الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا شك أن ذلك "التأويل" الذي سلكوه في تفسير كتاب الله عقبة في طريق التفاهم والوصول إلى لقاء؛ إذ كيف يمكن أن نرد "النزاع" إلى كتاب الله وهم جعلوا من تأويلهم له كتاباً آخر غير ما في أيدي المسلمين؟!! فماذا يقول دعاة التقارب والمدافعون عن التشيع في ذلك؟
إليك آراء بعض علمائهم المعاصرين في هذا الأمر:
(أ) رأي مرجع الشيعة «الخوئي» :
يعقد الخوئي في كتابه «البيان في تفسير القرآن» مبحثاً عنوانه: (حجية ظواهر القرآن)(1) يؤكد فيه على أنه لا بد من العمل بظواهر القرآن، فهل معنى هذا أن "الخوئي" يرفض ذلك التفسير الباطني الموجود في أكثر كتب التفسير عندهم؟. إنا نراه وهو يدّعي هذا القول يذهب إلى توثيق أسانيد القمي في تفسيره وصحة أحاديثه (2) ، وتفسير القمي قد بلغ الغاية في التأويلات الباطنية لآيات القرآن، وليس ذلك فحسب بل إنه ذهب إلى حمل ما ورد من "طرقهم" من روايات تقول بأن الصحابة حرفوا كتاب الله على أن المراد بها أن الصحابة قد فسروا آيات القرآن على غير معانيها الحقيقية (3) ، وكان الأحرى به لو كان صادقاً في الدفاع عن "قدسية القرآن" أن يرد تلك الروايات لا أن يحملها هذا المحمل الذي يكرس به ذلك التفسير الباطني في كتبهم، ويلغي به هداية القرآن بين شيعته.
(1)«البيان» : ص 263 وما بعدها.
(2)
مر نقل ذلك بحروفه عن الخوئي: ص 182 من هذا البحث.
(3)
مر نقل النص بحروفه ص 34 من هذا البحث.
ولعل القارئ يتساءل كيف يطعن الخوئي في تفسير الصحابة لكتاب الله ويوثق روايات القمي، وهو يزعم أنه يعمل بالظواهر؟ وجواب هذا التساؤل عند أصحاب التقية.
ثم إن هذا "الخوئي" وقف من رواياتهم التي تسند علم هذا القرآن إلى أئمتهم الاثني عشر موقف الموافقة في الغالب، وإليك بعض هذه الروايات وموقف الخوئي منها:
يزعمون - في حديث لهم - أن أبا عبد الله قال لأبي حنيفة:
أنت فقيه أهل العراق؟ قال: نعم، قال: فبأي شيء تفتيهم؟ قال: بكتاب الله وسنّة نبيه، قال "ع": يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: نعم، قال "ع": يا أبا حنيفة لقد ادعيت علماً - ويلك - ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أُنزل عليهم! ويلك ما هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وما ورثك الله تعالى من كتابه حرفاً (1) .
وفي رواية زيد الشحام، قال: دخل قتادة على أبي جعفر "ع" فقال له: أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، فقال "ع": بلغني أنك تفسر القرآن، قال: نعم، إلى أن قال: يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، يا قتادة - ويحك - إنما يعرف القرآن من خوطب به (2) .
(1)«البيان» الخوئي: ص 267.
(2)
المصدر السابق: (ص 267- 268) .
