الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
من الطبيعي أن تقوم في المجتمع الإسلامي المحاولات الجادة الصادقة المخلصة لإصلاح كل نزاع أو اختلاف يحدث في المجتمع الإسلامي، لأن من أصول الإسلام العظيمة: الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق. وهو ما جاء به الكتاب، والسنة، وقام عليه إجماع الأمة. وقد ضرب الصحابة - رضوان الله عليهم - أروع الأمثلة في هذا الباب.
لكن مسألة التقريب أو الوحدة لا يمكن أن تتم على حساب العقيدة والدين.
قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(1) .
وقد سار الصحابة والتابعون لهم بإحسان يرفضون كل تقريب أو وحدة تهدف إلى المساواة بين الحق والباطل.
وكانت هناك "محاولات" لإدخال الأفكار الأجنبية، والعقائد الغريبة باسم الوحدة والتقريب في "العقيدة الإسلامية"، ويرى بعض المفكرين (2) أن الدعوة إلى وحدة العقائد ترتد في أصولها الأولى إلى فرق غلاة الشيعة ممن حاولوا المزج والتوفيق بين العقائد الإسلامية وأنظار وأفكار استمدوها من الأديان والفلسفات الأخرى
(1) سورة الكافرون.
(2)
وهو الدكتور عرفان عبد الحميد فتاح، أستاذ الفلسفة الإسلامية المساعد بجامعتي بغداد والكويت.
كاليهودية، والمسيحية، والمجوسية، والفلسفات اليونانية. فالتقوا في محاولتهم هذه مع ما عرف في الدوائر الغنوصية (1) من ميل إلى الجمع والتلفيق.
ثم تطورت النزعة على أيدي فرقة الباطنية من الإسماعيلية، وجماعات إخوان الصفا، والقرامطة.. (2) .
وقد واجه أئمة المسلمين هذه المحاولات، وكشفوا باطلها.. ولا شك أن كل دعوة إلى وحدة أو تقريب إن لم تقم على هدى من كتاب الله وسنة نبيه فإنها وحدة زائفة وتقريب خادع، وكل اجتماع وائتلاف إن لم يكن اجتماعاً على هدى الله واعتصاماً بحبل الله فإن مآله الفشل. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
…
) (3)، وقال سبحانه:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)(4) .
هذا ومحاولة التقريب بين أهل السنّة والشيعة مسألة قديمة، ولم أر من عني بتسجيل وقائعها ولا دراستها، فهي متفرقة في مواضعها من كتب التاريخ، وفي كتب روادها وأصحابها، وقد أشار المستشرق "جولد تسيهر" إلى بعض المحاولات المعاصرة وأشار إلى أن التاريخ لا يعدم مثل هذه المحاولات ولم يفصل (5) .
(1) أصل معنى الغنوص: المعرفة، والمقصود بها التوصل بنوع الكشف إلى المعارف العلياء، أو هو تذوق تلك المعارف تذوقاً مباشراً. انظر:«نشأة الفكرة الفلسفي» للنشار: (1/186) . ويدخل في الغنوصية كل الفرق الوثنية والمجوسية مثل: الزرادشتية، والمانوية، والمزدكية وغيرها. كما تدخل فيها المذاهب الهندية: كالبراهمة والتناسخية وغيرها. راجع المصدر السابق.
(2)
«نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها» : ص 80.
(3)
آل عمران: آية 103.
(4)
النساء: آية 59.
(5)
جولد تسيهر: «العقيدة والشريعة» : ص 293.
ونحن في هذا المبحث ليس من منهجنا الدراسة التاريخية البحتة لهذه القضية، ولكننا نعتبر هذه "الوقائع" تجارب حيّة، سنعرض لأمثلة مختارة منها بالعرض والتقويم، وهذا فيما أظن سيكون مفيداً لرواد الإصلاح، وسيكون نافعاً في سلوك منهج أوفق وأكمل في المستقبل، فمن مجموع هذه الأمثلة قد يوجد أسلوب متكامل للتقارب وسيكون هناك رؤية واضحة، وتصور سليم لعناصر الخطأ والصواب في هذه "الوقائع" إذا نظرنا إليها من خلال دراسة أصول الفريقين التي عرضنا لها.
وتبقى هذه "الوقائع" محاولات لم تصل حتى الآن إلى مستوى حل القضية، فهل من طريق لحلها؟ هذا ما سنتحدث عنه في الفصل الذي يلي هذا الفصل.
وسنتعرض لبعض المحاولات وفق المنهج التالي:
(1)
المحاولات في القديم.
(2)
المحاولات المعاصرة:
(أ) محاولات جماعية:
1-
جماعة الأخوة الإسلامية.
2-
دار الإنصاف.
3-
دار التقريب بين المذاهب الإسلامية.
(ب) محاولات فردية: ومن أمثلتها ما يلي:
1 -
من السنة:
(أ) محمد عبده.
(ب) رشيد رضا.
(ج) مصطفى السباعي.
(د) موسى جار الله.
2 -
من الشيعة:
(أ) محمد الخالصي.
(ب) عبد الحسين شرف الدين الموسوي.
(ج) أحمد الكسروي.
(ج) الخميني ودولته.