الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرويات غزوة الحديبية
تأليف: الدكتور حافظ بن محمد بن عبد الله الحكمي
بسم الله الرحمن الرحيم
ال
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
…
أما بعد: فإن الله قد ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وجعل دينه ناسخاً للأديان لا يقبل الله من أحد غيره قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1.
وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم مبلغاً ومبيناً لهذا الدين قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 2.
فقام صلوات الله وسلامه عليه بتلك المهمة خير قيام، حيث أوضح كل صغيرة وكبيرة في هذا الدين بقوله وفعله وتقريره - على مرأى من الناس ومسمع - ابتداء من طور السرية بمكة إلى قيام دولة الإسلام بالمدينة، وكان يسير أثناء ذلك في كل خطوة يخطوها على المستوى البشري، فقد اتخذ كافة الأسباب والوسائل التي هي من مقتضيات الطريق وما ذلك إلا ليتسنى لأمته التأسي به، وترسم خطاه لأنها قد كلفت بمهمته من بعده لا خيار لها، قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3.
وكما أنه لا خيار لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم في القيام بهمته من الدعوة إلى هذا الدين وحراسته، فإنه لا ضمان لنجاحهم في تلك المهمة إلا بسلوك الطريق الذي سلكه صلى الله عليه وسلم، والدليل لطريقه صلى الله عليه وسلم هو سيرته فلا بد من الوقوف عليها وترسم خطاه فيها.
1 سورة آل عمران آية: 85.
2 سورة النحل آية: 44.
3 سورة يوسف آية: 108.
وأهم جوانب سيرته صلى الله عليه وسلم هي مغازيه؛ لأنها استغرقت قسطاً كبيراً من حياته في مجال الدعوة وهي التطبيق العملي لأحكام الجهاد - الذي يشكل السياج المنيع لحماية هذا الدين كما أنه من أهم وسائل الدعوة إليه، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ذروة سنام الإسلام - 1 كما حفلت المغازي بكثير من أساليب الدعوة والأحكام.
وقد أدرك السلف رضوان الله عليهم أهمية مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولوها جانباً عظيماً من عنايتهم، يدل لذلك ما روى الخطيب عن محمد بن عبد الله قال: سمعت عمي الزهري يقول: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا2.
وما روي عن إسماعيل بن محمد بن سعد (بن أبي وقاص) أنه قال: "كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ويعدها علينا ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها"3.
وما روي عن علي بن الحسين أنه كان يقول: "كنا نعلَّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن"4.
وتتمثل عنايتهم بها أيضاً في تدوينهم لها في زمن مبكر، فقد قام بذلك جماعة من التابعين، منهم عروة بن الزبير المتوفى سنة (94هـ) ، وأبان بن عثمان بن عفان المتوفى ما بين (101 - 105هـ) ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري المتوفى (124هـ) ، وشرحبيل بن سعد المتوفى (124هـ) ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم (135هـ) ، وموسى بن عقبة (141هـ) ، وغيرهم إلا أن كتب هؤلاء في حكم المفقود اليوم سوى نقولات عنها.
ثم تلت هؤلاء طبقة أخرى دونت المغازي بنطاق أوسع أمثال: محمد بن إسحاق (151هـ) ، ومحمد بن عمر الواقدي (207هـ) ، ومحمد بن سعد (230هـ) ، وابن جرير الطبري (310هـ) ، وغيرهم5.
ثم تتابع التأليف في ذلك إلا أن المتأخرين درجوا على الاختصار بحذف الأسانيد.
1 سنن الترمذي، كتاب الإيمان، حديث رقم (2616) .
2 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/252.
3 م. السابق.
4 م. السابق.
5 انظر: د. فاروق حمادة مصادر السيرة النبوية وتقويمها: 46، د. أكرم العمري نظرة في مصادر ودراسة السيرة النبوية:4.
وبما أن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه على وجه الخصوص بتلك المثابة من الأهمية - بحيث لا تستقيم متابعته في طريق الدعوة إلا من خلالها - فلا بد من معرفتها، وترسم خطاها فيها لكن هناك خطوة أولى لا يأمن العثار إلا بسلوكها، وهي تمييز ما صح من سيرته صلى الله عليه وسلم عن غيره، لأن كتب المغازي المتداولة بأيدينا لم يلتزم أصحابها الصحة فيها، بل يوردون المقبول وغيره، وعذر المتقدمين أنهم يكتفون بذكر السند، إلا أنهم لا يفعلون ذلك دائماً، أما المتأخرون فإنهم لا يذكرون سنداً للروايات فضلاً عن تمييز صحيحها من غيره.
