الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن المستوفي: ورد إربل سنة اربع عشرة وستمئة راحلا إلى خراسان لسماع الحديث، وكان قد أقام بدمشق، وأخذ عن أبي اليمن الكندي. قال: وحدّثني من أثق به أنه كان له حلقة بجامع دمشق للنحو وأثنى عليه أبو الحسن ابن علي بن عبد الكريم الجزري. وقال:
لطيف الأخلاق من بين المغربة، حسن العشرة. جرى بيني وبينه عدة مباحثات سألته عن مولده، قال: لا أحقه؛ إلا أني ولدت بمالقة.
وممّا أنشد له قوله: [الطويل]
فؤادك موقوف الهوى حين يمموا
…
وأنت بهم هيمان صبّ متيّم
إذا أعرقوا أو أشأموا كنت سائما «1»
…
بروقا بها سحب المدامع تسجم
يسائل عنهم كلّ يوم وليلة
…
نسيم الصّبا أين استقلّوا وخيّموا
تفوت وجوه اليمن واليمن فيهم
…
ويسترشدون النجم والنجم منهم
ومنهم:
17- زين الدين المالقي
«13»
ضيف قوم كرام، وقطيف قوم بلغ المرام. برع نحوا وأدبا. يصلح لكل نجوى. أتى من الأندلس حاجا ومعتمرا، وركب ليلا دجوجيا ومقمرا؛ حتى قضى بقيته، وأمضى ما حمله عليه العزم وبغته. وقد قدم دمشق واستوطنها، واجتنى بطائنها، ونزل على بني السيرجي «2» . وسم في أرباب البيوت بها صدور مجالسها وجنى مغارسها، وامتار أسواقها، وأقمار أنديتها الطالعة من أطواقها؛ بيد أنهم من عدد عدولها، ومدد سيولها، وذوي
التصرف في خدم السلطان وخدم الملوك منذ حلّوا تلك الأوطان، فألقى إليهم رحل رحلته، وجمع شمل شملته وأقام بينهم يرفد بالجنى الموفور، ويولي الأيادي التي ما استدت إليّ كنور وله فيهم مدائح كنت وقفت على بعضها، ووقعت بين دارين والشر في أرضها وفيما وقفت له على قصيدة وصف فيها طير الواجب تحرك إلى البزز لرمي البندق سواكن الهمم، وبعيد نشاط الشباب لأهل الهرم لعنة كانت لسببه هذا البيت في رمي الطير الجليل والخروج إليه بالصاحب والخليل.
وأولها: [الكامل]
ركب الدّجى لا يرهب الأخطارا
…
ودنا على بعد المزار وزارا
ومن نثره من قدمة كتبها للصدر شرف الدين أبي الفتح أحمد ابن السيرجي أولها:
الحمد لله مسخّر الطير في جوّ السما، ومحيي الأرض بما منّ عليها من النعما. الواجب وجوده، فلا يغير بخلقه. المانّ بجوده، وكل حيّ يرزقه، المتفضّل على عباده بمحاسن الأخلاق، المتكفل الأجناس مخلوقاته بإدرار أنواع الأرزاق، الحاكم بإقعاد من انتهك حمى حرمه، القادر على إسعاد من تعرض لكرمه.
ومنها: فالربيع يكسب الأرض برطوبته جمالا وزخرفة، ويلبس الأرض من صنعة يد الشتاء حللا مفوّفة «1» ، وأشجاره ترشح من عيونها بماء ورد، وأشجاره تتنفّس فتخال تنفسها عنبرندّ؛ حتى كأن الجوّ عطار يعدّ طيبا والهزار قد أقام على رؤوس الأغصان خطيبا. ومخايل الأوراق قد لاحت على تلك الخمايل والورق قد غنت على عيدانه والغصن مايل، والروض قد وردت عليه من جداوله مسائل. والشتاء يجود على البطحاء بجود تهطّله، وتعقب ظله يصيب وبله. وترى سنا برقه بين رعد وسحاب، وتزخ دموعا شوقا لأيام الشباب، كأن السماء والرعد فيه تذكر أهوالهما فاستعبرت وتنهّدا.
