الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رقم (9)
حديث لأحد المفكرين العراقيين عن مسألة التقريب
وقد آثر ألا أفصح عن اسمه. وأهميته تأتي في أنه صدر من مفكر مسلم (سنّي) يعيش في بلد يمثل الشيعة فيه الشطر أو أكثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن دعوى التقريب لها مجالان:
المجال الأول:
هو التقريب بين العقيدتين والفقهين، وهذا أمر لا يرد بالنسبة لنا، فإن مؤداه أن يتنازل كل فريق عما عنده من التطرف في نظر الآخر وما يظن الطرف الآخر أنه يسيء إليه، وهذه الحالة من التنازل ممكنة بالنسبة للشيعة باعتبار أن عندهم من البدع الشيء الكثير لا يمنعهم شيء من التنازل عنها، ولكن أهل السنّة ليس عندهم بدع بحمد الله ومستندهم القرآن والسنّة الصحيحة ولا يمكنهم التنازل عن شيء من ذلك، مما قد يجعل الدين عرضة للمساومة، إلا ما يكون قد لحق ببعض العلماء من أهل السنّة من بدع ليس لها دليل شرعي واضح. وهذه نادرة في أهل السنّة وفي مسائل الفروع لا الأصول، وكان علماء أهل السنّة هم السابقون إلى إنكارها دوماً كما فعل الأئمة ابن تيمية وابن القيم وغيرهما. وقد يعترض البعض هنا بأن الشيعة يعدون
ما نخالفهم به بدعة وإن اعتبرناها سنّة وعقيدة صحيحة، ويبنون على ذلك وجوب موافقتهم في بعض ما يعتقدون، وليس الأمر كما قالوا فإن الاعتداد لمسألتنا إنما يكون بشهادة القرآن ونصوص الحديث الصحيحة لا إلى شهادة الشيعة، وقد ذكر العلماء أن أهل السنّة عليهم إنكار بدع المبتدعة وإن كان المبتدع متعبداً بها معتقداً صوابها، كما صرح بذلك الإمام الغزالي (راجع «إحياء علوم الدين» : جـ2) .
ولا بأس أن نقيد إنكارنا على هذه البدع بالقيد المصلحي وفق قاعدة الترجيح بين المفاسد والمصالح المتعارضة، بأن يحتمل المفسدة اليسيرة من أجل درء المفسدة الكبيرة، ونحتمل تفويت المعروف الأصغر حرصاً على جلب المعروف الأكبر. وهذه قاعدة صحيحة عند الفقهاء، ولابن تيمية إسهاب جيد في شرحها - في رسالته المشهورة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وفي عموم كلامه في رسائله الأخرى، والعمل بهذه القاعدة قد يجعلنا نسكت عن إنكار بدعة الشيعة في وقت من الأوقات أو في مكان من الأمكنة سدّاً للذريعة وخروجاً عن أصل الإنكار إذا كان الإنكار يؤدي إلى هياج الفتن وإراقة الدماء والاقتتال بين أهل بلد يتكافأ فيه عدد الشيعة مع عدد أهل السنّة، وأما في الأحوال الاعتيادية التي لا تكون هناك مفسدة تصاحب هذا الإنكار فإنه يكون مستساغاً أو واجباً.. وربما ساغ أن نسكت أيضاً عن صاحب بدعة نرى دلائل الخير فيه وحرصه على الفهم، فيكون من تمام دواعي الرفق معه أن ندعه يكتشف الحق تلقائيّاً وبدراسة ذاتية أو بنصيحة خفيّة منا دون إجفاله بالإنكار العلني عليه.
المجال الثاني:
هو التقريب بين علماء الشيعة وعلماء السنة والدعوة إلى حسن العلاقة بين العامة من أهل العقيدتين، وهذه مسألة مطلوبة وفيها مصالح ظاهرة، وعلى أهل السنّة أن يلتزموا أسلوب البحث العلمي الهادئ في مناقشة بدع المبتدعة وأن يترفقوا معهم، وقد يكون من تمام الترفق زيارتهم ومعاونتهم في الحدود التي لا خلاف فيها أو نجدتهم في الملمات وأيام المصاعب أو نصرهم إذا كانوا في نزاع مع كافر أو ظالم لهم، إلا أن هذا الأصل في التعاون وحسن العلاقة وهدوء البحث لا يمكن أن يطرد دائماً ليشمل من يأتي من الشيعة بغلو يكون في السكوت عنه تحريك الغوغاء والدهماء، بل الواجب أن ننكر على أهل الغلو الشديد والأقوال الشاذة في كل الأحوال، والحد المميز بين الطائفتين: الطائفة الأولى التي نترفق معها في الكلام والطائفة الثانية التي نغلظ لها الكلام إنما يكون كامناً في مدى اعتماد القائل على نص قديم (1) تتكون منه شبهة له، أو على تأويل قد تميل إليه بعض الأذهان، وأما من يتتبع غرائب النقول عن المجاهيل والمتأخرين ومن لا تأويل له فالإنكار منا تجاهه أولى، وربما كان الإغلاظ له أوجب.
(1) الحق أن يقال (على نص شرعي) .
رقم (10)
وأخيراً هناك نصوص هامة حول القضية نكتفي بالإحالة عليها في مواضعها.
(1)
محمد زاهد الكوثري: حديث بعنوان (حول فكرة التقريب بين المذاهب) نشره في كتابه «مقالات الكوثري» ص 148 وما بعدها.
(2)
علي الطنطاوي: كلمة بعنوان (إلى علماء الشيعة) . نشرها في «مجلة الرسالة» السنة 15، العدد 722، سنة 1947م.
(3)
نص هام لأحد المشتركين في جماعة التقريب وهو الشيخ عبد اللطيف محمد السبكي، عضو جماعة كبار العلماء بمصر، يكشف أهداف جماعة التقريب في مصر، نشرها في «مجلة الأزهر» :(جـ24/ص 224) .
(4)
مقالات هامة ومتعددة للشيخ محب الدين الخطيب نشرها في «مجلة الفتح» . المجلد الثامن عشر.
(5)
نص الرسالة التي بعث بها موسى جار الله إلى شيوخ الشيعة. «الوشيعة» : ص 18.