الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه1.
وقال ابن تيمية2: "لا غنى لولي الأمر عن المشاورة، فإن الله قد أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} الآية".
ومحل الشورى: هو أمور الحرب، والنوازل، وسائر الأمور التي لم يرد فيها دليل صريح من الشرع3.
ومن فوائد الشورى:
1 -
تأليف قلوب الأتباع واستطابة نفوسهم.
2 -
استخراج وجه الرأي منهم4.
3 -
التعرف على مصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض5.
1 تفسير ابن عطية 3/280.
2 السياسة الشرعية: 157.
3 انظر م السابق، وتفسير ابن عطية 3/281.
4 انظر المصدرين السابقين، وزاد المعاد 3/302.
5 زاد المعاد 3/302.
المبحث الثاني: حكم الاستعانة بالمشرك:
جاء في حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بسر بن سفيان الخزاعي عيناً إلى مكة1.
وقد استدل بعض العلماء بقصة بسر هذه على جواز الاستعانة بالمشركين في الجهاد.
قال ابن القيم: "إن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة، لأن عينه الخزاعي كان كافراً إذ ذاك، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم"2 اهـ.
1 انظر ص:99.
2 زاد المعاد 3/301.
هكذا قال ابن القيم، وقد سبقه إلى ذلك مجد الدين ابن تيمية1، وتبعهما بعض المتأخرين2.
والظاهر أن ليس في قصة الخزاعي هذه دلالة على جواز الاستعانة بالمشرك في الجهاد؛ لأنه لم يرد في هذا الحديث ولا في غيره ما يدل على أنه كان كافراً إذ ذاك.
بل ورد عن بعض العلماء ما يدل على أنه أسلم قبل الحديبية.
قال ابن عبد البر: "بسر بن سفيان بن عويمر الخزاعي، أسلم سنة ست من الهجرة، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم عيناً إلى قريش إلى مكة، وشهد الحديبية، وهو المذكور في حديث الحديبية من رواية الزهري عن عروة عن المسور ومروان قوله: حتى إذا كان بغدير الأشطاط لقيه عينه الخزاعي، فأخبره خبر قريش وجموعهم، قالوا: هو بسر بن سفيان هذا"3 اهـ
وقد نقل ابن حجر كلام ابن عبد البر وسكت عليه4.
وقال الزرقاني: "واختار بسر بن سفيان بن عمرو هذا، لقرب عهده بالإسلام؛ لأنه أسلم في شوال فلا يظنه من رآه عيناً فلا يؤذيه"5 اهـ.
فقد رأينا من كلام ابن عبد البر والزرقاني أنهما يريان أن بسر بن سفيان أسلم قبل الحديبية.
وعلى فرض أنه لم يثبت ما ورد في إسلامه فلا تصلح قصته دليلاً على جواز الاستعانة بالمشرك، لوجود الاحتمال، لا سيما وهي معارضة بأحاديث صحيحة.
فالحاصل: أن قصة بسر بن سفيان الخزاعي لا دلالة فيها على جواز الاستعانة بالمشرك مطلقاً ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر بعض العلماء، وإنما وردت بذلك أحاديث كلها ضعيفة، وهي:
1 -
حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنا
1 منتقى الأخبار: 732.
2 الأستاذ أبو زهرة، خاتم النبيين: 858، والدكتور البوطي، فقه السيرة:352.
3 الاستيعاب 1/309 مع الإصابة.
4 الإصابة 1/245.
5 شرح الزرقاني على المواهب اللدنية 2/181.
الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي: قال أبو يوسف أنبأ الحسن بن عمارة عن الحكم بن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود بني قينقاع، فرضخ1 لهم ولم يسهم لهم"2.
قال البيهقي: "تفرد به الحسن بن عمار وهو متروك، ولم يبلغنا في هذا حديث صحيح"3.
2 -
حديث الزهري:
قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو الوليد الفقيه ثنا الحسن بن سفينا ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص عن ابن جريج عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا بناس من اليهود فأسهم لهم4.
وهذا الحديث قد أرسله الزهري، والمرسل من قسم الضعيف، لا سيما مرسلات الزهري.
3 -
حديث فطير الحارثي:
قال البيهقي: وقد روى الواقدي عن ابن أبي سيرة عن فطير الحارثي قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة من اليهود من يهود المدينة إلى خيبر فأسهم لهم كسهمان المسلمين"5.
قال البيهقي: "هذا منقطع وإسناده ضعيف"6.
