الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: على أي شيء كانت البيعة:
لما أشيع مقتل عثمان رضي الله عنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم للبيعة فهبوا إليه جميعاً ليبايعوه، لم يتخلف منهم سوى رجل واحد - يقال كان منافقاً - وهو الجد بن قيس كما في حديث جابر: "فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري، اختبأ تحت بطن بعيره1.
نعم تسابق الصحابة رضوان الله عليهم لمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى أي شيء كانت تلك البيعة يا ترى؟ حتى استحقت تلك المبادرة؟
سئل الصحابة رضوان الله عليهم هذا السؤال فأجابوا عنه بما يلي:
(أ) أجاب سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بأنهم بايعوا على الموت:
(80)
قال البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حاتم بن يزيد ين أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت"2.
وأخرجه محمد بن مسلمة3 القعنبي عن حاتم به مثله.
وأخرجه المكي4 بن إبراهيم بن أبي عبيد عن سلمة من حديث ذكر فيه عدد المرات التي بايعها.
وأخرجه مسلم5 عن قتيبة بن سعيد عن حاتم وعن إسحاق بن إبراهيم عن حماد بن مسعدة كلاهما عن يزيد عن سلمة مثله.
وأخرجه الترمذي6 والنسائي7 كلاهما عن قتيبة عن حاتم به مثله.
وأخرجه أحمد8 عن صفوان عن يزيد عن سلمة فذكر مثله.
1 صحيح مسلم، كتاب الإمارة: 69، ومسند الحميدي 2/537، وتقدم الحديث برقم (24) .
2 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي:4169.
3 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الأحكام:7206.
4 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد:2960.
5 صحيح مسلم، كتاب الإمارة:80.
6 سنن الترمذي، كتاب السير:1592.
7 سنن النسائي 7/141.
8 مسند أحمد 4/51.
وأخرجه1 عن المكي بن إبراهيم بسنده عند البخاري ولفظه.
وأخرجه2 عن حماد بن مسعده عن يزيد عنه بنحو لفظ المكي بن إبراهيم.
وجاء عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه ما يؤيد جواب سلمة رضي الله عنه:
(81)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: لما كان زمن الحرة أتاه آت فقال له: إن ابن الحنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع على ذلك أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم"3.
وأخرجه4 من طريق سليمان بن بلال عن عمرو بن يحيى به، ذكر نحوه وزاد "وكان شهد معه الحديبية".
وأخرجه مسلم5 من طريق وهيب به مثله.
(ب) وأجاب معقل بن يسار وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم بأنهم بايعوا على عدم الفرار:
(82)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا يزيد بن زريع عن خالد عن الحكم بن عبد الله الأعرج عن معقل بن يسار قال: لقد رأيتم يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة، قال:"لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على ألا نفر"6.
وقال مسلم أيضاً: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد ح. وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة، وقال: بايعناه على ألا نفر ولم نبايعه على الموت"7.
1 مسند أحمد 4/54.
2 مسند أحمد 4/47.
3 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد:2959.
4 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي:4167.
5 صحيح مسلم، كتاب الإمارة:81.
6 صحيح مسلم كتاب الإمارة: 76، وتقدم تخريجه برقم (25) .
7 صحيح مسلم كتاب الإمارة: 67، وتقدم تخريجه برقم (23) .
وأخرجه من طريق سفيان عن أبي الزبير:
(83)
قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن عيينة ح.
وحدثنا ابن نمير حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت، إنما بايعناه على ألا نفر"1.
أخرجه الترمذي2 عن أحمد بن منيع عن سفيان بن عيينة به مثله.
وأخرجه النسائي3 عن قتيبة عن سفيان به مثله.
وأخرجه أحمد4 والحميدي5 كلاهما عن سفيان به مثله، وصرح أبو الزبير بالسماع من جابر عندهما وعند النسائي.
وأخرج الترمذي الحديث عن جابر من طريق آخر بسياق آخر:
(84)
قال: حدثنا سعيد6 بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا عيسى7 بن يونس عن الأوزاعي8 عن يحيى9 بن أبي كثير عن أبي سلمة10 عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ، قال جابر: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نفر ولم نبايعه على الموت11.
1 صحيح مسلم، كتاب الإمارة:68.
2 سنن الترمذي، كتاب السير:1594.
3 سنن النسائي بشرح السيوطي والسندي 7/140.
4 مسند أحمد 3/381.
5 مسند الحميدي 2/536.
6 سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو عثمان البغدادي، ثقة، ربما أخطأ مات سنة تسع وأربعين ومائتين: خ، م، د، ت، س. تقريب:127.
7 عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - بفتح السين وكسر الموحدة - أخو إسرائيل، كوفي نزل الشام مرابطاً، ثقة مأمون، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل إحدى وستين ومائة: ع. تقريب: 273.