وكان جواب الخوئي عن الرواية الأولى: (أنهم هم المخصصون بعلم القرآن - يعني الأئمة - على واقعه وحقيقته، وليس لغيرهم في ذلك نصيب)(1) !! وقال عن الثانية - رواية زيد الشحام -: (وأما الرواية الثانية فقد تضمنت لفظ التفسير وهو بمعنى كشف القناع، فلا يشمل الأخذ بظاهر اللفظ لأنه غير مستور ليكشف عنه القناع)(2) ، ويتبين واضحاً من توجيه الخوئي للرواية الأخيرة حقيقة مذهبه في حجية الظواهر، فهو يرى أن في القرآن ما يحتاج إلى تفسير وهذا من خصوصيات الأئمة فلا يدخل في قوله:(بالعمل بظواهر القرآن لكل أحد) ، وهناك نوع آخر هو الذي لا يحتاج إلى تفسير، وهو ما يعبر عنه الخوئي بغير المستور فلا يختص به الأئمة، وهذا هو الظاهر عنده الذي لا يحتاج إلى تفسير باطني من عند الأئمة، ولهذا قال "الخوئي" معقباً على روايتهم الأولى:(وإلا فكيف يعقل أن أبا حنيفة لا يعرف شيئاً من كتاب الله حتى مثل قوله تعالى: (قل هو الله أحد (، وأمثال هذه الآية مما يكون صريحاً في معناه؟)(3) .
ومعنى هذا أن رأيه في حجية الظواهر لا يخالف موافقته على التفسير الباطني. وما ندري ما هي تلك الآيات الظاهرة التي لا تحتاج إلى تفسير، والآيات غير الظاهرة التي تحتاج إلى تفسير باطني من عند الأئمة؟!
(1) المصدر السابق: ص 268.
(2)
المصدر السابق: ص 268.
(3)
«البيان» : ص 268.
(ب) رأي آيتهم العظمى «عبد الحسين شرف الدين الموسوي» (1) :
لما قال موسى جار الله: (في كتب الشيعة أبواب في آيات وسور نزلت في الأئمة والشيعة، وفي آيات وسور نزلت في كفر أبي بكر وعمر وكفر من اتبعهما والآيات تزيد على المئة بل فيها سور مستقلة.. يذكر كل ذلك أكبر إمام للشيعة في أقدس كتبها في أصول الكافي)(2) .
أجابه هذا "الموسوي" بقوله:
(أما ما نزل في فضل الأئمة من أهل البيت وشيعتهم فمسلم بحكم الضرورة من علم التفسير المأثور من السنن وبحكم ما ثبت في السنّة المقدسة من أسباب النزول، وأما نزول شيء من القرآن في كفر فلان وفلان فإنه مما نبرأ إلى الله منه والبلاء فيه، إنما جاء من بعض غلاة المفوضة (3) . وربما كان في كتبهم فرآه هذا الرجل فرمى البريء بحجر المسيء شأن الجهال بحقائق الأحوال) (4) .
المناقشة:
يلاحظ القارئ أن عبد الحسين، يعترف بوجود ذلك التأويل
(1) سيأتي التعريف به في (محاولات التقريب) .
(2)
«الوشيعة» : ص 27، وانظر: ص 65.
(3)
المفوضة: قال في تعريفهم شيخ الشيعة "المفيد": (والمفوضة صنف من الغلاة، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم من الغلاة اعترافهم بحدوث الأئمة وخلقهم، ونفي القدم عنهم وإضافة الخلق والرزق مع ذلك إليهم، ودعواهم أن الله سبحانه وتعالى تفرد بخلقهم خاصة وأنه فوض إليهم خلق العالم بما فيه)«شرح عقائد الصدوق» : (ص 258- 259) ، وهو ملحق بكتاب «أوائل المقالات» .
(4)
«أجوبة مسائل جار الله» : ص 67.
المتعسف لكثير من آيات القرآن بالأئمة عندهم، بل يرى أن هذا مسلم عندهم بحكم الضرورة، مع أنه تأويل باطني لا تربطه بالآيات أدنى رابطة كما سبق التمثيل لذلك (1) .
وليس غريباً إقراره بذلك، فقد خرج علينا في كتابه «المراجعات» بتأويلات في غاية الغرابة لآيات من القرآن فسرها بالأئمة الاثني عشر، مع أنها لا تحمل أية دلالة على ذلك التأويل الذي فسرها عليه، كما سيأتي بعد قليل، ولكن الغريب أن ينكر هذا الموسوي حقيقة قائمة، وواقعاً ملموساً في كتب الشيعة، يتمثل في عشرات من الروايات تفسر آيات الكفر والكفار بالشيخين رضي الله عنهما كما سلف نقل ذلك من أُمّات كتبهم المعتمدة، ويأتي هذا الموسوي ليخدع الناس، وينكر ما هو واقع، ويلصق ذلك بالمفوضة الذين لم يقل الكاتبون من الشيعة عنهم أن من مذهبهم تفسير آيات الكفار بالشيخين مطلقاً (2) ، ثم إن فرقة المفوضة اندثرت ولا توجد باعتراف شيخ الشيعة محمد حسين آل كاشف الغطا (3) ، فكيف يقول هذا الموسوي أن موسى جار الله ربما رأى ذلك في كتب المفوضة؟.
