ (صكوك المقارضة) ثم بين الصورة المقبولة شرعاً لسندات المقارضة بوجه عام والعناصر التي ينبغي أن تتوافر فيها.
ج- المساهمة في تأسيس شركات وبنوك (المساهمة في بنك مصر للإسكان والتعمير، إنشاء بنك الأوقاف في تركيا، المساهمة في بنك التضامن الإسلامي في السودان، بنك التمويل الكويتي، بنك فيصل الإسلامي)(3) .
د - شراء أسهم وسندات في شركات تجارية، وزراعية، وصناعية، بالإضافة إلى مشاريع استثمارية أخرى، مثل إقامة عمارات سكنية (للإيجار) وأسواق تجارية، وفنادق ومخازن (4) .
* * *
(1) الدكتور نزيه حماد، أساليب استثمار الوقف وأسس إدارتها، ص 187.
(2)
إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف، والبحث مقدم من محمود عبد المحسن، ص 330.
(3)
عقدت من أجل (سندات المقارضة) ندوة علمية أقامها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 6- 9 محرم 1408 هـ 30 / 8 - 9/2 / 1987 م؛ كما نوقشت القضية في الدورة الرابعة لمجلس الفقه الإسلامي المنعقدة في جدة من 18 - 23 جمادى الآخرة 1408 هـ 6 - 11 / 2 / 1988م.
(4)
إدارة وتثمير ممتلكات الأوقاف، وقف مصر، ص 334؛ وقف تركيا، ص 341؛ وقف لبنان، ص 358؛ وقف الإمارات العربية، ص 402؛ وقف الكويت، ص 397؛ وقف اليمن، ص 412.
وبع د
فهنالك مسلمات بالنسبة إلى استثمار الأوقاف الإسلامية:
أولها: الحفاظ على عين الوقف
…
وإن أي تصرف قانوني ولو كان تحت عنوان استثمار الوقف قد يؤدي إلى الذهاب بعين الوقف كالديون الناجمة عن أي مشروع يقام على أرض الوقف
…
فإن العودة عنه أولى؛ لأن جميع الفقهاء وعلى اختلاف مذاهبهم شرطوا تحقق الأنفعية لصحة التصرفات التي تجري على الوقف
…
وهذا وإن التجربة والوقائع التاريخية أثبتت أنه ليس كل عقد وإن كان مستوفيًّا أركانه وشرائطه الفقهية يصح إجراؤه في الوقف
…
للخاصية التي تتميز بها عين الوقف
…
قلنا، إن القيم على الوقف ينبغي أن يكون أكثر احتياطاً من متولي مال اليتيم
…
لأنه قد يباع مال اليتيم للإنفاق عليه، ولم يقل أحد من الفقهاء بجواز بيع عين الوقف للإنفاق على المستحقين.
فحق اليتيم في عين الوقف
…
بينما حق الجهة الموقوف عليها إنما هو منفعة الوقف
…
وإذا تعذر تحصيل المنفعة في وقت من الأوقات لسبب أو لآخر، فالمستقبل قد يحمل بين طياته الحلول الشرعية، وذلك من خلال تبرعات المحسنين من المسلمين والتي لم ولن تنقطع بإذن الله تعالى.
والله من وراء القصد.
15 رجب 1422 هـ
الموافق لـ 2 تشرين أول 2001 م
الشيخ خليل الميس
مفتي زحلة والبقاع.