الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بن أبي طالب الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين يوم الحديبية، فكتب: هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله
…
" الحديث بنحوه.
(ب) الشهود على الصلح:
أما الشهود على هذا العقد فقد سماهم حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند ابن جرير:
فبعد أن ذكر الكاتب وما دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو وما اتفقوا عليه وقصة أبي جندل، قال: فلما فرغ من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين: أبا بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة أخا بني عبد الأشهل، ومكرز بن حفص بن الأخيف، وهو مشرك أخا بني عام بن لؤي، وعلي بن أبي طالب "وهو كاتب الصحيفة"1.
سبق أن بينت ضعف هذا الحديث.
وقد ذكر الواقدي2 وابن سعد3 هؤلاء الشهود سوى عبد الله بن سهيل بن عمرو وعلي بن أبي طالب، وقالا: محمد بن مسلمة بدل محمود بن مسلمة، وزادا: عثمان بن عفان وأبا عبيدة بن الجراح، وحويطب بن عبد العزى وكان مشركاً آنذاك.
1 تاريخ ابن جرير الطبري 2/80، وتقدم سنده مع طرف من أوله برقم (108) .
2 مغازي الواقدي 2/612.
3 الطبقات الكبرى 2/97.
المبحث الرابع: تألم عمر وبعض الصحابة من شروط قريش:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ على نفسه ألا يرد خطة يعرضها عليه المشركون تهدف إلى تعظيم حرمات الله، ومن هذا المنطلق جعل يوافق على كل ما تمليه قريش من شروط بل كان يتنازل عما يريده هو إذا رأى تصلباً من جانب قريش، فقد جاء في حديث المسور ومروان من طريق معمر ما نصه:"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل: "أما الرحمن" فوالله ما أدري ما هي، ولكن اكتب: "باسمك اللهم" كما كنت تكتب فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا: "بسم الله الرحمن الرحيم"،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب "باسمك اللهم" ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن أكتب:"محمد بن عبد الله" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني" اكتب "محمد بن عبد الله"، قال الزهري: وذلك لقوله: "لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها
…
"1 الحديث.
فهذا النص يصور لنا مدى تسامح رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش، وقد استغلت قريش ذلك اللين من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تملي شروطها، يظهر منها الأجحاف في حق المسلمين الأمر الذي أثار حفيظة بعض المسلمين حتى فعل ما فعل:
ففي حديث المسور ومروان2 السابق: "فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، قال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف3 في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد، قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه4 لي، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله، قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على
1 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الشروط: 2731 - 2732، وتقدم سنده مع طرف من أوله برقم (35) .
2 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الشروط: 2731 - 2732، وتقدم سنده مع طرف من أوله برقم (35) .
3 يرسف يتحامل برجله مع القيد. النهاية: 2/222.
4 أجزه لي: من الإجازة: أي أمض لي فعلي فيه فلا أرده إليك أو أستثنيه من القضية. فتح الباري 5/345.
الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري، قلت: أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قال: قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به، قال: فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر: أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس يعصي ربه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال فإنك آتيه ومطوف به، قال الزهري1: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً
…
".
وفي حديث المسور ومروان أيضاً من طريق ابن إسحاق: "فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما وأطالا الكلام وتراجعا، حتى جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر ابن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أوليس برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أو لسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال أبو بكر: يا عمر إلزم غرزه حيث كان، فإني أشهد أنه رسول الله، قال عمر: وأنا أشهد، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولم يضيعني، ثم قال عمر: ما زلت أصوم وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ، حتى رجوت أن يكون خيراً
…
"2.
وفي موضع آخر3 في رواية ابن إسحاق أيضاً: "وقد كان المسلمون خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا ما رأوا من الصلح وما تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا، فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ثم قال: يا محمد قد لجّت4 القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا، قال: صدقت فقام إليه فأخذ بتلبيبه5 قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته يا معاشر المسلمين أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني، قال: فزاد الناس شراً إلى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا جندل اصبر واحتسب
1 قال ابن حجر: هو موصول إلى الزهري بالسند المذكور وهو منقطع بين الزهري وعمر، فتح الباري 5/346.
2 مسند أحمد 4/325، وتقدم سنده مع طرف من أوله برقم (36) .