ثم إن «الكافي» ، و «البحار» ، و «تفسير القمي» ، والعياشي، والصافي وغيرها منتشر فيها ذلك التأويل، وهي كتب الاثني عشرية بلا إشكال، بل هي المعتمدة عندهم.
(1) في مبحث (انحرافهم في تأويل القرآن) .
(2)
انظر: «شرح عقائد الصدوق» : المفيد: ص 258.
(3)
لأنه يزعم أن كل فرق الغلاة قد اندرست. انظر: «أصل الشيعة» : ص 38.
ثم إن تفسير آيات الإيمان والمؤمنين.. بالأئمة وتفسير آيات الكفر والكافرين بالشيخين وأتباعهما. قضية واحدة، وكفتا ميزان لا تنفصلان في كتب الاثني عشرية بدليل أحاديثهم وأبوابهم التي ذكروها في هذا الباب، مثل:
باب: (في تأويل المؤمنين والمسلمين والإسلام بهم وبولايتهم عليهم الصلاة والسلام، والكفار والمشركين والكفر والشرك والجبت والطاغوت واللات والعزى والأصنام بأعدائهم ومخالفيهم) وفيه مائة حديث (1) .
باب: (أنهم الأبرار والمتقون والسابقون والمقربون وشيعتهم أصحاب اليمين وأعداؤهم الفجار والأشرار وأصحاب الشمال) وفيه خمسة وثلاثون حديثاً (2) .
باب: (أنهم الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات وأعداؤهم الفواحش والمعاصي في بطن القرآن)(3) ، وأعداؤهم هم الشيخان ومن اتبعهم كما يتبين من خلال الأحاديث المذكورة في هذه الأبواب وقد مر ذكر بعضها (4) .
أما لماذا فصل بينهما هذا الموسوي؟ فالجواب على ذلك أن الثناء على الشيخين محل إجماع المسلمين وتكفيرهم كفر، وما كان محل إجماع المسلمين تجري فيه التقية عندهم كما قال الطوسي، وأما تأويل آيات القرآن بالأئمة فهذا مسلك يدخله تحت غطاء
(1)«البحار» : المجلسي: (جـ23/ص 354- 390) .
(2)
«البحار» : المجلسي: (جـ4/ص1- 8) .
(3)
«البحار» : المجلسي: (24/286- 304) .
(4)
ص 213 وما بعدها من هذه الرسالة.
"فضل أهل البيت" فلا يلزم استخدام التقية، لأن فضل أهل البيت محل اتفاق المسلمين، ولو قال هذا الموسوي إنني لا أقول بذلك التأويل، أو أن بعض الشيعة يرفض هذه الروايات لكان له وجه، أما أن ينكر واقعاً قائماً في كتبهم فهذا هو عين التقية (1) ، ولنا أن نسأل آيتهم العظمى عبد الحسين هل يعتبر الكليني الذي أخرج روايات كثيرة في تأويل آيات الكفر والكفار بالشيخين رضي الله عنهما مع أنه التزم الصحة في كل ما يرويه - هل يعتبره من غلاة المفوضة؟، إن كان ذلك كذلك فهذا موقف يستحق الإشادة والتقدير، وكذلك ينسحب هذا الحكم في كل من روى ذلك اللون من التفسير كالقمي، والكاشاني، والبحراني، والملجسي وأضرابهم. ومعنى ذلك أن الشيعة يتلقون دينهم من غلاة المفوضة.
