الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقالوا عن المتعة: هي حرام لا يقبلها إِلا السفهاء منا.
ووافقوا على أَن لا يحلوا حراماً معلوماً من الدين بالضرورة وحرمته مجمع عليها، ولا يحرموا حلالاً مجمعاً عليه معلوماً حله بالضرورة.. وبعد هذا الاعتراف والرجوع: قاموا كلهم وتصافحوا، ويقول أَحدهم للآخر: أَهلاً بأَخي، ثم انقضى المجلس قبيل المغرب من يوم الأَربعاء لأَربع وعشرين خلون من شوال من عام 1156هـ.
المؤتمر في يومه الثاني (الخميس 25 شوال 1156ه
ـ) (1) :
وجرى فيه تلاوة ما صيغ من مقررات المؤتمر في يومه الأَول، ذلك أَن نادر شاه قد أَمرهم أَن يكتبوا جميع ما قرروه والتزموه - في اليوم الأَول - في رقعة وأَن يحضروا في اليوم الثاني وفي نفس المكان لتلاوة ما اتفقوا عليه والتصديق على ذلك من الجميع.
وكانت "جريدة المقررات" مكتوبة في اللغة الفارسية، وقد أَمر الملا باشي مفتي الركاب أَقا حسين أَن يقرأَها قائماً على رؤوس الأَشهاد، وكان مضمونها:
إِن الله اقتضت حكمته إِرسال الرسل فلم يزل يرسل رسولاً بعد رسول حتى جاءت نبوة نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولما توفي - وكان خاتم الأَنبياء والمرسلين - اتفقت الأصحاب رضي الله عنهم على أَفضلهم، وخيرهم، وأَعلمهم: أَبي بكر
(1) السويدي: (ص 91-94) باختصار.
الصديق بن أبي قحافة - رضي الله تعالى عنه - فأَجمعوا واتفقوا على بيعته، فبايعه كلهم حتى الإمام علي بن أَبي طالب بطوعه واختياره من غير جبر ولا إكره، فتمت له البيعة والخلافة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم حجة قطعية، وقد مدحهم الله في كتابه المجيد فقال:(والسابقون الأًَولون من المهاجرين والأَنصار ((1) الآية وقال الله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إِذ يبايعونك تحت الشجرة ((2) الآية وكانوا إِذ ذاك سبعمائة صحابي وكلهم حضروا بيعة الصديق.
ثم عهد أَبو بكر الصديق بالخلافة لعمر بن الخطاب فبايعه الصحابة كلهم حتى الإِمام علي بن أَبي طالب، ثم إِن عمر (جعل الخلافة شورى بين ستة أَحدهم علي بن أَبي طالب فاتّفق رأيهم على عثمان بن عفان، ثم استشهد عثمان في الدار ولم يعهد، فبقيت الخلافة شاغرة، فاجتمع الصحابة في ذلك العصر على علي بن أَبي طالب.
وكان هؤلاء الأَربعة في مكان واحد وفي عصر واحد ولم يقع بينهم تشاجر ولا تخاصم ولا نزاع، بل كان كل منهم يحب الآخر ويمدحه ويثني عليه.. فاعلموا أَيها الإِيرانيون أَن فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب فمن سبهم أَو انتقصهم فماله وولده وعياله ودمه حلال للشاه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وكنت (الضمير يعود لنادر شاه) شرطت عليكم حين المبايعة في صحراء مغان عام 1148 رفع السب، فالآن رفعته فمن سب قتلته وأَسرت أَولاده وعياله وأَخذت أَمواله. ولم يكن في نواحي إِيران
(1) التوبة: آية 100.
(2)
الفتح: آية 18.
ولا في أَطرافها سب ولا شيء من هذه الأُمور الفظيعة، وإِنما حدثت أَيام الخبيث الشاه إِسماعيل الصفوي (1) ولم يزل أَولاده يقتفون أَثره حتى كثر السب وانتشرت البدع واتسع الخرق، منذ عام ثمانمائة وسبعة وخمسين، فيكون لظهور هذه القبائح قرابة ثلاثمائة سنة.
ويلي هذا الكلام الصادر من الشاه والمكتوب في الرقعة ـ يلي ذلك تعهد على لسان الإِيرانيين ومضمونه:
(أَنا قد التزمنا رفع السب وأَن الصحابة فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب الذي هو في الرقعة، فمن سب منا أَو قال خلاف ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أَجمعين..) .
ويلي ذلك الكلام السابق نفسه موضوع على لسان أَهل النجف، وكربلاء والحلة (2) والخوارزم (3) .
ويلي ذلك تعهد من الأَفغانيين (السنّة) ومضمونه:
(أَن الإِيرانيين إذا التزموا ما قرروه ولم يصدر منهم خلاف ذلك فهم من الفرق الإِسلامية، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم) ثم يلي ذلك الكلام السابق نفسه موضوع على لسان علماء ما وراء النهر "السنّة".
ثم صادق الجميع على ما جاء في الرقعة، كل وضع "خاتمه" تحت
(1) وهو الذي أَعلن - لأول مرة - في سنة 916هـ أَن المذهب الرسمي لإيران هو مذهب الشيعة.
(2)
تقع مدينة الحلة على بعد 64 ميلاً إِلى الجنوب الغربي من بغداد.. «دائرة المعارف الشيعية» : (3/37) .
(3)
خوارزم: بضم أَوله، وبالراء المهملة المكسورة من بلاد خراسان. «معجم ما استعجم» :(2/515) .
الكلام الذي يخصه، ثم كتب السويدي شهادته على الجميع ونصها:(شهدت على الفرق الثلاث بما قرروه والتزموه وأَشهدوني عليهم) ثم وضع خاتمه تحت اسمه.
يقول السويدي عن هذه النتيجة للمؤتمر: (وكان الوقت وقتاً مشهوداً من عجائب الدنيا، وصار لأَهل السنّة فرح وسرور لم يقع مثله في العصور ولا تشبهه الأَعراس والأَعياد والحمد لله على ذلك) .
ويقول "نادر شاه": (كم جهز العثمانيون من عساكر.. ليرفعوا سب الصحابة فلم يوفقوا إِليه وأَنا ولله الحمد رفعته بسهولة)، ويقول:(وأَنا لي منّة على جميع المسلمين حيث أَني رفعت السب عن الصحابة وأَرجو أَن يشفعوا لي) . وفي نهاية المؤتمر أَصبح ذكر الصحابة ومناقبهم ومفاخرهم في كل خيمة وعلى لسان الأَعاجم كلهم، بحيث يذكرون لأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - مناقب وفضائل يستنبطونها من الآيات والأحاديث مما يعجز عنه فحول أَهل السنّة ومع ذلك يسفهون رأي العجم والشاه إِسماعيل في سبهم.
وفي يوم الجمعة (26 شوال 1156هـ) أُقيمت صلاة الجمعة في جامع الكوفة، وفي الخطبة ترضى الخطيب على الخلفاء الأَربعة على الترتيب، وعلى بقية الصحابة والقرابة، ولكنه صلى صلاة خارجة عن المذاهب الأَربعة فأُخبر الشاه بذلك فغضب وأَمر برفع جميع ما شذت به الشيعة حتى السجود على التراب.
ثم لم يلبث نادر شاه أَن توفي وحالت وفاته دون استثمار نتائج المؤتمر.