3 مسند أحمد 4/325، وتقدم سنده مع طرف من أوله برقم (36) .
4 لجت: أي وجبت، قال ابن الأثير: هكذا جاءت مشروحاً ولا أعرف أصله. النهاية 4/233.
5 أخذ بتلبيبه: أي أخذ بمجمع ثوبه الذي هو لابسه وقبض عليه يجره. النهاية 4/223.
فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهداً وإنا لن نغدر بهم، قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه قال يقول: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه قال: فظن1 الرجل بأبيه ونفذت القضية
…
".
وقد وردت قصة عمر في حديث سهل بن حنيف أيضاً:
(110)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن أبيه حدثنا حبيب بن ثابت قال: حدثني أبو وائل قال: كنا بصفين فقام سهل بن حنيف فقال: أيها الناس اتهموا أنفسكم فإنا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال: بلى، فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية2 في ديننا؟ أنرجع ولا يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبداً، قال: فانطلق عمر إلى أبي بكر فقال له: مثل ما قال للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً، فنزلت سورة الفتح، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر إلى آخرها، فقال عمر: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: نعم"3.
وأخرجه من طريق يعلى بن عبيد الطنافسي عن عبد العزيز عن حبيب قال: "أتيت أبا وائل أسأله فقال: كنا بصفين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله فقال علي: نعم، فقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم فقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين - ولو نرى قتالاً لقاتلنا فجاء عمر
…
"4 الحديث، دون قوله: "فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر
…
".
1 فظن: هكذا في الأصل - بالظاء المعجمة - والذي يقتضيه السياق أن تكون - بالضاد المعجمة - من الضنانة وهي البخل.
2 الدنية: الخصلة المذمومة. النهاية 2/137.
3 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجزية:3182.
4 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب التفسير:4844.
وأخرجه مسلم1 من طريق عبد الله بن نمير عن عبد العزيز بن سياه به فذكر نحوه وزاد في آخره: "فطابت نفسه ورجع".
وأخرجه أحمد2 من طريق يعلى بن عبيد عن عبد العزيز به نحوه وذكر في أوله قصة.
وأخرجه البيهقي3 من طريق يعلى بن عبيد وعبد الله بن نمير كلاهما عن عبد العزيز به فذكره بنحوه وزاد في آخره: "فطابت نفسه ورجع".
كانت هذه رواية حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل، وقد رواه عنه غيره:
فأخرجه البخاري من طريق الأعمش عن أبي وائل:
قال: حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة قال: سمعت الأعمش قال: "سألت أبا وائل شهدت صفين؟ قال: نعم: فسمعت سهل بن حنيف يقول: اتهموا رأيكم، رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفضعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا"4.
وأخرجه5 من طريق أبي عوانة عن الأعمش به نحوه، وزاد في آخره: وقال أبو وائل: "شهدت صفين وبئست صفين".
وأخرجه مسلم6 من طريق أبي معاوية وجرير ووكيع كلهم عن الأعمش به نحوه.
وأخرجه أحمد7 والحميدي8 كلاهما من طريق ابن عيينة عن الأعمش به نحوه.
وأخرجه البخاري من طريق أبي الحصين عن أبي وائل:
1 صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسيرة:94.
2 مسند أحمد 3/485.
3 السنن الكبرى 9/222.
4 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجزية:3181.
5 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة:7308.
6 صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير:95.
7 مسند أحمد 3/485.
8 مسند الحميدي 1/197.
قال: حدثنا الحسن بن إسحاق حدثنا محمد بن سابق حدثنا مالك ابن مغول قال: سمعت أبا حصين قال: قال أبو وائل: لما قدم سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره فقال: اتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل
…
" وذكر بنحو من رواية الأعمش، وزاد في آخره: "ما نسد منها خصماً إلا تفجر علينا خصم، ما ندري كيف نأتي له"1.
وأخرجه مسلم2 من طريق أبي أسامة عن مالك بن مغول به نحوه.
وقد تحدث عمر رضي الله عنه نفسه - عما قاساه من عنت قريش يوم صلح الحديبية، جاء ذلك في حديثه عند ابن سعد.
(111)
قال: أخبرنا موسى3 بن مسعود النهدي أخبرنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل4 عن ابن عباس قال: قال عمر5 بن الخطاب: لقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على صلح وأعطاهم شيئاً لو أن نبي الله أمر علي أميراً فصنع الذي صنع نبي الله ما سمعت ولا أطعت، وكان الذي جعل: أن من لحق من الكفار بالمسلمين يردون ومن لحق بالكفار لم يردوه"6.