(ج) رأي صاحب كتاب «أضواء على خطوط محب الدين الخطيب» (2) :
حينما قال محب الدين الخطيب مشيراً إلى انحراف الشيعة عن جمهور المسلمين في مصادر التلقي: (وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا ولهم على التقارب نحو الوحدة، فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته وصرف
(1) وفي مجلة «رسالة لإسلام» ـ لسان دار التقريب ـ أنكر محمد صادق الصدر ـ رئيس مجلس التمييز الشرعي الجعفري ـ وجود هذا التأويل عندهم، مع أنه موجود بأبوب تضم عشرات الروايات، ولكن للقوم جرأة غريبة على تكذيب الواقع.
انظر: «رسالة الإسلام» : السنة الأولى، العدد الرابع، المجلد الأول: ص 363.
(2)
وهو عبد الواحد الأنصاري من كتّابهم المعاصرين.
معانيها إلى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى غير ما فهمه منها أئمة الإسلام عن الجيل الذي نزل عليه القرآن) (1)، أجاب صاحب «الأضواء» على ذلك بقوله:(إن الشيعة ترى من الكيد للإسلام أن يأخذوا تفسيرهم للقرآن عمن تقصدهم وتعنيهم بالذات أمثال أبي هريرة وسمرة ابن جندب.. وأنس بن مالك وغيرهم ممن أتقنوا صناعة التلفيق والدس والكذب والافتراء)(2) .
التعليق:
هذا الجواب ينسبه المؤلف للشيعة جميعاً فيقول: (إن الشيعة.. إلخ) فهو ليس من عنديّاته، فإذا كانت الشيعة تعتقد أن تلقي الدين عن طريق الصحابة هو من الكيد للإسلام، فلهم دينهم ولنا ديننا، لأن هذا القول إبطال لتواتر الشريعة، وطعن في الإسلام، وكيد للمسلمين، وهو لا يحتاج إلى مناقشة. وهناك أقوال وآراء أخرى لا تخرج عما ذكرنا (3) نغض الطرف عن ذكرها.
(1)«الخطوط العريضة» : ص 10.
(2)
عبد الواحد الأنصاري: «أضواء على خطوط محب الدين» : ص 65.
(3)
فهذا - مثلاً - محمد جواد مغنية ينكر وجود التفسير الباطني عندهم، ويقول بأن الاثني عشرية أبعد الناس من هذه البدع والضلالات وأن كتبهم تشهد بذلك وهي في متناول كل يد، «الكاشف» :(7/104) . وما أظن أحداً اطلع على كتب التفسير والحديث عندهم يصدق هذا، فالأمر ليس مجرد وجود روايات شاذة كما يزعم، بل تفاسير كاملة تخصصت في التفسير الباطني كتفسير إبراهيم القمي وغيره، وأبواب كاملة في «البحار» للمجلسي ضم عشرات الأحاديث كلها تفسر الآيات تفسيراً باطنياً، فلم هذه الجرأة في إنكار "الحقائق الواضحات"؟ وهل يظنون أنهم يخدمون دينهم بهذه الوسيلة؟.
ومحسن الأمين ينكر وجود التفسير الباطني عندهم ويزعم أنها روايات شاذة «الشيعة بين الحقائق والأوهام» : ص 419، 420. والخنيزي ينكر أحياناً ما هو واقع، أو =
أمثلة من تأويلات علمائهم المعاصرين لكتاب الله:
(2)
يقول آيتهم العظمى عبد الحسين الموسوي في «مراجعاته» التي حاول بها - كما زعم - إقناع شيخ الأزهر بالتشيع للاثني عشر (1) يقول - مفسراً آيات من كتاب الله بأئمته ومحتجاً بها على لزوم التشيع لهم -:
(أليسوا حبل الله الذي قال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)(2) والصادقين الذين قال: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(3) وصراط الله الذي قال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ)(4) وسبيله الذي قال: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(5) وأولي الأمر الذين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
= يزعم أنها روايات شاذة.. إلخ. «الدعوة الإسلامية» : (1/178- 202) . وما أظن إنكار ما هو واقع يجدي في الدفاع، بل إنه سيحمل على التقية حتى من الشيعة أنفسهم بدليل أنه حكم بعض علماء الشيعة على تفسير «التبيان» للطوسي بأنه موضوع على أسلوب التقية والمداراة للمخالفين - كما مر - وقد ألف في العصر الحاضر بعض علماء الشيعة مؤلفات على غرار «التبيان» مثل «الكاشف» لمحمد جواد مغنية، حيث اعتمدوا في الغالب على روايات أهل السنّة، وعلى بعض رواياتهم المعتدلة، والاعتماد على روايات أهل السنّة أمارة على "التقية عندهم". ونحن نقول: الله أعلم بذلك، لكن عقيدة التقية عندهم ساهمت في استمرار الغلو فيهم، ورد الحق عندهم.