نعم قام بعض المحدثين أخيراً بتخريج المرويات في بعض كتب السيرة، وبيان درجتها إلا أن تلك الكتب لم تستوعب مرويات المغازي.
وكذلك وردت كثير من مرويات المغازي في بطون كتب السنة، وقد تفردت ببعضها عن كتب المغازي، لكن أغلبها لم يشترط أصحابها الاقتصار فيها على الصحيح، وما اشترط فيه ذلك لم يرد فيه إلا القليل من مرويات المغازي بالنسبة لما فاته، إلا أن كتب السنة تمتاز بالتزام السند.
وهذا كله يحتم العمل على جمع مرويات المغازي من كتب السنة بالدرجة الأولى، لأنها المصدر الثاني من مصادر السيرة النبوية1 بعد القرآن الكريم، ثم من كتب المغازي وغيرها من مصادر السيرة2، ثم القياد بعد ذلك بدراسة أسانيدها دراسة فاحصة لبيان ما يصح العمل به من غيره لتبرز سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك صافية نقية لمرتاديها.
وهذا ما حملني على اختيار مرويات غزوة الحديبية موضوعاً لبحثي في مرحلة الماجستير.
وقد يسبق هذا السبب في اختياري للموضوع سبب آخر وهو شدة ولوعي بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تفردت به من صفات عظيمة كالواقعية، والجدية، والوضوح، فهي بعيدة كل البعد عن الخيالات، والهزل، والغموض والطلاسم.
1 د. فاروق حمادة مصادر السيرة النبوية وتقويمها: 36، د. أكرم العمري نظرة في مصادر ودراسة السيرة النبوية:3.
2 انظر لبيان ذلك المصدرين السابقين.
وقد سبقني في هذا المضمار بعض زملائي في قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، فلهم فضل السبق، وقد أفدت كثيراً من تجاربهم، وما قمنا به من جهد متواضع في هذا المجال أحسب أنه سيسد ثغرة لا بأس بها إن شاء الله، وإن كان ينقصه شيء من الاستيعاب لمضيق الوقت من جهة، ولاشتراط البعض كتباً محدودة من جهة أخرى، علماً بأني قد جانبت هذا الشرط، وبذلت قصارى جهدي لاستيعاب مرويات الغزوة، ولا أدعي حصول ذلك، لكن أسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، وأن يمد الجميع بالعون لاستكماله حتى تبرز مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم نقية من كل شائبة، وما بذل من جهد في هذا الصدد إنما هو من ثمرات جهود الجامعة الإسلامية التي بذلتها وتبذلها دائماً - في خدمة الإسلام والسنة على وجه الخصوص.
ولا يفوتني أن أنوه بفضل الدكتور أكرم العمري لأن له اليد الطولى في سبب اختياري لهذا الموضوع، فجزاه الله خيراً
…
منهجي في البحث
(1)
قمت بجمع المرويات من مختلف مصادر السيرة لم أتقيد في ذلك بكتب معينة، فقد رجعت لكثير من كتب السنة من مجاميع ومسانيد وغيرها، كما رجعت لكثير من كتب المغازي والتاريخ والشمائل والدلائل، وكتب معرفة الصحابة ما بين مخطوط ومطبوع محاولاً بذلك استيعاب مرويات الغزوة.
(2)
بعد أن جمعت المرويات قسمت البحث إلى أربعة أبواب، ثم حصرت المرويات في الثلاثة الأبواب الأولى، وجعلت الباب الأخير لفقه أهم جوانب المرويات.
والقصد من ذلك هو الحفاظ على تسلسل أحداث الغزوة وترابطها، وتندرج تحت تلك الأبواب فصول ومباحث، وهي مفصلة في صلب الرسالة، وقد سردتها في فهرس الموضوعات.
(3)
أورد تحت المبحث الروايات المتعلقة به، وأجعل لكل رواية رقماً ثم أقوم بتخريجها، وإذا ورد الحديث بأكثر من طريق أخرج كل طريق على حدة، محاولاً بذلك استيعاب جميع طرق الحديث وألفاظه دون تكرار.
