الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: حدثنا أبو علاثة محمد1 بن عمرو بن خالد قال: حدثنا أبي2 قال: قال حدثنا ابن لهيعة3 قال حدثنا أبو الأسود4 قال: قال عروة: فذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم قال: وخرجت قريش من مكة فسبقوه إلى بلدح5، وإلى الماء، فنزلوا عليه، فلما رآى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد سبق نزل على الحديبية، وذلك في حر شديد وليس بها إلا بئر واحدة، فأشفق القوم من الظمأ والقوم كثير، فنزل فيها رجال يميحونها، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ومضمض فاه، ثم مج فيه وأمر أن يصب في البئر، ونزع سهماً من كنانته فألقاه في البئر ودعا الله تبارك وتعالى ففارت بالماء حتى جعلوا يغترفون بأيديهم منها وهم جلوس على شفتها"6.
هذا الأثر مرسل، وسنده إلى عروة ضعيف لأن فيه ابن لهيعة ضعفه الحفاظ، وفيه أيضاً أبو علاثة لم أقف على ترجمته.
فهاتان الروايتان بينتا ما قد يظهر من تعارض بين تلك الأحاديث وإلى هذا الجمع جنح ابن القيم7، وابن حجر8.
1 أبو علاثة، لم أقف على ترجمته.
2 عمرو بن خالد بن فروخ بن سعيد التميمي ويقال الخزاعي، أبو الحسن الحراني نزيل مصر، ثقة، مات سنة تسع وعشرين ومائتين: خ، ق. تقريب:259.
3 هو: عبد الله بن لهيعة.
4 هو: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي.
5 بلدح: واد قبل مكة من جهة الغرب. معجم البلدان 1/480.
6 دلائل النبوة 2، لوحة 219 - 220.
7 زاد المعاد 3/298.
8 فتح الباري 5/337.
المبحث الثالث: من الذي نزل بالسهم في بئر الحديبية
؟:
ورد في حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم عند البخاري وغيره أن الصحابة رضوان الله عليهم شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء، فأخذ سهماً من كنانته وأعطاه بعض أصحابه ليغرزه في البئر1، بيد أنه لم يرد في شيء من الروايات الصحيحة
1 انظر: ص: 176 - 177
تصريح باسم الصحابي الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم السهم، لذلك فقد وقع خلاف بين أهل المغازي في اسم الصحابي الذي نزل بالسهم:
فذهب ابن إسحاق1 وابن عبد البر2 ومن تبعهما إلى أن الذي نزل بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ناجية بن جندب بن عمير الأسلمي:
(56)
قال ابن إسحاق: "فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم ابن عمرو بن واثلة بن سهم بن مازن بن سلامان ابن أسلم بن أفصى بن أبي حارثة، وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم3.
ونقل الهيثمي هذا الحديث عن ابن إسحاق ثم قال: رواه الطبراني ورجاله ثقات4.
وقال ابن إسحاق، وقد أنشدت أسلم أبياتاً من شعر قالها ناجية قد ظننا أنه هو الذي نزل بالسهم فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها وناجية في القليب يميح على الناس فقالت:
يا أيها المائح دلوي دونكا
…
إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيراً ويمجدونكا
قال ابن هشام وروى:
إني رأيت الناس يمدحونكا
قال ابن إسحاق: فقال ابن ناجية:
قد علمت جارية يمانيه
…
أني أنا المائح واسمي ناجيه
وطعنة ذا رشاش واهية
…
طعنتها تحت صدور العادية5
وجزم الواقدي بأن الذي نزل بالسهم ناجية بن الأعجم، وذكر أن رجلاً من ولد
1 سيرة ابن هشام 3/310.
2 الدرر لابن عبد البر: 204.
3 سيرة ابن هشام 3/310.
4 مجمع الزوائد 6/145.
5 سيرة ابن هشام 3/311.
