الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: إذا رد الإمام إلى المعاهدين من جاء من قبلهم فأحدث جناية فيهم، فهل عليه أو على الإمام ضمان
؟
جاء في حديث المسور ومروان أن أبا بصير حين دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسولي قريش، قتل واحداً منهما، ولم يضمن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا ضمنه أبو بصير1.
ولذلك قال ابن القيم: "إن المعاهدين إذا تسلموه وتمكنوا منه، فقتل أحداً منهم، لم يضمنه بدية، ولا قود، ولم يضمنه الإمام بل يكون حكمه في ذلك حكم قتله لهم في ديارهم، حيث لا حكم للإمام عليهم، فإن أبا بصير قتل أحد الرجلين المعاهدين بذي الحليفة، وهي من حكم المدينة، ولكن كان قد تسلموه وفصل عن يد الإمام وحكمه"2 اهـ.
قلت: هذه المسألة فيها قضيتان:
الأولى: ضمان الجاني.
الثانية: ضمان الإمام.
فبالنسبة للجاني يرى ابن القيم أنه لا ضمان عليه، ولم يذكر تعليلاً لذلك.
وأما السهيلي: فيرى ارتفاع الحرج عنه فقط، ويعلل ذلك بأمرين هما:
1 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثرب على أبي بصير بل مدحه حيث قال: "ويل أمه محش حرب".
2 -
أنه دافع عن نفسه ودينه: قال: "ومن قتل دون دينه فهو شهيد" اهـ.
أما الضمان فإنه يلزمه عند السهيلي كما هو مفهوم كلامه حيث قال: "وإنما لم يطالبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية، لأن أولياء المقتول لم يطالبوه إما لأنهم قد أسلموا، وإما لأن الله شغلهم عن ذلك حتى انتكث العهد وجاء الفتح"3.
قلت: بل طالب أولياء المشرك الذي قتله أبو بصير بدية صاحبهم.
قال ابن إسحاق: "فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري
1 انظر ص: 328.
2 زاد المعاد 3/308.
3 الروض الأنف 6/494.
أسند ظهره إلى الكعبة" ثم قال: "والله لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودى هذا الرجل"، فقال أبو سفيان بن حرب: "والله إن هذا لهو السفه، والله لا يودى (ثلاثاً) " 1.
ونقله ابن حجر عن ابن إسحاق وفيه: فقال أبو سفيان: ليس على محمد مطالبة بذلك؛ لأنه وفّى بما عليه وأسلمه لرسولكم، ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير شيء أيضاً، لأنه ليس على دينهم2 ا. هـ
فالتحقيق أنه لا ضمان على القاتل في هذه الحالة بدية، ولا قود، لأنهم أهل حرب بالنسبة له لا أهل عهد وذمة.
قال ابن حجر: ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدراً لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، لأنه إذ ذاك كان محبوساً بمكة3 ا. هـ
والقضية الثانية من المسألة:
هل على الإمام ضمان في مثل ما فعل أبو بصير؟
ذكر ابن القيم أنه لا ضمان عليه وعلل ذلك: بأنه سلمه لهم ولم يعد تحت يده وحكمه.
وظاهر كلام السهيلي أيضاً أنه لا ضمان على الإمام4.
1 سيرة ابن هشام 3/324.
2 فتح الباري 5/351.
3 فتح الباري 5/351.
4 الروض الأنف 6/494.
المبحث السادس: إذا عاهد الإمام قوماً فخرجت عليهم طائفة من المسلمين غير متحيزة إلى الإمام، فهل على الإمام دفعها عنهم؟
جاء في حديث المسور ومروان أن أبا بصير وأبا جندل في جماعة من المسلمين قد خرجوا إلى سيف البحر، على طريق عير قريش، فكانت لا تمر بهم عير إلا قتلوا أصحابها، وأخذوها ولم يمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
1 انظر ص: 348.
ولذلك قال ابن القيم: "إن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم، ومنعهم منهم، سواء دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا، والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم، وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد، جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم، إذا لم يكن بينه وبينهم عهد، كما أفتى به شيخ الإسلام في نصارى ملطية مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين"1 اهـ.
1 زاد المعاد 3/309.