المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: مثل رائع لوفاء المسلم وثباته على العقيدة - مرويات غزوة الحديبية جمع وتخريج ودراسة

[حافظ بن محمد حكمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: يشمل مقدمات الغزوة وخروج المسلمين لها وما واجههم أثناء سيرهم

- ‌الفصل الأول: تحقيق لاسم الغزوة وموقعها

- ‌المبحث الأول: المرجحات لتسمية هذه الحادثة بغزوة الحديبية

- ‌المبحث الثاني: تحقيق لاسم الحديبية وموقعها

- ‌المطلب الأول: التحقيق في اسمها من حيث ضبطه وسبب إطلاقه عليها

- ‌المطلب الثاني: موقع الحديبية وهل من الحل أو الحرام

- ‌الفصل الثاني: سبب الغزوة وتاريخها

- ‌المبحث الأول: سبب الغزوة

- ‌المبحث الثاني: تاريخ خروج المسلمين لغزوة الحديبية

- ‌الفصل الثالث: إعداد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للخروج إلى الحديبية

- ‌المبحث الأول: إعداد النبي صلى الله عليه وسلم للخروج إلى الحديبية

- ‌المبحث الثاني: عدد جيش السلمين في غزوة الحديبية

- ‌الفصل الرابع: نزول المسلمين بذي الحليفة وما عملوه بها

- ‌المبحث الأول: صلاة المسلمين بذي الحليفة وإحرامهم بالعمرة

- ‌المبحث الثاني: إرسال النبي صلى الله عليه وسلم بسر بن سفيان عينا على مكة

- ‌الفصلُ الخامسُ: إرسالُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لبعضِ أصحابِه إلى غيقةَ وقصةُ أبي قتادةَ رضي الله عنه

- ‌الفصل السادس: ما حدث للمسلمين بعسفان

- ‌المبحث الأول: عين رسول الله صلى الله عليه وسلم الخزاعي يوافيه بخبر قريش

- ‌المبحث الثاني: صلاة الخوف بعسفان:

- ‌المبحث الثالث: بيان أن ابتداء مشروعية صلاة الخوف كان في غزوة الحديبية:

- ‌المبحث الرابع: تنبية على أحاديث أوردت في صلاة عسفان وبيان وجه مغايرتها

- ‌الفصل السابع: عدول المسلمين إلى الحديبية

- ‌المبحث الأول: المشاق التي عاناها المسلمون في طريقهم الى الحديبية

- ‌المبحث الثاني: نزول المسلمين الحديبية ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير ماء البئر:

- ‌المبحث الثالث: من الذي نزل بالسهم في بئر الحديبية

- ‌الباب الثاني: موقف قريش من الغزوة وما دار بينها وبين المسلمين

- ‌الفصل الأول: موقف قريش من هذه الغزوة

- ‌المبحث الأول: إعداد قريش وخروجها لصد المسلمين

- ‌المبحث الثاني: تحرشات قريش بالمسلمين وموقف المسلمين حيالها:

- ‌الفصل الثاني: في الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش

- ‌المبحث الأول: ركب من خزاعة يسعى لإيجاد تقارب بين الطرفين

- ‌المبحث الثاني: رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قريش:

- ‌المبحث الثالث: رسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الفصل الثالث: بيعة الرضوان

- ‌المبحث الأول: سبب هذه البيعة

- ‌المبحث الثاني: مكان البيعة:

- ‌المبحث الثالث: على أي شيء كانت البيعة:

- ‌المبحث الرابع: من هو أول من بايع بيعة الرضوان:

- ‌المبحث الخامس: ما ورد في فضل أصحاب البيعة:

- ‌الفصل الرابع: في صلح الحديبية

- ‌المبحث الأول: أسباب الصلح ومقدماته

- ‌المبحث الثاني: الشروط التي تم عليها الصلح:

- ‌المبحث الثالث: كاتب الصلح وشهوده:

- ‌المبحث الرابع: تألم عمر وبعض الصحابة من شروط قريش:

- ‌المبحث الخامس: موقف المسلمين من صلح الحديبية

- ‌المطلب الأول: وفاء المسلمين بالعهد

- ‌المطلب الثاني: بيان أن امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن رد المهاجرات ليس إخلالاً بالصلح:

- ‌المبحث السادس: موقف قريش من الصلح

- ‌المطلب الأول: تخلى قريش عن أهم شروطها

- ‌المطلب الثاني: نقض قريش للعهد:

- ‌الباب الثالث: يشمل أحداثا وقعت بالحديبية لم تحدد وقت وقوعها وتحلل المسلمين وأنصرافهم

- ‌الفصل الأول: أحداث وقعت بالحديبية لم يتعين وقت وقوعها

- ‌المبحث الأول: قصة كعب بن عجرة ونزول آية الفدية

- ‌المبحث الثاني: بيان كفر من قال مطرنا بنؤ كذا

- ‌المبحث الثالث: مشروعية الصلاة في الرحال:

