الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدقوا بالصدق فشهد لهم الحق تبارك اسمه فقال: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(1) .. وهم أولو الأرحام: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(2) .. وهم ذوو الحق الذي صدع القرآن بإتيانه: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)(3)، وذوو الخمس الذي تبرأ الذمة إلا بأدائه:(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)(4) .. فهم المصطفون من عباد الله، السابقون بالخيرات بإذن الله، الوارثون كتا4ب الله الذين قال فيهم:(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)(5) وهو الذي لا يعرف الأئمة (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو الموالي للأئمة ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله.. وهو الإمام) (6) ثم استدل برواية موضوعة على ابن عباس أنه قال: (نزل في علي وحده ثلاثمائة آية)(7) .
التعليق:
(1)
هذا تفسير لآيات من القرآن من أحد مراجعهم الكبار في العصر الحاضر، وممن يتزعمون الدعوة للتقارب بين السنّة والشيعة وهو موجه "لشيخ سني" للاحتجاج عليه بالقرآن ليقتنع بالتشيع للاثني عشر، فهو تفسير قد بالغ صاحبه في اختياره وانتقائه، ومع ذلك هو
(1) الزمر: آية 33.
(2)
الأنفال: آية 75.
(3)
الإسراء: آية 26.
(4)
الأنفال: آية 41.
(5)
فاطر: آية 32.
(6)
«المراجعات» : (ص 62- 73) .
(7)
انظر: الشوكاني: «المجموعة في الأحاديث الموضوعة» : ص 376.
كما يرى القارئ قد جعل آيات الإيمان والمؤمنين وصفاتهم مقصورة على أئمته لا يشترك فيها أحد من جمهور المسلمين اللهم إلا شيعته في بعض الآيات، وكأن القرآن لم ينزل إلا فيهم، وكأنهم المسلمون وحدهم. ولا شك أن المسلم يدرك أن هذا التأويل بعيد عن لغة القرآن، وروح الإسلام، عمدته روايات موضوعة، ومزاعم واهية.
وهؤلاء الأئمة تختلف فرق الشيعة اختلافاً كبيراً في أعدادهم وفي أعيانهم، وكل فرقة تفسر الآيات بأئمتها خاصة وتزعم أن أئمة الفرق الأخرى بمعزل عن مدلولها، وكل طائفة تضع من الروايات ما يؤيد مذهبها، وتقصر مفهوم أهل البيت على أئمتها خاصة، ولا تسلم فرقة من فرق الشيعة من طعن في بعض أهل البيت من غير أئمتها، (والله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كان فيه يختلفون (فهم ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء، ثم إن هذا التأويل لتلك الآيات كما يصدق عندهم على الإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين وغيرهم من أئمة العلم والدين يصدق على إمامهم المعدوم الذي لم يولد أصلاً، وعلى "الحسن العسكري" - إمامهم الحادي عشر - الذي ضعفه ابن الجوزي في الموضوعات (1) !!
وتفسير عبد الحسين الباطني لكتاب الله؛ وهو مثال من أمثلة كثيرة تدل على أن العقلية الشيعية المعاصرة لا تزال في الغالب تعيش أسيرة لتلك التأويلات التي وضعها علماؤهم السابقون والتي عرضنا أمثلة لها فيما مضى. ومن الأمثلة الأخرى أن أحد علمائهم المعاصرين ويدعى "علي محمد دخيل" يتحدث عن غيبة مهديهم - وهو كما
(1)«لسان الميزان» : (2/240) .
يقول بعض كتاب الشيعة من أشهر الكتاب الإمامية الذين عالجوا "الغيبة"(1) -.
فيعقد فصلاً بعنوان "المهدي في القرآن الكريم" ويورد في هذا الفصل خمسين آية من القرآن كلها يزعم تأويلها بالمهدي، ويتوصل بذلك إلى أن موضوع المهدي لا يختلف عن ضروريات الإسلام الأخرى، وإنكاره إنكار لضرورة من ضروريات الدين (2) . ونرى شيخهم - المعاصر - محمد رضا الطبيسي النجفي (ت 1365هـ) يفسر 76 آية من كتاب الله بعقيدة الرجعة عندهم (3) ، وهذا شطط لم يبلغ مستواه شيوخهم القدامى الذين فسروا بالرجعة عشرين آية ونيفاً، وفي القرن الثاني عشر تطور الأمر إلى تأويل 64 آية بتلك العقيدة الباطلة على يد شيخهم "الحر العاملي"(4) وغيره، ثم كانت نهاية الشطط على يد هذا "الطبيسي" وغيره من شيوخهم المعاصرين.
وهذا محمد حسين آل كاشف الغطا من مراجع الشيعة الكبار في العصر الحاضر ومن دعاة الوحدة والتقارب.. يفسر قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان (5) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ((6) بالتفسير التالي: علي بحر نور الإمامة، وفاطمة بحر نور النبوة والكرامة. يخرج منهما اللؤلؤ الأخضر بخضرة السماء، والمرجان
(1) عبد الله فياض: «تاريخ الإمامية» : ص 162.
(2)
علي دخيل: «الإمام المهدي» عن المصدر السابق: ص 162.
(3)
انظر: كتابه «الشيعة والرجعة» مطبعة الآداب، النجف، 1385هـ.
(4)
جواد تارا: «دائرة المعارف العلوية» : ص 256.
(5)
الرحمن: الآيتان 19- 20.
(6)
الرحمن: آية 22.