فهذه الأحاديث التي دلت على جواز الاستعانة بالمشرك، وهي ضعيفة لا تقوم بها حجة ولا يثبت بها حكم.
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها.
قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك ح.
وحدثنيه أبو طاهر (واللفظ له) ، حدثني عبد الله بن وهب عن مالك ابن أنس
1 الرضخ: العطية القليلة. النهاية 2/228.
2 السنن الكبرى 9/53.
3 م السابق.
4 م السابق.
5 م السابق.
6 السنن الكبرى 9/53.
عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن دينار الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة1، أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تؤمن بالله ورسوله"؟ قال: لا، قال "فارجع فلن أستعين بمشرك".
قالت: ثم مضى، حتى إذا كنا بالشجرة2 أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة، قال:"فارجع فلن أستعين بمشرك"، قال:"ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: "تؤمن بالله ورسوله؟ " قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فانطلق"3.
وفيه من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه:
قال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أحمد بن محمد العنبري ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا يوسف بن عيسى المروزي ثنا الفضل بن موسى السيناني، عن محمد بن عمرو عن سعيد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة قال من هؤلاء؟ قالوا: بني قينقاع - وهم رهط عبد الله بن سلام - قال: وأسلموا؟ قالوا: لا، قال: بل هم على دينهم، قال:"قل لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين"4.
وأشار البيهقي5 إلى أن سند هذا الحديث صحيح.
وفيه من حديث خبيب بن عبد الرحمن:
قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون قال: أنا المستلم بن سعيد الثقفي عن عباد ثنا خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد
1 حرة الوبرة: محركة وبعضهم جوز تسكين الباء على ثلاثة أميال من المدينة، عمدة الأخبار في مدينة المختار: 310، وهي المشرفة على وادي العقيق. انظر حاشية رقم (1) من المصدر السابق.
2 الشجرة: هي ذو الحليفة، انظر كتاب ((المناسك وأماكن طرق الحج)) للحربي:425، وقال الأسدي: الرحلة من المدينة إلى ذي الحليفة وهي الشجرة، ومنها يحرم أهل المدينة وهي على خمسة أميال ونصف، انظر المصدر السابق ص427 حاشية رقم (2) .
3 صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير:150.
4 السنن الكبرى 9/37.
5 السنن الكبرى 9/37.
غزواً أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم، قال: أو أسلمتا؟ قلنا: لا، قال:"فلا نستعين بالمشركين على المشركين"، فأسلمنا وشهدنا معه
…
" الحديث1.
وسند هذا الحديث حسن.
وقد ذهب إلى جواز الاستعانة بالمشركين جماعة من العلماء، وهو مروي عن أبي حنفية والشافعي وأحمد2؛ للأحاديث السابقة في جواز الاستعانة بهم3.
وقد استدلوا أيضاً بقصة شهود صفوان بن أمية لغزوة حنين، وهو مشرك، وبشهود قزمان غزوة أحد وهو مشرك، وبشهود ابن أُبَيْ لبعض الغزوات4.
وقد اشترطوا لجواز ذلك شروطاً هي:
1 -
أن يكون في المسلمين قلة وتدعوا الحاجة إلى ذلك.
2 -
أن يكونوا ممن يوثق بهم فلا تخشى ثائرتهم5.
3 -
أن يكون مع الإمام جماعة يستقل بهم في إمضاء الأحكام6.
وذهب جماعة إلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين، وممن قال بذلك ابن المنذر، والجوزجاني، وهو مروي عن الشافعي7.
واستدل أصحاب هذا القول: بحديث عائشة رضي الله عنها وحديث أبي حميد الساعدي وحديث خبيب بن عبد الرحمن السابقة.
وقالوا: إن الأحاديث الدالة على الجواز كلها ضعيفة، لا تقوى على المعارضة.
وقد رجح الشوكاني هذا القول حيث قال: "والحاصل أن الظاهر من الأدلة عدم جواز الاستعانة بمن كان مشركاً مطلقاً لما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نستعين بالمشركين"
1 مسند أحمد 3/454.
2 انظر المغني لابن قدامة 8/414، ونيل الأوطار 7/237.
3 السنن الكبرى 9/37، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ:397.
4 نيل الأوطار 7/237.
5 انظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ: 396، والمغني لابن قدامة 8/414.
6 نيل الأوطار 7/237، وسبل السلام 4/50.
7 المغني لابن قدامة 8/414، ونيل الأوطار 7/237.