ناجية بن الأعجم يقال له: عبد الملك بن وهب الأسلمي أنشده الأبيات التي نسبها ابن إسحاق لناجية بن جندب1.
(57)
وأخرج الواقدي أيضاً عن الهيثم بن واقد عن عطاء2 بن أبي مروان عن أبيه3 قال: حدثني رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ناجية4 بن الأعجم - وكان ناجية بن الأعجم يحدث - يقول دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه قلة الماء، فأخرج سهماً من كنانته ودفعه إلي
…
فقال: أنزل بالماء فصبه في البئر، وأثر مائهما بالسهم ففعلت"5.
وهذا الحديث ضعيف.
(58)
وقال ابن حجر: "وأخرج الواقدي عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه حدثني أربعة عشر رجلاً من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ناجية بن الأعجم هو الذي نزل في القليب القليل الماء يوم الحديبية بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم"6.
هذا الحديث ضعيف لمجيئة من طريق الواقدي.
وروى الواقدي عن خالد بن عبادة أنه هو الذي نزل بالسهم:
(59)
قال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبيد عن جده عبيد7 بن أبي عبيد قال: سمعت خالد8 بن عبادة الغفاري يقول: أنا الذي
1 مغازي الواقدي 2/587 - 588.
2 عطاء بن أبي مروان الأسلمي، أبو مصعب المدني، نزيل الكوفة، واسم أبيه سعيد، وقيل عبد الرحمن، ثقة مات بعد الثلاثين ومائة: س. تقريب: 239.
3 أبو مروان الأسلمي، اسمه مغيث - بمعجمة مثلثة وقيل بمهملة ومثناة مشددة ثم موحدة - وقيل: اسمه سعيد، وقيل عبد الرحمن، له صحبة؛ إلا أن الإسناد إليه بذلك واه، وهو والد عطاء بن أبي مروان المدني: س. تقريب: 425.
وسماه ابن حجر في الإصابة: معتب بن عمرو. الإصابة 12/16.
4 ناجية بن الأعجم الأسلمي ذكره ابن سعد في الصحابة، وقال: لا عقب له، وقال العطوي: عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم لواءين يوم الفتح، أعطى أحدهما: ناجية بن الأعجم، والآخر بريدة بن الحصيب، وذكره ابن أبي حاتم وحكى عن أبيه أنه قال: لا أعرفه، وقال ابن شاهين في الصحابة، مات بالمدينة آخر خلافة معاوية. الإصابة 10/122.
5 مغازي الواقدي 2/588.
6 الإصابة 10/122.
7 عبيد بن أبي عبيد واسم أبي عبيد كثير مولى أبي رهم - بضم الراء وسكون الهاء - مقبول، من الثالثة: د، ق. تقريب:229.
8 خالد بن عبادة الفغاري قال ابن عبد البر: هو الذي دلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمامته في البئر يوم الحديبية. الاستيعاب 3/174 مع الإصابة.
نزلت بالسهم يومئذ في البئر1.
وهذا الحديث ضعيف أيضاً لمجيئه من طريق الواقدي.
ونقل البيهقي2 عن موسى بن عقبة أن خالداً هذا هو الذي نزل بالسهم.
وقال ابن عبد البر في ترجمته: وهو الذي دلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمامته في البئر يوم الحديبية فماح في البئر فكثر ماؤها حتى روى الناس3 الخ.
وقيل الذي نزل بالسهم البراء بن عازب:
(60)
قال الواقدي: حدثني سفيان4 بن سعيد عن أبي إسحاق5 الهمداني قال: سمعت البراء6 بن عازب يقول: أنا نزلت بالسهم7.
وهذا الحديث أيضاً ضعيف لمجيئه من طريق الواقدي.
وقيل أن الذي نزل بالسهم يومئذ بريدة بن الحصيب، نقل ذلك ابن حجر8 ولم يعزه لأحد.