الأحمر بحمرة الأرض (1) . فهل هذا سوى تفسير باطني لا تربطه بالآية أدنى رابطة؟، ويفسر د. محمد الصادقي - معاصر - الآية المذكورة بمثل ما فسر به آل كاشف الغطا، حيث يقول:(اتصل بحر النبوة فاطمة الصديقة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ببحر الإمامة (- يعني عليّاً - بحران ملتئمان متلاقيان بينهما برزخ الرسالة القدسية المحمدية.. والخارج منهما اللؤلؤ والمرجان: الحسنان هما مجمع الولاية روحانياً والنبوة نسبياً)(2) .
وفي تفسير «الميزان» لإمامهم الأعظم محمد حسين الطباطبائي كثير من التفسيرات الباطنية التي يختارها من كتب التفسير القديمة عندهم، ويذكرها تحت عنوان "بحث روائي".. ومن النماذج التي نقلها مقراً لها معتقداً إياها ما ذكره تفسير «البرهان» عن قوله تعالى:(ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ((3) .
قال: (الآية مثل ضربه الله لعائشة وحفصة أن تظاهرتا على رسول الله وأفشتا سره)(4) .
وعند قوله سبحانه: (ويبقى وجه ربك)(5) قال الصادق: (نحن وجه الله)(6) . وهكذا يستقي الرجل التفسير الباطني من أمهات
(1) محمد حسين آل كاشف الغطا في مقدمته لكتاب «حياة الإمام الحسن بن علي» لمؤلفه باقر شريف القرشي، مطبعة الآداب، النجف، ط. 2، 1384هـ.
(2)
محمد الصادقي: «الفرقان» : (7/32) الهامش.
(3)
التحريم: آية 10.
(4)
الطباطبائي: «الميزان» : (19/346) .
(5)
الرحمن: آية 27.
(6)
الطباطبائي: «الميزان» : (19/103) .
كتبهم ويتعمد النقل لبعض الروايات الضعيفة من كتب أهل السنّة ليخدم بها مذهبه.
وهناك تفسير «الكاشف» لمحمد جواد مغنية، وهو يعتمد أساساً على روايات أهل السنّة، وهذه أمارة التقية عند بعض علماء الشيعة - كما مر - وهو وإن كان يحتج ببعض الآيات على معتقده الشيعي مثل تفسيره لقوله تعالى:(اليوم أكملت لكم دينكم (بقوله: (معنى الآية أن الله سبحانه أكمل الدين مع هذا اليوم بالنص على علي بالخلافة) فهو وإن كان كذلك إلا أنه بالنسبة لتفاسيرهم المتضمنة لروايات الشيعة فقط يعتبر معتدلاً. والاعتدال قد جاءه من اعتماده على مرويات أهل السنّة وإقلاله من الاستدلال بمروياتهم.
وهذا التفسير يظهر عليه واضحاً الدعاية المذهبية والتبشير بالتشيع، فليس ببعيد أن يكون موضوعاً على "التقية". ونكتفي بهذه الشواهد التي عرضناها من تفسيرات معاصريهم، لأن غرضنا معرفة مدى سير الأواخر على غلو الأوائل، يبدو لي أن الصورة متشابهة تماماً.
ففي الأوائل كتب تفسير باطنية محضة مثل تفسير القمي والعياشي، والبحراني، ومحسن الكاشاني وغيرهم وكتب تفسير معتدلة بالنسبة لتلك التفاسير الباطنية مثل تفسير «البيان» للطوسي، و «مجمع البيان» للطبرسي. والفئة الأولى اعتمدت على روايات الشيعة فقط والفئة الثانية اعتمدت على روايات السنة والشيعة، أما كتب التفسير المعاصرة فهي فيما تعتمده من رواياتهم في تفسير الآيات تتلبس بالروح الباطنية، وحينما تحاول أن تبشر بالتشيع وتحتج على أهل السنة ببعض الروايات عندهم فتتخلص إلى حد ما من "الروح الباطنية".
والخلاصة أنك لا تجد تفسيراً شيعياً اعتمد على رواياتهم فقط يخلو من الطريقة الباطنية في التفسير.
ويؤكد عالمهم المجلسي على أن اعتمادهم على روايات أهل السنة إنما هو للاحتجاج عليهم، وإلا فلا يجوز عندهم الأخذ عن المخالفين. وعقد لهذا باباً بعنوان (الباب الثامن والعشرون: ما ترويه العامة - ما عدا الشيعة - من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الصحيح من ذلك عندهم - يعني شيعته - والنهي عن الرجوع إلى أخبار المخالفين) (1) ثم استثنى من ذلك حالة الاحتجاج عليهم للتبشير بالتشيع (2) .
وهكذا يتفق تفسيرهم المعاصر مع القديم على تأويل كتاب الله على غير تأويله، فكانت تلك التأويلات هي سلم الغلو والغلاة في التأويل، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن "تأويلهم":(من هذا دخلت الإسماعيلية والنصيرية في تأويل الواجبات والمحرمات فهم - أي الروافض - أئمة التأويل الذي هو تحريف الكلم عن مواضعه ومن تدبر ما عندهم وجد فيه من الكفر في المنقول والتكذيب بالحق منها والتحريف لمعانيها ما لا يوجد في صنف من المسلمين منهم قطعاً، فهم أدخلوا في الدين ما ليس فيه أكثر من كل أحد، وحرفوا كتابه تحريفاً لم يصل غيرهم إلى قريب منه)(3) .
فكيف نتفق ونتقارب وهم على هذا الوضع من التأويل؟، والتأويل مصدر الخلاف والشقاق، وأصل خراب الدين والدنيا إنما هو من
(1)، (2) «البحار» :(2/214) .
(3)
«منهاج السنة» : (2/111) مكتبة الرياض الحديثة.