8 عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي، أبو عمرو الفقيه، ثقة جليل، مات سنة سبع وخمسين ومائة: ع. تقريب: 207.
9 يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وقيل قبل ذلك: ع. تقريب: 378.
10 أبو سلمة عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل اسمه: عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر، مات سنة أربع وتسعين وكان مولده بضع وعشرين: ع. تقريب: 409، تهذيب التهذيب 12/115.
11 سنن الترمذي، كتاب السير:1591.
قال أبو عيسى: "وقد روى هذا الحديث عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: "قال جابر بن عبد الله، ولم يذكر فيه أبو سلمة"1.
قلت: يعني أن الحديث جاء من وجه آخر منقطعاً لأن يحيى بن أبي كثير لم يدرك جابر بن عبد الله.
قال أبو حاتم: "وأبو زرعة والبخاري وغيرهم لم يدرك أحداً من الصحابة إلا أنس بن مالك فإن رآه رؤية ولم يسمع منه"2 ا. هـ
وهنا قد تعارض الإرسال والوصل لكن الأرجح وصله، فالذي رواه عنه الترمذي موصولاً هو سعيد بن يحيى الأموي ثقة، وثقه ابن المديني بل قال:"إنه أثبت من أبيه ووثقه النسائي وغيره"3.
أما الطريق الذي فيه الإرسال ففيه انقطاع بين الترمذي وعيسى بن يونس، ورواه الترمذي أيضاً بصيغة التمريض، وإذا ترجح وصله فهناك علة في السند، وهي أن يحيى بن أبي كثير رواه بالعنعنة وهو مدلس4، لكن لا يضر تدليسه هنا؛ لأن أصل الحديث ثابت عند مسلم عن جابر وغيره، وقد تقدمت قريباً5.
وفيه من حديث عبد الله بن مغفل:
(85)
قال أحمد: حدثنا وكيع عن أبي جعفر6 الرازي عن الربيع7 ابن أنس عن أبي العالية8 الرياحي أو عن غيره عن عبد الله بن مغفل وكان أحد الرهط الذين نزلت فيهم هذه الآية: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ
…
} الخ، قال:
1 م، السابق 4/4/149.
2 جامع التحصيل في أحكام المراسيل: 369.
3 تهذيب التهذيب 4/97 - 98.
4 جامع التحصيل: 128.
5 انظر الحديث رقم (81، 82) .
6 أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم، مشهور بكنيته، واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، أصله من مرو وكان يتجر إلى الري، صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة، مات سنة ستين ومائة: بخ، الأربعة. تقريب:399.
7 الربيع بن أنس البكري أو الحنفي، بصري نزل خراسان، صدوق له أوهام، رمي بالتشيع، مات سنة أربعين ومائة أو قبلها: الأربعة. تقريب: 100.
8 رفيع - بالتصغير - ابن مهران أبو العالية الرياحي - بكسر الراء والتحتانية - ثقة كثير الإرسال، مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل بعد ذلك: ع. تقريب: 104.
إنني لآخذ بغصن من أغصان الشجرة أظل به النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبايعونه فقالوا، "نبايعك على الموت؟ قال: لا، ولكن لا تفروا"1.
ذكره الهيثمي وقال: "رواه الطبراني وإسناده جيد إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو عن غيره"2.
قلت: شك الربيع بن أنس في شيخه الذي روى عنه يوجب ضعف الحديث، لجهالة الشيخ الذي يحتمل أنه روى عنه غير أبي العالية.
لكن عجز الحديث الذي هو موضع الشاهد ثابت من أحاديث أخرى صحيحة تقدمت قريباً.
(جـ) وقد سئل نافع على أي شيء كانت البيعة؟ فأجاب بأنها كانت على الصبر:
(86)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعناه تحتها كانت رحمة من الله فسألنا نافعاً على أي بايعهم؟ على الموت؟ فقال: لا، بايعهم على الصبر3.
بينت هذه الروايات الشيء الذي بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة يوم الحديبية، لكن رأينا في بعضها أنه بايعهم على الموت، وفي بعضها بايعهم على عدم الفرار وفي بعضها على الصبر، فكيف التوفيق بينها؟
الواقع أنه لا خلاف بين هذه النصوص كما بين ذلك بعض العلماء:
قال الترمذي: قد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا:"لا نزال بين يديك حتى نقتل، وبايعه آخرون فقالوا: لا نفر"4 ا. هـ
وقال ابن حجر: "لا تنافي بين قولهم، بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكر نافع وعدل إلى قوله: "بل بايعهم على الصبر" أي على الثبات سواء أفضى ذلك
1 مسند أحمد 5/54.
2 مجمع الزوائد 6/146.
3 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد:2958.
4 سنن الترمذي 4/150.