ومنها: ولمّا كان فلان ثمرة غصن زكت مغارسه، ودرّة بحر قذفت نفائسه، وزهرة حديقة أينعت أرجاؤها، ونجل رئاسة تشرّف آباءها أبناؤها، من نسب يعقد بالنجوم دوالبه، وحسب
تحط في مفارق النسر ركائبه، وعندما تمت أخلاقه الحميدة، وكملت والتحفت به هذه الأوصاف الجميلة واشتملت؛ رام أن يأخذ حبل السعادة بطرفيه، ويجمع بين محاسن الجدّ والهزل ليحصل من السعد على شرفيه، ولم يزل يقلّب طرفه في محاسن لهو برنصيه «1» ، ويدير فكره فما يصلح له فيقتضيه؛ إلى أن شهرا كذا من سنة كذا فعمد إلى نيته المقبولة فأمضاها، ولم تكن إلا حاجة في نفس فلان قضاها. فخرج وقد أرجت نوافح المسك الأذفر «2» ، وماست معاطف الزند الأخضر. والأنهار مطردة بمائها، والأطيار غردة بغنائها إلى مظان الطير الجليل ومكامنه. وطلب كمل يطلب الخير من معادنه، واستصحب معه من الرماة الأزكياء السادة الأذكياء، كل صادق القول زكيّ الفعل كثير الإمساك قليل المثل، ممّن برز في البرزات، وأظهر من يديه خوارق المعجزات. وله الوجوه المشكورة من غير نفاق، والنكت المشهورة بين الرفاق، وقد ارتدوا ملابس الغيار، وأطلعوا من أطواقها وجوها كالأقمار، وشدّوا بالمناطق خصورا تدقّ عن الأفكار، وتقلّدوا حمائل جيوش صانت النجوم عن الأبصار. والتثموا بفضلات العمائم، واستغنوا بالخالق عن الرقى والتمائم. وقصدوا في طالع السعد والأمان دير سلمان؛ فلما أذنت الشمس بالفراق، وكادت تبلغ نفس النهار التراق استدارت الجماعة استدارة الأنامل بالأقداح، وامتزاج الأشباح بالأرواح. ودارت عليهم بالسؤال للسرور كؤوس، ومالت منهم للطرب أعناق ورؤوس؛ فلما أنفقت خطتهم، وافترقت خلطتهم انتشروا في تلك الرياض انتشار العيوث «3» ، ووثبوا في تلك النواحي وثوب الليوث. فلله درّهم من فرسان مواكب وشجعان كتائب. إن ركبوا خلت آساد جفان، وإن ترجلوا قلت ظبا وغزلان. هذا وهو بينهم كالقمر بين النجوم، والشمس في خلال الغيوم.
قوله: [الكامل]
السّعد في نظراته والموت في
…
سطواته والفضل من أفضاله
والشمس تحجب وجهها عن وجهه
…
والبدر يبدو خاضعا لجماله
وعند ما تهندمت الرماة من مواضعها، وبرزت الطيور التي كتب عليها القتل إلى مضاجعها، مرّت به جفة «1» من العنانيز «2» ، كانت على الميت حراصا، وعادت إلى مطرحها بطانا بعد أن راحت إلى مطرحها خماصا، فرنا إليها بطرف لو خطّ به الارض لاهتزّت وربت، ورمقها بنظر لو رمق به النجوم شررا لا نقضت وهوت وسار إليها مسير الشمس عند الشروق، وطرقها طروق الطيف، فحبّذا ذاك الطروق، وقد أغذّ في يمناه التي لو نازلتها السحب الهاطلة لخجلت، أو باهتها البحار الزاجرة لخلت. [البسيط]
فبطنها حجر الأسباط منبجس
…
وظهرها حجر الإسلام مستلم
ندبا من البندق المنتسب شكله، الطيب أصله. بعيد الناظر، رزقا مقسوما، ويعدّه الطائر أجلا محتوما. وفي يسراه الميسرة للأزرق المعينة على الإطلاق. [الطويل]
هي البحر والطّرس النّفيس سفينه
…
فآونة منجى وآونة يردى
قوس رشق خطار مستوي العنق والبستار، قد اختيرت له روق «3» الأوعال وسطانا الردينية العوال، فكأنه قضيب شيخ ارتدى بثوب نظار، أو سبيكة ذهب أحرق شطرها بنار وبدا للعيون عاريا؛ ولا إثم عليه في ذاك ولا عار. فياحسنه من موقف رأيت فيه القمر يقذف شيطان الهموم عن هلال بكوكب وضم كافور، يدير في بحر العطايا حركات المنايا بلولب.