رأينا فيما مضى أن كل واحد من هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم يحكي أو يحكى عنه أنه قد نزل بالسهم يومئذ، لكن لم يرد عن واحد منهم خبر صحيح يمكن الاعتماد عليه وترجيحه على ما عداه، ومن ثم لا يمكن الجزم بأن واحداً منهم فعل ذلك دون الآخر، بل يحتمل أن الجميع قد اشتركوا في القضية.
وإلى ذلك جنح ابن حجر حيث قال: ويمكن الجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره9 ا. هـ
1 المغازي للواقدي 2/589.
2 دلائل النبوة 2، لوحة:220.
3 الاستيعاب 3/174 مع الإصابة.
4 هو: سفيان بن سعيد بن مسورق الثوري.
5 هو: عمرو بن عبد الله الهمداني أبو إسحاق السبيعي - بفتح المهملة وكسر الموحدة - مكثر ثقة عابد اختلظ بآخره، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل قبل ذلك: ع. تقريب: 260.
6 البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة، استصغر يوم بدر، وكان هو وابن عمر لدة، مات سنة اثنتين وسبعين: ع. تقريب: 42.
7 مغازي الواقدي 2/589.
8 الإصابة 3/62.
9 فتح الباري 5/337.
ويؤيده ما ورد في مرسل عروة: "فنزل فيها رجال يميحونها"1.
ثم وجدت رواية عن البراء تؤيد ما ذهب إليه ابن حجر أيضاً وهي:
(61)
قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم2 حدثنا سليمان3 عن حميد4 عن يونس5 عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرة فأتينا على ركى ذمة - يعني قليلة الماء - قال: فنزل فيه ستة أنا سادسهم ماحة، فأدليت إلينا دلو رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفة الركى، فجعلنا فيها نصفها أو قراب ثلثيها فرفعت الدلو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البراء: فكدت6 بإنائي هل أجد شيئاً أجعله في حلقي، فما وجت، فرفعت الدلو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمس يده فيها فقال: ما شاء الله أن يقول: فعيدت إلينا الدلو بما فيها، قال: فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق، قال: ثم ساحت - يعني جرت نهراً"7.
وأخرجه8 عن هدبة عن سليمان به نحوه.
وأخرجه يحيى بن معين9 عن هاشم عن سليمان به نحوه.
وأخرجه الطبراني10 من طريق هدبة عن سليمان به نحوه.
1 انظر حديث رقم (55) .
2 هو: هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي مولاهم البغدادي أبو النضر، مشهور بكنيته، ولقبه قيصر، ثقة ثبت، مات سنة سبع ومائتين، وله ثلاث وسبعون: ع. تقريب: 362.
3 سليمان بن المغيرة القيسي مولاهم البصري، أبو سعيد، ثقة، قال يحيى بن معين أخرج له البحاري مقروناً وتعليقاً، مات سنة خمس وستين ومائة: ع. تقريب: 136.
4 حميد بن هلال العدوني أبو نصر البصري، ثقة عالم، توقف فيه ابن سرين لدخوله عمل السلطان، من الثالثة: ع. تقريب: 85.
5 يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم الثقفي مقبول من الرابعة: د، ت، س. تقريب:290.
6 هكذا في المسند، ولم أقف له على معنى، وفي المعجم الكبير للطبراني ((فكددت إنائي)) وفي القاموس في مادة (ك د د) الكد الشدة والإلحاح والطلب، وكدّ نزع الشيء بيدة يكون في الجامد والسائل.
7 مسند أحمد 4/292.
8 مسند أحمد 4/292.
9 تاريخ يحيى بن معين 1/320.
10 المعجم الكبير 2/11.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ثم قال: هو في الصحيح باختصار كثير، رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح1.
قلت: بل فيه يونس بن عبيد لم يوثقه سوى ابن حبان2.
ولم يرد في الحديث تصريح بأن القصة كانت في الحديبية، لكن سياقها ظاهر في اتحادها مع قصة الحديبية، والله أعلم.
1 مجمع الزوائد 8/300.
2 تهذيب التهذيب 11/445.