- ‌المبحث الثالث: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية

- ‌الفصل الثاني: تحلل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابة من الإحرام

- ‌المبحث الأول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالنحر والحلق وذكر مادار بينهم

- ‌المبحث الثاني: عدد الهدي الذي نحره المسلمون في عمرة الحديبية:

- ‌المبحث الثالث: قصة جمل أبي جهل:

- ‌المبحث الرابع: هل نحر المسلمون الهدى في الحل أو الحرم

- ‌الفصل الثالث: أحداث وقعت للمسلمين في طريقهم للمدينة

- ‌المبحث الأول: انصراف المسلمين من الحديبية ونومهم عن صلاة الصبح

- ‌المبحث الثاني: نزول سورة الفتح:

- ‌المبحث الثالث: معجزة النبي صللى الله عليه وسلم في نبع الماء من أصابعه وفي تكثير الطعام

- ‌المبحث الرابع: نزول المسلمين بالأثايه:

- ‌الفصل الرابع: فضل غزوة الحديبية ونتائجها

- ‌المبحث الأول: فضل غزوة الحديبية

- ‌المبحث الثاني: نتائج غزوة الحديبية:

- ‌الباب الرابع: أحكام وفوائد من فقه مرويات الغزوة

- ‌توطئة

- ‌الفصل الأول من أحكام الجهاد الواردة في الغزوة

- ‌المبحث الأول: مشروعية الشورى:

- ‌المبحث الثاني: حكم الاستعانة بالمشرك:

- ‌المبحث الثالث: مقدار المدة التي تجوز مهادنة الكفار عليها:

- ‌المبحث الرابع: هل تجوز مصالحة الكفار على رد من جاء من قبلهم مسلماً:

- ‌المبحث الخامس: إذا رد الإمام إلى المعاهدين من جاء من قبلهم فأحدث جناية فيهم، فهل عليه أو على الإمام ضمان

- ‌الفصل الثاني: أحكام تتعلق بالعقيدة

- ‌المبحث الأول: حكم القيام على رأس الكبير وهو جالس

- ‌المبحث الثاني: تعريف الفأل وبيان استحبابه وأنه مغاير للطيرة:

- ‌المبحث الثالث: بيلن كفر من اعنقد أن للكوكب تأثيرا في ايجاد المطر

- ‌المبحث الرابع: هل يجوز التبرك بفضلات الصالحين وآثارهم

- ‌المبحث الخامس: هل كتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية حقيقة

- ‌الفصل الثالث: الدروس والعبر المستفادة من بعض مواقف الغزوة

- ‌المبحث الأول: أتهام العقل أمام النصوص الصريحة

- ‌المبحث الثاني: أنموذج من التربية النبوية:

- ‌المبحث الثالث: مثل رائع لوفاء المسلم وثباته على العقيدة

- ‌المبحث الرابع: صروح الكفر والطغيان تتهاوى أمام عزمات الإيمان

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: مثل رائع لوفاء المسلم وثباته على العقيدة

ولكن ما الذي يحدث حين تترسخ تلك المعاني في شعورهم؟

إن تلك المعاني - إذا تمكنت من قلب المسلم - لكفيلة بأن تصبغ حياته كلها بصبغة العبودية لله وحده، وإذا شملت العبادة كل نواحي حياة المسلم فإن لهذا الشمول آثاراً مباركة سوف يشعر بها الفرد في نفسه ثم يلمسها فيمن حوله "ومن أبرز تلك الآثار أمران:

الأول: أنه يصبغ حياة المسلم وأعماله فيها بالصبغة الربانية، ويجعله مشدوداً إلى الله في كل ما يؤديه، فهو يقوم بنية العابد الخاشع، وروح القانت المخبت، وهذا يدفعه إلى الاستكثار من كل عمل نافع، وكل إنتاج صالح، وكل ما ييسر له ولأبناء نوعه الانتفاع بالحياة، على أمثل وجوهها، فإن ذلك يزيد رصيده من الحسنات والقربات عند الله تعالى كما يدعوه هذا المعنى إلى إحسان عمله الدنيوي وتجويده وإتقانه، ما دام يقدمه إلى ربه سبحانه ابتغاء رضوانه وحسن مثوبته.

الثاني: أنه يمنح المسلم وحدة الوجهة، ووحدة الغاية في حياته كلها، فهو يرضى رباً واحداً في كل ما يأتي ويدع، ويتجه إلى هذا الرب بسعيه كله الديني والدنيوي، لا انقسما ولا صراع، ولا ازدواج في شخصيته ولا في حياته" 1.