وقد أورده السيوطي ثم عزاه لابن سعد، وقال: سنده صحيح7.
قلت: الحديث حسن لأن في سنده موسى بن مسعود النهدي مختلف فيه، فقد ضعفه الترمذي وبندار وقال ابن خزيمة لا أحتج به، وقال الحاكم: ليس بالقوي عندهم8 بينما وثقة العجلي، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال أحمد: صدوق في حفظه شيء، وقال ابن معين: لم يكن من أهل الكذب، وقال ابن سعد: كان كثير
1 صحيح البخاري، كتاب المغازي:4189.
2 صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير:96.
3 موسى بن مسعود النهدي - بفتح النون - أبو حذيفة البصري، صدوق سيء الحفظ وكان يصحف، مات سنة عشرين ومائتين أو بعدها وقد جاوز التسعين وحديثه عند مسلم في المتابعات: خ، د، ت، ق. تقريب:352.
4 هو: سماك بن الوليد الحنفي.
5 عمر بن الخطاب بن نفيل - بنون وفاء مصغراً - ابن عبد العزى بن رباح - بتحتانية - ابن عببد الله بن قرط - بضم القاف - ابن رزاخ - براء ثم زاي خفيفة - بن عدي بن كعب القرشي العدوي أمير المؤمنين مشهور جم المناقب، استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وولي الخلافة عشر ونصفاً: ع. تقريب: 253.
6 الطبقات الكبرى 2/101.
7 نقله صاحب كنز العمال 10/473.
8 ميزان الاعتدال 4/221، تهذيب التهذيب 10/370، هدي الساري:446.
الحديث، ثقة إن شاء الله، حسن الرواية عن عكرمة بن عمار والثوري وزهير بن محمد1 ا. هـ
فإذا استعرضنا أقوال علماء الجرح والتعديل السابقة في موسى بن مسعود نجد أن الذين عدلوه أرسخ قدماً وأطول باعاً في هذا المضمار من الذي جرحوه، ثم نجد أيضاً أن الذين جرحه لم يبينوا سبب التجريح اللهم إلا ما روي عن أحمد أنه قال: صدوق في حفظه شيء، فإذا حملنا تضعيفهم له على هذا الشيء اليسير في حفظه فلا يرد هذا الطعن على روايته عن عكرمة بن عمار؛ لأن ابن سعد قد نص على أن حديثه عن عكرمة بن عمار حسن، كما سبقت الإشارة إليه.
فالذي ترجح لي أن هذا الحديث حسن، والله أعلم.
وقد أشار عمر رضي الله عنه إلى بعض ما حصل له أيضاً في حديثه عند البزار وغيره:
(112)
قال البزار: حدثنا محمد2 بن المثنى قال حدثنا يونس3 بن عبيد الله العميري قال: ثنا المبارك4 بن فضالة عن عبيد الله5 عن نافع6 عن ابن عمر عن عمر أنه قال: اجتهدوا الرأي على الدين فلقد رأيتني يوم أبي جندل أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأيي وما آلوا7 عن الحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب كتاباً بينه وبين أهل مكة، فقال: اكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: لو نرى ذلك صدقناك بما تقول
1 المصادر السابقة.
2 محمد بن المثنى بن عبيد العنزي - بفتح النون والزاي - أبو موسى البصري المعروف بالزمن مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، وكان هو وبندار كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة سنة اثنتين وخمسين بعد المائة: ع. تقريب: 291، 317.
3 يونس بن عبيد الله العمير الليثي أبو عبد الرحمن البصري، صدوق من كبار العاشرة: كن. تقريب: 390، وفي تهذيت التهذيب 11/442 ((العمري)) ، وفي الجرح والتعديل 4/2/241 ((العميري)) .
4 مبارك بن فضالة - بفتح الفاء وتخفيف المعجمة - أبو فضالة البصري صدوق يدلس ويسوي، مات سنة ست وستين ومائة على الصحيح: خت، د، ت، ق. تقريب:328.
5 عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري.
6 نافع مولى ابن عمر.
7 آلوا: أُقَصِّر وأُبطأ. ترتيب القاموس 1/173.