(4)
إذا أعدت الحديث في مبحث آخر لحاجة لا أضع له رقماً آخر، بل أشير إلى الرقم الذي تقدم به، وكذلك لا أعيد تخريجه إلا إذا اقتضت الحاجة ذكر شيء منه.
(5)
أعرف برجال السند إذا لم يكن الحديث في الصحيحين أو في أحدهما، وأقتصر في التعريف بهم على التقريب إن كانوا من رجاله، لكن أصرح بسنة وفاة الشخص، ولا أذكر الطبقة التي وضعها ابن حجر، إلا عند تعذر معرفة سنة الوفاة، وإذا أضفت شيئاً كسنة وفاة أو نحوها أشير إلى المصدر.
(6)
إذا كان الرواي من رجال التقريب، لكنه متكلم فيه، ويتوقف الحكم على السند على معرفة حاله، فإني أذكر أقوال العلماء فيه عند الكلام على درجة الحديث، وأبين ما ترجح لي فيه، إلا إذا كان في السند أكثر من اثنين بهذه الصفة فأنقل كلام العلماء فيهم عند التعريف بهم خشية الإطالة.
(7)
إذا لم يكن الراوي من رجال التقريب أعرف به من كتب الرجال الأخرى باختصار.
(8)
إذا لم يكن الحديث في الصحيحين أو أحدهما أقوم بدراسة سنده وفق القواعد التي رسمها المحدثون، ثم أذكر ما ترجح في بيان درجته، صحة أو غيرها، وإن وجدت في ذلك كلاماً لأحد نقلته، فإن وافق ما توصلت إليه فبها، وإلا بينت وجه مخالفتي له.
(9)
إذا اقتضت الحاجة إيراد حديث من غير مرويات الغزوة، فلا أضع له رقماً، ولا أخرجه، ولا أعرف برجاله، بل أكتفي بنقل أقوال العلماء في بيان درجته، إلا إذا تعذر ذلك فأقوم بدراسة سنده وأبين ما ظهر لي فيه.
(10)
إذا وقع خلاف في شيء من الأحداث الواردة في الغزوة، فإني أنقل أقوال العلماء في ذلك وأناقشها ثم أرجح ما يقتضيه الدليل.
(11)
ذكرت في الباب الرابع بعض الأحكام والدروس والعبر دون توسع، وقد أغفلت ذكر كثير من الأحكام الواردة في المرويات لضيق الوقت، ولأنها مبسوطة في مظانها من كتب الفقه، وأما ما ذكرته منها فقد جعلت توطئة للباب بينت فيها وجه أهميته.
رموز رجال السند المترجم لهم من التقريب
وضع ابن حجر لرجال التقريب رموزاً تشير إلى من روى عنهم من أصحاب الكتب الستة وإلى الكتاب الذي روى لهم فيه.
وقد استعملت تلك الرموز ونصها من التقريب.
خ: للبخاري في صحيحه.
خت: للبخاري إن كان حديثه عنه معلقاً.
بخ: للبخاري في الأدب المفرد.
عخ: للبخاري في خلق أفعال العباد.
ز: للبخاري في جزء القراء.
ى: للبخاري في رفع اليدين.
م: لمسلم.
مق: في مقدمة صحيحة.
د: لأبي داود.
مد: لأبي داود في المراسيل.
صد: لأبي داود في فضائل الأنصار.
خد: لأبي داود في الناسخ والمنسوخ.
قد: لأبي داود في القدر.
ف: لأبي داود في التفرد.
ل: لأبي داود في المسائل.
كد: لأبي داود في مسند مالك.
ت: للترمذي.
تم: للترمذي في الشمائل.
س: للنسائي.
عس: للنسائي في مسند علي.
كن: للنسائي في مسند مالك.
ق: لابن ماجه.
فق: لابن ماجه في التفسير.
ع: للجماعة.
تمييز: من ليست له رواية عند أحد من أصحاب الكتب الستة.
الإحالات للكتب التي رجعت إليها من المطبوع
بالنسبة لصحيح البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، والترمذي وابن ماجه، والموطأ: أحيل إلى اسم الكتاب ورقم الحديث.
والإحالة إلى كتاب الجرح والتعديل، وتهذيب الأسماء واللغات إلى الجزء، ثم القسم، ثم الصفحة.
والإحالة إلى التاريخ الكبير للبخاري إلى القسم، ثم الجزء، ثم الصفحة.
والإحالة إلى سائر الكتب غير هذه: إلى الجزء، والصفحة، أو إلى الصفحة.