وقد يقول قائل - انطلاقاً من واقعنا المؤلم الذي تلاشت فيه هذه المعاني أو كادت - إن هذه المعاني خيالات وأوهام لا تعدو ذهن قائلها ولا رصيد لها من الواقع، ونحن نطالبه أن يرجع إلى الوراء قليلاً فينظر واقع الصحابة رضوان الله عليهم كيف استحالت تلك المعاني إلى حقائق ملموسة في حياتهم كلها، وما حفظ الله سيرتهم إلا لتكون حجة على كل من جاء بعدهم.

1 انظر: كتاب العبادة في الإسلام: 66.

ص: 304

‌المبحث الثالث: مثل رائع لوفاء المسلم وثباته على العقيدة

المبحث الثالث: مثل رائع لوفاء المسلم وثباته على عقيدته:

كان من جملة الشروط التي أخذتها قريش على المسلمين في صلح الحديبية: أن على المسلمين أن يردوا من جاءهم من قبل قريش، ولا ترد قريش من جاءها من قبل المسلمين.

وقد كره المسلمون هذا الشرط إلا أن سهيل بن عمرو قد أصر عليه، وما أن وقع

ص: 304

الاتفاق بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو على عقد الصلح حتى طلع عليهما أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد، وكان قد خرج فاراً بدينه إلى المسلمين.

فلما رآه والده قام إليه فضرب وجهه وأخذ يجره بثيابه ليرده إلى مكة، وأبو جندل يستنجد برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ليحولوا بينه وبين أبيه، لكن ماذا يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون؟ إنهم قد أعطوا قريشاً عهداً على رد من جاء من قبلها، فالأمر أصبح بيد قريش، وسهيل بن عمرو هو الناطق باسمها.

وحين رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إصرار سهيل بن عمرو على رد أبي جندل تركه وشأنه، ثم أوصى أبا جندل بكلمات قال فيها:"يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً".

ورجع سهيل بن عمرو بأبي جندل رضي الله عنه إلى مكة حيث الفتنة والتعذيب1.

وليست قصة أبي جندل هذه بأعجب من قصة أبي بصير رضي الله عنه، فأبو بصير ترك مكة فراراً بدينه من الفتنة، وقدم المدينة، لكنه لم يكد يستعيد أنفاسه حتى قدم في طلبه رجلان من قبل قريش.

فما الذي سيحدث يا ترى؟

هل خوف أبي بصير على دينه من الفتنة سيشفع له في عدم إسلامه لرسولي قريش؟

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدرك حال أبي بصير تماماً ويشفق عليه أيما إشفاق، كيف لا! والله عز وجل يقول في حقه:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} 2.

لكن كان يحول بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حماية أبي بصير من قريش العهد الذي أخذته قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

1 انظر قصة أبي جندل ص 314، 315.

2 سورة التوبة آية: 128.

ص: 305

فلذلك أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير إلى رسولي قريش بعد أن زوده بنحو الوصية التي زود بها أبا جندل.

وخرج الرجلان بأبي بصير يريدان مكة، حيث الفتنة والتعذيب1.

ففي هاتين القصتين دروس عظيمة أهمها درسان:

الأول: وفاء المسلم بعهده، فقد رأينا كيف أسلم المؤمنون إخوانهم إلى الكفار وهم يعلمون أن مصيرهم ثَمّ هو التعذيب، وما فعلوا ذلك إلا وفاء بالعهد، فالوفاء صفة أصيلة في المؤمن، وقد امتدح الله المؤمنين بذلك في قوله:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} 2، كما ذم الكفار بنقيض ذلك فقال:{وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} 3.

الثاني: ثبات المؤمن على عقيدته مهما كلفه من ثمن، فأبو بصير وأبو جندل يعلم كل منهما ما ينتظره في مكة من الفتنة والتعذيب، لكن لم يعبأ واحد منهما لذلك إنما كان خوفهما على دينهما لأن العقيدة هي أغلى ما يملكه المؤمن، ولقد شهدت مكة نماذج كثيرة من ذلك الثبات، فقد شهدت قبل ذلك خبيب بن عدي رضي الله عنه تتناوشه رماح قريش وهو يقول:

ما إن أبالي حين أقتل مسلماً

على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع4

1 انظر قصة أبي بصير ص 328.

2 سورة الرعد آية: 19-20.

3 سورة الرعد آية: 25.

4 قال ذلك حين أرادت قريش قتله، وكان من قصته أنه جاء رهط من عضل والقاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادّعوا الإسلام وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل معهم من يعلمهم، فأرسله في تسعة من القراء، سنة ثلاث، وأميرهم عاصم بن ثابت، فغدر بهم أولئك الرهط فقتلوا بعضهم وأسروا البعض، وكان ممن أسروا خبيب بن عدي فأسلموه إلى قريش. انظر صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي: 4086، وسيرة ابن هشام 3/169.

ص: 306