الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ويلحق بهذا الحكم كل من نسب شيئاً من التأثير في الكون لغير الله بحسب حاله على التفصيل السابق
المبحث الرابع: هل يجوز التبرك بفضلات الصالحين وآثارهم
؟
جاء في حديث المسور ومروان: "فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده
…
وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه"1.
قال ابن حجر عند هذه القصة: "جواز التبرك بفضلات الصالحين الطاهرة"2.
قلت: قد تطرق الشاطبي لهذه القضية وذكر كلاما ًجيداً بين فيه إجماع الصحابة على ترك هذا الأمر: ووجه ذلك:
فقد ذكر الشاطبي ما في حديث المسور ومروان هذا، وأحاديث أخرى تماثله ثم قال: فالظاهر في مثل هذا النوع أن يكون مشروعاً في حق من ثبت ولايته واتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتبرك بفضل وضوءه ويتدلك بنخامته ويستشفى بآثاره كلها، ويرجى نحو مما كان في آثار المتبوع الأصل3 صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه مشكل في تنزيله، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه إذ لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه فهو كان خليفته ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنه وهو كان أفضل الأمة بعده ثم كذلك عثمان ثم علي، ثم سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمة، ثم لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبركاً تبرك به على أحد تلك الوجوه أو نحوها، بل اقتصروا على الاقتداء بالأفعال والأقوال والسير التي اتبعوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء.
وبقي النظر في وجه ترك ما تركوا منه، ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يعتقدوا فيه الاختصاص وأن مرتبة النبوة يسع فيها ذلك كله
1 انظر ص: 219.
2 فتح الباري 5/341.
3 قال محقق كتاب الاعتصام: يظهر أن الجملة محرفة.
للقطع بوجود ما التمسوا من البركة والخير، لأنه عليه السلام كان نوراً كله في ظاهره وباطنه، فمن التمس منه نوراً وجده على أي وجه التمسه بخلاف غيره من الأمة - وإن حصل له من نور الاقتداء به والاهتداء بهديه ما شاء الله - لا يبلغ مبلغه على حال توازيه في مرتبته ولا تقاربه، فصار هذا النوع مختصاً به كاختصاصه بنكاح ما زاد على الأربع، وإحلال بضع الواهبة نفسها له، وعدم وجوب القسم على الزوجات وشبه ذلك، فعلى هذا المأخذ: لا يصح لمن بعده الاقتداء به في التبرك على أحد تلك الوجوه ونحوها، ومن اقتدى به كان اقتداؤه بدعة، كما كان الاقتداء في الزيادة على الأربع نسوة بدعة.
الثاني: أن لا يعتقدوا الاختصاص ولكنهم تركوا ذلك من باب سد الذرائع خوفاً من أن يجعل ذلك سنة - كما تقدم ذكره في اتباع الآثار - 1 والنهي عن ذلك، أو لأن العامة لا تقتصر في ذلك على حد بل تتجاوز فيه الحدود، وتبالغ بجهلها في التماس البركة، حتى يداخلها للمتبرك به تعظيم يخرج به عن الحد، فربما اعتقد في المتبرك به ما ليس فيه، وهذا التبرك هو أصل العبادة، ولأجله قطع عمر رضي الله عنه الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو كان أصل عبادة الأوثان في الأمم الخالية - حسبما ذكر أهل السير - فخاف عمر أن يتمادى الحال في الصلاة إلى تلك الشجرة، حتى تعبد من دون الله، فكذلك يتفق عند التوغل في التعظيم
…
إلى أن قال: وقد يظهر بأول وهلة أن هذا الوجه الثاني أرجح لما ثبت في الأصول العلمية أن كل قربة أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم فإن لأمته أنموذجاً منها ما لم يدل دليل على الاختصاص.
إلا أن الوجه الأول أيضاً راجح من جهة أخرى، وهو إطباقهم على الترك إذ لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده أو عملوا به ولو في بعض الأحوال، إما وقوفاً مع أصل المشروعية، وإما بناء على اعتقاد انتفاء العلة الموجبة للامتناع.
وقد أخرج ابن وهب في جامعه من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: حدثني رجل2 من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أو تنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته فشربوه ومسحوا به جلودهم، فلما رآهم يصنعون
1 انظر الاعتصام 1/346.
2 هو: عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه. الترغيب والترهيب 3/589.