ولم يزل برقها حتى دخلت المقدار، ونادته السعادة البدار البدار، فأرسل إليها رسل المنايا من بنادقه، وأخرج إليها ضبايا الروايا من زوايا جلاهقه «1» ، فأصاب منها طائرا خرّ لديه صريعا، وناداه التقدير فأجاب، ولم يكن قبلها سامعا ولا مطيعا. [الرجز]
لم يدر من آمن ينجو خيفة
…
وإنما الرّامي درى كيف رمى
وذكر في أحدها قصيدة البدر يوسف بن لؤلؤ، وهي:[الكامل]
هل ذاك برق بالغوير أنارا
…
أم أضرموا بلوى المخصّب نارا
وكلاهما إن لاح من هضب الحمى
…
لي شائق ومهيّج تذكارا
فيم التعلّل والشّتات منكّب
…
عني وقد شطّ الحبيب مزارا
وقد استردّ الدهر أنواب الصّبا
…
وكذاك يوجد ما يكون معارا
فارفق بدمعك في الفراق فما الذي
…
يبقى ليسقي أربعا وديارا
ودع النسيم يراوح القلب الذي
…
أورى زناد الشّوق فيه أوارا
مع أنني أصبو إلى بان الغضا
…
إن سمت برقا أو شممت عرارا
فاليوم لا دار بمنعرج اللّوى
…
تدنو بمحبوب لنا فيزارا
كلّا ولا قلبي المشوق بصائر
…
عنهم فأبدت دمنة أودارا
فسقى اللّوى لا بل سقى عهد اللّوى
…
صوت الغمائم هاميا مدرارا
ولقد ذكرت على الصّراة مراميا
…
ينسى بحسن وجوهها الأقمارا
وعلى الحمى يوما ونحن بلهونا
…
نصل النّهار ونقطع الأنهارا
في فتية مثل النجوم تطلّعوا
…
وتخيرّوا صدق المقال شعارا
من كلّ نجم في الدياجي قد لوى
…
في كفّه مثل الهلال فدارا
متعطّفا من جرم داود الذي
…
فاق الأنام صناعة وفخارا
فالآن قد حنّ المشوق إلى الحمى
…
وتذكّر الأوطان والأوطارا
وصبا إلى البرزات قلّت كلّما
…
طارت به جزر اللغالغ «2» طارا
فلأي مرمى أرتميه وليس لي
…
قوس رشيق مدمج خطّارا
حليّ على ضعفي إذا استعطفته
…
ألوى عليّ العنق والدستارا
نكت له من كل صنف قد حوى
…
أعيا الرّماة بحسنها إكثارا
وبوجهه المنقوش أوّل ما بدا
…
وبه أقام وأقعد الشّطّارا
وغدا بتحريمي بلا سبب بدا
…
منّي وأودعه الرماة مرارا
يا حسنه من مخلف لكنّه
…
في الجوّ عال لا يسفّ مطارا
ويطير حفظا عن مقامي عامدا
…
ولشقوتي لا يدخل المقدارا
لا يندمي مهما خطرت بباله
…
أنّى ينال مراوغا طيّارا
وسنان من جزر اللغالغ لم يزل
…
يرعى الرّياض وليس يرعى الحارا
لا راحل بل قادم عنّي إلى
…
ماء الفرات يخوض منه غمارا
وأنا تراني فاقدا ومنعّما
…
في الجو ليلا خلفه ونهارا