ولكن اكتب كما كنت تكتب "باسمك اللهم" فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت حتى قال: "تراني قد رضيت وتأبى أنت"، قال: فرضيت1.
قال البزار: "لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولم يشارك مباركاً في روايته عن عبيد الله في هذا الحديث أحد، وقد رواه غير عمر".
وأخرجه الطبراني عن علي2 بن عبد العزيز عن يونس بن عبيد الله به قال: "أيها الناس اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أرد أمر رسول اله برأيي واجتهاداً، فوالله ما آلوا عن الحق وذلك يوم أبي جندل
…
"3 الحديث بنحوه.
وأخرجه أبو نعيم من طريق يونس بن عبيد الله عن مبارك به نحوه4.
ذكر الهيثمي هذا الحديث في المجمع في موضعين منه قال في أحدهما: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح5 ا. هـ
قلت: هذا وَهْمٌ منه رحمه الله فمبارك ليس من رجال الصحيح، وسأنبه عليه فيما بعد إن شاء الله وأبين سببه.
وقال في الموضع الآخر: رواه أبو يعلى ورجاله موثوقون، وإن كان فيه مبارك بن فضالة6 ا. هـ
قلت: مبارك بن فضالة مختلف فيه، فقد ضعفه النسائي وغيره، ووثقه عفان وكان يحيى بن سعيد القطان يحسن الثناء عليه، واختلف قول ابن معين فيه، فمرة وثقه، ومرة قال: صالح، ومرة قال: ضعيف.
وقال أبو زرعة: يدلس كثيراً فإذا قال: حدثنا فهو ثقة، وقال أبو داود: شديد
1 مسند البزار 1، لوحة:44.
2 علي بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور أبو الحسن البغوي شيخ الحرم، ومصنف المسند، قال الدارقطني: ثقة مأمون، وقال ابن أبي حاتم: صدوق، مقته النسائي لكونه كان يأخذ على الحديث، وقد اعتذر له الذهبي: بأنه كان فقيراً مجاوراً، وقال إنه ثقة، مات سنة ست وثمانين ومائتين. تذكرة الحفاظ 2/622 - 623، الجرح والتعديل 3/196، ميزان الاعتدال 3/143.
3 المعجم الكبير 1/26.
4 معرفة الصحابة 1، لوحة:15.
5 مجمع الزوائد 6/146.
6 مجمع الزوائد 1/179.
التدليس، فإذا قال: حدثنا فهو ثبت ووصفه أحمد بالتدليس أيضاً1.
وذكر ابن حجر أنه يدلس ويسوي2.
وقال ابن عدي: عامة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة3.
وذكر الذهبي أقوال العلماء فيه ثم قال: هو حسن الحديث، ولم يذكره ابن حبان في الضعفاء، وكان من أوعية العلم4 ا. هـ
قلت: الذي يترجح لي في مبارك بن فضالة أن حديثه حسن إذا صرح بالسماع، وهذا الحديث لم يصرح فيه بالسماع لكن يشهد له ما في حديث المسور ومروان عند البخاري.
قال الهيثمي: "وهو في الصحيح بطوله، ولم أر فيه قوله: "يا عمر تراني قد رضيت وتأبى أنت"5.
تنبيه:
سبق أن ذكرت قول الهيثمي عن الحديث: "رجاله رجال الصحيح".
وأشرت إلى أن في سند الحديث من ليس من رجال الصحيح، وهو مبارك بن فضالة، ووعدت ببيان سبب قول الهيثمي هذا، فأقول وبالله التوفيق سبب ذلك: أن السند الذي نقله الهيثمي مع الحديث في "كشف الأستار" ليس فيه مبارك بن فضالة وهذا نصه: "حدثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر
…
"6.
فهذا السند رجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي: لكنه ليس بسند الحديث إنما هو سند حديث آخر - يسبق الحديث الذي نحن بصدده في "المسند" - وهو: "عن عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تصيبني الجنابة من الليل، فأمره أن يتوضأ وضوءه للصلاة"7.
1 ميزان الاعتدال 3/431 - 432.
2 تقريب التهذيب: 328.
3 ميزان الاعتدال 3/432.
4 سير أعلام النبلاء 7/281 - 284.
5 كشف الأستار عن زوائد البزار 2/338.
6 كشف الأستار عن زوائد البزار 2/338.
7 مسند البزار 1، لوحة:44.