(1)
سيأتي كشف لحقيقة كتاب «المراجعات» في تقييم محاولة عبد الحسين هذا للتقريب في مبحث محاولات التقريب - بحول الله.
(2)
آل عمران: آية 103.
(3)
التوبة: آية 119.
(4)
الأنعام: آية 153.
(5)
الأنعام: آية 153.
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (1) وأهل الذكر الذين قال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(2) والمؤمنين الذين قال: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ)(3) .
والهداة الذين قال: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(4) . ألم يجعل المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً مشروطة بالاهتداء إلى ولايتهم إذ يقول: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)(5) أليست هي - يعني ولايتهم - النعيم الذي قال الله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) ؟ (6) وسيسأل الناس عن ولايتهم يوم يبعثون، كما جاء في تفسير قوله تعالى:(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)(7)، ولا غرو فإن ولايتهم لمما بعث الله به الأنبياء وأقام عليه الحجج والأوصياء كما جاء في تفسير قوله تعالى:(وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا)(8)، بل هي مما أخذ الله به العهد من عهد ألست بربكم كما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي
(1) النساء: آية 59.
(2)
النحل: آية 43، الأنبياء: آية 7.
(3)
النساء: آية 115.
(4)
الرعد: آية 7.
(5)
طه: آية 82.
(6)
التكاثر: آية 8.
(7)
الصافات: آية 24.
(8)
الزخرف: آية 45.
آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) (1) .
(وتلقى آدم من ربه كلمات) التوسل بهم فتاب عليه (2) .. فهم الناس المحسودون الذين قال الله فيهم: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (3) وهم الراسخون في العلم الذين قال: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ)(4) .
وهم رجال الأعراف الذين قال: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم)(5) ورجال الصدق الذين قال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)(6) ورجال التسبيح الذين قال الله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)(7) .
(1) الأعراف: آية 172.
(2)
هذا تفسيره لقوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ)[البقرة: آية 77] .
(3)
النساء: آية 54.
(4)
آل عمران: آية 7.
(5)
الأعراف: آية 46.
(6)
الأحزاب: آية 23.
(7)
النور: آية 36.
وبيوتهم هي التي ذكرها الله (فقال: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ((1) ، وقد جعل الله مشكاتهم في آية النور مثلاً لنوره وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم (2)، وهم: السابقون السابقون أولئك المقربون (3)، وهم: الصديقون والشهداء والصالحون (4) . وفي أوليائهم قال الله تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(5) . وقال في حزبهم وحزب أعدائهم: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)(6) .. وقال فيهم وفي شيعتهم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)(7)، وفيهم وفيمن فاخرهم بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنزل الله تعالى:(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(8) . وفي جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)(9) .. وقد
(1) النور: آية 36.
(2)
هذا تفسيره لقوله سبحانه: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح.. ( [النور: آية 35] .
(3)
هذا تفسيره لقوله سبحانه: (والسابقون السابقون أولئك المقربون ( [الواقعة: الآيتان 10، 11] .
(4)
هذا تفسيره لقوله سبحانه: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم ( [الحديد: آية 19] .
(5)
الأعراف: آية 181.
(6)
الحشر: آية 20.
(7)
البينة: آية 7.
(8)
التوبة: آية 19.
(9)
البقرة: آية 207.