وغنى فقد برد الهواء وقد أتى
…
أيلول يطفي للهجير جمارا
ووراءه سربان جاء ورغده
…
عجلان يحدو للسّحاب قطارا
والبارق الهامي على قلل الحمى
…
سدّى هناك خيوطه وأنارا
والفيض طام ماؤه متدفق
…
والطّير فيه يلاعب التيّارا
والنهر جنّ به فراح مسلسلا
…
صبّا ببحر لا يصيب قرارا
نهر النواظر حيث آتت شطّه
…
للناظرين شقائقا وبهارا
والصّبح في آفاقه يا سعد قد
…
أخفى النجوم وأطلع العذّارا
فانهض إلى المرمى الأنيق بنا وقد
…
هبّ الصباح ونبّه الأطيارا
وتتابعت خفقاتها في أفقها
…
مثل النّعام قوادما تتبارى
من خود حوراء العراق قوادما
…
يا مرحبا بقدومها زوّارا
فاصح إلى رشق القسيّ إذا ارتمت
…
مثل الحريق أطار عنه شرارا
واطرب على نغمات أطيار بدت
…
في الجوّ وهي تجاوب الأطيارا
من كلّ طيّار كأنّ له دما
…
عند الرّماة فثار يبغي الثّارا
هل جاء في طلب القسيّ لحتفه
…
أم جاء يطلب عندها الأوتارا
فالتمّ يضرب بالجناح كأنّه
…
أبدى البيان يحرّك الأوتارا
خاض الظلام وغبّ فيه فسوّ
…
د الرّجلين منه وسوّد المنقارا
وأتى يبشّر باللقاء فضمّخت
…
تلك المغارز عنبرا ونضارا
والكي «1» كالشيخ الرئيس مزّمل
…
في بردتيه هيبة ووقارا
يسطو على الأسماك يوما كلّما
…
أذكى له حرّ المجاعة ثارا
والوزّ همّ هاجنا تنغيمه
…
ليلا وكم قد شاقنا أسحارا
فاذا تباشير الصباح ثنى له
…
عطفا وصفّق بالجناح وطارا
وترى اللغالغ تستبيك بأعين
…
حورية صفر الجفون صغارا
فكأن ورسا ذاب في أجفانها
…
فحكى النّضار وحيّر النظّارا
وترى الانسياب النوافر تنثني
…
بين الرّياض كأنهن عذارى
يسلبن أرباب العقول عقولهم
…
ويرعن منه حيلة ونفارا
وترى الحبارى كالقطا أرياشها
…
أو كالرياض تفتحا أزهّارا
هجرت مناهلها على برح الظما
…
واستبدلته ذوبة وقفارا
والنّسر سلطان لها لكنّه
…
لم تلفه لدمائها هدّارا
قد شاب منه رأسه من طول ما
…
كثرت عليه عصوره أدوارا
أرخى جناحيه عليه كجوشن «2»
…
لو كان يمنع دونه الأقدارا
وإذا العقاب سطا وصال بكفّه
…
عاينت منه كاسرا جبّارا
يعطي ويمنع عزّة وتكرّما
…
ويلجّ ممنوعا ويمنع جارا
وترى الكراكي «3» كالرماد وربما
…
فرقت فأذكت في القلوب النّارا
قد سطّرت في الجوّ منها أسطرا
…
وطوت سماء سجلّها أشعارا
فإن انصرعن فلا تكن ذا غفلة
…
عن أن ينقّط حليهنّ مرارا